منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ماجستيرتاريخ المجتمع المغربي في العصر الوسيط
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-10-11, 21:11   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
محمد جديدي التبسي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية محمد جديدي التبسي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

المجتمع المغربي في القرنين الخامس والسادس الهجريين

تاريخ المجتمع الإسلامي في منطقة الغرب الإسلامي خلال النصف الأول من القرن
6 ﻫ يتطلب الاعتماد على المصادر التي تناولت الحياة اليومية في المنطقة. والبحث عن هذا الجانب في المصادر المتداولة عملية صعبة جدا ومن هنا يفرض العمل العودة إلى نوع مغمور من المصادر، وهي مصادر التشريع والمؤلفات القانونية التي تعرف في العالم الإسلامي بكتب النوازل (الفتاوى)، وهي أساسا عبارة عن آراء فقهاء المرحلة التاريخية التي سنعالجها في القضايا المطروحة عليهم من أجل إبداء الحكم الشرعي فيها سواء كانت أحوالا شخصية أي قضايا اجتماعية أو غيرها أو كانت معاملات تجارية أو زراعية أو غير ذلك؛ بمعنى أن مادة التاريخ الاجتماعي في العالم الإسلامي ومن ضمنه منطقة "الغرب الإسلامي" تحتضنها وتتضمنها مؤلفات الفقهاء سواء كانت"كتب أحكام" أو "كتب نوازل" التي تعالج في مجموعها العام أحكام الشريعة الإسلامية ونظام الحياة اليومية وآراء الفقهاء والنخبة العلمية في حل القضايا الاجتماعية اليومية على تنوعها واختلافها من البادية إلى المدينة.
هذه المصادر يمكن أن نختار من بينها في مرحلتنا التاريخية مصدرين:
أولاً: نوازل ابن رشد الجد([1])المتوفى سنة 520 ﻫ في عهد علي بن يوسف بن تاشفين، وكان قاضي الجماعة بقرطبة. وليس معنى هذا أننا نعتمد على نوازل أندلسية لنحلل مجتمعا إفريقيا بل يتضمن قضايا المجتمع كله في منطقة الغرب الإسلامي من عواصم الأندلس الكبرى ومن عواصم إفريقيا الغربية آنذاك (أي لم تصله النوازل من السنغال أو من مناجم الذهب...ولكن وصلته أسئلة من التجار المغاربة بالأندلس والمغرب والصحراء الإفريقية) بمعنى نجد أسئلة وأجوبة تهم الحياة التجارية والعلاقات بين الحوض الغربي للأبيض المتوسط ومناطق ما وراء الصحراء، مع العلم أن هناك تفاصيل خاصة بسكان المدن أكثر من غيرهم.
ثانياً: نوازل القاضي عياض السبتي اليحصبي المتوفى سنة 554 ﻫ والتي وصلتنا برواية ولده عبد الله([2]).
أما قراءة التاريخ الاجتماعي للغرب الإسلامي في النصف الأول من القرن 6 ﻫ لا تعتمد فقط على هذين المصدرين لإصدار الأحكام وإنما لإعطاء بعض الأضواء على الواقع. إذا كيف كان هذا الواقع خلال المرحلة المحددة بالاعتماد أيضا على المصادر الأخرى أندلسية ومغربية؟.


مجتمع المغرب الكبير في القرنين 5 و6
إن تاريخ المجتمع المغربي بمعناه العام من القضايا التاريخية التي مازالت في بدايتها، والمصادر المتوفرة على قلتها لا تهتم بصورة مباشرة بتاريخ المجتمع بقدر ما تهتم بقضايا السلطة العليا وما ارتبط بها من صنوف العلاقات البشرية، وإذا أشارت عرضا لظاهرة اجتماعية فإن ذلك يرجع لأمر يهتم ويرتبط بقضايا السلطة مثل الاهتمام بالضرائب وصراعات القبائل في البادية وموقف الدولة منها، وكل ذلك لا يبرر إغفال دراسة "المجتمع المغربي" في الغرب الإسلامي لأن التفسير الحقيقي للتاريخ المغربي الوسيط يجب أن ينطلق من البناء الداخلي ومعرفة الميكانيزمات الداخلية لدراسة أوضاع المجتمع ومعرفة المتغيرات بين السلطة والمحكومين في داخل البلاد.
وفي القرن 6 ﻫ وعلى وجه الخصوص من حوالي 479 ﻫ إلى حوالي 591 ﻫ/ 1195 م، ونعني بذلك المرحلة الممتدة من معركة الزلاقة إلى معركة الأرك، يمكن أن نلمس أو على الأصح نتلمس ملامح عامة بـأوضاع مجتمعنا المغربي الوسيط وعلى تعدد تلك الملامح سنميز من بينها ما له فعالية في تشكيل هذه المرحلة التاريخية بمعنى ما له ارتباط بالفعل السياسي والمجتمعي الذي طبع المرحلة، وبذلك ننتقل إلى طرح السؤال الآتي:

كيف كانت البنية الداخلية للمجتمع المغربي الكبير في العصر الوسيط؟
في إطار الجواب يجب أن نميز بين مسألتين: مسألة الحياة اليومية (VieQuotidienne) سواء في البوادي أو في الحواضر، ومسألة ارتباط المجموعات البشرية بالعمل السياسي خلال هذه المرحلة. فبالنسبة للمسألة الأولى أي التنظيم الشعبي للعلاقات المجتمعية اليومية لا نجد في المصادر إجابة شافية ومستفيضة ولكن عندما نعود إلى ما أخفته لنا المرحلة من مادة فقهية وعرفية وإلى ما خلفته لنا الحوليات يمكن أن نقرر الظواهر الكبرى الآتية:

1 - نظام مجتمع المدن.
2 - نظام مجتمع البوادي.

وكل من النظامين يخضعان لمسألة هامة جدا وهي توجيه الفقهاء وعلماء الشريعة لهذين التنظيمين حسب ما يسمونه بالمناطق التي تنالها أحكام السلطان والمناطق التي لا تنالها أحكام السلطان([10])، ويعني هذا التمييز بين المناطق التي تطبق فيها القواعد الشرعية الإسلامية والمناطق التي يضعف فيها هذا التطبيق (بمعنى سيادة التطبيق العرفي)، سواء كان مقبولا في داخل الشريعة أو خارجا عنها.
وباستنطاق النصوص يمكن أن نميز في هذا الموضوع كله أنواعا من الأعراف تختلف باختلاف الجماعات البشرية التي أفرزتها الحياة اليومية في المنطقة المتنوعة تضاريسيا ومناخيا وإقليميا من الجبال إلى السهول ومن مناطق الغابات إلى أقاليم الصحراء والمراعي الإستبسية، وبذلك نعود إلى العناصر المكونة للمجتمع ثم إلى التنظيمات المختلفة باختلاف هذه العناصر. فما هي إذن هذه العناصر البشرية في المغرب كله ؟
ففي القرن 6 ﻫ نميز في التركيب الديموغرافي للمغرب الكبير تنوعا وتفاوتا في القوة البشرية المتعايشة في المنطقة من بدو وحضر، فقد ظهرت نسبة البدو أقوى من نسبة سكان المدن يحبث تميل كفة أهل البادية على كفة أهل الحضر. والدليل التاريخي على هذا الافتراض هو أن جيش الدولة والحملات العسكرية التي تقوم بها كانت تتكون من الهيئات القبلية وبالتالي من البدو، أما أهل الحواضر فكانوا لا يمثلون إلا أطرا أو شبه أطر لهذه الحملات العسكرية، وهكذا نرى أن هذه الديموغرافية أي سكان بلاد المغرب الكبير في هذا الإقليم الممتد من المحيط غربا إلى برقة شرقا ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى بداية رمال الصحراء الإفريقية الكبرى نجدهم في هذا المجال متعايشين ومتآلفين ومتنافسين ومُتألِّبين. فهم يتكونون من العناصر الكبرى الآتية:

1 -البربر أو الأمازيغ([11])
وهم الأغلبية المطلقة في هذه المرحلة التاريخية ويمكن أن نصنفهم مرحليا حسب تقديم النصوص المعاصرة للمرحلة المدروسة إلى ثلاثة أحلاف وتجمعات كبرى: هي صنهاجة، مصمودة، زناتة وكل صنف من هذه العناصر الثلاثة يُكَوِّنُ عصبيات قبلية من شأنها أن تتميز في التنظيم الداخلي وفي الارتباط الدموي وفي الطموح السياسي؛ لكن يجب أن ننتبه إلى قضية استحكمت في تحركاتهم نحو أي هدف وهي قضية البيئة الطبيعية والعلاقات النمطية التي كانت توجههم نحو تحقيق ما يمكن أن نسميه "دولة الأسر البربرية" في مغرب العصور الإسلامية الوسطى؛ ولكن بالمعنى الأول لمفهوم الدولة أي بمعنى سلطة القبيلة الممثلة في إرادة زعمائها ومشايخها ويعني المعنى الأولي نظام الحكم الشفوي في المجتمع البربري (العرف السياسي)، بمعنى تعارف الجماعة على نظام مجتمعي شامل، وعند تعارض الأعراف وتعارض المصالح يحدث التضارب والخلاف القبلي، وهذا ما يفسر تنازع القوات الثلاث الكبرى ولا يعني ذلك استقلال كل فئة من هذه المجموعات الثلاث بأرض معينة دون غيرها، بمعنى أن بلاد البربر مجال حيوي لكل هذه القوات الثلاث، فليست هناك ملكية خاصة بكل جماعة من مجموعة الأحلاف الثلاثة المذكورة، وهذا ما يبرر حرية الحركة للقبائل في هجرتها الداخلية وفي استيطانها المحلي.
وقد لعبت عدة عوامل في تحقيق هذه الحرية، عامل الظروف الطبيعية والمناخية ونمط أسلوب الحياة من نمط رعوي إلى نمط زراعي مستقر أو شبه مستقر بالإضافة إلى عامل حركة القوافل التجارية الرابطة بين أقاليم ومدن بلاد البربر أو بين غرب إفريقيا جنوب الصحراء أو المشرق مهد الإسلام([12]). ويعني هذا أن هذه الجماعات بحكم انزواء بعضها في مناطق معينة حدث فيها التشكل التنظيمي الثلاثي؛ فأهل الجبال تميزوا في النصف الأول من القرن 6 ﻫ بطابعهم التقشفي الانعزالي ولكنه في جميع الحالات يطمح إلى البروز وتحقيق نفوذ سياسي، وهذا ما حققه مصامدة الجبال في المرحلة الموحدية.
أما بربر المناطق شبه الجبلية أو المناطق السهلية أو على الأصح مناطق (الإستيب) الرعوية فقد عمرها العنصر الزناتي الذي تحرك خلال العهد الوسيط من أجل المشروع السياسي الذي حققه بطريقة جزئية قبل القرن 5([13])، وحققه بطريقة كلية في القرن 7 و8 ﻫ (ميلاد الدولة المرينية). أما العنصر الصنهاجي الذي كان مجاله الحيوي في المناطق شبه الصحراوية والصحراوية فهو الذي مثله المرابطون([14]).
وفي إطار التنظيمات الداخلية لهذه العناصر يمكن أن نقرر شيئا واحدا وهو الاحتفاظ باللهجات اللغوية التي تنوعت بتنوع الانعزال البيئي وليس بحكم الاستقلال اللغوي بين هذه الفصائل الثلاث فكل منها يتحدث لغة ذات أصل واحد وإن حاول المختصون في اللهجات البربرية تصنيفها إلى ثلاث: أمازيغية، شلحاوية، وبربرية. وقد تميزت العناصر البربرية في لحمتها العصبية في إطار تكتلات وأحلاف كبرى على المستوى القبلي التضامني بما هو معروف بهذه المرحلة التاريخية: مصمودة، صنهاجة، زناتة. وهذه التقسيمات شملت كل برابرة المغرب الكبير من إفريقية شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، وتميزت هذه المجموعات بتحركاتها السياسية الطموحة إلى تكوين الدولة بمعناها السلطوي الوسطوي الذي كان سائدا في النظام القبلي المغربي العام.
والذي يكون مفهوم الدولة-القبيلة، أو دولة القبيلة، يعني معنى عشائريا أكثر مما يعني مضمونا سياسيا منظما كما شرحه الماوردي في كتابه "الأحكام السلطانية"، ولكن التطور الذي حصل في الدولة المغربية والمجتمع المغربي ابتداء من العصر المرابطي إلى ما بعده أي إلى نهاية بني مرين كانت له أصول مؤثرة من عناصر أخرى أضيفت إلى سكان بلاد المغرب منذ القرن 5 ﻫ. وهذه العناصر هي التي ستكون العنصر السكاني الثاني الهام في البنية البشرية السكانية لبلاد المغرب الكبير.


2 -العرب
نقصد بهم الجموع البشرية التي انتقلت من المشرق إلى المغرب في العهد الوسطوي، ويمكن أن نميز في عملية الانتقال العربي إلى بلاد المغرب عنصرين متميزين:

أ -العرب المُؤطرون للحكم والنفوذ الإسلامي في بلاد المغرب الكبير.
ب- العرب البدو (الأعراب حسب ابن خلدون).

ملاحظة: للذهاب إلى المصدر اضغط على اي رقم من الارقام المبينة باللون الأزرق