منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الاشتراط في عقد الزواج
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-25, 15:46   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 الاشتراط في عقد الزواج

مقدمة

لقد كرم الله الإنسان على سائر المخلوقات ولم يتركه لما تمليه عليه غرائزه ونزواته الشخصية، فشرع له الزواج من أجل تكوين أسرة، تعتمد في حياتها على المودة والرحمة وتحقيق الترابط والتكافل بين الزوجين، مصداقاً لقوله تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " . كما نظم الشارع علاقة الزوج بزوجته تنظيماً محكماً يقوم على أقوم المبادئ لضمان سعادة الأسرة واستقرارها، وأضفى عليها قدسية خاصة توجب الالتزام بما شرعه الله من أحكام حدد بموجبها الحقوق والواجبات بين الزوجين، ووصف العقد الذي يربط بينهما بالميثاق الغليظ، يقول تعالى: " وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظا ".
والأصل في آثار عقد الزواج أنها من عمل الشارع لا من عمل المتعاقدين، حيث يقتصر دور إرادة المتعاقدين في إنشاء العقد، ولكن الشرع أو القانون هو الذي يرتب ما لكل عقد من حكم وآثار، ونجد من أهم آثار عقد الزواج ثبوت نسب الأولاد، والتوارث بين الزوجين، وحق الزوجة في النفقة، والعدل بين الزوجات في حالة التعدد، وحرية المرأة في التصرف في مالها، وكذا حق الزوج في الطلاق ويقابله حق الزوجة في التطليق والخلع، ولقد نص المشرع الجزائري على هذه الحقوق في مواد متفرقة من قانون الأسرة الجزائري نذكر منها، المواد 36-37-40-74-126.
وبالرغم من أن الشارع هو الذي حدد آثار الزواج ورتبها، فإنه يبقى من حق الزوجين تضمين عقدهما بالشروط التي يريانها ضرورية لضمان حقوقهما، كأن تشترط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها، أو أن تشترط إكمال الدراسة وممارسة عملها أو اشتراط أحد الزوجين وصفاً معيناً في الآخر، أو الاتفاق على نصيب كل من الزوجين من الأموال المكتسبة بينهما معاً بعد الزواج، وتصبح هذه الشروط لازمة كأثر لعقد الاشتراط؛ فالشروط في عقد الزواج هي أحق بالوفاء من غيرها لتعلقها بالإبضاع فلولا اطمئنان المرأة إلى التزام الرجل بهذه الشروط لما مكنته من نفسها.
أسباب اختيار الموضوع
ولقد دفعني إلى اختيار هذا الموضوع أنه من المسائل الهامة في هذا العصر واختلفت فيه آراء الفقهاء اختلافا بيناً، كما جاء هذا البحث عقب صدورالأمر 05-02 المؤرخ في 27/02/ 2005 المتضمن تعديل قانون الأسرة، وما صاحب ذلك من تداعيات وصراعات بين تيارات وقوى متضاربة، ذهب الغلو بالبعض منها إلى حد المطالبة بإلغاء قانون الأسرة والاستعاضة عنه بتشريع مدني بدعـوى هضمه لحقوق المرأة وعدم مسايرته لتطـورات العصـر، ولعل هذه الدراسة تسهم في جلاء الرؤية عن هؤلاء، وبيان عظمة الفقه الإسلامي وغزارة ثروته الفكرية، وفهم مقاصد الشريعة من تنظيم أحكام الأسرة بما يكفل ديمومتها واستقرارها.
أهمية الموضوع
تتمثل أهمية الموضوع في كونه يرتبط بمبدأ هام في القانون وهو مبدأ سلطان الإرادة في إبرام العقود، خاصة وأن حاجات الناس متجددة تبعًا لتطور المجتمعات مما يقتضي معه ظهور عقود ومعاملات ومشارطات جديدة لم يتول الشارع تنظيمها وترتيب آثارها من قبل، ولا يكون أمام الزوجين من سبيل لتحقيق المنافع والمصالح الضرورية لهما إلا اللجوء إلى مبدأ حرية الإرادة في إنشاء العقود والشروط، فعلى سبيل المثال قد تسهم الزوجة فعلياً من مالها الخاص أو بما اكتسبته من عملها في بناء مسكن أو عقار أو مشروع تجاري معين، ويعطيها ذلك الحق في الاشتراك في ملكية المسكن أو المشروع. ويكون من شأن وجود اتفاقات مسبقة بين الزوجين على تحديد هذه المسائل الهامة بين الزوجين تجنيب الأسرة حدوث نزاعات وخلافات شخصية، أو على الأقل تمكين الزوجين من حل ما قد يطرأ من مشكلات في المستقبل.
أهداف الدراسة
وتهدف هذه الدراسة إلى إثبات سعة الفقه الإسلامي وغزارة إنتاجه الفكري وإثبات مرونته وقابليته لمواكبة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية طالما أن باب الاجتهاد مفتوح للتكفل بجميع الإشكالات التي قد تعترض المجتمع، مما يجعله المصدر الأساسي لقانون الأسرة بما لا يقل عن أحدث المبادئ والنظريات في القانون الوضعي.
كما تهدف هذه الدراسة إلى معرفة مدى انسجام مبدأ حرية الاشتراط مع متطلبات التطور الاجتماعي والاقتصادي في حياة الزوجين، ومدى إسهامه في حل كثير من المشكلات القانونية والاقتصادية والاجتماعية في حياة الزوجين التي تبرز باستمرار مع تطور العصر.
ويكون ذلك من خلال بيان حكم هذه الشروط في الشريعة والقانون، وكذا الوقوف على أهم الشروط الشائع اشتراطها بين الزوجين، من خلال عرض أمثلة تطبيقية توضيحية تبرز دور إرادة الزوجين في إنشاء الشروط في عقد الزواج.
الإشكالية
إن حاجات الناس متجددة تبعا لتطور المجتمعات مما يقتضي معه ظهور عقود ومشارطات جديدة لم يتول الشارع تنظيمها وتحديد آثارها.وبالتالي يكون وضع الشروط هو السبيل الوحيد أمام الزوجين لتحقيق منافع ومصالح ضرورية لا يمكن تحقيقها بمجرد إبرام عقـد الزواج، بل لابد من اشتراطها مسبقا والنص عليها في العقد، هذا ومن جهة أخرى فإن الشروط في عقد الزواج قد تكون كفيلة بتجنيب الأسرة وقوع خلافات ومشاكل زوجية لو اتفق الزوجان مسبقا على تنظيم بعض المسائل الهامة في حياتهما الزوجية.
إن عقد الزواج ليس بعقد تمليك لعين، أو منفعة كالبيع والإيجار، بل هو أسمى من ذلك لأنه غير مبني على المشاحنات والرغبة في كسب المال أو تحقيق أهداف دنيوية محضة، بل هو مبني على معانٍ خاصة فهو رباط مقدس يجمع بين الرجل والمرأة ويربط بينهما برباط المودة والرحمة والتعاون، فهل عقد الزواج بكل ما يحمله من قيم نبيلة يجيز للزوجين إملاء شروطهما وترتيب ما يشاؤون من حقوق وفقاً لرغباتهم وأهوائهم التي لا تنتهي عند حد دون الأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة للمجتمع وإرادة الشارع في ترتيب آثار العقود ؟
ويتفرع عن هذه الإشكالية الرئيسية طرح التساؤلات التالية:
- ما مدى تأثير الشرط على العقد؟
- ما مدى مشروعية شرط الزوج على زوجته المساهمة في تحمل نفقات الأسرة أو التنازل عن بعض حقوقها، كالنفقة خصوصاً إذا كانت عاملة؟
- هل يتمتع الموثق وضابط الحالة المدنية بسلطة بمراقبة صحة الشرط المقترن بعقد الزواج؟
- ما مدى سلطة القاضي في نقض أو تعديل الشرط المقترن بعقد الزواج؟
- فيما تتمثل الآثار المترتبة على عدم الوفاء بالشرط؟
- هل يمكن اعتبار تعديل المشرع لنص المادة 37 الذي يبيح للزوجين الاتفاق حول نظام الأموال المشتركة بينهما اتجاها من المشرع الجزائري نحو الأخذ بمفهوم الأنظمة المالية للزواج في التشريعات اللاتينية؟
وعن منهج البحث، فقد تم الاعتماد بشكل أساسي على المنهج التحليلي المقارن بين مذاهب الفقه الإسلامي وقانون الأسرة الجزائري، وبعض تشريعات الأحوال الشخصية العربية، كما استعنا بالمنهج التاريخي كلما اقتضى الأمر ذلك.
وتم تقسيم البحث إلى فصلين، نتعرض في الفصل الأول إلى دراسة ماهية الشرط المقترن بعقد الزواج، وذلك من خلال تعريف الشرط وخصائصه في المبحث الأول على أن يتم التمييزبين الشرط وما يشبهه من ألفاظ في المبحث الثاني، ونتناول في المبحث الثالث أقسام الشرط، وأخيرا نخصص المبحث الرابع لدراسة الاشتراط في عقد الزواج بين الحظر والإباحة.
ونتناول في الفصل الثاني حكم الشرط المقترن بعقد الزواج ويكون ذلك على مدار أربعة مباحث، حيث نتناول في المبحث الأول أثر الشرط في عقد الزواج، ثم نوضح من خـلال المبحث الثاني مدى إمكانية مـراقبـة صحـة الشرط المقترن بعقد الزواج، ويعقب ذلك دراسة الجزاء المترتب على عدم الوفاء بالشرط في المبحث الثالث، ونختم دراستنا لهذا الفصل بعرض تطبيقات توضيحية لبعض صور الشروط في عقد الزواج.
يجدر بنا قبل البحث في تحليل فكرة الشرط و دراسة الشروط التي يجوز للزوجين اشتراطها، التعرض إلى مسألة بالغة الأهمية تتمثل في تحديد العلاقة بين مبدأ شرعية آثار العقود ومبدأ الرضائية، وإلى أي مدى يمكن الجمع بينهما ؟
إن المقصود بآثار العقود ما يترتب عليها من حقوق وواجبات للمتعاقدين. وهي تختلف من عقد لآخر بحسب طبـيعة العقد والغرض الذي وجد من أجلـه، وأحكام العقد كما سماها القدماء المسلمون هي على قسمين: آثار أو أحكام أصلية وآثار أو أحكام تبعية.
وتسمى الأحكام الأصلية بحكم العقد، أما الآثار الفرعية فتسمى أيضا بحقوق العقد، أي المطالبات والالتزامات التي تنشأ من العقد لتثبيت حكمه وتأكيده بخلاف الالتزامات الأصلية التي تكون من مقتضيات العقد، والتي تثبت بمجرد انعقاده وتكوينه لأنها أثره المباشر. وتتمثل ثمرة التمييز بين حكم العقد وحقوقه فيما يلي:
1) يرتب العقد آثاره بمجرد إنشائه، إذ لا يحتاج إلى عمل من العاقد لتنفيذه، بينما تكون
الآثار الفرعية للعقد بحاجة إلى تدخل العاقد من أجل تنفيذها.
2) يبين لنا حكم العقد موضوع العقد، أمـا حقوق العقد فـلا تحمل السمة المميزة للعقد
الذي تأكده وتسمى أيضًا بالمقاصد التابعة.
3) تثبت حقوق العقد الأصلية تبعًا للحكم الأصلي للعقد بدون حاجة إلى اشتراطها، بينما
لا تثبت الآثار الفرعية للعقد أو حقوقه المكتسبة إلا إذا اشترطها العاقد.
إن الآثار الأصلية للعقود ليست خاضعة لإرادة المتعاقدين، بل ينظمها القانون والشرع، وهذا لأن العقـود تعتبر أسبابًا شرعية لترتيب الأحـكام والآثار بحكم الشرع، إذ ينحصر دور العاقدين في القيام بالسبب وهو التعاقد، على حين يستقل الشارع بترتيب الأحكام والآثار المترتبة على العقود، وهذا يعني أنـه ليس للمتعاقدين
تغيير الأحكام الأساسية للعقد، إنما بإمكانهما تغيير أو تعديل بقية الأحكام الثانوية للعقد بشرط ألا تتعارض مع مقتضى العقد، وهذا الحيز الأخير من مجال التعاقد هو ما اصطلح على تسميته بالشروط المقترنة بالعقد، أي الشروط التي ترد على آثار العقد ولا تتناقض مع مقتضاه.
إن رضائية العقود تكمن في حرية الاختيار للعاقد في الإقدام على إبرام العقود أم لا ؟ وفي أن له الحرية في التعبير بكل ما يدل على رضاه، وعند ذلك ينتهي دوره الذي يقتصر على إقامة السبب الظاهري الذي ينشأ عنده الأثر الشرعي للعقد. وفي هذا يقول ابن تيمية: " إن الأحكام الثابتة بأفعالنا، كالملك الثابت بالبيع، وملك البضع بالنكاح، نحـن أحدثـنا أسباب تلك الأحـكام، والشارع أثبـت الحـكم لثبـوت سببه منا "، والمقصود من هذا أن ترتيب الأحكام الشرعية سواء في النكاح أو الطلاق أو غيرها... هو بحكم الشرع فهي لا توجب الحكم بذاتها وإنما بإيجاب الله تعالى.
وتبرز حكمة الشارع من مبدأ جعلية آثار العقود في إقامة التوازن بين حقوق العاقدين الناشئة بالعقد، وضمان عدم إخلال أحدهما بحقوق الآخر. وهذا لأن الشارع أقدر من غيره على حفظ العدل بين الناس وصون المعاملات عن أسباب الفساد وحسمًا لنشوء الخلاف بين الناس.
وعلى هذا، فإن الرابطة بين العقد وآثاره باعتبار أن أحدهما مسبب والآخر سبب ليست رابطة آلية طبيعية عقلية، وإنما هي رابطة جعلها الشارع بينهما، لتجنب استغلال الناس بعضهم لبعض، وحتى لا تؤدي بهم إلى نزاع، ولا ينالهم منها غبن ولا يلحقهم بها ضرر، وحتى لا يتخذوها وسيلة إلى اقتراف ما نهى الله عنه.
إن القول بجعلية الآثار لا يتعارض مع مبدأ رضائية العقود بدليل أن الشارع أجاز للمتعاقدين اشتراط شروط تنقص أو تزيد من آثار العقد وهذا في حـالة ما إذا لم تحقق
الآثار الأصلية للعقد مصلحة العاقدين وغرضيهما. وتستمد إرادة المتعاقدين سلطانها في ذلك من الحدود التي يحددها الشارع لكل عقد وهي تختلف من عقد لآخر بحسب طبيعة العقد.
وعلى هذا الأساس فان الإرادة ليس لها دور في ترتيب آثار الالتزامات التعاقدية إلا بالقدر الذي تتوازن فيه مع المصلحة العامة للمجتمع، فلا سلطان لها في القانون العام، ولها دور ضئيل في مجـال الأحوال الشخصيـة بالمقـارنة مع المعاملات المـالية، حيث يتسع دور الإرادة؛ وهذا يعني أن مركز الإرادة وأهميتها من الالتزامات التعاقدية يحتل مركزًا وسطًا ذو أهمية محدودة بحدود القانون والشرع، فلا يمكن إطلاق السلطان للإرادة في ترتيب آثار العقود، ومع ذلك فإن هذا لا ينقص من دور الإرادة بقدر ماهو يحدد مكانتها وحدود التعبير عنها، وعليه ينتفي وجود أي تعارض بين شرعية آثار العقود ومبدأ الرضائية متى تم تحقيق هذه المعادلة.
إن الأصل في عقد الزواج هو جعلية الآثار إذ أن عقد النكاح هو المجال الطبيعي لتطبيق نظرية الجعلية بغرض حماية الأسرة من أهواء ورغبات الأفراد التي تدمر بناء الأسرة المسلمة وتقوض أركانها. وإذا كانت آثار العقد جعلية فإنها غالبا ما تكـون هي مقصود المتعاقدين، حتى إذا بدا لهما أو لأحدهما أن يعدل من هذه الآثار زيادة أو نقصاناً، كان ذلك عن طريق الشروط العقدية التقييدية.
