منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التعديل الدستوري مذكرتي الخاصة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-10-23, 10:41   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










Smile تابع

الفرع الثاني: بناء الجملة القانونية
يمكن تلخيص السمات التي تميز الجملة القانونية في الأغلب الأعم، فيما يلي:
1- طول الجملة القانونية بشكل مبالغ فيه و اعتمادها دائما على تراكيب معقدة.
2- التباعد بين أجزاء الجملة التي تكون في الجملة العادية، عادة، بجوار بعضها البعض على سبيل المثال التباعد بين الفاعل و الفعل.
3- استخدام العبارات المقيدة للمعنى بشكل مفرط لتقييد أجزاء معينة في الجملة، أو لتقييد الجملة كلها.
4- ازدحام الجملة عادة بتفاصيل تجعل من الصعب اختراقها و التوصل إلى العلاقات بين أجزائها.
و يتضح لنا ذلك من المثال التالي:
المادة 95 من دستور 1996: "إذا وقع عدوان فعلي على البلاد أو يوشك أن يقع حسبما نصت الترتيبات الملائمة لميثاق الأمم المتحدة، يعلن رئيس الجمهورية الحرب، بعد اجتماع مجلس الوزراء و الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن و استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس مجلس الأمة...".
و إذا نظرنا إلى المادة المذكورة أعلاه فإننا نجد أنها تندرج تحت ما يسمى بالجملة المعقدة، و في هذا النوع من الجمل تكون هناك عبارة تابعة و عبارة رئيسية. و تقوم العبارة التابعة بدور إعطاء معلومات حول العبارة الرئيسية و عادة ما تبدأ بأداة إسناد، و يمكن وضع العبارة التابعة قبل العبارة الرئيسية أو بعدها أو حتى في داخلها.
و إذا نظرنا في المثال المذكور أعلاه فإننا نتوقع أن تكون لدينا عبارة تابعة (فعل الشرط) تبدأ بأداة الشرط "إذا"، و عبارة رئيسية (جواب الشرط). و يوضح الشكل التالي بناء الجملة الشرطية:
إذا + فعل الشرط ← جواب الشرط
و لشرح ذلك نورد المثال التالي:
المادة 176 من دستور 1996: " إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، و حقوق الإنسان و المواطن و حريتها، و لا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات و المؤسسات الدستورية و علل رأيه، أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع (3/4) أصوات غرفتي البرلمان".
إن أول ما نلاحظه في المادة المذكورة أعلاه هو أننا لا نستطيع التعرف بسهولة على الأجزاء الرئيسية للمادة (أداة الشرط: فعل الشرط، جواب الشرط) بسبب تباعدها عن بعضها البعض.
و السؤال المطروح لماذا تتباعد الأجزاء الرئيسية للجملة عن بعضها البعض؟
و الإجابة ببساطة هي بسبب إدخال العبارات المقيدة للمعنى فيما بينها لتقييد معاني أجزاء معينة في الجملة، و إذا قمنا بإحصاء عدد العبارات المقيدة في المادة 95 السالفة الذكر، فإننا نجد عددها 4 عبارات:
1- يعلن رئيس الجمهورية الحرب.
2- بعد اجتماع مجلس الوزراء.
3- الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن.
4- استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس مجلس الأمة.
و هو نفس الحال الذي ينطبق على المادة 176.
فتعقد بناء الجملة القانونية ليس هو ناتج عن التركيبة المعقدة التي تستخدم في بناء الجملة، و إنما التفاصيل المفرطة التي تزدحم بها الجملة و التي تستخدم لتقييد أجزاء معينة في الجملة كما سبق أن وضحنا و الأمثلة على ذلك كثيرة في الدستور الجزائري لعام 1996 و الدساتير الجزائرية السابقة.
