منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - المجلس الأعلى للقضاء
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-05, 14:28   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 المجلس الأعلى للقضاء

( المقدمــــة )
على غرار مختلف دول العالم، تم إنشاء هيئة تقع على عاتقها تسيير وإدارة المسار المهني للقضاة، وإن اختلفت تشكيلة هذه الهيئة من دولة إلى أخرى، وذلك بالنظر إلى مدى تكريس مبدأ استقلالية السلطة القضائية، وأطلق على هذه الهيئة في فرنسا ومصر وكذلك في الجزائر بالمجلس الأعلى للقضاء، وقد تضمنته في بلادنا عدة نصوص إبتداءا من الدساتير إلى مختلف القوانين الأساسية للقضاء، فقد تطرق دستور سنة 1963 إليه في المادة 62 منه، ثم جاء القانون الأساسي للقضاء سنة 1969 الذي تضمن المجلس الأعلى للقضاء، وهو الأمر الذي ظل مكرسا بموجب أحكام الدستور لسنة 1976 ليستمر إلى غاية صدور دستور سنة 1989 الذي أعاد هيكلة المجلس الأعلى للقضاء، بالنظر إلى المتطلبات التي فرضتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتكريس الواضح لمبدأ الفصل بين السلطات في هذا الدستور، ثم جاء القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989 في إطار هذه الأحكام يوضح تشكيلة ومختلف مهام المجلس الأعلى للقضاء، وما لبث المشرع إلى أن تدخل من جديد ليكيف مختلف هيئات المجلس الأعلى للقضاء ومهامه ضمن الحاجيات الجديدة التي عرفتها البلاد بموجب المرسوم التشريعي رقم 92 -05 المؤرخ في 24 أكتوبر 1992، وبالنظر إلى هذه الدوافع والأسباب التي أدت مرارا إلى تدخل المشرع، من أجل تغيير مستمر لهذه المؤسسة سواء من حيث التشكيلة والمهام. فقد صدر دستور سنة 1996 ، الذي أكد على وضع هذه المؤسسة في الإطار الذي تبناه المؤسس الدستوري في سنة 1989، والذي تأكد بعد صدور القانون العضوي رقم 04-12 المؤرخ في 6 سبتمبر 2004 المتضمن المجلس الأعلى للقضاء، وهو المؤسسة الدستورية التي أنيط بها إدارة وتسيير والإشراف على المسار المهني للقضاة، لمختلف الجوانب المتعلقة بمهنتهم إبتداءا من التعيين والترسيم والترقية والنقل والإلحاق والتقاعد والإستقالة والتأديب.
وعلى ضوء ذلك تبرز لنا أهمية دراسة هذا الموضوع لمحاولة التعرف على هيكلة المجلس الأعلى للقضاء عبر النصوص التشريعية التي نظمته وكذا المهام الموكلة إليه بغرض متابعة المسار المهني للقضاة بمختلف جوانبه، وهذا الأمر الذي يطرح الإشكاليتين الآتيتين:
o كيف تم تنظيم تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء عبر النصوص التشريعية التي نظمته، ومختلف هيئاته ومهامه؟
o وإلى أي مدى تم تكريس مبدأ استقلالية السلطة القضائية من خلال المجلس الأعلى للقضاء في الجزائر؟
وارتأينا منهجية دراسة هذا الموضوع بتقسيمه إلى فصلين:
نتناول في الفصل الأول : تشكيلة وتسيير هياكل المجلس الأعلى للقضاء عبر النصوص التشريعية التي نظمته.
وفي الفصل الثاني: صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء.











( الـخـــطـــة )
المقدمـــة

الفصل الأول : تشكيلة وتسيير هياكل المجلس الأعلى للقضاء عبر النصوص التشريعية التي نظمته.

المبحث الأول : تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء عبر النصوص التشريعية التي نظمته.
المطلب الأول : تغليب عضوية السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.
المطلب الثاني : تغليب عضوية السلطة القضائية على السلطة التنفيذية.
المبحث الثاني : هيئات المجلس الأعلى للقضاء وكيفية تسييره عبر النصوص التشريعية التي نظمته.
المطلب الأول : هيئات المجلس الأعلى للقضاء على ضوء النصوص التشريعية التي نظمته.
المطلب الثاني : كيفية تسيير أعمال المجلس الأعلى للقضاء على ضوء النصوص التشريعية التي نظمته.

الفصل الثاني : صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء.

المبحث الأول : صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في متابعة المسار المهني للقضاة.
المطلب الأول : صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في تعيين القضاة وترسيمهم وترقيتهم ونقلهم.
المطلب الثاني : الصلاحيات المتعلقة بوضعية القضاة وإنهاء مهامهم .
المبحث الثاني : صلاحية تأديب القضاة.
المطلب الأول : الأساس القانوني للدعوى التأديبية.
المطلب الثاني : المحاكمة التأديبية.
الخــــــاتمة.
( الفصل الأول )
تشكيلة وتسيير هياكل المجلس الأعلى للقضاء
عبر النصوص التشريعية التي نظمته
يعد المجلس الأعلى للقضاء في الجزائر من أهم المؤسسات الدستورية، والذي يعكس التكريس الفعلي لمبدأ الفصل مابين السلطات، وتعزيزاستقلالية السلطة القضائية عن باقي السلطات التشريعية والتنفيذية الموجودة في الدولة.
وعلى ضوء هذه المبادئ الأساسية، تم إنشاء المجلس الأعلى للقضاء بموجب أحكام الدساتير التي عرفتها الجزائر، من أجل ضمان استقلالية السلطة القضائية، بغية إشرافه على متابعة المسار المهني للقاضي بمختلف جوانبه، منذ بدايته إلى غاية إنهاء مهامه، وكذا مساءلته تأديبيــــا.
وقد عرف المجلس الأعلى للقضاة عدة تطورات عبر النصوص التشريعية التي تضمنته، سواء من ناحية تشكيلته، أو في مجال تسيير أجهزته وهيئاته الإدارية، والتي كانت تعبر عن إرادة المشرع في ترسيخ دعائم استقلالية السلطة القضائية، وجعلها صاحبة الولاية في الإشراف على المسار المهني للقضاة، وإبعاد أعضاء السلطة التنفيذية عن تولي هذه المهام، تخوفا من تأثيرها على استقلالية السلطة القضائية، وإعطاء المجلس الأعلى للقضاء المكانة التي تليق به.
لذلك وجب التطرق في هذا الفصل إلى دراسة تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وتسيير الهياكل المكونة له عبر النصوص التشريعية التي نظمته وصولا إلى القانون الأساسي للقضاء الحالي لسنة 2004، وذلك من خلال مبحثين:
المبحث الأول: تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء عبر النصوص التشريعية التي نظمته.
المبحث الثاني: هيئات المجلس الأعلى للقضاء وكيفية تسييره عبر النصوص التشريعية
التي نظمته

المبحث الأول
تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء عبر النصوص التشريعية التي نظمته
من أجل تعزيز استقلالية السلطة القضائية، أنشئ المجلس الأعلى للقضاء بغرض إدارة المسار المهني للقضاة، يستدعى فيه القضاة للقيام بمتابعة المسار المهني لزملائهم، على أن يتشكل في غالبيته من قضاة، إلا أن مختلف القوانين الأساسية للقضاء عرفت عكس ذلك، فكان إما بتغليب عضوية السلطة التنفيذية في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وإما بتفوق عدد القضاة الممثلين في تشكيلة المجلس، مما جعله في كل مرة يكون عرضة للإنتقاد.
المـطـلــب الأول
تغليب عضوية السلطة التنفيذية على السلطة القضائية
عرف المجلس الأعلى للقضاء في تشكيلته عبر القوانين الأساسية للقضاء، وبالخصوص في القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969 تغليب وتفوق واضح لأعضاء السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، الأمر الذي أفقده فعاليته في إدارة المسار المهني للقضاة بصفة مستقلة.
الفرع الأول
تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء قبل صدور القانون الأساسي للقضاء في سنة 1969
بعد حصول الجزائر على الإستقلال، لم يغفل المشرع على إنشاء المجلس الأعلى للقضاء إذ نصت المادة 65 من دستور سنة 1963 على تكوين المجلس الأعلى للقضاء، وتضمنت هذه المادة تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء كالآتي:
رئيس الجمهورية رئيسا له- وزير العدل نائب الرئيس- ورئيس المجلس الأعلى – النائب العام لدى المجلس الأعلى – محام من المجلس الأعلى- إثنين من رجال القضاء، أحدهما من قضاة الصلح. ينتخبان من طرف زملائهما على المستوى الوطني.
- ستة أعضاء تعينهم لجنة العدل الدائمة في المجلس الوطني من بين أعضائهم، وقد أكد القانون التنظيمي رقم 64/153 المؤرخ في 12 جوان 1964 المتضمن المجلس الأعلى للقضاء هذه التشكيلة في مادته الأولى.
فمن خلال هذا النص المذكور أعلاه، يبدو لنا أن المشرع في هذه المرحلة قبل صدور القانون الأساسي للقضاء في سنة 1969، فضّل النص على تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء ضمن أحكام الدستور نفسه، وهذا يوضح لنا مكانته الدستورية والذي يشكل حصانة له من التعديل, إلا بتعديل أحكام الدستور نفسه.
كما أنها تجمع مابين كل السلطات بما فيها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهذه نتيجة حتمية من طبيعة النظام السائد في تلك المرحلة الذي يوصف بوحدة السلطة، ولعل أن المشرع تأثر بالنظام الفرنسي، الذي يجمع في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء بين السلطات الثلاث الموجودة في الدولة .
إلا أن بعض الدارسين أكدوا على أن هذا الخلط الذي تضمنته تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء في بلادنا يؤثر حتما على نزاهة قراراته ولا يعبر عن المكانة اللائقة به، في أداء دوره الفعال المتمثل في إدارة المسار المهني للقضاة، مع أن الدستور يؤكد استقلالية السلطة القضائية .
إلا أنها تبقى أول تجربة تمر بها الجزائر بعد الإستقلال، مما يدفعنا إلى التعرض إلى مرحلة أخرى بعد صدور القانون الأساسي للقضاء.
الفرع الثاني
تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء على ضوء القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969
بعد صدور القانون الأساسي للقضاء بموجب الأمر 69-27، المؤرخ في 13 ماي 1969 المتضمن تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، أعلنت المادة 61 منه على تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء والذي يتألف من: رئيس الدولة رئيسا له، ووزير العدل نائب الرئيس، الرئيس الأول للمجلس الأعلى، النائب العام لدى المجلس الأعلى، ثلاثة أعضاء ممثلين للحزب، وثلاثة أعضاء من المجالس المنتخبة عن طريق الاقتراع العام، قاضيين للحكم وقاض من النيابة تابعين للمحــــــاكم.
فمن خلال هذه التشكيلة المذكورة أعلاه يمكن أن تقسم إلى أعضاء معينون بحكم القانون بصفتهم وأعضاء منتخبون، وذلك حتى نتمكن من الإشارة إلى بعض النقاط، التي من خلالها نتوصل إلى معرفة مكانة المجلس الأعلى للقضاء، مع التطرق إلى بعض المواد من القانون الأساسي للقضاء، خاصة تلك التي تحدد العضوية بالمجلس، وذلك من خلال النقاط الآتية:
أولا: الأعضاء المعينون بحكم القانون:
يقصد بالأعضاء المعينون بصفتهم بحكم القانون بالأعضاء الذين لهم حق العضوية بحكم صفتهم الوظيفية، فإذا زالت عنهم هذه الصفة فقدوا العضوية بالمجلس الأعلى للقضاء ليكتسبها الشخص الذي آلت إليه تلك الصفة الوظيفية مباشرة وهؤلاء الأعضاء هم: رئيس الجمهورية، وزير العدل، ثلاثة أعضاء من الحزب، الرئيس الأول للمجلس الأعلى، النائب العام لدى المجلس الأعلى. وقد لاحظ بعض الدارسين أن المشرع في هذه المرحلة قد غلّب عضوية ممثلين السلطة التنفيذية، وأضفي الطابع السياسي في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وذلك بإدخاله عدد من أعضاء الحزب والمجالس المنتخبة، يساوي عدد القضاة التابعين إلى المجالس القضائية والمحاكم، مما يؤدي حتما إلى نفوذ وتأثير السلطة التنفيذية على قراراته .


بل إن المشرع في تلك المرحلة كان يفرض على القاضي التزامات سياسية على الرغم من الطابع الخاص الذي يميز جهاز العدالة، ودورها في المجتمع، إذ أن المادة 163 من القانون الأساسي للقضاء سنة 1969 كانت تفرض على القاضي من خلال اليمين القانونية التي يؤديها قبل مباشرة مهامه القضائية «المحافظة على مصالح الثورة الإشتراكية» ، وكان القاضي مجبرا على الخضوع المباشر للسلطة التنفيذية، وخاصة إذا عرفنا أن القضاء كان يعد وظيفة من وظائف الدولة.
ثانيا: الأعضاء المنتخبون:
أما بالنسبة للأعضاء المنتخبون في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء نصت عليهم المادة 61 من القانون الأساسي للقضاء المذكور سابقا وهم: القضاة التابعين إلى المجالس القضائية وعددهم ثلاثة, قاضيين للحكم وقاض من النيابة، وكذا القضاة التابعين للمحاكم وعددهم أربعة, ثلاثة قضاة للحكم وقاض للنيابة.
فمن الملاحظ أن المشرع لم ينص على القضاة التابعين للمجلس الأعلى أي المحكمة العليا" حاليا" ونص على عضوية كل من الرئيس الأول للمحكمة العليا (المجلس الأعلى) والنائب العام لديه، على الرغم من التجربة الكبيرة التي لديهم في العمل القضائي، كما أن عدد القضاة التابعين للمحاكم والمجالس القضائية المنتخبين من طرف زملائهم هو عدد قليل لايضمن مصالح القضاة، ومنح المشرع بذلك صلاحية تسيير الشؤون الإدارية للقضاة إلى أشخاص لا يملكون خبرة واسعة بمهام القاضي، وأعباءه مما يجعل هذا الأخير في قبضة الجهاز التنفيذي للدولة ، وخاصة أن المشرع منح صراحة لرئيس الجمهورية دعوة أشخاص الذي يكون حضورهم مفيدا لأشغال المجلس وبصفة مطلقة، دون تحديد لعددهم أوالشروط والصفات التي يجب أن تتوفر فيهم، مما يؤكد إرادة المشرع في تغليب الجانب التنفيذي، في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء على عضوية القضاة، وخاصة أن عددهم محدد بصراحة النص، وهذا ما لانجده في النظام الفرنسي الذي يتفادى تمثيل أعضاء من الأحزاب السياسية ، وكذا تجنبه تغليب عضوية الجهاز التنفيذي في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء به، بغية إعطاء المكانة التي تليق به ويضمن استقلاليته.
ثالثا: مدة العضوية:
أما بخصوص مدة العضوية بالمجلس الأعلى للقضاء فقد حددها المشرع بسنتين 2 وغير قابلة للتجديد*، ويبدو لنا أن قصد المشرع من وراء تحديد هذه المدة القصيرة هو السماح لأكبر عدد من القضاة بالمشاركة في عضوية المجلس للإستفادة من تجاربهم، إلا أنه يظهر لنا مرة أخرى في هذا المجال تفوق الجهاز التنفيذي، لأن المشرع لم ينص على تحديد مدة عضويتهم خاصة بالنسبة لممثلي الحزب والمجالس المنتخبة، مما قد يبعث في نفوس القضاة المنتخبون الشعور بعدم الاستقرار وخاصة أن العامل الزمني له أهمية بالغة في استقرار أعمال المجلس الأعلى للقضاء .
وبناءا على ما تقدم نخلص إلى القول أن المشرع، في مرحلة ما قبل وما بعد صدور القانون الأساسي للقضاء السنة 1969 غلّب عضوية الجهاز التنفيذي في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وهذا نتيجة للنظام السائد في تلك المرحلة الذي كان يؤثر بطريقة مباشرة على كل المؤسسات الموجودة في الدولة، إلا أن هذه الوضعية لم تدم طويلا في ظل المقتضيات الجديدة والأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى تبني نظام آخر يعتمد أساسا على الفصل بين السلطات وبدأ تدريجيا في إبعاد نفوذ الجهاز التنفيذي عن جهاز العدالة من أجل ضمان استقلالية السلطة القضائية.



