منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التحقيق الدقيق في شرف بني نائل الوثيق
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-09-11, 18:54   رقم المشاركة : 359
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

محمد حرزلي الهاملي إطار سامي متقاعد ¹




¹ محمد يحي حرزلي بن الربيع بن عطية من مواليد 9-12-1939م بالهامل ، حفظ القرآن الكريم عن الشيخين صائم الدهر وخضراوي السائح بعد مزاولته التعليم الابتدائي بمدرسة بوسعادة المركزية ، التحق بالثانوية الفرنسية الإسلامية التي هي امتداد للمدرسة الثعالبية الشهيرة بعد انقطاعه عن الدراسة الرسمية بعد إضراب الطلبة الجزائريين استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني( من أكتوبر 1954 م إلى ماي 1956 م )ثم واصل تعلمه على يد والده الشيخ الربيع والعلامة خليل بن مصطفى القاسمي وفي نفس الوقت كان نشيطا في لجان الثورة "المدنية" صحبة والده الذي كان قاضيا للصلح وإماما بمسجد الدشرة القبلية بأمر من العقيد الحواس خلف والده بعد وفاته في نفس المهام ، أعتقل وسجن من نوفمبر 1960م إلى نهاية 1961م .
وظائفه : تقلد عدة مناصب خاصة في التربية والتعليم والشؤون الدينية :
- مراقب للضرائب من أوت 1962 م إلى نهاية 1965م .
- مدير مدرسة إبتدائية من 1966 م إلى نهاية 1971 م .
- مفتش التعليم الإبتدائي والمتوسط من 1972 م إلى 1980 م .
- مدير المعهد التكنولوجي للتربية بالجلفة وبوسعادة من 1980 م إلى 1990 م .
- ناظر الشؤون الدينية بالجلفة من 1991 م إلى 1992 .
- يشغل الآن كاتبا عاما لرابطة الزوايا العلمية الرحمانية ومحاضرا في المناسبات العلمية والثقافية والدينية .
مؤلفاته : منها :
- من أعلام مدينة بوسعادة (العلامة الشيخ الربيع بن عطية حرزلي) .
- ذكرى وراء القضبان (التاريخ الثوري لمدينة بوسعادة) .
- نفحات في صفحات .
------------------------------------
د - تأسيس الزاوية والمعهد :
ببداية سنة 1261 هـ عاد الأستاذ إلى أهله ببلدة الهامل ، وما إن وصل إلى أهله حتى جاءته مجموعة من مشايخ البلدية يعرضون عليه أن يجلس في المسجد العتيق للتدريس فلم يمانع ولكنه اشترط أن يحصل على الإذن بذلك من شيخه سيدي أحمد بن أبي داود . ولأن من عرضوا عليه الجلوس يعرفون قيمة هذا الإذن فقد امتثلوا فأوفدوا أربعة من نقباء البلدة إلى شيخه ، الذي لم يتردد في مكاتبة تلميذه يستحثه على الجلوس للتدريس ويحبب إليه هذا العمل ويذكره أنه مسؤول على تعليم ما تعلم ، كما بعث إليه بإجازته العامة التي تخول له أن يعلم كل ما تلقاه عن هذا الشيخ .
لقد تجشم هؤلاء النفر مصاعب الطريق و متاعبها واحتملوا وعثاء السفر من أجل أن يوفروا لأبنائهم من يقوم على تعليمهم مبادئ دينهم ، لأنهم يدركون أن هذا الجهد الذي يبذلونه لن يذهب سدى ، ولعلهم يعرفون بفراسة المؤمن أن هذا الفتى سيكون له شأن وأي شأن . ولقد عاش منهم من رأى جموع الطلاب يتوافدون على زاويته من كل حدب وصوب.
تحدث الأستاذ في سيرته الذاتية عن هذه الفترة فقال:
" ... وبعد خمس سنين ، قدمت لبلدي ؛ قرية الهامل سنة 1261 هـ فأقمت بها ثماني سنين ، لتعليم الناس الفقه وغيره ، بزاوية القرية المعلومة؛ المسماة الجامع الفوقاني فلم أفارق الجامع ليلا ولا نهارا إلى تمام سنة 1272 هـ . "
طبقت شهرة الزاوية الأفاق, وأمها الطلبة والزوار من كل جهات الوطن, من مناطق المدية, بوغار, تيارت, شرشال, سطيف, الجلفة, مناطق المسيلة, المعاضيد, الضلعة, ونوغة وكل أنحاء الجنوب الجزائري.
وتوافد على الزاوية العلماء والأساتذة من جميع الجهات وتحولت الهامل وزاويتها إلى منتدى ثقافي عربي أصيل ومعلم ديني مشهور, وبلغ المعهد شأنا عظيما وفي هذا يقول الأستاذ محمد علي دبوز:"إن عظمة هذا المعهد كانت بعظمة مؤسسه فعبقريته العلمية, شخصيته القوية, وإخلاصه وبراعته وحكمته هي التي جعلت المعهد الهاملي يطلع طلوع الشمس قوية زاهرة. فأشتهر سريعا. وبعد أن كانت قرية الهامل تضم مدرستين قرآنيتين وبعض الكتاتيب الصغيرة عند بداية الاحتلال صارت مركز إشعاع علمي وديني عظيم, ومعلما نيرا.
بعد تأسيس محمد بن أبي القاسم الزاوية والمعهد بها أصبح هذا الأخير مركزا هاما في المنطقة ارتاده في الفترة الممتدة بين 1883ـ1885 ما بين 200الى ـ300 طالب سنويا يدرسهم أستاذة مجازون مهرة بلغ عددهم في نفس الفترة 12 أستاذا في جميع المعارف والعلوم.
وها هو المستشرق جاك بيرك يقول في رسالة وجهها إلى شيخ زاوية الهامل سنة 1965
"فيما يتعلق بي أن تاريخ زاوية الهامل يهم تاريخ المغرب العربي بأسره... وذلك لأنه في نفس هذا التاريخ بالذات ظهرت أيضا في المشرق البعيد بوادر النهضة وخصوصا في بيروت, هل هناك روابط أدبية وثقافية بين معهدكم وبين المدارس الأخرى في الشرق أو الغرب فيما عدا الرحلات الناتجة عن السفر والحج ؟...)
ونذكر أن أعداد الطلاب ما قبل الثورة اختلفت وتراوحت بين أعداد معتبرة وأعداد متوسطة من 600 إلى 800 طالب.
والعدد المتوسط يتفاوت بين حقبة وأخرى وهذا خاضع للظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها المناطق التي عادة ما يكون منها طلبة الزاوية والتي لها دخل في التأثير على هذا العدد صعودا ونزولا
هـ -الزهر الباسم في ترجمة الإمام سيّدي محمّد بن أبي القاسم :
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وصلّى اللّه على سيْدنا ومولانا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم الحمد للّه رب العالمين . والصلاة والسلام على أشرف المرسلين . سيّدنا ومولانا محمّد وآله وصحبه أجمعين .
