منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - محاضرات في مقياس حقوق الانسان
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-08-03, 17:25   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
E.SAKR
عضو جديد
 
الصورة الرمزية E.SAKR
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

2- تصنيف حقوق الإنسان: إن إعطاء تصنيف معين لحقوق الإنسان، يبدوا أمرا عسيرا، كونه يتعلق بوضع حدود فاصلة بين مختلف هذه الحقوق والحريات، رغم كون هذه الحقوق والحريات مترابطة وتحقيق بعضها يعتمد على تحقيق الآخر، وهو ما جعل الكتاب يعتبرون مسألة التصنيف مجرد عملية تقديرية تفرضهـا مقتضيات الدراسة .
فهي جائزة ومقبولة لأغراض علمية ودراسية لأن حقوق الإنسان كل لا يتجزأ فهي متداخلة ومترابطة ببعضها إلى درجة التكامل التام.
ووضعت التصنيفات لحقوق الإنسان بهذه التسمية، من طرف الذين قالوا بأنها ترجع إلى فكرة القانون الطبيعي، ومن ثم فهي تقع فوق أطر القانون الوضعي، وكذلك الذين قالوا باستعمال هذه التسمية دلالة على اهتمام المجتمع الدولي بها، ومن ثم يكون نطاقها القانون الدولي، وهو ما وضحناه عند التمييز بين حقوق الإنسان والحريات العامة، وقد وضعت تصنيفات من قبلهم وهي مختلفة كونها تقوم على معايير مختلفة منها:
أ- معيار العدد: وقد صنفت وفق هذا المعيار إلى:
- حقوق فردية: وهي التي تتعلق بالفرد، بغض النظر عن كونه منتمي لمجموعة اجتماعية.
- حقوق جماعية: وهي التي تفترض لممارستها مجموعة من الأشخاص أو عدداً منهم ويندرج فيها ما يعرف بحقوق التضامن .
ب- المعيار المعتمد على فئات: وتصنف إلى ثلاث فئات:
- الحقوق المدنية والسياسية: وهي تلك التي تفترض، بصفة عامة، امتناعا من جانب الدولة حتى يمكن احترامها، وبالتالي فهي ترتب التزامات سلبية على عاتق الدولة بأن تمتنع عن التدخل في حقوق وحريات الأفراد، ويدخل في هذه الفئة، الحق في الحياة، و حماية المراسلات واحترام الحياة الخاصة وحرية الرأي والتعبير والاجتماع.
- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: وهي على خلاف الفئة الأولى، تتحمل الدولة اتجاهها التزامات إيجابية بما يمكن للأفراد الحصول عليها، وبالتالي فهي تتطلب من الدولة تدخلاً حتى يمكن كفالة التمتع بها، كالحق في العمل والتأمين الاجتماعي والحق في التعليم والحق في الصحة.
- الحقوق الحديثة للإنسان ( حقوق التضامن ): وهي لا تطرح في المجال الوطني، وقد اقتضتها ضرورات الحياة المعاصرة بمشكلاتها المتنوعة نتيجة التقدم العلمي الهائل في كافة المجالات، ويدخل في نطاق هذه الفئة الحق في بيئة نقية ونظيفة والحق في السلام والحق في التنمية...الخ .
ج- المعيار المعتمد على الموضوع: وصنّفت إلى:
- حقوق شخصية: كالحق في الحياة، والشرف والجسم .
- حقوق مدنية: كحقوق الأسرة .
- حقوق اقتصادية: كالحق في العمل، والملكية .
- حقوق اجتماعية: كالحق في العلاج ، والتأمين .
- حقوق سياسية: كالحق في المشاركة السياسية .
- حقوق ثقافية: كالحق في التعليم، والإبداع والابتكار .
ومهما كانت التصنيفات المختلفة، سواء من قبل كتاب كل رأي أو بين الرأيين، فإن كل تصنيف يمكن أن يكون صحيحاً، إذا ما احترم وراعى المعايير التي يقوم عليها.
