منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - *«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-02-26, 21:56   رقم المشاركة : 225
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

أهمية العنوان في العمل الأدبي:
لقد أولت المناهج الحديثة و المعاصرة ، في نظريات القراءة، و سيميائيـات النص وجماليات التلقي، أهمية كبيرة لعنوان النص و مقدمته، و اعتبرتهمـا مكونين أسـاسيين و دالين فقد جعلهما جيرار جينيت (Gérard Génette) من النصوص الموازية Paratextes الدالة التي ترافق النصوص الرئيسة و التي لا يمكن الاستغناء أو التغاضي عنها .و تكمن أهمية هذين المكونين ( العنوان و المقدمة) في كونهما أول المؤشرات التي تدخل في حوار مع المتلقي ، فتثير فيه نوعا من الإغراء، و الفضول العلمي و المعرفـي و إليهما توكل مهمة نجاح الكتاب في إثارة استجابة القارئ بالإقبال عليه و تداوله ، أو النفور منه و استهجانه.
تنبثق أهمية العنوان ، بشكل خاص ، من كونه مكونا نصيا لا يقل أهمية عن المكونات النصية الأخرى، فالعنوان يشكل سلطة النص وواجهته الإعلامية، وهذه السلطة تمارس على المتلقي » إكراها أدبيا ، كما أنه [ أي العنوان ] الجزء الدال من النص و هذا ما يؤهــله للكشف عن طبيعة النص و المساهمة في فك غموضه« بـــل يعين مجموع النص و يظهر معناه، و هذا يعني أن العنوان هو مرآة النسيج النصي، وهو الدافع للقراءة، وهو الشرك الذي ينصب لاقتناص المتلقي، و من ثمة فإن الأهمية التي يحظى بها العنوان نابعة من اعتباره مفتاحا في التعامل مع النص في بعديه الدلالي و الرمزي، بحيث لا يمكن لأي قارئ أن يلج عوالم النص أو الكتاب، و تفكيك بنياته التركيبية و الدلاليـة و استكشاف مدلولاته و مقاصدها التداولية، دون امتلاك المفتاح ، أعني العنوان .
العنوان إذن هو الثريا التي تضيء فضاء النص، و تساعد على استكشاف أغواره، فيكون العنوان بكل ذلك ضرورة كتابية تساعد على اقتحام عوالم النص؛ لأن المتلقي يدخل إلى " العمل " من بوابة " العنوان " متأولا لــه، و موظفا خلفيته المعرفية في استنطاق دواله الفقيرة عددا و قواعد تركيب و سياقا، و كثيرا ما كانت دلالية العمل هي ناتج تأويل عنوانه، أو يمكن اعتبارها كذلك دون إطلاق« كما يأخذ العنوان أهميته من كونه علامة كاملة تحمل دالا و مدلولا.
على الرغم من أن العنوان نص مختصر مقلص فإنه يلعب دورا هاما وحاسما في الأعمال الأدبية خاصة وفي الأعمال الفنية عامة. فهو جزء لا يتجزأ من عملية إبداع الكاتب للعمل .
كما أنه يلعب دورا مركزيا في عملية إنتاج القارئ لمعنى العمل ودلالاته ويقوم بوظائف متعددة ومتنوعة." وتبرز أهمية العنوان في الأدب الحديث بصورة عامة وفي الشعر الحديث بصورة خاصة، اللذين لم يعد فيهما العنوان مجرد مرشد للعمل، يمر عليه القارئ مرورا سريعا متوجها إلى النص، وإنما أصبح جزءا من المبنى الاستراتيجي للنص." (1)
ويعزو "العلاق" ازدياد الوعي بأهمية العنوان إلى" كون علاقته بالنص أصبحت بالغة التعقيد وإلى امتلاكه طاقة توجيهية." (2) وتنبه فيري إلى" أن موقع العنوان فوق النص يمنحه سلطة، لأنه يخبر القارئ الذي لم يقرأ النص شيئا ما عن هذا النص." (3)
وتزداد أهمية العنوان، سواء في النثر أو في الشعر، خلال قراءة النص، وذلك لأن القارئ يتوجه إلى النص وقد علقت في ذهنه إيحاءات العنوان ورموزه، وهو يقوم بربط كل هذا بما يلاقيه أثناء عملية قراءة النص وتأويله. وإذا كان الحديث يدور عن قصيدة بشكل خاص، فإن العنوان يتخذ أهمية أكبر بعد قراءتها، لاتخاذه طبقات من المعنى أكثر عمقا في سياق ثيمات القصيدة المتعددة، هذا بالإضافة إلى أن العنـوان في حـالات كثيـرة يمكنه إعادة خلق قطعة أدبية ما.
