منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الدساتير العربية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-10-23, 09:19   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










M001 الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الدساتير العربية

مقدمة:-
تمثل الحقوق والحريات ذات المضمون الاقتصادي والاجتماعي الجيل الثاني من قائمة الحقوق والحريات التي نصت عليها المواثيق والإعلانات والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وذلك باعتبار أن الحقوق والحريات ذات المضمون السياسي والمدني تمثل الجيل الأول في هذا الخصوص.
وإذا كانت الدساتير المكتوبة الأولى قد أغفلت إلى حد ما الإشارة إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على نحو مباشر، إلا أن هذا الإغفال لم يقدر له أن يستمر مع اهتزاز أركان المذاهب الفردية، واتساع الدور السياسي الذي أضحت تلعبه الطبقات العاملة، فضلا عن انتشار المذاهب الاشتراكية التي نادت بضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، ومن ثم ضرورة قيام الدولة بدور لتحقيقها. ومن هنا لم يكن غريبا أن تشير الدساتير اللاحقة، وبصفة خاصة تلك التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى سواء في أوربا الغربية أو الشرقية أو غيرها من بقاع العالم، لم يكن غريبا أن تشير إلى الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية للأفراد. مثال ذلك الدستور الألماني الصادر في عام 1919، والدستور الأسباني الصادر في عام 1931، والدستور السوفيتي الصادر في عام 1936، والدستور الإيطالي الصادر في عام 1947، والدستور البولندي الصادر في عام 1952، والدستور الصيني الصادر في عام 1954، والتي أمنت جميعها حقوقا اقتصادية واجتماعية مثل حق العمل، وحق الملكية، وحق التعليم، والحق في الرعاية الصحية، وغيرها من الحقوق بما يحقق للإنسان حياة كريمة ولائقة.
ولما كانت معظم الدساتير العربية الحالية قد صدرت في أعقاب ذلك، فقد تضمنت قدرا كبيرا من حقوق وحريات الإنسان المنصوص عليها في المواثيق والأعراف الدولية بصفة عامة، والعهدين الدوليين للحقوق والحريات السياسية والمدنية والحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية بصفة خاصة، وإن اختلفت في ذلك القدر وفي مستوى الضمانات التي قدمتها من دستور إلى آخر.
يثير ذلك في واقع الأمر العديد من التساؤلات: ما هي الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية التي تضمنتها الدساتير العربية؟ وكيف عبرت النصوص الواردة في هذه الدساتير عنها؟ إلى أي حد تختلف الدساتير العربية عن بعضها البعض في هذا الخصوص؟ ما هي الضمانات التي قدمتها الدساتير العربية لحماية مثل هذه الحقوق والحريات؟ إلى أي حد تتفق تلك النصوص وتلك الضمانات الواردة في الدساتير العربية مع نظيراتها الواردة في المواثيق والعهود الدولية، وكذا في دساتير البلدان المتقدمة؟
تهدف هذه الورقة البحثية إلى الإجابة على التساؤلات المثارة عاليه، وما قد يرتبط بها من تساؤلات، بغية الوقوف على واقع الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية في الدساتير العربية، وكذا الضمانات التي قدمتها بهذا الخصوص.
وعليه، تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة أجزاء رئيسية: يحاول أولها التعريف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية كما عبرت عنها المواثيق والإعلانات والعهود الدولية. ويحاول ثانيها الوقوف على واقع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كما نصت عليها الدساتير العربية الراهنة. ويعرض الجزء الثالث لضمانات حماية الحقوق والحريات الاجتماعية والاقتصادية في الدساتير العربية. هذا وسوف يتم تناول الجزأين الثاني والثالث في إطار مقارن على مستويين: الأول بسيط، وتجرى فيه المقارنة بين دساتير الدول العربية وبعضها البعض. أما المستوى الثاني فمركب، حيث ستجرى المقارنة بين دساتير الدول العربية فيما يتعلق بالحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية في إطار ما ورد بصددها في المواثيق والإعلانات والعهود الدولية، وفي دساتير بعض البلدان المتقدمة.
(1)
التعريف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية
يتمثل الهدف الرئيسي من وراء إقرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تحقيق العدالة الاجتماعية، والتأمين ضد المرض والفقر والعجز عن العمل، والتخلص من البطالة، وتهيئة فرص العمل اللائق للأفراد. وهو ما دفع الكثير من البلدان المتقدمة والنامية على السواء إلى النص على هذه الحقوق في دساتيرها وإحاطتها بالرعاية.