ثالثا- تطور حقوق الإنسان: تعد حقوق الإنسان من حيث كونها قيم أو مبادئ أو قانون، قد نشأت وسادت في إطار المجتمع والدولة، لذلك فهي تعبر عن خصوصية تلك الدولة في علاقاتها بأفرادها، ولما كانت متعلقة بالعنصر الإنساني، فهم من جنس آدمي واحد في كل المجتمعات والدول، وبالتالي ينبغي أن يتمتعوا بكل الحقوق والحريات على السواء في كل أنحاء العالم، لذلك باتت حقوق الإنسان مسألة عالمية، يرجع الفضل في دعمها وتجسيدها إلى التنسيق والتنظيم في مجالات علاقات المجتمع الدولي وجهوده من خلال القانون الدولي، وذلك بوضع قواعد دولية تخص هذا الموضوع .
1- حقوق الإنسان في العصور القديمة والوسطى: فيما يخص العصور القديمة فهي الحقبة السابقة عن نهاية القرن الخامس الميلادي، وبالتالي فهي تشمل المجتمعات البدائية السابقة عن الحضارات وعن ظهور الدولة، وعن وضع القواعد القانونية، ويذكر الباحثون على أن هذه المجتمعات لم تعرف الاسترقاق والاستعباد، فقد كانت حقوق الإنسان مكفولة وخصوصاً الشخصية .
أما المجتمعات التي عاشت في الحقبة اللاحقة لظهور الدولة، فقد ساد فيها تقسيم المجتمع إلى طبقات، وكان الفرد يستمد حقوقه وحرياته من الطبقة التي ينتمي إليها، كما عرفت تمييزاً بين الرجل والمرأة حيث تحرق الأرامل في الهند وتشوه أقدام النساء في الصين، ورغم هذا فلم تكن الحقوق والحريات غائبة تماماً، خصوصاً بظهور القوانين المكتوبة عن طريق تدوين الأعراف والعادات، وصياغتها في أحكام ملزمة .
وقد عرفت الشعوب الشرقية عدّة قوانين بدءاً بقانون بلالاما ملك أشنونا حوالي (1930 قبل الميلاد)، وهو أقدم وثيقة تشريعية مكتوبة، وكذلك قانون حمو رابي الملك البابلي (1686-1728 قبل الميلاد)، وفي الهند وجد قانون مانو حوالي ( 718 قبل الميلاد).
وعرفت الشعوب الغربية كذلك عدة قوانين، ففي اليونان ظهر قانون درا كون (621 قبل الميلاد)، وكذلك قانون صولون (594 قبل الميلاد)، وفي الرومان قانون الألواح الإ ثني عشر (641 قبل الميلاد) .
وهذه القوانين ورغم كونها قد وضعت للحد من الطغيان، وتضمنت بعض الحقوق والحريات الأولية للإنسان فإنها تضمنت انتهاكات أيضاً لتكريسها للتمييز وعدم المساواة .
كما أن للفلاسفة اليونان دور حين تحدثوا عن الديمقراطية والحرية والتي نجد لها دور في الأصول التاريخية لحقوق الإنسان، والتي يذكر البعض أنها ترجع إلى أثينا، كما أن روما عرفت أول جمهورية ديمقراطية في التاريخ، تجعل من الشعب صاحب السيادة ومصدر كل السلطات .
كما يشير البعض إلى أن هذه الحقبة عرفت وجود إعلانات واتفاقيات دولية في مجال حقوق الإنسان، ويذكرون أن الإمـبراطور الفارسي كورشي العظيم قد أسس أول إعـلان دولي لحقوق الإنسان، كما أن الإتفاقيات المبرمة بين مصر الموحدة على يد ميتا حوالي ( 3200 قبل الميلاد ) والدولة السومرية في جنوب الفرات حوالي (4000 قبل الميلاد )، متضمنة لأحكام تدخل في مجال حقوق الإنسان .
وفيما يخص الديانات السماوية، نجد أن الديانة اليهودية المعتمدة أساساً على التوراة، وما أضافه عليها أحبار اليهود، وما جمعوه من أسفار وتم تداولها في ما يسمى بالتلمود، والذي كان بأصله بضع مجلدات، وصار منذ ثمانية قرون فقط 12 مجلداً، وهو اليوم بالإنجليزية 36 مجلداً، ومن التلمود هذا استمد اليهود روح سفك الدماء بأساليب بربرية فاشية، ونادوا باحتقار الشعوب باعتبارهم شعب الله المختار .