وسنتطرق بالدراسة والتحليل في هذا الفصل إلى تعريف الشرط وبيان خصائصه ثم التمييز بين الشرط والألفاظ المشابهة له، ليتم التعرض بعد ذلك إلى أهم معايير تقسيم الشرط. وأخيرا دراسة مدى حرية الزوجين في اشتراط الشروط.



ومن ثم فإن هذا الفصل يشتمل على أربعة مباحث كما يلي:
المبحث الأول: تعريف الشرط وخصائصه
المبحث الثاني: التمييز بين الشرط وما يشبهه من ألفاظ
المبحث الثالث: أقسام الشرط
المبحث الرابع: الاشتراط في عقد الزواج بين الحظر والإباحة



























المبحث الأول: تعريف الشرط وخصائصه

إن صدور التصرفات القولية، ومنها العقود من حيث الإطلاق والتقييد، له حالتان عامتان:
إما أن تصدر من المتكلم منجزة ومطلقة، وخالية عن كل قيد وشرط وعندئذ يرتب العقد آثاره وأحكامه فور إنشائه كما لوقال أحد المتعاقدين للآخر بعتك سيارتي هذه بمبلغ محدد بينهما، أو قال أجرتك منزلي هذا على مبلغ متفق عليه بينهما. فإن العقد ينعقد في كلتا الحالتين متى قبله المتعاقد الآخر فيمتلك المشتري الشيء المبيع ويملك المستأجر منفعة استغلال البيت ويكون العقد عندها منجزا مطلقا.
وإما أن تصدر صيغة العقد مربوطة بأمر يقصد به إما:
- تعليق وجود العقد بوجود شيء آخر فلا يوجد ذلك العقد ما لم يوجد ذلك الشيء.
- أو يقصد به تقييد حكمه وآثاره، وهذا ما يدخل في مجال بحثنا.
- أو تأخير مفعوله إلى زمن معين.
ومن ثم فإننا نستبعد من نطاق البحث كل من الشرط الواقف والشرط الفاسخ وكذا فكرة الأجل، لأنها تعتبر من أوصاف الالتزام، ليتم التركيز على الشرط المقترن بالعقد أي الذي يدخل في ماهية العقد ويقصد به المتعاقدان تقييد آثار العقد، وسنتناول تعريف الشرط ، ثم نقف بعد ذلك على دراسة خصائصه، وذلك في المطلبين المواليين:
المطلب الأول: تعريف الشرط
يعرف الشرط بصيغته إن دخـل في الكـلام حرف من حروف الشرط مثل إن ، ما، مهما، حيثما، ويعرف أيضا بدلالته عندما يكون الكلام الأول سببا للثاني.
وسنتعرض إلى كل من التعريف اللغوي والاصطلاحي للشرط من خلال الفرعين المواليين:
الفرع الأول:التعريف اللغوي للشرط
يعرف الشرط في اللغة بأنه: " إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه"
والشرط جمعه شروط وهو القيد أو الحكم. والشريطة هي الشيء المشروط. والشرط هو العلامة ، ومنه أطلق الشرط في اللغة على ما يشترطه المتعاقد في عقوده والتزاماته اتجاه نفسه أو غيره، فهو كالعلامة التي تميز العقد عن أمثاله باشتراط أحكام إضافية يتفق عليها الطرفان.
الفرع الثاني:التعريف الاصطلاحي للشرط
الشرط اصطلاحا: هو ما يتوقف عليه وجود الشيء، بأن يوجد عند وجوده وينعدم بانعدام الشرط. كقول الرجل لامرأته: إن خرجت من الدار فأنت طالق، فإن وقوع الطلاق هنا يتوقف على خروج المرأة.
وقيل أن الشرط: هو "ما يتوقف عليه الحكم وليس بعلة الحكم، أي ما يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجود المشروط " ، ومثال ذاك الشروط التي يتطلبها المشرع لإبرام العقود، كشرط الأهلية، فإنها إلزامية في كل عقد، حيث أن فاقد الأهلية كالمجنون لا ينعقد عقده.
وعرفه العلامة الحموي بأنه: " التزام أمر لم يوجد في أمر قد وجد بصيغة مخصوصة "، عن طريق اقتران التصرف بالتزام أحد العاقدين بالوفاء بأمر زائد عن أصل العقد وغير موجود وقت التعاقد وباستعمال عبارة بشرط كذا أو على أن يكون كذا.
إن ما يهمنا من هذه التعاريف المتعددة للشرط هو التعريف الذي يخص الشرط المقترن بالعقد أي الشرط الذي يكون داخل ماهية العقد.
ويمكن تعريف الشرط المقترن بالعقد أو شرط التقييد أو العبء لا شرط التعليق بأنه: " التزام العاقد في عقده أمرًا زائدًا على أصل العقد، سواء كان مما يقتضيه العقد نفسه أم كان مؤكداً له، أو كان منافيا له، أو يحقق منفعة لمن اشترط لصالحه الشرط. وحسب الشيخ منصور البهوتي فإن المعتبر من الشروط هو ما يرد في صلب العقد كأن يقول فلان زوجتك بنتي بشرط ألا تخرجها من بلدها ويقبل الزوج بذلك.
أما تعريف الشرط في اصطلاح فقه القانون الأجنبي فهو ربط نشوء الالتزام أو زواله بحادث مستقبل محتمل الوقوع، يترتب على وقوعه وجود الالتزام أو زواله، فإما أن يكون شرطا واقفا أو شرطا فاسخا.
وهذا التعريف يتفق مع مضمون الشرط التعليقي في اصطلاح الفقه الإسلامي كما سنرى في المطلب الثاني من المبحث الثالث . وبخصوص الانتقادات الموجهة إلى هذا التعريف فإنها تتمحور حول الخلط الذي وقع فيه فقهاء نظرية الالتزام في الفقه الأجنبي، إذ نجدهم لم يميزوا بين التعليق على الشرط والتقييد بالشرط.
ومن جهة أخرى فإن تقسيمهم الشرط إلى نوعين: موقف وفاسخ ليس في حقيقته تقسيما للشرط إنما هو تقسيم للأمـر المشروط، فالشرط في كلتا الحالتين نوع واحـد من قبيل التعليق، وإن اختلفت النتائج فيعزى ذلك إلى اختلاف نوع الأمر المشروط.
وفي اعتقادنا أن سبب هذا اللبس والغموض الذي يشوب تعريف الشرط مرده اختلاف زوايا النظر إليه، وهذا ماسيتضح أكثر عند دراستنا لأقسام الشرط في المبحث الثالث من هذا الفصل.
ونخلص من هذه التعاريف المختلفة إلى نتيجة مفادها: أن لفظ الشرط يطلق للدلالة على معاني مختلفة، كمعنى الالتزام الموصوف بأن يكون شرطا واقفا أو فاسخا، وقد يستعمل الشرط للدلالة على أركان العقد وشروط صحته فيسمى بالشرط الشرعي أو القانوني، وما يهمنا في هذا البحث هو لفظ الشرط الذي يطلق للدلالة على حكم من الأحكام التي يتفق عليها المتعاقدان في عقدهما.
المطلب الثاني: خصائص الشرط
استنادا إلى تعريف الشرط يمكن استخلاص المقومات الأساسية التي يقوم عليها الشرط وهي بمثابة الخصائص المميزة له وتتمثل فيما يلي:
الفرع الأول:أنه أمر زائد على أصل العقد
ويقصد بذلك أن العقد ينعقد بمجرد توافر أركانه وشروطه التي تطلبها المشرع دون حاجة إلى وجود الشرط المقترن بالعقد، لأن هذا الأخير يدخل على العقد بعد تمامه وتوافر أركانه وشروطه، فلو اشترطت المرأة في عقد الزواج كفيلا لضمان المهر وقبل بذلك الزوج، فإن اشتراط الكفيل لضمان المهر أمر زائد عن عقد الزواج لأنه ينعقد بدون هذا الشرط، ولا يتوقف وجوده في ذاته على هذا الشرط، ونفس الحكم ينطبق على بقية أنواع العقود.
الفرع الثاني : أنه أمر مستقبل
لابد أن يكون الشرط متعلقا بالتزام سيوجد في المستقبل وغير موجود في الماضي ولا في الحال، حتى لا يستحيل على المتعاقد الالتزام بالشرط تجاه المشترط وإذا كان الشرط واقعا بالفعل فلا فائدة من اشتراطه لأنه تحصيل حاصل، فلو قال الزوج لزوجته أنت طالق إن كانت السماء فوقنا والأرض تحتنا، فإنها تطلق في الحال.
الفرع الثالث: أنه أمر محتمل الوقوع
يجب أن يكون الشرط متعلقا بأمر يكون في وسع المتعاقد المشترط عليه تنفيذه وهذا يقتضي أن يكون ممكن الوقوع في المستقبل فلا التزام بمستحيل، لأنه إذا كان الشرط مستحيل الوقوع فإن العقد يكون باطلاً. والاستحالة إما أن تكون مادية أو قانونية، وتتحقق الاستحالة المادية متى وجد في طبيعة الأشياء عقبة تحول دون تحقق الشرط، كتعليق الهبة على الطيران في الهواء بغير طائرة أو على عدم غروب الشمس في اليوم الموالي، أما الاستحالة القانونية فمناطها نص القانون حيث يعتبر الشرط مستحيلا إذا واجه عقبة قانونية تحول دون تحققه كالزواج من إحدى المحارم.
الفرع الرابع: مشروعية الشرط
يجب ألا يكون الشرط مخالفا للنظام العام والآداب العامة، وهذا لأن صحة ومشروعية الشرط يعتبر محض تقرير لمقتضى العقد وهو في حقيقته لازم دون أن يكون في حاجة إلى شرط.
والحقيقة أن فكرة المشروعية لا ترتبط بالواقعة الشرطية في حد ذاتها، وإنما بالغاية المقصودة منها، وذلك لأن العمل المشروط قد ينطوي على عمل مشروع في حد ذاته، ولكن الغرض المقصود قد يكون غير مشروع كشرط عدم الزواج فالأصل فيه أنه مشروع إذ الأمر متروك لإرادة الشخص وحريته، ولكنه يصبح غير مشروع إذا كان من شأنه تقييد حرية الزواج.
ومن الأمثلة التي تضرب لبيان عدم مشروعية الشرط بسبب الغاية غير المشروعة شرط الترمل، الذي يفرض فيه الموصي على زوجته عدم إعادة الزواج بعد وفاته فيعتبر هذا الشرط غير مشروع إذا كانت الغاية منه حرمان الزوجة من حقها الطبيعي. وعلى العكس من ذلك نجد القضاء في أحياناً أخرى قد حكم بمشروعية هذا الشرط إذا كان مقصد الزوج منه هو جعل الزوجة تتفرغ لتربية أولادها بعد وفاته وضمان معيشتها.
ويضاف إلى جملة الشروط غير المشروعة الشرط الذي يقضي بعدم زواج بعض الموظفات في بعض المِِؤسسات كشرط العزوبة الذي يفرض على بعض مضيفات الطيران، وفي هذا الصدد قضت محكمة باريس ببطلان هذا الشرط، غير أنه في حالات أخرى أقر القضاء بتبرير هذه الشروط.
المبحث الثاني :التمييز بين الشرط وما يشبهه من ألفاظ
وللخروج من اللبس والغموض الذي يشوب التعريف الاصطلاحي للشرط بسبب كثرة استعمالاته، وحتى يتجلى لنا المفهوم الحقيقي للشرط سنتعرض إلى التمييز بينه وبعض المصطلحات المشابهة له، وذلك في المطالب الأربعة الآتية:
المطلب الأول:التمييز بين الشرط والركن
يعرف الركن في اللغة بأنه: " أحد الجوانب القوية التي يستند إليها الشيء ويقوم به، وهو أقوى جوانب الشيء " ، ويعرف الركن في اصطلاح الفقهاء بأنه: ما يتوقف عليه وجود الشيء وكان جزءًا من حقيقته. فالرضا والمحل والسبب كلها أركان متطلبة لقيام العقود.
أما الشرط فهو مـا يتوقف عليه وجود الحكم ويكـون خارجا عن حقيقته وماهيته، ويتفق الشرط مع الركن في أن كل منهما يتوقف عليه وجود الحكم، فإذا تخلف الركن بطل الحكم، وإذا تخلف الشرط فسد الحكم، أي أن الحكم يتوقف وجوده على وجودهما، فعدم وجود المحل في العقد يستلزم بطلان العقد. فالوضوء باعتباره شرطا لصحة الصلاة يترتب على تخلفه تخلف الصلاة.
ويكمن الفرق بين الشرط والركن في أن الركن يعتبر جزءا من حقيقة الشيء المشروط أو ماهيته، بينما يعتبر الشرط خارجا عن ماهية الشيء المشروط وحقيقته وليس جزءًا منه، فالركوع ركن في الصلاة لأنه جزء من حقيقتها، والوضوء شرط صحة في الصلاة لأنه أمر خارج عن ماهيتها، ويترتب على ذلك حصول خلل في الماهية إذا وقع خلل في ركن من الأركان، أما إذا حصل خلل في شرط من الشروط فيترتب على ذلك حصول خلل في أمر خارج عن حقيقة الشيء وهو الوصف.
المطلب الثاني: التمييز بين الشرط والوعد
الوعد في اللغة: من وعد يَعِدُ من باب ضرب يضرب، عِدَةً ووعداً، فأما العِدَة فتجمع على عدات، وأما الوعد فلا يجمع. والمواعدة مفاعلة وهي ما بين طرفين ولا يجوز في رأي جمهور أهل اللغة جمع الوعد.
أما في اصطلاح الفقهاء، فالوعد معناه الالتزام للغير بما لا يلزم ابتداءا، وقد ورد لفظ الوعد في القرآن الكريم في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: "كَبُرَ مَقْتاً عند الله أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ" ، وقال تعالى في مدح إسماعيل عليه الصلاة والسلام والثناء عليه: " وَاذْكُر فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ ".
ومن السنة فقد وردت عن رسول الله صلى الله علي وسلم أحاديث كثيرة تحث على الوفاء بالعهد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال:" آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا اؤْتُمن خان، وإذا وعد أخلف". ومن ثم فليس للمسلم التشبه بصفات المنافقين.
ويتميز الوعد عن الشرط في كون الأصل في الوعد أنه لا يلزم صاحبه قضاءً وإن كان الوفاء به مطلوباً ديانة، فلو وعد إنسان شخصاً آخر ببيع منزل معين فلا ينشأ بذلك حق للموعود له، وليس له أن يجبره على تنفيذه بقوة القضاء، إلا إذا صدرالوعد معلقاً على شرط، فإنه يخرج عن معنى الوعد المجرد، ويكتسي ثوب الالتزام والتعهد فيصبح عندئذ ملزماً لصاحبه كما ذهب إلى ذلك فقهاء الحنفية.
بيد أن الفقهاء وإن كانوا قد فرقوا بين الوعد والشرط من حيث أثر كل منهما فإنهم لم يضعوا ضابطا لتحديد ما يعد شرطا وما يعد وعدا، وتركوا تحديد ذلك إلى أعراف الناس وعاداتهم، وإلى قرائن الأحوال إذا كان الإخبار عن العقد بصيغة المضارع، أما إذا كان بصيغة الماضي فلا يحتاج إلى قرينة. وفي هذا المعنى يقول الشيخ عليش: " وأما الفرق بين ما يدل على الالتزام وما يدل على العِدَة (الوعد) فالمرجع فيه إنما هو إلى ما يفهم من سياق الكلام وقرائن الأحوال "، وجاء في الإقناع للمقدسي:" والشرط بين الناس ما عدوه شرطا، فالأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع وتارة باللغة، وتارة بالعرف وكذلك العقود ".
