منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الأدب العربي في صدر الإسلام والعصر الأموي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-11-12, 13:21   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
kasa28dz
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية kasa28dz
 

 

 
إحصائية العضو










Mh51 تابع

الخطابة والمناظرات:

ضروب الخطابة في العصر الأموي: عرف العصر الأموي أنواع الخطابة التي كانت شائعة في صدر الإسلام، إضافة إلى أنواع جديدة أوجدها تطور الحياة الفكرية والأحداث السياسية والاجتماعية وظهور الفرق الدينية والكلامية.
وفي مقدمة الأنواع الخطابية التي ازدهرت عصرئذ الخطابة السياسية، وقد توافرت جملة من العوامل لازدهارها من ذلك الصراع على الحكم، فإن استئثار بني أمية بالحكم وجعله وراثياً بعد أن كان شورياً أثارا معارضة عنيفة من قبل فئات سياسية مناوئة للحكم الأموي وأبرزها: الحزب الخارجي، الحزب الشيعي،والحزب الزبيري، فضلاً عن نشوب ثورات تتوخى القضاء على الحكم الأموي كثورة ابن الأشعث وثورة ابن المهلب.
أدت وفرة الأحداث والصراع بين الأحزاب السياسية إلى ازدهار الخطابة السياسية ازدهاراً لم تشهد نظيره في أي من العصور، إذ كان لها الشأن الأول في استمالة الأنصار ومقارعة الخصوم وإرهاب الثائرين وتشجيع المناضلين وعرض حجج كل من الأحزاب المصطرعة ومناظرة أعدائهم.
ويتصل بالخطابة السياسية الخطب الحربية، فقد استدعت حركة الفتح الإسلامي التي بلغت مداها الأقصى في عصر بني أمية وجود خطباء يذكون وقد الحماسة في نفوس المقاتلة ويحضونهم على مجاهدة أعدائهم. وكان قادة الجيوش في الغالب ممن يجيدون الخطابة، ومن هذا القبيل خطبة طارق بن زياد يوم فتح الأندلس، وخطب ولاة خراسان في تحريضهم الجند على القتال إبان الفتوح فيما وراء النهر كخطب قتيبة بن مسلم ويزيد بن المهلب وأسد بن عبد الله القسري وغيرهم.
وثمة ضرب من هذه الخطب تختلط فيه المعاني السياسية بالمعاني الدينية هو القصص. فكان القصاص يرافقون الجيوش الغازية ويثيرون الحمية في النفوس عن طريق التمثل بالآيات القرآنية التي تحث على الجهاد وتذكير المجاهدين بما ينتظرهم عند الله من الثواب العظيم وربما استعانوا بأخبار فرسان العرب القدامى لتحقيق هذه الغاية.
والضرب الثاني من الخطابة هو الخطابة الدينية، وقد نالت هذه الخطابة حظاً وافراً من الازدهار والنماء في عصر بني أمية وإن لم تضارع الخطابة السياسية. ومرد ازدهارها إلى دواع شتى منها ظهور الفرق الدينية، وقد اكتسى حزبا الخوارج والشيعة مع الزمن ثوباً دينياً بعد أن كانا حزبين سياسيين. وهذه الفرق كانت تستعين بخطبائها في الدعوة إلى مبادئها والرد على خصومها، وكثيراً ما كانت المناظرات تقوم بين الفريقين المتنازعين.
ومما ساعد على نمو الخطابة الدينية كذلك حركة الزهد التي شهدها العصر الأموي، فقد ظهر في ذلك العصر جماعة من الزهاد وجهوا همهم إلى وعظ الناس وصدهم عن التهالك على ملاذّ الدنيا، وكان ظهور حركة الزهد رداً على انغماس عامة الناس في الشهوات، ولاسيما أولئك الذين أفاءت عليهم الفتوح أو التجارة المال الكثير. وكان في مقدمة الوعاظ الحسن البصري الذي نذر نفسه لهداية القوم وتزهيدهم في الدنيا الفانية بمواعظ بلغت الغاية في بلاغتها وقوة أثرها.
وإلى جانب القصاص الذين كانوا يرافقون الحملات الغازية لحث الجند على الاستبسال في القتال وجدت جماعة أخرى من القصاص تلازم المساجد وتقوم بسرد القصص الديني وتفسير القرآن الكريم تفسيراً ممزوجاً بقصص الأنبياء وأخبار الأمم القديمة، وكان بعضهم يجنح إلى المبالغة والتزيد كي يستميلوا الناس إلى قصصهم.
ويضاف إلى هذه الأنواع من الخطابة الدينية تلك الخطب التي كانت تلقى في المساجد أيام الجمع وفي الأعياد، وكان الوعظ غالباً على هذه الخطب إلا أنها لم تكن تخلو أحياناً من التعرض للجوانب السياسية.
