منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - *«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-12-30, 16:00   رقم المشاركة : 170
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

إِن المفهوم الأصلي للأدب المقارن هو مفهوم ما يسمّى جوازاً «المدرسة الفرنسية التقليدية», إِذ حدد مؤسسها الفعلي بول فان تييغم الأدب المقارن «بأنه دراسة آثار الآداب المختلفة من ناحية علاقاتها بعضها ببعض» كما أكد جان ماري كاريه أن الأدب المقارن يعتمد على مفهوم التأثر والتأثير من خلال الصلات بين الآداب أو الأدباء من بلدان مختلفة, واستبعد المقارنات غير القائمة على الصلات من منهجية الأدب المقارن. كما رفض كل من كاريه وغويار فكرة التطابق بين الأدب العام والأدب المقارن. وعدّ غويار الأدب العام والأدب العالمي « مطمعين غَيْبييّن» وآثر أن يسمي الأدب المقارن, تاريخ العلاقات الأدبية الدولية. وقد تمسكت هذه المدرسة بالمنهجية التاريخية الصارمة, وحاولت تمييز منهجية الأدب المقارن ومنطقه ومنطقته من سائر الدراسات الأدبية واقتربت من العلمية والحياد, وتناولت أحياناً بمهارة, وأحياناً بآلية جامدة, مسائل مثل الشهرة الأدبية والنفوذ مثل غوتة في فرنسة, وطوّرت منهجاً يذهب إِلى أبعد من جمع المعلومات التي تتعلق بالمراجعات والترجمات والتأثيرات ليتفحص الصورة الفنية ومفهوم كاتب معيّن في وقت معيّن إِلى جانب عوامل النقل المتعددة كالحوليات والمترجمين والصالونات والمسافرين, وكذلك وجّهت انتباهها إِلى عوامل التلقي والجو الخاص والوضع الأدبي الذي أدخل فيه الكاتب الأجنبي, وبالإِجمال :«فقد تم جمع كثير من الشواهد عن الوحدة الصميمة بين الآداب الأوربية خاصة, كما ازدادت معرفتنا بالتجارة الخارجية للأدب». غير أن هذه المدرسة ما كادت تستوي على قدميها وتحقق وجوداً أكاديمياً معترفاً به حتى انبثقت من أحشائها أصوات معترضة تنكرها أشد إِنكار, وقام رنيه إِيتيامبل في الخمسينات, على رأس مجموعة من الكتاب اليساريين, بمهاجمة هذه المدرسة على أساس أنها تمثل المركزية الأوربية الاستعمارية وأنها قدمت آداب العالم جميعاً كما لو كانت منبثقة من بحر الآداب الأوربية أو منصبةً فيه, ولم تُعط آداب آسيا وإِفريقية وأمريكة اللاتينية حقها من البحث والاستقصاء. وقد هاجم إِيتيامبل زميله غويار واتهمه بالتعصب الإِقليمي والقومي وتركيز كل أضواء التأثير على الأدب الفرنسي, وطالب المقارنين أن ينحّوا جانباً «كل شكل من أشكال الشوفينية والإِقليمية وأن يعترفوا أخيراً أن حضارة الإِنسانية التي جرى في سياقها تبادل القيم على مدى آلاف السنين لا يمكن أن تُفهم أو تتذوق من دون إِشارات متواصلة إِلى هذه التبادلات التي تقتضي تركيبتها منا ألاّ نركّز نظام بحثنا حول لغة واحدة معينة أو بلد واحد معيّن».

وابتداء من الستينات بدأت الأفكار الأمريكية ذات الطابع العملي والانفتاحي تسيطر على ساحة الأدب المقارن. وقدم رينيه ويلك نظرات تركيبية شمولية وفي الوقت نفسه انبرى هنري رِماك H.Remak بتقديم اتجاه جاد للخروج من المعضلة, وذلك في مقالة منقحة ومزيدة ومفصلة عام 1971, وفيها راجع مفهومات الأدب المقارن واتجاهاته بنفسٍ علمي جريء ومسؤول وانتهى إِلى توسيع منطقه ومنطقته على النحو التالي:

«الأدب المقارن هو دراسة الأدب خلف حدود بلد معيّن, ودراسة العلاقات بين الأدب ومجالات أخرى من المعرفة والاعتقاد مثل الفنون كالرسم والنحت والعمارة والموسيقى, والفلسفة, والتاريخ, والعلوم الاجتماعية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع, والعلوم, والديانة, وغير ذلك. وباختصار هو مقارنة الأدب بمناطق أخرى من التعبير الإِنساني».