المطلب الثاني
تغليب عضوية أعضاء السلطة القضائية على السلطة التنفيذية
بعد صدور الدستور الجديد لسنة 1989 تبنى المشرع نظام سياسي آخر، إعتمد فيه على المبادئ الديمقراطية التي تؤدي حتما إلى الفصل ما بين السلطات، كدعامة أساسية لنظام الحكم، ويتحقق معه استقلالية السلطة القضائية، وكان على المشرع إعادة النظر في مكانة المجلس الأعلى للقضاء وتعزيز استقلاليته، وذلك بغية الحد من تأثير الجهاز التنفيذي في الدولة من خلال تشكيلة جديدة للمجلس الأعلى للقضاء.
الفرع الأول
تشكيـلة المجلـس الأعلـى للقضـاء من القــانون الأسـاسي للقضــاء لسنة 1989 وبعد تعديله سنة 1992:
عبّر المشرع عن إرادته في رد الاعتبار لمكانة المجلس الأعلى للقضاء وتعزيز استقلالية القضاة، من خلال القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989 بموجب القـانون 89-21 المــؤرخ في 12 ديسمبر 1989. حيث نصت المادة 63 منه على تشكيلة جديدة للمجلس الأعلى للقضـاء وهي كالأتي: رئيس الجمهورية رئيسا، وزير العدل نائب الرئيس، الرئيس الأول للمحكمة العليا، النائب العام لدى المحكمة العليا، ثلاثة أعضاء يختارهم رئيس الجمهورية، مدير الموظفين والتكوين لوزارة العدل، أربعة قضاة للحكم وثلاثة قضاة من النيابة تابعين للمجالس القضائية، ستة قضاة للحكم وثلاثة قضاة للنيابة العامة منتخبين من المحاكم .
إن هذه التشكيلة الجديدة التي نص عليها القانون الأساسي للقضاء تسمح لنا بإبداء بعض الملاحظات، والتي سوف نتطرق إليها كما تم في المرحلة السابقة في النقاط الآتية :
أولا: الأعضاء المعينون بحكم القانون :
بالنسبة للأعضاء المعينون بحكم القانون، فإن أول ملاحظة، نجد أن المشرع لم ينص على تمثيل أعضاء من الحزب والمجالس المنتخبة وإقصاء التمثيل السياسي، مما عزز مكانة المجلس الأعلى للقضاء واستقلاليته، كما أن المشرع استقر حول رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، وخولها مرة أخرى إلى رئيس الجمهورية وهذا هو اتجاه أغلب الدول في هذا المجال، ونجد في فرنسا أن رئيس الجمهورية يتولى أيضا رئاسة المجلس الأعلى للقضاء بغية تقوية استقلالية السلطة القضائية على أساس أنه رئيس السلطات الثلاث الموجودة في الدولة ويضمن الحماية الكاملة لاستقلالية السلطة القضائية .
وعلى خلاف ذلك نجد في مصرو بغرض دعم استقلالية السلطة القضائية وتركها تسير شؤونها بنفسها، جعلت رئاسة المجلس الأعلى للقضاء الذي يسمى (بالمجلس الأعلى للهيئات القضائية) لرئيس محكمة النقض بمصر، مما يضمن استقرار وتجسيد واضح لإستقلالية السلطة القضائية .
كما منح المشرع الجزائري لرئيس الجمهورية حق اختيار ثلاثة أعضاء يعينهم بمعرفته, إلا أننا نرى أن تخوف بعض الدارسين من السلطة المطلقة التي منحت له بشأن اختيار ثلاثة أعضاء، كون أن الصيغة المطلقة تبعث الشك والريبة من سيطرة الجهاز التنفيذي ، يزول بحكم أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورئيس السلطات الثلاث، يؤكد استقلالية السلطة القضائية وضمانا للقوة والفعالية التي أراد المشرع أن يضفيها على هذا المجلس ، الذي بدوره يعمل على اختيار هذه الشخصيات بعد التأكد من كفاءتهم ومؤهلاتهم العلمية، كما أدمج المشرع مدير الموظفين والتكوين بوزارة العدل ضمن تشكـيلة المجلـس هذا لكــونه القائم على تسيير الشؤون الإدارية للقضاة.
ثانيا: الأعضاء المنتخبون:
وأما بخصوص الأعضاء المنتخبون الذين يبلغ عددهم 16 ستة عشر عضوا منتمين إلى المحاكم والمجالس القضائية، يؤكد إرادة المشرع في تغليب عدد القضاة الأعضاء على أعضاء الجهاز التنفيذي في الدولة، والاتجاه تدريجيا إلى صيانة مكانة المجلس الأعلى للقضاء وإرجاع الفعالية اللازمة للدور المناط به في إدارة شؤون القضاة.

ثالثا: مدة العضوية:
أما بالنسبة لشروط العضوية وأحكامها فقد اشترط المشرع في المترشح للعضوية، بالمجلس الأعلى للقضاء، أن يكون قاضيا مرسما وهذا ما نصت عليه المادة 65 من القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989، وذلك حرصا منه على أن لا تكون العضوية بغرض التمثيل فقط وإنما بغرض الاستفادة من الخبرات والتجارب التي اكتسبها القضاة، التي تضفي المصداقية اللازمة لقرارات المجلس الأعلى للقضاء، كما منع المشرع في نفس المادة أعلاه، القضاة الذين تعرضوا إلى عقوبة تأديبية وساوى بين كل العقوبات التأديبية، بكل درجاتها، إلى حين رد اعتبارهم ، ورفع في المادة (64) من القانون المذكور من مدة العضوية إلى أربعة سنوات، مما يضمن الاستقرار الكافي لأعضاء هذه المؤسسة الدستورية، غير أن نفس المادة جاءت بقاعدة جديدة، والتي تتمثل في التجديد النصفي" الجزئي" التي خصت القضاة فقط. بعد مرور سنتين مما يطرح إشكالية حول الكيفية التي يجدد بها أعضاء النيابة التابعين للمحاكم بطريقة نصفية وعددهم ثلاثة، مما أتاح الفرصة إلى أعضاء المجلس الأعلى للقضاء في سد هذا الفراغ القانوني، وذلك إنطلاقا من نص المادة 64 نفسها، التي نصت على أن: يجدد نصف "عدد القضاة" بصفة مطلقة, ولم تحدد إنتماء هم إلى المجالس القضائية أو المحاكم، الأمر الذي سمح بجمع كافة قضاة النيابة ليصل عددهم إلى ستة ثم أجرى عملية قرعة لإختيار ثلاثة أعضاء وتوصل في نهاية الأمر إلى تجديد نصف عدد قضاة النيابة .
مما يسمح لنا بالقول أن دور المجلس الأعلى للقضاء لا يقتصر على إدارة شؤون القضاة، وإنما يتمتع بخصوصية الإجتهاد لوضع قواعد قانونية.
إن هذه التشكيلة التي أتى بها القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989 تبدو لنا أنها أكثر إحتراما لمبدأ الفصل بين السلطات، وتقوي استقلالية المجلس الأعلى للقضاء بتغليب عدد القضاة بها، لم يكتب لها الدوام طويلا حتى طرأ تعديل على القانون الأساسي للقضاء بموجب المرسوم التشريعي رقم 92-05 المؤرخ في 24 أكتوبر 1992 حيث جاء بتعديلات على تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء والتي نذكرها كالآتي:
1. نصت المادة 63 من المرسوم التشريعي لسنة 1992 المتضمن تعديل القانون الأساسي للقضاء على الزيادة في عدد الشخصيات التي يختارها رئيس الجمهورية إلى أربعة "4"، وقلّص بالمقابل من عدد القضاة المنتخبين ليصل العدد إلى قاض واحد للحكم وقاض واحد للنيابة العامة التابعين إلى المجالس القضائية، وكذلك بالنسبة للقضاة التابعين للمحاكم، وبذلك أعاد المشرع تغليب أعضاء السلطة التنفيذية وإتاحة الفرصة للتأثير على القضاة مما أضعف فعالية المجلس الأعلى للقضاء.
2. كما أن المشرع في مجال التعديل الذي مسّ تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، احتفظ بعضوية مدير الموظفين والتكوين بوزارة العدل، وأضاف مدير الشؤون المدنية ومدير الشؤون الجزائية، مما يزيد من عدد أعضاء الإدارة المركزية لوزارة العدل، وخاصة أنهم يملكون أصوات تداولية في أعمال المجلس، الأمر الذي عبر عن تفوق عدد أعضاء السلطة التنفيذية، الذي ينتج عنه الحد من استقلالية المجلس الأعلى للقضاء.كما تجدر الإشارة إلى أن نفس المادة نصت على حق قضاة المحكمة العليا في اختيار ممثليهم، على العكس من المراحل السابقة، حيث نصت المادة 63 منه " قاضيان من المحكمة العليا ينتخبهما زملاء هما " ولم يحدد المشرع انتماءهما إلى قضاة الحكم أو النيابة.
3. وكما أضاف المشرع بموجب المرسوم التشريعي المعدل للقانون الأساسي للقضاء، شروط أخرى بالنسبة للمترشح للعضوية، في أن يكون قاضيا مرسما ومارس 7 سنوات على الأقل من الخدمة الفعلية في سلك القضاء. ولعل أن المشرع قصد من ذلك الإستفادة من قضاة أكثر ممارسة وتجربة وخاصة لما كانت تمر به البلاد من أزمة أمنية في تلك المرحلة. ومهما كان من أمر فإن المشرع أعاد تغليب أعضاء السلطة التنفيذية بعدما كانت التشكيلة أكثر انسجاما في ظل القانون الأساسي للقضاء في سنة 1989، إذ يبدوا لنا أن المشرع قصد حماية المصلحة العامة والتحكم في زمام الأمور، في ظل الأوضاع المتأزمة التي عرفتها بلادنا على مستوى كل القطاعات والمؤسسات، كان لابد أن يسمح للسلطة التنفيذية والجهاز التنفيذي الموجود في الدولة، والإستعانة به على تحقيق الأمن والإستقرار للأوضاع.
ولما كان استتباب الأمن واستقرار مؤسسات الدولة لا يأتي صدفة أو دفعة واحدة، فإن مبدأ تكريس استقلالية القضاء وإعادة المكانة إلى المجلس الأعلى للقضاء بدأ يتحقق بصفة تدريجية، ليعبر المشرع عن ضرورة توفير الحماية اللازمة للقاضي عن طريق إحداث لجنة إصلاح العدالة، التي كان ضمن برنامجها إعادة النظر في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء وإعادة التوازن دون تغليب عضوية الجهاز التنفيذي ومن أهم مقترحات هذه اللجنة ما يلي:
"لايجب أن يكون المجلس الأعلى للقضاء مشوبا بأي نزعة فئوية تتعارض مع استقلالية القضاء، وإن الشرعية الديمقراطية للمجلس يجب أن لا تكون محل إنتقاد واعتراض، وذلك من شأنه أن يكرس سلطته ولهذا السبب ينبغي التوسيع في تشكيلته وصلاحياته.وفي ظل ذلك تم تعديل القانون الأساسي للقضاء بموجب القانون 04-11 المؤرخ في 06 سبتمبر 2004 المتضمن القانون الأساسي للقضاء، كما خصّ المجلس الأعلى للقضاء بالقانون العضوي رقم 04–12 المؤرخ في 06 سبتمبر 2004 المتضمن تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء وعمله وصلاحياته.
الفرع الثاني
تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء في القانون العضوي رقم 04–12
المتضمن المجلس الأعلى للقضاء.
إن تأرجح تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء بين سيطرة السلطة التنفيذية، عن طريق تغليب عضوية ممثلين عن الجهاز التنفيذي، وفكرة ضرورة اقتصار التشكيلة على القضاة فقط، هو أمر غير طبيعي، ويؤثر على جهاز العدالة برمته، وعليه فإن تنظيم المجلس بتشكيلة متجانسة يعمل على تمكينه من أداء الدور المنوط به بكل فعالية، يضمن الإستقلالية للقضاة .
وعلى هذا الأساس تم صدور القانون العضوي المتضمن المجلس الأعلى للقضاء الذي جاء بتشكيلة جديدة له، فنصت المادة (3) الثالثة منه على تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء الذي أصبح يتألف من: رئيس الجمهورية رئيسا له، وزير العدل نائب للرئيس، الرئيس الأول للمحكمة العليا، المدير المكلف بتسيير شؤون القضاة بوزارة العدل، (6) ستة شخصيات يختارهم رئيس الجمهورية بحكم كفاءتهم خارج سلك القضاء، قاضيين من المحكمة العليا من بينهم قاض للحكم، وقاض واحد من النيابة العامة، قاضيين إثنين من مجلس الدولة من بينهما قاض للحكم وقاض واحد محافظ للدولة، قاضين إثنين من المجالس القضائية من بينهما قاض واحد للحكم، وقاض واحد من النيابة العامة، قاضيين إثنين من الجهات القضائية الإدارية غير مجلس الدولة من بينهما قاض واحد للحكم وقاض واحد محافظ للدولة، قاضيين إثنين من المحاكم الخاضعة للنظام القضائي العادي من بينهم قاض واحد للحكم وقاض واحد من قضاة النيابة العامة. فمن خلال هذه التشكيلة الجديدة للمجلس الأعلى للقضاء يمكن لنا إبداء بعض الملاحظات التي تؤكد تعبيـر المشرع على رد الإعتبار لمكانته، وتقوية استقلالية السلطة القضائية، من خلال النقاط الآتية :
أولا: إذا كان اتجاه أغلب دول العالم مثل فرنسا والمغرب بتولي رئيس الدولة فيها رئاسة المجلس الأعلى للقضاء ، كما فعل المشرع الجزائري في ظل هذه التشكيلة الجديدة له وكذا في القوانين الأساسية للقضاء السابقة، يعد إدراكا بأهمية هذه المؤسسة الدستورية وخطورة المهام المسندة إليها، وذلك على اعتبار أن رئيس الجمهورية هو رئيس السلطات الثلاث، ومن بين مسؤولياته، الحرص على انتظام جهاز العدالة مما يوفر العدالة للمواطنين، ويعزز من هيبة السلطة القضائية، إلا أنه بالنسبة لتولي وزير العدل نيابة رئيس المجلس الأعلى للقضاء حسب رأي بعض المؤلفين، يؤدي إلى زعزعة استقلالية السلطة القضائية باعتباره يمثل الجهاز التنفيذي في الدولة، ويؤثر بشكل غير مباشر على نزاهة قرارات المجلس ، مما خلص إلى ضرورة تنحي وزير العدل من العضوية بالمجلس الأعلى للقضاء ، فإننا نعتقد أن إسناد العضوية لوزير العدل في منصب نائب الرئيس لأنه في أغلب الحالات هو الذي يتولى رئاسة المجلس نيابة عن رئيس الجمهورية، فضلا أن وجوده كممثل للجهاز التنفيذي، والمكلف بتنفيذ قرارات المجلس الأعلى للقضاء يزيد من قوة ونزاهة أعمال المجلس الأعلى للقضاء في إعطائها القوة التنفيذية اللازمة.
ثانيا: نص المشرع في المادة (3) الفقرتين الثانية والثالثة من القانون العضوي المذكور سابقا، على عضوية كل من الرئيس الأول للمحكمة العليا والنائب العام بها إلا أنه لم ينص على عضوية رئيس مجلس الدولة ومحافظ الدولة به، وخاصة أن المشرع قد تبنى نظام القضاء المزدوج ضمن التنظيم القضائي، وعلى الرغم من أن التقرير النهائي، المعد من طرف لجنة إصلاح العدالة المحدثة كان من بين مقترحاتها إشراك رئيس مجلس الدولة ومحافظ الدولة به، حتى تكون هذه الأخيرة معبرة عن جميع هياكل السلطة القضائية ، ونعتقد أن المشرع قصد إضفاء التوازن في تمثيل القضاة للجهات القضائية التابعين إليها، فنجد المحاكم في المرتبة الأولى، والمجالس القضائية في المرتبة الثانية ثم المحكمة العليا.
أما بالنسبة للمدير المكلف بتسيير شؤون القضاة بوزارة العدل، فإن المشرع جعله ضمن تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وهذا ما نصت عليه المادة (30) الفقرة الأخيرة منها ومكّنه من حضور الإجتماعات دون أن يكون له صوت في المداولات بالمجلس الأعلى للقضاء وهذا في تشكيلته الموسعة لأن تشكيلة المجلس لما ينعقد كمجلس تأديبي تتغير وهذا ما سوف نتطرق إليه من خلال دراسة الفصل الثاني.
ثالثا: نصت المادة (3) الفقرة الخامسة على حق رئيس الجمهورية في اختيار 6 ستة شخصيات، ويتم تعيينهم بموجب مرسوم رئاسي وذلك ليس بصفة مطلقة كما فعل المشرع في القوانين الأساسية للقضاء السابقة، وإنما اشترط أن تتوفر فيهم الكفاءة العلمية خارج سلك القضاء، ونعتقد أن الغاية من ذلك هو تفادي تغليب فئة القضاة على تشكيلة المجلس بصورة مفرطة وهذا ما اتجهت إليه لجنة إصلاح العدالة التي اقترحت تفادي النزعة الفئوية في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء .
رابعا: أما بخصوص أحكام الانتخاب بالنسبة للقضاة وشروط العضوية بالمجلس، فقد حددها المشرع في المواد 5-6-7-8 من القانون العضوي المتضمن المجلس الأعلى للقضاء كالآتــــي:
- يكون مؤهلا للانتخاب لدى المجلس الأعلى للقضاء كل قاض مرسم, مارس سبع سنوات على الأقل خدمة فعلية في سلك القضاء.
- القضاة الذين صدرت بشأنهم عقوبات تأديبية المنصوص عليها المادة 68 من القانون الأساسي للقضاء لا يتم انتخابهم إلا بعد رد اعتبارهم حسب الشروط المنصوص عليها في المادة 72 من القانون المذكور أعلاه.
- تحدد مدة العضوية بالمجلس الأعلى للقضاء بأربعة سنوات غير قابلة للتجديد، ويبدو أن المشرع قصد كل أعضاء المجلس بما فيهم المعينين والمنتخبين معا، باستثناء الأعضاء المعينون بحكم القانون وذلك على أساس أن المشرع لما حدد قاعدة التجديد النصفي لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء في كل سنتين لم يميز بين الأعضاء المعينين والمنتخبين .
- يستفيد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء من كامل المرتب المرتبط بالوظيفة التي كانوا يمارسونها، حين تعيينهم بالمجلس، ويتقاضون علاوة عن ذلك منحة خاصة تحدد عن طريق التنظيم.
- لايحق للقضاة الأعضاء بالمجلس الأعلى للقضاء أن يستفيدوا من ترقية في الوظيفة أوالتنقل أثناء فترة إنابتهم، غير أنه إذا توافرت للعضو الشروط القانونية للترقية في الرتبة الأصلية إلى مجموعة أو رتبة أعلى، يرقى بقوة القانون في المدة الأدنى ولو كان زائدا عن العدد المطلوب.
أما بالنسبة لكيفية انتخاب أعضاء المجلس فقد أحالت المادة (8) من القانون العضوي ذلك إلى التنظيم، وتتم العملية على مستوى كل مجلس قضائي، تحت إشراف رئيس المجلس القضائي والنائب العام لديه.
وبناءا على ما تقدم نرى أن المشرع يهدف إلى رد الإعتبار للسلطة القضائية، من خلال تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء بصفة متجانسة، بعيدة عن كل الإنتقادات، بصفة تليق به، من خلال خصه بقانون عضوي وفصّل فيه إضافة إلى تشكيلته، طريقة عمله والهيئات التي تعمل على ذلك.
المبحث الثاني
هيئات المجلس الأعلى للقضاء وكيفية تسييره عبر النصوص التشريعية التي نظمته:
إن دراسة تركيبة المجلس الأعلى للقضاء من حيث الأجهزة الإدارية التي يتألف منها، وكيفية تحضيره لجدول أعماله وجلساته، وطريقة اتخاذ القرارات بالمجلس لها أهمية بالغة، في كونها تعبر عن مدى استقلالية المجلس الأعلى للقضاء في تسيير أشغاله، عن طريق أجهزته الإدارية بصورة منفردة دون تأثير السلطة التنفيذية. الأمر الذي اختلف في ظل القوانين الأساسية للقضاء. وعليه سوف نتطرق في هذا المبحث في مطلبه الأول إلى هيئات المجلس الأعلى للقضاء في النصوص التشريعية التي نظمته، والمطلب الثاني إلى تسيير أعمال المجلس الأعلى للقضاء في النصوص التشريعية.
المطلب الأول
هيئات المجلس الأعلى للقضاء في النصوص التشريعية التي نظمته