المطلب الثالث: التمييز بين الشرط والسبب
يعرف السبب في اللغة بأنه: الحبل الذي يتعلق به الإنسان ويتشبث به للإرتقاء والانتقال، ولهذا سمي الطريق سببا تشبيها بالحبل الممتد، ومنه قوله تعالى:" فاتبع سببا". ومن ثم فإن السبب يطلق أيضا على كل ما يتوصل به إلى غيره ويفضي إليه. والسبب في اصطلاح الفقهاء: " هو كل حـادث ربط به الشرع أمرًا آخر وجودًا وعدمًا، وهو خارج عن ماهيته " ، أوهو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم. فعلى سبيل المثال يعتبر العمل الضار سببًا موجبًا للتعويض طبقا لنص المادة 124 من القانون المدني الجزائري. كما تعتبر كل من القرابة والزوجية أسبابا للإرث حسب نص المادة 126 من قانون الأسرة الجزائري.
إن ما يمكن ملاحظته من خلال تعريف السبب ومقارنته بتعريف الشرط أنهما يتفقان في حالة العدم، أي أنه إذا انعدم الشرط انعدم المشروط، وإذا انعدم السبب انعدم المسبب. ولكنهما يفترقان من حيث أن السبب متى وجد يلزم من وجوده وجود الحكم مالم يوجد ما يمنع ذلك، فمتى وجدت الزوجية أو القرابة وجب الميراث، بخلاف الشرط فإن وجوده لا يستلزم وجود الحكم أو الأمر المشروط، فلا يلزم مثلا من وجود الشاهدين وجود عقد الزواج.
المطلب الرابع: التمييز بين الشرط والمانع
المانـع في اللغة هو الحائل بين الشيئيين، أما في اصطلاح الفقهاء الأصوليين هو: " كل ما يستلزم وجوده انتفاء غيره، أو هو الحكم على الوصف بالمانعية أو هو الوصف الظاهر المنظبط الذي جعله الشارع حائل دون وجود الحكم، فيلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته".
فعلى سبيل المثال يعتبر قتل الوارث مورثه مانعاً شرعياً من موانع الإرث، يحرم به القاتل من الإرث مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس للقاتل ميراث ". ففي هذا المثال فإن القاتل لا يرث رغم قيـام سبب الإرث سواء أكـانت القرابة أو الزوجيـة، لأنه لو ورث بسبب القتل لكان منتفعا عن طريق ارتكاب جناية القتل المحرمة شرعا وقانونا، وهذا ينافي الحكمة من ترتيب حكم الإرث، وهذا يعني أن حصول المانع يقتضي رفع مقتضى السبب أو وجود الحكم.
ويتمثل الفرق بين الشرط والمانع في أن المانع هو كل ما يستلزم وجوده انتفاء غيره، أي أن المانع عكس الشرط لأن الشرط هو ما يلزم من عدمه عدم غيره.
وفي الأخير نخلص إلى أنه بالرغم من محاولة الفقهاء التمييز بين الشرط وما يشابهه من مصطلحات إلا أن الخلط واللبس والغموض لا يزال يشوب التعريف الاصطلاحي للشرط، فتارة يسمى الركن بالشرط وتارة يسمى السبب بالشرط، وتارة يقع الخلط بين الشرط والوعد، ولتجاوز هذا الإشكال وحتى يكتمل المفهوم الحقيقي للشرط يتعين علينا دراسة أقسام الشرط، وتحليلها من زوايا عدة، لنصل في الأخير إلى تحديد موضع الشرط المقترن بعقد الزواج من بين كل هذه الأقسام.
المبحث الثالث : أقسام الشرط
ينقسم الشرط إلى عدة أقسام تختلف باختلاف زوايا النظر إليها فإذا نظرنا إلى الشرط باعتبار مصـدر اشتراطه، فإنه ينقسم إلى شرط شرعي وشرط جعـلي وشرط عرفي، وباعتبار وظيفة الشرط فإنه ينقسم إلى: شرط تعليق وشرط إضافة ثم شرط التقييد، أما إذا نظرنا إلى الشرط من حيث موضعه من العقد فلا يخرج عن أن يكون شرطا متقدما أو مقارنا بالعقد أو متأخرا عنه، وسنتناول كل هذه التقسيمات في المطالب الثلاثة التالية:
المطلب الأول: أقسام الشرط من حيث المصدر
إن العبرة في هذا التقسيم تكون بمصدر الشرط فإما أن يكون الشرط شرعيا أو قانونيا، وإما أن يكون إراديا أو جعليا، وقد يكون شرطا عرفيا وسنتولى بيان وإيضاح ذلك في الفروع الثلاثة التالية:
الفرع الأول: الشرط الشرعي
الشرط الشرعي أو القانوني في اصطلاح القانون الوضعي هو الذي يكون اشتراطه بحكم من الشارع أو القانون، كالشروط التي اشترطها الشارع في مختلف أنواع العقود والتصرفات من بيع وهبة... وكذا الشروط التي اشترطها في مختلف أنواع العبادات كشرط الطهارة في الصلاة وشرط الحول للزكاة وشرط الإحصان في حد الرجم.
ويعرفه الدكتور زكي الدين شعبان بأنه: ماكان توقف المشروط فيه على وجود الشرط بحكم الشارع ووضعه، لما في ذلك الشرط من الملائمة للفعل والتكميل له. حيث لا يصح الحكم بدونه كشرط الوضوء في صحة الصلاة، وكالشهود في النكاح وحولان الحول بالنسبة للزكاة، وغيرها من الأمور التي اشترطها الشارع في التصرفات الشرعية من زواج وبيع وهبة ووصية، والشروط التي اشترطها لإقامة الحدود كقطع يد السارق ورجم الزاني.
ومن أمثلة الشروط التي اشترطها القانون: شرط الأهلية لإبرام العقود، حيث تنص المادة 78 من القانون المدني الجزائري على أن: " كل شخص أهل للتعاقد مالم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون ".
الفرع الثاني: الشرط الجعلي
الشرط الجعلي أو الإرادي هو الذي يرجع تحديد نطاقه إلى إرادة العاقد، ولكن الشارع قيده بحدود شرعية معينة، فليس للعاقد اشتراط أي شرط يريده، بل يجب ألا يخالف حكم العقد أو التصرف، وإلا عد شرطًا لاغيًا. وقال الشيخ محمد علوشيش الورثلاني: " الشرط الجعلي هو ما يشترطه المتعاقدان أو أحدهما، ويكون القصد منه تحقيق المصلحة الخاصة، كما لو اشترطت المرأة تقديم معجل المهر كله، أو اشترط المشتري نقل المبيع أو استلامه في مكان معين ".
ويعرف الدكتور صالح غانم السدلان الشرط الجعلي بأنه: " هو الذي يكون اشتراطه بتصرف المكلف وإرادته ".
وتنقسم الشروط الجعلية من حيث مشروعيتها إلى ثلاثة أنواع:
أ- شرط لا ينافي الشرع بل هو مكمل للعقد وذلك كما لو اشترط المقرض على المقترض رهنا أو كفيلا لضمان سداد القرض.
ب- شرط غير ملائم للعقد وينافي مقتضاه، كأن يشترط الزوج في عقد الزواج عدم الإنفاق على زوجته.
ج- شرط لا ينافي العقد ويحقق مصلحة لأحد العاقدين أو كليهما، غير أن العقد لا يقتضيه، أي لا يعرف مدى ملاءمته أو عدم ملاءمته للعقد، كأن يبيع شخص منزلا على أن يسكنه البائع لفترة معلومة، واختلف الفقهاء في هذا النوع من الشروط.
ويكمن الفرق الأساسي بين الشرط الشرعي والجعلي من زاوية الأثر المترتب عنهما أنه، في حالة انتفاء الشرط ينتفي المشروط، وهذا بالنسبة للشرط الشرعي أو القانوني، فمثلاً تخلف شرط وفاة المورث ينتفي معه استحقاق الإرث، بخلاف الشرط الجعلي فإن المشروط يمكن أن يوجد من دون شرط، فلو قال الزوج لزوجته إن خرجت من الدار فأنت طالق، فلو تحقق الشرط فيبقى من الممكن أن يقع الطلاق بسبب آخر.
الفرع الثالث: الشرط العرفي
الشرط العرفي هو ما يتقيد به التصرف بناءا على ما اعتاده جمهور الناس وما ألفوه من قول أو فعل، تكرر مرة بعد أخرى حتى تمكن أثره في نفوسهم وصارت تتلقاه عقولهم بالقبول، ومن أمثلة ذلك العرف الذي تعرفه بعض البلدان الإسلامية بتقسيم المهر إلى معجل ومؤجل بنسبة يختلف مقدارها من بلد إلى آخر، أو أن يبيع شخص لآخر سلعة بثمن معين دون أن يشترط حلول الثمن ولا تعجيله، ويكون المتعارف عليه التأجيل إلى شهر أو التقسيط على أشهر معلومة فإن الثمن يقسط على تلك الشهور المتعارفة، ويكون ذلك شرطا في البيع كالشرط الجعلي.
ويشترط في العرف حتى يكون معتبرا في نظر الشرع توافر بعض الشروط نذكر من بينها مايلي:
1- أن يكون العرف مطردا أو غالبا.
2- أن يكون العرف المراد تحكيمه في التصرفات قائما عند إنشائها.
3- ألا يعارض العرف نصا شرعيا ولا نصا قانونيا، ولا قاعدة شرعية من القواعد الأساسية، ولا حكما ثابتا بحيث يكون العمل بالعرف تعطيل له.
وقد اختلفت آراء الفقهاء في مدى تقييد العقود والتصرفات بالشرط العرفي فذهب الحنفية إلى اعتبار العرف الصحيح وتقييد العقد به استنادا إلى بعض القواعد العامة كقاعدة " العادة محكمة "، وقاعدة "الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي"، و ذهب المالكية أيضا مذهب الحنفية في اعتبار العرف، أما الشافعية فالأصح عندهم أن العرف لا ينزل منزلة النص الصريح.
وإذا كان الشرط العرفي يجد مكاناً له ويرتب آثره في الشريعة الإسلامية على الأقل عند فقهاء الحنفية والمالكية، فإن القانون الوضعي على العكس من ذلك حيث تفرض التشريعات الوضعية قاعدة إجرائية تنظيمية تقضي بوجوب أن يكون الشرط مكتوبا في صلب العقد أو في عقد رسمي لاحق، فمن يحرص على شرط معين فيجب عليه أن يحرص على كتابته في العقد، إذا كان راغبا فعلا في ألا يفوته مضمون شرطه. ولا يخفى على أحد أهمية هذه القاعدة الإجرائية في ضمان استقرار المعاملات والعقود، وتلافي المنازعات، وإلى هذا ذهب المشرع الجزائري في نص المادة 19من قانون الأسرة بغرض ضمان المشارطات التي تتم بين الزوجين وبالتالي ضمان استقرار الحياة الزوجية.
والجدير بالذكر أن الشرط الجعلي يدخل ضمن الشرط المحض، وهو" ما يمتنع به وجود العلة فإذا وجد الشرط وجدت العلة، فيصير الوجود مضافا إلى الشرط دون الوجوب، وذلك في كل تعليق بحرف من حروف الشرط نحو إن دخلت الدار فأنت طالق ".
المطلب الثاني: أقسام الشرط من حيث وظيفته
ينقسم الشرط من حيث وظيفته وعلاقته بالشيء المشروط إلى ثلاثة أقسام، فقد يكون مقترنا بالعقد ومقيدا له ويسمى عندئذ بشرط التقييد، أو يكون العقد معلقاً عليه وهو ما اصطلح على تسميته بشرط التعليق، وقد يكون مضافا إليه ويسمى بشرط الإضافة، وسنتولى دراسة هذه الأنواع من الشروط فيما يلي:
الفرع الأول: شرط التعليق
إن التعليق على الشرط هو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، أو هو ترتيب العقد على أمر سيوجد في المستقبل؛ ويفهم من هذا أنه عكس التعليق على الشرط، وعكس التنجيز الذي يكون فيه العقد مطلقا مرتبا لآثاره فور صدوره، كأن يقول الإنسان إن سافر ابني فقد وكلتك في بيع داري، أو قال إن سافر مدينك فأنا كفيل بمالك عليه فهذا تعليق للكفالة، فانعقاد الكفالة مربوط بتحقق سفر المدين. ولا يكون العقد معلقًا إلا إذا تحقق شرطان أساسيان:
أ- يجب أن يكون الشرط المعلق عليه غير موجود وقت التعاقد فإن كان موجودا فإن التعليق عندئذ يكون صورياً والعقد منجزاً.
ب- ألا يكون الشيء المعلق عليه مستحيلا و إلا كان العقد باطلا.
ويكون التعليق بين جملتين يربط بينهما بإحدى أدوات الشرط مثل: إن وإذا ومتى وكلما.
وخلاصة القول أن الشرط المعلق هو: كل شرط يعلق فيه العاقد تصرفه على حصول أمر من الأمور، بحيث لا يوجد أثر للعقد إلا إذا تحقق الشرط، وهذا ما يتنافى ومقتضى عقد الزواج باعتباره من العقود المنجزة غير المتراخية التنفيذ، ولهذا يكون حكم الزواج المعلق على شرط هو البطلان.
وبالتالي فإن هذا النوع من الشرط يخرج عن نطــاق بحثنا، وهذا لاختلافه عن

الشرط المقترن بعقد الزواج مناط البحث والدراسة، ويكمن هذا الاختلاف في وجهتين أساسيتين:
* الوجهة الأولى: من حيث الشكل، فالعقد المقترن بالشرط يكون خاليا من أداة الشرط كأن وإذا، بخلاف العقد المعلق على شرط فإنه يكون بإحدى أدوات الشرط.
* الوجهة الثانية: فمن حيث المعنى نجد أن العقد المعلق على شرط يتوقف وجوده على وجود الشرط المعلق عليه، فالعقد لا يكون منجزا في الحال بل عند وجود الشيء المعلق عليه. أما في حالة العقد المقتـرن بالشرط فيكون العقد منجزًا واقعا في الحـال، ولكن شمله شرط كقـول المرأة للرجل تزوجتك بشرط أن تعجل لي المهر كله، أو بشرط ألا تتزوج علي.
الفرع الثاني: شرط الإضافة
وهو الشـرط الذي يقصد به تأخير سريان أحكـام العقد إلى زمـن المستقبل. ويتحقق ذلك بإضافة صيغة الإيجاب إلى المستقبل، وقد تكون هذه الصيغة مطلقة عن الاقتران بشرط، ومثال ذلك: قول أحد المتعاقدين للآخر أجرتك منزلي هذا لمدة سنتين تبدأ من الشهر القادم أو من أول العام، و يقبل بذلك المتعاقد الآخر. وعلى العكس من ذلك قد تكـون صيغة العقد المضاف مقترنة بالشرط، كـأن يقول أحد المتعاقدين للآخر: أجرتك منزلي هذا لمدة سنة تبدأ من الشهر القادم بشرط أن تدفع لي الأجرة على قسطين، ستة أشهر لكل قسط ويقبل بذلك المتعاقد الآخر.
وبخصوص حكم العقد المضاف فإنه ينعقد في الحال، أي أنه عقد قائم بين المتعاقدين منذ إنشاء الإضافة، ولكن لا يرتب العقد حكمه وآثـاره إلا إذا جاء الوقت الذي أضيف إليه في العقد. وكأن المتعاقدان قاما بتوقيف سريان آثار العقد إلـى زمن أو أجل محدد، بحيث لولا هذه الإضافة لرتب العقد أحكامه من وقت التعاقد. ولهذا نجد القوانين الوضعية تعبر عن هذا الشرط باصطلاح الأجل.
ومما تجدر الإشـارة إليه أن عقــد الزواج لا يشمله شرط الإضافة إلى زمن المستقبل، لأن عقـد الزواج يوجـب تمـليك الاستمتاع في الحـال، فلو قـال الخاطب: تزوجت ابنتك غدا أو بعد ثلاثة أشهر، ثم يقول الأب قبلت، فإن مثل هذه الصيغة لا ينعقد بها الزواج لا في الحال ولا عند حلول الزمن المضاف إليه.
