منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - لكل من يبحث عن مرجع سأساعده
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-09-26, 19:10   رقم المشاركة : 57
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

عندما نتحدث عن المناهج النقدية إنما نعني نضج النقد بعد مسيرة طويلة بدأ فيها فطرياً ساذجا أو تأثريا ينأى عن التقويم والتعليل ليس له سوى الاستحسان أو الاستهجان قبل أن يصبح هذا الرضا أو عدمه قواعد وأصولا يعلل النقد من خلالها موقفه من الأثر الذي يعالجه. وهذا التعليل اتخذ طرائق مختلفة في تقويم الأدب أو تفسيره تحت تأثير فلسفات وتيارات فكرية أنتجتها الإنسانية خلال عصور تقدمها وتطورها ومن هنا نشأت مذاهب وطرائق اتخذت شكل مناهج نقدية، فكان منها: المنهج التاريخي، والمنهج التأثيري، والنفسي، والاجتماعي، والبنيوي.
1_ المنهج التاريخي:

ويرى هذا النقد أن الإنسان ابن بيئته يتأثر بها وتؤثر فيه؛ ولهذا يعمد هذا المنهج إلى دراسة الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية للعصر الذي ينتمي إليه الأدب، وبهذا المنهج يلجأ الناقد إلى تفسير كثير من الظواهر الغامضة في الأثر الأدبي وتعليلها فيخضع ما لا يجد له تفسيرا في حاضره إلى ما يراه مناسبا في ماضيه بمعنى أن هذا الأثر كان نتاج مؤثرات في عصره، وبها يمكن للناقد أن يقوم باستجلاء كوامنه وغوامضه (( فمعرفة التاريخ السياسي والاجتماعي لازمة لفهم الأدب وتفسيره.
وكثيرا ما يستحيل فهم نص أدبي قبل دراسة تاريخية عريضة والكتب صدى لما حولها من أمور، ونحن معرضون للخطأ في فهم وتقدير آراء الأدباء وأخيلتهم ما لم نلاحظ صلتهم بعصورهم وإذ كان الأديب ثمرة بيئته وعصره، فقد لا يكون نابغة أو عبقريا لو تقدم عصره أو تأخر عنه ما دامت عوامل البيئة قد وجهته.))
ويدين المنهج التاريخي للناقد الفرنسي تين، فقد ذهب إلى أن الأدب يفهم ويفسر في ضوء عناصر ثلاثة هي الجنس والبيئة والعصر، وقصد بالجنس الصفات التي يرثها الأديب، وتؤثر فيه والعصر هو الأحداث السياسية والاجتماعية التي تكون طابعا عاما يترك آثارا عظيمة في أدب الأديب والبيئة الجغرافية التي يعيش فيها الأديب، وتؤثر فيه.
وللتاريخية معنيان: معنى عام، وآخر خاص؛ والمعنى العام يرتبط بالفلسفة أكثر منه بالأدب والنقد، فيذهب إلى علاقة الفرد بالتطور البشري وإلى الأدب والحركات الأدبية تبعا للتطور الاجتماعي والسياسي والديني. أما الخاص فيعني ارتباط الحدث بزمن؛ ومن هنا جاء تقسيم الأدب إلى عصور، وتحديد صفات كل أدب من خلال عصره، وعلاقة هذه الصفات بالصفة الغالبة في العصر في منحاه السياسي الغالب، وهذا المعنى هو المقصود هنا من (التاريخي).
ويُعدُّ الدكتور طه حسين من الأوائل الذين استعملوا هذا المنهج في دراساته عن الأدب العربي القديم، والنقد القديم مثل: ( حديث الأربعاء) و ( تجديد ذكرى أبي العلاء)
2- المنهج التأثيري أو الانطباعي :
جاء في تعريفه:
هو ذلك النقد الذي لا يهتم فيه الناقد بتحليل الأثر الأدبي، ولا بترجمة حياة مؤلف، ولا بمناقشة قضايا جمالية مجرَّدة وإنما يقدَّم في أسلوب جذَّاب حيث انطباعه هو، وتأثره نفسه بالأثر الأدبي الماثل أمامه، وقد اشتهر أناتول فرانس 1844-1924م بالانطباعية في النقد، ومثال ذلك في الأدب العربي الحديث نقد العقاد والمازني لشعر شوقي.
وشاع النقد الانطباعي في أواخر القرن التاسع عشر كرد فعل قوي على المناهج النقدية السياقية (التاريخي والاجتماعي والعلمي) في ظروف هيأتها أجواء ترجع إلى عدة عوامل منها ظهور نظرية الفن للفن : ((التي نادت بالعزلة الجمالية وانطواء الفن الجميل على ذاته في الوقت الذي كشف فيه السياقيون عن العلاقات المتبادلة بين العمل الفني، وأشياء أخرى خارجية وكثيرا ما طمسوا القيم الجمالية للعمل الفني، أو تجاهلوها لهذا انتقلت حركة الفن للفن إلى الطرف المضاد للنظرية السياقية فضلا عن ذلك بدت المناهج السياقية، أو ما يبدو أنه أشهر فروعها في نهاية القرن التاسع عشر بدت كأنها أخفقت وذلك لأنها وضعت تصميمات مفصلة للتفسير (المنشئ ) الكامل للفن غير أن هذه التصميمات ظلت مجرد تصميمات وحسب؛ إذ لم يبدُ ممكنا تفسير الفن أو الفنان على أنهما مجرد نواتج للقوى النفسية والاجتماعية ذلك لأن العبقرية الفنية لا يمكن تفسيرها بالطريقة نفسها التي تفسر بها الجاذبية، وفي الوقت نفسه تأثر أولئك الذين قادوا الثورة على المناهج السياقية بالنظرية الوجدانية تأثرا قويا تلك النظرية التي ترى أن الفن انفعال كما قال أوسكاروايلد.))
فالانطباعية تقوم على وصف الانطباعات والأحاسيس التي تنتج عن قراءة النص الأدبي، فهي مشاعر وأحاسيس الناقد اتجاه ما قرأه بدلا من تفسير النص الأدبي استنادا إلى نظريات علمية أو إصدار أحكام نقدية بناء على ما تقرره القواعد والأصول؛ ولهذا ربما يكون النص بعيدا كل البعد عن هذه الانطباعات.