ويلاحظ على هذه التعريف: أنه ينطلق من فكرة التأثر والتأثير ليتجاوزها إِلى المشابهة أي أنه يركز على العلاقات ولا يجعلها شرطاً لازماً, وأنه يضيف بعداً جديداً إِلى منطقة الأدب المقارن بدفعه إِلى دراسة العلاقات بين الأدب وحقول المعرفة الأخرى ولاسيما الفنون. وبذلك يسجل نقطة إِضافية شديدة الأهمية. وقد بدا رماك متساهلاً في موضوع صلة الأدب المقارن بالتذوق الأدبي, ولكنه بالنتيجة احتفظ بجوهر منطق الأدب المقارن وهو دراسة الأدب خارج حدوده الجغرافية واللغوية والمعرفية. وتبدو نظرية رماك أكثر قبولاً اليوم في العالم.

ومن الملاحظ أن بلدان أوربة الشرقية لم توجه عناية خاصة للأدب المقارن, وكانت منطلقاتها بوجه عام مستوحاة من ثورة إِيتيامبل. وتُعدُّ هنغارية ويوغسلافية أكثرها احتفاءً بالأدب المقارن.

والملاحظ أنه جرى دائماً تساؤل حول وظيفة الأدب المقارن وامتحان لها. ومثل هذا التساؤل لا يتم عادة إِلا على الحقول المعرفية المستجدة, ذلك أن العلوم لا تقدم نفسها تقديماً نفعياً مباشراً. ومع ذلك يمكن القول إِن الأدب المقارن:
ـ يقدم فهماً للأدب أفضل وأكثر شمولاً وأقدر على تجاوز جزئية أدبية منفصلة أو عدة جزئيات معزولة.

ـ ويميز ما هو محلي وما هو إِنساني مشترك.

ـ ويحدد الصلات والمشابهات بين الآداب المختلفة وبين الأدب وحقول المعرفة الأخرى.

ـ ويسهم في تخليص الأقوام من النزعة الشوفينية والنرجسية المسيطرة في مجال الآداب القومية المختلفة.

ـ ويقدم للنقد الأدبي ودارسي الأدب فرصة ممتازة لتوسيع آفاق معرفتهم وتوثيق أحكامهم حتى الجمالية منها, لأن المقارنة تبقى أقوى أسلحة الناقد إِقناعاً.

ـ ويقدم فرصة ممتازة لتطور نظرية أدبية قائمة على فهم طبيعة امتدادات الأدب خارج حدوده.

وقد جرت الإِشارة في ثنايا البحث إِلى أعلام الأدب المقارن البارزين وإِلى أبرز المؤسسات والمنظمات والمجلات التي تُعنى به وتضع نفسها في خدمة مجالاته.

وإِذا انتقل الدارس إِلى الأدب العربي وجد أن الأدب المقارن حقل معرفي فتي لا تكاد تبين له أصول في التراث الأدبي القديم, ذلك أنه كان لدى العرب في الماضي اعتداد خاص باللغة والشعر وإِشاحة نسبية عن آداب الأمم الأخرى, مما أدّى إِلى أن يكون نشاطهم في حقل التبادل الأدبي أقل من نشاطهم في الحقول المعرفية الأخرى كالعلوم والفلسفة على أن غير العرب تأثروا تأثراً واضحاً بالأدب العربي فدرسوه وألّفوا على غراره. وفي عصرنا الحاضر ما زال هذا التيار من الاعتداد بالأدب واللغة فاعلاً بحيث يخلق رأياً عاماً لا يستريح إِلى المقارنات مع الآداب الأخرى ويجهد في تأكيد الأصول العربية للفنون الأدبية الوافدة كالقصة والمسرح. ومن الملاحظ أن معظم الأدباء البارزين في عصر النهضة كانوا أكثر انفتاحاً في مجال التفاعلات الأدبية, ووضعوا أساساً لنهضة الأدب المقارن في عصرنا. وكان لرواد النهضة الأدبية في الشام أثر كبير في الاستنارة الأدبية, وهكذا لمعت, إِلى جانب بناة النهضة من أبناء الكنانة مثل رفاعة الطهطاوي[ر] وعلي مبارك[ر] والشيخ حسن المرصفي, أسماء شامية مبكرة في مجال المقارنة مثل أديب إِسحاق[ر] وأحمد فارس الشدياق[ر] ونجيب الحداد, وتميز من بينهم علمان بارزان, هما سليمان البستاني[ر] وروحي الخالدي[ر], وضعا حجر الأساس للبحث التطبيقي في الأدب المقارن على الرغم من أنهما لم يشيرا إِلى المصطلح بكلمة واحدة.