يتركب المجلس الأعلى للقضاء بالإضافة إلى تشكيلة تصون استقلاليته من أجهزة إدارية، تتمثل في أمانة المجلس الأعلى للقضاء، والمكتب الدائم بالمجلس التي هي تعبر عن استقلاليته التي باتت تتأرجح بين تأثير السلطة التنفيذية والاستقلالية عبر القوانين الأساسية للقضاء، ولذلك سوف نتعرض إلى كل منها في الفرعين الآتيين:
الفرع الأول
أمانة المجلس الأعلى للقضاء

أشار القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969 في مادته التاسعة عشر "19" إلى أمانة المجلس الأعلى للقضاء على أن يحدد تأليفها، وكيفية تسييرها بموجب قرار من وزير العدل، وبعد صدور قرار وزير العدل المؤرخ في 15 جويلية 1969 حيث نصت المادة الأولى منه على أن يشرف على كتابة المجلس الأعلى للقضاء، قاض يعين من طرف وزير العدل، مما أدى حسب رأي بعض المؤلفين إلى كون أن المشرع منح سلطات واسعة لوزير العدل في تعيين القاضي الذي يتولى هذه المهام، وخاصة أن نص المادة الأولى المذكور من قرار وزير العدل لم يبين لنا درجة القاضي، ومما إذا كان من المحكمة أو المجلس القضائي.
وبعد صدور القانون الأساسي للقضاء في سنة 1989 بموجب القانون رقم 89-21 المؤرخ في 21 سبتمبر1989 أعاد تنظيم أمانة المجلس بموجب المادة 64 منه على أن يتولى رئاستها قاض من المرتبة الأولى، ولتحديد مفهوم المرتبة الأولى نرجع إلى المادة 34 من نفس القانون المذكور، التي قسمت قضاة المرتبة الأولى إلى أربعة مجموعات تظم المجموعة الأولى كل من رئيس المجلس القضائي والنائب العام لدى المجلس القضائي والمجموعة الثانية نجد فيها نائب رئيس المجلس القضائي وأما المجموعة الثالثة تظم رئيس غرفة لدى المجلس القضائي وبالنسبة للمجموعة الرابعة مستشار لدى المجلس القضائي والنائب العام المساعد لديه، من خلال هذين النصين نجد أن المشرع وقع في غموض عندما لم يقم بتحديد القاضي من الرتبة الأولى المقسمة إلى أربعة مجموعات وكذا طريقة اختيار القاضي.
إلا أن المشرع تدارك هذا النقص بموجب المرسوم الرئاسي 90-32 الصادر في 23 جانفي 1990 المتضمن أمانة المجلس الأعلى للقضاء حيث نصت المادة الأولى منه على أن "يعين وزير العدل القاضي من المرتبة الأولى ليتولى كتابة المجلس الأعلى للقضاء ويساعده الإداريون اللازمون لأداء مهامه" ومنه يختار وزير العدل القاضي من الرتبة الأولى المحددة بموجب المادة (34) من القانون الأساسي للقضاء وكذا مساعديه.
ومما يبدو لنا أنه على الرغم من منح وزير العدل هذا الاختصاص يبقى المشرع محافضا على استقلالية أجهزة المجلس، وأسند هذه المهمة إلى قاض، إلا أن التعديل الذي طرأ على القانون الأساسي للقضاء في سنة 1992 جاء بخلاف ذلك.
حيث أنه بموجب المرسوم التشريعي رقم 92-05 المؤرخ في 04 أكتوبر سنة 1992 المعدل والمتم للقانون الأساسي للقضاء لسنة 1989، من بين التعديلات التي جاء بها، مست أمانة المجلس الأعلى للقضاء ونصت في المادة 64 منه على أن يتولى أمانته إطار من وزارة العدل برتبة نائب مدير على الأقل، ويحدد التنظيم أمانة المجلس الأعلى للقضاء وقواعد عملها بموجب قرار من وزير العدل وهذا ما يطرح الشك حول تبعيته لوزير العدل والتأثير الذي يمارسه الجهاز التنفيذي على أجهزة المجلس.
ونظرا لمبدأ استقلالية السلطة القضائية لا يمكن أن يتحقق بتغليب العضوية في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وإنما ينبغي أن يمتد إلى مشاركة القضاة في تسيير أجهزته الإدارية، صدر القانون العضوي رقم 4-12 المتضمن المجلس الأعلى للقضاء وأسند أمانة المجلس إلى قاض، حيث نصت المادة 11 من القانون العضوي المذكور على أن يتولى أمانة المجلس قاض من الرتبة الأولى ولم يقف المشرع عند هذا الحد وإنما حدد رتبة القاضي برئيس غرفة لدى المجلس القضائي، وبذلك حد من تأثير الجهاز التنفيذي وأصبحت سلطة وزير العدل محددة في تعيينه للقاضي من أجل تولي مهام أمانة المجلس، وهذا الاتجاه نجده أيضا في المغرب الذي يمنح منصب رئاسة كتابة المجلس الأعلى للقضاء به إلى قاض أيضا، وذلك للدور الكبير والمسؤولية الجسيمة والحرص على تحقيق استقلالية القضاء .
أما بالنسبة لمهام أمانة المجلس الأعلى للقضاء التي يمكن استنتاجها من أعمال المجلس الأعلى للقضاء والتي نذكر منها:
- إرسال الاستدعاء إلى أعضاء المجلس الأعلى للقضاء.
- تحرير محاضر جلسات المجلس الأعلى للقضاء.
- تحضير ملفات دورات المجلس الأعلى للقضاء.
- تسجيل طلبات وزير العدل في المجال التأديبي.
- تسجيل عرائض تظلم القضاة.
- نشر قائمة المناصب الشاغرة.
- نشر قوائم التسجيل في التأهيل.
- المحافظة على أرشيف المجلس الأعلى للقضاء.
- تبليغ قرارات المجلس الأعلى للقضاء إلى الأطراف المعنية.
كما نجد في أمانة المجلس سجلات مكلفة بمسكها نذكر بعضها:
- سجل قوائم التأهيل.
- سجل المناصب الشاغرة.
- سجل الأعمال التأديبية.
- سجل عرائض تظلم القضاة.
- سجل الدورات.
الفرع الثاني
المكتب الدائم للمجلس الأعلى للقضاء
تناول القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969 في القسم الخاص بتسيير المجلس الأعلى للقضاء أمانته أوكتابته، ولم ينص على إحداث المكتب الدائم بالمجلس، أما بموجب القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989 الذي نص في المادة (70) منه على وجوب انتخاب المجلس الأعلى للقضاء في أول جلسة له مكتب دائم يتألف من ثلاثة أعضاء من بينهم عضو مقرر، ليشكل بذلك هيئة مساعدة للمجلس الأعلى للقضاء في أداء مهامه، الأمر الذي يعزز استقلالية المجلس الأعلى للقضاء في تسيير هيئاته، خاصة بالنظر إلى اختصاصاته في تحضير جدول أعمال جلسات المجلس وعرضها على الرئيس أو نائبه.
وفي ظل التعديل الذي طرأ على القانون الأساسي للقضاء في سنة 1992 فإن المشرع ألغى المكتب الدائم وأسند مهامه المتمثلة في تحضير جدول أعمال جلسات المجلس الأعلى للقضاء، إلى رئيسه أو نائبه وزير العدل، وذلك يبدو لنا من خلال نص المادة (72) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 1992 التي نصت على أن "يضبط رئيس المجلس الأعلى للقضاء أو نائبه جدول أعمال الجلسات" وذلك دون الإشارة إلى المكتب الدائم في ذلك، وفضلا على أن المرسوم الرئاسي رقم 92-32 المتضمن أمانة المجلس الأعلى للقضاء نص في المادة (4) منه على أن تتولى أمانة المجلس مهام تحضير جدول أعمال جلسات المجلس الأعلى للقضاء.
فمن خلال ما تقدم نجد أن التجربة التي مر بها المجلس الأعلى للقضاء في الجزائر قبل صدور القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، تظل معبرة عن إرادة المشرع في رد الاعتبار له، وتقوية استقلاليته في تسيير مصالحه، مما يقتضي حتما وجود هيئة دائمة تساعده في تحضير جدول أعمــال جلساته، حتى يتمكن المجلس من أداء مهامه في دورات عادية وبشكل عادي.
وبعد صدور القانون العضوي رقم 04-12 المتضمن المجلس الأعلى للقضاء عبّرعن صيانته الفعالة لاستقلالية المجلس في تسيير أجهزته الإدارية وتم تزويده بمكتب دائم، يتولى مهام تحضير جدول أعمال المجلس الأعلى للقضاء من أجل التسيير الحسن لمهام هذه المؤسسة الدستورية، حيث نصت المادة (10) من القانون العضوي المذكور على أن (ينتخب أعضاء المجلس الأعلى للقضاء في أول جلسة له مكتبا دائما يتألف من أربعة أعضاء، ويوضع المكتب الدائم تحت رئاسة نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء ويساعده موظفان من وزارة العدل يعينهما وزير العدل).
وبالنسبة لمدة العضوية في المكتب الدائم فإنها غير محددة ويستمر بذلك الأعضاء في أداء مهامهم بالمكتب الدائم، إلى غاية انتهاء فترة إنابتهم وعلى أعضاء المكتب الدائم التفرغ لممارسة مهامهم ويتم وضعهم في حالة الإلحاق بقوة القانون، عملا بأحكام المادتين (75) و(76) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004.
وفي حالة شغور المنصب يقوم المجلس الأعلى للقضاء بانتخاب من يخلفه في أول دورة له بعد الشغور، وقد أحال القانون العضوي المذكور إلى النظام الداخلي للمجلس الذي يتولى تحديد طريقة انتخاب أعضاء المكتب الدائم وسيره ومهامه.
المطلب الثاني
كيفية تسيير أعمال المجلس الأعلى للقضاء على ضوء النصوص التشريعية التي نظمته:

لما كانت أشغال المجلس الأعلى للقضاء لها أهمية بالغة، في تسيير شؤون القضاة، ومساسها المباشر بالمسار المهني لهم، فإن تدخل المجلس الأعلى للقضاء في هذا التسيير بصورة مستقلة عن طريق أجهزته وهيئاته يضمن للقاضي أكبر وأوفر حماية، لذا سوف نتطرق إلى كيفية تسيير أعمال المجلس الأعلى للقضاء بالتعرف على دوراته وجدول أعماله، وكذا مداولاته عبر القوانين الأساسية للقضاء التي نظمته في الفروع الآتية:
الفرع الأول
دورات المجلس الأعلى للقضاء
نص القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969 في القسم الخاص بتسيير المجلس الأعلى للقضاء من المادة (17) إلى غاية المادة (20) منه على كيفية تسيير الأعمال بالمجلس الأعلى للقضاء وانعقاد دوراته، وبالرجوع إلى المادة (17) التي نصت على أن "يجتمع المجلس الأعلى للقضاء بدعوة من رئيسه الذي يمكنه أن يفوض هذه السلطة إلى وزير العدل".
وبذلك لم يحدد المشرع بموجب هذا النص عددا معينا من دورات المجلس العادية، مما يجعل إمكانية انعقاده في أي وقت، وهذا قد يؤثر على التسيير المنتظم لأعمال المجلس وخاصة بالنسبة إلى تنظيم جدول أعماله الذي يتطلب من أعضاءه دراسة دقيقة. الأمر الذي تغير في ظل القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989 الذي حدد عدد دورات المجلس الأعلى للقضاء بدورتين عاديتين في السنة، وبالمقابل إمكانية أن يعقد المجلس دورة بصفة استثنائية بالنظر إلى حجم الأعمال والمهام التي يؤديها، إلا أن عدم اشتراك الأعضاء المنتخبين في إمكانية دعوة المجلس لانعقاده في دورة استثنائية لكونهم الأقدر على معرفة حجم أعمال المجلس ويستطيعون اتخاذ قرار بضرورة عقد هذه الدورة الإستثنائية، ويبدوا لنا أن قصد المشرع من إمكانية انعقاد المجلس في دورة استثنائية هو تمكين رئيس الجمهورية أو نائبه من متابعة أعمال المجلس الأعلى للقضاء بصفة مستمرة ودائمة، وعدم الانتظار في دراسة هذه الانشغالات خاصة التي تطلب نوع من الطابع الاستعجـــالي.
إستقر المشرع حول عدد دورات المجلس الأعلى للقضاء التي أناطها برئيس المجلس أو نائبه في دورتين عاديتين خلال السنة ويمكنه أن يعقد دورات استثنائية بناءا على حجم أعمال المجلس خلال السنة، وهذا ما يبرز أهمية تحديد عدد دورات المجلس خلال السنة. مما يمّكن أعضاء المجلس من مزاولة أعمالهم بكل ارتياح بطريقة منتظمة وعادية، إذ نجد أن بعض الدول لا تكتفي بدورتين في السنة كما هو الحال في المغرب الذي يعقد فيه دورة في كل ثلاثة أشهر أوأكثر حسب عدد القضايا المحالة وأهميتها .
الفرع الثاني
جدول أعمال المجلس الأعلى للقضاء
أنيطت مهمة تحضير جدول أعمال المجلس الأعلى للقضاء بكتابة المجلس في ظل القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969 وذلك بموجب المادة (19) منه, وذلك راجع إلى عدم إحداث المشرع هيئة دائمة أو مكتب دائم يتولى تحضير جدول أعمال المجلس، حتى صدور القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989 حيث أنيطت مهمة تحضير جدول الأعمال إلى المكتب الدائم بالمجلس الذي عليه انتخاب أعضائه في أول دورة له, ولكن لم يكن هذا المكتب مستقلا في تحضير جدول الأعمال وإنما كان بالاشتراك مع رئيس المجلس الأعلى للقضاء ونائبه. وهذا ما عبرت عنه المادة (72) من نفس القانون الأساسي للقضاء إلا أننا نرى أن اشتراك أعضاء المكتب الدائم في متابعة جدول أعمال المجلس وتحضيره والإشراف عليه يجسد استقلالية المجلس في تسيير أعماله بنفسه دون أي تأثير مما يخدم مصالح القضاة في كون أن متابعة مسارهم المهني وانشغالاتهم معقودة بيد القضاة، إلا أن هذا الأمر لم يبقى على حاله في ظل التعديل الذي طرأ على القانون الأساسي للقضاء بموجب المرسوم التشريعي لسنة 1992 ليعيد مهمة تحضير جدول أعمال المجلس إلى أمانة المجلس الأعلى للقضاء.
إلا أن المشرع كان يسعى إلى ترسيخ استقلالية المجلس الأعلى للقضاء بصفة تدريجية وبعد إعادة النظر في مكانة المجلس الأعلى للقضاء والذي خصه بقانون عضوي ينظمه، أعاد مهمة تحضير جدول أعمال المجلس إلى القضاة عن طريق المكتب الدائم وذلك ما نصت عليه المادة (13) من القانون العضوي المنظم للمجلس الأعلى للقضاء وهذا راجع إلى أن جدول أعمال المجلس أصلا هي من اختصاصاته وصلاحياته التي يمارسها من أجل تنظيم المسار المهني للقضـــــاة.