((مما تجدر الإشارة إليه هو أن الانطباعية ولدت في عالم الرسم عندما وقف الرسام الفرنسي كلود مونيه 1872 على الهافر وفتح نافذة غرفته فرأى البحر والشجر والطبيعة فامتلأت نفسه بمشاعر وأحاسيس أخذت به كل مأخذ، فراح يرسم ذلك الأثر الذي انعكس فيه فكانت لوحته (الانطباع) خالية من البحر ، والشجر والطبيعة، أو بمعنى تخلو من أسباب هذا الانطباع أو الأثر لأن الرسام لم يرسم البحر، والشجر، والطبيعة، وإنما ترجم أحاسيسه ومشاعره التي ولدت فيه تحت تأثيرها، ثم انتقل ذلك إلى الأدب عن طريق الأخوين كونكور، وبدأ الأدباء يتلمسون الانطباع في اللغة دون اللجوء إلى التحاليل العقلية: ((فالأسلوب الانطباعي هو أسلوب فني يضحي بالنحو في سبيل الانطباع ويحذف كل الكلمات التي لا لون لها وغير ذات تعبير، ولا يبقى إلا الكلمات التي تنتج الإحساسات أما فيما يخص النقد،، فقد اقترنت الانطباعية بعلمين فرنسيين هما أناتول فرانس وجيل لمتر.))
ولما كانت الانطباعية تقوم على ما يتركه الانطباع من أحاسيس ومشاعر لتكون انعكاسا لها؛ فإنه كان طبيعيا أن تقف في وجه جميع القواعد النقدية، وأن تشك في صحتها على الحكم؛ ولهذا رفضت أن تكون القواعد النقدية سبيلا لتقويم الفن والأدب والحكم عليهما، فليس في هذه القواعد والنظريات ما يفيد النقد أو الناقد كما رفضت أي تفسير للعمل الفني، أو تقويم بإصدار الحكم عليه، وفي هذا يقول أناتول فرانس : (( إن النقد الموضوعي لا وجود له مثلما أن الفن الموضوعي لا وجود له وكل من يخدعون أنفسهم فيعتقدون أنهم يضعون في أعمالهم أي شيء غير شخصياتهم إنما هم واقعون في أشد الأوهام بطلانا فحقيقة الأمر هي أننا لا نستطيع أبدا أن نخرج عن أنفسنا.)) وتلك نتيجة لا بد منها لمن يعتمد النقد الذاتي الخالص، فالناقد الحقيقي في نظر الانطباعيين هو الذي يروي مغامرات روحه بين الأعمال الفنية الكبرى، وهو يسجل تلك الأفكار، والأحوال النفسية، والانفعالات التي يثيرها فيه العمل الفني، وقد وجهت انتقادات للانطباعية كان أهمها أنها لا تضع حدودا لما يقوله الناقد، وأنها لا تدخل إلى أعماق العمل الفني لتكشف عن قيمته الفنية كما أنها تشجع عمدا على الخروج عن الموضوع في العمل المنقود.
3- المنهج النفسي :
يرى مؤرخو النقد أن النقد النفسي يبدأ في بداية القرن العشرين مع ظهور علم النفس التحليلي على يد فرويد، وما أثاره أتباع يونج في الحديث عن الأسطورة والرمز، وبهذا يكون فرويد ويونج، وإدلر وراء دراسات كثيرة تناولت الأدب، ولاسيما الشعر منه بيد أن تاريخ النقد النفسي أبعد من ذلك بكثير، فهو موغل بالقدم؛ ولهذا نرى أن ستانلي هايمن يقرر أن النقد بعامة كان نفسيا في جملته، وأن أرسطويعد أبا شرعيا للنقد النفسي، ويبدو أن ستانلي يشير إلى ما قرره أرسطو من علاقة بين الأدب والنفس الإنسانية عندما رأى أن المسرحية (المأساة) وظيفة نفسية سماها ( التطهير ) وقصد به أن مشاهدة المأساة تثير عند المتلقي عاطفتي الشفقة والخوف، ومن ثم يتخلص منهما أو يتطهر، ويحل الاعتدال والاتزان محل الإسراف والحدة في عواطفه وانفعالاته.
(( لكن هذا النقد لم يصبح اتجاها إلا بعد أن ظهرت نتائج دراسات الفرويدين للغة والباطن، وكذلك بعد أن أفاض أتباع يونج في الحديث عن الأسطورة والرمز.))
ويعد الناقد الفرنسي سانت بيف من الممهدين لظهور المنهج الفرنسي، وذلك لأنه ربط بين حياة الأديب، وشخصيته، ونتاجه وذهب إلى أننا إذا استطعنا أن نكتسب معرفة بحياة الأديب والمؤثرات الرئيسة فيه أمكننا أن نصل إلى فهم صحيح لآثاره الأدبية.))
ويرى ويلبير سكوت في مناقشة للاتجاه النفسي في نقد عن أصل التسمية، فيجعله النقد المعتمد على التحليل النفساني، ويقرر أنه بدأ بعد ترجمة كتاب فرويد ((تفسير الأحلام)) سنة 1912 م إلى الانجليزية، ويشير سكوت إلى ((شيئين عملا على دعم هذا الاتجاه الأول: ما كشفت عنه الطبيعة من علل رصدها الأدب، والثاني اتساع رقعة الخيال، وانفراط الرمزية والسريالية عن المذهب الرومانسي، فتعقدت الحيوات المثيرة للانفعال والمفعمة بالأحلام والقائمة على تداعي الأفكار، وازدحام الأعماق أو الأخيلة بالأنماط العليا، والأشكال الأسطورية المختلفة.
هذا، وقد سلك الفرويديون في دراستهم مسلكين: (( أما الأول فهو استخدام العمل الفني وثيقة نفسية لدراسة شخصية الفنان وفهمها، وما فيها من عقد وأمراض، وأما الثاني فهو اتخاذ شخصية الفنان أو نفسيته وسيلة، أو أداة لفهم العمل الفني وتفسيره، ومن الواضح أن النظرة الأولى لا تهم إلاّ علم النفس أما النظرة الثانية فكثيرا ما كانت ذات نفع جزيل في النقد التفسيري، وخاصة عندما تكون رمزية العمل غامضة أو ملتوية بل إن أعظم ما أسهمت به الفرويدية قد يكون إظهارها لثراء المضامين الرمزية في أعمال متعددة، والمعاني الكامنة الخفية التي انبثقت منها، وقد تمكنت الفرويدية من إظهار ذلك عن طريق كشفها لأصول هذه الرموز في حاجات الفنان ودوافعه النفسية.
ولابد من الإشارة أن النقد النفسي قد خطا خطوات نوعية على يد شارل مورون الفرنسي، وهو يؤكد أن التحليلات الفرويدية تحكمها قواعد التشخييص الطبي المفروضة عليه من الخارج في حين يكتشف تحليلا نفسيا أدبيا بادئا من النص، ومنتهيا فيه وإليه وإلى الأبد.
وفي أدبنا العربي الحديث تصدى أمين الخولي لتحليل حياة أبي العلاء المعري مستندا إلى المنهج النفسي، ويكتب محمد خلف أحمد (( من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده)) وتأتي دراسة مصطفى سويف الموسومة بـ ((الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة في المقدمة وحاول من خلالها الكشف عن أسرار الخلق الفني معتمدا المنهج التجريبي في علم النفس بعامة والمنهج التكاملي بخاصة.
