منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - طلباتكم اوامر لأي بحث تريدونه بقدر المستطاع
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-01-09, 20:01   رقم المشاركة : 444
معلومات العضو
محب بلاده
مراقب منتديات التعليم المتوسط
 
الصورة الرمزية محب بلاده
 

 

 
الأوسمة
وسام التميز وسام المسابقة اليومية 
إحصائية العضو










افتراضي

5- إشراك القطاع الخاص في منع وقوع الأزمات وحلها:
يسهم القطاع الخاص بالنصيب الأكبر في التدفقات المالية الدولية. وهنا تبرز أهمية الدور الذي يمكن أن يؤديه القطاع الخاص في المساعدة على منع وقوع الأزمات المالية وحلها إذا وقعت. ويمكن منع حدوث الأزمات والحد من مدى تقلب التدفقات الخاصة عن طريق تحسين عمليات تقييم المخاطر والدخول في حوار أعمق وأكثر تواتراً بين البلدان والمستثمرين من القطاع الخاص. فمثل هذا الحوار يمكن أن يزيد من مشاركة القطاع الخاص في حل الأزمات عند حدوثها، وذلك بأساليب تتضمن إعادة هيكلة الدين الخاص.
ويمكن لكل من الدائنين والمدينين الاستفادة من مثل هذا الحوار. كذلك فإن إشراك القطاع الخاص في منع وقوع الأزمات وحلها من شأنه أن يساعد أيضاً في الحد من "الخطر الأخلاقي" (moral hazard) – أي إمكانية أن ينجذب القطاع الخاص إلى الدخول في عمليات إقراض غير مضمونة من منطلق الثقة في أن الخسائر المحتملة ستكون محدودة نتيجة لعمليات الإنقاذ الرسمية، بما في ذلك الإنقاذ من جانب صندوق النقد الدولي.
ويعمل صندوق النقد الدولي ذاته على تعزيز حواره مع الأطراف المشاركة في السوق، من خلال تشكيل المجموعة الاستشارية المعنية بأسواق رأس المال، مثلاً، والتي اجتمعت للمرة الأولى في سبتمبر 2000. وتمثل هذه المجموعة محفلا للاتصال المنتظم بين المشاركين في أسواق رأس المال الدولية وإدارة الصندوق وكبار موظفيه حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك التطورات الاقتصادية العالمية وتطورات السوق وتدابير تقوية النظام المالي العالمي. غير أن المجموعة لا تناقش المسائل السرية المتعلقة ببلدان بعينها.
وعند وقوع الأزمات، ينتظر من البرامج المدعمة بموارد الصندوق أن تكون قادرة على استعادة الاستقرار، في معظم الحالات، استناداً إلى ما توفره من تمويل رسمي وتعديل في السياسات، وما يرتبط بذلك من زيادة في ثقة المستثمرين من القطاع الخاص. ومع ذلك، فقد يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات أخرى في حالات معينة، مثل إعادة الهيكلة المنسقة للديون من جانب الدائنين التابعين للقطاع الخاص. وقد اتفق أعضاء صندوق النقد الدولي على بعض المبادئ للاسترشاد بها في عملية إشراك القطاع الخاص في حل الأزمات. غير أن هذه المبادئ تتطلب مزيداً من التطوير وينبغي توخي المرونة عند تطبيقها على الحالات المختلفة لفرادى البلدان.
6- التعاون مع المؤسسات الأخرى:
يتعاون صندوق النقد الدولي تعاوناً نشطاً مع البنك الدولي وبنوك التنمية الإقليمية ومنظمة التجارة العالمية ووكالات الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى، وهي مؤسسات لكل منها مجال تخصص معين ومساهمة خاصة في الاقتصاد العالمي، ويتسم تعاون الصندوق مع البنك الدولي في مجال الحد من الفقر بطابع وثيق خاص، لأن البنك، وليس الصندوق، هو صاحب الخبرة في مجال مساعدة البلدان على تحسين سياساتها الاجتماعية .
ومن المجالات الأخرى التي يتعاون فيها الصندوق والبنك الدولي تعاوناً وثيقاً عمليات تقييم القطاعات المالية في البلدان الأعضاء بهدف الكشف عن جوانب الضعف في نظمها، ووضع المعايير والمواثيق، وتحسين نوعية بيانات الدين الخارجي ومدى توفرها ونطاق شمولها.
كذلك فإن صندوق النقد الدولي عضو في منتدى الاستقرار المالي الذي يضم السلطات الوطنية المسؤولة عن الاستقرار المالي في المراكز المالية الدولية المهمة، وهيئات التنظيم والرقابة الدولية، ولجان خبراء البنوك المركزية، والمؤسسات المالية الدولية.
المبحث الرابع: منهج صندوق النقد الدولي الجديد للحد من الفقر في البلدان منخفضة الدخل

صندوق النقد الدولي هو مؤسسة نقدية، وليس مؤسسة إنمائية، ولكنه يسهم بدور مهم في الحد من الفقر في بلدانه الأعضاء. فالنمو الاقتصادي القابل للاستمرار، وهو عنصر أساسي في جهود الحد من الفقر، يتطلب سياسات اقتصادية كلية سليمة، وهي السياسات التي تمثل جوهر التفويض المنوط بصندوق النقد الدولي.
وقد ساعد صندوق النقد الدولي البلدان منخفضة الدخل لسنوات عديدة في تنفيذ سياسات اقتصادية من شأنها تعزيز النمو ورفع مستويات المعيشة، وذلك بتقديم المشورة والمساعدة الفنية والدعم المالي. وفيما بين عامي 1986 و1999، حصل 56 بلداً يبلغ مجموع سكانها 3.2 بليون نسمة على قروض بأسعار فائدة منخفضة طبقاً لتسهيل التصحيح الهيكلي (SAF) وخليفته التسهيل التمويلي المعزز للتصحيح الهيكلي اللذين أنشئا لمساعدة أفقر البلدان الأعضاء في جهودها الرامية إلى تحقيق نمو اقتصادي أقوى وتتحسن مستمر في أوضاع ميزان المدفوعات.
وقد أسهمت هذه التسهيلات إسهاماً ملموساً في جهود التنمية في البلدان منخفضة الدخل، ولكن كثيراً من هذه البلدان لم تحقق المكاسب اللازمة للوصول إلى تخفيض دائم في حدة الفقر بالرغم من المساعدات الكبيرة المقدمة من صندوق النقد الدولي ومجتمع المانحين الأوسع.
وقد أدى ذلك إلى مبادرة الحكومات والمنظمات الدولية وغيرها بإجراء عملية إعادة بحث مكثفة لاستراتيجيات التنمية والديون في السنوات الأخيرة، وتم بعدها الاتفاق على ضرورة بذل المزيد من الجهود في هذا الميدان.
وفي الاجتماع السنوي المشترك بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في عام 1999، اعتمد وزراء البلدان الأعضاء منهجاً جديداً ينص على جعل استراتيجيات الحد من الفقر الصادرة عن البلدان ذاتها هي الأساس الذي يحكم عملية منح القروض الميسرة وتخفيف أعباء الديون التي يوفرها الصندوق والبنك للبلدان الأعضاء. ويجسد هذا الاتجاه منهجاً أكثر اعتماداً من ذي قبل على البلدان الأعضاء في رسم البرامج الاقتصادية التي يدعمها الصندوق.
1- المنهج الجديد: والتركيز على خدمة الفقراء:

