منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التعديل الدستوري مذكرتي الخاصة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-10-23, 10:38   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










A7 تابع

المبحث الثالث: قيود التعديل الدستوري
إن لدراسة موضوع قيود التعديل الدستوري أهمية كبيرة، و يستلزم ذلك أن نميز بين السلطة التي تضع الدستور و التي تسمى السلطة التأسيسية الأصلية و هي سلطة غير مقيدة و السلطة التي تعدل الدستور (السلطة التأسيسية المنشأة). ثم نتطرق لقيود التعديل الوضعية و نقصد بها القيود المنصوص عليها في الدستور، و أخيرا نتناول القيود غير الوضعية.
و ينبغي أن نشير أن الرأي القائل باستمرار سلطة وضع الدستور يجعل من غير المفيد الحديث عن قيود لتعديل الدستور، لأن التمييز بين السلطتين هو الذي يسمح بالقول بوجود قيود لتعديل الدستور ترجع إلى اختلاف مصدر اختصاص كل منهما و مداه من جانب.
المطلب الأول: التمييز بين السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة
يمكن تعريف السلطة التأسيسية بصفة عامة، بأنها تلك السلطة التي تحوز اختصاص دستوري لوضع دستور جديد أو لإجراء تعديل لدستور موجود سلفا. و هذا التعريف العام يحمل في ثناياه تمييزا بين سلطة تأسيسية أصلية و سلطة تأسيسية منشأة، فالأولى هي التي لا تتقيد بأي شرط و تتدخل في ظروف الفراغ الدستوري لعدم خضوع سلطتها لمحددات و قيود سابقة، تتولى سن الدستور في ضوء ما تراه محققا لمصالح الوطن و المواطن، و هي أثناء قيامها بهذه المهمة تقرر بعض القيود الشكلية و الموضوعية، التي يمكن عن طريقها تغيير بعض قواعد الدستور التي تضعه، فهي تدرك أن الجمود و الاستقرار أمران متطلبان لأي دستور باعتباره أسمى قاعدة قانونية في الدولة، دون أن تهمل في الوقت نفسه ضرورة أن يساير الدستور التطور الزمني و ما يفرزه من متطلبات و حاجيات جديدة لم يستطع المشرع الدستوري التنبؤ بها لبعدها الزمني عن لحظة تدخلهم، فيقرر بالتالي إمكانية تغيير بعض نصوصه بشروط معينة، تجعل السلطة التي تتدخل لانجاز هذه المهمة باقية في ذات الإطار و الخط العام الذي سبق أن وضعه المشرع ووافق عليه الشعب.
و هذا يؤكد اختلاف السلطة التي تتدخل لتعديل الدستور عن السلطة التي وضعته فبالرغم من أن السلطتين تسنان قواعد دستورية تتمتع بذات القيمة القانونية، فان السلطة التي تضع الدستور تتمتع بالسمو من ناحيتين الأولى أنها تتدخل لوضع الدستور دون أن تخضع لشروط أو لقواعد مسبقة من ناحية، و الثانية أنها تقر مبدأ تعديل الدستور و تقرر الشروط التي على أساسها يمكن إدخال هذا التعديل من ناحية أخرى.
و للتمييز بين السلطتين الأصلية و المنشأة يستدعي البحث عن معيار يفرق بينهما بصورة دقيقة. و يمكن تصنيف الاجتهادات الفقهية بصدد هذه المسألة إلى اتجاهين كبيرين: اتجاه يستند إلى معيار شكلي و آخر يستند إلى معيار موضوعي و كل اتجاه ينطلق من الفلسفة و المفهوم الذي يعتنقه في تعريف كل من السلطتين.
الفرع الأول: المعيار الشكلي
يعد الفقيه كاريه دو مالبرج Carré De Malberg أول من قال بالمعيار الشكلي و له الفضل الأول في تقديم تصور واضح يؤدي إلى تمييز دقيق بين السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة، و يبدأ هذا الفقيه ببيان فكرته انطلاقا من التمييز الضروري بين وضع السلطة التأسيسية في حال الإعداد الأول لدستور الدولة و وضعها حيث تكون الدولة موجودة سلفا، و يرى أن السلطة الأولى لا يمكن أن تجد سندها في القانون، بل ترتد إلى مجرد الواقع، الذي لا يمكن أن يحكم، في مثل هذا الفرض، في ضوء مبادئ القانون الوضعي، في حين أن الأمر يختلف بالنسبة للسلطة التأسيسية في حالة الوجود السابق للدولة، حيث تعد سلطة يمكن إسنادها إلى النظام القانوني و تصنيفها، بالتالي كأحد مؤسسات الدولة الموصوفة بواسطة دستورها، و هذه المؤسسة قد تأخذ شكل لجنة خاصة منتخبة، تشكل لهذا الغرض، و قد تجد أصلها في تشكيلات حكومية منتخبة على سبيل المثال، و في كل الأحوال، فان هذه الجمعية التي تتولى الاختصاص الدستوري في هذه الحالة تجد أصلها في النظام القانوني كإحدى مؤسسات الدولة، على عكس الحال بالنسبة للسلطة التأسيسية التي تضع دستور للدولة نفسه.