4- المنهج الاجتماعي:
يؤكد هذا المنهج على الصلة الوثيقة بين الأثر الأدبي والمجتمع ويرى هذا المنهج أن للأدب والفن ودلالات اجتماعية وعليه فإنه ينطلق في تفسيره للآثار الأدبية وتقويمها من دلالة اجتماعية.
إن بدايات النقد الاجتماعي تعود إلى نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر عاد بها أدباء فرنسيون كانوا قد هاجروا إلى ألمانيا وانكلترا أمثال مدام ستال التي أصدرت في عام 1800م كتابا (( عن الأدب من حيث علاقاته بالنظم الاجتماعية، وشاتو بريان الذي أصدر عام 1802 م كتاب (عبقرية المسيحية) ((وصار الاثنان بداية لجمهرة من النقاد وضعوا المجتمع نصب أعينهم في دراساتهم النقدية، ثم ارتبط النقد الاجتماعي بدعوات اصلاحية، أو ثورية تكون الاشتراكية إحدى أهم مدارس النقد الاجتماعي.
وجاء في تعريف النقد الاجتماعي: يمكن اعتباره من الأجناس الأدبية إذا كان الأديب يعالج عيبا اقتصاديا، أو سياسيا، أو اجتماعيا، وفي أغلب الأحيان لا يعالج سوى الموضوعات التي تهم الرأي العام في حينها الأمر الذي يجعل منه نوعا من الأدب لا يهم من يعيشون في غير عصره، وهذا الجنس يستعير قوالب أدبية معروفة كالشعر، والرواية النثرية، والمقالة النثرية، ولكنه في أغلب أحيانه يعتمد على النوعين الأخيرين إلا أن الشعر كان وسيطا للنقد الاجتماعي في العصور الرومانتيكية المختلفة بغرب أوربا، ويمكن أن نعتبر المدرسة الواقعية، والمدرسة الطبيعية في تاريخ الرواية الفرنسية مظهرين واضحين للنقد الاجتماعي كما أن نوع الرواية الخيالية التي تصور بطريقة أو بأخرى فهم المؤلّف للمدينة الفاضلة أو للجمهورية المُثلى أيضا من أهم مظاهر هذا النقد.
وترى الواقعية أن للعوامل الاقتصادية الدور الرئيس في تشكيل المجتمع، وأن البنى الفوقية، ومنها الفنون والآداب، انعكاس للبنى التحتية التي تتمثل في الأنظمة الاقتصادية السائدة في المجتمعات الإنسانية، والمجتمع يؤثر تأثيرا كبيرا في الفن.
وبما أن المجتمع ينقسم إلى طبقات على أساس اقتصادي فإن هذا يقود إلى صراع ينشب بين المسيطرين على الثورة الاقتصادية، والمحرومين منها.
ولهذا لابد من رد التطورات التي تنشأ سواء ما كان منها جريئة أو شاملة إلى التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تلحق بالمجتمع في مرحلة تاريخية محددة، ويمكن عن طريق تطبيق المنهج الاجتماعي فهم نشأة الظواهر الأدبية المختلفة وتطورها وزوالها(( ويفيد المنهج الاجتماعي النقد إذا كان يتناول الأعمال الأدبية ذات الطابع الاجتماعي فيحدد الأصول التي ينشأ منها العمل الفني، ويفسر ما ينطوي عليه من معان ودلالات لكن تطبيق المنهج على جميع الأعمال الفنية يسفر عن نتائج سليمة فثمة أعمال فنية لا تسري عليها مقولات التحليل الاجتماعي والاقتصادي . كما أن هذا النوع من النقد شأنه شأن النقد النفسي لا يصلح لتفسير التركيب الداخلي للعمل الفني، فالناقد هنا يتكلم بعبارات تاريخية واجتماعية على الموضوع الذي يعالجه العمل الفني والأفكار التي يعبر عنها غير أنه عندما ينتقل إلى العناصر الفنية للعمل لا يستطيع أن يتحدث عنها باللغة نفسها.
5- المنهج البنيوي:
البنيوية لغة: البناء أو الطريقة التي يقام بها مبنى ما .
واصطلاحا: تطلق على منهج فكري يقوم على البحث عن العلاقات التي تعطي للعناصر المتحدة قيمة وضعها في مجموع منظم مما يجعل من الممكن إدراك هذه المجموعات في أوضاعها الدالة.
وجاء في تعريف البنيوية، أو التركيبية : هي مذهب من مذاهب منهجية الفلسفة والعلوم مؤداه الاهتمام أولا بالنظام العام لفكرة أو لعدة أفكار مرتبطة بعضها ببعض على حساب العناصر المكونة له أما تلك العناصر فلا يعنى بها هذا المذهب إلا من حيث ارتباطها وتأثرها بعضها ببعض في نظام منطقي مركب، وقد امتدت هذه النظرية إلى علوم اللغة عامة، وعلم الأسلوب خاصة إذ استخدمها العلماء أساسا للتمييز الثنائي الذي يعتبر أصلا لدراسة النص دراسة لغوية، وهذا التمييز الثنائي هو بين اللغة والكلام في اصطلاح جيوم G.Guillaume أو بين نظام الكلام والنص في اصطلاح هيلمسلف L.Hjelmslev أو بين القدرة الكلامية، والأداء الفعلي للكلام في اصطلاح نُوام تشومسكي Noam Chomsky أو بين مفتاح الكلام Code والرسالة الفعلية Massage في اصطلاح رومان ياكوبسن Roman Jakobson .
ومن الموضوعات علم الأسلوب عند أصحاب النظرية التركيبية الوظيفية الشعرية لتركيب الرسالة الشعرية، وتحليل نقل المعاني عن طريق مفتاح لغوي يمكن اعتباره نظاما تركيبيا للغة ومحاولة استخدام علم الإحصاء لاستنباط النظم، أو التراكيب الأسلوبية للغة بحالها،أو لنص أدبي معين فيها، وهناك دراسة تركيبية مشهورة لسونتو الشاعر الفرنسي شارل بودلير Charles Baudelelaire المسمى القِطَط Les Chats قام بها عالم لغوي هو رومان ياكوبسن بالاشتراك مع عالم في السلالات البشرية هو ليفي ستراوس Claude le vi Strauss وقد اكتشفا أن البحث التركيبي اللغوي، والبحث التركيبي الأنتروبولوجي يتشابهان تشابها غريبا من حيث الوصول إلى أنماط تركيبية تكاد تكون واحدة في اللغة، وفي الأساطير على حد سواء.
