منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الرؤية الصهيواميركية للثورات العربية على لسان كيسينجر
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-06-29, 11:38   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
سعيد1981
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

-تصنيف الخبر: تقارير
-تاريخ النشر: 2012/06/05 - 06:34 am
-المصدر: هنري كيسنجر

غالباً ما نتناول موضوع «الربيع العربي» من ناحية آفاقه الديموقراطية، وتستحوذ فكرة التدخل الخارجي بهدف تغيير نظام ما – أحدث مثال لهذا سورية – على جاذبية مماثلة في الأهمية مما يقلب مفاهيم النظام العالمي السائد اليوم.
كانت فكرة هذا النظام قد انبثقت عن معاهدة ويستفاليا عام 1648 التي أنهت حرباً استمرت 30 سنة كانت خلالها السلالات الحاكمة المتنافسة ترسل جيوشها عبر الحدود السياسية لفرض مبادئها ومعتقداتها الدينية المتضاربة على الآخرين. ويمكن القول إن هذه النسخة من فكرة تغيير النظام، التي سادت في القرن السابع عشر، أدت على الأرجح لقتل ثلث سكان وسط أوروبا.
لذا، ولمنع تكرار مثل هذه المجزرة، عملت معاهدة ويستفاليا على فصل السياسة الداخلية عن الدولية، وجرى اعتبار الدول المبنية من وحدات وطنية وثقافية دولاً ذات سيادة ضمن حدودها وتم تعريف السياسة الدولية بأنها تقتصر على تفاعل الدول فيما بينها في إطار حدودها القائمة. وكانت المفاهيم الجديدة الخاصة بالمصلحة الوطنية وتوازن القوة ترقى بنظر هؤلاء المؤسسين لدرجة تقييد لا توسيع دور القوة، وذلك بهدف منع تغيير معتقدات السكان بالقوة.
وبالطبع، عمدت الدبلوماسية الأوروبية فيما بعد الى نشر نظام ويستفاليا عبر العالم. وبالرغم من أن هذا النظام تأثر بحربين عالميتين ومجيء الشيوعية الدولية، تمكنت الدولة ذات السيادة من البقاء على نحو ما كوحدة أساسية للنظام الدولي.

الشرق الأوسط

بيد أن نظام ويستفاليا هذا لم يطبق بالكامل أبداً على الشرق الأوسط. وليس هناك إلا ثلاث دول في هذه المنطقة لها أسس تاريخية هي تركيا، مصر وإيران. أما حدود الدول الأخرى فقد برزت نتيجة لتقاسم غنائم انهيار الإمبراطورية العثمانية بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى دون أدنى اعتبار للانقسامات الطائفية والعرقية.
لذا، أصبحت هذه الحدود بعد ذلك سبباً لتحديات متكررة تكون أحياناً عسكرية.
ومن الواضح الآن ان الدبلوماسية التي ولّدها «ربيع العرب» بدّلت مبادئ التوازن بمبدأ التدخل الإنساني الذي يقوم على أساس مفهوم عام. وهكذا بات يتم النظر الى الصراعات المدنية من خلال الاعتبارات الديموقراطية أو الطائفية، وباتت القوى الخارجية تطالب الحكومات الداخلية في بعض البلدان بالتفاوض مع خصومها بهدف نقل السلطة.
لكن لما كانت مثل هذه المطالب تتعلق بمسألة البقاء، كان لابد أن تقع عندئذ على آذان صماء. وحينما يكون الطرفان – الحكومة والمعارضة – متكافئين في القوة تقريباً، يبدأ التفكير بنوع ما من التدخل الخارجي – قد يكون عسكرياً أيضاً – لحل الأزمة المستعصية.
ومن الملاحظ أن هذا الشكل من التدخل الإنساني يميز نفسه عن السياسة الخارجية التقليدية بالابتعاد عن اعتبارات المصلحة الذاتية أو الوطنية المرفوضة عادة لافتقارها الى البُعد الأخلاقي. وهو يبرر نفسه أيضاً ليس بالتغلب على تهديد استراتيجي ما بل بعمله على تغيير الظروف والأوضاع التي تشكل انتهاكاً لمبادئ الحكم العالمية العامة.