و قد يلجأ الصائغ القانوني إلى استخدام كل من أسلوب الإسناد و أسلوب العطف معا في نفس الجملة القانونية و مثال ذلك:
المادة 134 من دستور 1996: "يمكن أعضاء البرلمان أن يوجهوا أي سؤال شفوي أو كتابي إلى أي عضو في الحكومة.
و يكون الجواب عن السؤال الكتابي كتابيا، خلال أجل أقصاه ثلاثون (30) يوما.
و تتم الإجابة عن الأسئلة الشفوية في جلسات المجلس.
إذا رأت أي من الغرفتين أن جواب عضو الحكومة شفويا كان أو كتابيا يبرر إجراء مناقشة، تجري المناقشة حسب الشروط التي ينص عليها النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة، تنشر الأسئلة و الأجوبة طبقا للشروط التي يخضع لهل نشر محاضر مناقشات البرلمان."
مما سبق يتضح لنا أن هناك ثلاثة أساليب رئيسية تستخدم في بناء الحملة القانونية و تؤدي إلى تعقد بناءها، و هذه الأساليب هي: الإسناد و العطف و الفصل بين الجزاء الرئيسية للجملة، لكن ما هي الأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذه الظاهرة، و تجعل الجملة القانونية تبدو في أغلب استعمالاتها لاسيما في الدستور بهذا التعقيد؟
يمكن تلخيص السباب التي تكمن وراء ذلك إلى:
1. صعوبة المشكلات التي يتعامل معها التشريع أيا كان نوعه، و على حد قول "دريدجر": "إن الحاجة إلى سن القوانين تنشأ أحيانا للتعامل مع مواقف صعبة جدا و من الواضح أنه ما من أحد يمكنه أن يفهم القانون التشريعي ما لم يفهم هذه المواقف".
و على سبيل المثال فان الدستور الجزائري لعام 1996 تكلم عن عدد من النقاط من بينها أن الدستور أوجد المحكمة العليا للدولة و هذا ما نصت عليه المادة 158 و التي تحاسب رئيس الجمهورية و شخصيات عليا، و نصت على أن يحدد قانون عضوي تشكيلة المحكمة العليا و تنظيمها و سيرها، و السؤال المطروح أين هو القانون العضوي الذي تتحدث عنه المادة، و من يملك السلطة لمحاكمة رئيس الجمهورية؟
و أوجد الدستور أيضا رقابة المجلس الشعبي الوطني للميزانية عن كل سنة مالية (المادة 120 فقرة سابعة).
فما الفائدة أن نورد أحكاما في الدستور و لا نعمل بها في نهاية المطاف و كان من الأفضل استبعادها.
2. اختلاف جمهور اللغة القانونية: يصاغ التشريع حسب نوعه لعلاج مشكلة قائمة أو لتجنب حدوث مشاكل محتملة. و قد تطرح فكرة التشريع من الفئة المهمة بموضوعه و قد تطرح الفكرة من الحكومة أو من البرلمان و عند إقرار الدستور يحال الأمر إلى المختصين بالصياغة القانونية ثم يعرض على الأحزاب و المنظمات المدنية لشرح مضمون الدستور، مثل ما حدث مع دستور 1996 حيث قامت مجموعة من الأساتذة في القانون و ذوي الاختصاص بشرح أهداف و مضامين دستور 1996 و منهم الدكتور رزق الله العربي بن مهيدي عميد كلية الحقوق و العلوم الاجتماعية بجامعة عمار ثليجي بالأغواط.
3. التقاليد المتوارثة في الصياغة القانونية: توارث صائغو اللغة القانونية على مر العصور عادات معينة في صياغة الدساتير أصبحت تمثل لهم طوقا يصعب الخروج منه و من بين الموروثات في مجال الصياغة القانونية، عادة الحرص على أن تكون الجملة مكتفية ذاتيا، و من هنا يحرص أغلب إن لم نقل كل الصائغين على أن تحتوي الجملة القانونية بداخلها على كل ما يتصل بها، بحيث تضم بداخلها ككل ما يلزمها، و من هنا نشأت عادة تقييد معاني أجزاء الجملة في داخل نفس الجملة، و أيضا حشو الجملة بكل التفاصيل التي تتعلق بها.