(ويعتبر) الناقد الفرنسي رولان بارت Roland Barthes رائد النظرية التركيبية في النقد الأدبي، وذلك خاصة في كتابه عن (راسين) 1963م وكتاب ( الكتابة في درجة الصفر ) LE Degre Zero de l`Eciture.
واشتقت كلمة البنية من البناء، فالبناء لغة هو بناء الشيء بضم بعضه إلى بعض نقول: بنيت البناء أبنيه، وهي تعني النظام أو النسق المستند إلى المعقولية، وهي الصورة، أو التعميم الكلي الذي ترتبط أجزاؤه بشكل منطقي يكشف عن النسق العقلي داخل البيئة، ولهذا يجب أن نفرق بين أمرين هل في الموضوع بنية أم أن الموضوع هو بنية؟ فالبنية لا بد أن تتألف من الكلية والتحولات، والتنظيم الذاتي .
وتدين البنيوية بابتداعها وظهورها إلى العالم السويسري فردينان دي سوسير 1857-1913 أستاذ اللسانيات بجامعة جنيف، وكانت في بادئ أمرها محاضرات درسية في علم اللغة ألقيت على طلابه، ومات رائدها دون أن تكتحل عيناه برؤيتها نظرية فتولى تلاميذه نشرها وفاء له حتى إذا كان عام 1928 ظهرت البنيوية جلية تحت أضواء المؤتمر الدولي في لاهاي بهولندة عندما قدم ثلاثة علماء روس هم ياكوبسون ، وكارشفسكي، وتروتبسكوي بحثا مشتركا كشفوا فيه عن الأصول الأولى للبنيوية، وبعد سنة من هذا التاريخ أصدر الثلاثة بيانا في المؤتمر الأول للغويين السلاف المنقعد في براغ استخدموا فيه مصطلح بنية بمعناها السائد في أيامنا هذه ودعوا صراحة إلى اتباع المنهج البنيوي في الدراسات اللغوية.
فالنقد البنيوي يهتم باللغة، ولاعلاقة له بالمؤلف، أو المجتمع وأساسه التحليل، وليس التقويم فالشكل الأدبي تجربة تبدأ بالنص وتنتهي معه،وكلما تعمقنا في القراءة التحليلية تكشف لنا أبنية العمل الأدبي.
والنقد البنيوي يرفض مفهوم (( المؤلف الأدبي)) لأن هذا المفهوم يعني توحيد النصوص، وصهرها في قالب واحد لأنه يرتبط بعلاقة مباشرة بين الإنسان، والعمل الأدبي، ويرفض النقد البنيوي فكرة التسجيل الواقعي التي ((تفترض أسبقية الموضوع على وجوده الكتابي، وما يترتب على هذه الفكرة من صفات الصدق، والإخلاص، والأمانة التي تنسب عادة إلى الكاتب الجيد وفي الوقت نفسه ينبذ البنيويون مبادئ الإلهام، والخلق الأدبي ورسالة الكاتب ،أو العمل الفني إذْ يرون أن الإيمان بهذه المبادئ يؤدي في النهاية إلى إلغاء النص والقضاء على وجوده.
والنقد البنيوي يعد العمل الأدبي كلا مكونا من عناصر مختلفة متكاملة فيما بينها على أساس مستويات متعددة تمضي في كلا الاتجاهين الأفقي والرأسي في نظام متعدد الجوانب متكامل الوظائف في النطاق الكلي الشامل، ويقترح بعض البنيويون ترتيب هذه المستويات على النحو التالي:
1) المستوى الصوتي حيث تدرس فيه الحروف وتكويناتها الموسيقية من نبر وتنغيم .
2) المستوى الصرفي وتدرس فيه الوحدات الصرفية ووظيفتها في التكوين اللغوي والأدبي خاصة.
3) المستوى المعجمي، وتدرس فيه الكلمات لمعرفة خصائصها الحسية، والتجريدية، والحيوية، والمستوى الأسلوبي بها.
4) المستوى النحوي لدراسة تأليف وتركيب الجمل، وطرق تكوينها، وخصائصها الدلالية والجمالية.
5) مستوى القول لتحليل تراكيب الجمل الكبرى لمعرفة خصائصها الأساسية والثانوية .
6) المستوى الدلالي الذي يشغل بتحليل المعاني المباشرة والصور المتصلة بالأنظمة الخارجة عن حدود اللغة التي ترتبط بعلوم النفس والاجتماع وتمارس وظيفتها على درجات الأدب والشعر.
7) المستوى الرمزي الذي تقوم فيه المستويات بدور الدال الجديد الذي ينتج مدلولا أدبيا جديدا يقود بدوره إلى المعنى الثاني، أو ما يسمى باللغة داخل اللغة.
وللنقاد آراء في المنهج البنيوي، فقد وقفوا على إيجابيته وسلبياته، فمن إيجابياته أنه يفرض على القارئ ثقافة لغوية تمكنه من فهم النصوص بيد أن هذا فيه جانب سلبي، وهو الحد من انتشار المعرفة مما يخلق نوعا من (الارستقراطية الأدبية المحدودة) ومن إيجابياته انه يحول القارئ من متلق استهلاكي إلى مشارك بفعالية في فهم النص، وهذا يتطلب منه يقظة عالية في تصور إمكانات النص وتوقع الحلول المختلفة للقضايا الفنية أو التشكيلة المعروضة. ويقول أحد النقاد البنيوين العرب (( ليست البنيوية فلسفة لكنها طريقة في الرؤية ومنهج في معاينة الوجود، ولأنها كذلك فهي تثوير جذري للفكر وعلاقته بالعالم وموقعه منه، وبإزائه في اللغة لا تغير البنيوية اللغة، وفي المجتمع لا تغير البنيوية المجتمع، وفي الشعر لا تغير البنيوية الشعر لكنها بصرامتها وإصرارها على الاكتناه المتعمق والإدراك متعدد الأبعاد والغوص على المكونات تغيّر الفكر المعاين للغة والمجتمع، والشعر، وتحوله إلى فكر متسائل قلق متوثب مكتنه متقص فكر جدلي شمولي في رهافة الفكر الخالق، وعلى مستواه من اكتمال التصوير والإبداع.
ومن سلبيات المنهج البنيوي التجاوز المتعمد لعالم القيم الذي ينشأ فيه الكاتب، ويتأثر به.
ومن أعلام المنهج البنيوي في الغرب رولان بارت، ونورثروب فراي ،وفي النقد العربي عبد السلام المسدي، وكمال أبو ديب.
من محاضرات مادة النقد الأدبي الحديث.
جامعة الحدود الشمالية
كلية التربية والآداب ، قسم اللغة العربية .
المصدر : محاضرات في النقد الأدبي الحديث
د. عبد الحق الهواسhttps://www.airssforum.com/showthread...9%85%D9%86%D8%