الفرع الثالث: شرط التقييد
الشرط التقييدي: " هو التزام وارد في التصرف القولي عند تكوينه زائد عن أصل مقتضاه ". وعرفه الحموي بأنه" التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة ". والمقصود من ذلك اقتران التصرف بالتزام أحد الطرفين أو كلاهما الوفاء بأمر زائد عن أصل التصرف، وغير موجود وقت التعاقد، ويكون ذلك بورود عبارات في العقد مثل بشرط كذا، أو على أن يكون كذا، وغيرها من الألفاظ الدالة على الاشتراط.
وانطلاقا من هذه التعاريف يختص الشرط المقيد بما يلي:
أ- كونه أمراً زائداً على أصل التصرف فهو ليس عنصرًا أساسيا في تكوين العقد
ب- كونه أمرًا مستقبلا مقرونا بالعقد.
ومما سبق يمكن إبراز الفوارق بين شرط التعليق وشرط الإضافـة وشرط التقييد، فالشرط المعلق هو ما كان بصيـغة ترتب وجوده على وجـود أمر في المستقبل، فلا تترتب آثار العقد إلا إذا وجد الأمر المعلق عليه ؛ ويسمى هذا الشرط في القانون الوضعي بالشرط الواقف، وإذا تخلف الأمر المعلق عليه زال الالتزام الناتج عن العقد ويسمى هذا بالشرط الفاسخ.
وأما الشرط المقيد فهو موجود بين الطرفين، حيث يتولى المتعاقدان تعديل آثار العقد بموجب حكم زائد عن الالتزام الأصلي .
ويختلف الشرط المقيد عن شرط التعليق في حالة عدم الوفاء بالشرط في كون أن الفسخ في شرط التعليق يحتاج إلى استصدار حكم من القضاء بناء على طلب صاحب الشرط، وعلى العكس من ذلك فإن الفسخ في حالة شرط التعليق يتم بمجرد تحقق الشرط أو تخلفه بحسب الاتفاق حول جعل الشرط فاسخا أو واقفا، دونما حاجة لاستصدار حكم من القضاء.
وبالنسبة لشرط الإضافة فهو ذلك الشرط الذي يجعل آثار العقد تتراخى إلى زمن معين في المستقبل على الرغم من قيام العقد ووجوده، والإضافة تشبه التعليق من جهة كون العقد المضاف لا يرتب أثره إلا إذا جاء الوقت الذي أَضيف إليه.
وفيما يخص قابلية عقد الزواج لهذه الأنواع من الشروط فالأصل في عقد الزواج التنجيز وعدم التراخي، وقد يكون مقترنا بشرط أو مجردا عنه، ولما كان عقد الزواج من العقود التي تفيد التمليك في الحال، فإنه لا يقبل بشرط الإضافة لأنه يفيد أثره في الحال؛ أي فور النطق بالصيغة، وأخيرًا فإن عقد الزواج من العقود التي لا تقبـل التعليق مطلقا، حيث اتفق الفقهاء على بطلان عقد الزواج المعلق على شرط.
المطلب الثالث: أقسام الشرط من حيث موضعه
ينقسم الشرط باعتبار مكانه من العقد إلى ثلاثة أقسام: إما أن يكون مقارنا للعقد ويذكر في أثناء العقد، وإما أن يحصل الاتفاق عليه قبل العقد ولا يجري له ذكر عند إبرام العقد، لا بالإثبات ولا بالنفي ويسمى شرطا متقدما، وإما يحصل الاتفاق عليه بعد إنشاء العقد و إبرامه، ويسمى بالشرط اللاحق أو المتأخر. ولا خلاف بين الفقهاء فيما يتعلق بثبوت الشرط المقارن للعقد وتأثيره فيه، ولكن الخلاف قائم بينهم بخصوص الشرط المتقدم والشرط المتأخر.
وسوف نتناول دراسة وتحليل مفهوم وحكم كل هذه الشروط؛ والذي يختلف باختلاف زمن الشرط في العقد على النحو الآتي:
الفرع الأول: الشرط المتقدم
يقصد بالشرط المتقدم ذلك الشـرط الذي يشتـرطـه العـاقدان قبل إبرام العقـد، ولكنهما لا يتطرقان إليه عند إبرام العقد لا بالنص ولا بالإشارة، ويسمى أيضا بالشرط السابق. ولكن السؤال الذي يثار هنا هو: هل يلحق هذا الشرط بالعقد على الرغم من عدم إدراج المتعاقدين لهذا الشرط في العقد؟
ذهب المالكية والحنابلة إلى القول بالتحاق الشرط المتقدم بالشرط المقـارن للعقـد، وثبوته في العقد وتأثيره عليه. بينما يرى كل من الشافعية والإمام أحمد في رواية عنه إلى أنه لا تأثير للشرط المتقدم على العقد، بل يكون مجرد وعد غير لازم الوفاء. لأن ما قبل العقد لغو فلا يلتحق به.
وفي هذا الصدد سئل الإمام ابن تيمية عمن شرط شرطا على زوجته بألا يخرجها من بلدها، أو ألا يتزوج عليها وكان الاتفاق على هذه الشروط واقعًا قبل العقد، ولكن العقد خلا من ذكر هذه الشروط، فهل تكون هذه الشروط صحيحة لازمة؟
فأجاب بأنها تكون صحيحة لازمة ما لم يبطلانها، مستنداً في فتواه هذه إلى عامة النصوص الواردة في الكتاب والسنة والتي تحث على الوفاء بالعهود والعقود والشروط والنهي عن الغدر.
ويرى الإمام ابن القيم بأن الراجح من هذه الأقوال هو التسوية بين الشرط المتقدم والشرط المقارن، لأن القول بعدم التسوية بينهما يؤدي إلى فتح باب التحايل إلى الشروط المحرمة، حيث يتفق المتعاقدان على شرط غير مشروع قبل العقد ثم يسكتا عنه عند إبرام العقد ليتما غرضاهما غير المشروع. وعندئذ فلا فائدة ترجى من التفرقة بين متماثلين بسبب إفتراقهما في تقدم اللفظ وتأخره مع استواءهما في الحقيقة والمعنى.
ويبدو أن المشرع الجزائري في قانون الأسرة قد تبنى رأي الشافعية والحنفية القاضي بعدم تأثير الشرط المتقدم على العقد، وهذا ما يظهر جلياً من نص المادة 19 التي أباحت للزوجين الاشتراط في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق.
وفي رأينا فإن هذا المـوقف له ما يبرره، إذ لا يوجد ما يمنع المتعـاقدين من إدراج الشرط السـابق في صلب العقـد إلا أن يكونا قد قصدا بذلك التحايل على القانون، فالأجدر لهما النص على هذا الشرط المتقدم في العقد حتى يصبح مقترنا به وبذلك يأخذ حكم الشرط المقترن بالعقد.
الفرع الثاني: الشرط المقارن
وسمي بذلك لأنه يتم ذكره في أثناء العقد مقارنا ومرافقا للعقد بالصيغة الدالة عليه أي أنه ليس متأخرا عن إنشاء العقد ولا متقدما عنه. وهو شرط مرتب لآثاره في العقد، فلا خلاف بين الفقهاء حول ثبوت هذا الشرط في العقد وتأثيره فيه تأثيرا يختلف باختلاف الشرط صحة وفسادا.
ويعرفه الدكتور زكي الدين شعبان بأنه: " التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة، أو هو التزام في التصرف القولي لا يستلزمه ذلك التصرف في حالة إطلاقه، أو أنه ما جزم فيه بالأصل وشرط فيه أمر آخر". فالشرط المقارن للعقد هو الشرط الذي لا يعلق عليه وجود الشيء أو انعدامه، وإنما هو أمر زائد يضاف إلى الشيء بحيث يقترن بالعقد بكـلمة بشرط كـذا، أو على أن يكـون كـذا، أو بشرط أن. ويكون العقد المقترن بالشرط منجزا، وليس معلقا على شيء؛ لأن معنى التقييد يدل على وجود الأمر المقيد.
فالعقد المقترن بالشرط مقيد به، والشرط المقارن هو التزام جديد زائد على أصل العقد ينشئه العاقدان ليزيدا أو يقويا التزامات العقد .


الفرع الثالث: الشرط المتأخر
يقصد به الشرط الذي يشترطه المتعاقدان بعد إبرام عقدهما ولذلك سمي هذا الشرط باللاحق أو المتأخر. ولقد اختلفت آراء الفقهاء حول مدى تأثير هذا الشرط على العقد والتحاقه به كمايلي:
ذهب فقهـاء المالكـية إلى أن الشرط المتأخر لا يلتحق بالعـقد مطلقا صحيحا كان أم فاسدا، وسواء اشترط قبل لزوم العقد أو بعد لزومه. أما الشافعية والحنابلة فذهبوا إلى القول بالتحاق الشرط المتأخر بالعقد إذا اشترط قبل لزوم العقد، وإن كان بعد لزوم العقد فلا يلتحق به، بينما ذهب أبو حنيفة إلى القول بالتحاق الشرط المتأخر بالعقد مطلقا.
والراجح الذي نراه من هذه الآراء كلها هو التحاق الشرط المتأخر بالعقد، لأن الإقرار بذلك يسمح للمتعاقدين بتحقيق منافع ومصالح مختلفة قد يكونا غفلا عنها وقت التعاقد بشرط أن يتم إدراج هذا الشرط المتأخر في عقد رسمي، ويعتبر ذلك تعديلا للعقد السابق.
وأخيرًا فإن الغرض من دراستنا لمفهوم الشرط بصفة عامة، هو التوصل إلى تحديد مفهوم واضح وجلي للشرط المقترن بعقد الزواج من بين تعريفات مختلفة ومصطلحات وألفاظ مشابهة للشرط، وكذا معرفة موضعه من كل هذه الأنواع من الشروط.
إن الشرط المقترن بعقد الزواج هو ذلك الشرط الذي يتفق عليه الزوجان بمحض إرادتهما في العقد، فيلتزمان فيه بأمر زائد على الآثار الأصلية للعقد بحيث تصدر الصيغة المنشئة للعقد مقيدة بشروط يلجأ من خلالها الزوجان إلى الزيادة في آثار العقد أوالنقصان منها.
على أن دراستنا تشمل أيضا الشرط اللاحق على عقد الزواج؛ لأن ما يهمنا ليس موضع الشرط بقدر ما يهمنا حكم الشرط في حد ذاته ومدى حرية الزوجين في اشتراطه.
وعن موضع الشرط المقترن بعقد الزواج من أقسام الشرط فمن حيث مصدره فهو شرط جعلي، ومن حيث وظيفته فهو شرط تقييد، أما من حيث موضعه من العقد فالأصل اقترانه بالعقد، والاستثناء من ذلك وروده في عقد لاحق كما أشارت إلى ذلك المادة 19 من قانون الأسرة، بينما يتسع نطاقه في الشريعة الإسلامية ليشمل أيضاً الشرط المتقدم، كما ذهب إلى ذلك فقهاء كل من المذهب المالكي والحنبلي.
ويجدر بنا التنويه إلى أن قانون الأسرة الجزائري قد اشترط ضرورة كتابة الشروط المقترنة بعقد الزواج كما أشارت إلى ذلك المادة 19، وإن كانت الشريعة الإسلامية تعتد بالشرط العرفي، والحقيقة أن هذه الكتابة ليست متطلبة للتعبير عن الإرادة، وإنما جاءت دلالة الكتابة هنا كأداة لإثبات العقد وحماية للحق الذي تضمنه الشرط المقترن بعقد الزواج. وعلى هذا يبقى التعبير عن الشروط خاضعاً لطرق التعبير عن الإرادة سواء باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة...
ومتى اقترنت الصيغة اللفظية المعبرة عن الإرادة الباطنة في عقد الزواج بشروط يشترطها الزوجان أوأحدهما، كأن تشترط الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها أو ألا يخرجها من بلدها، فإن التعبير عن الإرادة يجعل الإيجاب مشروطاً بشرط تابع له بحيث يعتبر الشرط جزءاً من صيغة العقد وليس جزءاً من الإيجاب، ولهذا ينعقد العقد بهذه الصيغة المنجزة ويكون الشرط جزءاً منها.



المبحث الثالث: الاشتراط في عقد الزواج بين الحظر والإباحة
إن الخلاف حول حرية الاشتراط عند التعاقد هو جزء من الخلاف في حرية التعاقد نفسها، ولا شك أن حرية الاشتراط تابعة لحرية التعاقد، فإذا كانت العقود متوقفة على ما نص عليه الشارع، فإن الشروط المتعلقة بهذه العقود تكون هي الأخرى متوقفة على ما نص عليه الشارع.
وعلى العكس من ذلك، فإذا كانت العقود مطلقة من قيد الشارع ومتحررة من مبدأ شرعية الآثار؛ بحيث يستطيع العاقد إبرام ما يشاء من العقود، فإن هذا يؤدي إلى القول بحرية الاشتراط. ولذلك فإن علاقة الشروط بالعقود هي علاقة تبعية، وهذا لأن العقد هو الوعاء الذي تصب فيه الشروط.
إن أغلب مواضيع الأحوال الشخصية من النظام العام وهي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة للمجتمع، ومن ثمة لا يجوز للأفراد تعديلها باتفاقات فيما بينهم، ولا يجوز للزوجين الاتفاق على تعديل الحالة المدنية لأحدهما، أو التنازل عن أبوتهما لإبنهما، وليس لأي شخص أن يتنازل عن أهليته ، لأن كل هذه الحقوق الشخصية تعتبر من النظام العام، كما أنه ليس للزوجين الاتفاق على تعديل ما للزوج من حقوق على زوجته في الطاعة والقوامة والأمانة الزوجية بالتنازل عنها مثلاً، أو تعديل ما للزوجة من حقوق على زوجها.
وتتمثل الحكمة في جعل آثار عقد الزواج من عمل الشارع في الحفاظ على قدسية ميثاق الزوجية، وصوناً لها من أن تتعرض لشروط تتنافى مع مقصد الشارع ومقتضى عقد الزواج. إذ يقتصر عمل المتعاقدين على إبداء رضاهما المتبادل لإبرام عقد الزواج دون أن يكون لهما حق الاعتراض على هذه الآثار أو رفض بعضها. واستثناءا من هذا الأصل العام فقد أباح الشارع للزوجين الاتفاق على شروط قد تؤكد مقتضى عقد الزواج أو تحقق منفعة مقصودة لأحد الزوجين. ومن هنا يثور التساؤل حول مدى حرية الزوجين في تحديد الشروط المقترنة بعقد الزواج التي من شأنها أن تؤثر في آثار عقد الزواج، إما بالنقص منها، وإما بإضافة التزامات جديدة على أحد الزوجين لا يستلزمها أصل عقد الزواج؟
إن حرية الاشتراط في عقد الزواج تابعة لحرية التعاقد. بدليل أن من يقولون بمبدأ حرية التعاقد يفتحون باب الشروط في العقود؛ فيجعلون للعاقد أن يشترط عند إنشاء العقد ما شاء من الشروط.
وعلى العكس من ذلك، فإن الذين يقولون بأن الأصل في العقود المنع ويتمسكون بمقتضيات العقود التي أقرها الشارع والآثار التي اعتبرها؛ لا يحترمون من الشروط إلا ما يتفق مع مقتضيات العقود.
وتفريعاً لذلك فقد اختلف الفقهاء المسلمون مابين مضيق وموسع فيما يتعلق بحرية التعاقد، وبالتالي حرية الاشتراط، حيث ذهب جانب من الفقهاء إلى أن الأصل في الاشتراط الحظر، وذهب رأي آخر إلى أن الأصل في الاشتراط الإباحة، وسنتولى دراسة الأسس والحجج التي استند إليها كل من الرأيين فيما يلي:
المطلب الأول: الرأي القائل بأن الأصل في الاشتراط الحظر
يتمثل أصحاب هذا الرأي في مذهب الظاهرية أساساً المتمثلون في أتباع داوود بن علي وابن حزم الأندلسي، ويتمثل أيضاً في رأي كل من الحنفية والمالكية والشافعية الدين يتمسكون بظاهر النصوص ويقفون عندها. وهؤلاء جميعاً يقيدون إرادة الإنسان ويضيقون عليها المجال في باب العقود والشروط، فإرادة الإنسان حسب هذا الرأي لا تنشئ من العقود والشروط إلا ما نص الشارع على إباحته، أما ما وراء ذلك فهي لا تملك إنشاءه، وإن فعلته كان باطلاً، فهذه المذاهب تتفق مبدئيا على أن الأصل في الاشتراط الحظر ويتمسك أصحابها جميعاً بهذا المبدأ إجمالاً، وإن اختلفوا في التفصيلات.