وبعد فيقول أفقر العبيد إلى مولاه . وأوجلهم إليه من عظيم كسبه وخطاياه . محمّد بن الحاج محمّد بن أبي القاسم الشريف الهامليّ الجزائريّ الخلوتيّ الأشعريّ المالكيّ وفّقه اللّه ولطف به في الدارين آمين لمّا كان التعلّق بأهل اللّه من افضل الأعمال. والتشبّث بأذيالهم والتطفّل على أبوابهم والانتساب إلى مكارمهم من اكمل الخصال . إستخرت اللّه في أن اعمل تعريفًا لمن اقامه اللّه رحمة للعباد . وملجأً وكهفًا وعَلَمًا يُهتدى به إلى سبيل الرشاد .وعلى بيان نسبه الطينيّ والدينيّ وكيفيّة نشأته وعلى من أخذ القرآن في حال صباه وعلى من أخذ العلم . وبيان سلسلة سندنا في العلم وعلى سبب معرفته بأستاذه وكيف كان حاله معه من الاعتقاد والخدمة وإقبال شيخه عليه واغتباطه به .وذكر رجوعه لبلده وكيفيّة ترتيب زاويته . وختكته بسلسلتنا في الطريقة وسمّيته بالزهر الباسم . في ترجمة الشيخ سيّدي ومولاي محمّد بن أبي القاسم . وأسأل اللّه العليم الحليم . أن يجعله خالصًا لوجهه العظيم الكريم . ويحشرنا في زمرة الصالحين . ويثيبنا عليه بمقام المحبوبين المقرّبين . إنّه وليُّ التوفيق . والهادي إلى أقوم طريق . وهوحسبنا ونعم الوكيل . ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم فأقول هوسيّدنا شيخ الإسلام . مقتدى الاولياء العظام . علم الهدى . الذي من انتمى إليه كان من السعدا . القطب الربّاني . والفرد الجامع الصمداني . العلاّمة الإمام . والقدوة الهمام . شيخ المالكيّة شرقًا وغربَا . قدوة السالكين عجمًا وعربَا . مربّي المريدين . كهف السائلين . سيّدي أبوعبد اللّه محمّد بن أبي القاسم بن ربيح ابن الوليّ العارف باللّه سيّدي محمّد بن عبد الرحيم بن سائب بن المنصور الشريف الحسنيّ نسبًا المالكيّ مذهبًا الاشعريّ اعتقادًا الهامليّ مسكنًا الجزائريّ إقليمًا . كان رضي اللّه عنه وأرضاه وأعاد علينا من بركاته وأسراره آمين من أكابر المشائخ العارفين . وأعيان المحقّقين . وأعلام العلماء الراسخين . ... ... ... وكان رضي اللّه عنه الحقيق والمتخلّق بقول المولى عزّ وجلّ ويطعمون الطعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا انّما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً ولاشكورَا انّا نخاف من ربّنا يومًا عبوسًا قمطريرًا وكان مراد اللّه من خلقه والموصوف بقوله وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب . أولئك الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده وللّه درّ العلاّمة الشيخ سيّدي محمّد بن عبد الرحمن الديسيّ حيث قال في بديعيّته في مدح الأستاذ : ماكفّه كالغيث حين يهمع . فذاك يمكث وهذا يقلع قد شابهت أخلاقه الرياضا . لطافة وكفّه الحياضا والأرض لولا غوثنا لدكدكت . لأنّها قِدما لدينا اشتكت لكلّ عصر مفرد إمام . غوث به أحواله تقام فصل في بيان سلسلة نسبه كان والد الأستاذ الجدّ لنا سيّدي أبو القاسم من الصالحين الأفاضل ، ذا عفّة و ورع وتقوى ومحبّة في الصالحين ، مربّيًا للايتام يوثرهم على أولاده ويعلّمهم القرآن ، إمّا بنفسه ، أو بالأجرة من ماله ، ومن اوّل أمره ماترك قراءة القرآن في اللوح حتى مات رحمه اللّه ، وتركها مكتوبة بخط يده في سورة الأعراف ، وفي أخر عمره ، في غالب أحواله يتلو النصف من القرآن في كلّ يوم ، ولد رحمه اللّه في السنة الأولى من القرن الثالث عشر ، وتوفي سنة ثمان وسبعين بعد المائتين والألف . وأمّ الأستاذ ذات الغنيمة والفوز ، يقال لها السيّدة عائشة بنت مزوز ، شريفة حسنيّة ، من فريق والده ، لها الحظّ الوافر من الخير والصلاح ، ولمّا وضعت الأستاذ تلقّته يد الكرامة ، وحُفّ بالتوفيق من خلفه ومن أمامه ، ولم يزل رضي اللّه عنه ، مُربّىً في حجر الكرم ، مُغذّىَ بلبان النعم محفوظًا بالحماية ، ملحوظًا بالعناية ، إلى أن بلغ مبلغ الرجال ، وصار من جميع الاقطار تشدُّ إليه الرحال ، توفيت رحمها اللّه في السنة الاولى من القرن الرابع عشر . وسيّدي الحاج أبو القاسم ، ابن سيّدي رُبَيح المضمون ، وهو ابن سيّدي محمّد بن عبد الرحيم ، قطب زمانه ، ابن سائب ، ابن منصور ، وينتهي هذا النسب الكريم الى سيّدي عبد الرحيم ، الداخل للهامل أوّلاً ، مع عمّه سيّدي أحمد . وسيّدي عبد الرحيم ، وعمّه سيّدي أحمد هما المشهوران بحجّاج الهامل. فصل في ميلاده وتعلّمه القرآن كان سيّدنا رضي اللّه عنه جّوال الفكر. جوهريّ الذكر. جميل المنازعة . قريب المراجعة . لا يطلب من الحقّ إلاّ الحقّ .ولا يتمذهب إلاّ بالصدق . أوسع الناس صدرًا . وأذلّ الناس نفسَا . ضحكه تبسّمًا . واستفهامه تعلّمَا . مذكّرًا للغافل . معلّمًا للجاهل . غوثًا للغريب . أبًا لليتيم. بشره في وجهه . حزنه في قلبه .مشغولاً بفكره . مسرورًا بفقره . طويل الصمت .جميل النعت . حليمًا صبورًا كثير التحمّل . حركاته أدب .وكلامه عجب . وقورًا رضيًّا شكورًا . قليل الكلام . كثيرالصلاة والصيام . له لسان مخزون . وقلب محزون . وقول موزون . وكان جامعًا لأشتات العلوم . والمبرّز في المنطوق منها والمفهوم . بلغ مبلغ السها . وأخمد من نار البدع كلّ ما لا تستطيع أيدي المجاهدين مسّها . فلم يزل يناضل على الدين الحنيفيّ بجلاد مقاله . ويحمي حوزة الدين ولا يلطّخ بدم المعتدين حدّ نصاله . حتى أصبح الدين وثيق العرى . وانكشفت غياهب الشبهات وما كانت الاّ حديثًا مفترى . ومع هذا له ورع طوى عليه ضميرَه . وخلوة لم يتّخذ فيها غير الطاعة سميره . ترك الدنيا وراء ظهره . وأقبل على الآخرة يعامل اللّه في سرّه وجهره .وكان يصدع بالحقّ ولا يبالي . أدركته على خمسين في عمره ، وتربّيت في حجره ومحلّه وكان يعتني بي ، وكنت أقرأ عليه كتب الأحاديث والسِّيَر والتفسير والنحو وعلم القوم ، وما كان أحد يقرأ عليه الكتب سردًا الاّ أنا وأقول كما قال القائل : الحمد للّه أنّي في جوار فتى . حامي الحقيقة نفّاع وضرّار لا يرفع الطرف إلاّ عند مكرمة . من الحياء ولا يغضي على عار ولد رضي اللّه عنه وأرضاه بالبادية بمحلّ يقال له الحامديّة ، على جهة جبل تاسطاره ، في رمضان سنة تسع وثلاثين بعد المائتين والألف ، حفظ القرآن العظيم في حداثة سنّه مع والدي ، على ابن عمّ لهما يقال له السيّد محمّد بن عبد القادر ، وكان استفتاحه في قراءة القرآن في محرّم الحرام ، سنة ست وأربعين ومائتين وألف ، ولم يزالا على ملازمة قراءة القرآن حتى حفظاه وأتقناه ، وانتقلا في أيّام صباهما الى زاوية سيّدي عليّ الطيّار، ومكثا فيها سنتين وجاءا على خير وكرامه . فصل في أخذه العلم ولمّا قرأ القرآن العظيم حتى أتقنه ، وعمر بدراسته سرّه وعلنه ، علم رضي اللّه عنه أنّ طلب العلم على كلّ مسلم فريضه ، وانّه شفاء للانفس المريضه ، إذ هو أفصح لمنهاج التقى سبيلا ، وأبلغها حجّة وأظهرها دليلا ، وأرفع معارج المتّقين ، وأعلى مدارج الموقنين ، وأعظم مناصب الدين وأفخر مراتب المهتدين ، شمّر عن ساعد الجدّ والاجتهاد في تحصيله ، وسارع في طلب فروعه وأصوله ، وقصد الأشياخ الايمّه ، أعلام الهدى علاماء الامّه ، فقدم إلى زاوية الوليّ للّه سيّدي السعيد بن أبي داود بزواوه ، ولازم ابنَ ابنه بها العلاّمة الشيخ سيّدي أحمد ، وجدّ واجتهد ، حتى برع في المذهب المالكيّ ، ولمّا قرأ ختمة في الشيخ خليل صار يقرّر مشكلاته ، وتقاريرُه الآن موجودة بيد بعض الطلبة ، وأتقن علم الفلك من ختمه ، وعلم الفرائض من ختمتين ؛ وكان دخوله للزاوية المذكورة في رمضان بعد مضيّ ثلاث ليال منه وسنّه اذ ذاك ، واللّه أعلم تسع عشرة سنه ، فقرأ في السنة الاولى متن الشيخ خليل مجرّدًا عن الشرح ، وفي السنة الثانية ، قرأه بشرح الشيخ سيّدي محمّد الخرشيّ عليه بالاذن من شيخه ، وفي السنة الثالثة أمره الشيخ أن يقرّر للطلبة المبتدئين متن الشيخ على عادتهم من التدريج العجيب وفي السنة الرابعة مرض الشيخ ، فأمره أن يدرّس في موضعه ، ولمّا شفي ، بقي على معاونته أسبوعًا بأسبوع الى أن كمل كتابي الصلاة والذكاة ، وتخلّص لكتابي البيوع والإجارة وحده مفردًا ، وفي السنة الخامسة أمره الشيخ أن يذهب إلى زاوية أبي التقى يدرّس بها الفقه . واجتمع في هذه السنة بالعلاّمة الجليل ، الذي سمّاه شيخه سيّدي