وعلى الرغم من أهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه من الملاحظ أن الاهتمام بها من الناحية القانونية والعملية قد جاء متأخرا، على العكس من الاهتمام بالحقوق السياسية والمدنية على الرغم من أن الحقوق الأولى هي التي تعطي لهذه الأخيرة مضمونها ومحتواها، وذلك باعتبار أن الاعتراف للأفراد بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية من شأنه أن يحررهم من الهيمنة المادية لأية جهة، ويمكنهم من أن يعيشوا حياة كريمة ويؤدون دورهم في المجتمع على نحو أفضل. إذ أنه من المؤكد أن الإرادة السياسية للفرد سوف تكون أكثر حرية عندما يتحرر من مخاوف البطالة والجهل والمرض. كما أن حصول الأفراد على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يحقق لهم بطبيعة الحال المساواة الحقيقية لا النظرية التي يمكن أن تحققها لهم الحقوق والحريات السياسية والمدنية.
العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
على الرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948 قد نص على الكثير من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كمبادئ عامة، مثل حق العمل وحق الراحة، والحق في الضمان الاجتماعي، والحق في مستوى معيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية، والحق في التعليم على أن يكون بالمجان في مراحله الأولى، والحق في الاشتراك في الحياة الثقافية والاستمتاع بالفنون، والإسهام في التقدم العلمي والاستفادة من نتائجه، والحق في حماية المصالح الأدبية والمادية المترتبة على الإنتاج العلمي أو الأدبي أو الفني للفرد.(1)
وعلى الرغم أيضا من أن العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية الصادر في عام 1966 قد نص أيضا على بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مثل حق الأفراد في تكوين النقابات والانضمام إليها،(2) إلا أن الأمم المتحدة قد آثرت إصدار اتفاقية دولية منفصلة تنص على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وهو الأمر الذي أثمر عن العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي تضمن مجموعة من الحقوق والحريات على النحو التالي3)
- حق العمل، بما يتضمنه ذلك من الحق في التمتع بشروط عمل عادلة تكفل على وجه الخصوص أجورا ومكافآت عادلة ومتساوية عن الأعمال المتساوية دون تمييز. فضلاً عن الحق في ظروف عمل آمنة وصحية، وتحديد ساعات العمل بما يسمح بتوفير أوقات مناسبة للفراغ والراحة، وبما يكفل للأفراد العاملين وأسرهم حياة كريمة ولائقة. (المادتين السادسة والسابعة)
- كما نص في المادة الثامنة على الحق في تشكيل النقابات والانضمام إليها وحق الإضراب، وفي المادة التاسعة على الحق في الضمان الاجتماعي.
- كما نص في المادة العاشرة منه على حماية الأسرة، وذلك من خلال رعاية الأمومة والطفولة.
- كما نص في المادة الحادية عشرة على الحق في مستوى معيشي لائق لكل الأفراد وأسرهم، بما يتضمنه ذلك من ضرورة توفير الغذاء والملبس والمسكن المناسب، والعمل على تحسين مستوى معيشة الفرد بصورة مستمرة.
- الحق في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية (المادة الثانية عشرة).
- الحق في التعليم والثقافة (المادة الثالثة عشرة). كما نص في المادة الرابعة عشرة على مجانية التعليم في مراحله الأولى.
- كما نص في المادة الخامسة عشرة على حق الفرد في المشاركة في الحياة الثقافية، وفي التمتع بمنافع التقدم العلمي وتطبيقاته، وفي الانتفاع بحماية المصالح المادية والأدبية الناتجة عن الأعمال العلمية والفنية والأدبية.