من شأن استراتيجيات الحد من الفقر ذات الأهداف المركزة أن تضمن إعطاء أولوية قصوى لاحتياجات الفقراء في إطار المناقشات المعنية بالسياسة العامة، خاصة في حالة اتساع قاعدة المشاركة في صياغة الاستراتيجية – بما في ذلك مشاركة عناصر من المجتمع المدني. وفضلاً عن ذلك، يمكن لاستراتيجيات الحد من الفقر أن تضع البلدان "في موقع القيادة" لتسيير عملية التنمية فيها على أساس رؤية واضحة المعالم لمستقبلها وخطة منظمة لتحق׀Šق أهدافها. ويستند هذا المنهج الجديد إلى عدد من المبادئ التي تسترشد بها عملية وضع استراتيجيات الحد من الفقر.
وتتضمن هذه المبادئ ما يلي:
§من الضروري وجود منهج شامل إزاء التنمية ورؤية واسعة لأوضاع الفقر.
§تحقيق النمو الاقتصادي بمعدل أسرع هو عنصر حاسم من عناصر التخفيض المستمر لحدة الفقر، وزيادة المشاركة من جانب الطبقات الفقيرة من شأنها زيادة إمكانات النمو في البلدان المعنية.
§من الاعتبارات الحيوية شعور البلدان "بملكية" أهداف التنمية والحد من الفقر، والاستراتيجية المتبعة لتحقيقها، والتوجه المعتمد في تطبيقها.
§يجب أن تتعاون الدوائر الإنمائية تعاوناً وثيقاً في هذا الميدان.
§ينبغي التركيز بشكل واضح على النتائج.
وطبيعي أن نتائج المنهج الجديد لن تتحقق بين عشية وضحاها، ذلك أن تحولاً بالحجم المطلوب يستتبع إحداث تغييرات في المؤسسات حتى تصبح في موضع المساءلة أمام الجميع، بما في ذلك الفقراء، وبناء قدرة كل بلد على الاستجابة لاحتياجات جميع المواطنين. ولن تتحقق النتائج ما لم يكن هناك التزام طويل الأجل من جانب الحكومات وشركائها. وللمساعدة في تحقيق ذلك، تقوم البلدان المشاركة بإعداد خطة شاملة ضمن تقرير استراتيجية الحد من الفقر (PRSP). وتيسر هذه الخطة الكلية على المجتمع الدولي - بما في ذلك صندوق النقد الدولي - تقديم الدعم بأكبر درجة ممكنة من الفعالية.
2-دور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي:

يوفر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الدعم للحكومات في وضع استراتيجياتها، ولكن دون التدخل في تحديد النتائج. ذلك أن إدارة كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تدرك ما يتطلبه ذلك من تحول في الثقافات والتوجهات التنظيمية في المنظمات والمؤسسات الشريكة. وقد بدأ هذا التحول يحدث بالفعل. فمن خلال التنسيق في وقت مبكر والإبقاء على خطوط اتصال مفتوحة مع سلطات البلد المعني - خاصة من خلال تقديم المعلومات التشخيصية المتوفرة - يمكن للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن يضمنا مساعدة البلدان في الوقت المناسب وبصورة شاملة.
وينبغي لكل مؤسسة أن تركز على مجالات تخصصها. وهكذا فإن خبراء البنك الدولي يضطلعون بالدور القيادي في تقديم المشورة بشأن السياسات الاجتماعية التي تسهم في الحد من الفقر، بما في ذلك العمل التشخيصي اللازم في هذا الخصوص، بينما يقدم صندوق النقد الدولي المشورة للحكومات في مجال ولايته التقليدية، بما في ذلك تشجيع السياسات الاقتصادية الكلية الرشيدة. أما في المجالات التي يتمتع فيها كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالخبرة اللازمة – كإدارة المالية العامة، وتنفيذ الميزانية، وشفافية الميزانية، وإدارة الضرائب والجمارك – فيتم التنسيق التام بين المؤسستين بدقة تامة.
ولأن تقرير استراتيجية الحد من الفقر يوفر لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي إطاراً للإقراض الميسر وتخفيف أعباء الديون، فأن هذه الاستراتيجيات تعد بالغة الأهمية لعمل المؤسستين. وتقوم البلدان المشاركة بإرسال الاستراتيجية النهائية إلى المجلسين التنفيذيين للصندوق والبنك الدولي لإقرارها، كما يتلقى المجلسان التنفيذيان تقييماً مشتركاً يعده خبراء المؤسستين، مع تحليل للاستراتيجية وتوصية بشأن إقرارها. وجدير بالذكر أنه لا يشترط لإقرار الاستراتيجيات المقدمة أن تتطابق تطابقاً تاماً مع توصيات الخبراء، و لكن هذه العملية تضمن للمجلسين التنفيذيين - و المجتمع الدولي - أن هذه الاستراتيجيات من شأنها معالجة القضايا الصعبة أو الخلافية على نحو فعال و لا تقف عند حدود اجتداب التأييد المحلي الذي ربما تتمتع به على نطاق واسع.
3-خفض أعباء الديون:

في عام 1996، أعلن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مبادرة "هيبيك" (HIPC Initiative) لخفض أعباء الديون على أفقر بلدان العالم. واعتبرت هذه المبادرة وسيلة لمساعدة البلدان المعنية على تحقيق النمو الاقتصادي والحد من الفقر.
ورغم تأهل عدة بلدان للاستفادة من هذه المبادرة – والالتزام مع حلول سبتمبر 1999 بتخفيف أعباء ديون سبعة بلدان بقيمة إسمية كلية تبلغ أكثر من 6 بليون دولار أمريكي – فقد تزايد القلق من أن المبادرة لم تقطع شوطاً طويلاً بالقدر الكافي أو بالسرعة الكافية.
وبالتالي، فعند اعتماد المنهج الجديد للحد من الفقر في عام 1999، تم تعزيز المبادرة لكي توفر ما يلي:
·تخفيف أعمق وأوسع نطاقاً لأعباء الديون، عن طريق خفض الأهداف الموضوعة لها. فعلى سبيل المثال، يبلغ عدد البلدان المؤهلة للاستفادة من تخفيف أعباء الديون بموجب مبادرة "هيبيك" المعززة حوالي 36 بلداً بالمقارنة بالعدد السابق وهو 29.
·تخفيف أسرع لأعباء الديون، عن طريق توفير التمويل في مرحلة مبكرة من البرنامج المعني بالسياسات، وذلك لإطلاق الموارد اللازمة للإنفاق على عمليات الحد من الفقر، مثل الإنفاق على الصحة والتعليم.
وبفضل تخفيف أعباء الديون بموجب مبادرة "هيبيك" وما عداها، من المتوقع أن تنخفض أرصدة ديون البلدان المعنية بمعدل متوسط يصل إلى الثلثين تقريباً، مما يؤدي إلى توفير أموال للإنفاق على البرامج الاجتماعية.
واعتباراً من 27 أبريل 2002، كانت 27 بلداً من البلدان منخفضة الدخل – 23 منها في إفريقيا جنوب الصحراء – قد بدأ يتلقى مساعدات تخفيف أعباء الديون المقررة في إطار مبادرة "هيبيك".
أما البلدان المؤهلة للاستفادة من هذه المبادرة فهي البلدان منخفضة الدخل التي تتحمل أعباء ديون غير قابلة للاستمرار، ومعظمها يقع في إفريقيا. وبالنسبة لهذه البلدان، لا تكفي حتى الاستفادة الكاملة من الآليات التقليدية المتمثلة في إعادة جدولة الديون وتخفيض الديون - إلى جانب المعونات والقروض الميسرة، وانتهاج سياسات سليمة - لكي تصل هذه البلدان إلى مستوى الدين الخارجي "القابل للاستمرار"، أي – مستوى من الدين يمكن خدمته بشكل مريح عن طريق حصيلة الصادرات والمعونات وتدفقات رأس المال الوافدة، مع الحفاظ على مستوى مناسب من الواردات.
وفي ظل مبادرة "هيبيك"، يتاح تخفيض الديون لدعم السياسات المشجعة للنمو الاقتصادي والحد من الفقر. ويتمثل جزء من مهمة صندوق النقد الدولي، بالتعاون مع البنك الدولي، في العمل على ضمان عدم تبديد الموارد التي يوفرها تخفيض الديون. فتخفيض الديون وحده، بغير اتباع سياسات سليمة، لا يمكن أن يفيد في الحد من الفقر. كذلك فإن السياسات الرامية إلى الحد من الفقر ينبغي دعمها ليس فقط بتخفيف أعباء الديون، بل أيضاً بزيادة تدفقات المعونة من البلدان الأكثر ثراء وتمكين البلدان النامية من دخول أسواق البلدان الصناعية بحرية أكبر.
ويعتبر النجاح في تشجيع النمو الذي تشترك في جني ثماره قاعدة عريضة من البلدان، وكذلك النجاح على وجه التخصيص في ضمان وضع حد لتباعد الفقراء عن ركب النمو، هو مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمع الدولي بأسره. ويحاول صندوق النقد الدولي جاهداً أن يسهم بدور في هذا المسعى من خلال ما يبذله من جهود لجعل ثمار العولمة في متناول الجميع.
الفصل الثاني: صندوق النقد الدولي من منظور محايد
المبحث الأول: مراحل تطور المؤسسات المالية الدولية – صندوق النقد الدولي-:
يرى الخبير الإقتصادي و السياسي الدكتور عبد السليم أديب أن المؤسسات المالية الدولية عاشت منذ تأسيسها مرحلتين متميزتين أثرت تأثيرا بالغا في سياساتها، تعتبر المرحلة الأولى مرحلة ازدهار اقتصادي وامتدت من 1945 الى 1970، أما الثانية فهي مرحلة أزمة وتبدأ من بداية عقد السبعينات وتستمر الى الآن.
I/ – مرحلة الاستقرار والتوسع الاقتصادي: 1945 – 1970:
فقد اعتمد استقرار النظام الرأسمالي وتوسعه خلال المرحلة الأولى (1945 – 1970) على تكامل وتوازن ثلاث مشاريع شكلت مرجعية للنظم السياسية والاقتصادية السائدة في تلك المرحلة وهي:
1) - مشروع دولة الرفاه الديموقراطية الوطنية في الغرب، وهو مشروع رأسمالي تدخلي بالمفهوم الكينيزي قائم على فاعلية النظم الإنتاجية الوطنية المتمركزة على الذات وتقوم على الاعتماد المتبادل فيما بينها وتتسم بتسوية تاريخية بين رأس المال والعمل نظرا للدور الذي قامت به القوى الشعبية في الانتصار على الفاشية. وقد تبنت هذا المشروع دول أوروبا الغربية ودول أمريكا الشمالية واليابان.
2) - مشروع مؤتمر "باندونغ" لسنة 1955 الذي استهدف بناء دولة بورجوازية وطنية في البلدان المتخلفة المستقلة حديثا وهو مشروع تنموي وطني استفادت منه القوى الشعبية نتيجة لدورها التاريخي في التحرر من المستعمر، وقد ضم المشروع مختلف الدول التي انخرطت في حركة ما يعرف بعدم الانحياز.
3) – المشروع الاشتراكي السوفيتي الذي يمكن وصفه بمشروع "رأسمالية الدولة"، وهو مشروع مستقل عن النظام الرأسمالي العالمي استغل نمط الإنتاج الاشتراكي لبناء رأسمالية الدولة وقد استفادت منه القوى الشعبية التي قادت الثورة واستطاعت هزم النظام الفاشي. غير أن النظام تم اخضاعه لتحكم صارم من طرف طبقة سياسية بيروقراطية. وقد تبنت هذا المشروع بمستويات مختلفة كل من دول شرق أوروبا والصين وكوبا.
وقد أدى هذا التوازن الى تحقيق معدلات مرتفعة من النمو على الصعيد العالمي خلال هذه المرحلة أضفى هذا النمو فاعلية كبيرة على عمل النظام النقدي، على الرغم من عيوبه المختلفة.
أما الدور الذي لعبته المؤسسات المالية خلال هذه المرحلة فيتمثل في النقاط التالية:
1) – عملت المؤسسات المالية الدولية خلال هذه المرحلة على مواكبة ومساندة الاستقرار الاقتصادي مما ساهم في توسيع نطاق العولمة الاقتصادية تدريجيا نتيجة للرواج الاقتصادي السائد، دون أن يتعارض ذلك مع الاستقلالية الذاتية لكل مشروع من المشاريع الثلاثة المشار إليها، على الرغم من أن تدخلات هذه المؤسسات كانت تنحاز دائما في اتجاه اليمين، بطبيعة الحال، أي في اتجاه القوى الرأسمالية التقليدية. وقد قام منطق المؤسسات المالية الدولية منذ البداية على أن مجرد نمو الدخل الوطني سيؤدي إلى حل "مشكلة الفقر" ، وأن الانفتاح على السوق العالمية سيؤدي إلى نتائج إيجابية. وفي هذا الإطار كان صندوق النقد الدولي يقوم بدور دعم السياسات التي تسعى الى العودة الى التوازنات في حالة اختلال في ميزان المدفوعات، كما كان الصندوق يقوم الى جانب البنك الدولي والكات بدور الحفاظ على استمرار تحويل العملات والتخفيض التدريجي للرسوم الجمركية.
2) – عموما كانت المؤسسات المالية الدولية تحترم الخيارات الاقتصادية والمالية للدول المختلفة .
3) – ورغم أجواء الاستقرار السائدة كانت هناك مؤاخذات على عمل المؤسسات المالية الدولية خلال هذه المرحلة تمثلت في:
-أن تدخلات المؤسسات المالية الدولية، تتسم بالتحفظ الشديد لدرجة العجز والخجل. حيث ظل صندوق النقد الدولي عاجزا في تعامله مع الدول الرأسمالية الكبرى؛
-أنه تم استبعاد البنك الدولي عن مسؤوليات إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، على الرغم من أن البنك قد أنشئ لهذا الغرض بالتحديد. فقد تم إحلال خطة مارشال الأمريكية مكانه؛
-أن اتفاقيات الكات اكتفت بالمطالبة بتخفيض الرسوم الجمركية.
II/– مرحلة انفجار الأزمة الهيكلية للنظام الرأسمالي:
مع بداية عقد السبعينات بدأت بوادر الأزمة الهيكلية للنظام الاقتصادي العالمي تحل تدريجيا محل الازدهار السابق. وجاء هذا الإنهيار التدريجي نتيجة تراجع مكانة القوى الشعبية في ميزان القوة السياسية لصالح التحكم المطلق لرأس المال ونتيجة لعدة عوامل أخرى بعضها كامن في طبيعة النظام الرأسمالي نفسه الذي يقود بشكل ميكانيكي نحو الأزمة (نظرية الدورات الاقتصادية)، والبعض الأخر نتيجة انهيار التوازن الثلاثي السابق، حيث تآكل تدريجيا كل من المشروع الاشتراكي السوفيتي نتيجة عجز النظام عن تجديد نفسه ومشروع باندونغ لدول عدم الانحياز نتيجة لغياب الديموقراطية السياسية وهيمنة الكومبرادورية. كما ارتبطت عوامل أخرى بانهيار النظام النقدي الدولي مع اعلان الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1971 من جانب واحد ايقاف العمل بتحويل الدولار الى ذهب وكذا انعكاس الصدمة البترولية الأولى لسنة 1973 على تفاقم أسعار المواد الأولية.
وتمثلت أبرز معالم الأزمة في ظاهرة الركود التضخمي، أي في تعايش الركود الاقتصادي الى جانب التضخم المالي وهي ظاهرة لم يعرفها الاقتصاد الرأسمالي من قبل، ولم تجد النظريات الاقتصادية الكينيزية حلولا لها. فقد كان هناك تفاوت صارخ بين حجم رؤوس الأموال الهائلة وتراجع منافذ الاستثمار مما أدى إلى الركود الاقتصادي والبطالة من جهة وإلى ارتفاع معدلات التضخم من جهة أخرى الشيء الذي هدد بانهيار مالي عالمي خطير.
هنا ستعرف سياسات المؤسسات المالية الدولية انقلابا جذريا في اتجاه السعي الى تدبير الفوضى والأزمة القائمة لفائدة الرأسمال المالي الدولي. و سنتطرق فقط لمعالم السياسات الجديدة التي انتهجها صندوق النقد الدولي حيث سنجد أن انشاء هذه المؤسسة تم أساسا من أجل تثبيت الأوضاع النقدية وبناء اقتصاد مفتوح على الصعيد العالمي وذلك في ظل غياب قاعدة الذهب التي كانت تقوم بهذه الوظيفة حتى الحرب العالمية الأولى. وقد نجح صندوق النقد الدولي في أداء هذه المهمة عندما ساهم في تحويل العملات الأوروبية ما بين 1948 الى عام 1957 وكذلك عندما شارك في رسم سياسات تقويم متبادلة بين الاقتصاديات الأوروبية من عام 1958 الى عام 1966.
لكن انطلاقا من عام 1967- بدأت تدخلات الصندوق تفشل في تحقيق الثبات، على الرغم من اختراع وسائل سيولة عالمية جديدة وهي حقوق السحب الخاصة. فقد تدهورت العملات الرئيسة مثل الجنيه الإسترليني والفرنك الفرنسي، وارتفعت أسعار كل من المارك الألماني والين الياباني، بينما ضل سعر الذهب عائما. لذلك يمكن اعتبار تاريخ الأخذ بمبدأ التعويم العام للعملات –انطلاقا من سنة 1973- هو تاريخ انتهاء السياسات السابقة للصندوق. وانطلاقا من تراجع الرواج الاقتصادي ودخول النظام الرأسمالي في مرحلة الأزمة، انهار الدور القديم لصندوق النقد الدولي ، وأصبح مضطرا لأن يتكيف مع الواقع الجديد، والمحافظة على وجوده من خلال العمل على تماسك أدوات تنفيذ خطة إدارة الأزمة، وذلك من خلال:
§تعويم الصرف،
§والحفاظ على ارتفاع معدلات الفائدة،
§وتحرير تحركات رؤوس الأموال،
§وإدارة التقويم الهيكلي الخاص بالبلدان النامية،
§وإعادة إدماج بلدان المعسكر الاشتراكي السابق في المنظومة النقدية العالمية.
1– فقد وجد صندوق النقد الدولي حلا لظاهرة رؤوس الأموال المتراكمة وتناقص منافذ الاستثمار باعتماده على سياسة تعويم العملات، حيث شكل هذا التعويم منفذا لفائض الأموال السائلة في المضاربات المالية.
والملاحظ هنا أن دعوة صندوق النقد الدولي لدول العالم الثالث إلى فتح حدوده أمام هذه التدفقات المالية، والأخذ بسياسة الصرف العائم يخففان من خطورة الأزمة التي كانت تهدد بانهيار مالي خطير في مراكز المنظومة الرأسمالية.
وتؤكد هذه الملاحظة على أن اهتمام صندوق النقد الدولي ينصب في واقع الأمر على إدارة الأزمة أكثر مما ينشغل بإيجاد حلول ناجعة لمشاكل دول العالم الثالث.
2 – كما شكلت سياسة المحافظة على ارتفاع أسعار الفائدة المطبقة على القروض الدولية وسيلة فعالة لضمان مردودية معقولة للاستثمارات المالية، وثمنا لتأمين هذه الأموال ضد مخاطر المضاربة المالية في ظل تقلبات أسعار الصرف العائمة. وتعتبر هذه السياسة كذلك جزءا في إدارة الأزمة.
3)–كما يمكن تسجيل سياسة تحرير حركة رؤوس الأموال التي سنها صندوق النقد الدولي ضمن سياسات التقويم المفروضة على البلدان المدينة ضمن وسائل إدارة الأزمة المالية العالمية. فمنطق سياسات التقويم الهيكلي يقوم على إعطاء الأولوية لفتح المجال أمام تحركات رؤوس الأموال، ولو تم على حساب التنمية. والمقصود هنا هو إطلاق الحرية الشاملة لتحركات الأموال مما يستلزم اتخاذ مجموعة من الإجراءات ذات الطابع الانكماشي، مثل :
- تخفيض الأجور والنفقات الاجتماعية،
- وتحرير الأسعار،
- وإلغاء دعم المواد الأساسية،
- وتخفيض سعر الصرف.
وتنشغل المؤسسات المالية الدولية بهذه المهمات المرتبطة مباشرة بإدارة الأزمة. مما يجعل خطابها حول "التنمية" والدموع التي تذرفها على "الفقر" مجرد خطبا للاستهلاك تنقصها المصداقية.