نقد أدبي > في المناهج النقدية المعاصرة

في المناهج النقدية المعاصرة
شعيب حليفي
يسير النقد المغربي في اتجاهات عدة وبخطى ثابتة، وذلك بفضل اجتهادات البحث العلمي ومجهودات فردية أو جماعية لباحثين يستحقون هذا اللقب الأكاديمي، كما ساهمت الحلقات الدراسية والندوات العلمية المتخصصة والمشاركات في المناظرات واللقاءات الدولية من إكساب الأداة النقدية القدرة على التطويع والفهم والتفكيك. ويعتبر الدكتور أحمد أبو حسن من الباحثين والنقاد الذين يعملون في الاتجاه النقدي، نظريا ومنهجيا عبر حلقات دراسية علمية أطرها رفقة الدكتور محمد مفتاح، أو مساهمات في ندوات محكمة. مما جعل من مساهماته النقدية والأكاديمية نموذجا لاشتغال الباحث والناقد الذي يستثمر لغاته والمناهج النقدية الأوروبية وتصوراتها لخدمة النقد العربي والنصوص الإبداعية قديما وحديثا.
وقد عكس مؤلفه(في المناهج النقدية المعاصرة) هذا البحث والاجتهاد من خلال سبع دراسات أساسية في مسار الدراسات النقدية، حيث جاءت مواكبة للمنجز النقدي، النظري والمنهجي، في الدراسات الأجنبية – الأوروبية – مستخدما منهجا حفريا يستقصي الأثر النقدي في مظانه الأصلية وضمن صيرورته التاريخية والثقافية، وفي امتداداتها القبلية والبعدية مرجعا وتلقيا، إنها عملية البحث في مصادر وفي أصول ومرجعيات كل تصور نظري أو منهجي للإمساك بالمكونات والمفاهيم الأساسية الدالة لكل ممارسة نظرية أو منهجية.
*نظرية المرجع بين النص والقارئ
عمد المؤلف إلى تقديم قراءات مزوجة وكاشفة لبعض التصورات وكذا النصوص والمرجعيات، حيث عالج عبر الدراسات السبع، وعلى التوالي، المرجع بين النص والقارئ، من حيث هو تصور أولا، وثانيا من حيث انتقاله في النص والقارئ، منطلقا من أرضية "نظرية المرجع" كما قاربها الفلاسفة والمناطقة واللسانيون وفي السيميائيات الأدبية وفلسفة التأويل "وذلك في إطار البحث عن العلاقة بين الذات والموضوع: "الكلمة والشيء، العلامة ومدلولها ومعناها"، (ص 10)، أي البحث في الكلمة والجملة والخطاب والنص. وقد محص أبو حسن مختلف هذه المستويات عبر تدرج منهجي متناولا:
3 المرجع المباشر وغير المباشر، من خلال الإحالات واستعمالات اللغة، كما اهتم بها علماء التربية في إبرازهم لإواليات العملية المرجعية في لغة الطفل الأولى.
4 المرجع والمدلول والمعنى، ويحيل على التمييز الذي تحيل عليه اللغة وتحدده، واقعيا أو خياليا، وقد حدد أبو حسن هذا المبحث بتحديدات وملاحظات سوسير، بنفنيست وفريج وهوسرل وبرتراند راسل... التي أغنت أدواته ورؤيته باقي المحاور الأخرى.
5 المرجع الأدبي، وتأتي مناقشته في إطار ما توصل إليه الباحث من خلاصات وأفكار باعتماد تصور امبرتوايكو، ثم الانتقال إلى محور مرجع النص وكيف أطرته الشكلانية والبنيوية فضلا عن اجتهادات بول ريكور، ليخلص في النهاية إلى سؤالين محركين :
6 هل هناك نص بدون مرجع ؟ وعلاقة النص والقارئ بالمرجع، من يصنع الآخر ويؤسسه ؟
وقد ختم أحمد أبو حسن هذه الدراسة بالبحث في مرجع النص الشعري المغربي وعلاقته بالمرجع الثقافي.في الدراسة السادسة (الأدب الشعبي والرواية المغربية) يقارب الكاتب العلاقة المرجعية بين النص الروائي المغربي، وبعض المكونات الشعبية، فكل ما يلجأ إلى النص الروائي يصبح مرجعا داخل النسق، وقد نحا المؤلف منحى تحديد المفاهيم، خصوصا الأدب الشعبي من منظور موسع ومنهجي، ثم ينتقل للحديث عن التراث الشعبي في الرواية المغربية اشتغاله كمرجعية في عدد من النصوص السردية التي وظفت الإرث الشعبي بخصوصيات أسلوبية ودلالية وإيديولوجية مختلفة.
*التلقي : الأصول والاختبار والانتقال في الدراسة الثانية (نظرية التلقي والنقد الأدبي العربي الحديث) بحث الكاتب في مختلف أصول نظرية التلقي مع أعلامها ومكوناتها، وتتبع ممارستها ونتائجها والنقاشات التي رافقتها في ألمانيا وخارجها، وذلك بمنهجية تتبنى البعد الابستمولوجي المقارن. وهكذا فقد استهل البحث في مستوى التداول لمصطلح التلقي معجما (المعاجم العربية القديمة، والفرنسية والأمريكية والمعاجم الألمانية ثم الموسوعات البريطانية....) لينتقل إلى بدايات ظهور نظرية التلقي ضمن اهتمامات نظريات الأدب والانشغالات التي ميزت الاتجاه البنيوي، متوقفا عند مدرسة كونستانس وأهم أعلامها ثم مدرسة جنيف واجتهاداتها الهامة رغم عدم توسعهاوقد حفر المؤلف طويلا في أصول النظرية مع المدرسة الألمانية بتصورها الاجتماعي والتاريخي للفن والأدب ورد فعلها على التصورات ياوس وإيزر بخصوص جماليات التلقي وكذلك في الطريقة التي فصلوا فيها في العلاقة الجدلية القائمة بين الإنتاج والاستهلاك.
