منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - تقليد العلماء ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-10-09, 21:20   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ياسرون الجزائري
مراقب منتديات التقنية
 
الصورة الرمزية ياسرون الجزائري
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قال ابن القيم في كتابه (طريق الهجرتين وباب السعادتين) :
الطبقة السابعة عشرة: طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعاً لهم يقولون: إنا وجدنا آباءَنا على أُمة، ولنا أُسوة بهم. ومع هذا فهم متاركون لأهل الإسلام غير محاربين لهم، كنساءِ المحاربين وخدمهم وأتباعهم الذين لم ينصبوا أنفسهم لما نصب له أُولئك أنفسهم من السعي في إطفاءِ نور الله وهدم دينه وإخماد كلماته، بل هم بمنزلة الدواب.
وقد اتفقت الأُمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالاً مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاءِ بالنار وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من مولود إلا وهو يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، فأخبر أن أبويه ينقلانه عن الفطرة إلى اليهودية والنصرانية والمجوسية، ولم يعتبر في ذلك غير المربى والمنشإِ على ما عليه الأبوان.
وصح عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: "إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة"، وهذا المقلد ليس بمسلم، وهو عاقل مكلف، والعاقل المكلف لا يخرج عن الإسلام أو الكفر. وأما من لم تبلغه الدعوة فليس بمكلف في تلك الحال، وهو بمنزلة الأطفال والمجانين.
وقد تقدم الكلام عليهم. والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاءَ به، فما لم يأْت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل. فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفاراً فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله إما عناداً وإما جهلاً وتقليداً لأهل العناد.
فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند فهو متبع لأهل العناد، وقد أخبر الله في القرآن في غير موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم من الكفار، وأن الأتباع مع متبوعيهم وأنهم يتحاجون في النار وأن الأتباع يقولون: {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ، قَالَ لِكُلِّ ضِعْفٌ وَلِكِنْ لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38]، وقال تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّار قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلّ فِيهَا إِن اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر: 47-48]، وقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجَعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ القَوْلَ يَقُولُ الذين اسْتُضْعِفُوا لِلِّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ الَّذِينَ استكبروا للذين اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأمُرُونَنَا أن نَكْفُرِ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً} [سبأ: 31- 33].
فهذا إخبار من الله وتحذير بأن المتبوعين والتابعين اشتركوا في العذاب ولم يغن عنهم تقليدهم شيئاً. وأصرح من هذا قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُا مِنَّا} [البقرة: 166-167].
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل أوزار من اتبعه، لا ينقص من أوزارهم شيئاً"، وهذا يدل على أن كفر من اتبعهم إنما هو بمجرد اتباعهم وتقليدهم.
نعم لا بد في هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال، وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه، ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه، والقسمان واقعان في الوجود، فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله، وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه فهم قسمان أيضاً أحدهما مريد للهدى مؤثر له محب له، غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات، ومن لم تبلغه الدعوة. الثاني: معرض لا إرادة له، ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه. فالأول يقول: يا رب لو أعلم لك ديناً خيراً مما أنا عليه لدنت به وتركت ما أنا عليه ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره، فهو غاية جهدي ونهاية معرفتي. والثاني: راض بما هو عليه لا يؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه سواه ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته، وكلاهما عاجز وهذا لا يجب أن يلحق بالأول لما بينهما من الفرق: فالأَول كمن طلب الدين في الفترة ولم يظفر به فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عجزاً وجهلاً، والثاني كمن لم يطلبه، بل مات في شركه وإن كان لو طلبه لعجز عنه، ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض.
فتأمل هذا الموضع، والله يقضى بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل، فهذا مقطوع به في جملة الخلق. وأما كون زيد بعينه وعمرو بعينه قامت عليه الحجة أم لا، فذلك مما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه، بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول.
هذا في الجملة والتعيين موكول إلى علم الله [عز وجل] وحكمه هذا في أحكام الثواب والعقاب. وأما في أحكام الدنيا [فهي جارية مع ظاهر الأمر فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا] لهم حكم أوليائهم. وبهذا التفصيل يزول الإشكال في المسألة. وهو مبنى على أربعة أُصول:
أحدها: أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ حَتَّى نبعث رَسُولاً} [الإسراء: 15]، وقال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، وقال تعالى: {كُلَّمَا أَلْقِى فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزْنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فكَذَّبْنَا وَقُلنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ} [الملك: 8- 9]، وقال تعالى: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 11]، وقال تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ يَقُصّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىَ أَنْفُسِنَا وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} [الأنعام: 130]، وهذا كثير في القرآن، يخبر أنه إنما يعذّب من جاءه الرسول وقامت عليه الحجة، وهو المذنب الذي يعترف بذنبه، وقال تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: 76]، والظالم من عرف ما جاءَ به الرسول أو تمكن من معرفته، وأما من لم [يكن عنده من الرسول خبراً أصلاً ولا يمكن من معرفته بوجه] وعجز عن ذلك فكيف يقال إنه ظالم؟
الأصل الثاني: أن العذاب يستحق بسببين، أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم [إرادة العلم] بها وبموجبها. الثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها. فالأول كفر إعراض والثاني كفر عناد. وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل.
الأصل الثالث: أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفى بقعة وناحية دون أُخرى كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له. فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئاً ولا يتمكن من الفهم، وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة كما تقدم في حديث الأسود وأبى هريرة وغيرهما.
الأصل الرابع: أن أفعال الله سبحانه وتعالى تابعة لحكمته التي لا يخل بها [سبحانه]، وأنها مقصودة لغايتها المحمودة وعواقبها الحميدة. وهذا الأصل هو أساس الكلام في هذه الطبقات [الذي عليه نبنى مع تلقى أحكامها من نصوص الكتاب والسنة لا من أراء الرجال وعقولهم ولا يدرى عدد الكلام في هذه الطبقات]، إلا من عرف ما في كتب الناس ووقف على أقوال الطوائف في هذا الباب والنهى إلى غاية مراتبهم ونهاية إقدامهم، والله الموفق للسداد الهادي إلى الرشاد.
وأما من لم يثبت حكمة ولا تعليلاً، ورد الأمر إلى محض المشيئة التي ترجح أحد المثلين على الآخر بلا مرجح، فقد أراح نفسه من هذا المقام الضنك واقتحام عقبات هذه المسائل العظيمة، وأدخلها كلها تحت قوله: {لا يَسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، وهو الفعال لما يريد، وصدق الله وهو أصدق القائلين: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23] لكمال حكمته وعلمه ووضعه الأشياءَ مواضعها، وأنه ليس في أفعاله خلل ولا عبث ولا فساد يسأل عنه كما يسأل المخلوق، وهو الفعال لما يريد ولكن لا يريد أن يفعل إلا ما [هو] خير ومصلحة ورحمة وحكمة، فلا يفعل الشر ولا الفساد ولا الجور ولا خلاف مقتضى حكمته، لكمال أسمائه وصفاته، وهو الغنى الحميد العليم الحكيم. -انتهى كلام ابن القيم- - منقول من المكتبة الشاملة -










رد مع اقتباس