و يقسم "مالبرج" بعد ذلك السلطة التأسيسية تبعا للظروف المصاحبة لتدخلها إلى سلطة تأسيسية تتدخل في ظروف استثنائية كما في أحوال الثورات أو الانقلابات و سلطة تأسيسية تتدخل في ظروف طبيعية، فالسلطة التأسيسية التي تباشر عملها في ظروف غير طبيعية هي سلطة لا تفسر أو تفهم بالنظر إلى النظام القانوني الذي يحدده الدستور الساري فعلا، حيث لا يمكن القول بوجود قواعد قانونية أو دستورية، بل القوة فقط هي التي تصاحب عمل هذه السلطة، و لذلك فان الدستور الجديد سيأتي حتما بطريقة مخالفة لكل الأصول الدستورية التي كانت سارية من قبل سبب انقطاع كل صلة قانونية بين هذا الدستور و الدستور السابق.
أما حيث تتدخل السلطة التأسيسية في ظروف طبيعية، فان التعديل الدستوري يجب أن يتم طبقا للقواعد المحددة دستوريا و بواسطة المؤسسات التي عهد إليها الدستور بذلك.
و من جانب آخر و في ذات الإطار العام الذي قدمه "كاريه دو مالبرج" ، للتفرقة بين السلطة التأسيسية الأصلية و المنشأة، جاء تصور الفقيه الكبير "جورج بيردو" "G.Burdeau"، و لكن باستخدام تحليل مغاير ينتهي إلى ذات النتيجة فالأستاذ "جورج بيردو" يرى أن مصطلح السلطة التأسيسية يشتمل على تعبيري السلطة التأسيسية بالمعنى الفني لتلك السلطة التي يكون لها الاختصاص بوضع دستور جديد للدولة و التي توجد عادة عقب الحركات الثورية ، بينما يشير اصطلاح سلطة التعديل إلى عضو في الدولة معرف بواسطة نظامها القانوني و يتدخل بقصد تعديل أو استبدال الدستور و هذه السلطة بهذا المعنى سلطة قانونية تستمد اختصاصها من النظام القانوني الساري و بالدرجة الأولى من الدستور.
و يرجع الفضل للأستاذ "بونار" "Bonnard" في استخدام التسميات المعروفة حاليا للسلطتين التأسيسيتين، حيث يعد أول من استخدم وصف السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المؤسسة. و هذه التعبيرات التي استخدمها الأستاذ "بونار" لأول مرة، لقيت استحسانا من بعض الفقه على أن الأستاذ "جورج فيدل" "G.Vedel" فضل استخدام السلطة التأسيسية المنشأة بدلا من السلطة التأسيسية المؤسسة و هو المصطلح الذي شاع استخدامه بواسطة الفقه بعد ذلك.
الفرع الثاني: المعيار الموضوعي
في إطار هذا التصور الموضوعي، يطرح الفقيه كارل سميث تصوره بادئا بتحديد المصطلحات التي على أساسها يبني أفكاره حيث يرفض استخدام مصطلح السلطة التأسيسية الأصلية و السلطة التأسيسية المنشأة، و يستخدم تعبير"السلطة التأسيسية" للإشارة إلى السلطة الأولى، و تعبير "سلطة التعديل الدستوري" للإشارة إلى السلطة الثانية، ليصل إلى الإعلان بأن السلطة الثانية – أي السلطة التأسيسية المنشأة- ليست سلطة تأسيسية. فالسلطة التأسيسية لا تتجزأ، و الغموض في التمييز بين الدستور و القانون الدستوري هو الذي أدى إلى الخلط بين السلطة التأسيسية و الاختصاص بالتعديل الدستوري، و هو ما أدى بدوره إلى تصنيف هذا الاختصاص الأخير على أساس أن الهيئة التي تتولاه لا تعدو أن تكون سلطة تأسيسية، تمييزا لها عن السلطات الأخرى في الدولة.
فدور السلطة التأسيسية يظهر من خلال الاختيارات و القرارات السياسية الجوهرية المؤسسة للنظام، من خلال نهج موضوعي و شكلي يعكس الوجود السياسي للجماعة، و على ذلك، فان السلطة التأسيسية (الأصلية) تختلف و تفترق عن سلطة التعديل الدستوري (السلطة التأسيسية المنشأة) من خلال موضوع اختصاص كل منهما، فالسلطة التأسيسية تتولى وضع الدستور، بينما تختص سلطة التعديل الدستوري بتعديل نصوص القوانين الدستورية السارية، فالتمييز يعتمد في أساسه إذن على التفرقة بين الدستور و القوانين الدستورية، فالدستور عند "كارل شميت" يتمثل في الاختيار الإجمالي لنهج و شكل الوحدة السياسية للجماعة، فهو عمل السلطة التأسيسية و لا يتضمن اتجاهات أو معايير سياسية خاصة، و إنما يحدد فقط الوجه العام للجماعة السياسية للدولة دون تمييز بين التيارات المختلفة، أما القوانين الدستورية فتتضمن على العكس فكرة المعايير الخاصة للجماعة السياسية واضعة نصب عينيها أن هناك دستورا موجودا و ساريا لا تتخطاه و النتيجة المستفادة من التمييز السابق هي أنه إذا كانت هذه القوانين لها صفة دستورية من ناحية موضوعها، إلا أنها لا تتساوى من هذه الناحية القانونية مع الدستور، بل هي أقل قوة و قيمة منه و ينتهي هذا الفقيه إلى صياغة فكرته من خلال التمييز بين الدستور و القوانين الدستورية من ناحية التعديل، فالدستور لا يمكن تعديله بواسطة ذات الإجراءات المتطلبة لإجراء تعديل لقانون دستوري، فتعديل الدستور لا يعدو أن يكون تعديلا لنصوص القوانين الدستورية السارية و ليس تعديلا للدستور نفسه، لأن سلطة التعديل لا يمكن أن تتساوى مع السلطة التأسيسية التي تتولى وضع دستور جديد. و بعبارة أخرى فسلطة التعديل مقيدة بالأسس و القرارات الجوهرية المشار إليها باعتبارها مكونا لجوهر دستور الدولة، فلا يتناولها التعديل.