ويتمسك أصحاب هذا الرأي بنظرية مقتضى العقـد؛ التي تعتبر أن الأحـكام والالتزامات التي يكون العاقد مكلفًا بها هي محددة من قبل الشارع دون حاجة إلى اشتراطها من قبل العاقد الآخر، وذلك كالتزام الزوجة بتسليم نفسها، والتزام الزوج بدفع المهر والنفقة. وسنتطرق إلى دراسة مضمون وأدلة هذا الرأي بصفة مفصلة في الفرعيين المواليين:
الفرع الأول: مضمون هذا الرأي
يرى أصحاب هذا الرأي بأن الأصل في العقود والشروط هو الحظر لا الإباحة حتى يقوم الدليل من كتاب الله أو السنة الصحيحة أو الإجماع أو القياس أو الاستحسان على الإباحة، ولهذا أبطلوا كل عقد أو تصرف لم يرد من الشارع ما يدل على جوازه وصحته. فالشروط الجائزة هي التي توافق مقتضى العقد وتلائم حكمه، أو التي يدل على مشروعيتها دليل معين من الأدلة المعتبرة في إثبات الأحكام الشرعية.
وتقوم نظرية مقتضى العقد على أساس أن إرادة الزوجين لا تنشأ عقداً بقدر ما تحقق انضمامهما إلى نظام قانوني؛ بحيث تقتصر إرادتهما في الرغبة والاتجاه نحو إبرام عقد الزواج وليس لهما مناقشة أو تعديل آثاره، وفي هذا تغليب لمصلحة المجتمع على المصالح الخاصة للأفراد وتحقيق استقرار النظام العام.
لقد أغلق أصحاب هذا الرأي باب الشروط، ولم يفتحوه إلا بقدر معلوم يختلف سعة وضيقاً تبعاً لاختلاف نظرتهم في الأخذ بالأدلة الشرعية، وتبعاً لاختلاف نظرتهم في مدى موافقة الشرط لمقتضى العقد وملاءمته لحكمته وانتفاء ذلك. وسنعرض فيما يلي الحجج والأدلة الشرعية التي استند إليها أصحاب هذا الرأي:
الفرع الثاني: أدلة هذا الرأي
استدل أتباع ابن حزم الظاهري بجملة أدلة من الكتاب والسنة والمعقول نشير إليها فيما يلي:
البند الأول: من الكتاب
1) إن الشريعة الإسلامية جاءت شاملة لكل شيء، وقد تكلفت بيان ما يحقق مصالح الأمة، ومنها العقود على أساس من العدل.
وعلى هذا فليس من العدل ترك الحرية للناس في عقد ما يريدون من العقود، وإلا أدى ذلك إلى هدم نظام الشريعة، ويكون ذلك من باب التعدي لحدود الله والزيادة في دينه. لأن الله تعالى يقول: " ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون" ، وفي آية أخرى:" ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه " ، واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم".
ووجه الدلالة من هذه الآيات الكريمة أن الله سبحانه وتعالى بين لنا الحدود التي لا يصح لعباده أن يتجاوزوها، ومن ثمة فإن كل شرط لم يرد به دليل معين يكون تعدياً لحدود الشريعة لا يجب الوفاء به.
كما أن الله سبحانه وتعالى أكمل الدين وأتم الشريعة فجاءت شاملة لكل ما يحتاجه العباد في الدنيا والآخرة؛ ولهذا فإن إحداث أي عقد أو تصرف أو إضافة شروط إلى عقد الزواج يكون زيادة على الدين وخروجاً عنه فلا يصح ذلك.
ويقول ابن حزم الظاهري:"... إن الله تعالى إذا حرم بالنص شيئاً فحرم إنسان شيئاً غير ذلك، قياساً على ما حرم الله تعالى، أو أحل بعض ما حرم الله قياساً، أو أوجب غير ما أوجب الله تعالى قياسا، أو أسقط بعض ما أوجب الله تعالى قياساً، فقد تعدّ حدود الله تعالى فهو ظالم بشهادة الله تعالى عليه بذلك ".
ويقول الظاهرية أيضاً:" إنه لا يعتبر من الشروط إلا ما ورد النص بإثباته وقام الدليل على وجوب الوفاء به، لأن الالتزامات الشرعية لا تأخذ قوتها من أقوال العاقدين وإرادتهما، ولكن مما يرتبه الشارع على أقوالهم، ويحكم بأنه أثر لتصرفاتهم، فما لم يرد من الشارع دليل على اعتبار الشروط التي يشترطها العاقدان، لا يلتفت إليها ولا يحكم لها بأثر، ولا تنال قوة التنفيذ تحت سلطانه ".
2) واستدل الظاهرية أيضاً بقوله تعالى: " يآيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود " ، وبقوله تعالى: " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ".
ووجه الدلالة من هاتين الآيتين أن الله سبحانه وتعالى أمر بالوفاء بالعقود، ولكن هذا ليس على عمومه، ولا يأخذ على ظاهره؛ فالقرآن قد أمرنا باجتناب نواهي الله تعالى ومعاصيه، فمن عقد على معصية فحرام عليه الوفاء بها، كما أنه لا يعلم ماهو عهد الله إلا بنص وارد فيه، ومن ثمة فإن الالتزام بالعقود عامة قد يؤدي إلى إحلال محرم أو تحريم ما أحل الله.
ولقد رد أصحاب الرأي الثاني القائل بأن الأصل في الاشتراط الإباحة على الأدلة التي قدمها أصحاب الرأي الأول كما يلي:
إنه بالنسبة للآيتين الكريمتين اللتين استدل بهما المانعين للاشتراط ليس فيهما ما يدل على ما ذهبتم إليه، إذ هما واردتان في شأن من يخالف ما شرعه الله تعالى، فيترك ما أمره بفعله ويرتكب ما نهاه عنه؛ ثم إن الآية الأولى جاءت مسبوقة بذكر أحكام حددها الله سبحانه وتعالى لعباده وبينها لهم من اليمين بالله تعالى والإيلاء والطلاق بمال وبغير مال، ثم أعقب الله تعالى ذلك بقوله: " تلك حدود الله"؛ أي قوانينه وأحكامه فلا تعتدوها بفعل ما يخالفها.
وجاءت الآية الثانية مسبوقة بأحكام شرعها الله لعباده وألزمهم بها من تطليق النساء في عدتهن وإحصاء العدة، ومن نهي المطلقين أن يخرجـوا مطلقاتهم من بيوتهن، وبعد تبيـان هذه الأحكام جـاء قوله تعالى: " ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ". ومن ثمة فإن استدلال الظاهرية بهذه الآيات استدلال ليس في محله، لأنها لا تدل على النهي عن الاشتراط في العقود؛ وإنما دلت على بيان حكم المتعدي لحدود الله وشريعته ردعاً للناس وزجراً لهم عن مخالفة شرع الله ودينه.
ورد أصحاب الرأي الثاني المجيزون للاشتراط على ما ذهب إليه الظاهرية في رفضهم الأخذ بالقياس، بأنه يمكن استنباط أحكام ووقائع جديدة بواسطة قياسها على الوقائع التي ورد النص بشأنها؛ وتبعاً لذلك إذا دعت الحاجة إلى إنشاء عقود ومشارطات جديدة لم يرد بها أمر أو نهي وأمكن قياسها على عقد من العقود المشروعة، فإن هذا لا يعد زيادة في الدين ولا يناقض قوله تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم " ، ولا يقتصر الأمر على القياس بل يمكن الاستناد إلى بقية مصادر التشريع الإسلامي الأخرى، كالاستحسان والمصالح المرسلة دون التقيد بحرفية نصوص الكتاب والسنة.
وفي رأينا أن ما ذهب إليه الظاهرية يناقض ميزة أساسية تتصف بها الشريعة الإسلامية وهي صلاحيتها لكل زمان ومكان، ثم إنه لا يمكن حصر جميـع أنواع العقود والشروط؛ لأن البشرية في تطور دائم ومستمر، وكل ما يجب فعله هو مراعاة مدى توافق هذه العقود والشروط مع أحكام الشريعة الإسلامية وعندها وجب إجازتها والوفاء بها ما لم تحرم حلالاً أو تحلل حراماً.
كما أن استدلال ابن حزم بقوله أن الآيات الموجبة للوفاء بالعقود والشروط ليست على عمومها ولا على ظاهرها، وأن القول بخلاف ذلك يؤدي حسبه إلى التعاقد على المعاصي استدلال غير صحيح، لأن المفسرين متفقين على أن ورود الآيات الخاصة بوجوب الوفاء بالعقود والشروط جاءت على عمومها وظاهرها بإباحة كافة أنواع العقود مالم يثبت حظر ذلك بنص خاص، ثم إنه من البداهة أن الاتفاق على المعاصي يقع باطلاً ولا يجب الوفاء به.

البند الثاني: من السنة
1) يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"
ووجه الدلالة من هذا الحديث أن من يعقد عقداً أو شرطاً لم يرد به النص الشرعي يكون خارجاً عن أمر الشرع فيقع باطلاً، لأنه إذا تعاقد الناس بعقد أو شرط لم يرد في الشريعة يكونون قد أحلوا أو حرموا غير ما شرعه الله وليس لأحد من المؤمنين سلطة التشريع.
ويقول ابن حزم بخصوص هذا الحديث " فصح بهذا النص بطلان كل عقد عقده الإنسان والتزمه، إلا ماصح أن يكون عقداً جاء النص أو الإجماع بإلزامه باسمه أو بإباحة التزامه بعينه".
2) روي عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " ... أما بعد فما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، ماكان من شرط ليس في كتاب الله عز وجـل فهو باطل وإن كـان مائة شرط. كتاب الله أحق وشرط الله أوثـق، ما بَالُ رجال منكم يقول أحدهم: أعتق فلانا والولاء لي، إنما الولاء لمن أعتق".
ووجه الدلالة من هذا الحديث أن كل شرط لم يرد دليل معين على صحته في كتاب الله فهو باطل ولا أثر له، لأنه خارج عن حكم الله وشرعه فلا يجوز اشتراطه ولا يحل الوفاء به.
وقد رُدّ على أدلة المانعين للاشتراط بأن أكثر الأحكام الشرعية مستقاة من أدلة أخرى غير الكتاب والسنة مادامت لا تتنافى مع روح الشريعة الإسلامية وقواعدها العامة، وعلى هذا يكون المدلول الصحيح للحديث الأول هو بطلان كل عقد أو تصرف تضمن أمراً من الأمور المنهي عنها شرعاً.
أما الاستدلال بالحديث الثاني فهو كذلك في غير موضعه، لأنهم حملوا الشرط الذي نفاه نص الحديث وحكم ببطلانه على الشرط الذي لم يرد به دليل في القرآن الكريم وهذا غير صحيح، لأنه ليس المراد بكتاب الله القرآن قطعاً فإن أكثر الشروط الصحيحة ليست في القرآن بل علمت من السنة، َفدّل هذا على أن المراد من كتاب الله حكمه كقوله تعالى" كتاب الله عليكم" ، وقول النبي صلى عليه وسلم: " كتاب الله القصاص". ومن ثم فإن كتاب الله يطلق على كلامه وعلى حكمه.
إن المقصود الصحيـح من الحديث هو بطـلان الشرط المخـالف لحكـم الله وشرعه، كما لو اشترطت الزوجة على زوجها طلاق ضرتها لورود النهي عن ذلك. أو كشرط الولاء لغير المعتق فهو باطل والذي كان سبب ورود هذا الحديث، وليس هذا تخصيصاً لـه بسبب وروده؛ لأن لفظ الحديث في بدايته جـاء عاماً "... ما كان من شرط ليس في كتاب الله..." .
البند الثالث: من المعقول:
1) إن العقود والتصرفات الشرعية لها مقتضيات وأحكام تترتب عليها بوضع الشارع وجعله، فليس للإرادة الإنسانية أن تتصرف في تغيير هذه الحدود والأحكام زيادة أو نقصان إلا بما يجيزه الشارع بدليل من عنده، نفياً لما قد يترتب على التوسع في وضع الشروط من ظلم وغبن للمتعاقدين، وتجاوز حدود الحق ونقض المقصد والغاية من العقد.
2) يرى ابن حزم أن كل شرط لم يرد من الشارع ما يدل على إباحته والإذن به لا يخلو من أحد الأمور التالية:
أ ) إجازة مالم يجب في العقد وبالتالي إجازة مالم يجزه الله تعالى.
ب) التزام عمل يترتب عليه إباحة ما حرمه الله.
ج) المنع من عمل يترتب عليه تحريم ما أحله الله، أو الالتزام بإسقاط ما أوجبه الله تعالى .
وتفادياً لهذه الآثار السلبية يجب رفض الأخذ بالشروط عامة والاقتصار على ما ورد النص من القرآن أو السنة بإباحته.
ولقد تم الرد على هذه الأدلة العقلية بأنه، إذا سلمنا بأن مقتضيات العقود وأحكامها ثابتة بحكم من الشارع وجعله، فإن هذا لا يعني ألا يملك العاقد تغيير حكم من هذه الأحكام أو أثر من آثارها إلا بدليل معين يبيح له ذلك، وهذا لأن الشارع كما يقول المبيحون للاشتراط أعطى للمتعاقد سلطاناً كبيراً وحرية واسعة في إنشاء تلك الأسباب عن طريق إبرام العقود وترتيب ما يشاء من آثار، واستندوا في ذلك إلى الآيات القرآنية الدالة على وجوب الوفاء بالعقود عامة، وبجعله سبحانه وتعالى الرضا أساساً لنقل الحقوق وإسقاطها، فآثار العقد هي نتيجة لما يتراضى عليه العاقدان ويلزمان به أنفسهما بشرط ألا يخالفا في ذلك أحكام الشريعة الإسلامية.
وعلى هذا الأساس فإن الواجب عمله هو معرفة مدى موافقة الشروط لأحكام الشرع وقواعده الكلية، فما كان مخالفاً لها حكمنا ببطلانه وعدم صحته، وما لم يخالفها فهو صحيح ويجب الوفاء به.
أما بالنسبة للمعقول الثاني وما قاله ابن حزم فرد عليه المجيزون للشروط وعلى رأسهم ابن القيم بقوله: "... من أن الله أباح للمكلف تنويع أحكامه بالأسباب التي ملكه إياها، فيباشر من الأسباب ما يحل له بعد أن كان حراماً عليه، أو يحرمه عليه بعد أن كان حلالاً له، أو يوجبه بعد أن لم يكن واجباً، أو يسقطه بعد وجوبه، وليس في ذلك تغيير لأحكامه، بل كل ذلك من أحـكامه سبحانه، فهو الذي أحل وحرم، وأوجب وأسقط، وإنما إلى العبد الأسباب المقتضية لتلك الأحكام ليس إلا".
واستدل ابن القيم على ذلك ببعض الأمثلة، فكما أن نكاح المرأة يحل للمكلف ما كان حراماً عليه قبل أن يتزوج، وطلاقها يحرمها عليه بل ويسقط ما كان واجباً عليه من حقوقها فكذلك التزامه بالعقد والشرط؛ وهذا يعني أن العاقد يملك تغيير آثار العقد بالشرط الذي هو تابع له. وهنا يبرز وجه الخلاف بين الرأيين، إذ أن المانعين للاشتراط يحصرون الشروط فيما ورد من الشارع ما يدل على إباحتها، بينما يرى المجيزون للشروط أن الأصل في الشروط الإباحة والجواز بشرط أن يكون استعمال الشرط موافقاً للشرع.