المبحث الثاني : علاقة صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي و المنظمة العالمية للتجارة:

هناك أوجه اتفاق وأوجه افتراق بين كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتعمير والتنمية و المنظمة العالمية للتجارة.

1-أهم أوجه الإتفاق بين صندوق النقد الدولي و البنك الدولي:

1.إن الصندوق والبنك يتفقان في أن المشكلة في الدول النامية هي تراكم أخطاء داخلية في تلك الدول ، أدت إلى تفاقم كل من العجز الداخلي والخارجي . ومن ثم فهما يستبعدان العوامل الخارجية تماما.


2. يعمل الصندوق مع البنك جنبا إلى جنب لتحقيق أهدافهما، حيث يعقدان اجتماعاتهما بصفة مشتركة في مكان وزمان واحد ، بل وصل التضامن بينهما أن البنك الدولي ، لا يقدم قروضا لدولة نامية ، حتى تحضر له خطابا من صندوق النقد الدولي ، يبين فيه أن تلك الدولة قد خضعت لسياسات الصندوق ، ونفذت كل ما فيها. 3. إن معظم الدول المؤسِّسة للصندوق والبنك ، هي الدول الغربية ، وعلى رأسها دول الحلفاء : الولايات المتحدة الأمريكية ، وبريطانيا ، وفرنسا ، التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية ، وقد استحوذت تلك الدول على نصيب الأسد في تمويل المؤسستين ، ومن ثم تمكنت من السيطرة عليهما ، وتوجيههما الوجهة التي توافق مصالحها ومبادئ النظام الرأسمالي الغربي ، الذي يراد له أن ينتشر في العالم ، مما يسهل للدول الغربية ، السيطرة والتحكم وبخاصة فيما يتعلق بالدول النامية . فإذا نظرنا إلى حصص الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي ، التي عدلت عدة مرات كان آخرها التعديل الحادي عشر عام 1998م ، حيث وافق مجلس المحافظين على زيادة حصص الدول الأعضاء في الصندوق ليصل إجمالي الحصص إلى 212 مليار وحدة من حقوق السحب الخاصة ، نجد أن نسبة حصص خمس دول تمثل نحو 38% من مجموع حصص الدول الأعضاء البالغة 182 دولة ! وهذه الدول الخمس حسب تعديل عام 1998م هي كما يلي: §الولايات المتحدة الأمريكية وتبلغ حصتها أكثر من سبعة وثلاثين مليار وحدة حقوق سحب خاصة بنسبة 5 ,17% .
§ألمانيا واليابان وتبلغ حصة كل منهما أكثر من ثلاثة عشر مليار وحدة حقوق سحب خاصة ، بنسبة 6% لكل منهما .
§ المملكة المتحدة وفرنسا وتبلغ حصة كل منهما أكثر من عشرة مليارات وحدة حقوق سحب خاصة ، بنسبة 4 % لكل منهما .

إن هذا التوزيع للحصص ، يفسر سبب هيمنة الدول الصناعية الغربية على سياسات الصندوق ، بل ويفسر التزام الصندوق بالفكر الاقتصادي الرأسمالي ، وحرصه الشديد على تنفيذ ذلك الفكر في الدول النامية ، دون النظر إلى خصوصياتها وأوضاعها الدينية والاجتماعية ، تحقيقا لأهداف العولمة الاقتصادية المتمثلة في جعل العالم كله يسير وفقا للنموذج الرأسمالي الغربي ويرتبط به ارتباطا عضويا .


فالقرارات ذات الأهمية في تحديد سياسات الصندوق حدد لها نسبة عالية هي 85% من مجموع الأصوات . وهذا بطبيعة الحال، جعل باستطاعة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى استعمال حق الاعتراض (الفيتو) على قرارات الصندوق، ولا شك أن هذا ينعكس أثره في نشاط الصندوق ، وتبقى السياسة المالية له محكومة برغبة الدول ذات الأصوات الكثيرة ، حيث تتعطل القرارات باعتراض دولة واحدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، أو بعدد قليل من الدول الكبيرة

2-أهم أوجه الإختلاف بين صندوق النقد الدولي و البنك الدولي:






وقد انتقد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعته ـ بما في ذلك الرابطة الدولية للتنمية ـ بأن ما يدفعه من قروض للدول النامية إنما هو لتحقيق المصالح الاقتصادية والسياسية للدول المسيطرة عليها وهي الدول الرأسمالية الغربية. وأما الدوافع الإنسانية أو تحقيق الأهداف المعلنة لتلك المنظمات فهو يسير يستعمل للدعاية فقط . صحيح أن تلك المنظمات قد تحقق مصالح للدول الفقيرة ، لكن عند التعارض بين مصالح تلك الدول ومصالح الدول الكبرى وهو الغالب ، فإن مصالح الدول الكبرى تكون هي الراجحة . و أن منظمات العولمة الاقتصادية لتحقيق أهداف خفية للعولمة تخدم مصالح الدول الغربية الكبرى وشركاتها وبخاصة متعددة الجنسية منها.