غير أنه تجدر الإشارة هنا إلى أن طبيعة الالتزامات القانونية الناشئة عن الحقوق والحريات الواردة في هذا العهد لا تعدو أن تكون مجرد مناشدة للدول الموقعة عليه للعمل ما في وسعها لتضمين هذه الحقوق والحريات في دساتيرها حتى يتسنى لمواطنيها أن يتمتعوا بمستوى معيشي لائق. ولعله من المفهوم هنا أن التزام الدول لا يعنى بحال من الأحوال أن مواطنيها سوف يتمتعون فعلا بهذه الحقوق، إذ أن ذلك رهن بتمتع هذه الدول ذاتها بقدرات وإمكانيات تسمح لها بالوفاء بالحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا العهد. كما أنه من المفهوم أيضا أنه ليس باستطاعة كافة الدول الموقعة الوفاء بالالتزامات المترتبة على النص على مثل هذه الحقوق والحريات في دساتيرها على نحو متساو نظرا لتباين إمكانياتها وقدراتها الاقتصادية.(4)
من الواضح أن هذه المجموعة من الحقوق والحريات تختلف في خصائصها عن الحقوق والحريات السياسية والمدنية الأمر الذي لاشك له تأثيره على القيمة الفعلية لكل منها. ويمكن التحديد بأربعة اختلافات جوهرية بين هاتين المجموعتين من الحقوق والحريات نلخصها فيما يلي:
أولاً:- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تتطلب عملا ً إيجابياً:-
على العكس من الحقوق والحريات السياسية والمدنية، فإنه لا يكفي النص على الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية في دساتير الدول، بل لابد من قيام الدول بعمل إيجابي بغية الوفاء بها. بعبارة أخرى، تفرض الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية على الدول القيام بأعمال من شأنها تقديم العون للمواطنين في حياتهم على مختلف الأصعدة، في الوقت الذي لا تفرض فيه الحقوق والحريات السياسية والمدنية عليها سوى التزاما سلبيا تمتنع بمقتضاه عن القيام بأية أعمال يمكن أن تحول بين المواطنين وبين ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية. وعليه يمكن القول بأن الالتزامات الواقعة على الدول فيما يتعلق بالحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية هي التزامات إيجابية، بما يعنيه ذلك من ضرورة بذل الدول لجهود معينة حتى تكفل للمواطنين فرص عمل مناسبة، فضلا عن توفير المسكن والغذاء والكساء والتعليم والرعاية الصحية المناسبة إلى غير ذلك من المتطلبات اللازمة للحياة الكريمة واللائقة لمواطنيها. وهو ما يفيد بأن للأفراد الحق في مطالبة السلطات الحاكمة بأن تقدم لهم يد العون والمساعدة، وأن توفر لهم كل ما هم بحاجة إليه لكي يعيشوا حياة لائقة وكريمة. أما الالتزامات الواقعة على الدول فيما يتعلق بالحقوق والحريات السياسية والمدنية فهي لا تعدو أن تكون التزامات سلبية تفرض عليها ألا تضع العراقيل أمام المواطنين وتحول بينهم وبين تحقيقها. وهو ما يفيد بأنه ليس للأفراد الحق في مطالبة السلطات الحاكمة سوى بأن تخلو بينهم وبين ممارسة حقوقهم وحرياتهم السياسية والمدنية.(5)
ثانياً:- العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وثيقة منشئة:-
يختلف الوضع بالنسبة للنصوص الدستورية التي تتناول الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية عنه بالنسبة لتلك التي تتناول الحقوق والحريات السياسية والمدنية. فبينما تتضمن الأخيرة تقريرا لحالة واقعية، لا تمثل الأخيرة سوى رسما لبرامج يمكن للدول أن تهتدي بها مستقبلا، بما يعنيه ذلك من ارتباط الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بما يجب أن يكون في الوقت الذي ترتبط فيه الحقوق السياسية والمدنية بما هو كائن فعلا. بعبارة أخرى، الحرية بالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية هي حالة مستقبلية لا يتحقق المرجو منها إلا بقيام السلطات الحاكمة بعمل إيجابي، بينما هي بالنسبة للحقوق السياسية والمدنية حرية طبيعية لا تتطلب من السلطات الحاكمة سوى القيام بعمل سلبي - على نحو ما أسلفنا - يتمثل في الامتناع عن القيام بأي عمل من شأنه إعاقة تحقيقها بالنسبة للمواطنين.