و تكريسا لتصور سميث السابق ذكره، يؤكد الفرنسي "O.Beaud" أن عمل الدستور و إجراء التعديل يختلفان و يتعارضان بصورة جوهرية، فعمل الدستور يصدر عن عمل تأسيسي، و إجراء التعديل ينسب إلى سلطة التعديل، و يسمى الأول من الناحية القانونية السليمة بالسلطة التأسيسية بدلا من السلطة التأسيسية الأصلية، بينما يسمى الثاني سلطة التعديل الدستوري بدلا من السلطة التأسيسية المنشأة.
و نتيجة لهذه التوصيفات، يعتقد الفقيه بوجود تدرج بين السلطة التأسيسية و سلطة التعديل يقوم على أسس موضوعية. فالسلطة الأولى هي سلطة ذات سيادة أو سلطة عليا، و سلطة التعديل لا تتوفر لها هذه الخصائص بذات القدر، و بعبارة أخرى، فالسلطة التأسيسية هي سلطة غير مقيدة و سلطة التعديل هي سلطة مقيدة. أي أن السلطة التأسيسية هي سلطة أصلية و سلطة التعديل هي سلطة منشأة. و على ذلك فالسلطة التأسيسية المنشأة أو سلطة التعديل تلتزم بقيود وضوابط وضعتها السلطة التأسيسية الأصلية، ليست فقط ذات طبيعة شكلية أو إجرائية، و إنما أيضا ذات طبيعة موضوعية، فالنصوص المتعلقة بالسيادة الوطنية من الاختصاص الحصري للسلطة التأسيسية الأصلية و تستعصي على أي تدخل لسلطة التعديل، لأن هذه النصوص تحتوي على أحكام أساسية أو جوهرية تتعلق بذاتية الدولة و لا يمكن أن تطالها سلطة التعديل، نظرا لخطورة مثل هذا التعديل .
المطلب الثاني: القيود الوضعية لتعديل الدستور
تتنوع القيود التي تأتي بها الدساتير بين موضوعية و زمنية و شكلية، فالعديد من الدساتير تحظر من الناحية الموضوعية المساس بموضوعات معينة، بحيث لا يمكن أن يطالها أي تعديل لاحق عن نفاذها لارتباطها في الحقيقة بجوهر النظام السياسي الذي تتبناه الدولة، مثل حظر المساس بالنظام الجمهوري أو بأحد رموز الدولة .
كما توجد العديد من الدساتير أيضا التي تحظر إدخال أي تعديل عليها في فترات معينة، كحظر تعديلها خلال مدة محددة تالية لبدء سريانها، بهدف تمكين المؤسسات التي أنشأها الدستور من أن تثبت فاعليتها و تفاعلها مع الواقع لتحقيق الاستقرار المؤسساتي و السياسي في الدولة.
أما من ناحية القيود ذات الطبيعة الشكلية، فهي تلك التي ترتبط بإجراءات تعديل الدستور، بدءا من تحديد السلطة التي يمكن منحها هذا الحق و هل هي السلطة التشريعية أم السلطة التنفيذية أو هما معا أو الشعب باعتباره صاحب السيادة الأصلي، مرورا إلى الهيئة التي تتولى إعداد التعديل الدستوري و هل يتم عن طريق جمعية تأسيسية أم عن طريق البرلمان كسلطة تشريعية و طبيعة الأسلوب الذي تنتهجه هذه الهيئة حتى تمام الانتهاء من صياغة التعديل، و انتهاء بإقرار التعديل الدستوري.
و موضوع القيود الوضعية لتعديل الدستور سنتعرض له من خلال الدساتير الجزائرية و التعرض للقيود التي جاءت بها و القيمة القانونية لمثل هذه القيود من ناحية سريانها و مدى إمكانية تجاوزها عن طريق سلطة التعديل.
الفرع الأول: القيود ذات الصبغة الشكلية
بالرجوع إلى المادة 89 من الدستور الفرنسي و بعض النصوص الأخرى، نجد أن القيود ذات الصبغة الشكلية المتوجبة للتعديل الدستوري يمكن أن تنقسم إلى قيود زمنية و أخرى إجرائية و سوف نتناول هذه القيود من خلال دستور فرنسا و الدساتير الجزائرية.
أولا: القيود الزمنية: تتمثل هذه القيود تتمثل في:
القيد الأول: حظر تعديل الدستور في أحوال الاعتداء على أراضي الدولة .
القيد الثاني: حظر تعديل الدستور في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية .
القيد الثالث: حظر تعديل الدستور أثناء العمل بالمادة 16 المنظمة لحالة الأزمة .