3- أوجه التوافق و الإختلاف بين المظمتين السلبقتين و منظمة التجارة العالمية:

هاتين المنظمتين توافقان منظمة التجارة العالمية في أمور منها :

4 . يرتبط نظام التصويت في الصندوق والبنك ارتباطا كبيرا بحصة البلد العضو وهو ما يسمى بنظام التصويت المُرجِح ، بمعنى أن اتخاذ القرار يتناسب مع مقدار الحصة. فقد جاء في اتفاقية الصندوق والبنك أن لكل عضو مئتين وخمسين صوتا يضاف إليها صوت واحد عن كل مئة ألف وحدة حقوق سحب خاصة من حصته 1.يهتم الصندوق بالقضايا النقدية وتوازن موازين المدفوعات ، ومراقبة العناصر الإجمالية أو الكلية في الاقتصاد كالدخل القومي وكمية النقود ونحو ذلك . أما البنك الدولي فمجال نشاطه التطوير الاقتصادي والاجتماعي ، وتنصب اهتماماته على عائد المشروعات الاستثمارية للوحدات الاقتصادية الجزئية كالزراعة ، والطاقة، والصحة ، والنقل . 2. أن برامج الصندوق قصيرة الأجل ـ عادة ما بين 3ـ 5 سنوات، أما برامج البنك فهي تكمل مهمة الصندوق ؛ فهي قروض طويلة الأجل تمتد من 5ـ 10 سنوات وبخاصة برامج التكييف الهيكلي ، التي تهدف إلى إعادة صياغة وتشكيل السياسات والتوجهات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية ، وتكييف هياكلها بما يلائم الاقتصاد الرأسمالي . 3.الهدف الرئيس للصندوق هو الإشراف على النظام النقدي الدولي ، ومساعدة الدول الأعضاء في التغلب على مشكلاتها النقدية قصيرة الأجل. أما الهدف الرئيس للبنك فهو تحقيق النمو الاقتصادي طويل الأجل في الدول النامية الأعضاء ، من أجل الارتفاع بالمستوى المعيشي فيها ومكافحة الفقر والبطالة بتنشيط التمويل الموجه إلى التنمية . 4. ما يقدمه الصندوق للدول الأعضاء إنما هو تسهيلات ائتمانية إلى الدول التي تفتقر إلى مبالغ كافية من العملات الأجنبية لتغطية التزاماتها المالية قصيرة الأجل ، فهي معاملة صرف أو مبادلة عملة بعملة ، وقد يتوسط في ترتيب حصول الدولة العضو على قروض من جهات رسمية أو تجارية بعد موافقة البلد المعني على برنامج الصندوق الإصلاحي . أما ما يقدمه البنك فهو قروض للدول النامية الأعضاء التي تفتقر إلى الموارد المالية لتمويل المشروعات التنموية فيها ، وقد تكون تلك القروض من موارد البنك ، وبخاصة من حصيلة السندات التي يصدرها ويطرحها للتداول في الأسواق المالية العالمية . §1ـ الأهداف وبخاصة : رفع مستوى الدخل الفردي والوطني ، والعمل على زيادة التجارة العالمية وتحريرها ، وأهمية التشاور في الأمور المشتركة .
§2ـ تضع منظمة التجارة العالمية سياسات ومبادئ تطالب الدول الأعضاء بالالتزام بها تتفق في الاتجاه العام والسياسات الاقتصادية التي ينفذها الصندوق والبنك في الدول النامية ، وهو اتجاه الإصلاح وتحرير السياسات، وفقا لضوابط اقتصاد السوق ، وحرية التجارة ، وإعطاء الاهتمام اللازم للتصدير ، وإلغاء الدعم .

ويفترقان عنها في أمور منها ما يلي :