5. سوء الصياغة: تنشأ أحيانا، التركيبة المعقدة للجملة القانونية بسبب سوء الصياغة و ننظر إلى المثال التالي على تعقد بناء الجملة القانونية:
المادة 42 من دستور 1996: "حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به و مضمون و لا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية و القيم و المكونات الأساسية للهوية الوطنية، و الوحدة الوطنية و أمن التراب الوطني و سلامته، و استقلال البلاد، و سيادة الشعب، و كذا الطابع الديمقراطي و الجمهوري للدولة.
و في ظل احترام أحكام هذا الدستور، لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جنسي.....
و لا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة.
يحظر على الأحزاب السياسية كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية.
لا يجوز أن يلجأ أي حزب سياسي إلى استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما.
يحدد التزامات و واجبات أخرى بموجب قانون".
هذه المادة جاءت بالكثير من التقييد في المعنى للفاعل القانوني ألا و هو الحزب السياسي و كان يمكن التغلب على سوء الصياغة، ببساطة باللجوء إلى التبنيد لتصبح المادة كما يلي:
" حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به و مضمون.


لا يمكن التذرع بهذا الحق للمساس بـ:
1- الحريات الأساسية.
2- القيم و المكونات الأساسية للهوية الوطنية.
3- الوحدة الوطنية.
4- أمن التراب الوطني.
5- سلامة و استقلال البلاد.
6- سيادة الشعب.
7- الطابع الديمقراطي و الجمهوري للدولة.
و في ظل احترام أحكام هذا الدستور يحظر على الأحزاب السياسية ما يلي:
1. تأسيس الحزب السياسي على أساس ديني، لغوي، عرقي، جنسي، مهني، جهوي.
2. اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر السابقة.
3. كل شكل من أشكال التبعية للمصالح أو الجهات الأجنبية.
4. استعمال العنف أو الإكراه مهما كانت طبيعتهما أو شكلهما.
تحدد التزامات و واجبات أخرى بموجب قانون".
و كما نلاحظ، فانه دون أدنى شك، أصبحت المادة الآن أكثر وضوحا و أقل إجهادا لذهن القارئ و كل ما حدث هو أن المادة قد نظمت بشكل جيد دون إجراء أي حذف أو إضافة كبيرة عليها.
أما عن الأساليب المستخدمة في بناء الجمل القانونية و القواعد الدستورية فإننا نجد الربط و الإسناد حيث أنه يقصد بالأول ربط أجزاء الجملة باستخدام أدوات الربط وهي حرف العطف "و" و حرف "أو" و عبارة "ولكن". أما الثاني (الإسناد) فيقصد به استخدام جملة تابعة لإضافة معلومات إلى جملة أخرى داخل الجملة الرئيسية.
و يميل الصائغ القانوني إلى الاستخدام المفرط لهذه الأساليب داخل الجملة نفسها، كما يفعل ذلك بشكل متكرر يكون في كل الحالات التي يستخدمها و هذا تحديدا هو وجه الغرابة في استخدام هذه الأساليب و ليس استخدامها في حد ذاته هو الأمر الغريب. و هو الأمر بالنسبة للمادة السالفة الذكر.
أما الأسلوب الثاني الذي يجب أن تتسم به الجملة القانونية عموما و القاعدة الدستورية خصوصا هو أسلوب التوازي و التراكيب المتوازنة، و الكلمات التكرارية التركيبية.
و يقصد بالتوازي استخدام تركيبة مماثلة لتركيبة سابقة في الجملة. بمعنى تكرار كلمات شبيهة بنفس الترتيب الذي وردت فيه من قبل في الجملة.
و يقصد بالتوازي استخدام مجموعات من الكلمات متساوية في العدد أولها نفس الطول تقريبا.