وعلى هذا فإن العاقد لا يملك الخيارات السابقة التي ذكـرها ابن حزم، بل إنه يملك ما أبـاح الله للمكلف فعله وتركـه كالانتقال من بلد لآخر، وكالتزوج بأكثر من امرأة ...وغيرها من الأمور التي يملك المكلف مطلق الحرية في فعلها أوتركها. وفي هذه المساحات يباح للمكلف اشتراط الشروط، كأن تشترط المرأة في عقد النكاح على زوجها ألا ينقلها من بلدها، وليس في التزام الزوج بهذا الشرط أي مانع في الشرع.

الفرع الثالث: تقييم هذا الرأي
يتبين لنا مما سبق أن الظاهرية في مقدمة المانعين للشروط في عقد الزواج والعقود عامة، فهم يتمسكون فقط بإجازة الشروط التي ورد من الشارع دليل عليها. ويرفضون إحداث عقود أو تصرفات جديدة لأنهم يعتبرون ذلك زيادة على الدين وخروجاً عنه.
وبهذا فهم يرفضون إفساح المجال للإرادة في اشتراط الشروط، ولا فرق عندهم في ذلك بين عقود المعاوضات المالية ولا عقود الزواج، ولا غرابة في ذلك ما دام أن الظاهرية لم يتوسعوا في الأخذ بالأدلة المثبتة لجواز العقود والشروط كالاستحسان والمصالح المرسلة والعرف، بل أكتفوا بالنصوص الواردة في الكتاب والسنة والإجماع.
وهذا يعني أنه، كلما توسعنا في الأخذ بالأدلة كلما فتحنا الباب أمام حرية الاشتراط واقتربنا من الرأي الثاني القائل بحرية الاشتراط، ولهذا نجد الحنفية والشافعية يخففون من أصل الحظر والتقييد، ويطلقون الحرية في بعض الحالات خصوصاً الحنفية الذين يأخذون بقاعدة العرف وأثبتوا صحة كل شرط ليس من مقتضى العقد، ولم يرد به أثر من الشرع، ويحقق منفعة لأحد العاقدين وجرى به العرف، كما أخذوا بقاعدة الاستحسان، وكذا المصالح المرسلة بخلاف الشافعية الذين لم يأخذوا بالاستحسان والعرف.
أما المالكية فقد توسعوا في تصحيح الشروط على نحوٍ يقربهم من الحنابلة، فلم يشرطوا إلا عدم المنافاة للحكم الأصلي للعقد، كما اعتمدوا الاستحسان والمصالح المرسلة دليلاً شرعياً فضلاً عن النص والإجماع.
والجدير بالذكـر، أن الحنابلة بالرغـم من أنهم يعتبرون من أنصار الرأي الثـاني القائل بحرية الاشتراط فإن لهم موقفاً من نظرية مقتضى العقد، إذ نجدهم يمنعون بعض الشروط لمخالفتها لمقتضى العقد، ولأن اشتراطها يؤدي إلى تعطيل الغاية المشروعة من العقد؛ ولهذا قالوا ببطلان عقد الزواج إذا ورد به شرط ينفي الاستمتاع بين الزوجين.
إن القول بحظر الاشتراط يجعل من الشريعة الإسلامية جامدة وعاجزة عن مواجهة ما يستجد في شؤون المعاملات والزواج ومواجهة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية وتأثيراتها على الأسرة ، وبالتالي عدم قضاء منافع وحاجيات الأفراد والأزواج الضرورية، بسبب عدم تقبل الظاهرية الأخذ بالشروط المستجدة واكتفاءهم بالشروط التي ورد النص عليها، وبرفضهم هذا يصير الناس في حرج وضيق، وهذا يناقض ميزة أساسية تتمتع بها الشريعة الإسلامية؛ وهي صلاحيتها لكل زمان ومكان.
وفي الحقيقة، فإن الفقه الإسلامي ليس قاصراً على مذهب الظاهرية وبقية أنصار هذا الرأي، بل يشمل أيضاً ما يعبر عن شمولية الفقه الإسلامي وصلاحيته لكل زمان ومكان بما يحمل من آراء وأفكار وحلول ناجعة، وهذا ما سيتضح لنا جلياً من خلال آراء وأدلة الرأي الثاني المتمسك بحرية الاشتراط.

المطلب الثاني: الرأي القائل بأن الأصل في الاشتراط الإباحة
يتمثل أصحاب هذا الرأي أساساً في مذهب الحنابلة، وعلى رأسهم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وطائفة من فقهاء المالكية ، وهو الرأي ذاته القائل بحرية التعاقد في الفقه الإسلامي؛ لأن حرية الاشتراط تابعة لحرية التعاقد والعقود مركبة على الشروط. وحسب أنصار هذا الرأي، فإن للأفراد أن يبتدعوا صوراً جديدة من العقود والشروط على أن يكون ذلك في دائرة معينة هي دائرة الحلال والمباح ولا تمتد هذه الحرية إلى دائرة الحرام. لأن الإرادة في نظرهم كافية وحدها لتحقيق الالتزامات؛ فالله تعالى أمر بالوفاء بالعقود والنذور والعهود على وجه العموم ولم يستثني منها إلا ما كان محرماً بنصوص الكتاب والسنة، بل إن الله تعالى أمر المسلمين بالوفاء بعهودهم حتى مع المشركين، وهذا كله دليل على أن إرادة الإنسان في الشرع الإسلامي حرة في تصرفاتها.
وسنتعرف على نظرة أصحاب هذا الرأي للاشتراط في عقد الزواج بصفة مفصلة والأدلة التي استندوا إليها، لنصل في الأخير إلى تقييم هذا الرأي، وذلك من خلال الفروع الثلاثة الموالية:
الفرع الأول: مضمون هذا الرأي
ذهب أصحاب هـذا الرأي إلى القول بأن الأصل في العقود والشروط الصحة والإباحة، فهم يطلقون إرادة الإنسان في العقود والشروط ويعطونه حرية واسعة في هذا الباب. ولا يحرم ويبطل من الشروط عندهم إلا ما دل على تحريمه وإبطاله نص في الكتاب أو في السنة أو إجماع صحيح أو قياس معتبر. فإن لم يوجد مثل هذا النص المحرم كان للمتعاقد مطلق الحرية في إنشاء ما يريد من عقود أو شروط، بخلاف أصحاب الرأي الأول الذين يشترطون ورود النص على إباحة العقد أو الشرط. وبهذا يكون الحنابلة قد توسعوا في الأخذ بمبدأ حرية التعاقد وإنشاء الشروط التي تحقق مصالح الناس وتفي بأغراضهم، إلا إذا قام الدليل على المنع فعندئذ لا يلزم الوفاء بها.
إن الاجتهاد الحنبلي لم يفرق بين عقد الزواج وغيره من العقود فيما يتعلق بحرية إنشاء الشروط متى تم ذلك ضمن الحدود الشرعية، فأجاز للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج كل الشروط التي من شأنها أن تحقق مصلحة أو منفعة لكلا الزوجين أو لأحدهما بشرط ألا يتنافى ذلك مع مقاصد الشريعة الإسلامية من عقد الزواج. ومن أمثلة الشروط الجائزة عند الحنابلة اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها، أو ألا يخرجها من بلدها، أو اشتراط أحد الزوجين في الآخر صفة مقصودة كالجمال أو البكارة . زيادة على هذه الشروط أجاز الحنابلة للمتعاقد المشترط فسخ النكاح متى خالف الزوج الآخر الشرط المتفق عليه.
على أن الحنابلة يمنعون من الشروط في النكاح ما يمنعه الشرع بنص خاص، أو ما ينقص الحقوق والواجبات التي تعد من النظام الشرعي في النكاح، كما لو اشترط الزوج تأقيت النكاح، أو عدم المهر، أو عدم النفقة الزوجية، أو اشترطت الزوجة عدم استمتاع الزوج بها.
الفرع الثاني: أدلة هذا الرأي
بعد تعرفنا على مضمون رأي المبيحين للشروط في عقد الزواج، سنبين فيما يلي الحجج والأدلة التي استندوا إليها في إثبات رأيهم ودعم مذهبهم سواء من الكتاب، أو من السنة، أومن الأثر، أومن المعقول.
البند الأول: من الكتاب
1) لقد استند أصحاب هذا الرأي فيما ذهبوا إليه من أن الأصل في الاشتراط الإباحة إلى الآية الكريمة التي أوجبت الوفاء بالعقود، وهي قوله تعالى: " يأيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود".
ووجه الدلالة من هذه الآية أنها توجب الوفاء بما أحل الله من عقود وعهود ؛ فيأيها الذين التزمتم بإيمانكم أوفوا بأنواع العقود والعهود؛ لأن في القيام بذلك إظهار لطاعة الله. وحاصل الكلام في هذه الآية أن الله أمر بأداء التكاليف فعلاً وتركاً ، وجاء الخطاب في هذه الآية بلفظ الإيمان والتكريم والتعظيم على وجوب الوفاء بكل عقد وعهد سواء كان بين الإنسان وربه، أو بين الناس فيما بينهم. بشرط أن تتوافق أحكام العقد مع كتاب الله وسنة رسوله . وكل ما يصدق عليه اسم العقد فهو واجب الوفاء به حتى يقوم الدليل على التحريم والبطلان.
كما أن أمر الله تعالى الوفاء بالعقود دليل على جوازها، فالله لا يأمرنا بالوفاء بما لا يجوز الإقدام عليه. ولو كان الأصل في العقـود والشروط الحظر والمنع إلا ما أجازه
الشارع كما قال بذلك الظاهرية لما وجب أن يؤمر بالوفاء بها مطلقاً وبصفة عامة لا تخصيص فيها ولا قيود عليها. فلا فرق في الوفاء بالشروط من أن يكـون العقد باتاً منجزاً، أو أن يكـون مضافاً، أو عقداً معلقاً طالما أن مضمون العقد لا يتنافى مع مقاصد وأحكام الشريعة الإسلامية.
2) واستدل المجيزون للاشتراط بجملة آيات أخرى توجب الوفاء بالعهود وتحرم الغدر فيها.
ومن أمثلة هذه الآيات قوله تعالى:
1) " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا".
2) " والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون".
3) " يأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون".
4) " ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنوتيه أجراً عظيما".
ووجه الدلالة من هذه الآيات الكريمة أن الله سبحانه وتعالى أوجب الوفاء بالعهد والوعد وحـرم الغدر فيهما . والشرط بيـن المتعـاقدين عهد قيدت به ذمتهما فيجب الوفاء به، وليس العقد بين العاقدين إلا عهداً قد قيدت بأحكامه ذمتهما، ولهذا فالوفاء به نوع من الوفاء بالعهد.
وقد ناقش أصحاب الرأي الأول المانعون للاشتراط هذه الأدلة وردوا عليها بأن ورود هذه الآيات القرآنية ليس على عمومه؛ أي لا يمكن تطبيقها على جميع أنواع العقود والشروط، وهذا لورودها في بعض العقود والشروط التي نص الشارع على إباحتها، وما عدا ذلك من الشروط والعقود يعتبر باطلاً ولا يجب الوفاء به. واستدل ابن حزم على ذلك بالحديث الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل".
وقد ردّ المبيحون للشروط على ابن حزم بأن ما ذهب إليه غير صحيح؛ لأنه ليس المراد من الحديث الذي استدل به وجوب ورود الأدلة الشرعية المبيحة للشروط، وإنما المراد الصحيح من الحديث هو بطلان كل شرط مخالف لحكم الله وشريعته، وعندئذ تكون الآية الكريمة دالة على وجوب الوفاء بكل ما يصدق عليه اسم العقد حتى ولو لم يرد به نص خاص من الشريـعة، بشرط ألا يخـالف في ذلك أصلاً من أصول الشرع، ولا قاعدة من قواعده المقررة.
البند الثاني: من السنة
استدل المبيحون للاشتراط بجملة أحاديث واردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم نذكر من بينها مايلي:
1) قوله صلى الله عليه وسلم: " أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ".
2) قوله صلى الله عليه وسلم: " أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
3) قوله صلى الله عليه وسلم: " المسلمون عند شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً ".
ووجه الدلالة من الحديث الأول: أن الشروط في عقد الزواج هي أحق بالوفـاء من غيرها، ولا فرق في ذلك من أن تكون هذه الشروط مرتبطة بالآثار المالية للزواج كالمهر أو النفقة، أو غيرها من الشروط التي تحقق مصالح الزوجين المشروعة، وهذا لأن المشترط في عقد الزواج لم يكن ليقبل بهذا الزواج إذا لم يوفى بشرطه.
أما دلالة الحديث الثاني فهي قاطعة بوجوب الوفاء بالعهد والنهي عن الخيانة والغدر، وعلى هذا فلو كان الأصل في العقود والشروط الحظر كما يقول الظاهرية لما صح أن يؤمر بالوفاء بالعهود والعقود مطلقاً، وأن يذم من غدرها ونقضها مطلقاً.
وبالنسبة للحديث الثالث الذي استند إليه المبيحون الشروط فهو يدل على أن المشترط يقف ويلتزم بشرطه مـا لم يكن فيه إبطال لحـكم الله أو إسقاط لما أوجبه الله، كما دل الحديث على صحة جميع أنواع الشروط ما لم يرد من الشرع ما يدل على تحريم شرط منها وبطلانه.
ولقد ناقش أصحاب الرأي الأول وهم المانعون للشروط أدلة أصحاب الـرأي الثاني المتمثلة في الأحاديث السابقة الذكـر وأبـدوا معارضتهم لها، فبالنسبة للحديث الأول: "... إن أحق الشروط أن توفوا به..." قالوا إن كلمة أحق لا تؤخذ على إطـلاقها، وإنما يقصد بها ما هو حق في نفسه وليس بباطل.
وقالوا أيضاً بأن المقصود بالشروط في الحديث: الشروط التي تجب في النكاح كالمهر والنفقة، لأنها هي التي تستحل بها فروج النساء، وبالتالي رفضوا الأخذ بالحديث للدلالة على لزوم الوفاء بكافة أنواع العقود والشروط.
ولكن رُدّ عليهم بأن كلمة أحق جاءت لتبين في هذا الحديث بأنه يجب الوفاء بجميع الشروط، ولكن الشروط التي ترد في عقد الزواج يكون الوفاء بها أولى وأوثق، وأما حصرهم المراد بالشروط الواردة في الحديث بالشروط التي تجب في الزواج من مهر ونفقة فهذا كلام غير صحيح، لأن هذه الأمور تترتب على عقد الزواج ولو لم يشترطها الزوجان.
كمـا اعترض المانعـون للشروط على حديث رسـول الله صلى الله عليـه وسلم: " المسلمون عند شروطهم ..." وقالوا بأنه حديث ضعيف، وبأنه جاءت زيادة في بعض رواياته؛ ففي رواية ورد الحديث بعبارة: "... إلا شرطاً أحل حراماً أوحرم حلالاً "، وفي رواية أخرى ورد بعبارة: "... ما وافقت الحق ". واعتبروا أن الرواية الأولى تفيد بطلان كل شرط يتضمن تحريم ما أباحه الله تعالى لعباده، أو إجازة ما حرمه عليهم. ثم إن الشروط التي يشترطها الناس في عقودهم منها ما يحرم الحلال كمن يشترط على نفسه في عقد الزواج بألا يتزوج على زوجته، فإنه يحرم على نفسه تعدد الزوجات الذي أباحه الله تعالى بقوله: " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ". ونفس الأمر ينطبق مع الزوجة التي تشترط على زوجها ألا ينقلها من بلدها فإنها تناقض قوله تعالى: " فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" ؛ وقوله أيضاً: " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم".
وأما الأخذ بالرواية الثانية للحديث السابق: " أو ما وافقت الحق " فيبطل به كل شرط لم يرد في نصوص القرآن أو السنة.