وفي تفكيكه لطروحات مدرسة كونستانس التي أعادت بناء تصور جديد لمفهوم العملية الإبداعية، وطرق اشتغال القراءة، ودور القارئ في إنتاج هذه العملية أو النص (ص35)، ناقش فرضيات أهم ممثلي هذه المدرسة وأولهم هانس روبيرت ياوس ومفاهيمه الأساسية، مثل مفهوم أفق الانتظار ومفهوم تغيير هذا الأفق، ومفهوم اندماجه وأخيرا مفهوم المنعطف التاريخي.
ثم تناول القطب الثاني، في هذه المدرسة، إيزر، ممهدا له بتصور الفيلسوف البولندي رومان انجاردن، مع التركيز على وصف دقيق للممتلكات النصية، وصيرورة القراءة.
وخلص الكاتب إلى خلاصات حول امتدادات نظرية التلقي وتطورها. ولعل هذه الدراسة الموسعة كانت تمهيدا أساسيا للبحث في اختبار التلقي والقراءة حول نص مغربي يعود إلى سنة (1938) وهو موضوع الدراسة الثالثة : (النص بين التلقي والتأويل : نص الدكتور طه حسين في (إلغ) لمحمد مختار السوسي) متبعا في الدراسة ما أنجزته نظرية التلقي، عامة في مجال القراءة، وفي مجال النص النقدي وذلك بهدف الوصول إلى "الكشف عن مختلف مستويات تلقي النص الأدبي النقدي، وتحديد الشروط التي تتحكم في صيرورة هذا التلقي ثم النظر إلى الطرق التي يتولد بها التأويل الذي يقوم على أنساق معرفية وجمالية تقليدية (ص 49)، وقد توصل الباحث إلى أن قراءة محمد مختار السوسي بمرجعياته تقوم على تقديم المعرفة أكثر من قدرتها على إنتاجها (ولربما تأتي دراسة احمد أبو حسن هذه والنتائج المتوصل إليها لتعيد صياغة الجملة بحيث يستطيع نص مختار السوسي أن ينتج المعرفة بعد نصف قرن من كتابة مقالته) ولم يتوقف الباحث عند اختبار نظرية التلقي والقراءة على نص مغربي بل عاد في الدراسة الرابعة إلى البحث في انتقال النظرية (نقل المفاهيم بين الترجمة والتأويل : نقل مفاهيم نظرية التلقي) من النسق الأوروبي إلى النسق العربي معتمدا المقاربة النسقية ومنطلقا من فرضية أن مفاهيم الأنساق الأدبية الأوروبية تتعرض لكثير من التحولات والتشكلات التي قد لا تكتسب تداولا سريعا أو سليما في النسق الأدبي العربي (ص 75).
وقد حصر نقل مفهوم التلقي عبر الترجمة في النقد المغربي واستعمالاته والتأويلات المتفرعة، ودور البحث الجامعي في تطوير هذا المبحث.
وفي ارتباط بتلقي النقد المغربي الحديث للتصورات والمناهج، جاءت الدراسة الخامسة (الشكلانيون الروس والنقد المغربي الحديث) لتعرف بهذه المدرسة وتصنيفاتها وكيف تمثلهم الخطاب النقدي الأوروبي المعاصر قبل الانتقال إلى حضور الشكلانيين الروس في النقد العربي وتحديدا في النقد المغربي ومع ابراهيم الخطيب وترجمته المبكرة لأهم نصوص هذه المدرسة عبر الترجمة الفرنسية.
ويوسع أحمد أبو حسن حقل التلقي الثقافي في الدراسة السابعة من الكتاب (تشييد الآخر في الثقافة العربية الإسلامية) حيث رمى إلى الانتقال من تلقي النصوص إلى تشييد الآخر عبر تلقياته المختلفة ومن خلال الكشف عن تلك المكونات التي ساهمت في بناء صورة الآخر عن طريق بناء الأنا لذاتها، ثم الوقوف عند بعض المفاصل التاريخية التي تجعل الأنا تنفتح على تصورات أخرى جديدة تغذي تصورها عن الآخر.
يستحق الدكتور احمد أبو حسن صفة الباحث الأكاديمي المنقب الذي ينتمي إلى مدرسة نقدية مغربية وعربية من أهم أعلامها أحمد اليبوري محمد برادة ومحمد مفتاح وغيرهم ممن يؤسسون القواعد والأسس والمفاهيم.
وقد حقق بمؤلفه (في المناهج النقدية المعاصر ة) منجزا اشتغل على مباحثه النقدية لأزيد من عقد ونصف العقد، وبموازاة ذلك يفتح ملفات نقدية أخرى تهم السرد العربي القديم (كتاب الأغاني ونصوص الرحلات والحكايات) وملفات تحقق في المفاهيم والعلاقات النصية.