من خلال ما تقدم و بالرجوع إلى دستور الجزائر لعام 1996، نجد أن المشرع الدستوري الجزائري لم يتناول القيود الزمنية للتعديل الدستوري المنصوص عليه في الباب الرابع في المواد 174 إلى 178. و لكن لدراستنا للدستور الفرنسي يفهم ذلك من خلال المادة 88 من دستور 1996. و المنظمة لحالة شغور منصب رئيس الجمهورية و المادة 90 فقرة أولى و التي تنص: "لا يمكن أن تقال أو تعدل الحكومة القائمة إبان حصول مانع لرئيس الجمهورية أو وفاته أو استقالته حتى يشرع رئيس الجمهورية الجديد في ممارسة مهامه".
إضافة إلى المواد من 91 إلى 96 المنظمة لحالات الطوارئ و الحرب و الاعتداء على الدولة حيث أنه في هذه الحالات لا يمكن إجراء تعديل دستوري و لا يمكن أن يكون الوصول إلى صيانة الوحدة الوطنية أو المؤسسات الدستورية بتعديل الدستور و لهذا فان فترة تطبيق المادة 93 من القيود الزمنية التي تحول دون تعديل الدستور.
و بالرجوع إلى دساتير الجزائر فان نص المادة 59 من دستور 1963 المنظمة للحالة الاستثنائية، و المادة 194 من دستور 1976 و التي تنص: "لا يمكن الشروع في إجراء أي تعديل أو مواصلته اذا كان هناك مساس بسلامة التراب الوطني".
و المادة 84 من دستور 1989 و المنظمة لحالة شغور منصب رئيس الجمهورية و المواد 85 إلى المادة 90 من نفس الدستور (د 1989) و التي تنظم حالات الطوارئ و الحرب.
من خلال هذه المواد يمكن اعتبارها كقيود زمنية لتعديل الدساتير الجزائرية.
ثانيا: القيود الإجرائية: من خلال دراسة نصوص المواد 71 إلى 74 من دستور 1963، حيث أن القيود الإجرائية تتمثل في أن المبادرة بالتعديل تكون من طرف رئيس الجمهورية و الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني، بالإضافة إلى قيد آخر يتمثل في ضرورة إجراء تلاوتين و تصويتين بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني. و هنا نجد أن المشرع الدستوري الجزائري كان أكثر تشدد في إجراء أي تعديل دستوري و يمكن تفسير ذلك أن الحفاظ على الدولة و المؤسسات من الأولويات ذلك أن الجزائر استقلت عام 1962 و كان من واجب المشرع الدستوري التشدد في إجراءات التعديل الدستوري أما دستور 1976 فقد كان أقل تشددا من حيث الإجراءات بالمقارنة مع دستور 1963 حيث جعل المبادرة حق لرئيس الجمهورية لوحده، يليه إقرار المجلس الشعبي الوطني بأغلبية ثلثي 2/3 أعضائه.
و قد نص دستور 1996 على القيود الإجرائية و التي تتمثل في اقتراح التعديل الدستوري كخطوة أولى ممنوحة لرئيس الجمهورية أو أعضاء غرفتي البرلمان و هذا من أجل إقامة توازن بين السلطتين التنفيذية و التشريعية، فإذا بادر البرلمان باقتراح التعديل فانه يشترط أن يكون موقعا من طرف ثلاثة أرباع أعضاء الغرفتين.
و في مرحلة أخيرة نجد الاستفتاء الدستوري فإذا وافق الشعب على التعديل أعتبر نافذا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء و للرئيس الخيار بين اللجوء إلى الاستفتاء أو طلب التصويت على مشروع التعديل من قبل مجلسي البرلمان مجتمعين .
الفرع الثاني: القيود ذات الصبغة الموضوعية
بالرجوع إلى نصوص الدستور الفرنسي، يمكن رصد قيد موضوعي واحد تلتزم السلطة التأسيسية المنشأة باحترامه عند إحداث أي تعديل دستوري جديد. و هذه القيد تكرسه الفقرة الأخيرة من المادة 89 من الدستور 1958 و التي تنص "الشكل الجمهوري للحكومة لا يمكن أن يكون محلا لتعديل دستوري".
و ينبغي أن نشير أن دستور الجزائر لعام 1963 لم يشر إلى أي قيد موضوعي للتعديل الدستوري على عكس دستور 1976 في نص المادة 195 و التي سبق الإشارة إليها عند دراستنا لإجراءات التعديل الدستوري في الجزائر و مضمونها يتلخص في أن أي مشروع لتعديل الدستور لا يمكن أن يمس بالصفة الجمهورية للحكم و بدين الدولة، و بالاختيار الاشتراكي و بالحريات الأساسية للمواطن، و بمبدأ التصويت عن طريق الاقتراع العام المباشر و السري و بسلامة التراب الوطني.