(6) وهو ما يفسر حقيقة أنه لم يكن هناك نية لدى بعض الدول – بما في ذلك بعض البلدان العربية - في الالتزام بوثيقة تنص على الوفاء بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باعتبار أنها قد لا تملك إمكانيات تنفيذها مما يمثل انتهاكا للوثيقة الدولية في حالة توقيعها عليها.(7) وعليه، يمكن القول بأن العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية لا يعدو أن يكون وثيقة كاشفة لحقوق قائمة ومعترف بها من قبل، ومن ثم فنهاك التزام فوري ومباشر من الدول الموقعة عليها بتحقيقها. أما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيمثل وثيقة منشئة لحقوق وحريات جديدة. ومن ثم فقد اعتبرت كثير من الدول أن التزامها بهذه الحقوق والحريات لا يعتبر التزاما مباشرا بتوفيرها على الفور، بل التزام فقط ببرامج معينة يمكنها أن توفر تلك الحقوق والحريات على نحو تدريجي وفقاً لإمكانيات وموارد كل منها.(8)
ثالثاً:- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تفرض أعباءاً جديدة:-
هناك فارق جوهري آخر يتمثل في زيادة الأعباء الواقعة على كاهل الدول من جراء الالتزامات الإيجابية المترتبة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فمن المتوقع مع إقرار الدول بمثل هذه الحقوق والنص عليها في دساتيرها أن يؤثر ذلك على فلسفات وسياسات الحكم في هذه الدول، وكذا على الأوضاع المالية فيها نتيجة التوسع في الخدمات الاجتماعية المختلفة نظرا لتوجيه نفقاتها في اتجاه تحقيق فعلي لما أقرته من حقوق وحريات اقتصادية واجتماعية. ليس ذلك فحسب، بل فإن هناك أعباء أخرى تقع على كاهل الأفراد في الوقت ذاته نظرا لما قد تفرضه الدولة عليهم من التزامات حتى يتسنى لها تحقيق الأهداف المنشودة من وراء إقرارها للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. إذ أن ما يقع على كاهل الدولة من أعباء جديدة يجعلها تفرض بالضرورة التزامات جديدة على مواطنيها.(9)
رابعاً:- صعوبة الرقابة على الوفاء بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية:-
وهناك فارق جوهري رابع يترتب على إقرار الدول للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تميزها عن الحقوق السياسية والمدنية يتمثل في تباين فعالية الحريات المرتبطة بكل منها أمام القضاء. بعبارة أخرى، هناك تباين نوعي فيما يتعلق بالرقابة على الوفاء بالحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على عكس الحقوق والحريات السياسية والمدنية. فبينما يمكن للفرد رفع دعوى أمام القضاء إذا ما أدرك أن حقا من حقوقه السياسية والمدنية قد لحقه اعتداء ما مطالبا بوقف هذا الإعتداء، كما يحق له أن يطلب تعويضا عما يكون قد لحق به من أضرار من جراء هذا الاعتداء. بيد أن الأمر جد مختلف فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية على اعتبار أن التخلف عن أداء مثل هذه الحقوق لا يصلح أن يكون موضوعا لأية دعوى أمام القضاء على نحو ما هو عليه الوضع بالنسبة لانتهاك حقا من حقوقه السياسية والمدنية، وذلك لكون تحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بما يفرضه على الدولة من عمل إيجابي – على نحو ما بينا آنفاً – يتطلب أن تكون الدولة قادرة على أداء هذه الحقوق والوفاء بها. فمن المفهوم أن الدول تتباين في قدراتها وإمكانياتها، وما يتسنى تحقيقه لأي منها يظل قاصرا طالما أن هناك دائما ما هو أفضل.(10)
يتضح مما سبق أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هي مجموعة من الحقوق التي تخول للأفراد الحق في الحصول على خدمات أساسية من الدولة باعتبارها الجماعة السياسية التي يعيشون في كنفها، وهي تمثل الجيل الثاني من الحقوق، وتوصف أيضا بالإيجابية لأنها تركز على ضرورة بذل الجهد لتخليص الإنسان مما يعانيه من أحوال اقتصادية واجتماعية صعبة في تميزها عن الحقوق والحريات السياسية والمدنية التي توصف بالسلبية، باعتبار أنها لا ترتب على الدول سوى مجرد الامتناع عن وضع العقبات أو القيود التي تحول دون تحقيقها.
التساؤل حول واقع هذه الحقوق في الدساتير العربية ينقلنا إلى الجزء الثاني من هذه الدراسة. غير أنه من المهم قبل ذلك الإشارة إلى أربع ملاحظات على قدر كبير من الأهمية.
