منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الأحكام العامة لعقد التأمين
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-28, 10:13   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع للفصل الاول

أ- طلب التأمين:
كل شخص يريد التأمين على خطر ما -سواء تعلق الأمر بتأمين بري أو بحري أو جوي- يتعين عليه أولا تقديم طلب التأمين للمؤمن كما قد يكون ذلك باقتراح من المؤمن(3)، وطلب التأمين هو ورقة مطبوعة يعدها المؤمن مسبقا لهذا الغرض وتحتوي على عدد من الأسئلة يجيب عليها المؤمن له، وعلى ضوء الإجابة يطلع المؤمن على البيانات التي تمكنه من دراسة الموضوع والبت فيه بالقبول أو الرفض، وتتعلق هذه البيانات بشخص طالب التأمين وهويته وبالخطر الذي يريد التأمين عليه والظروف المحيطة به، وغيرها من البيانات التي يراها المؤمن ضرورية.
فيملأ طالب التأمين الطلب المطبوع، ثم يوقعه ويسلمه للمؤمن -أو إلى الوسيط- وبعد أن يتلقى طالب التأمين الرد من المؤمن بالموافقة على التأمين متضمنا مقدار القسط المطلوب منه دفعه، يتقدم بإيجاب بات يطلب فيه إبرام العقد(4).
وليس لهذا الطلب أية قوة إلزامية للمؤمن ولا للمؤمن له إلا بعد إتمام العقد، وهذا تطبيق للقواعد العامة، فهو ليس إيجابا من المؤمن له ولا من المؤمن، بل هو مجرد وسيلة إعلام يسترشد بها المؤمن لتقدير القسط الذي يلتزم بدفعه المؤمن له ومبلغ التأمين الذي يلتزم هو بدفعه عند تحقق الخطر.
وهذا ما تبينه المادة 08 من الأمر المتعلق بالتأمينات وتؤكد على عدم ترتيب طلب التأمين لأي التزام على عاتق الطرفين بحيث نصت فقرتها الأولى على أنه "لا يترتب على طلب التأمين التزام المؤمن له والمؤمن إلا بعد قبوله".



(1): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 87؛
(2) و(4): السنهوري ص 1106 و ص1107 على التوالي؛
(*): ويلاحظ أنه يمكن اعتبار مذكرة تغطية التأمين ووثيقة التأمين وملحق وثيقة التأمين كأدوات معدة لإثبات عقد التأمين مع خضوع الإثبات أصلا إلى القواعد العامة مما يجعل دراسة الأدوات الكتابية تخدم انعقاد العقد وإثباته؛
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 87.
فمن ناحية المؤمن لا يمكن القول بأن طلب التأمين يلزمه، لأن المؤمن لم يصدر منه إيجاب حتى يجوز القول بأن طلب التأمين يعتبر قبولا لهذا الإيجاب، فهو وإن كان على استعداد بحكم مهنته لأن يبرم عقود التأمين إلا أنه لا يصح القول بأن مجرد تسليمه لطالب التأمين يعد من جهته إيجابا، وإنما هو يطلب البيانات اللازمة التي يستطيع على ضوئها أن يبت في قبول إبرام العقد، وعليه فهو حر بعد وصول طلب التأمين إليه ممضي من طالب التأمين أن يقبل التعاقد أو يرفضه، وفي حال الرفض لم يكن ملزما بشيء نحو طالب التأمين، فلا يطالب ببيان أسباب هذا الرفض ولا بتبليغه لطالب التأمين في مدة معينة ما لم يكن هناك اتفاق على ذلك(1).
ومن ناحية طالب التأمين كذلك، لأن الطلب مجرد استعلام من جانب المؤمن له عن مقدار القسط الذي يقدره المؤمن لإبرام عقد التأمين وليس إيجابا باتا منه، وله بعد وصول رد المؤمن أن يمضي في التعاقد أو أن يعدل عنه دون أن يكون ملزما بشيء نحو المؤمن.
يثير نص المادة 08 السالف ذكره مسألة هامة وهي معرفة من يكون الموجب ومن يكون القابل في العقد، لأنه إذا أجاب المؤمن له على الأسئلة الواردة في الطلب، فإن المؤمن سيقدر على أساس الإجابة مقدار القسط ومبلغ التأمين، وقد لا يوافق المؤمن له على الشروط التي يضعها المؤمن ولا يكون ملزما بإبرام العقد لأنه لم يصدر منه إيجاب يلتزم بعدم العدول عنه.
والرأي الأرجح في ذلك أن موافقة المؤمن له على الخضوع إلى تلك الشروط هي التي تعتبر قبولا لإيجاب المؤمن بعد أن حدد كل شروط العقد وبذلك تتطابق إرادتهما، عندها يمكن تحرير وثيقة تأمين مباشرة أو اللجوء قبل ذلك إلى تحرير وثيقة مؤقتة تسمى مذكرة تغطية التأمين، كما يمكن للطرفين تحرير أي مستند آخر يثبت به عقد التأمين، وإذا أرادا إضافة أي بيان أو شرط آخر يمكن إضافته في ملحق.
لذا سنعرض فيما يلي مذكرة تغطية التأمين ووثيقة التأمين ثم تعديل عقد التأمين.

ب- مذكرة تغطية التأمين:
نصت المادة 08 من الأمر المتعلق بالتأمينات أن مذكرة تغطية التأمين وثيقة تثبت وجود عقد التأمين، وهي مذكرة مؤقتة تسلم للمؤمن له في انتظار البت النهائي لتغطية الخطر وإعداد وثيقة التأمين التي يحرر فيها العقد بصفة نهائية.
فالعقد يكون تاما بمجرد التراضي، وتحرير هذه المذكرة المؤقتة يثبت وجود هذا العقد، وإذا حررت وثيقة التأمين النهائية سرى العقد من تاريخ الاتفاق وليس من تاريخ التوقيع على وثيقة التأمين(2) ولم يضع المشرع لها شكلا خاصا، إذ يكفي أن تكون موقعا عليها من المؤمن، وأن تتضمن العناصر الجوهرية للعقد، كنوع الخطر المؤمن عليه وتحديد القسط ومبلغ التأمين ومدة التأمين وتاريخ بدايته.

