منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - لكم موسوعة أعلام الجزائر..*
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-09-15, 18:22   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
أمين المستغانمي
عضو متألق
 
الصورة الرمزية أمين المستغانمي
 

 

 
الأوسمة
الوسام الفضي لقسم الأسرة و المجتمع 
إحصائية العضو










افتراضي

موسوعة أعلام الجزائر

4 - الإمام الجليل العالم الفذ عبد الحميد بن باديس الجزائري
الجزء الثاني



رحلته إلى الحجاز و بعض العواصم العربية

سافر الإمام الجليل عبد الحميد بن باديس عام 1913 في رحلة طويلة امتدت إلى الحجاز و منه إلى الشام ومصر، لأداء فريضة الحج وزيارة بعض العواصم للاتصال بعلمائها والاطلاع على ما يجري بها ،معتبرا هذه الرحلة تتمة للدراسة.
وبعد أداء مناسك الحج والعمرة زار المدينة المنورة وأقام بها، وفي أثناء إقامته بها لقي أستاذه الأول الذي درس عليه في مدينة قسنطينة (فضيلة الشيخ حمدان الونيسي الجزائري) الذي هاجر إلى المدينة المنورة وأقام بها، وتعرف على بعض العلماء ومن رفقاء أستاذه مثل : الشيخ الجليل حسين أحمد الفيض أبادي الهندي، والشيخ الجليل الوزير التونسي، وألقى بحضورهم درسا في الحرم النبوي الشريف، فأعجبوا به إعجابا شديدا مما لفت الأنظار إليه.
وفي هذه الأثناء أبدى رغبته في البقاء بالمدينة المنورة إلى جوار أستاذه (فضيلة الشيخ الجليل الونيسي) فرحب الأستاذ بهذه الفكرة ورغبه فيها، لما يعرف من أوضاع بلده. لكن فضيلة الشيخ حسين أحمد الهندي لم يوافقه على ذلك، بل نصحه بضرورة العودة إلى وطنه لخدمة بلاده ومحاولة إنقاذها مما هي فيه، بما توسم فيه من حزم وعزم وصلاح، قائلا له :إرجع إلى وطنك يا بني فهو بحاجة إليك وإلى أمثالك، فالعلماء هنا كثيرون، يغنون عنك، ولكنهم في وطنك وفي مستوى وطنيتك وعلمك قليلون بسبب الهمجية الفرنسية التي تحارب الدين واللغة وخدمة الإسلام في بلادك أجدر لك وأنفع لها من بقائك هنا. فاقتنع الشاب عبد الحميد بن باديس بوجهة نظر هذا الشيخ الجليل، وقبل نصيحته وقرر الرجوع إلى الوطن، عند ذاك حذره أستاذه (فضيلة الشيخ الونيسي) من أن يكون عبدا للوظيفة، لأنه تأكد أن الحكومة ستعرض عليه الوظائف، قال له ناصحا (أحذر أن تقبل الوظيفة الحكومية، فهي قيد لك، يحدّ من نشاطك... وأخذ عليه عهدا أن لا يقبل الوظيفة، ولا الوظيفة، ولا يتخذ علمه سلما للأغراض المادية والأطماع الدنيوية.) فعاهده تلميذه على ذلك، ووفى بهذا العهد .
و قد حرص فضيلة الإمام عبد الحميد بن باديس في هذه الرحلة على الاتصال بالمفكرين والعلماء للتحاور معهم والاطلاع على أحوال المسلمين ومقارنتها بأحوال بلاده، ودفعه هذا الاتصال إلى التفاعل مع الحركة الإصلاحية التي انتشرت على يد الإمام محمد عبده تلميذ العالم الجليل والمصلح الكبير جمال الدين الأفغاني و تلميذهما رشيد رضا، متأثرين جميعهم بزعيم المصلحين جمال الدين الأفغاني وبالحركة السلفية التي انتشرت في الحجاز، وخلال الفترة التي قضاها في المدينة المنورة تعرف إلى شاب جزائري في مثل سنه عالم وأديب، هو الشيخ العالم الجليل محمد البشير الإبراهيمي المقيم مع والديه في المدينة المنورة، أقام معه مدة تعارفا فيها وتحاورا معا في شأن الخطة الإصلاحية التي يجب أن تضبط لعلاج الأوضاع المتردية في الجزائر، واتفقا على خدمة بلادهما متى عادا إليها .
" وقد ذكر الشيخ الجليل الإمام الكبير محمد البشير الإبراهيمي أنهما لم يفترقا مدة إقامة الإمام عبد الحميد بن باديس بالحجاز، فكانا يقضيان الليل كله يحللان أوضاع الجزائر، و يحددان شروط و وسائل نهضتها ".
ولم يكن أيّ منهما يدري أن هذا اللقاء الذي تم خارج الوطن ستكون له ثمار طيبة وسيصبح هذا العالم الشاب المهاجر إلى المدينة المنورة رفيق دربه في الكفاح و النضال بعد الرجوع إلى الوطن في العشرينات، وخاصة بعد تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي اشتركا في تكوينها، والسير في الطريق الذي رسماه لها.