تتمثل أولى هذه الملاحظات في أن حقوق الإنسان تشكل كل واحد لا يتجزأ، بما يعنيه ذلك من أن هذه الحقوق بكافة صورها لا تعدو أن تكون منظومة واحدة ومتكاملة، وهو ما يعد أول الشروط الضرورية لإمكانية التمتع بها جميعا. ومن ثم فإن ما درجت عليه الأدبيات في هذا الخصوص من التمييز بين حقوق سياسية ومدنية وأخرى اقتصادية واجتماعية ليس سوى تعبير عن تطور هذه الحقوق في الفكر القانوني والسياسي كما عبرت عنه المواثيق والإعلانات والعهود الدولية. بعبارة أخرى، فإن الإشارة إلى الحقوق السياسية والمدنية باعتبارها تمثل الجيل الأول من الحقوق والحريات، وأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تمثل الجيل الثاني لا يعدو أن يكون تعبيرا عن تطور تاريخي في الاعتراف بهذه الحقوق والنص عليها في المواثيق والإعلانات والعهود الدولية، وكذا في دساتير الدول الأعضاء في المجتمع الدولي. وعليه، فمن غير الممكن القول بأولوية أي من هذه الحقوق والحريات على الأخرى، بل الصحيح أنها جميعا ذات أهمية متكافئة. وهو ما درجت عليه منظمة الأمم المتحدة، وأكده إعلان فيينا الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان في عام 1993، وإن لم يغفل هذا الأخير الإشارة إلى ضرورة مراعاة الخصوصيات الوطنية.(11)
وتتمثل الملاحظة الثانية في أن تصنيف حقوق الإنسان والتمييز بينها في نطاق الأدبيات المتعلقة بهذا الخصوص إلى حقوق سياسية ومدنية وأخرى اقتصادية واجتماعية إنما يرجع في المقام الأول إلى كون أن هناك معايير للتصنيف والتمييز لا أكثر ولا أقل. مثال ذلك التمييز وفقاً لمعيار طبيعة الحق أو محله الذي يشمله بحمايته. ومن ثم، فإن الفصل بينهما ليس مطلقا أو قاطعا، بل يمكن القول بان هناك تداخلا بين هاتين المجموعتين من الحقوق. وليس أدل على ذلك من ورود ذكر بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية مثل الحق في إنشاء النقابات والانضمام إليها، أو الحق في تولي المناصب العامة.(12)
أما الملاحظة الثالثة فتتمثل في أن هاتين المجموعتين من الحقوق: السياسية والمدنية من جانب، والاقتصادية والاجتماعية من جانب آخر باعتبارهما حقوقا للإنسان يجدان مصدرهما المشترك الأول في أصل نشأة الإنسان ذاته، أو ما يعرف في الفكر السياسي الغربي بالقانون الطبيعي. ومن ثم فإن تدخل المجتمع – سواء في ذلك على المستوى الدولي أو الوطني – لا يعد بحال من الأحوال بمثابة تقرير للحقوق الواردة في أي منهما، بل مجرد تنظيم لطريقة وأسلوب حمايتها.(13)
وتتمثل الملاحظة الرابعة والأخيرة في كون أن هناك في واقع الأمر قناعة لدى الكثيرين بوجود علاقة ارتباط جدلية بين الحقوق السياسية والمدنية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال، من المهم بالنسبة لأولئك المحرومين من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية أن يكون لهم الحق في الاحتجاج، خاصة إذا ما كان مرجع هذا الحرمان التوزيع غير المنصف لموارد البلاد وثرواتها، وإلا ما كان بمقدورهم الحصول على قدر عادل من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية،(14) بما يعنيه ذلك من أن التمتع بالحقوق السياسية والمدنية يقود إلى التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والعكس أيضا صحيح.
(2)
واقع الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية في الدساتير العربية
نص الدستور المصري الدائم والصادر في عام 1971 في الباب الأول منه على مجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحت عنوان المقومات الأساسية للمجتمع، عارضا في الفصل الأول من هذا الباب للمقومات الاجتماعية. فأورد في المادة الثامنة أن الدولة تكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين. وفي المادة التاسعة أن "الأسرة أساس المجتمع، ... وتحرص الدولة على الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد. ونص في المادة العاشرة على كفالة الدولة حماية الأمومة والطفولة، ورعاية النشء والشباب. كما نص في المادة الثالثة عشرة على أن "العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة، ويكون العاملون الممتازون محل تقدير الدولة والمجتمع". كما أورد في ذات المادة عدم جواز فرض أي عمل جبرا على المواطنين إلا بمقتضى ولأداء خدمة عامة وبمقابل عادل. كما أورد في المادة الرابعة عشرة أن "الوظائف العامة حق للمواطنين، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حمايتهم وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب. وأورد في ذات المادة أنه "لا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي غلا في الأحوال التي يحددها القانون. وأكد في المادة السادسة عشرة على كفالة الدولة للخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية، وعلى كفالة الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي، ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعا في المادة السابعة عشرة. كما أكد في المادة الثامنة عشرة على أن "التعليم حق تكفله الدولة، وهو إلزامي في المرحلة الابتدائية ... كما نص في المادة العشرون على أن التعليم في مؤسسات الدولة التعليمية مجاني في مراحله المختلفة.(15)