و يقصد بالكلمات التكرارية التركيبية، تكرار أول كلمة في التركيبة المكررة في قالب متوازي أو متوازن.
و يلجأ الصائغون القانونيون مرارا و تكرارا إلى استخدام الأساليب السابقة لتوضيح المعنى في الجملة القانونية، خاصة عندما تحتوي الجملة على تفاصيل كثيرة و بدون استخدام هذه الأساليب تصبح الجملة صعبة الفهم.
و من بين أصول حسن صياغة القواعد القانونية و الدستورية، يمكن حصرها فيما يلي:
1- تخصيص جملة لكل فكرة و لا تخصص أكثر من فكرة للجملة الواحدة.
2- استخدام الجمل القصيرة و متوسطة الطول حيث يعتبر أفضل متوسط عدد للكلمات في الجملة التي تتناول موضوعات معقدة أو فنية هو 20 كلمة في الجملة. و بالنسبة للصائغين القانونيين، يمكن أن يتراوح هذا الرقم من 20 إلى 25 كلمة في الجملة. و رغم أن تنويع طول الجملة مطلوب لتفادي الإحساس بالرقابة و الممل فانه حتى أطول الجمل يجب ألا تزيد عن 35 كلمة.
3- استخدام التوازي و التوازن و الكلمات التكرارية التركيبية.
4- البدء بالفعل.
5- وضع الكلمات التي تتصل ببعضها البعض متجاورة بقدر الإمكان.
6- استخدام المبني للمعلوم.
و إذا أردنا إسقاط مثل هذه المسائل على الوثيقة الدستورية لعام 1996، نجد أن هناك في بعض مواد الدستور صياغات طويلة، منها صياغة المادة 88 من الدستور و التي تتكلم حول حالة الشغور، فالمشرع الجزائري حاول أن يضبط هذه المادة، حيث أنها تشمل حوالي صفحة و نصف من الدستور و هذا خلاف أحكام الدستور التي ينبغي أن تكون مقتضبة جدا و تؤدي المعنى. هذه المادة مع الأسف من حيث المضمون الذي اعتمدته تشمل تناقضات كثيرة، منها أنه في حالة المرض المزمن الذي يشمل رئيس الجمهورية فهنا لدينا مرض مزمن و قد يكون هذا المرض لا يحول دون ممارسة المهام و لدينا أيضا مرض مزمن يمكن أن يحول دون ممارسة مهام رئيس الجمهورية.
مهما يكن من أمر المسألة التي تطلبت أنه ينبغي على المجلس الدستوري أن يتثبت من الأمر بالإجماع، فكيف نعلق أمر توجد فيه شهادة طبية و وثائق رسمية تقول أن شخص رئيس الجمهورية يستحيل عليه ممارسة مهامه –بإجماع المجلس الدستوري، و ناحية ثانية نعلقها بموافقة 2/3 أعضاء البرلمان، فالشهادة الطبية كافية وحدها دون أن نعلق الأمر لا بإجماع المجلس الدستوري و لا بالنسبة لأعضاء البرلمان.
ثم في اشتراط المدة الزمنية فالنص يميز بين أمرين الشغور المترتب عن المرض المزمن و الذي علقه الدستور لـ45 يوما و بين الاستقالة المرتبطة بـ60 يوما فما هو المعيار بين 45 يوما و 60 يوما؟ الجواب لا شيء، لماذا المرض المزمن 45 يوما، و الاستقالة 60 يوما، لابد أن تكون هناك مبررات موضوعية لحل هذا الإشكال و ليس هناك أي مبرر يمكن أن نستمده من نص المادة.
ثم إن نص المادة 88 في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية، ثم الشغور المرتبط بالشغور، و الشغور المرتبط بشغور الشغور. فدخلنا في فرضيات لا علاقة لها و كان يمكن حل هذه المسألة عن طريق إحدى الوسيلتين:
1- تعيين نائب الرئيس.