الحاج محمّد ، خليفة سيّدي الحاج عبد القادر بن محيي الدين ، بابن مالك الصغير ، الشيخ الصادق بن الحبيب ، ورغب أن يأخذ عنه علم النحو فلم ييسّر له اللّه ذلك لعوارض ، وافترقا من هناك ، واجتمعا مرّة اخرى بزاوية سيّدي أبي التقى . وهذا آخر عهده به . ولمّا تعذّر على الشيخ الرجوع الى زاوية شيخه بزواوه ، رجع الى بلده ، ومكث بها أشهرًا ، وبطلب من اشراف البلد لشيخه سيّدي أحمد بن أبي داود ، أمره بالتدريس وحرّضه عليه فامتثل . فصل في رجوعه الى بلده بعد أن كتب له شيخه الإجازة بخط يده الكريمة، ابتدأ التدريس ببلده الهامل ، وكانت سنة خمس وستين ومائتين وألف ، فأصبحت به زاهرة يانعه وانهالت له الخلق من كل جهة لطلب العلم ، وحصل به النفع الكثير ، وكان يحضر درسه في الفقه نحو ثمانين تلميذا اواكثر ، وابتدأ من التفاسير بتفسير الواحديّ ، ومن كتب الحديث بشرح العارف باللّه سيّدي عبد اللّه بن أبي جمره ، وتقديمه لهذين الكتابين التماس بركة صاحبها لانّهما كانا من ملك الجدّ . فأقام في بلده لتعليم العلم تسع سنين . وفي السنة السادسة منها عزم على القدوم الى سيّدي مصطفى بن عزّوز لأجل التلمذة له والأخذ عليه ، ومن ثمّ الذهاب الى الحجّ ، فلم يوافقه الأشراف على ذلك لرغبتهم فيه . فصل في سبب سفره للأستاذ ولمّا كان للخير أسباب ، كتب الأستاذ لأحد المريدين وبطلب منه الى شيخه سيّدي المختار ، فلمّا وصل الجواب للشيخ ،بحث عن الكاتب ، وعن كيفيّة حاله ، ومن هو فأخبروه بترجمته تفصيلاً ، فحصل الارتباط الربانيّ في الوقت ، وكتب له الشيخ جوابًا أمره بالذكر ويدعوه الى الحضور عنده ، فبقي في امتثال الأمر، والمكاتبة متداولة بينهما ، الى أن قدم إليه ، ومكث عنده أيّاما ، وعاد فأقام ببلده سنة ، ثمّ رجع إليه ، وفي ثالث زيارة له استبقاه عنده الى ان يصلي على جنازته ، ويفوز بسرّه فأجابه لذلك ،فأحبّه أستاذه ، واغتبط بمكانه ، فعُرف أنّه وارث حاله ، وأنّه هو الذي ينتهي إليه الأمربعده ، ولا زال مقدّس الأسرارمتزايد الكمالات والأنوار ، فمناقبه لا تحصى ، وكراماته لا تحويها الدفاتر ، وكيف يأتي الحصر على كرامات من أقامه اللّه تعالى للارشاد والامداد ، أمّا مطلق الارشاد فقد أرشد اللّه به عالما كبيرًا ، وهدى على يديه جمّا غفيرًا ، وأمّا الامداد ، فانّ اللّه تعالى يرحم ببركته الخلق ويغيثهم وهم لا يشعرون ، وفي شرح العارف الشرقاويّ ، على الحِكَم مانصّه: « وهؤلاء الذين نصرهم اللّه تعالى ونصر بهم ولم ينصرعليهم هم الضّنائن الذين إذا ظهر واحد منهم في عصر حصل به النفع التام لأهله ، وأمدّهم اللّه بسببه وهم لا يشعرون وقد قال الشيخ سيّدي محمّد بن عبد الرحمن في مدحه : ذو مزايا لا يفي المدح بها . كيف يحويها قصوري لا ولم وللّه درّ القائل في العارفين : نجاب فتية عزّ كرام . من العلياء في أعلى مكان بحار العلم أوتاد الأراضي . ملوك الخلق أقمار الزمان وفي مدّة إقامته ، قدّمه الشيخ على جميع أموره ومصالح زاويته الظاهرة والباطنة ، وكلّ تصاريفه الخفيّة والجليّة . وكانت له مرائي كثيرة عجيبة ، وشطحات غريبة كان كتبها لأستاذه والشيخ يعطيها لكاتبه في الوقت، ويأمره بحفظها وكتابتها وصيانتها عن غير أهلها ، فلم يمتثل وضيّعها . ولمّا توفي الشيخ سيّدي المختار أمر الأستاذُ الكاتب المذكور أن يأتيه بها ، فلمّا مكّنه منها، قرأها جميعا وأوقد لها نارًا فأحرقها إلاّ ما اختطفه بعض الطلبة الحاضرين نحو الكرّاستين ، وإلاّ فهي كانت نحوالعشرين كرّاسة أو اكثر ، وله قصائد في مدح شيخه. فصل في رجوعه لبلده بعد وفاة شيخه وبنائه زاويته كان سيّدنا أحد أركان الإسلام ، وانتفع به الخاصّ والعام ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر للخلفاء والسلاطين والعمال والقضاة والخاصّة والعامّة ، يصدعهم بذلك على رؤوس الاشهاد وفي المحافل ولايأخذه في اللّه لوم لائم ، وكان يقول : البارّ لي ، والفاجر أنا له ، ولقد كان مع جلالة قدره وعلوّ منزلته ، وسعة علمه ، يقف مع الصغير ، ويوقّر الكبير ، ويبدأ بالسلام ، ويجالس الضعفاء ،و يتواضع للفقراء ، وماقام لأحد من العظماء والاعيان ولا ألمّ بباب وزير ولا سلطان الاّ في حاجة من حوائج المسلمين . وأقول كما قيل : واللّه واللّه واللّه العظيم ومن . أقامه حجّة للدين برهانا إنّ الذي قلت بعضٌ من مناقبه . ما زدت إلاّلعلّي زدت نقصانا وما عليّ إذا ما قلت معتقدي . دع الجهول يظنّ الحقَّ بهتانا وكان رضي اللّه عنه إذا مرّ بطريق وقف الناس في الاسواق ليسألون به حوائجهم ، وكان له صيت وصوت وسمت وصمت وإنّي أرى كثيرًا من المشائخ الذين عاصروه اذا دخلوا إلى مدرسته أو رباطه قبّلوا العتبة ، وأقول متمثلاً ، بقول القائل : تزاحم تيجان الملوك ببابه . ويكثر في وقت السلام ازدحامها إذاعاينته من بعيد ترجّلت . وان هي لم تفعل ترجّل هامها ولمّا دخل بلدة الهامل ، تواردت بقدومه مقدّمات السعادة لأرض نزل بلادها ، وترافدت عليها سحائب الرحمة فعمّت طارفها وتلادها ، وتضاعف فيها الهدى فأضاءت ابدالها وأوتادها ، وتتابعت اليها وفود التهاني فأصبحت كلّ أحيانها أعيادها ، وأضحى قلب البلد بنور ودّه بالبشر متواجد ولسان ثغره بإقبال وجهه ينطق للّه بالمحامد بمقدمه انهلّ السحاب وأعشب ال.عراق وزال الغيُّ واتضح الرشد فعيدانه رند وصحراؤه حمى.وحصباؤه درٌّ وأمواهه شهد فهام به صدر العراق صبابة . وفي قلب نجد من محاسنه وجد وفي الشرق برق من مقابس نوره. وفي الغرب من ذكرى جلالته رعد ولسان حاله ينشد : أنا من رجال لايخاف جليسهم . ريب الزمان ولايرى ما يرهب قوم لهم في كلّ مجد رتبة . علويّة وبكلّ جيش موكب أضحت جيوش الحبّ تحت مشيئتي . طوعاومهمارمته لا يعزب مازلت أرتع في ميادين الرضى . حتى وُهبتُ مكانة لا توهب أضحى الزمان كحلّةٍ مرموقةٍ . تزهوونحن لها الطراز المذهب أفلت شموس الأوّلين وشمسنا . أبدًا على فلك العلا لا تغرب قدم لبلده الهامل ، رضي اللّه عنه ، في رمضان سنة سبع وسبعين ومائتين وألف ، وسكن بدار لبعض المرابطين يقال لربّها أحمد بن عمر ، وانهالت له الخلق من كلّ جانب بالزيارات ، وقصد من كلّ محلّ بالفتوحات ، وانحاشت له القلوب ، وبذل للزوّار المآكل والمشارب ، مع عزم وحزم في الارشاد ونفع العباد ، وهداية أهل الضلال والاعتدال في جميع الأحوال ، ممّا لا أقدر على ضبطه بكتابة ، فحسب المحبّ أن يقول ما شاء اللّه لا قوّة الاّ باللّه . وابتدأ بإحياء الأرض الموات ، بتسويتها وقلع حجرها وشجرها ، وغرس الأشجار بها ، حتى أحيا من الارض ما شاء اللّه . وفي سنة ثمان وسبعين توفّي الجدّ لنا ، ثمّ في سنة تسع وسبعين بعد المائتين والألف ، شرع في بناء زاويته المعمورة على جهة الغرب من قرية الأشراف في سفح جبل «عمران على كيفيّة حسنة ، فبنى منزلا للعائلة ، في غاية العلوّ والارتفاع ، محفوفًا من كلّ جهة بالعمارات ، وبنا في جنبه من جهة المشرق حوشًا يجلس فيه لإرشاد الخلق وتصريف أحوالهم ، ويأكل فيه الطلبة والإخوان ، وبجنب الدائرة ، بيتًا ، يطبخ بها التلامذة الطعام للطلبة والإخوان والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام ، لا يدخلها إلاّ من يناول الطعام طبخًا أو إعطاء ، وهي المسماة بالنواله ، وعَمَر بلصقها مسجدًا يصلي فيه الخمس مع خاصّة تلامذته الملازمين له ، يسمّى بمسجد سيّدي عبد القادر ، ويُتلى فيه القرآن بمحضره في كلّ ليلة نحو الخمسة احزاب ، ويُدرّس به الحديث والنحو والتفسير ، ويقرأ فيه الموالد النبويّة وتُنشد فيه المدائح المصطفويّة وعمل بلصق الجميع من كلّ جهة نحو الخمسين مسكنًا للمصالح الوقتيّة ، وفي سنة ثمانين بعد المائتين والألف ، في محرّم الحرام ، ليلة الاثنين ، دخل زاويته بالعائلة والطلبة والإخوان ، وقدّم على الطلبة تلميذًا ، وهو المعروف ب المقدّم حاكمًا عليهم في المصالح الدينيّة ، من قراءة القرآن ، وملازمة الصلوات الخمس ، والآداب الشرعيّة. ولزّم كلّ طالب أن يستفتح بعشرين دينارًا للزاوية جريًا على عادة المشائخ الأول ، فأدّى كلّ ما عليه بطيب نفس. وفي سنة إحدى وثمانين ، شرع في بناء مسجد للطلبة والاخوان ولدرس الفقه وغيره على جهة الجوف من مساكنه الخصوصيّة ، فجاء مسجدًا عظيمًا في الاتساع والتأنّق ، يصلّى فيه الصلوات الخمس لكافّة الخلق ، ويذكر فيه الورد المعلوم صباحًا وعشيّه ، ويقرأ فيه الحزب الراتب عقب صلاة الصبح وثلاثة أحزاب بعد صلاة المغرب ، على سائر الدهر ، وجعل فيه ثلاثة مصاحف مجزّأة ، وفي ليلة الجمعة وصبيحتها تفرق على الطلبة ، فيختم القرآن ثلاث ختمات في أمد قريب . وجعل لطلبة القرآن معلّمًا يلي تعليمهم ، ويبذل جهده معهم ، ويُدرّس بهذا المسجد الفقه والحديث والتفسير في الشتاء ، وباقي الأوقات النحو والفنون الأدبيّة . وحفر بئرًا بوسط الزاوية ، وعمل نحو المائة مسكن للطلبة والإخوان ، وهي من عملهم ، وأقام إمامًا بالمسجد للصلوات الخمس ، ومؤذنا وأنشأ بساتين بشاطئ الوادي ، وبنى في كلّ بستان دارًا ، وجعل فيها طلبة يقرؤون القرآن ، ويقومون بمصالحه فالمارُّ مع طول الوادي ، لا ينقطع عنه سماع تلاوة القرآن او ذكر لا إله إلاّ اللّه ، وطول الوادي يزيد على فرسخ .