وتحت الفصل الثاني الذي حمل عنوان "المقومات الاقتصادية" نص الدستور المصري في المادة الرابعة والثلاثين على حرمة الملكية الخاصة، وعلى حظر فرض الحراسة عليها، إلا في الأحوال المبينة في القانون وبحكم قضائي، وعدم جواز نزعها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون. كما قرر في المادة السادسة والثلاثين على حظر مصادرة الأموال الخاصة إلا بحكم قضائي. وقرر في المادة الثالثة والأربعين على عدم جواز إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أي شخص بغير رضائه الحر. ونص في المادة السادسة والأربعين على كفالة الدولة لحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية. ونص في المادة التاسعة والأربعين على كفالة الدولة لحرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي للمواطنين، وعلى توفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك. وأكد في المادة الخمسون على عدم جواز حظر إقامة أي مواطن في جهة معينة، ولا إلزامه بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون، مضيفاً في المادة الواحدة والخمسين عدم جواز إبعاد أي مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها. كما نص في المواد من الرابعة والخمسين إلى السادسة والخمسين على حق الاجتماع للمواطنين شريطة أن يكون ذلك في هدوء ودون حمل سلاح، وحقهم في تكوين الجمعيات وإنشاء النقابات والاتحادات.(16)
وسار على نفس النهج تقريباً الدستور السوري الصادر في عام 1973، فقد نص فيما يتعلق بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية على حق الملكية في المادة الرابعة عشرة منه، مؤكداً في المادة الخامسة عشرة على عدم جواز نزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون. وأشار في المادة الخامسة والعشرون إلى كفالة الدولة لمبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين. ونص في المادة الثالثة والثلاثون على عدم جواز إبعاد المواطن عن أرض الوطن، وأن لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة إلا إذا منع من ذلك بحكم قضائي أو تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة. كما أكد على أن حرية الاعتقاد مصونة، وأن الدولة تحترم جميع الأديان.(17)
كذلك فقد أكد الدستور السوري في المادة السادسة والثلاثون على أن العمل حق لكل مواطن وواجب عليه، وأن الدولة تعمل على توفيره لجميع المواطنين، وأنه من حق كل مواطن أن يتقاضى أجره حسب نوعية العمل ومردوده، وأن على الدولة أن تكفل ذلك، وأن تحدد ساعات العمل، وتكفل الضمان الاجتماعي للعاملين، وتنظم لهم حق الراحة والإجازة. وأكد في المادة السابعة والثلاثون على أن التعليم حق الدولة، وهو مجاني في جميع مراحله وإلزامي في المرحلة الابتدائية. كما نص في المادة الرابعة والأربعون على أن الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية وأن الدولة تحميها وتحمي الزواج وتشجع عليه، وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تقف في طريقه، وأن الدولة تحمي الطفولة والأمومة وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم. كما أورد في المادة السادسة والأربعون أن الدولة تكفل كل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز واليتم والشيخوخة، وأن الدولة تحمي صحة المواطنين، وتوفر لهم وسائل الوقاية والمعالجة والتداوي. كما نص في المادة السابعة والأربعون على أن الدولة تكفل الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية.(18)
