ثالثاً :
إذا شهدتَ جريمة الزنا فلست مطالباً بالإبلاغ عن الحادثة ، ولو مع وجود الشهود ، بل الأولى الستر عليهما ، إذا رجي منهما التوبة والإقلاع عن المعصية والرجوع إلى الله
لقوله صلى الله عليه وسلم : ( َمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري (2242) ، ومسلم (2580) .
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْعُلَمَاءُ : هَذَا السَّتْرُ مَنْدُوبٌ ، فَلَوْ رَفَعَهُ إِلَى السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ : لَمْ يَأْثَمْ بِالْإِجْمَاعِ ، لَكِنْ هَذَا خِلَافُ الْأَوْلَى ، وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ "
انتهى من " شرح صحيح مسلم " (16/135) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في قصة ماعز :
" وَيُؤْخَذُ مِنْ قَضِيَّتِهِ : أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَقَعَ فِي مِثْلِ قَضِيَّتِهِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَيَسْتُرَ نَفْسَهُ ، وَلَا يَذْكُرُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ ، كَمَا أَشَارَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى مَاعِزٍ .
وَأَنَّ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ يَسْتُرُ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَا ، وَلَا يَفْضَحُهُ ، وَلَا يَرْفَعُهُ إِلَى الْإِمَامِ ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ : ( لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ ) .
وَبِهَذَا جَزَمَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : أُحِبُّ لِمَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتُوبَ ، وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ مَاعِز مَعَ أبي بكر وَعمر .
وَقَالَ ابن الْعَرَبِيِّ : هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُجَاهِرِ ، أَمَّا إِذَا كَانَ مُتَظَاهِرًا بِالْفَاحِشَةِ مُجَاهِرًا فَإِنِّي أُحِبُّ مُكَاشَفَتَهُ وَالتَّبْرِيحَ بِهِ لِيَنْزَجِرَ هُوَ وَغَيْرُهُ "
انتهى من " فتح الباري " (12/124) .
رابعاً :
إذا سألك شخص ليتزوج بها فلا يخلو من حالين :
1ـ أن تكون قد تابت ورجعت إلى الله ، وعلمتَ توبتها : فلا يجوز لك إخبار الخاطب بحالها السابق ، ولك أن تقول هي على خير وتقصد حالها الآن إن كان الأمر كذلك ؛ لما تقدم بيانه .
2ـ إذا كانت على ما هي عليه من المعاصي.. فالواجب عليك تحذيره منها ؛ لأن ذلك من النصيحة المأمور بها لكل مسلم : ( إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْهُ ) رواه أحمد (14908)
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) رواه مسلم (55) .
ولكن ليس لك أن تصرح له بزناها ، بل تستعمل العبارات والألفاظ المجملة ، كـ : لا أنصحك بها ، هي ذات خلق سيء ، سلوكها سيء ، لها علاقات مشبوهة ، ونحو ذلك .
والله أعلم .