وكانت الزاوية المعمورة محلاّ للعلماء العاملين والأولياء الصالحين ، والفقراء ، والغرباء ، والمساكين والأرامل ، والأيتام ، والزوار ، والطلبة ، والهيّام . وكان مبلغ الذين يموّنهم على الدوام ، وهم في حكم العائلة ، نحو الألف نفس ، وهذا من غير من يطرأ من الزوّار والطلبة الذين يجيئون ويذهبون ، وإن اعتبرنا ذلك فحسبي أن اقول ما شاء اللّه لا قوّة إلاّ باللّه . وكان رضي اللّه عنه ، إذا أوصي على يتيم ، يجعل متروكه على حده ، ويحرّكه بالتنمية ، وجميع لوازم اليتيم يصرفها عليه من خاصّة ماله ، الى أن يتحقّق الرشد من الأيتام فيدفع لهم جميع مالهم . فكثيرًا ما شاهدنا بعض أيتام تركهم آباؤهم من غير شيء ، أو تركوا لهم شيئًا قليلا فلا يزال ينمى لهم الشيء القليل ، حتى يصير كثيرًا ، أو يعطي لهم من خاصّة ماله شيئًا وينمّيه لهم حتى يأنس منهم الرشد ، فيصير فوق كفايتهم بأضعاف ، فكانت الأيتام المحجورة له في كلّ وقت لا ينقصون عن مائة ، بل يزيدون في بعض الأوقات . ولمّا اطمأنّت به الدار ، أقبلت عليه الخلق طالبين للارشاد والامداد ، فظفر كلّ بما طلب ، كيف لا وهو عكاظ المعارف ، فلقّن الطريقة لأمم لا يحصون كثرة ، وكل يوم تزدحم على بابه القصّاد ، فمن مريد للهداية ، ومن طالب للعلم والقرآن ، ومن ميمّم ساحته لبذل المعروف والإحسان ومع اشتغاله بالخلق على كثرة أصنافهم ، وتشعّبات أغراضهم ومطالبهم ، وتباين طباعهم ، واشتغاله بقضاء حوائجهم من شفاعات وفصل خصومات ، لا يترك الدروس في علوم عديدة من الفقه والحديث والتفسير والنحو والكلام وغير ذلك .أمّا الفقه ، فقد كان من سنة ثماني وسبعين ، عام عودته إلى الوطن ، إلى سنة ثماني وثمانين ، تقريبًا ، يتولّى الدرس بنفسه ، ولمّا تكاثرت عليه الأشغال ، وقضاء حوائج خلق اللّه ، فوّض التدريس الى نجباء طلبته . ولكثرة اشتغاله بدرس الحديث ، فقد ختم عدّة وافرة من الكتب المعتبرة ، ختمات عديدة ، كالموطأ ، وصحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، والجامع الصغير ، وشروح شمائل الترمذيّ ، وشرح الأربعين النوويّه ، وسيّدي عبد اللّه بن أبي جمرة ، وشفاء القاضي عياض ، والمواهب اللدنية ، وتفسير الواحديّ ، وتفسير الخطيب ، الى غير ذلك ممّا لا يمكننا استقصاؤه . ويحصل له في قراءة الحديث الشريف حال عظيم و وجد كبير واستحضار عجيب ، فيبدي الدقائق العجيبة والنكات الغريبة ، ويقرأ بقوّة ربّانيّة ، يسرد على التوالي نحو الثلاث كراسات بلا تعب ولا ملل ، ولولا ما يعرض من الحوائج ، أو اوقات الصلاة ، ما كان يقطع القراءة لما له من الاذواق والمواجيد ، ولذا قال خاتمة المحقّقين ، العلاّمة الأمير في ضوء الشموع أذواق الصوفيّة كلّها في الإشارات النبويّة ولذلك قال صلّى اللّه عليه وسلّم أنا قاسم واللّه معطي . وقد حفظ القرآن في زاويته المعمورة خلق لا يحصون ، وانتفع في العلم جماعة كثيرة ، كلّ على قدراستعداده واعتقاده ، وهذه الخيرات الفائضة على الأتباع مستمدّة من المتبوع ، فإنّه الوارث الكامل من حضرة النبوّة وللّه درّ من قال: الفرع ان كان جناه طيّبا ~ فالأصل لولاه لما طاب الجنا. قدم سنة أربع وثلاثمائة وألف الى زيارة شيخ المشائخ سيّدي محمّد بن عبد الرحمن ، وسيّدي عبد الرحمن الثعالبيّ ، فتتلمذ له جلّ أهلها ، من علمائها وفضلائها وأتقيائها ونجبائها وأصفيائها ، وكذا نواحيها ، كبلد المديّه والبليده و مِتّيجه وشرشال والحراش وبلد تابلاط ، وذلك فضل اللّه يوتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم . كتب لي العلاّمة الشيخ سيّدي عاشور من محمّد الخنقيّ جوابا يخبرني فيه ببعض ما عاينه وشاهده : العلاّمة التكلامة ، والدرّاكة الفهّامة ، الشاب العفيف والأديب الظريف ، خلف الشرف ، وشرف الخلف ، الشيخ سيّدي محمّد بن الحاج محمّد لا زالا بين سعي وشكر ورعي يحمد ، السلام عليكم ورحمة اللّه تعالى وبركاته وبعد ، فقد كان بلغني جواباك ، المؤرّخ أوّلهما في 8 رجب وثانيهما في منه ، وقد تضمّن الأوّل من الاثنين علمكم بقصّة المتاحبّين ، ثم أمرك إيّانا باعلامك بمبلغ ثمن حاشية ابن الحاج على المكودي ، ثم الاستعلام عن مقدمي لحضرتكم الشريفة كما هو مقصودي ، والثاني حاصل سفر الأستاذ الى حاضرة الجزائر ، وتخلّفك بالزاوية للقيام بأمورالعشائر فجزاك اللّه عن ذلك الخير بما لا يخطر على قلب بشر . هذا وانّه بعدما ورد جوابك الأوّل ، ورد تلغراف ... مضمنه أنّ الأستاذ قدم حاضرة الجزائر ، فركب البعض من صبيحة غده للاجتماع به والامتداد من مدده ، ومن الغد بعد ،ورد عليّ جواب حضرة القطب الفرد ... يخبرني فيه أنّه قدم الجزائر معروضًا لحضور المشهد المشار إليه بالهناء والسلامة والعافية ، فلا تتحيّر ، فحمدت اللّه عليه . وكتب الأستاذ بعده : ... وقد رأيت أنّ اللّه حرّكني ، لزيارة القطب شيخ مشائخنا سيّدي محمّد بن عبد الرحمن ، وسائر الاولياء برًا وبحرًا ...ومن الغد ورد جوابك الثاني ... وغلب ظنّ الجميع أنّ الاستاذ يقدم حاضرة قسنطينة أيضًا لحضور المشهد الثاني بها ، فارتقبناه ، وخرجنا الى الملاقاة ، فتخلّف ظنّ القدوم اذ ذاك للجماعة ، ثمّ أرجفت العامّة العمياء ، واضطربت الغوغاء ، بأنّ اقدام الحكّام حضرةَ القطب الى الجزائر ، انّما هو بنيّة القبض عليه ، مُظهَرًا في صورة الزائر . ودبّت تلك الأراجيف ... فبينما الأمر كذلك اذ اجتمعت بالأخ السيّد الحاج عليّ بن التبانيّ ... وقال لي الم تسمع ما يقال ، فقلت له سمعت ولكن ما فجعت ...وإني على تيقّن وطمأنينه ...وعلم قاطع ... أنّ ما أرجفت به الغوغاء كذب و زور ... فقال وكيف ذاك وبم عرفت ، فقلت له : بالفهم عن اللّه تعالى فيما وصفت ، فانّ الأولياء على قسمين : قسم خلقه اللّه للبلاء والصبر ، وقسم خلقه اللّه للعافية والشكر . فالاوّل : يتلقّى كلّ بلاء ، ينزل ، راضيًا به منه ، ولا يصيب العامّة الاّ ما فضل عنه . والثاني : يتلقّى كلّ شكر عن عافية ينزل ، وهو من البلاء براء ، والبلاء عنه بمعزل ، بحيث لا يبصره البلاء ولا يرى ، وتمرّعليه الفتن كقطع الليل المظلم وهو منها براء . وهذا القسم هم ضنائن اللّه بهم عن البلايا ، وهم أهل الكرم والجود والعطايا ، وأستاذنا سيّد هذا القسم ، ورئيس الضنائن بلا وهم ، بما أنّه غاية أهل الكرم والجود ، ونهاية أهل العطاء ، فهو فرد أهل العافية والشكر ، وقليل ما هم في الوجود . وثانيًا الفهم عن الأستاذ ، بما كتب اليّ : ان لا تتحيّر ، فانّها مجرد عرضة بالهناء ... وفي عشيّة الغد ، ورد عليّ كتاب من بعض الاخوان ، أن الاستاذ يريد أن نجتمع بحضرته ... فركبت الى الجزائر ...وفي صبيحة الغد اجتمعت بالقطب ، فقرّت العين ، وسُرّ القلب ، وسرى الخطب ... فحمدت اللّه على ذلك ، وشكرته على ما هنالك ، لاسيما على ما زادني شرفًا وتيهًا حتى كدت اطأ الثريّا بأخمصي ، وليتك حضرت ونظرت يا نعم الخليفة والوصيّ ، من ازدحام أهل الجزائر صغارهم وكبارهم ... حتى اختلط المرعى بالهمل ... والسيّد بالمملوك والسوقة بالملوك ... مدى البصر من باب الدار ، حرصًا على انتهاز الفرصة ...برؤية الطلعة السعيدة ...