لقد بذل الفنانون في الأدب الغربي في القرن التاسع عشر جهودا جمة في اختيار العنوان. وعلى الرغم من هذا فقد وجدت قصائد غير معنونة، لكنها تمكنت من أن تصمد مع عدم وجود عناوين لها. ونطرح سؤالا لا بد منه في هذا السياق: هل يقوم العنوان في الأدب الحديث بدور هام إلى درجة لا يمكننا معها اعتبار عمل أدبي ما كالقصيدة، لأنه لا يحمل عنوانا؟ إن هولاندر (Hollander) وفايسمن لا يوافقان علـى عـدم اعتبـار لوحة ما لوحة، أو قصيدة ما قصيدة، لأنها لا تحوي عنوانا. وتضيف فايسمن إلى هذا، وبشكل أكثر مباشرة من هولاندر، بأنه يمكن للأعمال سواء كانت أدبية أو غيرأدبية أن تصمد دون وجود عناوين لها.
كما ينبه هذان الباحثان إلى" أن العناوين برزت كغرض ضروري في نقطة تاريخية معينة ووفقا لعادة العنونة التي بدأت تسود، ولهذا السبب سعى الكتّاب بشكل دائب إلى وضع عناوين لأعمالهم."(1)
ولا بد أن نشير إلى أن وجود قصائد غير معنونة ليس مقصورا على أدب القرون الوسطى أو القرن التاسع عشر، وذلك لأننا نعثر في عصرنا الحالي على قصائد حديثة غير معنونة، وهي بنظرنا قصائد بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. ولنأخذ مثالا على ذلك القصيدة التالية للشاعرة السريالية جويس منصور (1928-1986)، والتي هي بضمن أربعين قصيدة، ترجمها عن الفرنسية الشاعر عبد القادر الجنابي،ويستطيع قائل أن يقول بأنه لو حوت هذه القصيدة عنوانا لربما كانت ستبدو أجمل أو أغنى معنى و أكثر إيحاء. ربما! لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال عدم اعتبارها قصيدة لأنها لا تحمل عنوانا، فكلماتها تحوي طاقة شعرية هائلة، تتجلى في الصور الشعرية المبتكرة الموجودة على طول القصيدة. ويجدر بنا أن ننبه إلى أن هناك قصائد من قصائد الشاعرة الأربعين تحوي عناوين، مما يدلنا على أن الشاعرة واعية لقضية العنونة.
وفوق ذلك إن هذا يدلنا على أن وضع عنوان للنص في الشعر الحديث أو عدم وضعه لا يتعلق على الغالب بوعي الشاعر لقضية العنونة، وإنما برغبته واختياره الشخصي.
في الليل شحّاذة أنا في وطن الدماغ
نفسي متمددة فوق قمرٍ من الأسمنت وقد روّضتها الريحُ تتنفسُ
وموسيقى أنصاف المجانين الذين يمضغون شعير المعدن ألق
الذين يطيرون ويطيرون ثم يسقطون على رأسي
بكلّ قواهم
ذا أنا أرقص رقصة الفراغ
أرقص فوق ثلوج التعاظم البيضاء
وأنت خلف نافذتك المحلاة بسكر الغيظ
تلطّخ فراشك بالأحلام انتظارًا لي (1)
لقد اعتبر العنوان إلى وقت قريب هامشا لا قيمة له وملفوظا لغويا لا يقدم شيئا إلى تحليل النص الأدبي؛ لذلك تجاوزه الكتاب إلى النص كما تجاوزوا باقي العتبات الأخرى التي تحيط بالنص.
ولكن ليس العنوان" الذي يتقدم النص ويفتتح مسيرة نموه- يقول علي جعفر العلاق- مجرد اسم يدل على العمل الأدبي: يحدد هويته، ويكرس انتماءه لأب ما. لقد صار أبعد من ذلك بكثير. وأضحت علاقته بالنص بالغة التعقيد. إنه مدخل إلى عمارة النص، وإضاءة بارعة وغامضة لأبهائه وممراته المتشابكة(...) لقد أخذ العنوان يتمرد على إهماله فترات طويلة، وينهض ثانية من رماده الذي حجبه عن فاعليته، وأقصاه إلى ليل من النسيان. ولم يلتفت إلى وظيفة العنوان إلا مؤخرا .(2)
وعلى الرغم من هذا الإهمال فقد التفت إليه بعض الدارسين في الثقافتين: العربية والأجنبية قديما وحديثا، وتنبه إليه الباحثون في مجال السيميـوطيقا وعلم السـرد والمنطـق
وأشاروا إلى مضمونه الإجمـالي في الأدب والسـينما والإشـهار نظرا لوظـائفه المرجعية واللغوية والتأثيرية والأيقونية.