ج- وثيقة التأمين:
في حالة ما إذا قرر المؤمن قبول طلب التأمين المقدم من المؤمن له، فإنه يعبر عن قبوله بتحرير "وثيقة التأمين" وتوقيعها وإرسالها إلى المؤمن له.



(1): السنهوري ص 1108؛
(2): د. عبد الرزاق بن خروف ص 89.
ج-1/ تعريف وثيقة التأمين:
وثيقة التأمين هي المحرر المثبت لعقد التأمين(1)، وهي الوثيقة النهائية التي يحررها المؤمن والتي تثبت وجود عقد التأمين، بل هي العقد ذاته(2)، وتسمى باللغة الفرنسية Police وتجد أصلها في الكلمة اللاتينية Polliceri والتي معناها باللغة الفرنسية Promettre ومعناها تعهد(3)، وتعتبر من أهم الأشكال التي يبرم بها العقد، وجرى التعامل بمقتضاها بين شركات التأمين والمؤمنين.
ولما كان عقد التأمين من العقود الفنية المعقدة، فإن التساؤل يثور عن مدى وجوب إفراغ وثيقة التأمين في شكل معين، وعن البيانات التي يجب أن تشملها تلك الوثيقة وهذا ما سنعرضه فيما يلي:

ج-2/ شكل وثيقة التأمين:
متى اعتبر عقد التأمين عقدا رضائيا فإنه لا يلزم أن تصدر وثيقة التأمين في شكل خاص فيمكن أن تكون محررة عرفيا أو رسميا(4)، ولا مانع أن تكتب بلغة أخرى غير العربية إذا اقتضت ذلك المعاملات الدولية.
ويعد المؤمن هذه الوثيقة وفق نموذج، تكون البيانات العامة منه مطبوعة، ويكمل بالشروط الخاصة المتعلقة بطرفي العقد وبالخطر ومقدار القسط ومبلغ التأمين.
وجرى التعامل أن يرد القسم المتضمن البيانات العامة في كتيب، تعطى نسخة منه للمؤمن له ويضاف إليه ملحق يتضمن الشروط الخاصة، وتعد هذه الوثيقة وفق نموذج تفرضه إدارة الرقابة وتؤشر عليه حسبما تقتضيه المادة 227 من الأمر المتعلق بالتأمينات والتي تنص على أنه "تخضع الشروط العامة لوثيقة التأمين أو أية وثيقة أخرى تقوم مقامها لتأشيرة إدارة الرقابة التي تستطيع أن تفرض العمل بشروط نموذجية(*).
ويجب أن تكون وثيقة التأمين محررة بحروف واضحة، وقد أبطلت المادة 622 من القانون المدني كل شرط مطبوع لم يبرز بشكل ظاهر في وثيقة التأمين وكان متعلقا بحالة من الأحوال التي تؤدي إلى البطلان أو السقوط(**).
وهذا ما أكدته المادة 07 من الأمر المتعلق بالتأمينات التي أوجبت أن يحرر عقد التأمين كتابيا وبحروف واضحة(***).
وقد أورد القانون المتعلق بالتأمينات في مادته 07 الشكل الذي يجب أن يحرر فيه عقد التأمين من خلال البيانات التي أوجب أن تحتويها وثيقة التأمين وهي(5):


(1): أحمد شرف الدين، أحكام التامين، ص 94؛
(2) و(4): السنهوري ص 1114 و ص 1115 على التوالي؛
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 89/ السنهوري ص 1114؛
(*): توجب المادة 202 من الأمر المتعلق بالتأمينات في التأمينات الإلزامية أن يكون كل عقد تأمين اكتتبه شخص يخضع لإلزامية التأمين مشتملا على ضمانات تعادل على الأقل الضمانات الواردة في الشروط النموذجية المنصوص عليها في المادة 227 أعلاه ولو كان هناك اتفاق مخالف؛
(**):وتقابلها المادة 750 من القانون المدني المصري، أنظر: شرف الدين أحكام التأمين ص 94؛
(***): وفي نفس السياق ذهبت المادة 03 من المرسوم 95-338 الجريدة الرسمية عدد 65، حيث أوجبت أن تظهر أرقام التبويب المنصوص عليه في المادة 02 من نفس المرسوم واضحة وبحروف مطبوعة على كل الوثائق المتعلقة بفروع التأمين وهي الشروط العامة والخاصة و التعريفات؛
(5): د. عبد الرزاق بن خروف ص 90 وما يليها.
- اسم كل من الطرفين المتعاقدين وعنوانهما:
فيذكر بالنسبة للمؤمن له اسمه وموطنه وبالنسبة للمؤمن له اسم شركة التأمين أو الجمعية التبادلية -إن كان المؤمن جمعية تبادلية- واسم ممثلها على الوثيقة ومقر أعمالها الرئيسي.
- الشيء أو الشخص المؤمن عليه:
إذا كان التأمين تأمينا على الأشخاص كالتأمين على الحياة، فيذكر اسم الشخص المؤمن على حياته وتاريخ ميلاده، وكذا أسماء المستفيدين إذا كانوا معينين(1)، أما إذا كان تأمينا على الأشياء فيجب تعيين هذا الشيء بطبيعته وخصائصه وقيمته.
- طبيعة المخاطر المضمونة:
ويقصد بها تعيين نوع الخطر المؤمن منه سواء حريق أو سرقة أو موت مواشي أو تلف مزروعات وغيرها، وذكر الأخطار المستثناة من تغطية المؤمن في هذا العقد.
- تاريخ الاكتتاب:
أو تاريخ انعقاد التأمين وهو تاريخ توقيع الطرفين على عقد التأمين، إذ أن توقيعهما إجباري في الوثيقة.
- تاريخ سريان العقد ومدته:
الأصل أن يبدأ سريان العقد من يوم التوقيع على مذكرة تغطية التأمين -إن وجدت- لكن يجوز للطرفين الاتفاق على تاريخ آخر لبدء سريان العقد غير تاريخ التوقيع على الوثيقة، وفي هذه الحالة يجب تجديد هذا التاريخ باليوم والشهر والسنة والساعة، فإذا تحقق الخطر قبل ذلك لم يكن المؤمن مسؤولا عن التعويض وقد جرى العمل على أن يكون التأمين ساري المفعول في اليوم الموالي للتوقيع أو اليوم الموالي لدفع الجزء الأول من القسط(*).
وتختلف مدة سريان العقد حسب طبيعة العقد ذاته، فتوجد عقود تحدد مدتها بسنة كالتأمينات على السيارات وتجدد تلقائيا(**)، وهناك عقود تحدد مدتها بخمس سنوات أو عشر حسب طبيعة ونوع التأمين، هذا ويجب على المتعاقدين تحديد وقت انتهاء العقد، فتعرف بذلك مدة التأمين التي أوجبت تحديدها المادة 07 من الأمر المتعلق بالتأمينات، وبانتهاء هذه المدة تنتهي الالتزامات المترتبة على الطرفين بموجب عقد تأمين.
- مبلغ الضمان:
وهو التعويض الذي يلتزم المؤمن بدفعه للمؤمن له عند تحقق الخطر، وعادة يحدد في العقد الحد الأقصى للمبلغ، لكنه يختلف من تأمين لآخر ويكون ذلك حسب جسامة الخطر.
- القسط أو اشتراك التأمين:
يجب أن يحدد في وثيقة التأمين المقابل الذي يلتزم المؤمن له بدفعه مقابل تغطية الخطر، ويسمى هذا المقابل "قسطا" إذا كان المؤمن شركة تأمين، ويسمى اشتراكا إذا كان المؤمن جمعية تبادلية، ونذكر عادة إلى جانب القسط مواعيد الاستحقاق إذا تعددت.