و جاء في المادتين 164 من دستور 1989 و 176 من دستور 1996 على أنه إذا ارتأى المجلس الدستوري أن أي مشروع لتعديل الدستور لا يمس بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري و حقوق الإنسان و المواطن و حريتها، و لا يمس بأي شيء التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية. في هذه الحالة يمكن لرئيس الجمهورية أن يصدر القانون المتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي متى أحرز ثلاثة أرباع من أصوات أعضاء الغرفتين معا و تنص المادة: 178 من دستور 1996 على: "لا يمكن أي تعديل دستوري أن يمس:
1- الطابع الجمهوري للدولة،
2- النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية،
3- الإسلام باعتباره دين الدولة،
4- العربية باعتبارها اللغة الوطنية و الرسمية،
5- الحريات الأساسية و حقوق الإنسان و المواطن
6- سلامة التراب الوطني و ووحدته"
و أضاف التعديل الجزئي الأخير في نوفمبر 2008 لدستور 1996 في نص المادة الخامسة منه قيدا آخرا و يتمثل في عدم جواز و قابلية تغيير العلم و النشيد الوطنيين باعتبارها من مكاسب الثورة.
الفرع الثالث: القيمة القانونية لقيود تعديل الدستور
اختلف فقهاء القانون الدستوري حول القيمة القانونية للنصوص الدستورية التي تحظر التعديل سواء كان زمنيا أو حظر تعديل بعض مواد الدستور بشكل مطلق.
أولا: الاتجاه الأول
يجمع أنصار هذا الاتجاه على تجريد النصوص التي تحظر تعديل الدستور من أي قيمة قانونية، و دون استثناء أو تمييز فلا تعدو أن تكون مجرد رغبات تفتقر إلى أية قيمة أو قوة ملزمة، تخالف طبيعة الدستور و ماهيته. فالدستور بوضعه تجسيدا للحاجة إلى تنظيم الدولة يكون قابلا للتعديل و التبديل لمسايرة الظروف المتغيرة التي تعيشها الدولة، و الأكثر من ذلك أن حظر التعديل يخالف مبدأ سيادة الأمة، و يحرم هذه الأخيرة من أهم عناصر سيادتها، أي ممارسة السلطة التأسيسية و إدخال ما تراه مناسبا من تعديلات على الدستور، تماشيا مع تغير الظروف و تطور الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية.
و يرى أنصار هذا الاتجاه أن السلطة التأسيسية التي قامت بوضع الدستور في وقت معين لا تملك الحق في تقييد السلطة التأسيسية التي تعبر عن إرادة الأمة في المستقبل، فكل أمة كما قرر رجال الثورة الفرنسية في دستور سنة 1791 لها الحق الذي لا يمكن سقوطه بالتقادم، في تغيير الدستور، كما أن للشعب كله أن يعدل الدستور و يغيره و أن جيلا من الأجيال لا يملك أن يخضع لقوانينه الأجيال القادمة.
و من هنا ينطلق هذا الاتجاه في رفض النصوص الدستورية التي تخطر تعديل الدستور و يجردها من أي قيمة دون تمييز، سواء كان حظر التعديل مطلقا، أو مؤقتا، أو ظروف خاصة.
ثانيا: الاتجاه الثاني
يجمع أصحاب هذا الاتجاه بعكس ما ذهب إليه الاتجاه الأول، على النصوص التي تخطر تعديل الدستور تعد مشروعة، و تتمتع بقوة قانونية ملزمة، و بلا تمييز، و إن كان من الممكن أن يحدث عكس ذلك من الناحية السياسية.
و يقدم أنصار هذا الاتجاه سندهم على أساس أن حظر التعديل، و إن كان يبدو متعارضا مع سيادة الشعب، و حقه في ممارسة السلطة التأسيسية، فانه لا يجوز تجاهل هذه السيادة، لأن هذه النصوص في النهاية ليست إلا تعبيرا عن سيادة الشعب، فان النصوص التي تحظر التعديل تعد صحيحة من وجهة نظر قانونية، و يجب احترامها، احتراما للسيادة التي عبرت عنها.
ثالثا: الاتجاه الثالث
ظهر هذا الاتجاه للتخفيف من حدة الاتجاهين السابقين، و يرى أنصاره أن ما ذهب إليه الفقهاء بشأن إقرار مشروعية النصوص التي تحظر التعديل لا يعني بأي حال من الأحوال عدم جواز تعديل هذه النصوص، فهم يفرقون بين مشروعية النص، و مشروعية التعديل و يذهبون إلى أنه على الرغم من تمتع النص بالقوة القانونية الملزمة، فانه يجوز تعديل الدستور عند الحاجة إلى ذلك، على أساس أن القيمة الفعلية لهذه النصوص تنحصر في كونها تؤدي إلى منع إجراء التعديل إلا بعد روية و تفكير.
إذن هذا الاتجاه ينتهي إلى التوفيق بين الاعتبارات القانونية و السياسية، فهو يحافظ على احترام مبدأ المشروعية من جهة، و من جهة ثانية لا يغفل إرادة الأجيال الحالية و الأجيال المقبلة، إذا ما دعت الحاجة إلى التعديل و توفر القبول الشعبي.
رابعا: الاتجاه الرابع
يذهب أنصار هذا الاتجاه و على رأسهم جورج بوردو إلى وجوب التفريق بين نوعين من أنواع الحظر، فالنصوص التي تحظر تعديل بعض أحكام الدستور (حظر موضوعي) بشكل دائم تفتقر إلى القيمة القانونية، و لهذا فهي باطلة كونها قيدا على مبدأ سيادة الأمة، إذ لا تستطيع السلطة التأسيسية الحالية أن تضع قيودا على سيادة الأمة في المستقبل، و على الأجيال القادمة بينما يقر هذا الاتجاه بمشروعية النصوص التي تحظر التعديل لمدة زمنية محددة، أو في ظروف معينة، و هذه النصوص ملزمة، لما تتمتع به من قيمة قانونية.