فمن رأى الاستاذ هذه المرّة بالجزائر ، وكان مؤمنًا بالغيب فكأنّما زال عنه الحجاب ، وكشف عنه الغطاء ، ورأى العين بعد الأثر ، وحق اليقين بعد العلم والعين ، وكاشف المقام وشاهد عين العطاء ... وهكذا عادة أهل اللّه العارفين، والكمّل الواصلين ، إذا دخل أحدهم قرية او محلّة او بادية ، اجتمعت عليهم القلوب وانحاشت اليهم الاجسام من الدانية والقاصية وكذلك وقع للأستاذ بالبادية، أيضا ، ما نزل بمحلّة الاّ فاضت الاودية عليهم بالخلق فيضًا ، وتاللّه لكأنّ ملائكة السماء ... تنادي في الخلائق ... ألا هلمّوا الى القطب فقد نزل بالمحلّة الفلانيه ، فينسلّ الخلائق من كلّ حدب ، حتى يبلغ العدد ما يقضي بالعجب... وفي هذه الزيارة رمّم ضريح الشيخ ابن عبد الرحمن. وجدّد الاستاذ بناء مسجد الاسلاف المشهورين بحجّاج الهامل سنة سبع من القرن الرابع عشر ، وللأستاذ نحو ثلاثين زاوية وله رسائل كثيرة ، منها رسالة في الهجرة ، ورسالة في تحريم الدخان ، ورسالة في جواز الافطار ل التويزه في رمضان ، بالشروط المعتبرة ، ورسالة في مقامات الأنفس السبعة ، ورسالة في الرد على من يعتقد أنّ فرس عليّ ليست من نسل الخيل وأنّ سيفه أنزل من السماء ، وله منظومة الأسماء الحسنى ، البديعة المثال ، يشهد من قرأها وتأمّلها برسوخ قدم ناظمها في الطريق . ولمن قال أنّ هذه القصيدة خارجة عن قانون الشعر ، بعيدة من البلاغة ، ألم يعلم ، أنّ العارفين باللّه تعالى ، طارحون للتكلّف والتأنّق في نظمهم ونثرهم ، بل ياتون بما تسمح به القريحة عفوًا ، لأنّ المقصود والمنظور اليه عندهم المعاني لا الألفاظ ، ولذا تجد نظم الاولياء ونثرهم في الغالب غير جار على أساليب البلاغة. سنده في الفقه أخذ الأستاذ الشيخ سيّدي ومولاي محمّد بن أبي القاسم الفقه وغيره عن الشيخ سيّدي أحمد بن أبي داود بزواوه ، وهو عن والده سيّدي أبي القاسم ، وهو عن والده سيّدي السعيد بن أبي داود ، وهو عن والده سيّدي عبد الرحمن ، وهو عن الشيخ ابن اعراب ، وهو عن الشيخ الخرشيّ بسنده المشهور . وكذا أخذ الوليُّ للّه سيّدي السعيد عن العارف الربّانيّ سيّدي محمّد بن عبد الرحمن الأزهريّ ، وهو عن الشيخ العمروسيّ والشيخ القطب العارف باللّه سيّدي أحمد الدردير وغيرهما بمصر، وهم عن الشيخ العلاّمة صاحب التصانيف المفيدة سيّدي عليّ بن أحمد الصعيديّ وهو عن جماعة منهم سيّدي محمّد السلمانيّ والشيخ عبد اللّه المغربيّ كلاهما عن سيّدي محمّد الخرشيّ ، وسيّدي عبد الباقي الزرقانيّ ، وهما عن نور الدين سيّدي عليّ الأجهوري وبرهان الدين سيّدي إبراهيم اللقّانيّ ، وهما عن شيخ المالكيّة سيّدي سالم السنهوري ، وهو عن الشيخ سيّدي عليّ السنهوريّ شيخ التتائيّ وأبي الحسن شارح الرسالة ،وهو عن العلاّمة البساطيّ ، وهو عن تاج الدين بهرام الدميريّ ، وهو عن شيخه العلاّمة سيّدي خليل بن إسحاق وهو عن شيخه قطب الزمان سيّدي عبد اللّه المنوفيّ بسنده المشهور . وكذا أخذ الشيخ سيّدي عليّ السنهوريّ ، المذكور ، أيضًا ، عن الشيخ طاهر بن عليّ بن محمّد النويريّ ، وهوعن الشيخ حسين بن عليّ ، وهو عن الشيخ أبي العبّاس سيّدي أحمد بن عمر بن هلال الربيعيّ ، وهوعن قاضي القضاة فخر الدين المخلطيّ ، وهوعن أبي حفص عمر بن فراج الكنديّ وهوعن أبي محمّد عبد الكريم ابن عطاء اللّه السكندريّ، وهو عن أبي بكر محمّد بن الوليد بن خلف الطرطوشيّ ، وهوعن أبي الوليد سليمان بن خلف الباجيّ ، وهو عن الإمام مكيّ القيسيّ الأندلسيّ ، وهوعن الإمام أبي محمّد عبد اللّه بن أبي زيد القيروانيّ ، وهوعن الإمام أبي بكر محمّد بن اللباد الإفريقيّ ، وهو عن الإمام يحيى الكنانيّ صاحب اختلاف بن القاسم وأشهب ، وهو عن الإمام سحنون والإمام عبد الملك الأندلسيّ ، وهما عن الإمام عبد الرحمن بن القاسم العتقيّ المصريّ والإمام أشهب بن عبد العزيز القيسيّ ، وهما عن إمام الايمّة مالك بن أنس ، وهو عن ربيعة ونافع مولى ابن عمر ، وتفقّه ربيعة عن أنس بن مالك خادم نعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم ، وتفقّه نافع على مولاه عبد اللّه بن عمر ، كلاهما عن سيّد أهل الدنيا والآخرة محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب صلّى اللّه عليه وعلى آله وصحبه وسلّم ، وقد جاءه الوحيُ من ربّ العالمين بواسطة الأمين جبريل عليه السلام . سنده في الطريقة ... ... ... الأصل في التلقين ، ما رواه الطبراني والبزار وغيرهما أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لقّن أصحابه كلمة لا إله إلاّ اللّه جماعة وفرادى بعد أن سبق تكرارها منهم منذ أسلموا الى ذلك الوقت ... ... ... ... ... ... واعلم أنّ من فوائد التلقين ارتباط القلوب بعضها ببعض إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الى حضرة اللّه عزّ وجلّ ... ... ... ... ... ... فاذا أردت معرفة سلسلتنا فاعلم انّه لقّن ربُّ العزّة جلّ جلاله جبريل ، وهو لقّن قدوة الانبياء والمرسلين ، وملجأ الاوّلين والآخرين ،صاحب المقام المحمود والحوض المورود ، سيّدنا محمّد بن عبد اللّه ، وهولقّن أمير المؤمنين وابن عمّ سيّد الاوّلين والاخرين صلّى اللّه عليه وسلّم سيّدنا عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، وهولقّن ابنيه الحسن والحسين وكميل بن زياد والحسن البصري ، القائل «يستعان على الخاطر الشيطانيّ بالذكر والقراءة ، وعلى الخاطر النفسانيّ بالصوم والرياضة ، وهو لقّن سيّدي حبيب العجميّ ، وهولقّن سيّدي داود بن نصير الطائيّ ،وهو لقّن أبا محفوظ سيّدي معروف الكرخيّ بن فيروز القائل : « من أراد اللّه به خيرًا فتح عليه باب العمل ، وأغلق عنه باب الجدل، وهو لقّن أبا الحسن السرى بن مفلس السقطي وهو لقّن سيّدي أبي القاسم الجنيد ابن محمّد القواريري سيّد الطائفة البغداديّة القائل « مكابدة الوحدة أيسر من مرارة الخلطه، وهولقّن سيّدي ممشاد الدينوريّ القائل»الهمّة مقدّمة الأشياء فمن صلحت همّته وصدق فيها صلح له ما وراءها من الأعمال والأحوال ، وقال أحسن الناس حالاً من أسقط عن نفسه رؤية الخلق ، وهولقّن سيّدي محمّد البكريّ ، وهولقّن القاضي سيّدي وجيه الدين ، وهولقّن سيّدي عمر البكريّ وهو لقّن سيّدي عبد القادر بن عبد اللّه بن محمّد السهرورديّ ،كان يقول « أوّل التصوّف علم ، و وسطه عمل وآخره موهبه وهو لقّن سيّدي قطب الدين الأبهري ، وهو لقّن سيدي محمّد الملقّب بركن الدين النجاشيّ ، وهو لقّن سيّدي محمّد الملقّب بشهاب الدين الشيرازيّ ، وهو لقّن سيّدي التبريزيّ جمال الدين ، وهولقّن سيّدي إبراهيم الزاهد ، وهو لقّن سيّدي محمّد الخلوتيّ ، وهو لقّن الخلوتيّ سيّدي عمر ، وهو لقّن الخلوتيّ سيّدي محمّد امبرام ، وهو لقّن سيّدي الحاج عزّ الدين ، وهو لقّن سيّدي صدر الدين الجياني ، وهولقّن سيّدي يحيى الباكوبيّ الحلبيّ ، وهولقّن سيّدي محمّد بن بهاء الدين الشيرازي ويقال الأدرنجاتي وهولقّن سيّدي سلطان الشهير بجمال الدين الخلوتيّ وهولقّن سيّدي خير الدين التوقاديّ ، وهولقّن سيّدي شعبان القسطونيّ ، وهولقّن سيّدي محيي الدين القسطونيّ وهولقّن سيّدي إسماعيل الجرميّ ، وهولقّن سيّدي عليّ قارباشا، شارح الفصوص للشيخ الأكبر ، وهو لقّن سيّدي مصطفى الأنداويّ وهولقّن سيّدي عبد اللطيف الحلبيّ ، وهولقّن سيّدي مصطفى بن كمال الدين بن عليّ البكريّ الصدّيقيّ ، من تصانيفه : « الوصيّة الجليّة لسالكي الطريقة الخلوتية ، وكتاب السير والسلوك الى ملك الملوك ، وبغية المريد ، والألفيّة الكافية الوافية لطلاّب السّادات الصوفيّه و تشييد المكانة لمن حفظ الأمانة ... وهولقّن سيّدي محمّد بن سالم الحفناويّ ، وهو لقّن أبا عبد اللّه سيّدي محمّد بن عبد الرحمن القجطولي الزواويّ الأزهريّ ، وهولقّن وأرشد سيّدي عبد الرحمن باش تارزي القسنطينيّ ، وهو لقّن العلاّمة الصوفيّ سيّدي محمّد بن عزّوز البرجيّ نور الصحراء ، وهو لقّن وأرشد سيّدي عليّ بن عمر الطولقيّ ، وهولقّن وأرشد سيّدي المختار بن عبد الرحمن ، وهولقّن الأستاذ سيّدي ومولاي محمّد بن أبي القاسم . كتاب الزهر الباسم في ترجمة الإمام سيّدي محمّد بن أبي القاسم تأليف الشيخ سيّدي محمّد بن الحاج محمّد بن أبي القاسم المطبعة الرسميّة التونسيّة 1308 هـ ص 2- 66 بتصرّف.