طباعة




"ما ينشر يعبر عن رأي صاحبه"

https://odabasha.ipower.com/show.php?sid=5550



ناشر الموضوع : أبو معتز



يسير النقد المغربي في اتجاهات عدة وبخطى ثابتة، وذلك بفضل اجتهادات البحث العلمي ومجهودات فردية أو جماعية لباحثين يستحقون هذا اللقب الأكاديمي، كما ساهمت الحلقات الدراسية والندوات العلمية المتخصصة والمشاركات في المناظرات واللقاءات الدولية من إكساب الأداة النقدية القدرة على التطويع والفهم والتفكيك.



ويعتبر الدكتور أحمد أبو حسن من الباحثين والنقاد الذين يعملون في الاتجاه النقدي، نظريا ومنهجيا عبر حلقات دراسية علمية أطرها رفقة الدكتور محمد مفتاح، أو مساهمات في ندوات محكمة. مما جعل من مساهماته النقدية والأكاديمية نموذجا لاشتغال الباحث والناقد الذي يستثمر لغاته والمناهج النقدية الأوروبية وتصوراتها لخدمة النقد العربي والنصوص الإبداعية قديما وحديثا.

وقد عكس مؤلفه (في المناهج النقدية المعاصرة) هذا البحث والاجتهاد من خلال سبع دراسات أساسية في مسار الدراسات النقدية، حيث جاءت مواكبة للمنجز النقدي، النظري والمنهجي، في الدراسات الأجنبية – الأوروبية – مستخدما منهجا حفريا يستقصي الأثر النقدي في مظانه الأصلية وضمن صيرورته التاريخية والثقافية، وفي امتداداتها القبلية والبعدية مرجعا وتلقيا، إنها عملية البحث في مصادر وفي أصول ومرجعيات كل تصور نظري أو منهجي للإمساك بالمكونات والمفاهيم الأساسية الدالة لكل ممارسة نظرية أو منهجية.

*نظرية المرجع بين النص والقارئ

عمد المؤلف إلى تقديم قراءات مزوجة وكاشفة لبعض التصورات وكذا النصوص والمرجعيات، حيث عالج عبر الدراسات السبع، وعلى التوالي، المرجع بين النص والقارئ، من حيث هو تصور أولا، وثانيا من حيث انتقاله في النص والقارئ، منطلقا من أرضية "نظرية المرجع" كما قاربها الفلاسفة والمناطقة واللسانيون وفي السيميائيات الأدبية وفلسفة التأويل "وذلك في إطار البحث عن العلاقة بين الذات والموضوع : " الكلمة والشيء، العلامة ومدلولها ومعناها، (ص 10)، أي البحث في الكلمة والجملة والخطاب والنص.

وقد محص أبو حسن مختلف هذه المستويات عبر تدرج منهجي متناولا :

- المرجع المباشر وغير المباشر، من خلال الإحالات واستعمالات اللغة، كما اهتم بها علماء التربية في إبرازهم لإواليات العملية المرجعية في لغة الطفل الأولى.

- المرجع والمدلول والمعنى، ويحيل على التمييز الذي تحيل عليه اللغة وتحدده، واقعيا أو خياليا، وقد حدد أبو حسن هذا المبحث بتحديدات وملاحظات سوسير، بنفنيست وفريج وهوسرل وبرتراند راسل... التي أغنت أدواته ورؤيته باقي المحاور الأخرى.

- المرجع الأدبي، وتأتي مناقشته في إطار ما توصل إليه الباحث من خلاصات وأفكار باعتماد تصور امبرتوايكو، ثم الانتقال إلى محور مرجع النص وكيف أطرته الشكلانية والبنيوية فضلا عن اجتهادات بول ريكور، ليخلص في النهاية إلى سؤالين محركين :

- هل هناك نص بدون مرجع ؟ وعلاقة النص والقارئ بالمرجع، من يصنع الآخر ويؤسسه ؟

وقد ختم أحمد أبو حسن هذه الدراسة بالبحث في مرجع النص الشعري المغربي وعلاقته بالمرجع الثقافي.

في الدراسة السادسة (الأدب الشعبي والرواية المغربية) يقارب الكاتب العلاقة المرجعية بين النص الروائي المغربي، وبعض المكونات الشعبية، فكل ما يلجأ إلى النص الروائي يصبح مرجعا داخل النسق، وقد نحا المؤلف منحى تحديد المفاهيم، خصوصا الأدب الشعبي من منظور موسع ومنهجي، ثم ينتقل للحديث عن التراث الشعبي في الرواية المغربية اشتغاله كمرجعية في عدد من النصوص السردية التي وظفت الإرث الشعبي بخصوصيات أسلوبية ودلالية وإيديولوجية مختلفة.





*التلقي : الأصول والاختبار والانتقال

في الدراسة الثانية (نظرية التلقي والنقد الأدبي العربي الحديث) بحث الكاتب في مختلف أصول نظرية التلقي مع أعلامها ومكوناتها، وتتبع ممارستها ونتائجها والنقاشات التي رافقتها في ألمانيا وخارجها، وذلك بمنهجية تتبنى البعد الابستمولوجي المقارن.