و يدعم هذا الاتجاه ما ذهب إليه على أساس اختلاف نوعي الحظر السابقين، و لهذا ليس من المنطق أن يأخذ الحكم نفسه، إذ لا يعدو النوع الأول أن يكون جمودا مطلقا كليا لهذه النصوص، الأمر الذي رفضه معظم فقهاء القانون الدستوري، و ليس الفرق بين الخطر (الذي رفضه أنصار هذا الاتجاه) ة الجمود المطلق الكلي الذي يلحق جميع نصوص الدستور، إلا أن الأول ما هو إلا جزء من الثاني، و لهذا يأخذ حكمة في البطلان.
و يجد النوع الثاني مشروعيته في أنه لا يحرم الأمة من ممارسة سلطتها التأسيسية، إنما يأخذ بالحسبان ظروف ممارسة هذه السلطة من ناحية، و من ناحية ثانية ليس هناك من فارق بينه و بين إبداء الرغبة في تعديل الدستور و التصويت عليه، حيث يشترط مرور مدة زمنية معينة بين تقديم اقتراح التعديل و التصويت عليه، و هذا ما لا يختلف الفقهاء حول مشروعيته، و لعل هذا الاتجاه أكثر منطقية و قبولا من غيره من الاتجاهات الأخرى نظرا للحجج التي قام عليها.
خامسا: الاتجاه الخامس
يقوم هذا الاتجاه على أساس التفريق بين قيمة حظر التعديل بالنسبة للسلطة التأسيسية الأصلية، و قيمته بالنسبة للسلطة التأسيسية المنشأة، فالأول عديم القيمة لأن السلطة التأسيسية الأصلية تتمتع دائما باختصاص مطلق و لا يجوز تقييدها، بينما يجب احترام حظر التعديل من قبل السلطة التأسيسية المنشأة لأن الدستور هو من أنشأها و منحها اختصاصا محددا فعند ممارستها لهذا الاختصاص يجب احترام الحدود التي رسمها الدستور لها، غير أن هذا الاتجاه و إن كان يلقي تأييدا من جانب أساتذة القانون الدستوري في مصر، إلا أنه يثير التساؤل حول حقيقة هذه التفرقة التي تأسس عليها، ففي الحديث عن تعديل الدستور ليس منطقيا أن تقدم السلطة التأسيسية الأصلية في مهمة التعديل خصوصا أن هناك شبه اتفاق على أن عمل هذه السلطة يكون في حالتين لم يزد الفقه عليهما هما حالة ولادة دولة جديدة، أو حدوث انقلاب أو ثورة على نحو يحدث تغييرا جذريا في النظام السياسي القائم في الدولة، فالدستور يكون غير موجود في الحالة الأولى و يسقط أو يصبح غير نافذ في الحالة الثانية. و هذا ما يجعل من البداهة أن السلطة التأسيسية الأصلية لا تقيدها نصوص حظر التعديل .
المطلب الثالث: القيود غير الوضعية لتعديل الدستور
تعرضنا فيما سبق لقيود تعديل الدستور المنصوص عليها في الدساتير الجزائرية، الشكلية منها و الموضوعية، و حاولنا استخلاص المعايير التي تعطى لهذه القيود مشروعيتها القانونية، و بصورة تؤدي إلى التزام سلطة التعديل (السلطة التأسيسية المنشأة) بأعمالها عند التدخل لتعديل الدستور و السؤال الذي يطرح نفسه الآن يتخلص في معرفة مدى وجود قيود أخرى لتعديل الدستور غير منصوص عليها فيه و بعبارة أخرى، هل توجد قيود خارج نصوص الدستور تلزم السلطة التأسيسية المنشأة باحترامها عند إحداث تعديل دستوري؟ و إذا كانت الإجابة بنعم فعلى أي أساس تلتزم سلطة التعديل باحترام مثل هذه القيود غير المنصوص عليها؟ و هل يعني ذلك أن عدم احترامها ينتج خرقا للدستور من قبل سلطة التعديل؟
و الحقيقة أن مصدر هذه التساؤلات و غيرها يرجع إلى أن العديد من الفقهاء لم يكتفوا فقط بقيود تعديل الدستور الواردة في الوثيقة الدستورية، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك معتقدين بوجود قيود أخرى غير منصوص عليها تفرض على سلطة التعديل، مستندين إلى فكرة وجود مبادئ و قواعد أسمى من الدستور أو فوق دستورية.
الفرع الأول: أثر تدرج القواعد الدستورية على اختصاص سلطة التعديل
إذ خرجنا من إطار القيود المنصوص عليها دستوريا إلى نطاق قيود غير منصوص عليها، و يعترف لها الفقه بقيمة تعلو أو تسمو على القيود الدستورية، فانه يمكن أن نفرق بين اتجاهين كبيرين، أحدهما يعتقد بوجود مبادئ قانونية أسمى من الدستور و تتمتع بقوة أعلى منه و الآخر يدور حول مناقشة مدى وجود تدرج بين مختلف نصوص الوثيقة الدستورية، و يطلق الفقه على الاتجاه الأول اصطلاح المبادئ الأسمى من الدستور بالمعنى الكامل أو الفني و الثاني، المبادئ الأسمى من الدستور غير الكاملة أو المستترة.