الحاج مزاري الهامل مركز إشعاع ثقافي وقلعة للجهاد والثورة ... ... ... لقد ازداد الأشراف احترامًا وتقديرًا ، وتعدّت شهرة بلدهم الهامل المنطقة ، لتعمّ الوطن الجزائريّ كلّه من أقصاه الى أقصاه وبلغ صدى ذلك الى الأقطار المجاورة المغربيّة منها والافريقيّة بعد تأسيس الوليّ الصالح القطب الأعظم والملاذ الأفخم الشيخ الأستاذ صاحب الكرامات ، سيّدي محمّد بن أبي القاسم بن ربيح ،الزاوية والمعهد في العشريّة الخامسة من القرن التاسع عشر الميلاديّ ... وللإشارة فإنّ علاقة ابن محيي الدين الأمير بمحمّد بن أبي القاسم استمرّت وتوثّقت حتّى بعد نفيه إلى بلاد الشام ، في شكل تبادل الرسائل بينهما ... ... تواصلت هذه العلاقة بعد وفاة الأمير مع ولده الأمير الهاشميّ ، الذي عاد من بلاد الشام إلى الجزئر في عام 18 م ، ولمّا أُبعد من الجزائر العاصمة ، إختار التوجّه إلى بوسعاده ، وذلك في أوت 18 م ، ولعلّ هذا الاختيار له جذور تعود إلى عهد أبيه وعلاقته بسكّان هذه الجهة من الوطن العزيز وتقديرهم له ، و وقوفهم إلى جانبه أيّام الثورة والجهاد ضد الفرنسيّين حين مروره ببوسعاده وأعراشها في عام 018 . هذه العلاقة والمحبّة للأمير هي التي جعلت ولده الهاشميّ، يختار بوسعاده دون غيرها لقضاء بقيّة حياته بها ... من خلال ما سبق نستنتج أنّ فكرة تأسيس الزاوية والمعهد ، هي أُمنية حُجّاج الهامل ، و وصيّة شيخه أحمد بن أبي داود ، ونصيحة الأمير عبد القادر ، وهو ما جعل هذه الزاوية محلّ فخر واعتزاز من طرف أشراف الهامل ، وسكّان منطقة بوسعادة ، ومحلّ تقدير واحترام لدى الكثير من سكان الوطن الجزائريّ ، وعلى الخصوص سكان الغرب الجزائري وبلاد القبائل ، وكلّ المنطقة التي شملتها رقعة الدولة الجزائريّة في عهد الأمير عبد القادر وجاهدت تحت لوائه ... لقد كان الشيخ من أكثر أهل الخير تقديرًا للعلم والعلماء ، وكان من الموجّهين الدينيين والوعّاظ الصادقين الذين يخلو تصوّفهم من كلّ بدعة او خرافة ، حقّق في سنوات قلائل للزاوية الرحمانيّة الهامليّة صيتًا واسعًا تجاوز ما لغيرها من الفروع الرحمانيّة ، وتمكّن أن يُدرّس كلّ الطرق الصوفيّة لعلماء الشرفهالأشراف ومن أمَّ المعهد من غيرهم . إنّ قرية الهامل التي كانت تضمّ مدرستين قرآنيتين ، وبعض الكتاتيب الصغيرة عند فترة الاحتلال الاولى ، صارت مركز إشعاع علميّ و دينيّ عظيم ، ومَعلمًا نيّرًا ، بعد تأسيس محمّد بن أبي القاسم الزاوية والمعهد بها ... بالإضافة إلى الدور الثقافيّ والدينيّ فإنّ الزاوية كانت مركز التقاء كبير للأعراش المجاورة ، ومحطّ رحال أولاد نائل ، لفكّ خصوماتهم ، والتآلف بينهم ، وتزويدهم بالمعارف الدينيّة ، كما كانت مأوىَ للعجزة والمحرومين . ... إنّ مؤسّسي مقام الهامل من السلف الصالح ، قدّس اللّه أرواحهم وطيّب ثراهم ، أسّسوه على تقوى من اللّه ، وأرادوه أن يكون مَعلمًا نيّرًا ، ومركز إشعاع ثقافيّ علميّ ودينيّ محترم ، تشعّ أنواره في البلاد ، ويعمّ خيره كلّ العباد ، وهي رؤى صالحة ، حقّقها من بعدهم الخلف الصالح ، وساروا على النهج الذي رسمه الرعيل الأوّل من العلماء والمشائخ ، محقّقين بذلك المناعة الفكريّة للأمّة ، وضمان وحدة العقيدة والشعب ... إنّ هذا الدور الكبير لزاوية الهامل ومثيلاتها ، في الحفاظ على مقوّمات الشخصيّة الوطنيّة العربيّة الإسلاميّة في الجزائر هو الذي جعل أحد أساطين الاستعمار : الدكتور فيتال يستخلص أثناء جولته التي قام بها خلال شهر أفريل من عام 18 في الوطن الجزائري ... حيث قال : ماتزال هناك كلمات تهزّ هذا البلد هزًّا كلّما ذكرها ، هي كلمات : القوميّة ، والإسلام ، والأرض المقدّسة التي يجب تطهيرها من الكفّار ، هذه الكلمات عندما تتردّد تجعل الشعب مستعدًا للثورة ... لقد كان دور الهامل وزاويتها عظيمًا في الحفاظ على مقوّمات الأمّة وثوابتها وترسيخ العقيدة الإسلاميّة في النفوس ونشر لغة القرآن ... وتأكيدًا للدور الذي قامت به زاوية الهامل في هذا الجانب أستعرض فيما يلي أقوال وآراء بعض المؤرّخين والكتّاب الجزائريّين والأجانب : يقول « جاك بيرك « في رسالة وجّهها إلى الشيخ مصطفى القاسميّ في 8 8 : « ...فيما يتعلّق بي ، إنّ تاريخ زاوية الهامل يهمّ تاريخ المغرب بأسره ، من حيث المجهود الذي بذلته بكلّ عزم حتى في زمن الاستعمار ، وذلك باستنهاض القِيَم الروحيّة والاجتماعيّة التي تقوم مقام ملجإ للنّاس ... وفي نفس الرسالة يقول : « ... وذلك لأنّ في نفس هذا التاريخ ويعني بذلك تاريخ التأسيس 18 والنهضة العلميّة والأدبيّة في المغرب التي صادفت ذلك ظهرت أيضًا في الشرق بوادر النهضة وخصوصًا في بيروت ، هل هناك روابط أدبيّة وثقافيّة بين معهدكم ، وبين المدارس الأخرى في الشرق أو الغرب ، فيما عدا الرحلات الناتجة عن السفر والحجّ ؟. ... أمّا الأستاذ والمؤرّخ الكبير أحمد توفيق المدنيّ ، فيقول في كتاب الجزائر : « كان لبعض الطرق الصوفيّة في بلادنا مزيّة تاريخيّة لا يستطيع أن ينكرها حتى المكابر تلك هي أنّها استطاعت أن تحفظ الإسلام بهذه البلاد في عصور الجهل والظلمات ، وعمل رجالها الكاملون على تأسيس الزوايا « الرباطات يُرجعون فيها الظالمين إلى سواء السبيل ، ويقومون بتعليم الناشئة وبثّ العلم في صدور الرجال، ولولا تلك الجهود العظيمة التي بذلوها والتي نقف أمامها موقف المعترف المعجب ، لما كنّا نجد الساعة في بلادنا أثرًا للعربيّة ولا لعلوم الدين ... فالزوايا الكبرى مثل معهد الهامل ، ومعهد اليلولي ومعهد سيدي منصور ، هي التي كوّنت في هذه البلاد طبقة فاضلة من العلماء والفقهاء وحفظة القرآن الشريف ، وكانت واسطة فعليّة في نقل الإسلام الى بلاد أقاصي الجنوب والسودان ، وكانت فوق ذلك ملجأ للعاجز وابن السبيل . ويقول الأستاذ محمّد علي دبّوزفي كتابه نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة : « ... وانّ في الجزائر زوايا ثبتت على صلاحها القديم وأخرى نشأت في عهد الاستعمار لأعمال البرّ وللجهاد الوطنيّ في الميدان الثقافيّ والدينيّ ، فقدّمت للجزائر خيرًا كثيرًا ، وأنشأت لها علماء صالحين كانوا عمدة النهضة الحديثة ، ومن أبطال جمعيّة العلماء ومن هذه الزوايا المباركة زاوية الهامل في شمال الصحراء ... . الهامل مركز إشعاع ثقافي وقلعة للجهاد والثورة تأليف الأستاذ الحاج مزاري ¹ الطبعة الأولى دار الحكمة الجزائر
تحت عنوان" بوسعادة في القرن التاسع عشر" .