(1): المادة 70 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(*):يستفاد من المادة 17 من الأمر المتعلق بالتأمينات بأن تسري آثار الضمان في العقود ذات الأجل البات من الساعة صفر لليوم الموالي لدفع القسط إلا إذا كان هناك اتفاق يخالف ذلك؛
(**): تقضي المادة 16 من الأمر المتعلق بالتأمينات في فقرتها الأولى بالتزام شركات التأمين في العقود المحددة تلقائيا بتذكير المؤمن لهم بدفع القسط في أجل شهر على الأقل من تاريخ استحقاقه.
كما يجب -إلى جانب كل هذه البيانات- أن يذكر في وثيقة التأمين على الأشخاص الإجراءات المتعلقة بالتخفيض والتصفية والشروط التطبيقية(1).
وهذه البيانات التي أوردتها المادة 07 من الأمر المتعلق بالتأمينات هي بيانات خاصة بالتأمينات البرية، وتسري كذلك على التأمينات الجوية(2)، بينما يجب أن تحتوي الوثيقة في مجال التأمين البحري على(*): تاريخ ومكان الاكتتاب، أسماء الأطراف المتعاقدة ومقر إقامتها، مع الإشارة عند الاقتضاء إلى أن مكتب التأمين يتصرف لحساب مستفيد معين أو لحساب من سيكون له الحق في الشيء أو المنفعة المؤمن عليها، الأخطار المؤمن عليها والأخطار المستبعدة، مكان الأخطار، مدة الأخطار المؤمن عليها، المبلغ المؤمن عليه، مبلغ قسط التأمين، الشرط الإذني أو لحامله إن اتفق عليه، توقيع الطرفين المتعاقدين.
وتجدر الإشارة إلى أن وثيقة التأمين الواردة في المادة 07 من القانون المتعلق بالتأمينات تسمى "الوثيقة البسيطة" لأن الخطر فيها معين ولا يمكن استبداله بخطر آخر، ويوجد إلى جانبها نوع آخر يدعى "الوثيقة العائمة" أو "الوثيقة المتقلبة"، وهي وثيقة يمكن بواسطتها استبدال الخطر المعين فيها بخطر آخر أثناء سريان نفس العقد وفي حدود مبلغ التأمين المتفق عليه في العقد(3).
وفي كلتا الحالتين تكون وثيقة التأمين اسمية إذا كان المستفيد فيها معينا، ولا يمكن حينها تداولها أو انتقالها إلا بتعديل العقد وإضافة ملحق يتضمن اسم المستفيد الجديد.
أما إذا لم يكن المستفيد معينا في وثيقة التأمين كانت لحساب ذي المصلحة وتصبح وثيقة لأمر أو لإذن ويمكن تداولها بالتظهير أو بالتسليم إذا كانت لحاملها، وتكون مرفقة غالبا بسند الشحن فيكون مجالها النقل البحري أو البري أو الجوي.
كما توجد وثيقة أخرى تدعى "شهادة التأمين" يمكن إثبات عقد التأمين بها وتضاف إلى وثيقة التأمين في بعض التأمينات الإلزامية مثلما نصت عليه المادة 07 من المرسوم رقم 80-34 المؤرخ 16/02/1980 والمتعلق بإلزامية التأمين على السيارات التي تنص على وجوب تسليم الوثيقة الثبوتية المشار إليها في المادة 06 من هذا المرسوم وقت إمضاء العقد وتسمى "شهادة تأمين على سيارة".

ج-3/ مهمة وثيقة التأمين: للإثبات أو للانعقاد
اختلفت آراء الفقهاء حول وظيفة وثيقة التأمين ومدى كونها لإثبات العقد أو كونها شرطا جوهريا لانعقاده، لكن الرأي الأرجح يميل إلى كون عقد التأمين عقدا رضائيا، ولا تشترط وثيقة التأمين إلا لإثبات العقد(4).
فإذا قبل المؤمن الإيجاب البات الموجه إليه من المؤمن له ووصل هذا القبول إلى علم المؤمن له تم عقد التأمين وأصبح العقد تاما ملزما لكل من الطرفين.