و إذا كانت الفكرتين السابقتين تختلفان في أن إحداهما تعتقد بوجود قواعد أعلى من الدستور ذات أصل غير دستوري و الثانية تؤمن بوجود قواعد أسمى من الدستور و لها أصل دستوري أي تومن بتدرج نصوص الوثيقة الدستورية من حيث القيمة القانونية، فانه يجمعهما بالرغم من ذلك قاسم مشترك و هو أنهما تبحثان معا في وجود قيود لتعديل الدستور غير منصوص عليها فيه، تلتزم سلطة التعديل باحترامها كما تحترم القيود المنصوص عليها، بحيث إذا حدث تعرض بين قاعدة فوق دستورية و قاعدة أخرى دستورية فانه يجب إكمال الأولى و إهمال الثانية. كما أنه طبقا للاتجاه الثاني الذي يقيم تدرجا بين نصوص الدستور، فحيث يحدث تعارض بين قاعدة دستورية أسمى من قاعدة دستورية أخرى، فانه يجب إكمال الأولى دون الثانية و في كل الأحوال فان الاتجاهين لهما هدف مشترك واحد يتمثل في إيجاد قيود تحد من تعديل الدستور ليس لها أصل في نص دستوري يقننها.
أولا: مدى خضوع سلطة التعديل لقيود أسمى من الكتلة الدستورية
نادى بعض الفقهاء بسمو مبادئ القانون الطبيعي على الدستور، فالقاعدة الدستورية تكتسب صحتها من مطابقتها لمقتضيات تتعلق بالغاية المرتبطة بفكرة العدالة التي تستهدفها هذه القاعدة و إلا فقدت صفتها كقاعدة قانونية، و في هذا الإطار فان فكرة العدالة كأحد عناصر القانون الطبيعي تعد قيدا من قيود تعديل الدستور، فإذا تم إجراء تعديل دستوري غير مستوفي لمبادئ العدالة، فانه لا يكون مشروعا و لا يكتسب قوة نفاذه الدستورية لأن معيار العدالة أسمى من مبادئ الدستور المكتوب و تخضع له سلطة التعديل.
فسلطة التعديل لا توجد إلا من أجل بناء الإطار السياسي و المجتمع السياسي لأجل الإنسان، و لا يمكنها بهذه الصفة أن تعدل الدستور بطريقة لا تحترم الميول و الاتجاهات الطبيعية لهذا الإنسان و ذلك لأن هذه السلطة خاضعة للقانون الطبيعي، فسلطة التعديل لا تستطيع أن تغفل مقتضيات العدالة و لا تستطيع أن تنشئ علاقات قانونية مدنية بين الأفراد على أساس غير العدالة و إلا كانت سلطة متعسفة يجب استبعاد ما استحدثته مخالفا لمبادئ القانون الطبيعي كما يؤمن البعض الآخر من الفقهاء بوجود مبادئ عامة للقانون أسمى من حيث القوة القانونية من النصوص الدستورية الواردة في الوثيقة.
و في هذا الإطار تساءل بعض الفقه حول مدى وجود مبادئ عامة للقانون لا تلزم فقط المشرع العادي، بل تلزم أيضا المشرع الدستوري، أي سلطة التعديل، فالعميد فيدل Vedel تساءل عما إذا كان يجب على سلطة التعديل أن تحترم فكرة المبادئ العامة للقانون و بطريقة تضمين تعديل لم يطبقها بعدم المشروعية القانونية، بحيث لا تكون نافذة. و في ذات المعنى يعلن البعض الآخر أن القانون الدستوري لا يتحدد بحاله بالنظر إلى النصوص الدستورية فقط، و لكن أيضا بالنظر إلى بعض المبادئ العامة التي لم يكرسها المشرع في نصوص قانونية و تلزم المشرع الدستوري نفسه بحيث لا يمكن له أن يتعداها لسموها على النصوص الدستورية المكتوبة.
و قال البعض الآخر من الفقه بوجود عرف له قيمة فوق دستورية و يفرض على سلطة التعديل و لا تستطيع مخالفته عند إجراء تعديل دستوري.
من خلال ما تقدم فان مجال القانون الدستوري هو مجال حيوي فلا يمكن أن نتحدث عن قيود غامضة غير دقيقة لتعديل الدستور بما يمكن أن يؤدي إلى تعسف سلطة التعديل و خرق نصوص الدستور المكتوب بما قد يؤدي أيضا إلى هدم النظام القانوني للدولة. المحدد وفق الأسس التي وضعتها السلطة التأسيسية الأصلية، و بعبارة أخرى فان غياب التحديد الدقيق للمبادئ فوق الدستورية يؤدي بالتبعية إلى عدم وجودها المادي و يحرمها من ثم من قيمتها الدستورية. فلا يمكن إلزام سلطة التعديل بضوابط لا وجود لها فمثل هذه المبادئ و في مجال القانون الدستوري ليس لها سوى طبيعة سياسية لا قانونية و لا تشكل أي قيد لممارسة سلطة التعديل الدستوري.