وتتلخص جهود البستاني في هذا الحقل بتعريب «الإِلياذة» الذي استغرق منه ثماني سنوات (1887-1895) وبمقدمتها المقارنية التي استغرقت منه ثماني سنوات أخرى, وقد أنجز شروح الإِلياذة ومقدماتها في 200 صفحة أواخر سنة 1903. وأجرى البستاني مقارنات جريئة بين الملحمة اليونانية والشعر القصصي العربي وأكد وجود ملاحم عربية قصيرة تختلف عن الملاحم الإِفرنجية الطويلة, وانطلق من هذه المقارنة للتوصل إِلى أحكام شاملة تتعلق بالشعر الجاهلي والشعر اليوناني القديم, وحكم لصالح الشعر الجاهلي, وأشار بعد ذلك إِلى التشابه بين عبقرية ابن الرومي[ر] وعبقرية هوميروس[ر]. وكذلك كتب البستاني مقالاً حوى شيئاً من تاريخ الشعر عند العرب والإِفرنج. وهكذا يكون البستاني صاحب سبق لا ينكر في مجال الدراسة المقارنة, وإِن كانت مقارناته تدل على أن ثقافته الأصلية كانت عربية تقليدية وأن ما قرأه من أفكار أدبية غربية ليس أكثر من نوافذ صغيرة للمقارنة.

وعند منعطف القرن التاسع عشر, على أية حال, ساد مناخ عام للمقارنة, أسهم فيه الشاعر أحمد شوقي[ر], وكتاب مثل خليل ثابت وأسعد داغر ونقولا فياض[ر] ويعقوب صروف[ر], وحملت مجلة «المقتطف» آنذاك رسالة الوعي المتفتح.

وإِذا ترك الدارس الأشخاص وانتقل إِلى الأعمال المفردة فإِنه يجد أن الكتاب العربي الأول المكرس للأدب المقارن التطبيقي هو كتاب «تاريخ علم الأدب عند الإِفرنج والعرب وفكتور هوغو» للكاتب المقدسي روحي بن ياسين الخالدي. وقد نُشر الكتاب مقالات متسلسلة في مجلة «الهلال» بين سنتي 1902ـ1903,ثم طبعته دار الهلال سنة 1904 وطبع ثانية سنة 1912, وأعيد طبعه سنة 1985.
وهذا الكتاب مؤلف نوعي في الأدب المقارن التطبيقي لا تنقصه سوى التسمية المقارنية, وتتصدره على الغلاف الفقرة المقارنية التالية:

«وهو يشتمل على مقدمات تاريخية واجتماعية في علم الأدب عند الإِفرنج وما يقابله من ذلك عند العرب إِبان تمدنهم إِلى عصورهم الوسطى, وما اقتبسه الإِفرنج عنهم من الأدب والشعر في نهضتهم الأخيرة وخصوصاً على يد فكتور هوغو. ويلحق بذلك ترجمة هذا الشاعر الفيلسوف ووصف مناقبه ومواهبه ومؤلفاته ومنظوماته وغير ذلك».

وكتب الخالدي مقدمة للكتاب بالفرنسية تنبئ عن حسه المقارني. وأورد في كتابه مقارنات ومقابلات ودراسات للتبادلات الأدبية بين العرب والفرنجة, وترجمات وتعليقات, تدل كلها على أنه كان شديد الالتصاق بالمنهج المقارني.