وحرصوا على تمييزه في دراسات معمقة بشرت بعلم جديد ذي استقلالية تامة، ألا وهو علم العنوان(TITROLOGIE) الذي ساهم في صياغته وتأسيسه باحثون غربيون معاصرون منهم: جيرار جنيتG.GENETTE وهنري مترانH.METTERANDولوسيان ﮔولدمانL.GOLDMANN وشارل ﮔريفلCH.GRIVEL وروجر روفرROGER ROFER وليو هويك LEO HOEK الذي يعرف العنوان بكونه" مجموعة من الدلائل اللسانية [...]يمكنها أن تثبت في بداية النص من أجل تعيينه والإشارة إلى مضمونه الإجمالي ومن أجل جذب الجمهور المقصود"(1) هذا وقد نادى لوسيان كولدمان الدارسين والباحثين الغربيين إلى الاهتمام بالعتبات بصفة عامة، والعنوان بصفة خاصة. وأكد في قراءته السوسيولوجية للرواية الفرنسية الجديدة مدى قلة النقاد" الذين تعرضوا إلى مسألة بسيطة مثل العنوان في رواية الرائي le voyeur لذي يشير إلى مضمون الكتاب، ليتفحصوه بما يستحق من عناية "(2)
وتعتبر دراسة( العتبات SEUILS) لجيرار جنيت GERARD GENETTE أهم دراسة علمية ممنهجة في مقاربة العتبات بصفة عامة والعنوان بصفة خاصة؛ لأنها تسترشد بعلم السرد والمقاربة النصية في شكل مساءلة واستقصاء ، وتفرض عنده نوعا من التحليل.(3)
ويبقى ليو هويك LEO HOEK المؤسس الفعلي ( لعلم العنوان) ؛ لأنه قام بدراسة العنونة من منظور مفتوح يستند إلى العمق المنهجي والاطلاع الكبير على اللسانيات ونتائج السيميوطيقا وتاريخ الكتاب والكتابة. فقد رصد العنونة رصدا سيميوطيقيا من خلال التركيز على بناها ودلالاتها ووظائفها.
كما أن النقد الروائي العربي لم يول العنوان أهمية تذكر، بل ظل يمر عليه مر الكرام. لكن الآن بدأ الاهتمام بعتبات النص وصار يندرج" ضمن سياق نظري وتحليلي عام يعتني بإبراز ما للعتبات من وظيفة في فهم خصوصية النص وتحديد جانب أساسي من مقاصده الدلالية، وهو اهتمام أضحى في الوقت الراهن مصدرا لصياغة أسئلة دقيقة تعيد الاعتبار لهذه المحافل النصية المتنوعة الأنساق وقوفا عندما يميزها ويعين طرائق اشتغالها؟ (1)
أهم الدراسات العربية التي انصبت على دراسة العنوان تعريفا وتأريخا وتحليلا وتصنيفا نذكر ما أنجزه الباحثون المغاربة وغيرهم من النقاد العرب الذين كانوا سباقين إلى تعريف القارئ العربي بكيفية الاشتغال على العنوان: تنظيرا وتطبيقا، وهذه الدراسات هي على النحو التالي:
1 - (النص الموازي في الرواية) (إستراتيجية العنوان) ، مقال للدكتور شعيب حليفي منشور في مجلة الكرمل الفلسطينية في واحد وعشرين صفحة، العدد46 سنة 1992.
ويعد من المقالات الهامة التي درست العنوان دراسة تاريخية وبنيوية بطريقة منهجية وأهم مصدر استند إليه الدارسون في حديثهم عن العنوان.