ثانيا: مدى التباين في القيمة القانونية لمكونات الكتلة الدستورية و أعمال سلطة التعديل لها:
تدور الأفكار الفقهية بين نوعين من التدرج بين مكونات الكتلة الدستورية فالبعض يؤمن من جانب بوجود تدرج بين النصوص المكونة لهذه الكتلة، بينما يؤمن البعض الآخر بوجود تدرج لا بين نصوص هذه الكتلة، بل بين مختلف القواعد الدستورية المكونة لها، و كلا الرأيين يؤمن بالتالي بوجود قيود على سلطة تعديل الدستور غير تلك المنصوص عليها فيه.
الرأي الأول: المناداة بالتدرج بين نصوص الكتلة الدستورية استنادا إلى اعتبارات تاريخية
يمكن تعريف الكتلة الدستورية بأنها ذلك الإطار الذي يضم كل القواعد ذات القيمة الدستورية و المتضمنة في الدستور بالمعنى الدقيق أو غير متضمنة فيه و استمدت قيمتها الدستورية منه. و ليس المقصود بالتدرج هنا التدرج بين القواعد الدستورية الواردة في الوثيقة الدستورية، و لكن نقصد به التدرج بين مختلف النصوص الدستورية المكونة للدستور في الدولة، و لا يثور هذا الفرض إلا حيث تتعدد الوثائق المكونة للدستور.
و في هذا الإطار نجد أن المشرع الدستوري نص في ديباجة دستور 1963 ما يلي: "إن ضرورة قيام حزب الطليعة الواحد، و دوره المرجح في إعداد و مراقبة سياسة الأمة، هما المبدآن الجوهريان اللذان حملا على اختيار شتى الحلول لمعالجة المشاكل الدستورية التي تواجه الدولة الجزائرية و بذلك يتم ضمان السير المنسجم، و الفعال للنظم السياسية المقررة في الدستور عن طريق جبهة التحرير الوطني التي: تعبئ و تنظم الجماهير الشعبية، و تهذبها لتحقيق الاشتراكية....و يتم إعداد هذه السياسة و تنشيطها و توجيهاها من طرف أشد العناصر الثورية وعيا و نشاطا.... إن الحزب وحده باعتباره الجهاز المحرك الدافع الذي يستمد قوته من الشعب هو الذي يستطيع أن يحطم أجهزة الماضي الاقتصادية....".
أما دستور 1976 حيث جاء في ديباجته ما يلي:"إن المصادقة الشعبية على الميثاق الوطني في استفتاء 27 يونيو 1976، قد أتاحت من جديد فرصة للثورة الجزائرية كي تحدد مذهبها و ترسم إستراتيجيتها....و يمثل الدستور أحد الهداف الكبرى المسطرة في الميثاق الوطني..." و جاء في نص المادة السادسة من نفس الدستور ما يلي:"الميثاق الوطني هو المصدر الأساسي لسياسة الأمة و قوانين الدولة. و هو المصدر الإيديولوجي و السياسي المعتمد لمؤسسات الحزب و الدولة على جميع المستويات.
الميثاق الوطني مرجع أساسي أيضا لأي تأويل لأحكام الدستور" كما نجد أن المادة 10 تنص على:" الاشتراكية اختيار الشعب الذي لا رجعة فيه، كما عبر عن ذلك بكامل السيادة في الميثاق الوطني، و هي السبيل الوحيد الكفيل باستكمال الاستقلال الوطني.
مفهوم الاشتراكية، طبقا لما ورد في الميثاق الوطني نصا و روحا، هو تعميق لثورة فاتح نوفمبر 1954..."
من خلال ما تقدم نطرح السؤال الآتي ما القيمة القانونية للميثاق الوطني الذي تحدث عنه دستور 1976؟
استنادا إلى الظروف السياسية التي صدر فيها دستور 1976، ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الميثاق الوطني أعلى قيمة من النصوص الدستورية التي تأتي في المرتبة الثانية، و بالتالي فان نصوص الميثاق تعلو على نصوص الدستور (دستور 1963 و 1976) و إذا ما تعارضا تكون الأولوية و الأفضلية لنصوص الميثاق، باعتبارها أسمى من نصوص الدستور. و يترتب على ذلك، خضوع سلطة التعديل (السلطة التأسيسية المنشأة) لكل نصوص الميثاق باعتبارها قيدا لتعديل الدستور إلى جانب القيود المنصوص عليها فيه. فقيود تعديل الدستور ذات قيمة دستورية عادية، في حين أن نصوص الميثاق لها قيمة فوق دستورية.
الرأي الثاني: المناداة بالتدرج بين القواعد الدستورية استنادا إلى اعتبارات موضوعية:
يتساءل العميد جورج فيدل G.Vedel عما إذا كان من الممكن الحديث عن قواعد أو مبادئ ذات مرتبة أولى و أخرى ذات مرتبة ثانية أو ثالثة. فإذا كانت كل القواعد المكتوبة في الدستور هي دستورية، فهل يمكن القول بأن بعضها أعلى قيمة دستورية من البعض الآخر؟.
في الإجابة على تساؤلات العميد فيدل، ذهب الفقه إلى المناداة بوجود مثل هذا النوع من التدرج بين القواعد الدستورية. و اتجه هذا الفقه إلى القول بأن القواعد التي يمكن وصفها بالقواعد ذات المرتبة الأولى تعد قيدا على تعديل الدستور، فلا تستطيع السلطة التأسيسية المنشأة أن تعدلها أو تخالفها، فهي عصية على التعديل، و ذلك يرجع غالى أهميتها الخاصة.