2- في حالة شغور منصب رئيس الجمهورية يتولى رئيس مجلس الأمة المنصب، و في حالة شغور منصب رئيس مجلس الأمة يتولى رئيس المجلس الدستوري المنصب .
المطلب الثالث: الوضوح و انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم
يجب على الصائغ القانوني مراعاة الوضوح في صياغة القوانين بصفة عامة و التعديل الدستوري بصفة خاصة. إضافة إلى انتقاء الكلمات و استخدام علامات الترقيم.
الفرع الأول: الوضوح
يساعد الوضوح في الصياغة القانونية بصفة عامة على إزالة الالتباس و الغموض و هناك عدة اعتبارات عامة ينبغي مراعاتها في هذا الخصوص، و تتمثل فيما يلي:
1- الكلمة ليس لها معنى في حد ذاتها و إنما تستمد معناها من السياق الذي توجد فيه.
2- يكون المفهوم غامضا إذا ترك مجالا، في سياق معين، مفتوحا بشكل واسع جدا بحيث يصعب معه تحديد معنى دقيق للكلمة.
3- يجب أن تتطابق النية الذاتية للمتحدث مع المعنى الموضوعي للكلمة أو العبارة المستخدمة في السياق.
4- إذا حاولت النية الذاتية التعبير عن معنيين موضوعيين – أي التوصل إلى حد وسط- يمكن ينشأ الغموض. و من أمثلة ذلك أن يحاول الصائغ القانوني، التوفيق بين معنيين، فيستخدم كلمة تعني كلا المعنيين.
5- إن ما يمكن حذفه في بعض السياقات، لا يمكن حذفه في سياقات أخرى حتى لا يتأثر وضوح النص.
6- إن البساطة لا تعني دائما الوضوح.
و ينشأ الغموض من استخدام الكلمات التي ليس لها حدود معينة، و من ثمة، تتيح الاختيار حول درجة هذه الحدود و نطاقها. و كقاعدة عامة ينبغي تجنب استخدام الكلمات الغامضة في الصياغة القانونية لأنها تؤدي إلى حدوث تأويلات.
و كذلك قد يحدث الالتباس عند استخدام كلمة لها مدلولين أو أكثر في سياق يتعذر معرفة المعنى المقصود من الكلمة، و ينشأ هذا النوع من الالتباس ليس بسبب المعاني المتعددة للكلمة و إنما لأن الكلمة أستخدمت في سياق من غير الواضح فيه المعنى المقصود منها.
و قد تؤدي طريقة ترتيب الكلمات داخل الجملة إلى احتمال تفسير الجملة بطريقتين أو أكثر. و لقد كتب وليام كوبيت عن ذلك سنة 1818 قائلا: "من بين كل الأخطاء في الكتابة، يعد وضع الكلمات في أماكن خاطئة من أكثر الأخطاء شيوعا، و ربما يؤدي ذلك إلى حالات كثيرة من سوء الفهم" و في الصياغة القانونية كثيرا ما ينشأ الالتباس نتيجة وضع العبارات المقيدة للمعنى في أماكن خاطئة في الجملة.
و قد ينشأ الالتباس نتيجة استخدام واو العطف أو التخيير "أو" للربط بين اسمين تستخدم معهما صفة واحدة. و من الأفضل في هذه الحالة أن يوضح الصائغ القانوني المعنى الذي يقصده.
و قد تكون الكلمات نفسها المستخدمة في الوثيقة القانونية واضحة تماما في مظهرها و لكن عندما يتم الكشف عن حقائق أخرى، يظهر لبس في المعنى و يطلق على ذلك النوع من الالتباس السياقي بسبب إما تضارب داخلي أو خارجي، و يحدث الالتباس الداخلي عندما يتناقض حكم في الوثيقة القانونية م حكم آخر في نفس الوثيقة. و مثال ذلك التنسيق بين نص المادة 165 و التنسيق بين المادة 168. فنص المادة 165 ينص على أن المجلس الدستوري له أن يعلق إما بقرار أو برأي، برأي هو السابق و بقرار هو اللاحق. لكن نص المادة 168 يتكلم على الرقابة السابقة فقط. و لذلك لابد أن تكون إحالة بين هذه المادة و غيرها من المواد.