الرجوع من الحج



وفي طريق عودته من الحجاز عرّج على الشام (دمشق وبيروت) وعلى مصر (الاسكندرية والقاهرة) وتذاكر مع من اتصل بهم من العلماء والمفكرين, في شؤون الإسلام والمسلمين.
هكذا استطاع أن يلم بأطراف من العالم العربي, ليعرف ما فيه, زيادة عما كان يعرفه في الجزائر وتونس, ولقي في الاسكندرية كبير علمائها الشيخ الجليل أبا الفضل الجيزاوي الذي أصبح من بعد شيخا للأزهر, فتعارفا وتذاكرا وأجازه, وفي القاهرة لقي مفتي الديار المصرية, الشيخ الجليل محمد بخيث المطيعي, رفيق الشيخ الجليل محمد عبده, والمدافع عن فكرته بعد وفاته, وكان الشيخ الجليل عبد الحميد بن باديس يحمل للشيخ رسالة من أستاذه فضيلة الشيخ الجليل الونيسي فأحسن استقباله, ودعاه إلى زيارته في منزله بحلوان القريبة من القاهرة.

التجول في القطر الجزائري



لم يكن يكتفي بالدروس التي كان يقدمها أو يشرف عليها، بل كان يقوم في العطلة الصيفية، وفي أيام الراحة الأسبوعية بجولات استطلاعية في القطر الجزائري يتعرف فيها على أحوال البلاد والعباد، ويلقى الدروس في المساجد و الزوايا الجزائرية، وحيثما تيسر له، ويعلن عن نشاطه التربوي، وعن الدروس العلمية التي يتلقاها الطلبة في مدينة قسنطينة حتى يبين الفائدة المرجوة منها لمن يشاء الالتحاق بها، ويطلب من شيوخ الزوايا الذين يحضرون دروسه ومحاضراته أن يرسلوا أبناءهم وطلابهم للتعلم عليه في مدينة قسنطينة، هكذا وبهذا الأسلوب الإعلامي تنامى عدد طلابه من مختلف جهات الوطن الجزائري الحبيب، وخاصة عمالة قسنطينة، وأصبحوا يفدون على الجامع الأخضر، وعلى دروس الشيخ الجليل الإمام عبد الحميد بن باديس في مختلف المواد.
وقسم الطلاب إلى أربع طبقات حسب مستوياتهم، والذين ينهون دراستهم عنده يوجه القادرين منهم لإتمام دراستهم في تونس بجامع الزيتونة، واستمر عمله هذا بهدوء وصبر وحكمة طوال فترة الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، ظل يعلم ويربي الصغار والكبار، يعظ ويرشد العامة والخاصة، ويوقظ الهمم وينشر الوعي، ويدعوه إلى الصالح العام، مخطط رسمه في ذهنه وطبقه في الواقع، وكان من طلائع طلابه النبغاء : مبارك الميلي والسعيد الزاهري، والهادي السنوسي، و محمد بن العابد والسعيد الزموشي، وابن عتيق، والفضيل الورتلاني، وآخرون كثيرون منهم من اكتفى بما تعلمه عليه، ومنهم من واصل دراسته في الزيتونة حتى شهادة التطويع.

مباشرته للتدريس:

عاد إلى قسنطينة ورابط بمسجد سيدي قموش يقضي بياض يومه في تعليم الشبان مبادئ العلوم والإسلام الصحيح، ويوجههم التوجيه الحسن. وعند إقبال الليل يلتفت إلى الكهول والشيوخ الملتفين حوله بالجامع الأخضر يدعوهم إلى الله على بصيرة ويذكرهم بأيام الله. فكانت مجالس دروسه كثيرة الزحام، تخرجت عليه طبقة من العلماء والأدباء امتازوا بعمق التفكير وصدق التعبير فكانوا بحق رواد النهضة الجزائرية في العلم والأدب والوطنية.

اشتغاله بالصحافة:

كان من مؤسسي جريدة النجاح، ثم تخلى عنها، وأسس سنة 1925 جريدة المنتقِد، وتولى رئاسة تحريرها وأسند إدارتها للشهيد أحمد بوشمال، وكان من كتابها الشيخ مبارك الميلي، والشيخ الطيب العقبي، رحمهما الله، وقد نشرت في عددها السادس مقالاً للميلي تحت عنوان «العقل الجزائري في خطر»، كما نشرت في عددها الثامن قصيدة للعقبي تحت عنوان «إلى الدين الخالص» ومثل هذه القصيدة وذلك المقال يعد جراءة كبرى في ذلك العهد لتناولهما العادات المألوفة بالنقد والتجريح. وسارت على خطتها حتى عُطلت بقرار بعدما برز منها ثمانية عشر عدداً؛ فأصدر بعد ذلك جريدة الشهاب على خطة المنتقد ومباديه، فلاقت في سبيل ذلك ما لاقت من العناء والصعوبات قلم تلن قناتها لغامز، وتحالفت قوى الرجعية وكل هامز لامز على عبد الحميد حتى أصبح مهدداً في حياته.

عبد الحميد ونادي الترقي:

في سنة 1927 أسس السادةُ الحاج مماد المنصالي ، محمود بن ونيش ، عمر الموهوب ، أحمد توفيق المدني ، وبعض الإخوان نادي الترقي ، فكان النادي ملتقى النخبة المفكرة سواء من كان منهم مقيماً بالعاصمة أو من كان وافداً عليها من الخارج. وكانت تلقى فيه المحاضرات والمسامرات ، وتقام فيه الحفلات ، فكان عبد الحميد كلما جاء إلى الجزائر يحاضر فيه أو يسامر أو يجمتع فيه بالشباب الناهض المتوثب من طلبة العلم والمفكرين ، فكان النادي بذرة صالحة للنهضة الجزائرية.
ولقد تكونت لجنة تحضيرية فيه انبثقت عنها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، وكان كاتب اللجنة الشيخ أحمد توفيق المدني ورئيسها السيد عمر إسماعيل رحمه الله.










رد مع اقتباس