2- مقاربة العنوان في الشعر العربي الحديث والمعاصر للدكتور جميل حمداوي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي الحديث والمعاصر، تحت إشراف الدكتور محمد الكتاني، نوقشت بجامعة عبد المالك السعدي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ( تطوان) بالمغرب سنة 1996، ويطرح فيها صاحبها منهجية جديدة لدراسة العناوين سماها (المقاربة العنوانية)؛ وتعد أهم دراسة تحليلية شاملة للعنوان في الوطن العربي(562 صفحة من الحجم الكبير)
3- (العنوان في الرواية المغربية)، للدكتور جمال بوطيب، مقال منشور في كتاب الرواية المغربية، أسئلة الحداثة، منشورات دار الثقافة، الدار البيضاء، سنة 1996 ، و يوجد المقال في (12) صفحة؛
4- عتبات النص: البنية والدلالة، للدكتور عبد الفتاح الحجمري، منشورات الرابطة، الدار البيضاء، طبعة 1996، وفيه يدرس صاحبه العنوان على ضوء رواية الضوء الهارب لمحمد برادة في ست صفحات من الحجم المتوسط.
5- ( السميوطيقا والعنونة)، مقال للدكتور جميل حمداوي في33 صفحة، نشر في مجلة عالم الفكر، الكويت، المجلد 25، العدد3، يناير/ مارس، سنة 1997، وكان مصدرا ومرجعا للكثير من الدراسات التي انصبت على دراسة عتبة العنوان .
6- مقاربة النص الموازي في روايات بنسالم حميش، للدكتور جميل حمداوي، أطروحة دكتوراه الدولة ، ناقشها الباحث في 19 يوليوز سنة 2001 بجامعة محمد الأول بوجدة تحت إشراف الدكتور مصطفى رمضاني.
7- (صورة العنوان في الرواية العربية) للدكتور جميل حمداوي، مقال في حوالي 21 صفحة، نشر في التجديد العربي، في 22/07/2006.
8- العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي للدكتور محمد فكري الجزار، ، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1998 .
9- العنوان في الأدب العربي(النشأة والتطور) للدكتور محمد عويس، ،على نفقة المؤلف،1992.
5- أصناف العنوان:
تصنف الأبحاث الحديثة العناوين من حيث دلالاتها وعلاقتها بمضمون النصوص التي تحملها إلى أنواع كثيرة ويمكن أن تقسم إلى مجموعتين أساسيتين: المجموعة الأولى هي مجموعة العناوين المؤشِّرة، والمجموعة الثانية هي مجموعة العناوين الدلاليّة. وننوي فيما يلي الأصناف التي تدخل في إطار كل مجموعة من المجموعتين مع إيراد شرح لكل منها1.
أ) العناوين المؤشِّرة:1
تشبه هذه العناوين الاسم الذي ندعو به غرضا أو إنسانا، وهدفها الأساسي هو مساعدة القارئ على إيجاد العمل المطلوب في فهرس الكتاب، وتمييز هذا العمل عن أعمال أخرى. كما تكون هذه العناوين قصيرة بصورة عامة، بحيث تتألف من كلمة أو عبارة، وتعرض الموضوع المعالج بشكل موضوعي وحيادي، دون الإفصاح عن رسالة النص، وإن تواجد هذا الصنف من العناوين في الشعر، فإنه يترك القصيدة مفتوحة، ولا يثير توقعات القارئ، وتتوزع هذه العناوين المؤشرة إلى ثلاثة أنواع:2
* "عناوين عبارة عن أرقام عددية أو ترتيبية ("القصيدة الأولى"، "القصيدة الأخيرة")، أو عناوين ذات صلة بمكان الكتابة، أو بتاريخ معيّن، لكن لا توجد لها أية علاقة بما يقال في العمل نفسه".
*"العناوين التي تعتمد على الكلمة الأولى أو القريبة من الأولى أو على مجموعة الكلمات الأولى من العمل".
* "إشارة نجمة أو ثلاث نجمات توضع في رأس العمل".
قد يظن القارئ أن النوعين الأول والثاني يشيران إلى مضمون القصيدة أو جودتها، وذلك لميل القارئ إلى الافتراض بأن العنوان غير اعتباطي، وإنما هو حكم خفي يطلقه الشاعر على قصيدته فالعنوان "القصيدة الأولى" قد يُفسَّر بأن القصيدة هي أفضل أو أهم قصيدة في المجموعة، وكذلك الأمر بالنسبة للعنوان الذي يتألف من مجموعة الكلمات الأولى من النص، فهذه الكلمات قد تُفسَّر بأنها الكلمات الأكثر مركزية، مما يجعل القارئ يبني توقعاته من القصيدة بالاستناد إليها، لكن بعد قراءته لهذه القصيدة يتضح له أن العنوان هو إرشادي وإشاري.