الفرع الثاني: انتقاء الكلمات
تستخدم في اللغة القانونية بشكل متكرر كلمات و تعبيرات غير مألوفة، و يمكن استبدال هذه الكلمات و التعبيرات بكلمات و تعبيرات أكثر بساطة تؤدي إلى تحسين وضوح المعنى دون تغييره و لأن الكلمات المستخدمة في الوثيقة القانونية الغرض منها هو نقل معنى معين فانه يجب ألا تترك هذه الكلمات أي شك حول المعنى المقصود منها.
و ينصح فقهاء الصياغة القانونية باستخدام الكلمات المألوفة بدلا من الكلمات الغريبة و الكلمات الملموسة بدلا من الكلمات المجردة و الكلمات المفردة بدلا من الكلمات المركبة، و الكلمات القصيرة بدلا من الكلمات الطويلة و من الأفضل أيضا استخدام الكلمات الأصلية في اللغة القانونية –و خصوصا في الوثيقة الدستورية- بدلا من الكلمات المستعارة أو المعربة، و الكلمات البسيطة بدلا من الصعبة، و المعاصرة بدلا من الكلمات القديمة المهجورة، و فيما يلي بعض الإرشادات في هذا الصدد:
أولا: استخدام الكلمات و العبارات الطبيعية المألوفة بدلا من الغريبة:
يجب على الصائغ القانوني أن يستخدم الكلمات حسب معناها العادي و الطبيعي حتى يتأكد من أن القارئ سيفهم منها المعنى الدقيق الذي أراد الصائغ نقله إليه. و قد يلجأ الصائغ القانوني إلى استخدام كلمة أو عبارة فنية يقتضيها السياق. و هنا ليس هناك حرج على الإطلاق في اللجوء إلى أسلوب الملاحظات الهامشية لشرح معنى المصطلح الفني حتى لا يجد القارئ و خصوصا المتخصص صعوبة في فهمه.
ففي هذا الإطار تتكلم المادة 175 من دستور 1996 بشكل أساسي أنه عندما يعرض مشروع التعديل الدستوري، إذا رفضه الشعب اعتبر لاغيا أما الفقرة الثانية من هذه المادة غير المقبولة فتنص على عدم إمكانية عرض هذا المشروع على الشعب خلال الفترة التشريعية. الإشكال يطرح، هذه الوثيقة عرضت على الشعب و رفضها فكيف يمكن القول أنه في الفترة التشريعية الأخرى يعرض على الشعب. لو كانت المسألة عرضت على البرلمان و رفضها البرلمان في ظل تشكيلة معينة و حل محله برلمان جديد لقبلت الفكرة على أساس أن البرلمان الأول رافض، يمكن أن يقبلها البرلمان الثاني، لكن أن تعرض على الشعب مرة ثانية في فترة تشريعية أخرى و هو أمر غير مقبول منطقيا. لأن الشعب عندما رفض هذه الوثيقة من غير المعقول عرضها من جديد، حتى السلطة تكون غير شرعية.
ثانيا: استخدام الكلمات و العبارات الملموسة بدلا من المجردة
يقول "فاولر": "إن الكاتب يستخدم كلمات مجردة لأن أفكاره مشوشة، و يؤدي تعود الكاتب استخدام الكلمات المجردة إلى زيادة تشوش أفكاره و قد ينتهي به الأمر بإخفاء المعنى الذي يقصده ليس فحسب عن قرائه و إنما أيضا عن نفسه".