(1): المواد 70، 84، 85 و90 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(2): المادة 152 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(*):حسب الترتيب الوارد في نص المادة 98 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 93؛
(4): السنهوري ص 1123 وما يليها/ جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 59 وما يليها/ جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، ص 65 وما يليها/ أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 71.
لكن إثبات هذا العقد لا يكون إلا بالكتابة التي تكون عادة وثيقة التأمين، لأن عقد التأمين ذو طبيعة فنية معقدة، يحوي شروطا كثيرة ويستمر لمدة طويلة، وقد يتعدى إلى الغير(*)، وكل هذا يمنع عمليا جواز إثباته بالبينة والقرائن رغم عدم وجود نص قانوني صريح يقضي بذلك، وقد نص قانون 14/07/1930 في مادته 08 أن إثبات عقد التأمين يكون بوثيقة التأمين أو أي دليل كتابي آخر، مثل الوثائق أو الأوراق والبرقيات المتبادلة بين المؤمن والمؤمن له، ليكون المألوف في لإثبات هو وثيقة التأمين كدليل نهائي ومذكرة التغطية كدليل مؤقت(1).
لكن العمل في هذه المسألة قام مقام القانون إذ يجوز للأطراف الاتفاق على جعل الكتابة شرطا لانعقاده، فغالبا ما يشترط المؤمن أن عقد التأمين لا يتم إلا بتوقيع وثيقة التأمين وعندها يصبح عقد التأمين عقدا شكليا بموجب هذا الشرط وتصبح وثيقة التأمين ضرورية للانعقاد لا لمجرد الإثبات، مع وجوب توقيع كل من الطرفين عليها.
كما قد يصبح عقد التأمين عينيا وليس شكليا فحسب عندما يشترط المؤمن ألا يتم عقد التأمين إلا بتوقيع الوثيقة من الطرفين ويدفع المؤمن له القسط الأول من أقساط التأمين، وتعليق تمام العقد على دفع القسط الأول يجعل المؤمن لا يتحمل الخطر إلا عند قبضه للقسط، وإذا لم يدفع المؤمن له القسط الأول فلا سبيل إلى إجباره لأن العقد لم ينعقد(2).
ويهمنا بالدرجة الأولى معرفة حكم الشكلية في عقد التأمين الجزائري، فالمشرع الجزائري يشترط لإبرامه أن يكون مكتوبا، ولم يحدد أن تكون الكتابة في شكل محرر عرفي أو رسمي ولا الوسيلة والصياغة واللغة التي يكتب بها هذا العقد تاركا هذه الأمور لاتفاق الأطراف، وقد جرى العمل في هذا المجال على أن تفرغ عقود التأمين في نماذج معدة ومطبوعة مسبقا من قبل شركات التأمين ومتضمنة الشروط العامة المألوفة لكل نوع من أنواع التأمين، وعند التعاقد يضاف إلى ذلك في بعض أنواع التأمين شروط أخرى خاصة تتعلق بطبيعة التأمين ونوع المخاطر.
كما يتضمن العقد معلومات تتعلق بطرفي العقد وبعض البيانات الإلزامية التي أوجب المشرع وجودها في وثيقة التأمين، وهي بيانات مذكورة مثالا لا حصرا، تاركا المجال للأطراف لذكر بيانات أخرى كطريقة وميعاد دفع مبلغ التأمين وطرق تقدير الأضرار وكيفية الإدلاء أو التصريح بالبيانات المطلوبة خلال مدة سريان العقد وما يطرأ من تغيير على المخاطر.
ومن هنا ينبغي معرفة مدى القيمة القانونية للكتابة التي اشترطها المشرع الجزائري في عقد التأمين، لنخلص إلى أن هذه الشروط مطلوبة لإثبات العقد وليست ركنا لانعقاده، ولا يمكن إثباته بوسائل أخرى غير الكتابة، والتي قد تكون بجميع الوسائل الأخرى غير العقد، مثل الرسائل المتبادلة بين أطراف العقد أو تسليم المؤمن له لمذكرة التغطية أو أي وسيلة مكتوبة تكون كافية لإثبات هذا العقد(3).

د- تعديل عقد التأمين:
تنص المادة 09 من الأمر المتعلق بالتأمينات على أنه "لا يقع أي تعديل في عقد التأمين إلا بملحق يوقعه الطرفان"، وملحق التأمين هو وثيقة إضافية يفرغ فيها اتفاق جديد بين المؤمن والمؤمن له من أجل تعديل الاتفاق الأول القائم بينهما(4)، وتسري على ذلك الملحق أحكام الوثيقة الأصلية من حيث الشكل ومن حيث الموضوع.