وهنا لا بد من التنبيه إلى أن هذا الأمر ليس صحيحا في كل الحالات، لأن هناك عناوين تبدو لنا مؤشرة لأنها عبارة عن تكرار لكلمات البداية، لكن بعد التعمق في قراءة النص يتضح لنا أن العنوان لا يهدف إلى الإشارة إلى النص، وإنما له هدف دلالي يتعلق بمضمون القصيدة. وهذا ما تؤكد عليه باروخ وفايسمن حين يقولان" بأن هناك مجموعة من العناوين تبدو مؤشرة، لكن عند الوصول إلى نهاية القصيدة تظهر هذه العناوين كعناوين دلالية" (1).
أما كليمان فيعتبر العناوين التي تكرّر السطر الأول من النص عامة أجزاء من التجربة الجمالية (2) . وهو بذلك يناقض فيري التي تقول بأنه" عندما يُملأ فضاء العنوان باقتباس يكرر سطرا أو عبارة من النص، فإنه ليس للكلمات المقتبسة- خاصة إن كانت عبارة عن السطر الأول من النص أو الكلمات الأولى منه- مكانة العنوان. أما إن كانت الاقتباسات من أماكن أخرى من النص فإن الأمر يختلف، لأن هذه الكلمات تبدو على الأقل وكأنها تقول شيئا ما عن القصيدة".(3)
والقول عن عنوان يكرر الكلمات الأولى من النص، بأنه مؤشر أو دلالي يتعلق بمقاصد الكاتب التي يمكن الوقوف عليها خلال قراءة النص. أما النوع الثالث من العناوين المؤشرة فيعتبر بنظر إشكاليا أكثر من سابقيه؛ إذ لا يمكنه الإشارة إلى النص أو التمييز بين نتاج وآخر، مما يعني أنه لا يستطيع القيام حتى بالوظيفة الإشارية.
ب) العناوين الدلاليّة: 1
بالإضافة إلى كون هذه العناوين تقوم بالوظيفة الإشارية، فإنها تهدف أيضا إلى الإشارة إلى مضمون العمل الأدبي، كالقصيدة مثلا، وتوجيه ذهن القارئ إليه بطرق مختلفة. وسنتعرض فيما يلي لكل طريقة من هذه الطرق من خلال الحديث عن كل قسم من أقسام العنوان الدلالي الآتية:
* العنوان الاختصاري: وهو يلخص فكرة العمل الأدبي المركزية، ويحوي بصورة عامة تلخيصا قصيرا للعمل من وجهة نظر الكاتب. وهذا العنوان يثير توقعات في القارئ، ومن ثم يقوم بتحقيقها. وإذا كان الحديث يدور عن عنوان قصيدة فيمكن القول بأنه كلما كانت الروابط بين تفاصيل القصيدة وهذا العنوان أكبر كلما ازدادت قوته الاختصارية. وفي مجال هذا الصنف من العناوين تدخل تلك العناوين التي تحوي أسماء مجردة أو محسوسة، يعتبرها الكاتب محور العمل الأدبي.
* العنوان الساخر: وهو يوجه توقعات القارئ لموضوع معيّن، إلا أن هذه التوقعات تكسر أثناء قراءة النص.
* العنوان المتمِّم: يعتبر هذا العنوان جزءا متمِّما للنص، قد يتضرر بدونه، وقد لا يُفهم على الإطلاق، وذلك لاحتواء العنوان على مركز العمل الأدبي. وغالبا ما يلعب هذا العنوان دور افتتاحية النص، وفي هذه الحالة نجد له ارتباطا مباشرا بالسطر الأول من النص، مما يجعله جزءا لا يتجزأ منه.