بيد أن المبيحون للاشتراط ردوا على هذه الاعتراضـات بأن هذا الحـديث صحيح. وبالنسبة لما ذكره المانعون للاشتراط فيما يتعلق بمعنى الحلال والحرام هو قول غير سديد، لأن الشروط الباطلة حسب الحديث هي التي توجب إبطال ما شرعه الله تعالى، أو اقتراف ما حرمه على عباده، كشرط عدم النفقة على الزوجة فهذا إبطال لما أوجبه الله، أو كشرط عدم الإرث، أو كشرط نفي النسب وغيرها من الحقوق التي أوجبها الله.
وأما استدلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم: " أو ما وافقت الحق " فليس المقصود به حصر ورود الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على إجـازة الشرط، وإنما يعني عــدم مخالفة الشرط لأحكام الشريعة الإسلامية.
البند الثالث: من الأثر
استدل الحنابلة على جواز الشروط بما ورد في قضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً تزوج امرأة وشرط لها السكنى في دارها ثم أراد نقلها، فتقاضيا إلى عمر، فقال لها شرطها، فقال الرجل إذن يطلقنا فأجابه عمر بقوله: " مقاطع الحقوق عند الشروط ". وفي رواية أخرى: " المؤمنون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم ".
فدل قضاء عمر بصحة شرط الزوجة بألا ينقلها زوجها من بلدها على صحة مثل هذه الشروط في النكاح، على الرغم من أنها ليست من مقتضى العقد. ولهذا يجب الوفاء بكل الشروط التي تحقق منفعة للزوجين بشرط عدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية.
ولقد ناقش المانعون للشروط في عقد الزواج هذا الدليل الذي ساقه الحنابلة بقولهم أن علي ابن أبي طالب خالف ما قضى به عمر وقال: " شرط الله قبل شرطها". كما خالف فيه أيضاً بعض التابعين كسعيد بن المسيب الذي سُئل عن المرأة تشترط على زوجها ألا يخرجها من بلدها فقال يخرج بها إن شاء.
وقالوا أيضاً بأنه رُوي عن عمر بن الخطاب في رواية أخرى، أنه قضى بإلغاء الشرط الذي اشترطته امرأة على زوجها بألا يخرجها من دارها، ثم قال المرأة مع زوجها. وبالتالي فلا يجوز التمسك بأحد الأثرين الواردين دون الآخر.
البند الرابع: من المعقول
يرى المبيحون للشروط بأن العقود تعتبر من الأفعال العادية، والأصل فيها عدم التحريم. ولقد بين لنا القرآن الكريم ما هو محرم علينا حيث قال تعالى : " وقد فصل لكم ما حرم عليكم " ، ثم أنه لا يوجد في القرآن الكريم ما يدل على تحريم إنشاء الشروط في عقد الزواج.
إن العقود والشروط هي من الأفعال التي تسمى في اصطلاح الفقهاء بالعادات وليست من العبادات، والعادات ينظر فيها إلى عللها ومعانيها لا إلى النصوص، لأنها ليست عبادة يتعبد بها، فيكفي في صحتها ألا تحرمها الشريعة الإسلامية استصحابا للمبدأ الأصولي القاضي بأن الأصل في الأفعال والأقوال والأشياء هو الإباحة، بخلاف العبادات التي الأصل فيها التوقف عند النص القرآني الثابت، أما العقود والشروط فالغرض منها رعاية مصالح الناس وتحقيق أغراضهم.
كما أن الشارع أجاز نقل الحقوق وإسقاطها بالرضا، فكل عقد أو شرط يتحقق فيه الرضا فهو واجب الوفاء ولو لم يرد به نص صريح يبيح ذلك.
إن الضرورة أو المصلحة هي التي قد تدفع بالزوجين إلى الاتفاق على شروط معينة في عقد الزواج، ولهذا فإن إباحة الاشتراط يتفق مع خاصية أساسية تتميز بها الشريعة الإسلامية وهي قيامها على جلب المصالح ودرء المفاسد، فالشريعة ما جاءت إلا لتحقق مصالح العباد في العاجل والآجل ودرء المفاسد عنهم، ثم إن تحقيق المصالح هو مقصود الشارع وفي هذا يقول المولى عـز وجـل: " وما أرسلناك إلا رحمـة للعالمين " ، والرحمة تتضمن رعاية مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم.
إن القول بحظر الاشتراط يترتب عليه وقوع الناس في الضيق والحرج، وهذا ما رفعه الله عن عباده إذ قال: " يريد الله بكـم اليسر ولا يريد بكـم العسر". وقال أيضـاً: " وما جعل عليكم في الدين من حرج ". و قد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى حيث قال: " إن الدين يسر ولن يشاد هذا الدين أحداً إلا غلبة ". وقـال أيضاً: " لا ضرر ولا ضرار". والنتيجة من هذا كله، هي وجوب القول بإباحة الشروط في العقود عامة والزواج خاصة، ولا يبطل من الشروط إلا ما خالف منها أحكام ومقاصد الشريعة الإسلامية.
الفرع الثالث: تقييم هذا الرأي
يتبين لنا من خلال الأدلة السابقة التي استند إليها أصحاب الرأي القائل بأن الأصل في الاشتراط الإباحة مدى وجاهة هذا الرأي ورجاحته؛ لأنه يؤدي إلى التوسعة على الناس ورفع الحرج والضيق عنهم بإباحة الاشتراط سواء في عقد الزواج أو باقي أنواع العقود والمعاملات.
ومما يزيد في وجاهة هذا الرأي أن أصحابه لم يفتحوا باب الشروط على مصراعيه فالأمر مقصور على دائرة الشروط الصحيحة، إذ يتعين قبل الحكم بصحة الشرط من عدمه مراعاة ما إذا كان هناك نص شرعي خاص يحرم هذا الشرط أم لا ؟ وهذا ما يتطلب من المفتي أن يكون مستوعباً للأدلة المعارضة لتلك الأدلة العامة التي جاءت بإباحة الشروط حتى يكون حكمه صحيحاً، فإن وجد تعارض معها أبطل الشرط، وإن لم يجد أي تعارض حَكم بإباحة الشرط وصحته.
ويقـول في ذلك ابن تيمية: " وإذا ظهـر أن لعدم تـحريم الشروط وصحتها أصلين: الأدلة الشرعيـة العامة، والأدلة العقلية التي هي الاستصحاب، وانتفاء المحرم، فلا يجوز القول بموجب هذه القاعدة في أنواع المسائل، وأعيانها إلا بعد الاجتهاد في خصوص ذلك النوع والمسألة. هل ورد من الأدلة الشرعية ما يقتضي التحريم فإن الأدلة النافية لتحريم الشروط والمبينة لحلها مخصوصة بجميع ما حرمه الله ورسوله منها،... فمن غلب على ظنه من الفقهاء انتفاء المعارض في خلافية أو حادثة انتفع بهذه القاعدة. فيذكر من أنواعها قواعد حكمية مطلقة ".
إن ما ذهب إليه الحنابلة من أن الأصل في العقود الإباحة لا الحظر مسلك سليم لتوافقه مع تحقيق مصالح الأفراد مـا لـم يتعارض ذلك مع أحـكام الشريعة الإسلامية، فتطور الحياة قد اقتضى ضروباً وأنواعاً من التعامل لم تكن معروفة من قبل ولم يرد بشأنها نص في الشرع، فيكون من الحكمة إباحتها والوفاء بها ما لم تحرم حلالاً أو تحلل حرامًا ؛ أي أنه يجب أن تكون حرية التعاقد في دائرة معينة هي دائرة الحلال والمباح ولا تمتد هذه الحرية إلى دائرة الحرام.
وعلى العكس من ذلك يرى الدكتور وهبة الزحيلي بأنه يجب الأخذ برأي المانعين للاشتراط في عقود الزواج حرصاً على ما للزواج من حرمة وقداسة، ولما تتطلبه الأسرة من استقرار ودوام؛ ينبغي من أجله عدم إفساح المجال لحرية الاشتراط التي تتأثر بالأهواء والنزوات وتعصف بأغراض الزواج السامية، مستنداً في ما ذهب إليه إلى أن الأصل في الأبضاع- المتعة الجنسية- التحريم، على أن يؤخذ برأي الحنابلة في إطلاق حرية الاشتراط للعاقدين في العقود المالية تحقيقاً لمصالح الناس وأغراضهم في إبرام العقود لأغراض مشروعة.
وحسب رأينا، فإن الشروط المقترنة بعقد الزواج قد تكون عاملاً مساعداً على تحقيق التوافق بين الزوجين ورسم المسار الصحيح لحياتهما المستقبلية، بما يحقـق الاسـتقرار دون أن يتنافى ذلك مع قدسية عقد الزواج، كما أن حرية الاشتراط ليست بالمطلقة بل هي مقيدة بعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، فالأصل هو إباحة الاشتراط ما لم يرد الدليل الشرعي على تحريمه، هذا فضلاً عن إمكانية مراقبة صحة الشروط المقترنة بعقد الزواج، إما عن طريق الموظف المختص بإبرام عقد الزواج، أو عن طريق القضاء.
وعلى هذا فإن الأخذ برأي الحنابلة في حرية الاشتراط في عقد الزواج يكون هو الرأي الأرجح، بشرط ألا يتنافى ذلك مع مقتضى عقد الزواج.
وهكذا نجد أن حرية الإرادة في اشتراط الشروط في عقد الزواج تنعدم عند مذهب الظاهرية، فالأصل عندهم هو الحظر والمنع التام؛ لأنهم حصروا الاستدلال بالأدلة الشرعية في الكتاب والسنة، ثم تخف درجة التقييد من حرية الإرادة عند كل من فقهاء المذهب الحنفي والشافعي والمالكي، وهذا لإقرارهم الأخذ ببعض الأدلة الشرعية كالمصالح المرسلة والاستحسان والعرف ، إلى أن تتسع دائرة الإباحة عند جمهور الحنابلة وعلى رأسهم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، حيث أجاز الحنابلة للزوجين اشتراط الشروط التي تحقق منفعة مقصودة، ولا تتعارض مع مقتضى عقد الزواج ونصوص الشريعة؛ كاشتراط الزوجة ألا يسافر بها زوجها من بلدها، أو ألا يتزوج عليها، أو اشتراط أحد الزوجين كون الآخر موسراً وغير ذلك من الشروط. وراعى الحنابلة في إباحة هذه الشروط ما للزواج من جانب كبير من القدسية، وكذلك الدور الذي تقوم به هذه الشروط في الحفاظ على استقرار الأسرة؛ لذلك كانت رعايـة الشروط التي ترد في عقـد الزواج وفيها منفعة للزوجين أو أحدهما أوجب وألزم من العقود الأخرى.
وأخيراً يجمل بنا أن نشير إلى أن الرأي الثاني الذي يقضي بأن الأصل في الاشتراط الإباحة يمتـاز بالمرونة والملاءمـة مع واقع النـاس ومتطلباتهم وروابطهـم العقديـة، وهو اتجاه سليم إذ الأصل في الأشياء الإباحة حتى يقوم الدليل على الحرمة. كما أنه يسمح للزوجين باشتراط شروط تهدف إلى ضمان مستقبلهم وحماية مصالحهم المشتركة وتقوية أواصر المودة والرحمة بينهما.
وهكذا نجد أن الفقه الإسلامي قد اعترف بحرية الإرادة منذ نشأته وبدايـة تطـوره، بخلاف القوانين الغربية التي تحولت من الأخذ بالعقود الشكلية إلى إطلاق سلطان الإرادة. فحسب فقهاء المذهب الحنبلي فإن الشريعة الإسلامية فوضت لإرادة العاقدين تحديد مقتضيات العقود أو آثارها ضمن نطاق حقوقهما ومصالحهما في كل ما
لا يناقض نصوص الشريعة وأصولها الثابتة، وهو عين ما استقرت عليه النظريات القانونية في التشريعات الحديثة فيما اصطلح على تسميته بمبدأ سلطان الإرادة الذي يمنح العاقدين الحرية في اشتراط أي شرط لا يخالف قواعد النظام العام والآداب العامة ، ولا أدل على ذلك تلك العبارة الخالدة لشيخ الإسلام ابن تيمية التي تعتبر بحق دستور الفقه الإسلامي في مـبدأ سلطان الإرادة العقدية، وهي قـوله: " والأصل في العقود رضا المتعاقـدين، ونتيجتها هو ما أوجباه على أنفسهما بالتعاقد "؛ وهو المبدأ ذاته الذي عبرت عنه القوانين الحديثة بقاعدة " العقد شريعة المتعاقدين ".
وفي الأخير نشير إلى أن موقف قانون الأسرة الجزائري وبقية قوانين الأحوال الشخصية العربية من حرية الإرادة في اشتراط الشروط في عقد الزواج، لا يختلف عما ذهب إليه الفقه الحنبلي من أن الأصل في الاشتراط الإباحة ما لم يقم الدليل على المنع؛ وهذا ما يبـدو واضحا من أحكـام نص المادة 19 من قانون الأسرة الجزائـري، والتي تنص على أنه: " للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج كل الشروط التي يريانها ضرورية، ولا سيما شرط عدم تعدد الزوجات وعمل المرأة ما لم تتنافى هذه الشروط مع أحكام هذا القانون ".
وبهذا يكون المشرع الجزائري قد أطلق السلطان لإرادة الزوجين في اشتراط الشروط التي تحقق مصالحـهما، ما لم تتعارض هذه الشروط مـع أحكام قانون الأسـرة، وإلى هذا الموقف ذهبت أغلب تشريعات الأحوال الشخصية العربية كالقانون السوري ، ومدونة الأسرة المغربية.
المطلب الثالث : القيود الواردة على حرية الاشتراط في عقد الزواج
إن الأخذ بمبدأ حرية الاشتراط في عقد الزواج ليس على إطلاقه، إذ أن الشروط التي تشترط في العقد قد تتبع رغبات وأهواء المتعاقدين التي لا تقف عند حـد معين وقد يؤدي الغلو فيها إلى الخروج عن قواعد الشريعة الإسلامية، ولهذا فقد حدد الشارع لهذه الشروط الحدود التي يجب ألا يتجاوزها المتعاقدان وإلا كانت باطلة .
ولكن فقهاء الشريعة الإسلامية قد اختلفوا في استنباط هذه الحدود، فلم يتفقوا حول تحديد ضوابط التمييز بين الشروط المشروعة والشروط غير المشروعة، وتعددت بذلك مذاهبهم وآراءهم واختلفت سعة وضيقا، فكان أضيقها مجالاً مذهب الظاهرية وأوسعها مجالاً مذهب الحنابلة، واحتل المالكية والشافعية موقعاً وسطاً بين موقفي فقهاء كل من الظاهرية والحنابلة.
إن القيد الأساسي على حرية الاشتراط في عقد الزواج في الفقه الإسلامي هو عدم مخالفـة الدليل الشرعي، ولكـن الفقهاء مختلفون في الأخـذ بكل هذه الأدلة الشـرعية، فنصوص القران والسنة لم تبين لنا الحد الفاصل بين الشروط المشروعة والشروط غير المشروعة، ولهذا يجب البحث في بقية مصادر التشريع الإسلامي.
بينما نجد القوانين الوضعية تجعل من النظام العام القيد الأساسي على حرية الاشتراط، ولا يخفى بأن هذا المفهوم يقبل التوسع والتضييق بسبب مرونة ونسبية النظام العام. ثم أن قانون الأسرة الجزائري وفي مادته 19 اكتفى بالنص على أن القيد الأساسي الوارد على حرية الزوجين في وضع الشروط هو عدم مخالفة أحكام هذا القانون.
وسنتعرض إلى دراسة أهم القيود الواردة على حرية الاشتراط في عقد الزواج في الفروع الآتية:
الفرع الأول: مراعاة قواعد النظام العام والآداب العامة
يعتبر قيد النظام العام والآداب العامة من أهم القيود الواردة على حرية الاشتراط في عقد الزواج، وهذا لأن أغلب مواضيع الأحوال الشخصية من النظام العام ، فلا يجوز للزوجين تعديلها باتفاقات فيما بينهم.