الفرع الثالث
مداولات المجلس الأعلى للقضاء

نص القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969 في المادة (18) منه على أن يتضمن المجلس الأعلى للقضاء -11- أحد عشر عضوا على الأقل من بينهم أربعة قضاة منتخبين كي يتداول بصفة قانونية", ومما يبدو من خلال رأي بعض المؤلفين أن المشرع غلّب الجانب السياسي وذلك لمّا حدد عدد القضاة بأربعة , على أن لا يتم هذا النظام عندما يجتمع في التشكيلة التأديبية.إلا أنه بعد صدور القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989 كرس المشرع في مجال تداول أعضاء المجلس المبادئ الديمقراطية وحدد نصابا معينا من أجل صحة مداولاته بنسبة 2/3 ثلثي الأعضاء على الأقل، أما بالنسبة لقرارات المجلس فتتم بنظام الأغلبية على أن لا يتم ذلك عندما يجتمع المجلس الأعلى للقضاء كمجلس تأديب للبت في متابعة تأديبية، وبقي الحال على ذلك حتى بعد صدور المرسوم التشريعي لسنة 1992 المعدل للقانون الأساسي للقضاء لسنة 1989، كما أن المشرع في كل القوانين الأســــاسية كانت فيها الإعتمادات المالية للمجلس تقيد في الميزانية المبرمجة لوزارة العـــدل.
وبناءا على ما تقدم نخلص إلى القول أن المجلس الأعلى للقضاء عرف عدة تجارب بتعاقب القوانين الأساسية للقضاء التي نظمته والتي نلتمس منها إرادة المشرع في تحسين مكانة المجلس من أجل الوصول إلى تحقيق استقلاله التام بصفة تدريجية في مجال تسيير أعماله وخاصة أن هذا الجانب له علاقة وطيدة بالصلاحيات المخولة له قانونا.
وعلى ضوء هذا الإتجاه تم إحداث اللجنة الوطنية لإصلاح العدالة، والتي كانت من بين مقترحاتها تعزيز استقلالية المجلس الأعلى للقضاء من حيث طريقة عمله بدون أي تدخل محتمل من سلطة أخرى، وفي ظل ذلك خص المشرع المجلس الأعلى للقضاء بقانون عضوي يتضمن تشكيلته وعمله وصلاحياته.
حيث اشترط المشرع في ظل هذا القانون لصحة مداولات المجلس الأعلى للقضاء وقانونيتها حضور ثلثي 2/3 الأعضاء على الأقل وذلك عملا بالمادة (14) من القانون العضوي المتضمن المجلس الأعلى للقضاء.
وتتخذ قرارات المجلس بأغلبية الأصوات وفي حالة تساوي الأصوات يرجع صوت الرئيس، وهذا الشيء الجديد الذي أتى به المشرع على خلاف القوانين الأساسية للقضاء السابقة لم تنص على مسألة ترجيح صوت الرئيس في حالة تساوي الأصوات.
وفي سبيل تعزيز استقلالية المجلس الأعلى للقضاء، نصت المادة 17 من القانون العضوي المذكور على تمتعه بالاستقلال المالي ويتم تسجيل كل الإعتمادات المالية الضرورية لسير المجلس الأعلى للقضاء في الميزانية العامة للدولة، مما يضمن تفرغ أعضاء المجلس الأعلى للقضاء إلى القيام بصلاحياته التي خولها إليه القانون.


( الفصل الثاني )
صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء
إن وضع المجلس الأعلى للقضاء في المكان الذي يليق به ليعزز من استقلالية السلطة القضائية، هو أمر متوقف على مدى الصلاحيات المخولة له، فبالقدر الذي يتدخل في تسيير مختلف الجوانب التي تنظم المسار المهني للقضاة، بقدر ما نكون متجهين نحو استقلالية السلطة القضائية، وعلى العكس إذا جرّدنا هذه المؤسسة الدستورية من مهامها فنكون قد فسحنا المجال للتأثير على جهاز العدالة.
لذلك نرى أن نتطرق إلى صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء على ضوء القانون العضوي رقم 04-12 المؤرخ في 6 سبتمبر 2004 المتضمن المجلس الأعلى للقضاء، وكذا القانون الأساسي القضاء المؤرخ في 6 سبتمبر2004 من خلال مبحثين، نخصص المبحث الأول إلى دراسة صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في متابعة المسار المهني للقضاة.
وأردنا أن نفرد المبحث الثاني إلى صلاحية المجلس في تأديب القضاة. نظرا للأهمية التي يطرحها والتي تتمثل في الضمانات الممنوحة للقاضي المتابع تأديبيا، سواء أثناء التحقيق أوالمحاكمة، وكذا إمكانية الطعن في القرارات التأديبية الصادرة من المجلس الأعلى للقضاء من طرف القضاة.
المبحث الأول: صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في متابعة المسار المهني للقضاة.
المبحث الثاني: صلاحية تأديب القضاة .



المبحث الأول
صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في متابعة المسار المهني للقضاة
يتولى المجلس الأعلى للقضاء متابعة المسار المهني للقضاة والذي نقصد به تعيين القضاة وترسيمهم وترقيتهم ونقلهم داخل سلك القضاء، بالإضافة إلى متابعة وضعية القضاة أثناء قيامهم بالخدمة، وذلك بإلحاقهم ووضعهم في حالة استيداع ومتابعة إنهاء مهامهم في حالة الإستقالة والتقاعد، وهذا ما سنحاول التطرق إليه عبر هذا المبحث على ضوء القـانون العضــوي رقم 04-12 المتضمن المجلس الأعلى للقضاء من خلال مطلبين نخصص المطلب الأول إلى دراسة صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في تعيين وترسيم القضاة وترقيتهم ونقلهم ونخصص المطلب الثاني إلى دراسة صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في متــابعة وضعية القضاة وإنهاء مهامهم.
المطلب الأول
صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في تعيين وترسيم القضاة وترقيتهم ونقلهم
نص القانون العضوي رقم 04-12 المؤرخ في 6 سبتمبر 2004 المتضمن المجلس الأعلى للقضاء، على اختصاص المجلس الأعلى للقضاء في تعيين القضاة وترسيمهم وترقيتهم ونقلهم وهذا ما سنتطرق إليه في الفروع الآتية:
الفرع الأول
تعيين القضاة وترسيمهم
إن تدخل المجلس الأعلى للقضاء في مجال تعيين القضاة وترسيمهم، محدد بموجب القانون العضوي المتضمن المجلس الأعلى للقضاء، إذ اشترط في تعيين القضاة والترسيم، مداولة المجلس الأعلى للقضاء في الاقتراح الذي يقدمه وزير العدل على أن يتم تعيينهم بموجب مرسوم رئاسي، ويتم ترسيمهم بعد فترة تمرين وتربص لدى الجهات القضائية تدوم مدتها سنة، من طرف المجلس الأعلى للقضاء وهذا ما سوف نتطرق إليه في النقاط التالية :

أولا: تعيين القضاة :
إن أمر تعيين القضاة لدى الجهات القضائية من إختصاص رئيس الجمهورية، إذ يتم تعيينهم بموجب مرسوم رئاسي بناءا على اقتراح وزير العدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء، وهذا ما قضت به المادة (3) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، ويظهر اختصاص المجلس الأعلى للقضاء من خلال مجالين أولهما تعيين القضاة المترشحين والثاني التعيين المباشر.
1. تعيين القضاة المترشحين (الملتحقين):
اعتمد المشرع الجزائري نظام اختيار القضاة للدخول إلى سلك القضاء وهذا ما قضت به المادة (39) من القانون الأساسي للقضاء المؤرخ في 6 سبتمبر 2004، وأوكل مهمة اختيار القضاة إلى المدرسة العليا للقضاء، التي عهد إليها أمر تنظيم مسابقات وطنية في حدود الإحتياجات البشرية لجهاز العدالة، وبعد النجاح في المسابقة، ومزاولة الطلبة القضاة للدراسة التي تدوم ثلاثة سنوات والتحصل على شهادة المدرسة العليا للقضاء، يتم تعيينهم لدى الجهات القضائية بموجب مرسوم رئاسي بناءا على اقتراح من وزير العدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء، وفقا للمادة (3) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004.
وهذا ما يبرز دور المجلس الأعلى للقضاء، في تعيين القضاة إذ مكنه المشرع من المداولة في ملفات المترشحين للتعيين ودراستها، وهذا على خلاف ما سار عليه المشرع الجزائري في ظل القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969، إذ أن دور المجلس الأعلى للقضاء كان مجرد رأي استشاري لا يكتسي أي صفة إلزامية.
2. التعيين المباشر:
تحسبا من المشرع للاحتياجات البشرية التي يحتاج إليها جهاز العدالة باستمرار، وخاصة إلى الكفاءات العلمية المتخصصة التي لها ما يؤهلها إلى مباشرة العمل القضائي، لجأ المشرع إلى طريقة استثنائية في تعيين القضاة عن طريق التعيين المباشر وهذا ما قضت به المادة (41) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، على أن يتم التعيين المباشر وبصفة إستثنائية من المناصب القضائية التالية: مستشارين في المحكمة العليا، أومستشاري دولة بمجلس الدولة وذلك بموجب مرسوم رئاسي بناءا على اقتراح من وزير العدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء على أن لا تتجاوز هذه التعيينات في أي حال من الأحوال 20% من المناصب المتوفرة، وذلك لحاملي شهادة دكتور دولة بدرجة أستاذ في التعليم العالي في الحقوق أوالشريعة والقانون أوالعلوم المالية أوالإقتصادية أوالتجارية، والذين مارسوا فعليا عشر 10 سنوات على الأقل في الاختصاصات ذات الصلة بالميدان القضائي وكذلك المحامين لدى المحكمة العليا أومجلس الدولة، والذين مارسوا فعليا لمدة عشر 10 سنوات على الأقل بهذه الصفة.
وهذا ما يبرز لنا دور المجلس الأعلى للقضاء في مجال تعيين القضاة المباشر، بغية دراسة الملفات، في كونه الأكثر معرفة بالإحتياجات البشرية لجهاز العدالة.
وكما تجدر الإشارة إلى أن النظام الفرنسي يعتمد هذه الطريقة في تعيين القضاة، بإجراء مسابقة للالتحاق بالمدرسة الوطنية للقضاء وكذا إلى طريقة التعيين المباشر، ونجد طبيعة تدخل المجلس الأعلى للقضاء به يكتسي الطابع الإلزامي ويستطيع تقديم أراء مخالفة في مجال تعيين القضاة .
ومن خلال استقراءنا لمواد القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004 نجد أن المشرع أحدث وظائف قضائية نوعية مؤطرة في المادة (48) منه وعلى أن يتم التعيين فيها بموجب مرسوم رئاسي بدون اشتراك المجلس الأعلى للقضاء والتي حصرها في المادتين (49) و(50) من نفس القانون كالآتي: الرئيس الأول للمحكمة العليا، رئيس مجلس الدولة، النائب العام لدى المحكمة العليا، محافظ الدولة لدى مجلس الدولة، رئيس مجلس قضائي, رئيس محكمة إدارية، نائب عام لدى المجلس القضائي، محافظ دولة لدى محكمة إدارية.
أما في المادة (50) من القانون الأساسي للقضاء المذكور أعلاه، منح المشرع المجلس الأعلى للقضاء حق تقديم رأي استشاري في مجال التعيين في الوظائف القضائية النوعية والتى حصرها في تلك المادة كالآتي: نائب رئيس المحكمة العليا، نائب رئيس مجلس الدولة، نائب عام مساعد لدى المحكمة العليا، نائب محافظ دولة بمجلس الدولة، رئيس غرفة بالمحكمة العليا، رئيس غرفة لدى مجلس الدولة، نائب رئيس المجلس القضائي، نائب رئيس محكمة إدارية، رئيس غرفة بالمجلس القضائي، رئيس غرفة بالمحكمة الإدارية، قاضي تطبيق العقوبات، رئيس محكمة، وكيل الجمهورية، قاضي التحقيق.
ونعتقد من خلال استقراءنا للمادتين السابقتين، أن المشرع لما أحدث المناصب القضائية النوعية المؤطرة والتعيين فيها بموجب مرسوم رئاسي، وكذا المناصب القضائية النوعية التي يتم فيها التعيين بموجب مرسوم رئاسي بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء، وكذا من خلال رأي بعض المؤلفين أن هذه القواعد الجديدة ليست بالتعيين المباشر، لأن اللجوء إلى هذا الأخير يكون بصفة استثنائية وحدد المشرع إجراءاته والأشخاص الذين يشملهم في المادة (41) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، لذا قد يكون عبارة عن ترقية لقضاة يباشرون مهامهم القضائية، وقد يكون في حالات أخرى عبارة عن نقل قاض كان يتولى نفس المهام في جهة قضائية أخرى.
ثانيا: ترسيم القضاة:
أما بالنسبة لترسيم القضاة كإجراء قانوني يخص مسارهم المهني، يتم بعد تعيينهم في الجهات القضائية، يخضعون لفترة تأهيلية تدوم مدة سنة واحدة وهذا ما قضت به المادة (39) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، بعدها يقرر المجلس الأعلى للقضاء إما بترسيمهم أوتحديد فترة تأهيلهم لمدة -1- سنة واحدة جديدة، في جهة قضائية خارج إختصاص المجلس القضائي الذي قضوا فيه الفترة التأهيلية الأولى أو إعادتهم إلى سلكهم الأصلي أو تسريحهم، وهذا ما نصت عليه المادة (40) من نفس القانون المذكور.
ومن خلال استقراءنا لهذه المواد نجد أن أمر ترسيم القضاة معقود بيد المجلس الأعلى للقضاء، قصد دراسة ملف القاضي المترشح إلى الترسيم والوقوف على حقيقة كفاءته ومؤهلاته في مجال العمل القضائي، وهذا على خلاف المرسوم التشريعي لسنة 1992 في المادة (30) منه كان دور المجلس الأعلى للقضاء في مجال ترسيم القضاة استشاري.
الفرع الثاني
ترقية القضاة

حفاظا على استقلالية القضاء، لجأت معظم التشريعات إلى وضع ضوابط لترقية القضاة حتى لا يترك المجال مطلقا للسلطة التنفيذية ، وقد سار المشرع الجزائري إلى نفس هذا الإتجاه وأسس ضوابط تحكم ترقية القضاة وأناطها كصلاحية من صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء، وينظر في ملفات المترشحين للترقية ويسهر على احترام الضوابط التي حددها المشرع في المادة (20) من القانون العضوي المتضمن المجلس الأعلى للقضاء رقم 04-12 المؤرخ في 6 سبتمبر 2004. ومناقشتها حتى لا تستخدم كسلاح ضد القاضي .
أولا: قواعد ترقية القضاة:
حدد المشرع الجزائري قواعد وضوابط لترقية القضاة داخل سلك القضاء بموجب المادة (51) من القانون الأساسي للقضاء، حتى يتمكن المجلس الأعلى للقضاء من ممارسة إختصاصه في هذا المجال، والتي سنتطرق إليها بإيجاز كالآتي:
1. المجهود الكمي للقضاة: يعتمد هذا المعيار أساسا، على إحصاء عدد القضايا التي فصل فيها القاضي، خلال مدة زمنية معينة ونعتقد أن اعتماد هذا الأسلوب بصفة رئيسية ينعكس سلبا على القاضي في نوعية أداء عمله القضائي، وذلك مما يتطلبه هذا الأسلوب من سرعة في الفصل في الملفات المجدولة لديه دون دراسة وتفحص كافي لأهمية النزاع المعروض عليه، لذلك نجد المشرع لم يأخذ بهذا المعيار لوحده وأضاف له أسلوب آخر للتقييم.
2. المجهود النوعي للقضاة: اعتمد المشرع معيار آخر يضاف إلى المجهود الكمي للقاضي، وهو درجة فحصه ودراسته للملفات، وقدرات القاضي العلمية وكفاءته في البحث والتحري للوصول إلى الحقيقة، وكيفية استنباط النتائج من الأسباب المعروضة عليه وخاصة مع تنوع التشريع وغموضه، أمابالنسبة لكيفية تقيم المجهود الكيفي (النوعي) للقاضي، لجأ المشرع إلى أسلوب التنقيط الذي يختص به المسؤولين المباشرين لهم، على أساس أنهم الأكثر قدرة على معرفة قدراتهم وكفاءتهم، وهذا ما قضت به المادة (52) والمادة (53) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، ويتم تنقيط القضاة حسب الجهة القضائية التابعين لها كالآتي:
- ينقط قضاة الحكم للمحكمة العليا، ومجلس الدولة من طرف رئيس المحكمة العليا ورئيس مجلس الدولة بعد استشارة رؤساء المحاكم حسب الحالة.
- يتولى رئيس المحكــمة الإدارية تنقيط قضاة الحكم التابعين لمحكمته بعد استشارة رؤساء الأقســـام.
- يتولى النائب العام لدى المحكمة العليا تنقيط قضاة النيابة التابعين له، وينقط محافظ الدولة لدى مجلس الدولة مساعديه، وتجدر الإشارة أن رئيس المجلس القضائي يستطلع أراء وكلاء الجمهورية المعنيين فيما يخص تنقيط قضاة النيابة التابعين لمحاكمهم.
ونخلص إلى القول أن المشرع إعتمد أسلوب التنقيط للكشف عن مجهودات القضاة، وأسند المهمة إلى المسؤولين المباشرين لهم، وكما يحق للقضاة التظلم بشأن تنقيطهم لدى المجلس الأعلى للقضاء، بموجب عريضة تتضمن أسباب التظلم، والذي عليه البت فيه في أقرب دورة له، وهذا ما قضت به المادة (33) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004.
3. درجة مواظبة القضاة: إن الطابع الخاص الذي تتميز به الواجبات المفروضة على القاضي عن أي موظف لدى الدولة ، التي تشمل أوقات عمله وخارجها لتمتد إلى الحياة الخاصة للقاضي، لذلك يجب على القضاة احترام أوقات عملهم والاهتمام بأعمالهم القضائية والتفرغ لها، وكذا التحلي بالسلوك الذي يليق بقداسة الرسالة التي يؤديها خارج أوقات عمله، وهذا ما قضت به المادة (51) من القانون الأساسي للقضاء، وجعل المشرع درجة انضباط القضاة وسلوكا تهم أسلوب يعتمد عليه في الترقية يضاف إلى المعايير الأخرى.
4. الأقدمية: أدرج القانون الأساسي للقضاء معيار آخر لتقييم القضاة من أجل ترقيتهم، وهو أقدمية القاضي والتي تبدأ منذ تسجيل في قائمة التأهيل للترقية، كإجراء قانوني سنوي يترتب عليه ترتيب القضاة ترتيبا استحقاقيا، وذلك بعد استيفائهم الحد الأدنى المطلوب من سنوات الخدمة.
كما تجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى المعايير السالفة الذكر، فإنه في مجال ترقية القضاة يؤخذ بعين الاعتبار وبصفة أساسية، التسجيل في قائمة التأهيل والتقييم الذي يحصل عليه القضاة أثناء تكوينهم المستمر، وكذا الأعمال العلمية التي أنجزوها، والشهادات العلمية المتحصل عليها وهذا ما قضت به المادة (44) من القانون الأساسي للقضاء المذكور، كما أنه في حالة استفادة القاضي من الترقية عليه قبول المنصب المقترح عليه وفقا لنص المادة (59) من القانون الأساسي للقضاء، وهذا على خلاف ما نجده في المادة (42) الفقرة الثانية من القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989 الذي كان يعترف بحق القاضي في تأجيل الترقية.
الفرع الثالث
نقل القضاة