أسئلة كبيرة

لكن لو تبنيناه كمبدأ في السياسة الخارجية سوف يثير هذا الشكل من التدخل أسئلة أكبر أمام استراتيجية الولايات المتحدة.
إذ هل ينبغي على أمريكا أن تعتبر نفسها ملتزمة بتأييد كل انتفاضة شعبية ضد أي حكومة غير ديموقراطية بما فيها الدول التي تُعتبر مهمة في استمرار النظام الدولي؟
وفي هذا الإطار، هل تبقى المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، حليفاً فقط الى اللحظة التي تبدأ فيها المظاهرات الشعبية؟
وهل نحن على استعداد للتسليم بحق الدول الأخرى بالتدخل في أي مكان لأسباب دينية أو عرقية؟
كما علينا أن نتذكر أيضاً أن الحقائق الاستراتيجية التقليدية لم تتغير، فتغيير أي نظام لابد أن تتبعه عملية بناء الدولة، وإذا ما فشلت هذه العملية يبدأ عندئذ النظام الدولي نفسه بالتفكك، إذ ربما تهيمن المناطق الفارغة من السلطة والمتسيبة قانونياً على الخريطة أيضاً كما حدث من قبل في اليمن، الصومال، شمال مالي، ليبيا، شمال غرب باكستان وربما يحدث هنا بعد في سورية. وهنا نقول إن انهيار الدولة يمكن أن يحوّل أراضيها الى قاعدة للإرهاب أو لإمدادات السلاح الذي يتم استخدامه ضد الدول المجاورة.
في سورية ثمة تداخل بين دعوات التدخل الإنساني والاستراتيجي، ولاشك أن هذا البلد، الواقع في قلب العالم الإسلامي، ساعد في عهد بشار الأسد استراتيجية إيران في المشرق والبحر الأبيض المتوسط.
كما أيد حماس التي ترفض دولة إسرائيل، وساند حزب الله الذي يقوض تماسك ووحدة لبنان. ومن المؤكد أن للولايات المتحدة أسباباً استراتيجية وإنسانية تجعلها تفضل سقوط الأسد وتشجيع الدبلوماسية الدولية التي تعمل لهذا الهدف.
لكن لا ينبغي أن تكون كل مصلحة استراتيجية سبباً للحرب في النهاية إذ لو كان الأمر على هذا النحو لما بقي هناك مجال للدبلوماسية.

التزام جديد

على أي حال، عند دراسة احتمال استخدام القوة العسكرية يتعين التطرق لمسائل مهمة عدة. فاليوم مع اهتمام الولايات المتحدة بالتعجيل في الانسحاب من عمليات التدخل العسكري في العراق وأفغانستان، كيف يمكن أن تبرر الدخول في التزام عسكري جديد في المنطقة نفسها لاسيما أنها يمكن أن تواجه فيها تحديات مماثلة على الأرجح لما واجهته من قبل.
وهل يمكن للنهج الجديد هذا أن يحل مثل المعضلات التي واجهتها الجهود الأمريكية في العراق، وأفغانستان ثم انتهت بالانسحاب من هذين البلدين وبانقسام الرأي العام في أمريكا؟ أم أنه سيضاعف الصعوبات بسبب تعليق هيبة أمريكا وروحها المعنوية على عواقب داخلية في بلد لا تمتلك أمريكا فيه سوى القليل من الوسائل والتأثير لتشكيلها؟
ومن سيخلف القيادة المُبعدة، وماذا نعرف نحن عن القيادة الجديدة؟ وهل سيتحسن وضع حقوق الإنسان وحالة الأمن بعد سقوط النظام؟ أم أننا سنكرر تجربتنا مع طالبان التي سلحتها أمريكا بهدف محاربة الغزاة السوفييت لتشكل فيما بعد – طالبان – تحدياً أمنياً كبيراً لنا؟
من ناحية أخرى، ثمة فارق دقيق بين التدخل الاستراتيجي والتدخل الإنساني.
إذ لما كان التدخل الإنساني يتطلب، وفقاً لتحديد المجتمع الدولي، إجماعاً يصعب جداً عادة التوصل إليه، يصبح هذا الجهد عندئذ محدوداً بطبيعة الحال.
أما التدخل الأحادي الجانب أو الذي يستند الى تآلف الراغبين به، فإنه يواجه رفضاً عادة من جانب البلدان التي تخشى تطبيق هذه السياسة على أراضيها (كالصين وروسيا). ومن هنا، يصبح من الصعب تأمين التأييد الداخلي له.
كما يواجه مبدأ التدخل الإنساني خطر تعطله بين تحديد أهدافه المتفق عليها وبين القدرة على تنفيذها في حين يأتي التدخل الأحادي على حساب التأييد الدولي والداخلي.

شرطان مسبقان

ومهما يكن الأمر، ثمة شرطان مسبقان للقيام بالتدخل، سواء كان لأسباب إنسانية أو استراتيجية.
الأول أن يكون هناك إجماع حول الحكم أو السلطة بعد الإطاحة بالنظام القائم. فإذا اقتصر هدف التدخل فقط على عزل حاكم بعينه، يمكن أن تندلع بعدئذ حرب أهلية جديدة نتيجة للفراغ الناشئ، وذلك بسبب تنافس المجموعات المسلحة على السلطة، وقيام الدول الخارجية بتأييد مجموعات مختلفة منها.
ثانياً، يتعين أن يكون الهدف السياسي للتدخل واضحاً وممكن التحقيق في فترة زمنية معقولة داخلياً. وأنا أشك في انطباق هذه الشروط على المسألة السورية.
لذا، ليس بوسعنا الخروج من مهمة والدخول بأخرى ثم التورط عسكرياً في صراع غير واضح يتخذ أبعاداً طائفية على نحو متزايد. إن علينا عند الرد على مأساة إنسانية ما التزام الحرص كي لا تسهل حدوث أخرى. ففي غياب مبدأ استراتيجي واضح ومحدد لن يستطيع أي نظام عالمي لا يعبأ بالحدود، ويدمج الحرب الأهلية بالدولية، التقاط أنفاسه أبداً ومن ثم السير في طريقه الطبيعي.

هنري كيسنجر










رد مع اقتباس