(*): كالمستفيد في التأمين على الحياة والمضرور في التأمين من المسؤولية والدائنين المرتهنين في التأمين من الحريق؛
(1): السنهوري ص 1124؛
(2): عبد الحي حجازي، التأمين، القاهرة، 1908، ص 155؛
(3): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 59 وما يليها؛
(4): د. عبد الرزاق بن خروف ص 95.
1- شروطه(1):
أ- وجود عقد تأمين سبق إبرامه:
أي وجود وثيقة أصلية قائمة، فإذا كانت هذه الوثيقة قد زالت لبطلانها أو لانقضاء مدتها فلا مجال لإضافة ملحق لها، ومثال ذلك الاتفاق على امتداد الوثيقة الأصلية: إذا وقع قبل انقضاء مدة الوثيقة الأصلية كان ملحقا لها، أما إذا وقع بعد انقضاء مدتها فإنه يعتبر اتفاقا جديدا يجب أن يثبت في وثيقة أصلية جديدة.
غير أنه لا يشترط أن تكون نافذة، فقد تكون موقوفة فيكون الملحق المعدل لها كذلك موقوفا حتى ينفذ مع نفاذ الوثيقة الأصلية، وقد يكون موضوعه في هذه الحالة هو إعادة الوثيقة الأصلية إلى السريان.
ب- إجراء تعديل أو إضافة على الوثيقة الرسمية:
مثل الاتفاق فيه على زيادة مبلغ التأمين أو على زيادة الأقساط إذا تفاقم الخطر، أو زيادة مدة التأمين إلى أجل أطول من الأجل الأصلي، أو إعادة وثيقة التأمين إلى السريان بعد أن كانت موقوفة أو إضافة خطر لم يكن مؤمنا منه في الوثيقة الأصلية أو تعديل أوصافه.
كما يمكن تغيير المستفيد أو حتى تصحيح خطأ في الوثيقة الأصلية أو تدارك سهو فيها أو تفسير بعض العبارات الغامضة فيها.
ج- أن يتم التعديل باتفاق بين طرفي العقد(*):
شأنه في ذلك شأن الاتفاق الأصلي، فيجب توافق إرادتي الطرفين عملا بالقاعدة العامة التي تقضي بها المادة 106 من القانون المدني التي تقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق بين الطرفين أو للأسباب التي يقرها القانون.
فالملحق لا يحرر إلا إذا وقع التعديل بمقتضى الاتفاق، أما إذا كان التعديل مقررا بنص القانون، كما لو كان التأمين موقوفا لعدم دفع الأقساط في مواعيد استحقاقها ثم يعود التأمين إلى السريان بدفع هذه الأقساط فلا يشترط تحرير ملحق لذلك ولا يقتضي صدور قبول من المؤمن له(2).
وقد يتم التعديل بمجرد إرادة المؤمن له المنفردة، وعادة ما يقع ذلك في "الوثيقة العائمة" أو "وثيقة الاشتراك"، حيث يكون من حق المؤمن له أن يستبدل الشيء محل التأمين بشيء آخر ويكتفي في ذلك بأن يعلن للمؤمن هذا الاستبدال دون أن يشترط قبوله.
ونشير إلى أن المادة 08 من الأمر المتعلق بالتأمينات تقضي بأن طلب التأمين أو اقتراح التأمين يعد مقبولا إذا قدم في رسالة موصى عليها، يعبر فيها طالب التأمين عن رغبته في تعديل العقد، إذا لم يرفض المؤمن هذا الطلب خلال 20 يوم من تاريخ استلامه له، لكن يجب أن يتعلق التعديل بمدة التأمين أو مبلغ التأمين وأن يكون تأمينا على الأضرار ويستبعد التأمين على الأشخاص الذي لا يتم التعديل فيه بمجرد مرور أجل 20 يوم دون إعلان المؤمن عن رفضه، بل يبقى التعديل متوقفا على إضافته في الملحق، ويشترط حينها أن يكون الملحق موقعا من الطرفين كما هو الحال لوثيقة التأمين ذاتها.
ومتى استوفى ملحق التأمين هذه الشروط والآجال، رتب الآثار التالية:


(1): السنهوري ص 1135 وما يليها/ أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 98 وما يليها؛
(*): وعادة ما يتقدم المؤمن بالتعديل إلى المؤمن له؛
(2): د. عبد الرزاق بن خروف ص 95.
2- آثاره(1):
يعتبر الملحق جزءا مكملا للوثيقة الأصلية ولا يعد تأمينا جديدا، ولا يعدل في العقد الأصلي إلا بعض بنوده التي قصد الأطراف تعديلها، وكما لا يثبت الاتفاق الأصلي إلا بالكتابة فلا يثبت تعديله إلا بالكتابة كذلك.
يسري أثر التعديل من وقت إجرائه وليس له أثر رجعي يمتد إلى تاريخ تحرير الوثيقة الأصلية، إلا إذا كان الغرض منه إصلاح غلط أو توضيح غموض في بعض شروط العقد، وإذا كان الأصل أن لا يسري الملحق في حق الغير إلا إذا كان له تاريخ ثابت يسبق الواقعة التي أنشأت حق هذا الغير فإن هذا الحكم لا يسري على المضرور في التأمين من المسؤولية، الذي يحتج عليه بأن التعديل في وثيقة التأمين متى كان تاريخها العرفي يسبق وقوع الحادث، ما لم يثبت المضرور الغش في جانب المؤمن له أو التواطؤ بين المؤمن والمؤمن له، وذلك على أساس أن المضرور لا يعتبر من الغير بالنسبة لوجوب إثبات التاريخ(2).
إذا وقع تعارض بين الملحق والوثيقة الأصلية، فالعبرة بما هو وارد في الملحق لأنه يتضمن إرادة المتعاقدين في إجراء تعديل على الوثيقة الأصلية(3).
وكما يعتبر الملحق شرطا خاصا ينسخ ما يتعارض معه من الشروط العامة، فإنه ينسخ ما يتعارض معه من شروط خاصة وتضل الوثيقة الأصلية سارية المفعول فيما لم يعدله الملحق(4).

المطلب الثاني: المحل في عقد التأمين
تتحدد عناصر المحل في عقد التأمين على أساس أن هناك مصلحة مشروعة للمؤمن له في عدم تحقق خطر معين تدفعه إلى إبرام العقد، مما يجعل محل عقد التأمين هو تغطية أو ضمان خطر معين يتجسد في ضياع قيمة مالية، أو حلول أجل معين، وبصفة عامة حدوث واقعة مستقبلية، وذلك مقابل دفع القسط(*).
فإذا تحقق الخطر التزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له الذي يدفع بالمقابل أقساط التأمين، وعليه فمحل التزام المؤمن يتمثل في دفع مبلغ التأمين عند تحقق الخطر في حين أن محل التزام المؤمن له يتجسد في دفع الأقساط(5).
مما يجعل لمحل عقد التأمين عناصر متعددة تتمثل في الخطر، القسط ومبلغ التأمين، نبسط تحليلها فيما يلي:

أولا: الخطر
1- تعريفه وأنواعه:
يمكن تعريف الخطر بأنه "حادثة محتملة الوقوع لا يتوقف تحققها على محض إرادة أحد المتعاقدين وحدها خاصة إرادة المؤمن له، وهي حادثة إذا تحققت تمس حقوق هذا الأخير المالية منها وغير المالية(6)، وقد تكون حادثة سعيدة كميلاد طفل أو زواج، أو حادثة محزنة كالحريق والسرقة والوفاة.