لا شك أن وضع قواعد ثابتة تنظم نقل القضاة هي أشد ما تكون اتصالا بالطمأنينة لهم، وعدم تهديدهم بالنقل من حين إلى آخر مما يوّلد في نفوسهم مرارة وعدم الشعور بالاستقرار ، وقد حدد المشرع في القانون العضوي المتضمن المجلس الأعلى للقضاء ضوابط وقواعد نقل القضاة التي يراعيها المجلس في ذلك ، مع تكريس حق الاستقرار لهم وهذا ما سنتطرق إليه كالآتي :
أولا- قواعد نقل القضاة :
حدد المشرع الجزائري الضوابط القانونية التي يأخذها بعين الاعتبار المجلس الأعلى للقضاء، في نقل القضاة بموجب المادة (19) من القانون العضوي رقم 04–12 المؤرخ في 6 سبتمبر 2004 المتضمن المجلس الأعلى للقضاء والتي سوف نتطرق إلى بيانها بإيجاز كالآتي:
1. معيار الرغبة الخاصة: عندما يتولى المجلس الأعلى للقضاء دراسة ملف القاضي بشأن نقله، يأخذ بعين الإعتبار رغبته الخاصة في ذلك حين تقديمه لطلب النقل مبرزا الأسباب التي دفعت لذلك، ويتم التداول بشأن هذا الطلب، وهذا ما قضت به المادة (19) من القانون العضوي المذكور.
2. معيار الكفاءة المهنية: اشترط المشرع من بين المعاييرالتي يراعيها المجلس الأعلى للقضاء في دراسة نقل القضاة، معيار الكفاءة والمؤهلات العلمية، وقد يتعسر عليه أمر تحديد ذلك، إذ يجب الإستعانة في ذلك بكافة المعلومات اللازمة، التي يتحصل عليها من الجهة القضائية محل التنقل، والإطلاع على مجهوداته المبذولة كما وكيفا، والتقييم الذي تحصّل عليه من أجل خلق نوع من التنافس بين القضاة في إطار مهامهم القضائية .
3. المعيار الصحي والحالة العائلية: أدرج المشرع الجزائري في نفس المادة المذكورة سابقا معيار ينظر فيه إلى الحالة الصحية للقاضي، فقد لا تسمح له بأداء مهامه، في مكان لا يتلاءم مع حالته الصحية بحكم المناخ، وامتدت هذه النظرة أيضا الى زوج القاضي وأطفاله.
كما أخذ المشرع بعين الاعتبار الحالة العائلية للقاضي، التي يقصد بها الأعباء الاجتماعية التي يتحملها القاضي الذي يكفل أســـرته، كعامل يأخذه المجلس الأعلـــى للقضاء حين دراســة الملف.
4. معيار المصلحة: يدرس المجلس الأعلى للقضاء ملفات طلبات نقل القضاة مع مراعاة ضابط المصلحة العامة وشغور المناصب واحتياجات الجهات القضائية، بناءا على حجم القضايا المعروضة عليها إلا أن هذا الضابط يدخل ضمن السلطة التقديرية للمجلس الأعلى للقضاء ، والإعتماد عليه بشكل أساسي ينعكس سلبيا على القضاة، ويمس بأحد الحقوق الأساسية التي كرسها المشرع ألا وهو حق الإستقرار.
ثانيا: مفهوم حق الإستقرار للقضاة:
نص المشرع الجزائري في القانون العضوي المتضمن المجلس الأعلى للقضاء والقانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، إضافة للمعايير التي يأخذها المجلس الأعلى للقضاء في دراسة ملف النقل بالنسبة للقضاة السالفة الذكر، حق الإستقرار، لأنه حق مضمون للقاضي، ولا يجوز نقله أوتعيينه في منصب جديد بالنيابة العامة أو بسلك محافظي الدولة أو بالإدارة المركزية لوزارة العدل، أومؤسسات التكوين والبحث التابعة لها أو بالمصالح الإدارية بالمحكمة العليا أوبمجلس الدولة أو أمانة المجلس الأعلى للقضاء إلا بموافقته، متى توفرت لديه المدة الزمنية المطلوبة من الخدمة الفعلية في سلك القضاء "10 سنوات" وهذا ماقضت به المادة (26) من القانون الأساسي للقضاء المذكور أعلاه.
وبذلك فحق الإستقرار مصون من طرف المشرع للقضاة، سواء كانوا تابعين للحكم أوقضاة النيابة العامة إلا أن هذه القاعدة لها استثناءات بحيث يمكن أن يتعرض القاضي إلى إجراء النقل دون موافقته رغم توافرالشروط القانونية التي تمكنه من حق الإستقرار وهذا ما سوف نبينه بالتمييز بين قضاة الحكم والنيابة.
قضاة الحكم: قد يتعرض قضاة الحكم إلى النقل في إطار الحركة السنوية للقضاة التي يمارسها المجلس الأعلى للقضاء لاعتبارات المصلحة العامة وحسن سير جهاز العدالة، وهذا ما قضت به المادة (26) الفقرة الثانية من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، ونعتقد أن هذا الاستثناء الذي جاء به المشرع لا يتعارض مع حق الاستقرار الذي ضمنه المشرع للقضاة، إذ أن المصلحة العامة في مفهومها الواسع يمكن أن تفسر من اجل حماية القاضي نفسه، وحفاظا على حياده بعيدا عن الريبة والشبهات.
كما يجب على القاضي أن يلتحق بمنصب عمله الجديد، ويحق له أن يقدم تظلما بشأن النقل الذي تعرض إليه أمام المجلس الأعلى للقضاء، في أجل شهر من تاريخ تنصيبه والذي يبت فيه في أقرب دورة له وهذا عملا بالمادة (26) الفقرة الثالثة من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004.
قضاة النيابة العامة: أما بالنسبة لقضاة النيابة العامة، بحكم تبعيتهم التدرجية لوزير العدل، فإنه يجوز لهذا الأخير نقل قضاة النيابة العامة أو محافظي الدولة أو تعيينهم في مناصب أخرى بناءا على ضرورة المصلحة العامة، وحسن سير قطاع العدالة ومع إعلام المجلس الأعلى للقضاء بذلك في أول دورة له حتى يتمكن من مراقبة الأسباب التي اقتضت اتخاذ هذا الإجراء من طرف وزير العدل.
أما بخصوص حق قضاة النيابة العامة في التظلم أمام المجلس الأعلى للقضاء لم ينص عليه المشرع، ويبدوا لنا أن لهم الحق في التظلم انطلاقا من نص المادة (33) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، التي مكنت القاضي من تقديم تظلم في حالة اعتقاده انه تضرر بحرمانه من أحد الحقوق التي اقرها القانون له.
كما تجدر الإشارة في هذا المجال أن وزير العدل يمارس نفس الصلاحيات، ويتخذ قرار إجراء نقل القضاة العاملين بالإدارة المركزية لوزارة العدل أو المصالح الإدارية بالمحكمة العليا وفقا للمادة (26) الفقرة الثالثة من نفس القانون الأساسي للقضاء المذكور أعلاه.
المطلب الثاني
الصلاحيات المتعلقة بوضعية القضاة وإنهاء مهامهم
يظهر دور المجلس الأعلى للقضاء في متابعة المسار المهني للقضاة من خلال مجالين، أولهما الإشراف على متابعة وضعية القضاة حين إلحاقهم أووضعهم في حالة استيداع قانوني، والثاني يتجسد في متابعة إنهاء مهام القضاة من خلال إحالتهم على التقاعد أو حين طلب استقالتهم من منصب القضاء، وهذا ما سنتطرق إليه في الفرعين الآتيين.


الفرع الأول
صلاحية متابعة وضعية القضاة
يقصد بوضعية القضاة، هي الحالة التي يكون فيها القاضي، فإما أن يكون في وضعية القيام بالخدمة في إحدى الجهات القضائية أوبمصالح وزارة العدل المركزية أوالخارجية أوبأمانة المجلس الأعلى للقضاء أوفى مؤسسات التكوين والبحث العلمي التابعة لوزارة العدل، وكذا المصالح الإدارية بالمحكمة العليا أو مجلس الدولة، وهذا ما تضمنته المادتان (73) و(74) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، وبما أننا لا نلمس أي دور للمجلس الأعلى للقضاء في الحالة التي يكون فيها القاضي يمارس مهامه بصفة عادية، فإنه يتدخل بصورة جلية لما يكون القاضي في حالة إلحاق أو في حالة استيداع وهذا ما سوف نتطرق إليه بإيجاز كما يلي:
أولا: إلحاق القضاة:
ضمانا لحسن سير العدالة, وحتى يتمكن القاضي من أداء رسالته بكل ارتياح ، نظم المشرع الشروط والضوابط القانونية التي يجب أن تتخذ في حالة إجراء إلحاق القضاة بمهام أخرى غير مهامهم الأصلية، وهذا ما سوف نتناوله بعد الإشارة إلى تعريفه.
1. تعريف الإلحاق :
عرّف المشرع الجزائري إلحاق القضاة بأنه هو الحالة التي يكون فيها القاضي خارج سلكه الأصلي لمدة معينة، ويستمر في الإستفادة داخل هذا السلك من حقوقه في الترقية والمعاش والتقاعد وهذا ما قضت به المادة (75) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004.
فمن خلال هذا التعريف الذي وضعه المشرع لحالة إلحاق القضاة الذي هو عبارة عن تكليف القاضي بمهام أخرى غير مهامه الأصلية التي عهدت إليه بموجب تعيينه، فإن المشرع لم يترك هذا الأمر محلا للسلطة التقديرية التي يمارسها وزير العدل أوالمجلس الأعلى للقضاء في هذا المجال وإنما وضع ضوابط قانونية لممارسة هذا الإجراء.

2. الشروط القانونية لإلحاق القضاة:
- في الحالة التي يصدر فيها المجلس الأعلى للقضاء قرارا بإلحاق القاضي، بغرض أداء مهام أخرى خارج السلك الأصلي له فإنه يجب أن يتضمن هذا القرار المدة الزمنية التي يقضيها القاضي خارج سلكه الأصلي.
- وأن ممارسة إجراء إلحاق القضاة يتم بعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء بشأن ذلك وهذا يعطي أكبر حماية للقاضي التي تتمثل في أن قرار إلحاقه يصدر من هيئة مخولة لها الإشراف على شؤون القضاة، وعليها أن تراعي في اتخاذ هذا القرار الرغبة الخاصة للقاضي المبينة في طلبه أوموافقته على الإلحاق بعد ما يتم اقتراح ذلك من طرف وزير العدل أوالمجلس الأعلى للقضاء. ويبدوا لنا أن هذه الشروط القانونية التي قضت بها المادة (78) من القانون الأساسي للقضاء توفر الحماية اللازمة للقاضي، إلا أن هذه القاعدة أدخل عليها المشرع استثناءا بالنظر إلى ضرورة المصلحة ولما يقتضيه السير الحسن لجهاز العدالة. ويمكن لوزير العدل بناءا على هذه المقتضيات أن يمارس إجراء إلحاق القضاة دون مداولة المجلس الأعلى للقضاء، ولكنه عليه أن يعلم هذا الأخير بذلك في أول دورة له عملا بالمادة (78) الفقرة الثانية من القانون الأساسي للقضاء.
- وتحسبا من المشرع لخطورة هذا الإجراء في حالة استعماله بصورة واسعة، وضع نسبة معينة لعدد القضاة الذين يتم إلحاقهم بأن لايتجاوز في كل الحالات نسبة 5% من المجموع الحقيقي لعددهم عملا بالمادة (77) من القانون الأساسي للقضاء.
- وعند نهاية المدة الزمنية المحددة في قرار الإلحاق يعاد القاضي إلى سلكه الأصلي في المنصب الذي كان يشغله بقوة القانون حتى وإن كانت زيادة في العدد المطلوب وفقا للمادة (80) من القانون الأساسي للقضاء. إن هذه الضوابط التي كرسها المشرع تجسد الحماية اللازمة للقضاة في مجال إلحاقهم، إذ أقر على وجوب مداولة المجلس الأعلى للقضاء بعدما كان القانون الأساسي للقضاء لسنة 1992 يشترط استشارة المجلس بشأن ذلك وفقا للمادة (48) بعد اتخاذ القرار من وزير العدل كما أن المشرع في ظل القانون الأساسي للقضاء الحالي حدد الجهات التي يتم إلحاق القضاة بها.

3. حالات إلحاق القضاة:
على ضوء المادة (76) من القانون الأساسي للقضاء فإنه يمكن إلحاق القضاة بإحدى الجهات الآتية: الإلحاق لدى الجهات الدستورية أوالحكومية، الإلحاق بالإدارة المركزية أوالمؤسسات أوالهيئات العمومية والوظيفية، الإلحاق لدى الجهات التي تكون الدولة فيها مساهمة في رأس المال، الإلحاق للقيام بمهمة في الخارج في إطار التعـــاون التقني، الإلحاق لدى المنظمات الدوليـــــة.
ثانيا: إحالة القضاة على الإستيداع:
قد يجد القاضي نفسه مضطرا للتوقف مدة زمنية معينة، عن أداء مهامه القضائية بحكم الظروف الصحية أو العائلية التي يواجهها، لذلك وجب وضعه في حالة استيداع كإجراء تحفظي على أن يعود لممارسة مهامه بعد زوال هاته العوارض التي حالت دون ذلك، ونظرا لأهمية هذه الوضعية التي تطرح على القاضي خوّل الأمر إلى المجلس الأعلى للقضاء إصدار قرار بذلك عملا بالمادة (48) من القانون الأساسي للقضاء وهذا ما يدفعنا إلى التعرض لتعريف حالة الإستيداع وحالاته وأجله كالآتي :
1. تعريف حالة الإستيداع :
يمكن تعريف حالة الإستيداع بأنها الحالة التي يتوقف فيها القاضي مؤقتا عن أداء وظائفه العادية، مع عدم الإستفادة من حقوقه في الترقية والمعاش ولا يتقاضى أي مرتب أوتعويضات كما نجد أن النظام الفرنسي أعطى لحالة استيداع القضاة نفس التعريف .
2. حالات الإستيداع :
قضت المادة (83) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004 بأن يوضع القاضي في حالة استيداع، بناءا على طلبه وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء في ذلك وهذا في الحالات المذكورة في نص المادة (81) من نفس القانون كما يلي: في حالة مرض أوحادث خطير يصيب الزوج أوالطفل، للقيام بدراسات أوبحوث تنطوي على فائدة عامة، لتمكين القاضي من إتباع زوجه إذا كان هذا الأخير مضطرا عادة للإقامة بسبب وظيفته، في مكان بعيد عن المكان الذي يمارس فيه زوجه وظيفته، لتمكين المرأة القاضية من تربية طفل لايتجاوز سنه 5 سنوات أومصاب بعاهة تتطلب عناية مستمرة، لمصالح شخصية وذلك بعد 5 سنوات من الأقدمية.
كما تجدر الإشارة أنه يمكن لوزير العدل أن يوافق على طلب القاضي بإحالته على الإستيداع لما تتوفر حالة الإستعجال وعليه أن يخطر المجلس الأعلى للقضاء بذلك في أول دورة له وفقا لأحكام المادة (83) الفقرة الثانية من نفس القانون الأساسي للقضاء.
3. المدة القانونية لحالة الإستيداع:
يقرر المجلس الأعلى للقضاء بإحالة القاضي على حالة الإستيداع إذا توفرت إحدى الحالات القانونية المذكورة أعلاه، وذلك لمدة لا تتجاوز سنة واحدة عملا بالمادة (83) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004. وأن نفس المادة في الفقرة -3- أعطت إمكانية تجديد هذه المدة كالأتي :
- تجديد المدة القانونية لحالة الإستيداع: يقدم القاضي المعني طلبه من أجل تجديد مدة حالة الإستيداع أمام لمجلس الأعلى للقضاء الذي يقرر تجديد المدة حسب الحالات الآتية:
- يتم تجديد فترة الإستيداع لمدة سنة مرتين لتصبح أقصاها 3 سنوات في حالة مرض أوحادث خطير يصيب الزوج أوالطفل، للقيام بدراسات وبحوث تنطوي على فائدة عامة، لمصالح شخصية بعد 5 سنوات من الأقدمية.
- ويتم تجديد فترة الإستيداع لمدة سنة 4 مرات لتصبح بحد أقصى 5 سنوات في حالة تمكين القاضي من إتباع زوجه إذا كان هذا الأخير مضطرا عادة للإقامة، بسبب وظيفته في مكان بعيد عنه، لتمكين المرأة القاضية من تربية طفل لا يتجاوز سنه 5 سنوات أومصاب بعاهة تتطلب عناية مستمرة.
الفرع الثاني
صلاحية إنهاء مهام القضاة

إن تدخل المجلس الأعلى للقضاء في إنهاء مهام القضاة، محدد في مواد القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004 التي تبين أن إنهاء مهام القضاة، والذى يكون لأسباب عديدة وهي الوفاة وفقدان الجنسية والإستقالة والتقاعد والتسريح والعزل، عملا بالمادة (84) من القانون المذكور أعلاه.
ونظرا لتعدد هذه الأسباب ارتأينا أن نتطرق إلى الإستقالة والتقاعد لعدم اتساع المجال لدراسة كل الحالات التي ذكرها المشرع في القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004. في النقطتين الآتيتين :
أولا: الإستقالة:
تعرف الإستقالة بمفهوم الوظيفة العمومية هي إفصاح الموظف عن إرادته في ترك منصب عمله مع عدم وجود النية في العودة إليه، إلا أنه بالنسبة لاستقالة القضاة فقد اشترط المشرع مرور مدة زمنية معينة التي تعهدوا فيها بالخدمة في سلك القضاء وهي 10 سنوات، وهذا ماقضت به المادة (85) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، فمن خلال هذا التعريف نستخلص الشروط القانونية للاستقالة من المنصب التي يمكن أن نوردها كالآتي:
- يجب على القاضي الذي يرغب في الإستقالة من منصب القضاء، أن يقدم طلبا مكتوبا إلى مجلس الأعلى للقضاء، ويعبر فيه بكل وضوح ودون لبس عن رغبته في التخلي عن صفة القاضي، ويتم إيداع طلب الإستقالة لدى مصالح وزارة العدل مقابل وصل ثابت التاريخ. المادة (85) الفقرة 2.
- يعرض طلب الإستقالة على المجلس الأعلى للقضـاء من أجل البت فيه في أجل أقصاه 6 أشهر، وفي حالة عدم البت في الطلب خلال هذا الأجل تعد الإستقالة مقبولة ولا يمكن له التراجع عنها. المادة (85) الفقرة 4.
- يتم تثبيت طلب الإستقالة للقاضي المعني بموجب مرسوم رئاسي. المادة (85) الفقرة 5.
وتحسبا من المشرع من إمكانية لجوء بعض القضاة إلى طلب إستقالتهم بقصد إخفاء أخطاء مهنية ارتكبوها أثناء عملهم القضائي، أوبغية وضع حد للمتابعة التأديبية أقر صراحة بأنه لا تحول إستقالة القاضي من إقامة دعوة تأديبية ضده بسبب الأفعال التي يمكن كشفها بعد قبول طلب الإستقالة وهذا ما قضت به المادة (85) الفقرة 4.