ثالثا: استخدام الكلمات المفردة بدلا من العبارات الزوجية و الثلاثية
تستخدم أحيانا في الوثائق القانونية عبارات من كلمتين أو أكثر بدلا من كلمة واحدة، و من أمثلة ذلك "في حالة ما إذا"، في حين أنه يمكن تماما الاكتفاء بأداة الشرط "إذ" لتفي بالغرض، و عبارة "كما يمكن أن".
و مثال ذلك ما نصت عليه المادة 84 من دستور 1996، الفقرة الثانية و الثالثة منها، حيث جاء فيها: ".....يمكن أن تختتم هذه المناقشة بلائحة، كما يمكن أن يترتب على هذه المناقشة........".
و كان بالإمكان تفادي هذه العبارات أو حذفها.
و ينطبق نفس الكلام أيضا على استخدام العبارات الزوجية و الثلاثية بدلا من استخدام كلمات مفردة و مثال ذلك عبارة "غير أنه إذا" حيث نصت المادة 126 من دستور 1996 الفقرة الثانية على ما يلي: "غير أنه إذا أخطرت سلطة من السلطات المنصوص عليها في المادة 166...". و كان بالإمكان الاكتفاء بأداة الشرط "إذا" لتفي بالغرض.
رابعا: تجنب استخدام الكلمات و العبارات القديمة
تحظى الكلمات و العبارات القديمة بسحر خاص يجذب إليها أغلب الصائغين القانونيين. و يقصد بالكلمات و العبارات القديمة تلك الكلمات و العبارات التي توقف استخدامها في اللغة العادية.
خامسا: تجنب استخدام الكلمات و العبارات غير الضرورية
يستخدم الصائغون القانونيون، في بعض الأحيان كلمات غير ضرورية، أما بسبب انجذابهم لاستخدام الكلمات المهجورة أو لرغبتهم في استخدام لغة خاصة بهم تميزهم عن غيرهم و من أمثلة الكلمات و العبارات التي تستخدم في اللغة القانونية بدون داع ما يلي:
استخدام كلمة المذكور و ضمائر الإشارة "هذا" و "ذلك" و ما يناظرها. فهذه الكلمات قد تضفي على الوثيقة شكلا رنانا إلا أنها لا تساعد في توضيح النص.
الفرع الثالث: علامات الترقيم
هناك ميل، بصفة عامة، لدى صائغي اللغة القانونية للإقلال من استخدام علامات الترقيم فهي نادرا ما تستخدم في الوثائق القانونية القديمة، و كان من المألوف أن تمتد، الوثيقة القانونية القديمة عبر عدة صفحات، و من بداية الوثيقة، حتى نهايتها بدون استخدام أية نقاط لتمييز نهايات الجمل أو فاصلات أو غير ذلك من علامات الترقيم.
و يمكن إرجاع الرغبة في تجنب استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية إلى الأسباب التالية:
أ- اللغة القانونية لغة مرئية و ليست سمعية.
ب- الحفاظ على وحدة و تماسك النص القانوني.
ج- الخوف من تفسير علامات الترقيم بما يغير معنى النص.
و تظهر أهمية استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية في أن المشكلة ليست في استخدام هذه العلامات في حد ذاتها و إنما في وضعها في غير محلها أو في الاعتماد الزائد عليها في نقل المعنى. و يجادل الذين يعارضون استخدام علامات الترقيم في الوثيقة القانونية بأن هذه العلامات ضعيفة نسبيا، و من ثم فانه يجب تحاشي استخدامها لنقل المعنى، و فضلا عن ذلك، فإنها غالبا ما يساء استخدامها، إذ قد يتم حذفها عندما تكون هناك ضرورة لوضعها، و قد تستخدم إما بطريقة خاطئة أو في المكان الخطأ.
و من ناحية أخرى، فان عدم استخدام هذه العلامات من شأنه أن يؤدي إلى خلق غموض أو لبس في فهم النص القانوني، و من ثم تنشأ صعوبة في فهم المعنى الحقيقي المقصود التعبير عنه في الوثيقة القانونية.