أما الدستور الأردني الصادر في عام 1952، فقد نص في المادة الخامسة على أن تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها، كما تكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين. كما نص في المادة التاسعة على عدم جواز إبعاد أي أردني من ديار المملكة، ولا إلزامه بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون، ونص في المادة الحادية عشرة على عدم جواز استملاك ملك أحد إلا للمنفعة العامة وفي مقابل تعويض عادل حسبما يعين في القانون. وعلى عدم مصادرة الأموال المنقولة أو غير المنقولة إلا بمقتضى القانون. كما أكد في المادة الثالثة عشرة على عدم جواز فرض التشغيل الإلزامي على أحد إلا بمقتضى القانون. وأشار في المادة الرابعة عشرة إلى أن الدولة تحمي حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية في المملكة ما لم تكن مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب. كما أشار في المادة السادسة عشرة إلى أن للأردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون، وكذا تأليف الجمعيات على أن تكون ذات نظم لا تخالف أحكام الدستور شريطة أن تراقب مواردها. ونص في المادة العشرين منه على أن "التعليم الإبتدائي إلزامي للأردنيين، وأنه مجاني في مدارس الحكومة. وأشار في المادة الثانية والعشرون إلى أن لكل أردني الحق في تولي المناصب العامة بالشروط المعينة بالقوانين والأنظمة. وأكد في المادة الثالثة والعشرون على أن العمل حق لجميع المواطنين، وأن على الدولة أن توفره للأردنيين، مشيرا في الوقت ذاته إلى واجب الدولة في حماية العمل وتوفيره لهم بأجور تتناسب مع كم العمل وكيفيته، كما تضع الدولة التشريعات التى تحدد ساعات العمل الأسبوعية، وتمنح العمال أيام راحة أسبوعية وسنوية مع الأجر، كما تقرر تعويضا خاصا للعمال المعيلين، وفي أحوال التسريح والمرض والعجز وإصابات العمل.(19)
ولم يألو الدستور الجزائري بدوره جهداً في النص على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فنص في المادة السادسة والثلاثون على أنه "لا مساس بحرمة حرية المعتقد، وفي المادة السابعة والثلاثون على أن حرية ممارسة التجارة والصناعة مضمونة، على أن تمارس في إطار القانون، كما نص في المادة الثامنة والثلاثون على حرية الابتكار الفكري والفني والعلمي، وفي المادة الواحدة والأربعين على حرية الاجتماع وإنشاء الجمعيات، وفي المادة الواحدة والخمسين على حق الملكية الخاصة، وعلى الحق في التعليم في المادة الثالثة والخمسين، وأنه مجاني وإجباري في مرحلة التعليم الأساسي، وعلى الحق في الرعاية الصحية في المادة الرابعة والخمسين، وعلى الحق في العمل في المادة الخامسة والخمسين، مشيراً إلى أن القانون يضمن الحق في الحماية والأمن والنظافة أثناء العمل، كما يضمن الحق في الراحة. كما يعترف في المادة السادسة والخمسين بالحق في إنشاء النقابات، وفي المادة السابعة والخمسين بالحق في الإضراب شريطة أن يمارس في إطار القانون الذي يمكن له أن يمنعه. كما نص أخيراً في المادة الثامنة والخمسين على أن الأسرة تحظى بحماية الدولة والمجتمع.(20)
وعلى الرغم من أن الدستور العراقي المؤقت قد أجمل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في مادة واحدة هي المادة الرابعة عشرة، والتي نصت على أن "للفرد الحق بالأمن والتعليم والعناية الصحية والضمان الاجتماعي، وعلى الدولة العراقية ووحداتها الحكومية وبضمنها الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية، بحدود مواردها ومع الأخذ بالاعتبار الحاجات الحيوية الأخرى أن تسعى لتوفير الرفاه وفرص العمل للشعب"، إلا أن الدستور العراقي الأخير الصادر في عام 2005 قد فصلها تفصيلاً، إذ حرم في المادة السابعة والثلاثين العمل القسري والعبودية وتجارة العبيد، والاتجار بالنساء والأطفال والاتجار بالجنس. كما أشار في المادة الثامنة والثلاثين على أن الدولة تكفل، وبما لا يخل بالنظام العام والآداب، حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، شريطة أن ينظم ذلك القانون. وفي المادة التاسعة والثلاثون على حرية تأسيس الجمعيات أو الانضمام إليها، على أن ينظم القانون ذلك. ونص في المادة الثالثة والأربعين على أن الدولة تكفل حرية العبادة وتحمي أماكنها، كما نص في المادة الرابعة والأربعين على أن "للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه"، وأنه "لا يجوز نفي العراقي أو إبعاده أو حرمانه من العودة إلى الوطن". كما أكد في المادة السادسة والأربعين على عدم جواز تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في الدستور أو تحديدها إلا بقانون، على ألا يمس ذلك التحديد جوهر الحق أو الحرية.(21)