وثمة خطب كان يلقيها الزهاد بين أيدي الخلفاء والولاة لتزهيدهم في الدنيا وقد أطلق عليها لفظ «المقامات».
ومن ألوان الخطابة الدينية أخيراً الخطب المتصلة بعقائد المتكلمين. وقد شهد العصر الأموي ظهور أوائل الفرق الكلامية المرجئة والقدرية والمعتزلة والجبرية، وكان لكل من هذه الفرق دعاتها الذين يروجون لعقائدها ويجادلون خصومها، وكثيراً ما كانت المناظرات تقوم بين هؤلاء، كل يدلي بحجته وأدلته، فارتقى بذلك فن المناظرة، وهو فن لم يعرفه العرب قبل، وفي حين كانت ضروب الخطابة الأخرى قوامها العناصر العاطفية كان قوام المناظرات العناصر العقلية المنطقية، وقد بلغ هذا الفن غايته في العصر العباسي.
والضرب الثالث من الخطابة هو الخطابة الحفلية. والمراد بالخطابة الحفلية الخطب التي كانت تلقى في المحافل والمجالس والأسواق لغرض من الأغراض المتصلة بالحياة الاجتماعية كالمفاخرة والتهنئة والتعزية والتكريم والشكوى وعقد النكاح وإصلاح ذات البين ونحو ذلك.
وقد حظيت هذه الخطب بقسط وفر من النماء والارتقاء في العصر الأموي لتوافر دواعيها، فكانت الوفود تقدم على الولاة والخلفاء ويقوم خطباؤها فيلقون الخطب بين يدي الوالي والخليفة في الغرض الذي قدموا من أجله. وربما اجتمع في مجلس واحد خطباء من قبائل شتى فيجري بينهم التفاخر بقبائلهم والإشادة بمآثرها. وقد شهد العصر الأموي استعار نار العصبية القبلية على نحو لم تعرفه العصور السابقة وأدى استعارها إلى نمو الشعر القبلي واتساع نطاقه من جانب وإلى كثرة المفاخرات القبلية من جانب آخر، ولاسيما بين خطباء العدنانية والقحطانية.
ومما يلفت النظر في ذلك انتقال مراكز النشاط الأدبي من البوادي إلى الحواضر والأمصار المحدثة التي ازدحمت بأفواج المهاجرين إليها من شتى قبائل العرب، فأدى ذلك إلى وقوع المفاخرات بين خطباء تلك القبائل في تلك الحواضر فضلاً عما قام بين شعرائها من مناقضات.
وقد ظلت الخطابة الحفلية التي كانت معروفة من قبل قائمة في العصر الأموي كخطب الإملاك وخطب إصلاح ذات البين وخطب التعزية وغيرها.
خصائص الخطابة في العصر الأموي: كان الخطباء الأمويون يعنون بتجويد خطبهم وتحبيرها وتنميقها حتى تأتي في الصورة التي يرتضونها ولم يكونوا يرسلون الكلام عفواً على البديهة - صنيع الجاهليين - وقد أثر عن البعيث الخطيب الشاعر قوله: «إنّي والله ما أرسل الكلام قضيباً خشبياً وما أريد أن أخطب يوم الحفل إلا بالبائت المحكك».
وكان من ثمرة هذا التنقيح أن جاءت خطب العصر الأموي منسقة الأفكار، مرتبة الأقسام، محكمة التسلسل. وتظهر هذه السمات على نحو جلي في خطبة زياد التي قالها يوم قدم البصرة.
وكان من خطباء العصر الأموي من تعمد محاكاة أهل البادية في جزالة أسلوبهم وبداوة ألفاظهم. ويظهر الطابع البدوي في خطب الحجاج خاصة. على أن أسلوب الخطابة الأموية كان يتفاوت بتفاوت أغراضها وموضوعاتها.
وقد ظلت خصائص الخطابة التي وجدت في خطب صدر الإسلام قائمة في الخطب الأموية، ومن ذلك استهلال الخطبة بذكر اسم الله وحمده وإلا كانت بتراء وتوشيحها بآي من القرآن الكريم وإلا كانت شوهاء، وقد يتمثل الخطيب بشيء من الشعر أو الرجز.
وربما وقع السجع في طائفة من الخطب الأموية ولكن الخطباء ما كانوا يسرفون في الإتيان به كراهية محاكاة سجع الكهان، وكان النبي e وخلفاؤه يوصون الخطباء بتحامي هذا السجع.
وحين ظهرت الفرق الكلامية برزت الحاجة إلى تعليم أتباع كل فرقة أصول الخطابة ووسائل الإقناع وتدريبهم على محاجة خصومهم بالبراهين والأدلة العقلية، وظهر صدى ذلك في خطبهم ومناظراتهم من حيث خصب الأفكار وتنسيقها وعمقها واستنادها إلى المنطق وأصول الجدل.
وفي الوسع القول إن فن الخطابة لم يبلغ في أي عصر من العصور ما بلغه في العصر الأموي من النماء والنضج.









رد مع اقتباس