وتوالى بعد الخالدي الاهتمام بالدراسات التطبيقية ذات الطابع المقارني, ومن أقدمها سلسلة مقالات نشرها فخري أبو السعود على صفحات «الرسالة» في الأعوام 1935-1937 وقابل فيها بين الأدب العربي والأدب الإِنكليزي من دون اعتناء بناحية التأثر والتبادل. وفي عام 1935 كذلك ظهر الجزء الثالث من كتاب الأديب الحلبي قسطاكي الحمصي[ر] المعنون «منهل الورّاد في علم الانتقاد» وتضمن بحثاً مطولاً عن «الموازنة بين الكوميدية الإِلهية ورسالة الغفران», وفي الثلاثينات أيضاً نشر عبد الوهاب عزام دراسات في مجلة «الرسالة» حول العلاقات بين الأدب العربي والأدب الفارسي. وفي الأربعينات ظهر كتاب لإِلياس أبو شبكة بعنوان «روابط الفكر بين العرب والفرنجة» ظهرت الطبعة الثانية من الكتاب عن دار المكشوف في بيروت عام 1945, وهو ذو موضوع مقارني واضح. وبالتدريج انتعش هذا النوع من الدراسات واغتنى وتعددت وجهاته.

ومن الملاحظ أن اسم فخري أبو السعود ورد آنفاً في باب الدراسات التطبيقية خلافاً لما درجت عليه المصادر العربية حتى الآن من نسبة الريادة النظرية إِليه. ويبدو أن فخري أبو السعود لم يستخدم مصطلح الأدب المقارن ولم يكشف عن معرفة به, على الرغم من سبقه في مجال الدراسة التقابلية أي غير القائمة على التأثر والتأثير, وأن مصطلح الأدب المقارن ظهر في «الرسالة» أول ما ظهر على يد الكاتب الشامي خليل هنداوي في سلسلة مقالات تلقي ضوءاً جديداً على ناحية من الأدب العربي هو, اشتغال العرب بالأدب المقارن أو ما يسميه الفرنجة Littérature Comparée, في كتاب «تلخيص كتاب أرسطو في الشعر» لفيلسوف العرب الأول ابن رشد. وقد ظهر هذا العنوان في «الرسالة» (الأعداد من 154-156 من المجلة) بتاريخ 8/6/1936, وتكرر في أعداد ثلاثة تالية. وحملت المقالة الأولى مقدمة نظرية عن الأدب المقارن ومنهجه ومزاياه تُعد الأولى من نوعها في الأدب العربي.

والجدير بالذكر أن مقرر الأدب المقارن ظهر أولاً في أدبيات دار العلوم بالقاهرة سنة 1938, ولكن المصطلح اختفى بعد ذلك ليظهر في أواخر الأربعينات في سلسلة من الكتب الجامعية تعاقبت بمعدل كتاب كل سنتين تقريباً, وصدر أولها سنة 1948 في القاهرة بعنوان «من الأدب المقارن» لنجيب العقيقي, تضمّن شذرات من الأدب العام والنقد النظري غير ذات صلة مباشرة بالعنوان. وفي عام 1949 ظهر كتاب عبد الرزاق حميدة «في الأدب المقارن» كما ظهر عام 1951 كتاب مقارني لإِبراهيم سلامة. وكان أهم تطور تأليفي في الموضوع ظهور كتاب الدكتور محمد غنيمي هلال بعنوان «الأدب المقارن» في القاهرة عام 1953. ويُعد هلال بحق مؤسس الأدب العربي المقارن, وكان كتابه أول محاولة عربية ذات وزن أكاديمي في منهجية الأدب المقارن, وبدا شديد التمسك بمبادئ المدرسة الفرنسية التقليدية. وفيما بعد طبع الكتاب عدة طبعات وخرّج جيلاًَ كاملاً من المهتمين بالأدب المقارن.

وبعد الخمسينات تطور تدريس الأدب المقارن في الجامعات العربية بخطوات غير حثيثة. وألفت كتب جامعية متفرقة اعتمدت كثيراً على كتاب غنيمي هلال. ولكن بدأت تبرز في الثمانينات اتجاهات جديدة على يد الجيل التالي, مؤذنة بحلول مرحلة نهوض جديدة أكثر وعياً للتطورات العالمية الحية.



ومن أهم تطورات الأدب المقارن العربي قيام «الرابطة العربية للأدب المقارن» التي عقدت الملتقى التحضيري في جامعة عنابة بالجزائر عام 1983, والملتقى الأول في عنابة أيضاً عام 1984, ثم المؤتمر الثاني في جامعة دمشق 1986, والثالث في مراكش 1989. ويشير وضع الثقافة العربية المعاصرة إِلى أن الأدب المقارن يبشر بمستقبل ذي شأن في رحاب الجامعات العربية وخارجها .

حسام الخطيب














رد مع اقتباس