وهكذا فقد استهل البحث في مستوى التداول لمصطلح التلقي معجما (المعاجم العربية القديمة، والفرنسية والأمريكية والمعاجم الألمانية ثم الموسوعات البريطانية....) لينتقل إلى بدايات ظهور نظرية التلقي ضمن اهتمامات نظريات الأدب والانشغالات التي ميزت الاتجاه البنيوي، متوقفا عند مدرسة كونستانس وأهم أعلامها ثم مدرسة جنيف واجتهاداتها الهامة رغم عدم توسعها

وقد حفر المؤلف طويلا في أصول النظرية مع المدرسة الألمانية بتصورها الاجتماعي والتاريخي للفن والأدب ورد فعلها على التصورات ياوس وإيزر بخصوص جماليات التلقي وكذلك في الطريقة التي فصلوا فيها في العلاقة الجدلية القائمة بين الإنتاج والاستهلاك.

وفي تفكيكه لطروحات مدرسة كونستانس التي أعادت بناء تصور جديد لمفهوم العملية الإبداعية، وطرق اشتغال القراءة، ودور القارئ في إنتاج هذه العملية أو النص (ص35)، ناقش فرضيات أهم ممثلي هذه المدرسة وأولهم هانس روبيرت ياوس ومفاهيمه الأساسية، مثل مفهوم أفق الانتظار ومفهوم تغيير هذا الأفق، ومفهوم اندماجه وأخيرا مفهوم المنعطف التاريخي.

ثم تناول القطب الثاني، في هذه المدرسة، إيزر، ممهدا له بتصور الفيلسوف البولندي رومان انجاردن، مع التركيز على وصف دقيق للممتلكات النصية، وصيرورة القراءة.

وخلص الكاتب إلى خلاصات حول امتدادات نظرية التلقي وتطورها. ولعل هذه الدراسة الموسعة كانت تمهيدا أساسيا للبحث في اختبار التلقي والقراءة حول نص مغربي يعود إلى سنة (1938) وهو موضوع الدراسة الثالثة : (النص بين التلقي والتأويل : نص الدكتور طه حسين في (إلغ) لمحمد مختار السوسي) متبعا في الدراسة ما أنجزته نظرية التلقي، عامة في مجال القراءة، وفي مجال النص النقدي وذلك بهدف الوصول إلى "الكشف عن مختلف مستويات تلقي النص الأدبي النقدي، وتحديد الشروط التي تتحكم في صيرورة هذا التلقي ثم النظر إلى الطرق التي يتولد بها التأويل الذي يقوم على أنساق معرفية وجمالية تقليدية (ص 49)، وقد توصل الباحث إلى أن قراءة محمد مختار السوسي بمرجعياته تقوم على تقديم المعرفة أكثر من قدرتها على إنتاجها (ولربما تأتي دراسة احمد أبو حسن هذه والنتائج المتوصل إليها لتعيد صياغة الجملة بحيث يستطيع نص مختار السوسي أن ينتج المعرفة بعد نصف قرن من كتابة مقالته) ولم يتوقف الباحث عند اختبار نظرية التلقي والقراءة على نص مغربي بل عاد في الدراسة الرابعة إلى البحث في انتقال النظرية (نقل المفاهيم بين الترجمة والتأويل : نقل مفاهيم نظرية التلقي) من النسق الأوروبي إلى النسق العربي معتمدا المقاربة النسقية ومنطلقا من فرضية أن مفاهيم الأنساق الأدبية الأوروبية تتعرض لكثير من التحولات والتشكلات التي قد لا تكتسب تداولا سريعا أو سليما في النسق الأدبي العربي (ص 75).

وقد حصر نقل مفهوم التلقي عبر الترجمة في النقد المغربي واستعمالاته والتأويلات المتفرعة، ودور البحث الجامعي في تطوير هذا المبحث.

وفي ارتباط بتلقي النقد المغربي الحديث للتصورات والمناهج، جاءت الدراسة الخامسة (الشكلانيون الروس والنقد المغربي الحديث) لتعرف بهذه المدرسة وتصنيفاتها وكيف تمثلهم الخطاب النقدي الأوروبي المعاصر قبل الانتقال إلى حضور الشكلانيين الروس في النقد العربي وتحديدا في النقد المغربي ومع ابراهيم الخطيب وترجمته المبكرة لأهم نصوص هذه المدرسة عبر الترجمة الفرنسية.

ويوسع أحمد أبو حسن حقل التلقي الثقافي في الدراسة السابعة من الكتاب (تشييد الآخر في الثقافة العربية الإسلامية) حيث رمى إلى الانتقال من تلقي النصوص إلى تشييد الآخر عبر تلقياته المختلفة ومن خلال الكشف عن تلك المكونات التي ساهمت في بناء صورة الآخر عن طريق بناء الأنا لذاتها، ثم الوقوف عند بعض المفاصل التاريخية التي تجعل الأنا تنفتح على تصورات أخرى جديدة تغذي تصورها عن الآخر.

يستحق الدكتور احمد أبو حسن صفة الباحث الأكاديمي المنقب الذي ينتمي إلى مدرسة نقدية مغربية وعربية من أهم أعلامها أحمد اليبوري محمد برادة ومحمد مفتاح وغيرهم ممن يؤسسون القواعد والأسس والمفاهيم.

وقد حقق بمؤلفه (في المناهج النقدية المعاصر ة) منجزا اشتغل على مباحثه النقدية لأزيد من عقد ونصف العقد، وبموازاة ذلك يفتح ملفات نقدية أخرى تهم السرد العربي القديم (كتاب الأغاني ونصوص الرحلات والحكايات) وملفات تحقق في المفاهيم والعلاقات النصية.

شعيب حليفي (المغـرب)

- البريد الإلكتروني حذف من قبل الإدارة (غير مسموح بكتابة البريد) -

----------

*إحالة :

أحمد بوحسن : في المناهج النقدية المعاصرة. الرباط دار الأمان. المغرب. ط 1. 2004 (2005 صفحة).



شعيب حليفي: في المناهج النقدية المعاصـرة






















`










رد مع اقتباس