§1ـ نظام التصويت المعمول به في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مبني على نظام التصويت المرجح ـ كما تقدم ـ بحيث يكون لبعض البلدان أصوات أكثر من غيرها . أما منظمة التجارة العالمية فتنص اتفاقيتها على أن اتخاذ القرارات في المنظمة يكون بتوافق الآراء ، أو أغلبية الأصوات إذا لزم الأمر ، ويكون لكل بلد صوت واحد . ولا شك أن جعل نظام التصويت في منظمة التجارة العالمية بهذا الشكل في مصلحة البلدان النامية ؛ لأنه أكثر عدالة من نظام التصويت المرجح .
§2ـ في حين أن منظمتي بريتون وودز تعامل الدول المتقدمة والدول النامية معاملة واحدة ، فإن اتفاقية منظمة التجارة العالمية قد أعطت الدول النامية الأعضاء فيها ، بعض الاستثناءات التي تخفف من الآثار السيئة لفتح الأسواق وتحرير الاستيراد، تشتمل على بعض المزايا كتصدير منتجاتها إلى الدول الصناعية دون حواجز جمركية أو على الأقل جمارك منخفضة ، كما أنها تمكن الدول الأعضاء من اللجوء إلى جهاز فض المنازعات التجارية، في حالة تضررها من إحدى الدول بما فيها الدول الكبرى ، للحصول على تعويضات عن الأضرار التي لحقت بها ، ويبقى الأمر المهم هو مسألة تنفيذ تلك الاستثناءات . إلا أن الغالب أن مبادئ منظمة التجارة العالمية بشأن فتح الأسواق ، تصب في مصلحة الدول المتقدمة لا مصلحة الدول النامية ؛ وذلك أن منتجات الدول المتقدمة منتجات متطورة ، وذات مواصفات عالية ، ولديها قدرة تسويقية عالية ، وهو ما لا يتوافر لمنتجات الدول النامية .
§3ـ سياسات ومبادئ منظمة التجارة العالمية شاملة لجميع الدول الأعضاء، بخلاف سياسات منظمتي بريتون وودز وبخاصة برامج الإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي ، فإنها لا تطبق إلا على الدول التي تحتاج إلى ذلك كالدول النامية
المبحث الثاني: علاقة صندوق النقد الدولي بالبلدان النامية:
1- الوصفة العلاجية.. برامج إجبارية:
"التصحيح الاقتصادي"، "برامج صندوق النقد الدولي"، "شروط الصندوق".. عبارات لا تخلو منها سياسة أي دولة نامية، وسواء اتبعت الدول هذه السياسات أم لا، فلا بد وأن الصندوق قد حددها ومارس ضغوطا ما لتنفيذها.. فما معنى "التصحيح الاقتصادي"؟ وما هي مكوناته الأساسية والإطار العام الذي يحكمه وفقا لرؤية صندوق النقد الدولي؟ ولماذا يجبر الصندوق الدول النامية على قبول برنامجه للتصحيح الاقتصادي؟
يعتبر التصحيح جُملة من السياسات الاقتصادية والمالية التي تستهدف معالجة الاختلالات في توازن الاقتصاد الكلي داخليا وخارجيا، والوصول إلى معدلات نمو عالية، مع تحقيق الاستقرار الاقتصادي. وبذلك يشمل التصحيح الاقتصادي الاستقرار والإصلاح الهيكلي على السواء.
يمكن أن تتم عملية التصحيح الاقتصادي بمساعدة صندوق النقد الدولي أو بدونه. ولكن في الغالب الدول النامية التي تتمتع بعضوية الصندوق تجبر على إنجاز التصحيح عبر تطبيق سياسات الصندوق لحاجتها الملحة للحصول على التمويل الذي يوفره صندوق النقد، سواء من مصادره الخاصة، أو من مصادر أخرى مثل البنك الدولي والمؤسسات التابعة له والمنظمات الأخرى.
تلجأ الدول إلى طلب مساعدة صندوق النقد الدولي عندما تواجه مشكلة في ميزان المدفوعات، وتكون هذه المساعدة في شكل قروض وتوصيات مالية ضمن برنامج تحدد فترته الزمنية، ويطلق على ما يشتمله البرنامج من سياسات مالية واقتصادية "برنامج التصحيح الاقتصادي". وتصاغ مطالب الصندوق في البرنامج المشار إليه على أن تضمن معايير لتقييم الأداء يتوقف عليها حصول الدولة على الاعتمادات المالية المرصودة لتنفيذ البرنامج. ويوفد الصندوق بعثة فنية كل ستة أشهر للقيام بعملية التقييم، ومعرفة مدى التزام الدولة ببنود البرنامج المتفق عليه، والشروط الواردة فيه بموجب وثيقة تعرف بـ"خطاب النوايا".
ويطلق على مجموعة السياسات الاقتصادية والإجراءات المالية والنقدية المصاحبة لعملية التصحيح عدة تسميات بحسب الهدف المراد تحقيقه أو النتيجة المتوقع الحصول عليها جراء تطبيق برنامج التصحيح، وكذلك مقدار وحجم عناصر السياسة المالية والإجراءات المصاحبة للخطوات التنفيذية؛ فتسمى بـ"البرمجة المالية" عندما يكون الإصلاح المالي هو العنصر الرئيسي في علاج اختلال ميزان المدفوعات وإعادة التوازن الداخلي والخارجي، كما تسمى بـ "برامج الاستقرار" حيث يكون الهدف هو تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي في الأجل القصير من خلال استخدام السياسة المالية لتلعب دورا جوهريا في الإصلاح الاقتصادي، وتسمى أيضا بـ "برنامج التكيف" على أساس أن العناية بتصحيح ميزان المدفوعات تتم من خلال تصحيح اختلال مكونات ميزان المدفوعات، وكذلك الاهتمام بالتطور الكلي وتعديل الطلب الكلي بالنسبة للعرض الكلي، وذلك للتخصيص الأمثل لموارد عناصر الإنتاج. كما تسمى حزمة السياسات المالية والاقتصادية والإجراءات المستخدمة ضمن عملية التصحيح بـ" سياسات التحرير الاقتصادي"
والخلاصة أنه مهما تعددت المسميات وتنوعت إجراءات تصميم السياسات فإن عملية التصحيح المسنودة من الصندوق تتضمن نوعين من السياسات الاقتصادية تلك التي تهتم بجانب الطلب بهدف تقليل التضخم والعجز الخارجي، بينما تستهدف سياسات الإصلاح الهيكلي معالجة جانب العرض وكفاءة استخدام الموارد، والتركز على قطاعات معينة مثل التجارة والمالية والصناعة.
يرجع التصحيح الاقتصادي الذي يطرحه صندوق النقد الدولي إلى تقاليد غير مدونة، تطور العمل بها منذ مطلع السبعينيات، وأدخلت عليها تعديلات مهمة من خلال تجربة الصندوق مع العديد من الدول النامية في أمريكا اللاتينية وشرق آسيا، كما كان للأحداث التي مرت بالاقتصاد العالمي في عقد السبعينيات دور بارز في هذا التطور مثل التحول من نظام تعويم أسعار الصرف بالنسبة للعملات الرئيسية، وارتفاع معدلات الفائدة في أسواق الائتمان الدولية، إضافة إلى استيعاب التطور الذي حدث في دراسة قضايا الاقتصاد الكلى والعالمي.
ويمكن إرجاع الأساس النظري للتصحيح الاقتصادي الذي يتبناه صندوق النقد الدولي إلى ثلاثة فروض أساسية هي:
§إن سبب الاختلال الخارجي في الاقتصاد هو وجود فائض في الطلب الكلي على العرض الكلي؛ حيث تكون كمية النقود في الاقتصاد أكبر من كمية السلع والخدمات الحقيقية.
§معالجة الاختلال في ميزان المدفوعات يتطلب التخفيض في الطلب، وإعادة تخصيص الموارد الإنتاجية حتى يزيد العرض الكلي، ويؤدي ذلك إلى توازن عرض النقد الأجنبي والطلب عليه عن طريق إجراء تصحيح في سعر الصرف.
§للوصول إلى تحقيق التوازن الخارجي عند مستوى التشغيل الكامل يتم تغيير نظام الأسعار وإعادة تخصيص الموارد، وبالتالي زيادة معدلات النمو في الأجل الطويل.
إن الفروض النظرية ترجع الاختلال في الميزان الخارجي إلى ما يُسمى اصطلاحا بـ "المنهج النقدي" لميزان المدفوعات، الذي يعتبر أن ميزان المدفوعات هو ظاهرة نقدية، وهذا التحليل تعود أصوله للمدرسة الكلاسيكية الجديدة في الاقتصاد الرأسمالي، والتي تضم الاقتصاديين النقديين، وهي تنادي بعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وترك قوانين السوق الحرة تعمل دون عوائق. كما تفسر المشكلات الاقتصادية المعاصرة مثل التضخم والبطالة والركود الاقتصادي، وزيادة عجز الموازنة بأنها مجرد أخطاء السياسة النقدية التي عمقها تدخل الدولة؛ ولذلك يجب التركيز على الهدف الأساسي، والذي في نظرهم – لأية سياسة اقتصادية ناجحة – هو مكافحة التضخم عن طريق ضبط معدلات نمو كمية النقود بما يتناسب مع نمو الناتج القومي الحقيقي؛ لأن الإفراط في عرض النقود هو المسؤول عن هذه المشكلات.
وقد تَدَعّم هذا الاتجاه النقدي لتفسير المشكلات الاقتصادية بظهور اقتصاديات العرض التي تعني أن زياد الإنتاج تؤدي تلقائيا إلى زيادة الطلب فيتوازن الاقتصاد الكلي دون أن تتدخل الدولة أو تفرض ضرائب عالية. ويتم ذلك عن طريق منح الحوافز، وضمان الإعانات لزيادة الاستثمارات الخاصة. وظهرت أطروحات هذه الفلسفة الاقتصادية منذ فترة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، وهو ما انتهجته بريطانيا في عهد مارغريت تاتشر، وحاولت أمريكا منذ ذلك الوقت، مستغلة قوتها العسكرية ونفوذها السياسي المتعاظم، فرض هذه السياسات على الدول الأخرى بهدف جعل الهياكل الاقتصادية لها تقوم على أساس اقتصاد السوق الحرة للإسهام في النمط القائم على التخصص وتقسيم العمل؛ ولذا نرى أن أبرز هذه السياسات تتلخص في:
1.تفعيل قوى السوق وإزالة العوائق أمام عملها.
2.استخدام السياسة النقدية كأداة فعالة للإصلاح الاقتصادي مثل معدلات تغيير النقود.
3.تشجيع التحول نحو القطاع الخاص وتصفية القطاع العام المملوك للدول.
4.استخدام أدوات السياسة المالية لتخفيض عجز الموازنة.
وقد ساند صندوق النقد الدولي هذه السياسات وروج لها من خلال برامج التصحيح الاقتصادي، وعنايته بحركة رؤوس الأموال في السوق الدولية، وسعيه الدؤوب لإزالة كافة العوائق أمامها. وهذا ما يجعل سيطرة الدول الصناعية سيطرة غير محدودة في سياق الدعوة لتحرير التجارة العالمية، وإلغاء العوائق التجارية والاقتصادية من أجل أن يغدو العالم كله سوقا متسعة للإنتاج الأمريكي والاستثمارات الرأسمالية الأمريكية، ويستفيد من ذلك أيضا حلفاؤها الغربيون.
تقوم برامج التصحيح الاقتصادي في إطارها العام على عدد من الموجهات والسياسات العامة أبرزها:
§1-تقوية مركز ميزان المدفوعات هي الهدف الأساسي للبرنامج خلال فترة زمنية محددة، إضافة إلى إتاحة الفرصة لسداد الموارد المالية والقروض التي منحها الصندوق للدولة المستفيدة وفقا لجدول استحقاق محدد.
§2-تصحيح ميزان المدفوعات يشمل بنوده المختلفة من الحساب الجاري والعمليات الرأسمالية والتحركات النقدية، وتصميم إستراتيجية التصحيح يتم بناء على أسباب الاختلال في ميزان المدفوعات، سواء كانت تعود إلى نقص مؤقت في السيولة الدولية أو بسبب تراكم الدين الخارجي أو إلى الاختلال الهيكلي في الاقتصاد الكلي.
§3-تحليل الاقتصاد الكلي يتم من خلال تحديد العلاقة بين الدخل المحلي والحساب الجاري أي بين الناتج المحلي الإجمالي وبين مجمل الاستهلاك الخاص والاستثمار المحلي والإنفاق الحكومي.
§4- تحديد السياسات المالية والنقدية الكفيلة بالقضاء على اختلال ميزان المدفوعات، ويقصد بالسياسات المالية استخدام السلطات العامة لجمع إيرادات الحكومة من ضرائب وقروض ونفقات من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية المختلفة، وبواسطتها يكافح التضخم والكساد والبطالة.
أما السياسات النقدية فهي مجموعة الإجراءات التي تتخذها السلطات النقدية في الدولة كالبنك المركزي بهدف الرقابة على الاقتراض والتأثير عليه بتحديد مقداره، وتكلفته وشروطه من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي، والحد من التقلبات الاقتصادية، والإبقاء على المستويات الكلية من الإنفاق، والتي تحقق أكبر قدر من العمالة بأقل قدر من ارتفاع الأسعار.
هناك بعض القيود التي ترد على تنفيذ برنامج التصحيح نظرًا لطبيعة الدولة وقدرتها على تطبيق السياسات والإجراءات الموضوعة؛ لذا نجد هناك تفاوت في الأخذ بمفردات البرنامج من دولة لأخرى من ناحية حجم، ومقدار الإجراءات وطريقة التعاطي مع مقررات البرنامج، بمعنى أن جرعة العلاج قد تختلف للاعتبارات السابقة مع اتفاق الجميع على مكونات "الوصفة العلاجية"، والتي يسميها البعض بـ"روشتة صندوق النقد الدولي".
و تعود أسباب المديونية التي تضعنا تحت رحمة صندوق النقد الدولي إلى:
أن هناك عوامل خاصة عديدة ساهمت بصورة مباشرة في استمرار نمو وتفاقم المديونية الافريقية .من هذه الأسباب يمكن الوقوف على العوامل التالية:
1 - تمويل عوامل التنمية عن طريق الاستدانة من الخارج وخصوا استيراد التكنولوجيات المتقدمة وبراءات الاختراع ومستلزمات تشغيل المنشآت الاقتصادية الحديثة.



