ولقد عقد الود بين قلبى وقلبها عقدا لا يحله إلا ريب المنون ، فكنت لا أرى لذة العيش إلا بجوارها ، ولا أرى نور السعادة إلا فى فجر ابتساماتها ، ولا أوثر على ساعة أقضيها بجانبها جميع لذات العيش ومسرات الحياة ، وما كنت أشاء أن أرى خصلة من خصال الخير فى فتاة من أدب أو ذكاء أو حلم أو رحمة أو عفة أو شرف أو وفاء إلا وجدتها فيها .
قد كان كل ما أسعد به فى هذه الحياة أن أعيش بجانب ذلك الانسان الذى أحببته وأحببت نفسى من أجله وقيد حيل بينى وبينه فلا أسف على شئ بعده .
إنك فارقتنى ولم تودعنى فاغتفرت لك ذلك ، أما اليوم وقد أصبحت على باب القبر فلا أغفر لك ألا تأتى إلى لتودعنى الوداع الأخير .
اللهم إنك تعلم أنى غريب فى هذه الدنيا لا سند لي فيها ولا عضد وأنى فقير لا أملك من متاع الحياة ما أعود به على نفسى وأنى عاجز مستضعف لا أعرف السبيل إلى باب من أبواب الرزق بوجه ولا حيلة ، وأن الضربة التى أصابت قلبى قد سحقته سحقا فلم يبق فيه حتى الدماء وإنى أستحييك أن أمد يدى إلى هذه النفس التى أودعتها بيدك بين جنبى فانتزعها من مكانها وألقى بها فى وجهك ساخطا ناقما ، فتول أنت أمرها بيدك واسترد وديعتك إليك ، وانقلها إلى دار كرامتك ، فنعم الدار دارك ، ونعم الجوار جوارك .
لقد هون وجدى على هذا البائس المسكين انى استطعت امضاء وصيته كما أراد فسعيت فى دفنه مع أبنة عمه ودفنت معه تلك الرسالة التى دعته فيها أن يوافيها فعجز عن أن يلبى نداءها حيا فلباها ميتا .
وهكذا اجتمع تحت سقف واحد ذائك الصديقان الوفيان اللذان ضاق بهما فى حياتهما فضاء القصر ، فوسعتهما بعد موتهما حفرة القب