(1)، (5) و(6): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 100، ص 114 وص 115 على التوالي؛
(2) و(3): السنهوري ص 1138؛
(4): عبد الحي حجازي ص142؛
(*): يرى السنهوري أن الخطر هو أهم عناصر التأمين وهو المقياس الذي يقاس به كل منهما، فيعتبر القسط محل التزام المؤمن له، ومبلغ التأمين هو محل التزام المؤمن أما الخطر فهو محل التزام كل منهما، فالمؤمن له يلتزم بدفع الأقساط ليؤمن نفسه من الخطر، والمؤمن يلتزم بدفع مبلغ التأمين لتأمين المؤمن له من الخطر.
وقد وردت عدة تعريفات للخطر(1):
فقد عرفه بلانيول وريبار أنه "حصول الحادث الذي يوجب تحققه أن يوفي المؤمن بما التزم به"، وعرفه بيكار ويبسون بأنه "حادث محتمل الوقوع لا يتوقف تحققه على إرادة الطرفين وحدهما خاصة إرادة المؤمن له".
ومن هذين التعريفين يتبين أن الغرض من التأمين هو الاحتياط من نتائج حادث معين، والمعنى الذي يحمله الخطر في عقد التأمين أوسع من المعنى الذي يحمله الخطر في مدلوله اللغوي، فالغالب أن يؤمن الشخص على أخطار ينتج عن حدوثها ضرر يصيبه في شخصه أو ماله، كما يمكن أن يؤمن على حادث سعيد ومفرح كالتأمين على الولادة، فيتقاضى مبلغ التأمين إذا رزق بولد، أو التأمين لحالة البقاء، فيتقاضى مبلغ التأمين إذا بقي حيا إلى أجل معين(2).
وللخطر أنواع كثيرة تختلف باختلاف المجال أو الميدان الذي ننشأ فيه أو تمسه فهناك أخطار برية وبحرية وجوية:
• فالأخطار البحرية: هي الأخطار التي تتعلق بعمليات النقل البحري وملاحة النزهة؛
• والأخطار البرية: هي الأخطار التي تحدث على اليابسة وهي أكثر الأخطار تنوعا؛
• أما الأخطار الجوية: فهي التي تتعلق بعمليات النقل الجوي وتصيب أجسام المراكب الجوية والأشخاص والبضائع المنقولة على متنها.
وهناك أخطار مالية وأخرى شخصية:
فالأخطار المالية هي التي تصيب الممتلكات، منقولات أو عقارات، مثل الحريق والسرقة وموت الماشية والحرب وعمليات التخريب والزلازل والأزمات الاقتصادية وغيرها...
أما الأخطار الشخصية فهي التي تصيب حياة الشخص أو سلامة جسمه كالمرض والوفاة والإصابات الجسمية والشيخوخة.
وكل هذه الأخطار تختلف من حيث استقرارها، فهي إما ثابتة أو متغيرة(3)، فالأخطار الثابتة هي التي تكون درجة احتمال وقوعها ثابتة، ويكون احتمال تحققها خلال مدة التأمين لا يتغير من وقت لآخر، كالحريق وحوادث المرور والسرقة وموت الماشية، فهذه أخطار ثابتة ولا يغير ثبوتها زيادتها أو نقصانها في فترة أو أخرى(*).
أما الأخطار غير الثابتة فهي التي يكون احتمال وقوعها خلال مدة التأمين متغيرا من فترة لأخرى، ففي التأمين على الوفاة مثلا يكون المؤمن له معرضا دائما لخطر الموت، لكن احتمال وقوع الوفاة يزيد كلما تقدم الشخص في السن، ويحدث العكس في التأمين على الحياة لحالة البقاء حيث يقل احتمال بقاء المؤمن له حيا كلما تقدم في السن.
والمفروض أن مقدار القسط الذي يدفعه المؤمن له يتغير في الأخطار المتزايدة فيزيد أو ينقص من فترة إلى أخرى كلما زادت درجة احتمال تحقق الخطر أو نقصت، لكن جرى العمل على جعل القسط ثابتا، لتسهيل التعامل بين شركات التأمين والمؤمن لهم.




(1): مختار محمود الهانسي ص13 وما بعدها؛
(2): د. عبد الرزاق بن خروف ص 98؛
(3): السنهوري ص 1077؛
(*): فحوادث المرور مثلا تزداد في الشتاء وتقل في الصيف، والحرائق تكثر صيفا وتقل شتاء.
2- شروط الخطر:
عملا بالقواعد العامة، يشترط في محل العقد أن يكون موجودا أو قابلا للوجود في المستقبل، وأن يكون معينا أو قابلا للتعيين وأن يكون مشروعا، وتطبيقا لذلك على عقد التأمين، يجب أن يكون الخطر ممكنا محتمل الوقوع، وأن يكون معينا في العقد ومشروعا، مع انفراد الخطر في عقد التأمين بشرط آخر وهو أن يكون مستقلا عن إرادة الطرفين.