2- الخلل في السياسات الاستثمارية المتبعة وسوء إدارة الاستثمارات الممولة عن طريق القروض الخارجية،فبدلا من التركيز على تنمية قوى الإنتاج المحلية والتصنيع وتصدير السلع الجاهزة، كما فعلت الدول المتقدمة، لجأت الدول الافريقيةإلى استيراد السلع الرأسمالية الجاهزة بأسعار عالية وتصدير المواد الخام بأسعار منخفضة.هذا النوع من التخصص الإنتاجي أبقى الدول الافريقية في مهب الأزمات الاقتصادية الدولية. 3- فساد الأجهزة الحكومية و نمو ظاهرة الاستهلاك الترفي شجع كثيرا على نهب الاقتصاديات الوطنية بما في ذلك نهب القروض الخارجية وتهريبها إلى الخارج. 4 - انخفاض أسعار المواد الخام في الأسواق الدولية مقابل تزايد معدلات الفائدة على القروض الخارجية. 5- استنزاف الثروات الافريقية في الحروب والصراعات الافريقيةالافريقية أو مع الخارج وكذلك في الصراعات الداخلية، وتلبية متطلبات الاستهلاك الأمني وخصوصا شراء الأسلحة التي لم تؤد خلال أكثر من نصف قرن إلا إلى مزيد من التدهور الأمني وعدم الاستقرار الخارجي والداخلي.

ومن أسباب تراكم الديون : اختلال موازين التبادل التجاري مع العالم الغرب ، ،مشاكل التصحر والفقرومع شيوع الفقر والمرض وانتشار الأمية و تتصاعد الحروب والنزاعات المسلحة.وتزداد محنة إفريقيا مثلا والأوضاع؛ سواء بها مع احتضان تربتها لأكثر نسبة من الألغام المتواجدة في العالم من مختلف الحروب المختلفة؛ حيث تقدر هذه الألغام 30 مليون لغم تتواجد في 18 دولة إفريقية من بين 110 مليون لغم في 64 دولة على مستوى العالم.
لكن إلغاء الديون، دون تصور للمهام التنموية المرتبطة بالمرحلة التي تلي عملية الإلغاء، لن تؤدي إلى تغيير حقيقيفي المستوى المعيشي، بل ستكون أشبه بمعالجة موسمية سرعان ما يتلاشى أثرها. ومع ظهوراللبرالية على الصعيد الكوني، ظهر ما يسمى بالمشروطية السياسية عند منح المساعدات للدول النامية. فالمساعدات المقدمة في الغالب ليست نزيهة، ولا ترتبط بعمليات تنموية حقيقية، وإنما هي تعبير عن الرضا على هذا النظام ا لسياسي .
إن السياسات الكلاسيــكية أصبحت عنواناً تضعه المؤسسة الدولية على كل طلب يقدم من أي دولة نامية أيا كانت أوضاعها الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية ويعتقد خبراء الصندوق أن اتباع الدول لنصائحهم السابقة سوف يحقق زيادة في الصادرات وبالتالي زيادة موارد الدولة من النقد الأجنبي، كذلك خفضاً في الواردات، وبالتالي مدفوعات الدولة من هذا النقد والنتيجة أن ما سبق سيحقق نقصاً في عجز ميزان المدفوعات وربما تعادلاً في هذا الميزان، بل أن البعض يتفاءل بإمكانية حدوث فائض ، فالنسبة لميزان المدفوعات فأن الهدف من تخفيض العملة لزيادة الصادرات، وخفض الواردات الضرورية للحياة كلاهما غير مرن ولن يستجيب على الإطلاق، فالإنتاج الزراعي بطبيعته إنتاج غير مرن على الأجل القصير، وفي معظم الدول النامية وهو إنتاج غير كاف، لمواجهة الاستهلاك المحلي، وبالتالي لن يلعب دوراً كبيراً أو صغيراً في زيادة الصادرات، واعادة التوازن لميزان المدفوعات.
والإنتاج الصناعي ـ أن وجد ـ في الدول النامية فانه رغم ضآلته نسبة إلى الإنتاج القومي، فهو من حيث النوعية والتكلفة لا يستطيع المنافسة الدولية والنزول للسوق العالمي بل أنه ما كان ينمو في كثير من الحالات دون حماية جمركية عالية.. كذلك فان زيادة الصادرات منه.. لو أمكن معالجة ما سبق تحتاج في كثير من الأحيان إلى واردات من المواد الخام، والمعدات، وقطع الغيار والمعرفة التكنولوجية، وكلها أصبحت بعد خفض العملة الوطنية اكثر تكلفة بل واكثر ندرة في الحصول على موارد النقد الأجنبي.
هذا وإذا انتقلنا إلى قطاع التصدير التقليدي للبلاد، الذي يتمثل غالباً في منتج زراعي، أو منتج حيواني، أو منتج تحديثي وحيد، فان تخفيض العملة الوطنية إزاء العملات الأجنبية لا يشجع على زيادة الصادرات فبجانب أن العرض غير مرن كما ذكرنا فان الزيادة في حجم الصادرات ـ إن حدثت... لن تؤدي إلى زيادة موارد النقد الأجنبي للبلاد كما كانت عليه قبل التخفيض ،فمثلاً عندما اضطرت الصومال إلى خفض عملتها من 25/6 شلن للدولات من اللحوم لم تتضاعف مرتين ونصف لتحافظ على مواردها السابقة من العملة الأجنبية. بل أن هذه الموارد نقصت عما قبل واضطرت البلاد إلى قبول تخفيضات أخرى بلغت ثلاث مرات في خلال سنتين فقط وبالطبع أدى التخفيض كما هو متوقع في الصومال ـ وغيرها ـ إلى تزايد الأسعار ومضاعفتها اكثر من تخفيض العملة (وبين ليلة وضحاها ارتفعت أسعار تذاكر الطيران والإقامة بالفنادق إلى نحو 3 أمثال ...) فتخفيض العملة الوطنية عموماً لا يؤدي إلى زيادة تكلفة استيراد الضروريات، كما أن تجميد الأجور وخفض الإعانات للمستهلكين مما أضاف أعباء إضــافية على أصحاب الدخل المحدود لنقص دخولهم الحقيقية ولا يخفى ما لذلك من مساوئ اقتصادية تعيق من رفاهيتهم الاجتماعية وتؤثر على وضعهم بالنسبة للطبقات الأخرى، ومساوئ سياسية نتيجة للاضطرابات والإضرابات والقلاقل التي يمكن تتعرض لها بل وتعرضت لها دول كثيرة أخذت باقتراحات صندوق النقد الدولي،
وبالنسبة إلى رفع سعر الفائدة على المدخرات المحلية بهدف زيادتها والحد من التضخم النقدي، فأن المدخرات الشخصية (أي الفردية) بسيطة في الدول النامية فضلاً عن أن الانكماش يقع عبئه على المشروعات الوطنية التي لن تواجه فقط بارتفاع تكلفة التمويل لندرته، بل وأيضاً بارتفاع في تكلفة المستورد من راس المال (تمويل) ومعدات ومواد خام، مما قد يؤدي إلى الحد من نشاطها وإلغاء أي خطط للتوسع في إنتاجها مؤدي ذلك أن الادخار الفردي وادخار قطاع الأعمال كلاهما يتأثر سلبياً وليس بالزيادة كما يعتقد خبراء الصندوق.
إن من ينتهز هذه الفرصة هو رأس المال الأجنبي للشركات المتعددة الجنسيات، لو كانت البلاد لديها قطاع تعدين للتصدير ـ حيث يصبح مشروع استغلال الموارد التعدينية اكثر ربحا لانخفاض العملة الوطنية وبالتالي التكلفة المحلية للمشروع، بما ذلك الاتاوات الحكومية، كما تنتهز هذه الشركات وغيرها الفرصة للتوسع من صادراتها لداخل البلاد حيث أن ما تدفعه البلاد نقداً أو عيناً لوارداتها اصبح اكثر من ذي قبل..
وتجدر الإشارة هنا أن زيادة الإنتاج المحلي بسبب هذا الاستثمار لن يكون بديلاً للواردات، إذا كان قطاع التعدين هو القالب كما انه لن يكون بديلاً للواردات بنسبة 100% ولو حدث انه تم في نشاطات أخرى، والخلاصة انه من الأجل المتوسط و الطويل أن لم يحدث تحويل لرأس المال الأجنبي إلى ملكية وطنية فان مشكلة ميزان المدفوعات تتفاقم اكثر
في حين يرى البعض الآخر و بالانتقال إلى العلاقة بين الصندوق الدولي و الدول النامية سوف نجد أن العولمة و زيادة نشاط أسواق المال أدت إلى تحويل العديد من الدول النامية التي دخلت دائرة ( الدول الصناعية الجديدة ) آو الاقتصاديات الصاعدة , من مرحلة تنفيذ البرامج بالتعاون مع الصندوق إلى مرحلة الإشراف فقط . و قد دلل على ذلك التقرير السنوي بالإشارة إلى لجوء العديد من الدول إلى أسواق المال العالمية للاقتراض و التعجيل بسداد القروض المستحقة عليها للصندوق قبل ميعاد الاستحقاق , بالإضافة إلى تضائل مطالبها بالحصول على قروض جديدة .

