منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - من فضلكم مذكرة التعبير ابو تمام والمتنبي حكيمان اما الشاعر فالبحتري
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-04-05, 20:19   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
HABIBA88
عضو جديد
 
الصورة الرمزية HABIBA88
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مَن مِن ذواقة الشعر لم يُدْمن شعر أبي الطيب، بما ينطوي عليه من حكمة بالغة، ولغة صقيلة، وسَيْرُورة شعرية، لا يكاد يدانيه فيها شاعر على مر عصور الأدب العربي؟! لقد ملأ الدنيا، وشغل الناس، وما زال، فلمَ حظي المتنبي بتلك المنزلة؟ ولم خَلَد شعره هذا الخلود؟ أَلِكونه مشحونا بالمعنى، إلى أبعد حد، على رأي الشاعر والناقد الأمريكي إزرا باوند؟ إذ رأى أنّ (الأدب العظيم ببساطة، لغةٌ مشحونة بالمعنى، إلى أعلى درجة ممكنة). أم لكونه شاعرا رائيا، يحاكي المعاني الإنسانية الدائمة، ويحاول اكتناه أزمة الإنسان في هذا الوجود؟
لقد خلب ألبابَ العامة والخاصة قديما وحديثا، وأما القديم فغنيٌّ عن الإفاضة؛ إذ سُودت في شعره ألوف الصفحات، وشرح ديوانَه كبارُ العلماء والشعراء، من أمثال ابن جني العالم والفيلسوف اللغوي الشهير، ومن الشعراء أبو العلاء المعري الذي أطلق على شرحه اسم (معجز أحمد) وهو اسم الشاعر الذي غطى عليه لقبُه، وكنيته!
وفي العصر الحديث ما زال العامة والخاصة والنقاد والشعراء يحتفلون بأبي الطيب أيما احتفال، ويتناصُّون مع شعره، ويقدرونه عاليا، حتى إن الشاعر محمود درويش قد بلغ به الإعجاب بشعر أبي الطيب أن قال: "إن المتنبي أعظم شاعر في تاريخ اللغة العربية، وهو كما يبدو لي تلخيص كل الشعر العربي الذي سبقه، وتأسيس لكل ما لحقه".أنا كل ما أردت أن أقوله قاله هو في نصف بيت: على قلق كأن الريح تحتي"
وليس هنا مقام الإفاضة في عرض أشعاره، ففي ديوانه مغنى عن ذلك، ولكن اقرأ قوله:

وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالعُلا


مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ في مَوْضِعِ النَّدَى
وهو من قصيدته المشهورة التي يمدح فيها سيفَ الدولة الحمْداني، وهي من أعذب قصائده، وأغناها بالحكمة، ومطلعها:
لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْ دَهْرِهِ مَا تَعَوَّدَا


وَعَاداتُ سَيْفِ الدَوْلَةِ الطَّعْنُ فِي العِدَا
والبيتُ يخبر عن معنى دقيق، خلاصتُه أنّ الأفعال لا تُمدح أو تُذم مجردةً عن ظروفها وملابساتها؛ فلِلشدة مواطنُها التي لا ينفع فيها الرفقُ واللين، والعكس صحيحٌ أيضاً.
وكما اشتهر المتنبي بالحكمة التي طبعت ديوانه، ومطالع قصائده، كذلك كان أبو تمام الذي عُرف بالغوص على المعاني، واستقصائها، والتجديد فيها، إلا أنه لم ينل من المكانة مثل التي نالها المتنبي، ولربما عابوا عليه كثرة تعقيداته اللغوية، وصعوبة تراكيبه، وولعه بالبديع، والاستعارات التي لا يقبلها الذوق العربي. ومن جميل شعره قوله:
نَقِّل فؤادَكَ حيثُ شئتَ مِن الهوى



ما الحبُّ إلا للحبيبِ الأولِ
كَمْ منزلٍ في الأرضِ يَأْلُفُهُ الفتى



وحنينُه أبداً لأولِ مَنزلِ
ومن حِكَمه قوله:
بَصُرتَ بالراحةِ الكبرى فلمْ ترَها



تُنالُ إلاّ على جسرٍ منِ التعبِ
وكذا قوله: وإذا أرادَ اللهُ نشرَ فضيلةٍ



طُويتْ أَتاحَ لها لسانَ حسودِ
وأما البحتري، تلميذُ أبي تمام فهو الشاعرُ، في رأي المتنبي؛ إذ قال عن نفسه وعن أبي تمام: (حكيمان والشاعر البحتري)، ويُنسب هذا القول إلى حكيم المعرَّة، أبو العلاء حين سئل عن أبي تمام والبحتري والمتنبي.
فالبحتري قويُّ الطبع، سَلِسُ العبارة، وفي شعره مَاويّةٌ، وعذوبة، وموسيقى تتغلغل في جمله الشعرية، وقد لخص ابن الأثير هذا في قولهوأما أبو عبادة، البحتري، فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى، وأراد أن يشعر فغَنَّى، ولقد حاز طرفي الرقة والجزالة على الإطلاق). وليس هذا بمستغرب على شاعر بدوي النشأة، وفاقا لرأي الناقد محمد مندور الذي بين أن الشعر يكون أقرب بقدر قرب قائله من سذاجة البداوة، وأنه من الثابت لدى معظم النقاد أن خير أشعار الشعوب هو ما قالته أيام بداوتها الأولى
ولك أن تطرب بقصيدته التي يصف فيها إيوان كسرى، ومطلعها:
صُنْتُ نَفْسِي عمَّا يُدَنِّسُ نَفْسِي


وترفَّعْتُ عن جَدا كلِّ جِبْسِ
وإنك لا تعدم في أبياته أشعارا يكثر الاستشهاد بها، كما في قوله:
إذا احْتَربَتْ يوماً ففاضتْ دماؤُها


تذكرتِ القُرْبى ففاضتْ دموعُها
فمَنْ مِن الشعراء أشعر؟ ذلك يعود إلى الزاوية التي تنظر منها إلى الشعر، وإلى الذائقة الشعرية لديك؛ فإن كنت ممن يستهويه المعنى، فأبو تمام الشاعر، وإن كنت من طلاب الطرب فشاعرك البحتري، وإن كنت ممن تأسرك الحكمة، والعظمة والفخامة، في الأسلوب، وفي الصورة؛ فلا شاعر إلا المتنبي!









رد مع اقتباس