* العنوان المُحيط: هذا العنوان يناسب عوامل مختلفة في القصة أو القصيدة، ونجد فيه بعض التعقيد، ينبع من عدم التزامه لمضمون النص. وهو عنوان تعميمي بدرجة كبيرة، بحيث يمكنه أن يخلق جهاز توقعات متنوعا ومتعدد الإمكانيات. وقد يكون ذا علاقة بتفاصيل مختلفة في النتاج، كما قد يوجه القارئ إلى موضوع معيّن، لكنه يمكّنه من تفسير الأمور بأشكال مختلفة. وتكون العناوين المحيطة، بصورة عامة، عبارة عن أسماء (على الغالب أسماء مجردة)، لا تلزم القارئ بأي تأويل، وذلك لأن هذه الأسماء لا تمتلك صفة معيّنة. ومثال ذلك العناوين:
"أساطير"، "ندم" و"فشل". وتتحدث فايسمن عن أربعة طرق يحيط بها العنوان النص (1) :
أ) كلمة تلخص وضعا ما، وتكون بصورة عامة مجردة. مثال: "خطأ"، "كلمات"، "صورة"
ب) أسماء عامة، مثلا: "صديق"، "شاعر"، "فتاة" ج) أسماء شخصية، توجهات وإهداءات. وهناك عناوين تربط الأحداث الحاصلة في النص بشخصية معيّنة. مثلا: "فرعون"، "إلى روبرت فروست" د) أسماء غامضة، كأسماء الإشارة والضمائر التي تدل على الغائب، وتؤدي إلى غموض العنوان.وأهم
* العنوان الاتجاهي: وهو يشير إلى موقف الكاتب فيما يتعلق بموضوع معيّن، ويصاغ بقصد التأثير في رأي الجمهور وبلورته، وذلك من خلال الإقناع، النقد، التحذير، التشويق أو مساندة موقف معيّن.وقد تكون اتجاهية هذا العنوان واضحة، غامضة أو واقعة ما بين الوضوح والغموض.
* العنوان المثير: يهدف إلى جذب القارئ من خلال إبراز الجانب المسلي في النص وذلك بواسطة استخدام التضاد أو التأكيد على أمر شاذ.
* العنوان الموجِّه: وهو مفسر بعض الشيء، وموجه للقارئ. ويمكنه أن يعبر عن موقف، قصد أو ادعاء، أو يلخص مجموعة من الأفكار، أو يطرح سؤالا مبدئيا، أو يثير تداعيات، وهذا العنوان يدخل في إطار العناوين الواضحة في توصيل رسالة النص إلى القارئ.
* العنوان الإهدائي: وهو صنف معروف في الأدب، يُكرس لشرف شخص ما، قد تكون له علاقة بالنص أو لا تكون (2) . إن أغلب هذه العناوين (المؤشرة والدلالية)، يرد في أصناف، تناولت العنوان في الأدب عموما وفي الشعر خصوصا، أم عن أصناف العناوين في الأعمال الفنية (الرسم والموسيقى)، والتي عالجها ليفينسون في مقاله (1) فإن قسما منها يشترك مع بعض الأصناف السابقة في عدد من الميزات، ومع ذلك، نضيف أصنافا أخرى، وذلك لوجود ميزات إضافية ومختلفة فيه.إحدى النقاط التي يؤكد عليها ليفينسون في مقاله هي أنه لا يمكن أبدا أن يكون العنوان خاليا من القدرة الجمالية، التي بفضلها يمتلك قوة معيّنة ويسهم في عملية قراءة العمل (2). ويخوض ليفينسون في هذه القضية من خلال مناقشته لكيفية تأثير الأصناف السبعة الآتية في محتوى العمل (3):
*العناوين المحايدة (neutral titles): وهي تشبه العناوين المؤشرة إلى حد ما، ويعتبرها ليفينسون أبسط أصناف العناوين، لكون اختيارها أوتوماتيكيا عادة، ولكونها تعد هامشية للعمل. وهذه العناوين هي عادة عبارة عن أسماء شخصيات، أغراض وأماكن، تظهر بشكل بارز في جسد العمل. مجموعة أخرى من العناوين المحايدة، والتي قد تتواجد في القصائد، هي تلك العناوين التي تكرر الأسطر الأولى من القصيدة. ومثل هذه العناوين لا يلعب دورا جوهريا على الإطلاق، ولا يغير شيئا في القصيدة، ولا يؤثر في محتوى النص، ويهدف فقط إلى منح العمل اسما، أو السير وفق عادة منح العمل عنوانا.
ويجب التنبيه إلى أن ليفينسون لا يقصد بهذا أن يقول إن هذه العناوين لا تحوي قدرة جمالية ما، لأنه يوضح فيما بعد بأنه إن كان هناك اهتمام بمسألة العنونة فمن الضروري أن تمتلك هذه العناوين طاقة فنية .
* العناوين المشدِّدة (underlining titles): وهذه العناوين، بخلاف السابقة، تعتبر عامة أو جوهرية، لأنها تضيف وزنا إضافيا على لب محتوى العمل، أو تشدد على موضوع يعتبر جزءا منه. كما أن هذه العناوين تشهد على أهمية المسمى، وتؤكد وتثبّت ما يقوله جسد النص بشكل مستقل. وهي بذلك تشبه إلى حد ما العناوين الاختصارية.