¹ الأستاذ الحاج مزاري بن السعيد وابن الريم العلواني ولد سنة 1950 م .بالهامل نشأ في حضن والدين يمنحانه الحنان و العطف أدخله أبوه الكتاب كعادة سكان الهامل فحفظ ما تيسر من القرآن الكريم ثم انتقل إلى المدرسة فنال الابتدائية فبعث به أبوه إلى مدرسة المعلمين ببوزريعة وتخرج منها مدرسا ينير طريق الأجيال لكن طموحه دفعه إلى أكثر من هذا فنال شهادة الباكلوريا وانتسب إلى الجامعة ليتحصل بعد أربعة سنوات على شهادة الليسانس في مادة التاريخ وكان من الاوائل الذين حملو هذه الشهادة من أبناء الهامل الطيبة.وعاد إلى التدريس مرة أخرى ولكن هذه المرة أستاذ في التعليم الثانوي. ولم يلبث أن تأهل ليصبح مديرا وحاول في هذه الفترة أن يتفرغ للبحث فيحصل على الماجستير. غير أن ممارساته السياسية لم تترك له الوقت للبحث . فقد ترشح أكثر من مرة للمجالس الشعبية الولائية والوطنية .كان عضوا في المحافظة الولائية لحزب جبهة التحرير الوطني .وعضوا بارزا ورياديا في الشبيبة الجزائرية.شارك في عدة تظاهرات جهوية ولقاءات وطنية لكتابة تاريخ الثورة وأثناء مسيرته التربوية كان مولعا بجمع تاريخ المنطقة مبتدئا بالمقاومات الشعبية إلى الثورة التحريرية المباركة .اهتم بتدوين بطولات المجاهدين والشهداء .سافر إلى فرنسا يجمع من مكتبتها الوطنية في السربون كل مايتعلق بالثورة الجزائرية وخاصة ما يهم المنطقة .ولكن القضاء كان أسرع منه فاختطفته المنية وهو في عزشبابه وذالك يوم 31 اكتوبر1994م.وهويحضرلإحياء ذكرى أول نوفمبر المجيدة كعادته.وبفقدانه فقدت بلدة الهامل احد رموزها.
كان رحمه الله يتردد باستمرار على المساجد يحيي المناسبات الدينية والوطنية.يلقي المحاضرات لتوعية الشباب يسعى مع أبناء القرية للإعمال الخيرية.رياضيا تعدت شهرته حدود المنطقة.ذكيا. متواضعا.غيورا على دينه ووطنه .
ترك مؤلفا بعنوان"الهامل منبع العلم وقلعة الجهاد" من عنوان بوسعادة في القرن التاسع عشر وعدة مخطوطات تعني بتاريخ الثورة ،رحمه الله وأسكنه فسيح جناته أمين.
الهامل قبل قدوم الإستعمار الفرنسي :
أ - التاريخ يعيد نفسه :
تقديـــــم : إن موقع الهامل لا يمكن فصله عن مدينة بوسعادة ، شمال الصحراء جنوب الجزائر التي تجمع بين خصائص الصحراء ومميزات الشمال والدراسة العمرانية للهامل مهم جدا .
بالرجوع الى المرجع القريب المرجع الفرنسي لأنه بعيد عن الخرافة والاسطورة وكما يقال كل قريب فهو مفيد وبعد :
ففي عام 1869 كان عدد سكان الهامل حوالي 1000 نسمة لهم بيوت (قرابة) حوالي 77 بقيمة 12660 فرنك أي بما يعادل المنزل الواحد بـ 120 فرنك فرنسي ..
وإذا عدنا قليلا الى الوراء قبل الاحتلال الفرنسي أن هذا العدد ينقص بكثير بحوالي 300 نسمة غير دائمة في القرية القدية الهامل . من السكان والرعاة والفلاحين لان قبل الاحتلال أصبح الهامل فارغا تماما من أهله ، غادره الأشراف بحثا عن الرزق والاستقرار والأمن نظرا للفقر والحرمان وجل الاشراف خاصة عائلة أولاد سي أحمد اتجهوا للزيبان لعدة مزايا كبيرة ، أولها أبناء عمومتهم البوازيد بالصحراء وتصاهروا معهم وكانوا يلقبونهم بأولاد سيدي عبد الرحيم ، وبقي منهم في الهامل بعض العائلات لقلة الحيلة والقدرة واليك هذه البطاقة الحية التي لا غبار عنها :
ب- نموذج لبطاقة حية تعكس خلو القرية من السكان :
-فعائلة محمد المولود حوالي 1780 بن الصيلع 1750 بن الحاج أحمد الثاني 1690 بن الحاج بن عبد الرحيم المدعو الجنة بن المؤسس الأول للقرية سيدي أحمد الشريف الحسني البوزيدي
استقرت وحدها مع فرع من عائلة الحاج أحمد بوقزولة المدعو بونيف بن بلعباس بن الحاج بن عبد الرحيم المدعو الجنة بن سيدي أحمد الأول والعائلتين ابناء عومة وبينهم مصاهرة واشتهرتا في تربية الاغنام والفلاحة واستصلاح الاراضي فحوالي 70 % من الاراضي المستصلحة أنذاك كانت ملكا لهما بدون منازع وكل القرائن والدلائل اليوم تثبت ذلك لا غبار عليها ويقاسمهم في ذلك أولاد سيدي لخضر جد عائلة شقيرين والوناس ولا ننسى عائلة أولاد لخضر بن سيدي بلقاسم هؤلاء الذين اشتروا مسجد العتيق من البدارنة قبل تشييده بثلاثين خروف (رخلة) وفي هذا المسجد يرقد أضرحتهم حتى العامة اليوم لا تعرف ذلك ونحن في القرن 21 ، هذا ضحية التعتيم وتزييف الحقيقة ...
فمحمد العايب المولود سنة 1780 بن الصيلع حيث لقبه شحمة وليس شخمة المتداول حاليا وفي عهده هذا يقال أن أسرته تعرضت لقوم من البدو الرحل فقدم سيدي أحمد بوعدي الشريف الحسني وكانت له مصاهرة مع المقرانيين بمجانة وعادة الأشراف كانوا يتسوقون كل سنة مجانة فيأخذوا نصيبهم من بيت المال تكريما لهم لنسبهم ، فاتصلوا به وأزاح عنهم كربهم و استقر صهره سي أحمد الوناس من بعده في الهامل وكان رجلا ذو هيبة ووقار
وكان سي محمد بن عبد الله فرع من فروع بيت الحاج أحمد كان رجلا طاعنا في السن له مصاهرة مع فرع من أولاد نائل ولا ننسى أن والدته جارة ابنت سيدي أحمد الوناس فهو جده من الام ، وقلنا في زمان محمد العايب هاجر معظم الأشراف وأصبح الثلاثة يعمرون القرية العتيقة نظرا لإعاقته . وتزوج فأنجب ولد يسمى بالحاج أحمد الثالث المدعو الفار هذا الأخير تزوج من عرش الحمالات أنذاك إمرأة تدعى بركاهم بنت قيرش مهداة له هذا الأخير له عقار كبير حول محيط حجاج الهامل يشاركه فيها عائلة بن يوب بن بن علية تنتمي إلى ابناء عموته الرحامنية التي استوطنت خارج الهامل بعد قدوم سيدي محمد بن بلقاسم في الدوسن والغروس وكثير من مناطق الزيبان وهذا الحاج أحمد الثالث وابن عمومته ايوب بن بن علية عاصروا سيدي محمد بن بلقاسم ولما توفى محمد العايب والد الحاج أحمد الثالث أهدى هذا الأخير جلابة أبيه محمد وسبحته الى الشيخ سيدي محمد بن أبي القاسم وكرمه أحسن تكريم ....
فبركاهم بنت قيرش الحملاوية أنجبت له ثلاثة أولاد والثانية المسماة جمعة من أسرته أنجبت له ستة أولاد من بينهم يأتي محد الثاني والمدعوا أيضا بالعايب الذي زوجته عربية ريقط من أولاد سيدي أحمد بوعدي ...