أما الدستور اليمني فقد أكد في المادة الثالثة والخمسون منه على أن "التعليم حق للمواطنين جميعاً تكفله الدولة وفقاً للقانون بإنشاء مختلف المدارس والمؤسسات الثقافية والتربوية، وأن التعليم في المرحلة الأساسية إلزامي. وأكد في المادة الرابعة والخمسون على أن "الرعاية الصحية حق لجميع المواطنين، وتكفل الدولة هذا الحق بإنشاء مختلف المستشفيات والمؤسسات الصحية والتوسع فيها. كما نص في المادة الخامسة والخمسون على أن الدولة تكفل توفير الضمانات الاجتماعية للمواطنين كافة في حالات المرض أو العجز أو البطالة أو الشيخوخة أو فقدان العائل. كما أشار في المادة السادسة والخمسون إلى أن "حرية التنقل من مكان إلى آخر في الأراضي اليمنية مكفولة لكل مواطن، ولا يجوز تقييدها إلا فى الحالات التي يبينها القانون لمقتضيات أمن وسلامة المواطنين، مؤكداً على أن حرية الدخول والخروج من الأراضي اليمنية مكفولة وينظمها القانون، وأنه لا يجوز إبعاد أي مواطن عن الأراضي اليمنية أو منعه من العودة إليها. ونص في المادة الثامنة والخمسون على أن الدولة تضمن حق تكوين المنظمات النقابية والعلمية والثقافية والاجتماعية والاتحادات الوطنية، وأن عليها اتخاذ جميع الوسائل الضرورية التي تمكن المواطنين من ممارسة هذا الحق.(22)
أما الدستور المغربي الذي درج على تقسيم أبوابه إلى فصول، فقد نص في الفصل التاسع منه على أنه يضمن لجميع المواطنين حرية التجول وحرية الاستقرار بجميع أرجاء المملكة، وكذا حرية تأسيس الجمعيات والانخراط في أية منظمة نقابية حسب اختيارهم، وأنه من غير الممكن وضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون. كما نص في الفصل الثاني عشر على حق جميع المواطنين في تقلد الوظائف والمناصب العامة، وأنهم سواء فيما يتعلق بالشروط المطلوبة لنيلها، وفي الفصل الثالث عشر على أن "التربية والشغل حق للمواطنين على السواء"، وضمن في الفصل الرابع عشر حق الإضراب، على أن ينظم القانون شروطه وإجراءاته. كما أقر في الفصل الخامس عشر حق الملكية، على أن ينظم القانون مداها وممارستها إذ دعت إلى ذلك الضرورة.(23)
وعلى نفس النهج التنظيمي سار الدستور التونسي الذي أشار في الفصل الخامس منه إلى حرية المعتقد، وفي الفصل الثامن إلى ضمان الحق النقابي، وفي الفصل العاشر إلى أن لكل مواطن حرية التنقل داخل البلاد وإلى خارجها واختيار مقر إقامته في حدود القانون، وفي الفصل الحادي عشر إلى حجر تغريب المواطن عن تراب الوطن أو منعه من العودة إليه، وفي الفصل الرابع عشر إلى أن حق الملكية مضمون ويمارس في حدود القانون.(24)
أما الدستور الليبي فقد خصص في إطاره ما يعرف بالوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان، والتي ضمنها مجموعة من الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية ضمن غيرها من الحقوق والحريات. نصت الوثيقة في المادة الخامسة منها إلى أن الدين علاقة مباشرة مع الخالق دون وسيط ومحرم ادعاء احتكار الدين أو استغلاله في أي غرض. كما نص في المادة السادسة على أن "سلامة البدن حق لكل إنسان ويحظر إجراء التجارب العلمية على جسد إنسان حي إلا بتطوعه، وفي المادة التاسعة على أن المواطنين أحرار في إنشاء النقابات والاتحادات والروابط المهنية والاجتماعية والانضمام إليها لحماية مصالحهم، وفي المادة العاشرة على أن "كل مواطن حر في اختيار العمل الذي يناسبه بمفرده أو بالمشاركة مع غيره دون استغلال لجهد الغير ودون أن يلحق ضرراً ماديا أو معنوياً بالآخرين، وفي المادة الحادية عشرة أن "لكل مواطن الحق في التمتع بنتائج عمله ولا يجوز الاقتطاع من ناتج العمل إلا بمقدار ما يفرضه القانون للمساهمة في الأعباء العامة أو نظير ما يقدمه إليه المجتمع من خدمات، وفي المادة الثانية عشرة على أن "الملكية الخاصة مقدسة يحظر المساس بها إذا كانت ناتجة عن سبب مشروع ودون استغلال للآخرين ودون الإضرار بهم مادياً أو معنوياً، ويحظر استخدامها بشكل مناف للنظام والآداب العامة، وأنه لا يجوز نزع الملكية الخاصة إلا لأغراض المنفعة العامة ولقاء تعويض عادل، وفي المادة الثالثة عشرة أن "لكل مواطن حق في الانتفاع بالأرض طيلة حياته وحياة ورثته شغلاً وزراعة ورعياً لإشباع حاجاته في حدود جهده ودون استغلال للغير، ولا يجوز حرمانه من هذا الحق إلا إذا تسبب في إفساد تلك الأرض أو عطل استغلالها. كما أكد في المادة العشرون على أن "لكل مواطن وقت السلم حرية التنقل واختيار مكان إقامته وله مغادرة الجماهيرية العظمى والعودة إليها متى شاء"، وإن أجاز للمحكمة المختصة إصدار أوامر منع مؤقتة من مغادرة الجماهيرية العظمى. كما أكد في المادة الثانية والعشرون على أن "حرية الاختراع والابتكار والإبداع مكفولة في حدود النظام والآداب العامة ما لم تكن ضارة مادياً أو معنوياً". وفي المادة الثالثة والعشرون على أن "لكل مواطن الحق في التعليم والمعرفة واختيار العلم الذي يناسبه"، وفي المادة الرابعة والعشرون على أن "لكل مواطن ومواطنة الحق في تكوين أسرة أساسها عقد النكاح القائم على رضا الطرفين ولا ينحل إلا برضاهما أو بحكم من محكمة مختصة". كما نص في المادة التاسعة والعشرون على حظر استخدام الأطفال في مزاولة أعمال لا تناسب قدراتهم أو تعوق نموهم الطبيعي أو تلحق الضرر بأخلاقهم أو صحتهم سواء كان ذلك من طرف ذويهم أو غيرهم.(25)