أ- أن يكون الخطر ممكنا (احتمالية الخطر):
يجب أن يحتوي الخطر على صفة الاحتمال، ولهذه الصفة وجهان: فقد يكون الخطر محتمل الوقوع مستقبلا، أي قد يقع أو لا يقع أبدا، مثل نشوب حريق أو هلاك الماشية أو وقوع سرقة ونحو ذلك، وقد يكون خطرا محقق الوقوع لكن تاريخ وقوعه غير معروف ولا محدد، فيحتمل أن يحدث في أي وقت، ومثال ذلك الوفاة.
وفي كل الحالات يجب أن يكون الخطر ممكن الوقوع أي غير مستحيل، بحيث إذا كان مستحيلا بطل العقد لاستحالة المحل، كأن تتلف البضاعة أو تسرق قبل إبرام العقد، أي أن الخطر تحقق قبل إبرام العقد ويستحيل بذلك انعقاده، ويطلق الفقهاء على هذه الحالة الاستحالة النسبية(*)، فيما تعني الاستحالة المطلقة للخطر أنه لا يمكن أن يقع بحكم قوانين الطبيعة في كل زمان ومكان، مثل التأمين ضد سقوط كوكب من الكواكب! فهذا التأمين باطل بطلانا مطلقا ويجب رد الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعاقد فيرد للمؤمن له ما دفعه من أقساط(1).
وفي هذا السياق نصت المادة 43 من الأمر المتعلق بالتأمينات على أنه "إذا تلف الشيء المؤمن عليه وأصبح غير معرض للأخطار عند اكتتاب العقد، يعد هذا الاكتتاب عديم الأثر، ويجب إعادة دفع الأقساط للمؤمن له حسن النية، وفي حالة سوء النية يحتفظ المؤمن بالأقساط المدفوعة"، والمؤمن له حسن النية هو الذي لا يعلم بالهلاك أو يزاول الخطر.
وتجدر الإشارة أنه يوجد استثناء على شرط كون الخطر محتمل الوقوع مستقبلا في التأمين البحري، فالأصل فيه أن يقع باطلا التأمين الذي يبرم بعد هلاك الأشياء المؤمن عليها أو بعد وصولها، إذا ثبت أن نبأ الهلاك بلغ قبل إبرام العقد إلى المؤمن والمؤمن له.
غير أنه إذا عقد التأمين على شرط الأنباء السارة أو السيئة، يرى التشريع المصري أن العقد لا يبطل إلا إذا ثبت يقينا علم المؤمن له شخصيا بهلاك الشيء المؤمن عليه أو علم المؤمن شخصيا بوصول هذا الشيء قبل إبرام العقد(2)، وفي غير هذه الحالة يقع التأمين البحري في الخطر الظني صحيحا.

ب- أن يكون الخطر معينا:
فيجب أن يتفق المتعاقدان على الخطر أو الأخطار التي يغطيها التأمين، ويتم تعيين الخطر بتعيين طبيعته كالحريق أو السرقة أو الصواعق، كما يجب تعيين الشيء إذا كنا بصدد التأمين على الأضرار كالمنازل أو المحلات التجارية أو البضائع أو السيارات، أو تعيين الشخص إذا كان التأمين تأمينا على الأشخاص مثل التأمين على الحياة.



(*): يقصد بالاستحالة النسبية ؛ان يكون الخطر ممكن الوقوع وفقا لقوانين الطبيعة لكن هذا الوقوع يصبح مستحيلا إذا هلك الشيء، ويرى السنهوري في هذه الحالة أن يفسخ العقد بقوة القانون دون أن يكون له أثر رجعي لأن التأمين من عقود المدة، فمن حق المؤمن له الاحتفاظ بالأقساط المدفوعة سابقا، لكن ذمة المؤمن له تبرأ من دفع باقي الأقساط؛
(1): عبد المنعم البدراوي، العقود المسماة، الإيجار والتأمين، القاهرة 1968، ص201؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 117.
وقد يتعين الخطر بتعين سببه إذا كان هذا السبب محددا، مثل التأمين على الحريق إذا كان سببه انفجار أنابيب الغاز، أو التأمين على الحياة لحالة الوفاة إذا كان سبب الوفاة طبيعيا، كما قد يكون الخطر معينا بصفة عامة ويستثني الطرفان منه حالة أو عدة حالات خاصة وعندها يجب أن تعين هذه الحالات تعيينا دقيقا و واضحا مانعا لأي لبس، مثل أن يستثني الطرفان في التأمين الذي يكون سببه الحرب فلا يلتزم المؤمن بتغطية الحريق الذي يكون سببه الاضطرابات الشعبية مثلا.

ج- أن يكون الخطر مستقلا عن إرادة الطرفين:
إن العنصر الجوهري في الخطر هو الاحتمال فيجب أن يكون الخطر المؤمن منه ناتجا عن عامل الصدفة ولا يجوز للمؤمن له إحداثه عمدا بفعله، فإذا كان الخطر يعتمد كليا على إرادة أحد المتعاقدين انعدم الاحتمال بالنسبة له ووقع العقد باطلا بطلانا مطلقا لتخلف شرط أساسي في محله.
فإذا أمن شخص على سيارته من الحريق وتعمد إحراقها لا يستحق مبلغ التأمين لأن الخطر لم يتحقق نتيجة الصدفة، كما لا يجوز للمؤمن له أن يؤمن على مسؤوليته ثم يتعمد إلحاق الضرر بالغير.
فقد أجمع الفقه والتشريع على عدم جواز تأمين خطأ المؤمن له العمدي لأنه -فضلا عن انعدام عنصر الاحتمال- يحمل معنى تحميل الغير نتائج غش متعمد وهذا يشجع صاحبه على ارتكاب الخطأ(1).
أما الخطأ غير العمدي فيمكن التأمين عليه مهما كانت جسامته، فقد استقر الفقه على جواز التأمين من الحوادث غير العمدية التي يتسبب فيها المؤمن له بإهماله ورعونته، والأساس في ذلك أنه لا يتوقف وقوع الخطر على إرادة المؤمن له فيكون احتماليا من حيث تحقيقه، ويتضح ذلك بجلاء في التأمين من المسؤولية عن حوادث السيارات.
كما لا يجوز للمؤمن له أن يؤمن على حياته لحالة الوفاة ثم يتعمد إحداث الخطر بنفسه بالانتحار(*)، ومن جانب آخر لا يستحق المستفيد مبلغ التأمين إذا تسبب بفعله العمدي في وفاة المؤمن سواء قتله بنفسه أو حرض على قتله(2).
وإذا كان الأصل أن الخطأ العمدي الذي يرتكبه المؤمن له يبرئ المؤمن من مبلغ التأمين، فإن لهذا الأصل استثناء وهو وجود مبرر خاص لهذا الخطأ العمدي، وهو المصلحة العامة وأداء الواجب والمصلحة الخاصة والدفاع الشرعي عن النفس أو الغير أو المال، ومن أمثلتها أن يتعمد المؤمن له قتل جزء من ماشيته خوفا من امتداد المرض الذي أصابها إلى غيرها، أو أن يعرض حياته للموت إنقاذا لحياة غيره فيموت أو أن يقتل غيره إنقاذا لنفسه، وكلها تعتبر مبررات لإحداث الخطر عمدا ولا يعفى المؤمن بسببها من دفع مبلغ التأمين لأنها تأخذ حكم الخطأ غير المتعمد من المؤمن له.
هذا وإن عقد التأمين يبقى قائما ويبقى المؤمن ملزما بدفع مبلغ التأمين طبقا للمادة12 من الأمر المتعلق بالتأمينات إذا حدث الخطر بخطأ متعمد صادر من أشخاص يكون المؤمن له مسؤولا مدنيا عنهم حسب أحكام المسؤولية عن فعل الغير(**)، وهم الأشخاص الذين يحتاجون إلى الرقابة بسبب سنهم أو حالتهم العقلية أو الجسمية، وكذا التابعون للمؤمن له إذا حدث منهم الـخطأ وقت تـأدية وظيفتهم أو بسببها، ويطبق نفس الحـكم إذا حدث الخطأ بسبب أشياء أو حـيوانات