و يدافع الفقيه "ثورونتون" عن استخدام علامات الترقيم في اللغة القانونية قائلا: "إن علامات الترقيم أداة من أدوات تركيبة الجملة، و هي وسيلة مكملة لترتيب الكلمات لتوضيح تنظيم الكلمات في الجملة، و من ثم، لتكشف طريقة تركيبة الجملة، و يتمثل الغرض الأساسي من استخدام علامات الترقيم في مساعدة القارئ على فهم المعنى المراد التعبير عنه بطريقة أسرع و ذلك عن طريق وضع علامات إرشادية لتركيبة الجملة".
و يقول الفقيه "ماكسويل" "إنه حينما يكون من الضروري تفسير نص ما بطريقة تختلف عن طريقة ترقيمه بعلامات الترقيم، يمكن افتراض عدم وجود أية علامة ترقيم في النص، و بنفس القدر يمكن افتراض وجود علامة ترقيم في النص بينما لا تكون موجودة أصلا فيه".
و نشرح ذلك، يمكن قراء نص 118 من دستور 1996 كما لو كانت قد استخدمت فيه علامات الترقيم، بينما لا تظهر أية علامات ترقيم، حيث تنص المادة على ما يلي:
"يجتمع البرلمان في دورتين عاديتين كل سنة، و مدة كل دورة أربعة 4 أشهر على الأقل.
يمكن أن يجتمع البرلمان في دورة غير عادية بمبادرة من رئيس الجمهورية.
و يمكن كذلك أن يجتمع باستدعاء من رئيس الجمهورية بطلب من الوزير الأول أو طلب من ثلثي (2/3) أعضاء المجلس الشعبي الوطني، تختتم الدورة غير العادية بمجرد ما يستنفذ البرلمان جدول الأعمال الذي استدعى من أجله".
و يمكن إعادة صياغة نص المادة السابقة على النحو التالي:
"يجتمع البرلمان في:
‌أ- دورتين عاديتين كل سنة، و مدة كل دورة أربعة (4) أشهر على الأقل.
‌ب- دورة غير عادية بمبادرة من رئيس الجمهورية.
‌ج- باستدعاء من رئيس الجمهورية بطلب من الوزير الأول أو بطلب من (2/3) أعضاء المجلس الشعبي الوطني.
‌د- تختتم الدورة غير العادية بمجرد ما يستنفذ البرلمان جدول الأعمال الذي استدعي من أجله".
و في هذا الإطار دائما يرى الفقيه"ديكرسون" أن المشكلة فيما يتعلق باستخدام علامات الترقيم بشكل متقن و بدلا من أن يتجاهل صائغ اللغة القانونية علامات الترقيم، ينصح ديكرسون بأن على صائغ اللغة القانونية أن يتقن استخدامها و ألا يعتمد عليها وحدها في أن تفعل ما يجب أن يفعله ترتيب الكلمات داخل الجملة القانونية و كذلك، إن علامات الترقيم هي أكثر الأدوات التي يساء استخدامها.
و القول السابق ينطبق على الدساتير الجزائرية و عمليات التعديلات التي عرفتها.
فمن خلال دراسة المواد 88، 89، 90، 93، 95 من دستور 1996 يتبين عدم اعتماد المشرع الدستوري الجزائري على علامات الترقيم.
و يرى الفقيه "دونان" أن الاستغناء عن كل علامات الترقيم قلما يناسب الصياغة القانونية، و أن هناك مبرر قوي لاستخدام علامات الترقيم حتى و لو كان ذلك بقدر محدود لاسيما عند تقسيم مضمون الجملة في الوثيقة القانونية إلى فقرات. و عندما يكون هناك إحساس بان علامات الترقيم قد غيرت من المعنى المقصود للكلمات، فان ذلك يعد إشارة قوية إلى أن هذه الكلمات ينبغي إعادة النظر فيها لأنه يجب أن تكون هذه الكلمات وحدها قادرة على نقل معناها بطريقة لا لبس فيها بدون مساعدة من علامات الترقيم.