* العناوين المركّزة/ المبئّرة (focusing titles): وهذه العناوين تلعب دورا فنيا بشكل أكبر. فالعنوان منها ينتقي موضوعا واحدا من المواضيع الرئيسية التي تكوّن لب محتوى النص ويجعله قائدا للعمل. وحتى نتمكن من اعتبار هذا العنوان مركزا، لا مشددا، يجب أن يكون هناك غنى معيّن في محتوى العمل، يتجلى في وجود عنصرين أو أكثر في داخله يعتبران هامين، وما يفعله العنوان المركز هو اقتراح ثيمة من بين الثيمات المتنازعة وإعطاؤها مكانة مركزية في عملية تأويل العمل. وينبه ليفينسون إلى أن العناوين المركزة لا تقوم بهذه الأمور بشكل مطلق، وإنما بنسبة معينة.
* العناوين المقوِّضة (undermining/ opposing titles): وتشبه إلى حد ما العنوانين الساخر والجزئي. إن ظاهر مضمون هذه العناوين مضاد لما تقصده بالفعل، وهي تناقض التصريح المؤقت بتصريح يميل إلى الاتجاه المعاكس. وعندما تستخدم هذه العناوين في الأعمال المركبة والطويلة، كالروايات والأفلام، فإنها تعتبر ساخرة (ironic)، لأنها تعني عكس ما تصرّح به. وبعض العناوين المقوِّضة لا يستوعب على أنه ساخر، بل كمؤكد من خلال تقويضه على فكاهة، هزة معيّنة أو حيرة.
* العناوين المربكة (mystifying titles): بدل أن تعزز هذه العناوين أو تحصر شيئا ما في جسد النص فإنها تنحرف تماما عن هذا الشيء. هذا الصنف من العناوين يعتبر الحيلة المفضلة عند السرياليين. ومثال ذلك عناوين بعض اللوحات السريالية التي لا توجد بينها وبين اللوحة التي تحملها علاقة واضحة، وتدفع المتأمل إلى اكتشاف أو اختراع صلة بينها وبين هذه اللوحة.
* العناوين غير الملبسة (disambiguating titles): وهي تشبه إلى حد ما العناوين المتممة. فهذا الصنف من العناوين يقوم بتحديد محتوى العمل بشكل أكبر مما كان عليه إن كان هذا العمل يبدو غامضا، ودون مساعدة هذه العناوين يبدو العمل طلسما.
* العناوين التلميحية (allusive titles): تتبع هذه العناوين بشكل غير مباشر لأعمال أخرى، لفنانين آخرين، لأحداث تاريخية وغير ذلك، فهي تربط العمل بأمور خارجية محددة. وبإمكان هذه العناوين أن تعمل على محتوى النص بالطرق الستة المذكورة، فتستطيع أن تشدّد، تبئّر، تقوّض وتخصّص محتوى العمل.
ويصنف الدكتور جميل حمداوي في مقال له (1) العنوان من حيث الشكل والموضع الى عناوين خارجية وعناوين داخلية وأخرى فرعية وفهرسية...
1- العنوان الخارجي:
يتوسط الغلاف الأمامي ويعتبر من أهم عناصر النص الموازي وملحقاته الأساسية. فهو أول عنصر يواجه القارئ أثناء تفاعله مع النص الروائي. ليس العنوان يافطة إشهارية إغرائية تستهدف دغدغة عواطف المتلقي فحسب، " بل هو استدعاء القارئ إلى نار النص، وإذابة عناقيد المعنى بين يديه.إن له طاقة توجيهية هائلة فهو يجسد سلطة النص وواجهته الإعلامية التي تمارس على القارئ إكراها أدبيا، ويمثل أيضا الجزء الدال على النص والرامي إلى إخضاعا لمرسل".(2)
ويقوم العنوان الخارجي بتقديم العمل الإبداعي والتعريف به وتوسيمه دلالة وبناء وتصورا. إنه بمثابة بطاقة ضيافة "carte visite" للنص مثلا، إنه يمنح القارئ مجموعة من الإشارات الضوئية حول مضمون هذا العمل. أي إنه يصف العمل الأدبي ويعكسه كليا أو جزئيا، أو قد لا يعكسه بطريقة مباشرة إذا كان العنوان يحمل أبعادا رمزية وشحنات انزياحية ثرية وهكذا، فالعنونة الخارجية طقس من طقوس التسمية (إعطاء اسم للكتاب).