وقد ترجم ذلك في انخفاض حجم القروض المستحقة للصندوق في نهاية السنة المالية 2007 إلى 7.3 مليار وحدة من حقوق السحب الخاصة مقابل 19.2 مليار وحدة في ذات المقارنة إلى ابريل 2006 .
2- وجهة النظر الجزائرية:
كما ذكرنا تجري المشاورات سنويا، ولكن للعضو المنتدب أن يبدأ في القيام بمناقشات إضافيةإذا ما وقع أحد الأعضاء فجأة في صعوبات اقتصادية خطيرة، أو إذا ما اعتقد أن ذلكالعضو بصدد إتباع ممارسات تضر بمصالح الأعضاء الأخرى. ويسافر فريق مكون منأربعة أو خمسة أفراد من أعضاء هيئة العاملين بالصندوق إلى عاصمة البلد العضو كلعام، ويستمر حوالي أسبوعين في تجميع المعلومات وإجراء المناقشات مع المسئولينبالحكومة بشأن السياسات الاقتصادية لهذا البلد. وتكرس المرحلة الأولى منالمشاورات لتجميع البيانات الإحصائية عن الصادرات والواردات، والأجور،والأسعار، والتشغيل، وأسعار الفائدة، وكمية النقود التي يتم تداولها،والاستثمارات، وإيرادات الضرائب، والمصروفات الواردة في الموازنة، وبقيةالمظاهر الأخرى للحياة الاقتصادية التي يكون لها ارتباط بالقيمة التبادليةللنقود. أما المرحلة الثانية فتتكون من المناقشات مع كبار المسئولين فيالحكومة، وذلك للتوصل إلى مدى فعالية سياساتهم الاقتصادية خلال العام السابق،وما يتوقع تنفيذه من تغييرات خلال العام القادم، بالإضافة إلى العلم بالتقدمالذي أحرزه البلد العضو تجاه إلغاء أي قيود كان قد فرضها على استبدال عملته. وبانتهاء هذه الاجتماعات، يعود الفريق إلى المقر الرئيسي في واشنطن لإعدادتقرير تفصيلي يناقشه المجلس التنفيذي. ويشارك المدير التنفيذي الذي يمثل ذلكالبلد بالطبع في هذه المناقشة مع زملائه، بحيث يوضح الأمور بشأن اقتصاد هذاالبلد ويستمع إلى تقييم المديرين التنفيذيين الآخرين عن أدائه الاقتصادي. وفيمابعد يتم تسليم ملخصا بهذه المناقشة – والتي عادة ما تحتوي على الاقتراحات بشأنكيفية معالجة مجالات الضعف الاقتصادي – إلى حكومة الدولة العضو.
وبالإضافة إلى هذه المناقشات الدورية، يعقد الصندوق أيضا مشاورات خاصة مع تلكالبلدان ذات التأثير الهام على الاقتصاد العالمي. وتستعرض هذه المشاورات الخاصةالوضع الاقتصادي العالمي، وتقييم التطورات الاقتصادية المنتظرة. وينشر الصندوقنتائج ذلك الاستعراض مرتين سنويا في تقرير " آفاق الاقتصاد العالمي ". ويحتويهذا التقرير على معلومات مفيدة عن الاقتصاد العالمي، ويساعد البلدان الأعضاءمن خلال إلقاء الضوء على الخيارات المختلفة للسياسات المتبعة – في التنسيق بينسياساتهم الاقتصادية الداخلية والتطورات المنتظرة في غيرها من البلدان الأخرىالأعضاء.
محمد لكصاسي» محافظ بنك الجزائر في كلمته يوم السبت 20 أكتوبر2007 أمام اللجنة النقدية والمالية الدولية لصندوق النقد الدولي أشار بوضوح إلى كون هيكل الحكم الحالي لصندوق النقد الدولي غير قابل للبقاء وانتقد بشدة بعض الإجراءات التي تجري بشأنها مناقشات ضمن أجهزة صندوق النقد الدولي وكذلك البنك العالمي، و أعرب عن رفضه القاطع على سبيل المثال للاقتراح الذي يجعل المساعدة التقنية لصندوق النقد الدولي مدفوعة الأجر أو الطريقة التي تحدد بها الحصص أو التي تطبق بها تخفيضات ميزانية مهام الصندوق، مؤكدا أنه "حتى تكون للإصلاحات نتيجة ايجابية يجب أن تدرج صيغة بسيطة وشفافة قوية تؤدي هي الأخرى إلى النتائج المتوخاة دون أن يكون من الضروري اللجوء إلى انتقاء أو إلى آليات تعديل إضافية، داعيا كذلك إلى أن تبذل جهود لتصحيح التمثيل الضعيف لبعض المناطق سيما إفريقيا والشرق الأوسط على مستوى المستخدمين والإدارة العامة لصندوق النقد الدولي.
الــخـــــاتـــــــــمـــــــــة:
بعد مرور ثمانية عشر عاماً على تطبيق الليبرالية الاقتصادية بقيادة الولايات المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، هل كانت الحصيلة إيجابية...؟
يمكن تلمس الإجابة من ممثلي المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة - وهم ليسوا يساريين - ففي كتابه : خيبات العولمة ، انتقد جوزيف ستيغلتز كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، ومستشار الرئيس (كلينتون) الوصفات الليبرالية، وأكد إخفاقها في تحقيق الرهانات التي عقدت عليها وللدعاية التي واكبت تطبيقها.
و في عام 1995 قاد الفرنسي (ميشيل كامديسو) رئيس صندوق النقد الدولي آنذاك عملية (درع البيزو) وهي أكبر حملة إقراض عالمية لحماية الاستثمارات العالمية في المكسيك بعد انهيار عملتها الوطنية جراء تطبيقها لوصايا واضعي توافق واشنطن، لقد تطلب الأمر مشاركة حكومية أمريكية وأوربية، إضافة للمصارف العالمية الكبرى ومؤسسات التمويل المختلفة لتأمين (50) مليار دولار لتغطية هذه العملية، وغني عن البيان ما دفعه الشعب المكسيكي لاسيما الفئات الفقيرة منه من مآس ثمناً لهذه الوصايا و لاننس الأزمة الآسياوية و... !!!
و الخلاصة الرئيسية لهذه النتائج الكارثية :
§أن سياسات المؤسسات المالية الدولية هي المسؤول الرئيسي عن تدهور أوضاع الطبقات العاملة والشعبية في دول الجنوب والشرق.
§أن هذه السياسات لا تشكل حلا للأزمة، بل تدفع على العكس نحو تفاقمها.









رد مع اقتباس