(1): عبد الحي حجازي ص 62؛
(*): وقد عالجت هذه الحالة المادة 72 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(2): بن خروف ص 102، وأصبح التعديل الجديد يشترط وجود حكم نهائي بات يدينه بذلك؛
(**): والتي تتفرع إلى مسؤولية متولي الرقابة المواد 134 و135 قانون مدني، ومسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه المادة 136 قانون مدني.
يكون المؤمن له مسؤولا مدنيا عنها بموجب أحكام المسؤولية عن فعل الأشياء(*)، كما يبقى التأمين قائما ومبلغ التأمين واجب الدفع لو كان الخطأ العمدي مرتكبا من الغير فخطأ الغير بالنسبة للمؤمن له يعد سببا أجنبيا.

د- أن يكون الخطر مشروعا:
من المقرر عدم جواز التأمين من حادث يقع بسبب أو بمناسبة نشاط غير مشروع(1)، ويقصد بمشروعية المحل في عقد التأمين أن يكون النشاط الذي ينشأ بسببه الخطر غير مخالف للنظام العام والآداب العامة، لذلك يعتبر الخطر غير مشروع إذا كان ناتجا عن المتاجرة في المخدرات، أو أعمال التهريب أو المتاجرة في الرقيق، كما يكون التأمين باطلا إذا كان محله تأمين منزل قمار أو دعارة من الأخطار أو أي عمل آخر منافي للنظام العام والآداب العامة.
ويعد غير مشروع كذلك التأمين من الغرامات المالية أو المصادرة التي يمكن الحكم بها جنائيا لأن كلا منهما عقوبة والعقوبة يجب أن تبقى شخصية مراعاة للنظام العام(2).
كما أن التأمين على الحياة لحالة الوفاة الذي أبرمه شخص لتغطية خطر الإعدام الذي يتهدده كنتيجة لجريمة ارتكبها باطل لأن الباعث والدافع لإبرامه هو تغطية مخاطر نشاط غير مشروع، أما إذا لم يثبت هذا الباعث لدى المؤمن له بل أقدم على التأمين على حياته ضد خطر الوفاة لمصلحة ورثته مثلا فإن الحكم عليه بالإعدام بعد ذلك لا يمنع ورثته من الاستفادة من التأمين(3).
إلى جانب أنه -وكما سبق بيانه- لا يجوز للشخص أن يؤمن نفسه من خطئه العمدي لأن الخطأ المؤمن منه يتوقف تحققه على محض إرادة المؤمن له، فإذا أضر المؤمن له بالناس متعمدا دفع المؤمن التعويض عنه، مما يشجع المؤمن له على إلحاق الضرر بالناس وهذا حتما مخالف للنظام العام(4).
كما يعد مخالفا للآداب العامة التأمين على الحياة لمصلحة خليلة إذا كان الغرض من التأمين دفعها إلى الرضا بقيام هذه العلاقة غير المشروعة أو الاستمرار فيها أو العودة إليها إن انقطعت(5).

3- استبعاد بعض المخاطر من التأمين:
توجد بعض الأخطار تخرج من نطاق التأمين إما بنص القانون أو باتفاق بين الطرفين.
1- الأخطار المستبعدة من التأمين بنص قانوني:
وهذه الأخطار هي الأخطار التي يكون مصدرها الحرب الأجنبية والأخطار التي يكون مصدرها الخطأ المتعمد للمؤمن له.
أ- الحرب الأجنبية:
وهي العمليات الهجومية التي تقوم بها دولة على دولة أخرى وعمليات الدفاع التي ترد بها الدولة المهاجمة(6)،


(*): أحكام المادة 12 من الأمر المتعلق بالتأمينات والمواد 136 إلى 140 من القانون المدني؛
(1): عبد الحي حجازي ص 65؛
(2) و(5): السنهوري ص 1149 وص 1151 على التوالي؛
(3): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 136، غير أن السنهوري يرى خلاف ذلك ص 1151 خاصة إذا كانت الجريمة الخيانة العظمى؛
(4): المادة 12 من الأمر المتعلق بالتأمينات التي تنص على أنه: "يلتزم المؤمن بتعويض الخسائر والأضرار ... الناتجة عن خطأ غير متعمد للمؤمن له ..."؛
(6): د.عبد الرزاق بن خروف 104.
وينتج عن عمليات الهجوم والدفاع أضرار كبيرة في الأموال والأشخاص بسبب التخريب والتدمير، ويصعب وضع إحصائيات ثابتة فيها، لذلك تستبعد من نطاق التأمين إلا إذا وقع اتفاق بين المؤمن والمؤمن له على التأمين عليها وهو استثناء أقرته المادة 39 من الأمر المتعلق بالتأمينات بنصها "لا يتحمل المؤمن مسؤولية الخسائر والأضرار التي تتسبب فيها الحرب الأجنبية إلا إذا اتفق على خلاف ذلك".
أما إذا لم يوجد اتفاق بشأنها، فيجب على المؤمن أن يثبت أن الضرر الذي أصاب المؤمن له ناتج عن حرب أجنبية لأنها مستبعدة أصلا.










رد مع اقتباس