وقد يتردد الكاتب كثيرا في اختيار اسم من الأسماء الكثيرة التي تراءى له أثناء تثبيت العنوان الخارجي، ينتقي منها في آخر المطاف ما هو ملائم ودال، ويصوغه بدقة وإحكام لأنه هو أول ما سيقرع السمع ويجذب النظر، ولأنه سينزل من الكتاب منزلة الوجه والغرة، وسيضطلع بمهام حاسمة تجعل الجمهور يفتتن به أو يتطير منه،وعليه سيكون العنوان مختارا بدقة معسول اللفظ يثير شهية الجمهور ويدغدغ مشاعره ويحرضه على الإقبال على الكتاب واقتنائه، كما يعتبر بمثابة نواة إخبارية عن محتويات النص وقضاياه المعالجة، ويشير جنيت G.GENETTE إلى "العلاقة الدالة التي تربط العنوان بالنص... العنوان هو اسم الكتاب، ومن حيث هو كذلك، فهو يستخدم لتسميته أي لتعيينه بأكبر قدر ممكن من الدقة مع تفادي أي خطر في الخلط، ولذا من الضروري معرفة تبريرات استخدامه".(3)
ويفرع الدكتور جميل حمداوي العنوان الخارجي إلى عناوين أخرى وذلك من خلال دراسة قارب فيها العنوان في الرواية العربية.1
1.1- العنوان التجنيسي:
يحدد هذا العنوان جنس الإبداع و هويته لذلك نجد مجموعة من الدواوين التجنيسية داخل العنونة الديوانية أو تفريعا عن العنوان الخارجي. فنجد العنوان الخارجي وتحته( غالبا) شعر أو قصة قصيرة أو رواية إشارة إلى جنس الإبداع الأدبي.
2.1- العنوان التشكيلي:
يمتح العنوان التشكيلي وجوده من فن الرسم و التشكيل و التبئير الأيقوني والتنويع في الألوان و الفضاءات الهندسية. وقد يترجم العنوان التشكيلي ملفوظات العنوان الخارجي اللغوي. ونجد هذه اللوحات العنوانية التشكيلية عند كثير من الشعراء الحداثيين مثل: إليوت، و بودلير، و رامبو، و صلاح عبد الصبور، وبدر شاكر السياب، و أمل دنقل، و نازك الملائكة...
3.1-العنوان الإشهاري:
يتخطى هذا العنوان المستوى الفني إلى المستوى التجاري والإشهاري، فيؤشر على مكان إصدار المنتوج و المطبعة التي سهرت على طبع الكتاب و نشره وتوزيعه وعنوان المطبعة و مكتب المؤسسة، بالإضافة إلى ثمن النسخة و شعار مؤسسة النشر أو الوزارة التي تكفلت بالإصدار. وهذا كله يدخل ضمن حيثيات النشر و سوسيولوجيا التسويق والتوزيع.
2- العنوان الداخلي:
1.2-العنوان الأساسي:
يتربع العنوان الأساسي قمة القصيدة و عرشها العلوي، وبالتالي، يحدد دلالات القصيدة وأبعادها الذاتية و الموضوعية.
2.2-العنوان السياقي:
يقصد بالعنوان السياقي ذلك العنوان الذي يحدد سياق القصيدة: تأريخا أو إهداء أو تحديدا لمناسبة القصيــدة، ويساعدنا هذا العنوان في اتســاق النص و خلق انسجامه، وفهم دلالاته و تأويله.
لذلك تذيل معظم القصائد بتاريخ النشر والكتابة ومكان الإبداع بتحديد اليوم أو الشهر أو السنة أو الفصل، علاوة على تحديد مكان النشر سواء خاصا كان أم عاما.
3.2-العنوان المقطعي أو الفرعي :
وهو عنوان مقطعي متفرع من العنوان الأساسي، كأن يتفرع عنوان مقطعي من ديوان شعري
4.2-العنوان الفهرسي أو المفهرس :
وهو إرفاق الدواوين الشعرية والقصص والروايات وأغلب الكتب في جميع المجالات بفهارس معنونة للنصوص الشعرية والعناصر الداخلية المشكلة لبنية النص .وقد صيغت بطريقة دلالية موضوعاتية مبوبة: ترقيما و تصنيفا و تقسيما.










رد مع اقتباس