ثانيا- التقاعد :
يرى البعض من المؤلفين أن إحالة القضاة على التقاعد بعد بلوغهم سن معين أمر يجمع مابين متناقضين، من جهة نطلب من القاضي السرعة في الفصل في المنازعات حتى لا يشعر المتقاضين بالضيق والقلق المستمر إلى حين صدور الحكم الذي يعيد به الحق إلى صاحبه، وبين عدم تحميل القاضي ما لايستطيع من جهد لأن ذلك ينعكس سلبا على أداء عمله، إلا أن العديد من الدول تسعى إلى إبقاء القضاة في مناصبهم للاستفادة من الخبرة العميقة التي اكتسبوها، لأن القاضي كلما ازداد في السن ازداد حكمة ونضجا وأكثر قدرة على استخلاص النتائج من أسبابها . وعليه سوف نتطرق إلى سن التقاعد وإمكانية تمديده على ضوء القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004 كالآتي:
- السن القانوني للتقاعد: حدد المشرع الجزائري السن القانونية لتقاعد القضاة عند بلوغ لقاضي سن 60 سنة وبالنسبة للمرأة القاضية ببلوغها سن 55 سنة كاملة .
- تمديد سن التقاعد: فتح المشرع الجزائري إمكانية تمديد سن التقاعد بالنسبة لبعض القضاة الذين يشغلون مناصب قضائية معينة، كقضاة المحكمة العليا ومجلس الدولة ليصل سن التقاعد إلى 70 سنة، وأما بالنسبة لباقي القضاة فتمدد إلى 65 سنة، وهذا بناء على إقتراح وزير العدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء، ويستمر هؤلاء القضاة في تقاضي مرتباتهم بالإضافة إلى تعويض الذي يحدد عن طريق التنظيم عملا بالمادة (88) من القانون الأساسي للقضاء.
- إمكانية استدعاء القاضي المحال على التقاعد: حرص المشرع على ضرورة الإستفادة من القضاة الأكبر سنا بحكم الخبرة التي يكتسبونها في العمل القضائي، لذلك أمكن إعادة استدعاء القاضي المحال على التقاعد لأداء وظائف تعادل رتبته الأصلية أو تقل عنها بصفته قاضي متقاعد لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد.
ويستفيد القاضي المتقاعد بنفس الحقوق المخولة للقضاة أثناء الخدمة مع إلتزامه بنفس الواجبات ويتقاضى علاوة عن منحة التقاعد تعويض إضافي.
غير أنه لا يمكن إستدعاء القاضي المحال على التقاعد لمباشرة مهامه إذا كان قد تجاوز السن الأقصى المحددة بـ70 سنة بالنسبة لقضاة المحكمة العليا ومجلس الدولة و65 سنة بالنسبة لباقي القضاة، وكذا القضاة الذين تم إحالتهم على التقاعد التلقائي كعقوبة تأديبية تعرضوا لها.
المبحث الثاني
صلاحية تأديب القضاة

إن من حق المجتمع أن يرى القاضي دائما على النحو الذي يرى عليه العابد في محرابه ، متفاديا كل الشبهات والريبة، لذلك وجب مساءلة القاضي في حالة مخالفته لواجباته المهنية أوالانحراف بسلوكه على النحو الذي لا يليق بمكانة الوظيفة القضائية.
ولقد كرس المشرع الجزائري مسؤولية القاضي في حالة ارتكابه للأخطاء التأديبية وبالمقابل منح له ضمانات، إذ جعل سلطة تأديب القضاة بيد السلطة القضائية عن طريق المجلس الأعلى للقضاء، إذ نصت المادة (149) من دستور سنة 1996 على أن "القاضي مسؤول أمام المجلس الأعلى للقضاء عن كيفية قيامه بمهمته حسب الأشكال المنصوص عليها في القانون "وذلك بغية حماية المتقاضين من أي تعسف يصدر من القاضي أوالمساس بشرف المهنة والنيل من كرامة وقداسة العدالة.
ونجد أن أغلب الدول كرست متابعة القاضي في حالة ارتكابه لجريمة تأديبية، ونجد فرنسا اتجهت إلى نفس مبدأ جواز تأديب القضاة، وأن هذه المساءلة لا تتعارض مع مبدأ عدم القابلية للعزل ولكن استعمالها بطريقة تعسفية ضده يمس باستقلالية القاضي في إصدار أحكامه ، لذلك وجب إعطاء القاضي ضمانات أكثر من أي موظف آخر أثناء متابعته تأديبيا، وتحديد قواعد دقيقة تعمل على حماية القاضي منذ المتابعة التأديبية إلى غاية إجراء محاكمته ، وحدد المشرع الجزائري الإجراءات الخاصة لمتابعة القضاة حال ارتكابهم لجرائم تأديبية في القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، وبالنسبة لإجراءات سير الدعوى التأديبية حددت بموجب القانون العضوي رقم 04-12 المتضمن المجلس الأعلى للقضاء من أجل تطبيقها على كافة القضاة لذلك إرتأينا أن نقسم هذا المبحث إلى مطلبين نخصص الأول منه إلى الأساس القانوني للدعوى التأديبية أما الثاني إلى المحاكمة التأديبية للقضاة.

المطلــب الأول
الأساس القانوني للدعوى التأديبية

نقصد بالأساس القانوني ، الأخطاء التي يرتكبها القاضي، ويترتب عنها مباشرة الدعوى التأديبية وهذا ما سنتطرق إليه في الفرعين الآتيين:
الفــــــرع الأول
مفهوم الخطأ التأديبي

اتجه الفقه إلى تعريف الخطأ التأديبي بأنه كل فعل أوامتناع يرتكبه الموظف ويجافي واجبات منصبه الوظيفي ومقتضياته ، فمن خلال هذا التعريف نستطيع تحديد عناصر الخطأ التأديبي الذي يرتكبه القاضي كالآتي:
أولا: توافر صفة القاضي:
لا يمكن أن تقوم الجريمة التأديبية ضد القاضي إلا إذا توافر لدينا عنصر صفة القاضي مرتكب الفعل، فيجب أن يصدر الخطأ من ذي صفة.
ثانيا: العنصر المادي :
وهو الفعل الذي يرتكبه القاضي و يخالف به واجباته الوظيفية بصفة مادية ملموسة، سواء كان إيجابيا أوسلبيا وسواء أكان بالقول أوالكتابة أوبالعمل أومخالفته للقوانين والأنظمة، واتجه الفقه الفرنسي إلى أن الخطأ التأديبي الذي يرتكبه القاضي لايقتصر على مخالفته لواجباته أثناء أوقات عمله بل يمتد في حقيقة الأمر إلى كل مخالفة وسلوك منحرف يرتكبه القاضي في حياته الشخصية ، الأمر الذي يضفي صعوبة في تحديد هذه السلوكات خاصة وأنها تتعلق بالحياة الشخصية للقاضي التي كثيرا ما تكون وسيلة لتهديد القاضي والتأثير على استقلاليته.

ثالثا: العنصر المعنوي:
إن تحديد درجة خطورة الخطأ الذي يؤدي إلى تحريك الدعوى التأديبية ضد أي موظف يجب أن يأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل منها : درجة المساس بمصلحة المرفق، النية والتعمد في إلحاق الضرر بالمرفق، الدوافع التي أدت إلى ارتكاب الخطأ، درجة مسؤولية الموظف في ارتكاب الخطأ.
إن تطبيق هذه القواعد على المساءلة التأديبية للقضاة أمر في غاية الصعوبة، وخاصة أن الهدف منها هو رد الاعتبار لقداسة العدالة والحفاظ على ثقة المواطنين بها، وهذا هو الدور المنوط بالمجلس الأعلى للقضاء إذ عليه استنباط الخطأ وتحديده بدقة من أجل توقيع العقوبة الملائمة له ومع مراعاة ظروفه، وتقويم القاضي وزجره ليكون عبرة لغيره من أجل المحافظة على كرامة جهاز العدالة .
الفرع الثــــاني
الدعوى التأديبية
نص المشرع الجزائري في القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004 والقانون العضوي المتضمن المجلس الأعلى للقضاء، الصادر في نفس السنة، على سلطة وزير العدل في مباشرة الدعوى التأديبية، في حالة ارتكاب القاضي أخطاء مهنية وفي حالة ارتكابه لجريمة من جرائم القانون العام، وعليه سوف نتطرق إلى الأفعال التي تنتج عنها المتابعة التأديبية ثم إلى مباشرة الدعوى التأديبية من طرف وزير العدل كالآتي:

أولا: الأفعال التي تنتج عنها مباشرة الدعوى التأديبية:
إن مباشرة الدعوى التأديبية ضد القضاة تكون لأحد السببين أولهما إرتكاب القاضي أخطاء مهنية والثاني في حالة ارتكاب القاضي لجريمة من جرائم القانون العام.
1. حالة ارتكاب القاضي الخطأ مهني: لا يمكن أن نتصور قيام دعوى تأديبية بدون نص قانوني يحدد سلفا السلوكات التي يقترفها القاضي والتي تكّون أخطاء مهنية، عملا بمبدأ لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص، وعلى هذا الأساس نص القانون الأساسي للقضاء الحالي على الأخطاء المهنية التي تتألف منها الجريمة التأديبية، وجعلها في كل فعل يرتكبه القاضي يخل فيه بواجباته المهنية، ويعتبر أيضا خطأ تأديبيا بالنسبة إلى قضاة النيابة العامة ومحافظي الدولة كل إخلال بالواجبات الناتجة عن التبعية التدريجية. وهذا ما قضت به المادة (60) من القانون المذكور أعلاه، ويمكن أن يعطى لها وصف الأخطاء المهنية العادية على أن تكون الأخطاء المهنية الجسيمة تلك التي حددها المشرع بموجب المادتين (61) و (62) على سبيل الحصر كالآتي:
- كل عمل أو امتناع صادر عن القاضي من شأنه المساس بسمعة القضاة أوعرقلة السير الحسن للعدالة.
- عدم التصريح بالممتلكات بعد الإعذار.
- التصريح الكاذب بالممتلكات.
- خرق واجب التحفظ من طرف القاضي المعروضة عليه القضية يربط علاقات بينة مع أحد أطرافها بكيفية يظهر منها إفتراض قوي لانحيازه.
- ممارسة وظيفة عمومية أو خاصة مربحة خارج حالات الترخيص الإداري المنصوص عليها قانونا.
- المشاركة في الإضراب أو التحريض عليه، أو عرقلة سير المصلحة.
- إفشاء سر المداولات.
- إنكار العدالة.
- الإمتناع العمدي عن التنحي في الحالات المنصوص عليها قانونا.
ويبدو لنا من خلال إستقراء مواد القانون الأساسي للقضاء أن الأخطاء التي وصفها المشرع بالجسيمة، تشمل كل الواجبات المفروضة على القاضي أوغالبيتها وهذا شيء منطقي لأن أي إخلال بواجب من طرف القاضي تمس بصورة أوبأخرى جهاز العدالة ويعرقل سيرها الحسن، مما يستوجب المتابعة التأديبية.
2. حالة ارتكاب القاضي لجريمة من جرائم القانون العام: إذا تعرض القاضي إلى متابعة جزائية من أجل ارتكابه جريمة من جرائم القانون العام، سوف تؤدي حـتما إلى متابعته تأديبيا، ويمكن لوزيرالعدل أن يمارس سلطته في إيقافه متى وصفت أنها مخلة بشرف المهنة وتشمل هذه الجرائم الجنايات والجنح وحتى المخالفات إذا وصفت بأنها مخلة بشرف المهنة، مما يبدو لنا أنه في حالة ارتكاب القاضي لجنحة غير عمدية لا تمس بشرف المهنة فإنه لا يعد خطأ مهنيا مادامت أن المادة (65) من القانون الأساسي للقضاء تتحدث عن الخطأ الجسيم بالنسبة للجناية والجنحة العمدية كذلك الشأن بالنسبة للمخالفات البسيطة كالإخلال بقواعد قانون المرور بشرط أن لا يتصل بها ظرف من ظروف التشديد. التي تستوجب حتما مباشرة الدعوى التأديبية.
ثانيا: مباشرة الدعوى التأديبية:
إن سلطة مباشرة الدعوى التأديبية منوطة بوزير العدل، فإذا بلغ إلى علمه أن قاضيا ارتكب خطأ مهنيا عاديا أوله درجة من الخطورة تصل إلى حد الجسامة إذا تعلق الأمر بواجباته المهنية، أوارتكب جريمة من جرائم القانون العام مخلة بشرف المهنة فإنه يباشر الدعوى التأديبية ضده. وهذا ما قضت به المادة (64) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004.
وبذلك يختص وزير العدل بتكييف الواقعة المنسوبة إلى القاضي، في أنها تأّلف عناصر الخطأ التأديبي كأساس قانوني لمباشرة الدعوى التأديبية وكما أنه يملك سلطة الملائمة في ذلك، إذ يجوز له توجيه مجرد إنذار دون ممارسة الدعوى التأديبية، أوبإيقافه في الحالة التي يقتنع فيها وزير العدل بضرورة تحريك المتابعة التأديبية ومباشرتها أمام المجلس الأعلى للقضاء في تشكيلته التأديبية، وهذا ما سنتطرق إليه كالآتي:
1- سلطة وزير العدل في توجيه الإنذار: يمكن لوزير العدل بحكم السلطة الملائمة التي يتمتع بها أن يوجه إنذار إلى القاضي في الحالة التي لا يوصف فيها الخطأ المهني بالجسيم، دون مباشرة الدعوى التأديبية أمام المجلس الأعلى للقضاء ودون إعلامه بذلك، مما جعل البعض يرى أن منح سلطة توجيه الإنذار إلى وزير العدل وممارسته بإرادته المنفردة، يحتمل منه التأثير على استقلالية القاضي .
وكما تجدر الإشارة إلى أن عقوبة الإنذار يمكن أن يتعرض لها القضاة من طرف رؤساء الجهات القضائية، الخاضعة منها إلى القضاء العادي والقضاء الإداري، إلى القضاة التابعين لهم وهذا ما قضت به المادة (74) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، وهذا ما نجده أيضا في النظام الفرنسي الذي خوّل سلطة توجيه الإنذار إلى رؤساء الجهات القضائية بالنسبة لقضاة الحكم، والنواب العامون بالنسبة لقضاة النيابة العامة .
2- سلطة وزير العدل في الإيقاف: من أجل السير الحسن للمرافق العامة، والتحكم في فعالية خدماتها وجب السماح للإدارة ممارسة بعض الصلاحيات، قد تصل إلى حد إيقاف الموظف مؤقتا عن ممارسة نشاطه، وذلك بما نسب إليه من خطأ مهني أو جزائي يمس بإعتبار الوظيفة إلى حين الفصل من الدعوى القائمة ضده .
وبتطبيق هذه القواعد في الوسط القضائي، نجد الفقه الفرنسي عرف الإيقاف الذي يتعرض إليه القاضي بأنه ذلك التدبير التحفظي الذي لا يدخل ضمن العقوبات التأديبية، الذي يتخذ سبب بعض الوقائع الخطيرة التي تستوجب المتابعات التأديبية، بسبب الفضيحة التي تثيرها، والتي يتخذ بشأنها في الحال تدبير الإيقاف الذي يتمثل في منع القاضي في ممارسة مهامه إلى غاية الفصل في الدعوى التأديبية، ولايمكن أن يتخذ بصورة علنية ، وهو نفس التعريف الذي نجده في التشريع الجزائري من خلال استقراء المواد من المادة (65) إلى غاية المادة (67) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، غير أن المشرع الجزائري بموجب القانون المذكور ميز بين إيقاف القاضي في حالة ارتكابه لخطأ مهني جسيم، وبين حالة ارتكابه لجريمة من جرائم القانون العام وهذا ماسوف نتطرق إليه كالآتي:
- الإيقاف الناتج عن الخطأ المهني الجسيم: خوّل المٍشرع في القانون الأساسي للقضاء الإختصاص لوزير العدل في إتخاذ تدبير الإيقاف كإجراء تحفظي، في الحالة التي يرتكب فيها القاضي خطأ مهنيا جسيما بحيث لا تسمح ظروف وملابسات هذا الخطأ بقائه في منصب عمله وهذا ما قضت به المادة (65) من نفس القانون المذكور، وبذلك يختص وزير العدل في تكييف الفعل الموجب لإصدار قرار التوقيف الذي يتطلب أن يكون جسيما ومخلا بشرف المهنة، وفي سبيل الوصول إلى التكييف الملائم لهذه الوقائع المنسوبة إلى القاضي أوجب المشرع في نفس المادة، إجراء تحقيق أولي يقوم به وزير العدل، ويمكن له أن يطلب توضيحات من القاضي المعني حتى يتمكن من تحديد درجة جسامة الخطأ المهني الذي يستوجب إصدار قرار الإيقاف، بشأنه ومباشرة الدعوى التأديبية أمام المجلس الأعلى للقضاء بتشكيلته التأديبية وهذا بعد إبلاغ المكتب الدائم بالمجلس الأعلى للقضاء وإحاطته علما بالوقائع المنسوبة إلى القاضي، حتى يقف على أسباب وموجبات إصدار هذا القرار، كما يلزم وزير العدل بتحضير ملف المتابعة التأديبية ويحيله إلى المجلس الأعلى للقضاء في أقرب الآجال، وعلى هذا الأخير أن يبت في الدعوى التأديبية في فترة لا تتجاوز 6 أشهر، وإلا عاد القاضي محل إجراء الوقف إلى منصب عمله بقوة القانون، كما يستمر القاضي خلال هذه المدة في تقاضي كامل مرتبه، ولايمكن أن يكون قرار الإيقاف موضوع تشهير، لأنه قد يمس بمركز القاضي وسمعته .
- الإيقاف الناتج عن تعرض القاضي إلى متابعة جزائية: إذا تعرض القاضي، إلى متابعة جزائية بارتكابه لجريمة من جرائم القانون العام، سوف تؤدي حتما إلى متابعته تأديبيا، وتسمح لوزير العدل بممارسة صلاحية توقيفه، متى وصفت هذه الجريمة بأنها ماسة بشرف المهنة وتخل بها بدرجة أنها لاتسمح ببقائه في منصب عمله وهذا عملا بالمادة (65) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، إلا أن المشرع أحاط القاضي بجملة من الضمانات التي يجب على وزير العدل مراعاتها قبل اتخاذ هذا التدبير التحفظي والتي يمكن ذكرها كالآتي:
- تحديد الفعل الإجرامي الموجب للإيقاف: إن أهم الضمانات الممنوحة للقاضي في حالة تعرضه إلى متابعة قضائية، أنه لا يمكن إصدار قرار إيقافه عن ممارسة مهامه، إلا إذا وصفت الجريمة المرتكبة بأنها ماسة بشرف المهنة، ومنح المشرع صلاحية تكييف ذلك إلى وزير العدل، ومن خلال استقراءنا لنص المادة (65) من القانون الأساسي للقضاء، نجد أن المشرع لم يحصر هذه الجرائم في صنف معين، بل تشتمل على كل الجنايات والجنح وحتى المخالفات، متى مست بشرف المهنة ومع اتساع هذه العبارات، نعتقد أن الجرائم الماسة بشرف المهنة، إذا كانت تشمل الجنايات والجنح العمدية فإنها لا تشمل الجنح الغير عمدية والمخالفات إلا إذا صاحبها ظرف تشديد كحالة السياقة في حالة سكر والفرار.
- إجراء تحقيق أولي: نص المشرع صراحة في المادة (65) الفقرة الأولى من القانون الأساسي للقضاء على أنه لا يمكن أن يتخذ وزير العدل قرار توقيف القاضي عن مهامه إلا بعد إجراء تحقيق أولي للوصول إلى حقيقة الأسباب وملابسات إرتكاب الجريمة، وذلك بعد أخذ توضيحات من القاضي المعني وهذا ما يسمح له بتحديد الفعل الإجرامي وتكييفه على أنه يمس بشرف المهنة، ويمّكنه من ذكر الأسباب في قرار توقيف القاضي.
- وجوب إعلام المكتب الدائم للمجلس الأعلى للقضاء: حتى يتمكن المجلس الأعلى للقضاء من متابعة ومراقبة الأسباب المبررة لقرار الإيقاف، ألزم القانون وزير العدل قبل أن يصدر قرار الإيقاف عليه بإخطار المكتب الدائم للمجلس الأعلى للقضاء وهذا راجع إلى خطورة هذا القرار على الرغم من أنه تدبير تحفظي .
- صلاحية المجلس الأعلى للقضاء في الخصم من المرتب: نظرا لخطورة قرار الإيقاف بسبب تعرض القاضي إلى متابعة جزائية، فإنه فضلا على عدم نشر قرار الإيقاف لاحتمال انتهاء المتابعة الجزائية بصدور حكم يقضي ببراءته، فإنه يستمر في تقاضي كامل مرتبه خلال فترة 6 أشهر، وإن لم تفصل الجهة القضائية خلال هذه المدة في قضيته بحكم نهائي فإن المجلس الأعلى للقضاء يقرر خصم نسبة من مرتب القاضي، لذلك اتجه البعض للقول بأن المشرع لمّا حدد فترة 6 أشهر للفصل في القضية الجزائية من قبل الجهات القضائية بحكم نهائي وإلا قرر خصم نسبة من مرتب القاضي، يكون بذلك قد ألزم الجهات القضائية البت في القضية خلال مدة أقصاها 6 أشهر، وذلك على إعتبار أن قرار التوقيف هو إجراء تحفظي، فلابد أن يساير المدة المحددة له من قبل الجهات القضائية .
وهذا مايطرح مسألة حجية الحكم القضائي النهائي الجزائي على المتابعة التأديبية والقرار التأديبي، ونعتقد أنه علينا في هذه الحالة أن نميز بين الحكم الجزائي النهائي الذي يدين القاضي المتابع تأديبيا، والحكم الجزائي النهائي الذي يبرئه.
فنجد أنه من خلال الرجوع إلى المبادئ العامة التي تجعل حجية الإدانة الجزائية مطلقة تؤدي حتما إلى إدانة القاضي تأديبيا ، وخاصة إذا كانت الإدانة الجزائية من أجل جريمة مخلة بشرف المهنة، باعتبار أنها تتنافى مع الشروط التي حددها القانون للإلتحاق بمهنة القضاء، وهذا بغض النظر عن العقوبة الموقعة على القاضي التي قد تكون مخففة.
أما في الحالة الثانية، فإذا قضى الحكم ببراءة القاضي المتابع جزائيا وأصبح نهائيا، فإنه إنطلاقا من القواعد العامة أيضا، لا يكتسب أي حجية على العقوبة التأديبية، على أن تبقى دائما السلطة التقديرية واسعة في هذا المجال، للمجلس الأعلى للقضاء في تشكيلته التأديبية.
المطلب الثـــاني
المحاكمة التأديبية