ومما يروى عن محمد العايب الأول أنه كان أمين حبوس الأشراف في زمانه وتعرض للنهب والسرقة من قبل البدو الرحل وكان مقره في ذلك بيت سيدي أحمد الأول مؤسس الهامل هذا البيت كان نواة الدشرة القديمة ثم تحول الى مدرسة سي بن عبد الرحيم بن اشويحة من قبل الامير عبد القادر والذي تزامن مع فتح مدرسة شرفة العليق المراقصة من قبل أحمد أخ القائد الشريف محمد بن شبيرة الذي ينتهي نسبه الى سيدي علي المزوز (البوازيد) أجداده استوطنوا ببوسعادة من أولاد سيدي سليمان بن ربيعة أيضا كان من قبل الأمير عبد القادر لتعمير البوادي قبل أن يزحف إليه الاستعمار وعودة الى محمد العايب الأول 1780 يروى عنه أنه رغم الفقر بقي يتقوت بما يسمى (زويتة ) وهي عشبة زيتية تجنبا لعدم هجرته ومن معه سيدي أحمد الوناس وسي محمد بن عبد الله بن الحاج أحمد لان معظم الاشراف هاجروا طلب للرزق والقوت في نواحي كثيرة .....
ومما يروى عليه أن ذئبة وصغارها كانت بجوار مسجد العتيق دلالة على خلو القرية من السكان علما أن زمنه كان الأشراف يغلقون أبواب منازلهم بالشرطان من الحلفاء إلا هو نظرا للاعاقة كان بيته يغلقه بمزلاج خشبي ...
وللتذكير فانه كان متزوجا بامرأتين كانتا سنده في استقبال وفود الزائرين من أبناء العرش المهاجرين وغيرهم من الأعراش الأخرى ، ويساعدونه في تحظير الطعام ولهذا اكتسب ابنه الحاج أحمد الثالث الملقب بالفار شهرة والأشراف من فرقة أولاد سيدي أحمد يحملونه في بيع أملاكهم المحيطة بعين التوتة والمسجد بدون إذنهم كما أننا نسجل عليه بيع المنزل الأصلي بجوار مسجد الحجاج إلى جد الإمام المغفور له سي عمر بن أحمد بن سي ساعد بوثائق .
وأما جنان عين التوتة فباعه بوثائق لعائلة جد بيت بلقاسم بن الحويشي بن المنير ...
ولا ننسى ضريح سي بن عطية بن الصالح أخوه صدقة من سلالة بن علية بن رحمون بن سيدي أحمد الأول الموجود داخل مقصورة مسجد الحجاج والعامة يجهلون ذلك ولا ننسى حمام عين التوتة وبالمقابل يقابله بستان الأحباس الذين هما ملكا لبيت أيوب بن بن علية المستوطنة الآن بالغروس بالزيبان ، حتى أن الرواية أنه أهداهما للالة زينب ليكون وقفا خيريا لا غير وسي بن عطية خاله الحاج أحمد الثالث المدعو بالفار .
جـ - مدرسة الأمير عبد القادر ودور الأشراف :
مدرسة الأمير عبد القادر التي أسسها سي بن عبد الرحيم بمشاركة الأشراف أنذاك من قبل، فكرة الأمير عبد القادر وسي بن عبد الرحيم بن اشويحة بن سي المصطفى بن الآغا سيدي عبد الرحمن الجلالي بضم الجيم كان حاكما على منطقة تيسمسيلت بجوار فرندة بتيارت إبن الشريف بوزيد بن سيدي علي (لبازيد) كما يطلق عليهم أشراف العز لا الطز . بن سيدي عبد الرحمن (معظم أولاده بالعاصمة ) بن سيدي بوزيد الشريف الحسني ولهذا يطلق على أبناء عمومة سي بن عبد الرحيم بن اشويحة بأولاد سيدي علي الوجودة بالهامل (كما يطلق عليهم أشراف العز ) وهم علي ، مصطفى ، عبد المؤمن ، برابح ، عبد الرحمن المزوز ، ولا ننسى أولاد سايب .
علما أن عائلة بيت المصطفى بالهامل (مصطفاوي ، اشويحة ، جلالي )
تعريف مختصر لرائد من رواد النهضة الفكرية والعلمية والجهادية في الهامل
أ‌- الشيخ سي بن عبد الرحيم بن اشويحة : لم يشر أحد الى هذا العلامة ابدا من بعيد ولا من قريب ونحن دائما نذكره في مجالسنا وصدق من قال : اذا عرف السبب بطل العجب .. فهو من مواليد 1812م قبل دخول الاستعمار الفرنسي للجزائر بحوالي 20 سنة تقريبا جده لأبيه سي المصطفى بن الآغا سي عبد الرحمان " الجلالي بفتح الجيم الذي حكم قاضيا على تيسمسلت بحدود فرندة بتيارت يتواجد بها أولاد سيدي أحمد بن عون الله من سلالة الأشراف وأولاد سيدي عبد الهادي فهو يرجع نسبه الى بوزيد (لبازيد) بن سيدي علي المزوز بن سيدي عبد الرحمان بن سيدي بوزيد الحسني الادريسي دفين جبل لعمور أفلو والذي ينتهي نسبه الى العترة النبوية الطاهرة .
ولد في الهامل ونشأ فيها وتربى في كنف والديه الكريمين الشريفين في أسرة اشتهرت بتجارة الخيول الأصيلة الى جانب تعليم القرآن ونشر الدين وأخوه سي اشريف بن اشويحة لحق بجيش الأمير عبد القادر في جيش المشاة الى جانب قائدهم سي محمد بن عمرة من عرش الحمالات هذا الأخير الذي وصل الى رتبة آغا المشاة في دولة الأمير عبد القادر حين مر الأمير عبد القادر الى حدود منطقة بوسعادة سنة 1835م وفيها تسارع الشرفة جميعا شبابا وشيوخا الى الالتفاف حوله والانضواء تحت لوائه وربما ركب الكثير منهم في جيشه مجاهدين كما ركب غيرهم من أعراش المنطقة وقدم الجميع الولاء والطاعة له ولحلفائه من بعده وأمر الأمير باعمار البوادي وفتح المدارس فكانت الباكورة الأولى سنة 1845م لأشراف الهامل حيث تحولت العربية انذاك الى مدرسة راقية بعض الشيء وهي مدرسة سي بن اشويحة بالهامل والتي تزامنت مع فتح مدرسة شرفة العليق المراقصة من قبل سي أحمد بن شبيرة أخ القائد الشريف محمد بن شبيرة الذي ينتهي نسبه الى سيدي علي المزوز (البازيد) اجداده استوطنوا ببوسعادة من أولاد سليمان بن ربيعة التي كانت أيضا من قبل حلفاء الأمير عبد القادر لتعمير البوادي قبل أن يزحف اليها الاستعمار .
وتزامنت أيضا بقدوم أحد المبشرين الذين استوطن بخيمة كبيرة لعابر السبيل بطريق منطقة القرارة الظهراوية لفترة قصيرة بعد استسلام الامير عبد القادر سنة 1847م وتم نفيه وسرعان ما بدأت الحملات الفرنسية والمقرانيين باتجاه بوسعادة لدورها في جيش الأمير عبد القادر ودولته .
وجاءت الحملة الفرنسية لأول مرة مدينة بوسعادة بشكل مباشر سنة 1849م أي بعد عامين من سقوط دولة الامير عبد القادر الجزائري .
للملاحظة فقط ان استراتيجية مدينة بوسعادة التاريخية وانتساب أهلها للأشراف الادارسة كانت محل صراع قديم بين حلفاء الأمير عبد القادر كما أسلفنا وقد نجح في استقطاب ابنائها واعراشهم . وبين الحاج أحمد باي قسنطينة . ولا ننسى عائلة المقراني من جهة واللوبي الاستعماري الفرنسي المتواجد انطلاقا من سور الغزلان وسطيف وبرج بوعريريج ويهود من مالطا ويهود من المغرب الاقصى لكثير من المميزات مع المسلمين بروح الصليبية الحاقدة على الاسلام والمسلمين .
وما ثورة الشريف محمد بن شبيرة إلا ردة فعل لما قلناه والتي دامت قرابة الشهرين استعمل فيها الثوار كل الوسائل بما فيها المتاريس وعبأت لها فرنسا كل الامكانيات للقضاء عليها لأن ضياع بوسعادة يعني ضياع الجنوب كامله بإعتبارها البوابة المطلة على الصحراء في أقرب المسالك إليها ، غير أن عدم التكافؤ في القوة أدى غلى فشل الثورة في أواخر شهر نوفمبر ولجأ الثوار إلى المناطق الجبلية كجبل امساعد في محاولة التجمع ثانية والعودة إلى الثورة لكن هذا لم يحدث مما أدى بالزعيم للهجرة إلى تونس التي قضى فيها بقية حياته حيث وافته المنية في حدود 1851م وترك وراءه أجيالا مخلصة تؤمن بمسيرة الجهاد ضد المستعمر البغيض وتقود الأمة إلى النصر المبين ، وكما قلنا شارك ابناء الهامل في هذه المعركة صبيحة 19 أكتوبر سنة 1849 في وضوح النهار وتعالت صيحات المجاهدين بكلمة الله أكبر لتهز المدينة الهادئة –علما أنه قد مهد لها القائد الشريف بن شبيرة باجتماع كبير عند شرفة الهامل بتزكية الشيخ سي بن عبد الرحيم بن اشويحة وكبار اعيان شرفة الهامل انذاك بالمقطع عندما استضافهم في بيته المرابط سي بن بن عطية من أولاد سيدي احمد ومن نتائجها الايجابية أصبح نجله سي عبد الرحمان من مواليد 1852 فيما بعد بشيخ القبيلة وعمدتها نائبا لشيخ شرفة الهامل سي خليف بن اشويحة 1882 أخ سي بن عبد الرحيم بن اشويحة 1812م تحت امرة الآغا سي بن حيدش (بوسعادة ) .










رد مع اقتباس