وعلى هذا الأساس يقع باطلاً كل شرط بين الزوجين يقضي بالتنازل عن أبوتهما لابنهما، أو الاتفاق على تعديل ما للزوج من حقوق على زوجته في الطاعة والأمانة الزوجية بالتنازل عنها مثلاًً، ويقع باطلاً أيضاً كل شرطٍ يقضي بتعديل ما للزوجة من حقوق على زوجها كشرط نفي المهر أو عدم الإنفاق عليها.
ولكن الإشكال الذي يواجهنا هنا هو صعوبة تحديد مفهوم ثابت للنظام العام، ومع ذلك يمكن القول بأن النظام العام على وجه الإجمال هو عبارة عن مجموعة القوانين التي يقصد بها تحقيق مصلحة عامة للمجتمع سواء كانت هذه المصلحة سياسية وهذا هو مجال القوانين الدستورية والإدارية، أو كانت هذه المصلحة اجتماعية وهو ما تراعيه قوانين الأحوال الشخصية ، أو كانت هذه المصلحة اقتصادية.
وعلى هذا الأساس فليس للزوجين الاتفاق على مخالفة أحكام وقواعد النظام العام حتى ولو كانت هذه الاتفاقات تحقق لهم مصالح شخصية، وتبرير ذلك يكون بتغليب المصلحة العامة للمجتمع على المصلحة الخاصة.
أما المقصود بمراعاة الآداب العامة هو احترام الأصول الأساسية للأخلاق في مجتمع معين وعصر معين، بحيث يُفرض على الجميع احترام الحد الأدنى من القواعد
الخلقية التي تعتبر لازمة لحماية المجتمع من الانحلال الخلقي، غير أن هذه الفكرة تبقى نسبية إلى حدٍ ما. وذلك لاختلاف المعيار الذي نحدد به ما هو من الآداب العامة أو ليس كذلك من مجتمع لآخر بل ونجده يختلف حتى في نفس المجتمع من عصرٍ لآخر.
غير أن هذه الميزة التي يتمتع بها النظام العام تعتبر الوسيلة الوحيدة لتحقيق التوافق بين النظام القانوني لمجتمع ما والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والخلقية، بشرط ألا يكون هذا على حساب قيم ومبادئ المجتمع ، فالمفاهيم الخلقية تعتبر المحدد الأساسي لمفهوم الآداب العامة كما جرى على ذلك التطبيق العملي.
وانطلاقاً مما سبق، فإنه لا يجوز للزوجين تضمين عقود الزواج شروط وبنود تمس بالآداب العامة، فعلى سبيل المثال يقع باطلاً اشتراط الزوجة على زوجها السماح لها بالعمل في المـلاهي الليلية كبائعة خمور، أو أن تعمل كراقصة أو عارضـة للأزياء ، وذلك لتعارض هذه الشروط مع الآداب العامة التي تحكم المجتمعات العربيـة، في حين قد تعتبر هذه الشروط مشروعة في المجتمعات الغربية.
وبمقارنة فكرة النظام العام والآداب العامة في القانون الوضعي كقيد وارد على حرية الاشتراط وما يقابل هذه الفكرة في الشريعة الإسلامية، ونعني بذلك عدم مخالفة الشروط للدليل الشرعي، نجد أنهما يختلفان في كون النظام الشرعي العام في الشريعة الإسلامية ثابت على مر الزمن ولا يجوز تغييره ولا تبديله، بخلاف فكرة النظام العام حسب القانون الوضعي فإنها تخضع للتغيير. فضلاً عن أن نطاق المحرم في الشريعة الإسلامية أوسع مجالاً من نطاق التحريم في القانون الوضعي، فالفقه الإسلامي يعالج القضايا الدينية والدنيوية، بينما يقتصر القانون الوضعي على معالجة الأمور الدنيوية فقط.
ولم يجعل الفقه الإسلامي من المعيار الذاتي المتمثل في المصلحة الفردية للمتعاقد أساساً لترتيب آثار العقود والشروط، بل الأساس المعتمد في ذلك هو المعيار الموضوعي الـذي يغلب مصلحة المجتمع ويحمي النظام الشرعي العام والآداب العامة، ولتحقيق ذلك لابد من الخضوع لأوامر الشارع ونواهيه.
وتبعاً لذلك فإنه لا يجـوز للزوجين الاتفاق على ألا يرتب عقد الزواج آثاره الشـرعية، والحكمة في ذلك أنه لو ترك الشارع الناس وشأنهم في ترتيب ما يحلو لهم من آثار وشروط في العقود، وخاصة في عقد الزواج لخرجوا عن حدود الله وطغى الظلم والفساد في الأرض، بسبب الأنانية الطاغية على الإنسان التي تجعله يسعى إلى تحقيق مصالحه على الطرف الآخر، فكان من اللازم تقييد إرادة المتعاقدين بعدم مخالفة قواعد النظام الشرعي العام.
الفرع الثاني: عدم مخالفة أحكام قانون الأسرة
لقد ورد هذا القيد الثاني في نص المادة 19 من قانون الأسرة الجزائري التي تضمنت أحكاماً عامة غير محددة، بل وفي منتهى التعميم والشمولية، إذ نجد المشرع الجزائري قد أباح للزوجين كقاعدة عامة أن يشترطا كل الشروط التي يريانها ضرورية، ثم أورد على هذه القاعدة العامة استثناءا يقيد العموم السابق؛ وهذا يعني أن قانون الأسرة قد أباح للزوجين حرية الاشتراط، غير أن هذه الإباحة مقيدة بعدم مخالفة ما ورد من أحكام وقواعد في قانون الأسرة.
غير أن تحديد ماهية الأحكام التي تضمنها قانون الأسرة الجزائري، والتي يتعين على الزوجين عدم مخالفتها عند وضع الشروط الإرادية في عقد الزواج تكتنفه بعض الصعوبات. فعلى سبيل المثال قد يبدو للبعض أن هناك تعارض بين إباحة المشرع مثلاً لشرط عدم تعدد الزوجات وما تقضي به المادة 8 بإباحة التعدد.
إنه بالنسبة لمحاولة حصر أحكام قانون الأسرة التي لا يجوز للزوجين تعديلها باشتراط شروط زائدة على أصل العقد، قد يبدو للوهلة الأولى عسيراً بعض الشيء، إلا أنه يمكن القول بأن المقصود بهذه الأحكام كل الآثار الأصلية لعقد الزواج التي هي من مقتضى العقد. وهذا ما يتضح جلياً من خلال نص المادة 32 من قانون الأسرة بنصها على بطلان الزواج الذي أشتمل على شرط يتنافى ومقتضيات العقد.
وتتمثل أهم هذه الأحكام فيما يلي:
1- حل الاستمتاع بين الزوجين (المادة04)
2- استحقاق الزوجة الصداق (المادة 14)
3- استحقاق الزوجة للنفقة (المادة 74)
4- حسن المعاشرة بين الزوجين (المادة 36)
5- التوارث بين الزوجين ( المادة 126)
6- ثبوت نسب الأولاد ( المادة 41)
وبالنسبة للإشكال الثاني المتمثل في تضمين عقد الزواج بعض الشروط التي قد تخالف أحكام قانون الأسرة، كاشتراط الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها وحول ما إذا كان هذا الاشتراط يعد في مضمونه تحريماً لشيء محلل شرعاً؟
فيرى الدكتور عبد العزيز سعد بأن هذا الشرط يعتبر باطلاً لتنافيه مع نص المادة 08 التي تسمح بتعدد الزوجات، لذلك فإن الزوج لا يلزم بالوفاء بأي شرط ورد في العقد وكان مخالفاً لأحكام قانون الأسرة، ولا يجوز مطالبته بالوفاء بذلك أمام القضاء وليس للزوجة أن تطلب التطليق اعتمادا على عدم الوفاء بهذا الشرط.
وتزداد أهمية طرح هذا الإشكال في ظل التعديل الأخير لقانون الأسرة حيث خصت المادة 19 بالذكر شرط عدم تعدد الزوجات إلى جانب شرط عمل المرأة بإعتبارهما شرطين ضرورين لتأثيرهما الهام على حياة الأسرة. وبهذا يكون المشرع الجزائري قد حسم مسألة هذين الشرطين تشريعياً، وتم بذلك رفع الحرج عن القاضي والمتقاضين.
غير أنه وبهذا التخصيص لشرط عدم تعدد الزوجات في المادة 19 يصبح التعارض والتناقض بين نص المادتين 19 و8 أكثر وضوحاً وبروزاً من السابق على الأقل من ناحية صياغة هاتين المادتين.
وفي اعتقادنا أنه كان في وسع المشرع الجزائري تفادي وقوع هذا التعارض في صياغة نص كل من المادتين لو نص على هذا الشرط في المادة 8 كقيد من القيود الواردة على تعدد الزوجات، كما هو عليه الحال بالنسبة للمشرع المغربي حيث نص في المـادة 40 من مدونة الأسرة على أنه: " يمنع التعـدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجـات، كمـا يمنع في حـالة وجـود شرط من الزوجة بعـدم التــزوج عليهـا "، فالموضع الصحيح لإدراج شرط عدم تعدد الزوجات في قانون الأسرة الجزائري يكون هو نص المادة 8 وليس نص المادة 19.
ومن ناحيـة أخرى فإن صيغة التعبير التي أوردها المشرع الجزائري بخصوص شرط عدم تعدد الزوجات في نص المادة 19 تعتبر غير سليمة، لأنها تتجه بذهن القارئ نحو تحريم مبدأ التعدد أصلاً، والتعبير السليم حسب رأينا يكون باستبدال عبـارة "... ولاسيما شرط عدم تعدد الزوجات... " بعبارة "... ولا سيما شرط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها...".
والجديـر بالذكر أن الشريعة الإسلامية لم تقيد تعدد الزوجات إلا بشرط العدل، أما جعله بيد القاضي وموافقته ومطالبة الرجل بإبداء المبرر الشرعي واقتناع القاضي بذلك هي شروط ما أنزل الله بها من سلطان، كما أن إعطاء ولاية غير مشروعة للقاضي على الرجل من شأنه أن يعمق ويوسع مساحات الزواج العرفي والعلاقات غير المشروعة.
إن ما يجب فهمه بالنسبة لتعدد الزوجات أن الشريعة الإسلامية تأبى أن يكون الغرض من التعدد المباهاة أو التذوق أو الإهانة، فالتعدد رخصة لا يلجأ إليها إلا عند الضرورة ووجود مسوغاتها.
وانطلاقا من هذا فلا حرج في وضـع قيود على تعدد الزوجات وإحاطته بإجراءات اجتهادية من وضع المشرع، إذا كان الغرض منها هو حماية التعدد وتنظيمـه وتحقيـق العدل فيه، وحمـاية المرأة من تعسف الزوج وضمـان حقوق الزوجـة.
وبالرجوع إلى الشريعة الإسلامية وتحديداً الفقه الحنبلي نجده يبيح للزوجة أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها، أو ألا يخرجها من منزل أبيها... وغيرها من الشروط التي لا توافق مقتضى عقد الزواج ولا تنافيه، ولم يرد بها أمر أو نهي من الشارع ويكون في اشتراطها تحقيق غرض مشروع لمن اشترطها. فالحنابلة يرون بإلزامية الوفاء بمثل هذه الشروط، ويمنحون لمن تضرر من جراء عدم الوفاء بها حق فسخ عقد الزواج.
بينما نجد كل من فقهاء الشافعية والمالكية والحنفية يعتبرون بأن كل شرط خالف الشرع أو يزيد على مقتضى العقد من غير ورود نص في الشرع بإقراره، شرط فاسد لا يؤثر على العقد بحيث يفسد الشرط وحده ويبقى العقد صحيحاً، كاشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها أو ألا يخرجها من بلدها.
وهكذا نجد أن الفقه الإسلامي على خلاف حول شرط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها، وواضح أيضاً مما سبق أن المشرع الجزائري قد استوحى تنظيمه لهذا الشرط من الفقه الحنبلي الذي يعتبر أكبر المذاهب توسعاً في تصحيح الشروط.
إن تبني المشرع الجزائري لرأي الحنابلة فيما يخص اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها له ما يبرره، فما كان للزوجة أن تلجأ إلى ذلك إلا منعاً لمفسدة، وما سميت الضرة بهذا الاسم لدى العرب إلا لاشتقاق اسمها من الضرر. كما أن في اشتراط الزوجة لمثل هذا الشرط تحقيق لمصلحة جدية للمرأة ورغبة أكيدة لديها في الاستئثار بزوجها.
ونخلص مما سبق ذكره إلى أنه لا تعارض بين شرط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها ومبدأ تعدد الزوجات، فتنازل الزوج عن حقه في التعدد لا يبطل المبدأ من أصله، بل يبقى التعدد في أصله مباح دون أن ينفي ذلك إعطاء الحق للزوجة في أن تشترط على زوجها ألا يتزوج عليها كلما كان في ذلك تحقيق لمصلحة جدية للزوجة.
الفرع الثالث: جدية المصلحة
تعرف المصلحة في الشريعة الإسلامية بأنها جلب المنفعة ودفع المضرة والمفسدة. والمصلحة المعتبرة في شريعة الإسلام هي كل مصلحة تؤدي إلى الحفاظ على الدين والنفس والمال والعقل والنسل، وفي هذا يقول الإمام الغزالي: " إن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكن نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع. ومقصود الشرع من الخلق خمسة ، وهو أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكـل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسـة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسـة فهو مفسدة ودفعها مصلحة ".
والمقصود بجدية المصلحة كقيد وارد على حرية الاشتراط في عقد الزواج هو أن يكون الهدف من الاشتراط تحقيق مصلحة مقصودة لكلا الزوجين أو أحدهما، بشرط ألا يتنافى ذلك مع مقاصد عقد الزواج، فإذا كان الشرط موافقاً لغايات ومقاصد العقد ومحققاً لمصلحة مقصودة فيجب الوفاء به. أما إذا كان الشرط منافياً للغاية الأساسية التي شرع العقد من أجلها فيبطل الشرط.
وتقدير جدية المصلحة وأهميتها مرجعه إلى الموازنة بينها وبين الأضرار التي تنتج عنها، أو عن عدم تقريرها، بحيث إذا بلغت المصلحة حداً من الأهمية يربو أو يزيد في قيمته على الضرر الذي يترتب على عدم قيام الحقوق أو استعمالها كانت المصلحة جدية. لأن الحقوق لا تعد غايات في حد ذاتها وإنما هي وسائل لتحقيق غايات ومصالح مشروعة يحميها القانون. فإذا لم يكن لصاحب الحق مصلحة من وراء استعماله، أو كانت المصلحة المقصودة ضئيلة بحيث لا تبرر ما ينجم عن التصرف من أضرار اعتبر ذلك تعسفاًً في استعمال الحق ، فلو أن الزوجة اشترطت على زوجها ألا يتزوج عليها، فهذا الشرط يحقق غـاية مقصودة للزوجة فـي الاستئثار بزوجها، ولكن إذا أضحت تلك الغاية غير ذات جدوى بسبب أن الشرط الذي اشترطته الزوجة على زوجها يلحق الـضرر بالزوج ويفوت عليـه مصلحة حقيقية، فإن مثل هذا الشرط يبطل لأن الغاية شرع والشرط تصرف، ولا يجوز للتصرف أن يلغي الشرع فما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط.
وعلى ذلك فإذا كانت الزوجة ولود وتقوم بجميع واجباتها الزوجية، فإنه ليس للزوج مخالفة شرطها بألا يتزوج عليها، بل يجب عليه الوفاء بهذا الشرط لأنه يحقق مصلحة مقصودة للزوجة.
أما إذا كانت الزوجة عاجزة عن القيام بحقوق الزوج أو كانت غير قادرة على الإنجاب بسبب العقم، فهنا تظهر للزوج مصلحة جديدة من أجلها شرع عقد الزواج وهي حفظ النسل، وبناءًا على هذا فلا يكون الزوج ملزماً بالوفاء بالشرط السابق، ولا يكون للزوجة حق فسخ الزواج، إذ لا يمكن اعتبار الزوج مخلاً بشرطه في هذه الحـالة، وهذا لظهور مصلحة أخرى حقيقية يجب على الزوجين السعي نحو تحقيقها.