من أجل تجسيد مظاهر استقلالية السلطة القضائية، وتعزيز مكانة المجلس الأعلى للقضاء، فقد نص القانون العضوي رقم 04-12 المتضمن المجلس الأعلى للقضاء على استقلالية سلطة تأديب القضاة وجعلها بيد القضاة، وأن تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء حين انعقاده كمجلس تأديب ليس كانعقاده في دوراته العادية والاستثنائية بصفة موسعة، وهذا ما سنتطرق إليه مع بيان الضمانات الممنوحة للقاضي أثناء محاكمته، لنصل في الأخير إلى القرار التأديبي ونحاول الإجابة على مسألة إمكانية الطعن فيه من خلال الفرعين الآتيين:


الفــــرع الأول
إجراءات المحاكمة التأديبية
إن الحرص على استقلالية المجلس الأعلى للقضاء هو الذي يوجب خضوع القضاة إلى نظام تأديبي خاص تشرف عليه عناصر قضائية.
أولا: تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء كمجلس تأديبي:
إن تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء كمجلس تأديبي، تختلف عن تشكيلته الموسعة فأسند منصب رئاسة المجلس التأديبي إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا بدلا من رئيس الجمهورية ونائبه وزير العدل، إذ أن استبعاد وزير العدل يجد ما يبرره باعتباره هو الذي يتولى مباشرة الدعوى التأديبية، لذلك فهو يحضر أو يعين ممثل قانوني له من بين أعضاء الإدارة المركزية لوزارة العدل الذي يشارك في المناقشات ولا يحضر المداولات، تفاديا لاحتمال تأثير السلطة التنفيذية على السلطة القضائية بالإضافة إلى أن المدير المكلف بتسيير سلك القضاة بوزارة العدل يحضر المناقشات ولا يشارك في المداولات، ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء كمجلس تأديبي هو كالآتي:
- الرئيس الأول للمحكمة العليا.
- الممثل القانوني لوزير العدل.
- المدير المكلف بتسيير سلك القضاة بوزارة العدل.
- القضاة الأعضاء بالمجلس الأعلى للقضاء .
- رئيس أمانة المجلس الأعلى للقضاء.
وبذلك يكون المشرع لم يميز في المحاكمة التأديبية بين قضاة الحكم وقضاة النيابة، على خلاف القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989 بموجب المادتين (84) و(85) منه التي جعلت تشكيلة المجلس التأديبي تتغير بحسب، ماإذا كان القاضي المتابع تأديبيا ينتمي إلى قضاة الحكم فإنه يترأس المحاكمة التأديبية الرئيس الأول للمحكمة العليا، ولا يحضر النائب العام لدى المحكمة العليا، وقضاة النيابة المنتخبون، وأما إذا كان القاضي محل المتابعة من النيابة فإنه يترأس المحاكمة الرئيس الأول للمحكمة العليا والنائب العام، أما قضاة الحكم فلا يحضرون، ونجد نفس التمييز في فرنسا الذي يميز في تشكيلة المجلس التأديبي بين قضاة الحكم والنيابة .
ولعل أن المشرع الجزائري تجنب هذا التمييز بغية الحفاظ على الانسجام في التشكيلة التأديبية وعلى اعتبار أن كلا من قضاة الحكم و النيابة ينتميان إلى سلطة قضائية موحدة.
كما تجدر الإشارة في هذا المجال أن عملية تحضير جدول أعمال الجلسات التأديبية تتم من طرف الرئيس الأول للحكمة العليا بصفة تلقائية أو بالتماس من وزير العدل، ويبلغ جدول الأعمال إلى هذا الأخير وكذا أعضاء المجلس التأديبي عن طريق أمانة المجلس الأعلى للقضاء مع إرفاقه بالإستدعاءات، وتكون الجلسة مغلقة كما يستدعى القاضي محل المتابعة التأديبية للحضور بغرض إجراء المحاكمة.
ثانيا: الضمانات الممنوحة إلى القاضي أثناء المحاكمة التأديبية:
يتولى وزير العدل صلاحية مباشرة الدعوى التأديبية ضد القضاة، وقد كفل المشرع في القانون العضوي رقم 04–12 المؤرخ في 12 سبتمبر 2004 مجموعة من الضمانات للقاضي محل المتابعة التأديبية أثناء محاكمته تأديبيا، والتي سوف نتطرق إليها كما يلي :
1. تعيين قاضي مقرر لمباشرة التحقيق: رغم انتهاء وزير العدل من تحضير الملف التأديبي للقاضي المعني، والذي يتضمن بيان أسباب المتابعة، فإن الملف لم يعد جاهزا للفصل فيه بعد، فيحيله إلى المجلس التأديبي ويتولى رئيسه ( الرئيس الأول للمحكمة العليا) الذي يعين بدوره قاضيا مقررا لكل ملف تأديبي، من أجل أن يقدم تقرير إجمالي حول الوقائع المنسوبة إلى القاضي، أو إجراء تحقيق عند الاقتضاء، ويتم تعيين المقرر من بين القضاة الأعضاء في المجلس في مرتبتين على الأقل، في نفس رتبة أو مجموعة القاضي المتابع تأديبيا عملا بالمادة (27) من القانون العضوي المتضمن المجلس الأعلى للقضاء.
ويتجلى دور القاضي المقرر في مجال البحث والتحري في الوقائع المنسوبة للقاضي محل المتابعة التأديبية، وله أن يتخذ كافة الإجراءات في سبيل الوصول إلى الحقيقة، وذلك ابتداء من إطلاعه ودراسة للوثائق المرفقة في الملف التأديبي وخاصة إذا كان محل متابعة جزائية، وإمكانية سماع القاضي المعني وكل شاهد أو جهة يمكن أن تكون لها علاقة بالوقائع.
وبعد الانتهاء من عملية التحقيق عليه أن يحرر محضر إجمالي يلخص فيه إجراءات التحقيق ويبين فيه النتائج المتوصل إليها، وذلك عملا بالمادة (28) من القانون العضوي المتضمن المجلس الأعلى للقضاء.
2. حق القاضي المتابع في الدفاع: بعد انتهاء القاضي المقرر من التحقيق، وتحرير المحضر الإجمالي الذي على أساسه يتم تحديد الجلسة بغرض المحاكمة، ويتولى أمين المجلس الأعلى للقضاء أمانة المجلس التأديبي، وبعد استدعاء القاضي المعني الذي عليه المثول شخصيا ويحق له الاستعانة بمدافع من بين زملائه أو محام، ويحق له الإطلاع على الملف التأديبي لدى أمانة المجلس، وبعد افتتاح الجلسة من طرف رئيسها وبعد تلاوة العضو المقرر لتقريره الإجمالي، يتقدم القاضي محل المتابعة لتقديم توضيحات ودفاعه بشأن الوقائع المنسوبة إليه، وكما يمكن في هذه المرحلة لأعضاء المجلس التأديبي وكذا ممثل وزير العدل توجيه أسئلة إلى القاضي وذلك بعد انتهاء الرئيس من استجوابه، كما يقوم أمين أمانة المجلس التأديبي بتحرير محضر عن الجلسة والذي يبين فيه الأسئلة المطروحة والمناقشات التي دارت أثناء المحاكمة.
وبعد الانتهاء من المناقشات يجتمع أعضاء المجلس التأديبي للمداولة وذلك دون حضور ممثل وزير العدل ولا المدير المكلف بتسيير شؤون القضاة، وتتم هذه العملية بسرية ويفصل المجلس في الدعوى التأديبية.
الفرع الثـــــــــاني
الفصل في الدعوى التأديبية
إن تطبيق مبدأ الشرعية لا يكفي بتحديد الأخطاء التأديبية، وتمكين القاضي المتابع تأديبيا من الدفاع عن نفسه بخصوص الوقائع المنسوبة إليه، فإنه ينبغي تحديد العقوبات الموازية والملائمة لدرجة جسامة الفعل المرتكب من طرف القاضي، وكذلك تمكينه من الطعن في القرار التأديبي لدى الجهات القضائية المختصة، وهذا ما سوف نتطرق إليه كالآتي:

أولا: العقوبات التأديبية:
نجد أن المشرع في المجال الجزائي، قد حدد على سبيل الحصر الجرائم والجزاء المحدد لكل جريمة الحد الأقصى، والأدنى وجعل سلطة القاضي التقديرية محصورة بين ذلك ،إلا أنه في المجال التأديبي فقد حدد المشرع على سبيل الحصر العقوبات التأديبية التي يمكن النطق بها، ولم يحدد العقوبة الواجبة على كل فعل من الأفعال التي تؤلف الجريمة التأديبية، الذي عليه ملائمة العقوبة حسب جسامة الفعل المرتكب، وهذا قد يرجع إلى تعدد الواجبات المفروضة على القاضي، فلم يسعه أن يحصر هذه العقوبات.
إلا أنه في بعض الأحوال حدد المشرع العقوبة المقابلة للخطأ التأديبي، ولم يعطي للمجلس التأديبي أي سلطة تقديرية في ذلك، وهذا ما نصت عليه المادة (63) من القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، إذ جعل عقوبة العزل توقع على كل قاض ارتكب خطأ مهني جسيم أو تعرض إلى عقوبة جنائية، أوعقوبة الحبس من أجل جنحة عمدية.
لذا فإن سبب تحديد العقوبة يعود إلى درجة جسامة الخطأ وخطورة الفعل الذي ارتكبه القاضي، على أن تبقى الأخطاء المهنية التي لا يطالها هذا الوصف إلى السلطة التقديرية لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء في تشكيلته التأديبية، وفق سلم يحدد درجة العقوبة حسب خطورة وجسامة الفعل المكون للجريمة التأديبية الذي يبدأ من الدرجة الأولى إلى غاية الدرجة الرابعة وفقا للمادة (68) من القانون الأساسي للقضاء.
- العقوبات من الدرجة الأولى.
- التوبيخ – النقل التلقائي.
- العقوبات من الدرجة الثانية.
- التنـزيل من درجة واحدة إلى ثلاث درجات.
- سحب بعض الوظائف.
- القهقرة بمجموعة أو مجموعتين.
- العقوبات من الدرجة الثالثة.
- التوقيف لمدة أقصاها 12 شهرا مع الحرمان من كل المرتب أو جزء منه باستثناء التعويضات ذات الطابع العائلي.
- العقوبات من الدرجة الرابعة.
- الإحالة على التقاعد التلقائي - العزل
كما أن السلطة التقديرية لأعضاء المجلس التأديبي تكون محصورة في توقيع العقوبة الملائمة، لكل خطأ تأديبي واحد، غير أن توقيع عقوبة واحدة قد لا يحقق الغرض من الجزاء التأديبي، وخاصة إذا كان يكتسي درجة من الخطورة، لذلك فقد صاحب المشرع في المادة (69) من القانون الأساسي للقضاء، عقوبة النقل التلقائي في حالة ما إذا انتهت السلطة التقديرية لمجلس التأديب بتوقيع عقوبة من الدرجة الثانية والثالثة، وأنه في كل الأحوال تكون القرارات التأديبية معللة، بغية تحقيق الهدف من الجزاء التأديبي الذي يتجسد أكثر في تنفيذه.
1. تنفيذ العقوبات التأديبية:
إن الغاية من التوقيع الجزاء التأديبي على القاضي هو زجره حتى يكون عبرة له ولغيره، بغية إعادة الاعتبار لهيبة العدالة الأمر الذي يتحقق بتنفيذ هذا الجزاء، لذلك منح المشرع صلاحية تنفيذ العقوبات التأديبية من الدرجة الأولى إلى غاية الدرجة الثالثة إلى وزير العدل وفقا للمادة (70) فقرة 2 من القانون الأساسي للقضاء، أما العقوبات من الدرجة الرابعة التي تعني الإحالة على التقاعد والعزل، والتي غالبا ما تكون نتيجة خطأ مهني جسيم أو ارتكاب القاضي لجناية أو جنحة عمدية، فسلطة تنفيذها منوطة برئيس الجمهورية وفق المادة (70) فقرة 1 من القانون الأساسي للقضاء.
ثانيا: رد الاعتبار:
إن العقوبة التأديبية الموقعة على القاضي قد تؤثر عليه من الناحية النفسية وتمس بمركزه، فحتى وإن كانت نتيجة حتمية من توقيع الجزاء ، فإن المشرع لم يحرمه من رد اعتباره بعد تنفيذ العقوبة عليه، و مرور مدة زمنية التي حددها المشرع كالآتي :
- إذا تعلق الأمر بعقوبة الإنذار الموقعة من طرف وزير العدل ورؤساء الجهات القضائية، فلا بد أن تمر مدة سنة من تاريخ تنفيذ العقوبة حتى يمكنه رفع طلب رد الاعتبار، على أن يرد اعتباره بقوة القانون بعد مرور سنتين 2 من تاريخ تنفيذ العقوبة.
- وإذا تعلق الأمر بالعقوبات التي ينطق بها المجلس التأديبي فإن القاضي يستطيع أن يقدم طلب رد اعتباره إذا سلطت عليه عقوبات من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة، وذلك بعد مرور مدة سنتين من النطق بالعقوبة، على أن يتم رد اعتباره بقوة القانون بعد مرور مدة 4 سنوات من ذلك، في حين أن العقوبات من الدرجة الرابعة لا يشملها رد الاعتبار.
وكما تجدر الإشارة إلى أن الجهة المختصة بالنظر في طلب رد الاعتبار هي الجهة التي سلّطت العقوبة، فإذا كانت العقوبة هي إنذار فعليـــه أن يقدم الطلب أمام المصالح الإدارية لوزارة العدل.
وبالنسبة للعقوبات التي يصدرها المجلس الأعلى للقضاء كمجلس تأديبي فإن طلب رد الاعتبار يقدم أمام المجلس الأعلى للقضاء.
وبما أن رد الاعتبار لا يعد إلغاءا للعقوبة التأديبية، فقد اتجه البعض إلى إمكانية الطعن في القرار التأديبي، إذا شعر القاضي أن التشكيلة التأديبية لم تحترم الإجراءات القانونية لتوقيع الجزاء التأديبي.
ثالثا: إمكانية الطعن في القرارات التأديبية:
إن مسألة إمكانية الطعن في قرارات المجلس الأعلى للقضاء، عندما ينعقد في تشكيلته التأديبية أمر بالغ الأهمية وخاصة في غياب النص التشريعي، وعدم إفصاح المشرع عن إمكانية ممارسة الطعن في هذه القرارات في القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، وحتى بموجب القوانين الأساسية للقضاء السابقة، وهذا ما فسح المجال أمام القضاء ليؤدي دوره في تكريس الاجتهاد القضائي، فأقر إمكانية الطعن في القرارات التأديبية الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء أمام مجلس الدولة.
وهذا ما استقر عليه قضاء مجلس الدولة الفرنسي رغم غياب النص التشريعي، إذ أن المادة (57) من الأمر 58–1270 المؤرخ في 22 سبتمبر 1958 المتضمن القانون الأساسي للقضاء أجابت على ذلك بصفة سلبية ولم تحسم الأمر، إلا أن مجلس الدولة الفرنسي تمسك باختصاصه بالنظر في الطعون المقدمة ضد هذه القرارات بصفته يندرج ضمن الجهات القضائية الإدارية، مما يمكن معه أن ينّصب مجلس الدولة نفسه جهة نقض لهذه القرارات، ويراقب مدى تطبيق القانون وتفحص مدى ملائمة العقوبة المقررة، واحترام الإجراءات القانونية لتأديب القضاة، وفقا لما نص عليه القانون الأساسي للقضاء، ويعتبر بهذه الصلاحية قاضي نقض وليس قاضي موضوع .
أما في الجزائر فقد تمسك مجلس الدولة باختصاصه في الطعون المقدمة في القرارات التأديبية الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء، وقدم مجموعة من الأسباب التي تبرر هذا الموقف، والتي نذكرها كالآتي:
انطلاقا من نص المادة (55) من دستور 1996 الذي أعطى للمجلس الأعلى للقضاء، صفة الهيئة التي تسهر على متابعة المسار المهني للقاضي من أجل ضمان استقلاليته، مما يجعل المجلس الأعلى للقضاء هو مؤسسة إدارية مركزية والقرارات التي يصدرها في مجال تأديب القضاة لها الطابع الإداري، وأن إضفاء الطابع القضائي عليه من أجل تشكيلته التي تتكون من القضاة، غير ممكن لأن القضاة الأعضاء ليسوا أعضاء بصفتهم كقضاة، وإنما قصد المشرع ضمان مصداقية العمل المطلوب من أجل مشاركتهم في اتخاذ القرارات التأديبية.
وبالنسبة للأساس القانوني الذي يبرر موقف مجلس الدولة في بسط رقابة المشروعية على القرارات التأديبية التي يصدرها المجلس الأعلى للقضاء، فإنه اعتمد على نص المادة (9) من القانون العضوي رقم 98–01 المتضمن مجلس الدولة، الذي يمّكنه من الفصل عن طريق دعوى الإبطال في الطعون المرفوعة ضد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية والهيئات العمومية والمنظمات المهنية الوطنية، ولم يستثني النص القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء، وخاصة أن القانون الأساسي للقضاء لم ينص على منع الطعن أمام الجهات القضائية.
ونعتقد أنه على الرغم من تمسك مجلس الدولة عندنا باختصاصه في بسط مراقبة المشروعية على القرارات التأديبية التي يصدرها المجلس الأعلى للقضاء كما هو الحال في فرنسا، والذي يوفر حماية أكبر وأوفر للقاضي، الذي يمّكنه من ممارسة دعوى الإبطال ضد القرار التأديبي الذي تعرض له، من أجل ضمان مبدأ الشرعية وعدم حرمانه من أحد حقوقه الأساسية، التي يتمتع بها أي موظف.
فإن هذه المسألة تبقى غامضة وتحتاج إلى دراسة معمقة خاصة في مجال تحديد الطبيعة القانونية للمجلس الأعلى للقضاء، ومع غياب النص التشريعي المحدد لذلك، الأمر الذي يؤدي بنا إلى إعطاء الفرصة إلى الاجتهاد القضائي في المجال الإداري في سبيل إرساء قواعد قانونية، ولاسيما أن غالبية هذه القواعد التي تحكم المنازعات الإدارية تستمد من العمل القضـــــائي.
كما تجدر الإشارة إلى وجود صلاحيات أخرى يتمتع بها المجلس الأعلى للقضاء، في مجال إعداد مدونة أخلاقيات مهنة القاضي وفقا للمادة (34) من القانون العضوي 04–12 المتضمن المجلس الأعلى للقضاء التي تهدف إلى تحديد واجبات القاضي في: سير المحاكمة، علاقته مع موكلي الأطراف ومساعدي العدالة، علاقته مع موظفي الجهات القضائية بمعنى رؤساء الجهات القضائية، واتجاه زملائه سواء تابعين له أم لا، الحماية والحفاظ على كرامة المهنة ونزاهتها. القواعد الواجب إتباعها في إطار واجب التحفظ وذلك للحفاظ على استقلاليته وحياده ونزاهته.
وكما تنص على الأخطاء المهنية والجزاءات التأديبية المترتبة عنها، بالإضافة إلى التي هي منصوص عليها في القانون الأساسي للقضاء والتي تعد منظمة لأخلاقيات مهنة القاضي ومكملة للقانون الأساسي للقضاء بخصوص واجباته وحقوقه.
كما يملك المجلس الأعلى للقضاء صلاحيات استشارية في المسائل العامة المتعلقة بالتنظيم القضائي، وبوضعية القضاة وتكوينهم وإعادة التكوين وهذا ما قضت به المادة (35) من القانون العضوي المتضمن المجلس الأعلى للقضاء

( الخاتمــــــة )

إن المجلس الأعلى للقضاء في الجزائر على غرار دول العالم، قد عرف مراجعة مستمرة لتشكيلته وهيئاته، عبر مختلف النصوص الدستورية والقانونية، التي تضمنه وذلك إلى كونه مؤسسة دستورية، حرصت السياسة التشريعية في الجزائر على ملائمتها مع مختلف المتطلبات التي فرضتها المراحل المتغيرة في الجزائر. لنجده في القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969 متميز بتشكـيلة فرضت تغليب السلطة التنفيذية على السلطة القضائية وقد يرجع ذلك إلى وضعية القضاء بشــكل عام في تلك المرحلة، واعتباره وظيفة من وظائف الدولة، ثم جاء دستور سنة 1989 ليضع أطر جديدة وهيكلة شاملة لمؤسسـات الدولة وتكريسا واضحا لمبدأ الفصل بين السلطات، وقد امتد ذلك ليـمس المجلس الأعلى للقضاء، ليرجح المشرع في تشكيلته جانب السلطة القضائية، على السلطة التنفيذية، وما لبثت هذه الهيئة إلى أن شهدت تراجع في تكريس مبدأ استقلالية الســـلطة القضائية، من خلال ظهور السلطة التنفيذية وبسط هيمنتها على كل هيئاته بما فــيها الأمانة العامة التي أصبح يتولاها إطار من وزارة العدل وكذا تقليص من ممثلي السلطة القضائية في تشكيلته، ثم جاء القانون الأساسي للقضاء لسنة 2004، والذي أعاد تأكيد مبدأ استقلالية القضاء، ويظهر ذلك جليا من خلال تشكيلته التي وازنت بين بروز أعضاء السلطة التنفيذية الذي اتسم بطابع الإيجابية من أجل إعطاء قوة تنفيذية لقراراته،وبين التمثيل القضائي لمختلف الجهات القضائية والتوسيع في صلاحياته لتشمل مختلف الجوانب المنظمة للمسار المهني للقضاة بما يحقق استقلاليتهم .







قائمة المراجع :
أولا : النصوص القانونية :
1- الأمر 69- 27 المؤرخ في 13 ماي 1969 المتضمن القانون الأساسي للقضاء.
2- القانون رقم 89 – 21 المؤرخ في 12 ديسمبر 1989 المتضمن القانون الأساسي للقضاء.
3- المرسوم التشريعي رقم 92 - 05 المؤرخ في 24 أكتوبر 1992 المتضمن تعديل القانون الأساسي للقضاء لسنة1989 .
4- القانون العضوي رقم 04 – 11 المؤرخ في 06 سبتمبر 2004 المتضمن القانون الأساسي للقضاء.
5- القانون العضوي رقم 04 – 12 المؤرخ في 06 سبتمبر 2004 المتضمن تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء وعمله وصلاحياته.
6- دستور سنة 1963 .
7- دستور سنة 1976 .
8- دستور سنة 1989.
9- دستور سنة 1996.
ثانيا : المراجع باللغة العربية
أ-المؤلفات والرسائل الجامعية
1- أنور العمروسي – التشريع والقضاء في الإسلام – دار الفكر الجامعي – الإسكندرية – د ط – 2000.
2- بوبشير محند أمقران – السلطة القضائية في الجزائر – دار الأمل للنشر – د ط – 2003.
3- دكتور عمار بوضياف – النظام القضائي الجزائري – دار الريحانة للنشر – الطبعة الأولى -2003.
4- عبد العزيز سعد – أجهزة مؤسسات النظام القضائي الجزائري – المؤسسة الوطنية للكتاب – الجزائر-1988
5- الدكتور عبد العزيز السيد الجوهري – الوظيفة العامة دراسة مقارنة – مع التركيز على التشريع الجزائري – ديوان المطبوعات الجامعية – دط - 1985.
6- الدكتور عبد العزيز منعم خليفة – الضمانات التأديبية في الوظيفة العامة – دار الفكر الجامعي – دط – 2003.
7- الدكتور عبد الوهاب البنداري – العقوبات التأديبية للموظفين العاملين بالدولة والقطاع العام – دار الفكر العربي –دط-.
8- الدكتور محمد كامل عبيد – إستقلال القضاء -دراسة مقارنة – كلية الحقوق- جامعة القاهرة – 1988.
9- هاشم العلوي – المجلس الأعلى للقضاء في ضوء التشريع المغربي والمقارن – دط- 1988.
10- الدكتور الغوثي بن ملحة – القانون القضائي الجزائري -الديوان الوطني للأشغال التربوية – الطبعة الثانية - 2000.
11- كمال رحماوي – تأديب الموظف العام في القانون الجزائري - دار هومة للنشر – دط – 2003.
ب-الرسائل الجامعية:
1) بلودنين أحمد – استقلالية القضاء بين الطموح والتراجع – رسالة لنيل درجة ماجستير – شعبة الإدارة والمالية – جامعة الجزائر – كلية الحقوق – 1999.
2) دهيمي فيصل – القضاء ومحاولات الإصلاح على ضوء مشروع القانون العضوي المتضمن القانون الأساسي للقضاء – والتقرير النهائي لجنة إصلاح العدالة – رسالة لنيل درجة ماجستير في القانون الدستوري وعلم التنظيم السياسي – جامعة الجزائر – كلية الحقوق -2000-2001.
ج-المجلات القضائية والمناشير والندوات:
1- المجلة القضائية سنة 1999 -العدد الأول.
2- مجلة مجلس الدولة سنة 2005 -العدد السادس.
3- إصلاح العدالة منشور لوزارة العدل.
4- الندوة الوطنية لإصلاح العدالة المنعقدة بالجزائر العاصمة ليومي 28 و29 مارس 2005.
ثالثا - المراجع باللغة الفرنسية:
1- Jean, Bernard . Droit . constitutionnel . tome1. suby.12 édition .1996
2- Philipe George . Droit publique . siry . 11 édition. 1999.
3- Thienrys. Renoux . Justice et pouvoir . Dalloz.1996.
4- Roger . Perrot . institutions . Judiciaires . Delta . 7 édition .1995.


























( الفـــهرس )
مقدمة
الخطة
الفصل الأول : تشكيلة وتسيير هياكل المجلس الأعلى للقضاء عبر النصوص التشريعية التي نظمته ........................ 01
المبحث الأول: تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء عبر النصوص التشريعية التي نظمته ................................................02
المطلب الأول: تغليب عضوية السلطة التنفيذية على السلطة القضائية .................................................. ............... 02
الفرع الأول: تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء قبل صدور القانون الأساسي للقضاء في سنة 1969 ..................... 02
الفرع الثاني: تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء على ضوء القانون الأساسي للقضاء لسنة 1969 ............................ 04
المطلب الثاني : تغليب عضوية السلطة القضائية على السلطة التنفيذية .................................................. ............... 07
الفرع الأول: تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء في القانون الأساسي للقضاء لسنة 1989 وبعد تعديله سنة 1992..... 07
الفرع الثاني : تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء في القانون العضوي رقم 04-12 المتضمن المجلس الأعلى للقضاء ....11.
المبحث الثاني : هيئات المجلس الأعلى للقضاء وكيفية تسييره عبر النصوص التشريعية التي نظمته ........................ 15
المطلب الأول : هيئات المجلس الأعلى للقضاء في النصوص التشريعية التي نظمته ................................................. 15
الفرع الأول: أمانة المجلس الأعلى للقضاء ....................... .................................................. ................................. 15
الفرع الثاني : المكتب الدائم للمجلس الأعلى للقضاء ............... .............................. .......................................... 18
المطلب الثاني : كيفية تسيير أعمال المجلس الأعلى للقضاء على ضوء النصوص التشريعية التي نظمته ................... 19
الفرع الأول: دورات المجلس الأعلى القضاء ......................... .................................................. ........................... 20
الفرع الثاني : جدول أعمال المجلس الأعلى للقضاء ................ ............... .................................................. .......... 21
الفرع الثالث : مداولات المجلس الأعلى للقضاء ................. ................ .................................................. ............ 22
الفصل الثاني : صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء .................... .............................. ............................................. 24
المبحث الأول: صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في متابعة المسار المهني للقضاة ................................................. 25
المطلب الأول : صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء في تعيين وترسيم القضاة وترقيتهم ونقلهم ............................... 25
الفرع الأول : تعيين القضاة وترسيمهم .................................................. .................................................. ........... 25
الفرع الثاني :ترقية القاضي ......................... .................................................. .................................................. .... 29
الفرع الثالث: نقل القضاة ................ ......... .................................................. .................................................. .... 31
المطلب الثاني : الصلاحيات المتعلقة بوضعية القضاة وإنهاء مهامهم ............ .................................................. ......... 34
الفرع الأول: صلاحية متابعة وضعية القضاة .................................................. .................................................. .. 34
الفرع الثاني : صلاحية إنهاء مهام القضاة .................................................. .................................................. ......... 38
المبحث الثاني:صلاحية تأديب القضاة .................................................. ......... .................................................. ..... 41
المطلب الأول : الأساس القانوني للدعوى التأديبية .......... .................................................. .................................. 42
الفرع الأول: مفهوم الخطأ التأديبي .................................................. ...... .................................................. ........... 42
الفرع الثاني: الدعوى التأديبية ................................. .................................................. ......................................... 43
المطلب الثاني: المحاكمة التأديبية .......................... .................................................. ............................................... 49
الفرع الأول : إجراءات المحاكمة التأديبية ......... ............................ .................................................. .................... 49
الفرع الثاني : الفصل في الدعوى التأديبية .................................................. .................................................. ........ 52
الخاتمة
قائمة المراجع
الفهرس