وأما الديانة المسيحية فبمجيئها دعت إلى الحرية والمساواة ودافعت عن الفقراء والمستضعفين ضد الأغنياء، فقد قال المسيح ما أسعدكم أيها الفقراء فلكم مملكة الله ) وقال أيضاً: ( ما أشقاكم أيها الأغنياء فإنكم قد نلتم عزاؤكم) .
إلا أن المسيحية لم تتحرر من قيود العصر، فتركت الرق والسيطرة للأغنياء على الفقراء، وألغت حرية العقيدة، وبالتالي فالمسيحية كدين اختلفت عن تاريخ تطبيقها.
وقد حملت المسيحية إلى الفكر الأوربي والحضارة الأوربية وإلى حقوق الإنسان عموماً عنصرين أساسيين، هما كرامة الشخصية الإنسانية، وفكرة تحديد السلطة، وهو ما أدى إلى عدم قبول فكرة السلطة المطلقة، فالعنصر الأول المتعلق بالكرامة الإنسانية أساسه أن الشخصية الإنسانية تستحق الاحترام والتقدير، كون الإنسـان من مـخلوقات الله، فـهو مخلوق ممتاز لكونه على صورة الله، فهو يعيش حياة عابرة عن هذه الأرض، ومقدراً أن يعيش حياة أبدية بعد الممات.
وتعتمد هذه التعاليم على أن عيسى المسيح عليه السلام، يمثل صلة الوصل بين الإله والمخلوقات، ولهذا فالشخصية الإنسانية تستحق الكثير مـن العناية، وهي فكرة جاءت مـن الفلسـفة اليونانية، وعملـت الكنيسة على إظهارها حتى في العصور الوسطى فيما بعد، ونادت أيضا بمساواة الجميع أمام الله، ولهذا كان إقبال العبيد عليها واسعاً، ولكن تطبيقها كان محدوداً، وبقي الوضع كما هو .
أما تحديد السلطة فترى تعاليم المسيحية، أن أي سلطة فوق الأرض لا تكون مطلقة، والسلطة المطلقة لا يمارسها إلا الله، فكل سلطة إنسانية هي سلطة محدودة، فلا يمكن لسلطة أي حكم أن تكون مطلقة، ومن حق الناس الثورة عليه إذا لم يطبق التعاليم السماوية، ولكن الواقع والحقيقة مختلفة تماماً، ففصلت الدين عن الدولة مؤكدة على تعاليم المسيح ما لقيصر لقيصر وما لله لله )، ولكن القيـصر شوّهـها وحاربها، ولهذه الأفكار دور في ظهور مدرسة القانون الطبيعي فيما بعد .
وفي العصور الوسطى والتي قلنا عرفت استمرارا للوجود الكنسي فعرفت انتشار الإقطاع وتحول الفلاحين إلى أقنان مسلوبي الحرية والحقوق، وسرعان ما تحوّل معظمهم إلى رقيق .
ويرى البعض أن هذه العصور تعد بعثاً حقيقياً لعصر البربرية – وتمتد العصور الوسطى بين القرن 5 ميلادي و 16 ميلادي – خصوصاً مع تسليمها بنظام التبعية، الأمر الذي جعل هذه العصور تمثل في عملية التحرر تقهقراً إلى الوراء .
كما عرفت هذه العصور الدور الكبير للكنيسة واعتماد رجالها على النصوص المقدسة لتبرير أفعالهم، فأحد مطارنة رانس يقول : ( أيها التبع الزموا – كما قال الرسول – الخضوع في كل حين لأسيادكم ولاتنتحلوا الأعذار من قسوتهم أو بخلهم، والزموا الخضوع )، وأحد رهبان ديرسان لو يقول: (إن الله نفسه قد أراد أن يكون بين البشر سادة وتبع حتى يلزم الأسياد تبجيل الإله وحبهم له ويلزم التبع تمجيد أسيادهم وحبهم لهم وذلك وفقاً لما قاله الرسول عندما صاح : أيها التبع أطيعوا أسيادكم الزمنيين في خوف ورعدة) .
كما أن للكنيسة دور في إنشاء محاكم التفتيش وللباباوات المتحكمين في مصير أوربا، كذلك دور في الحروب الصليبية على الشرق الأوسط والاستيلاء على أراضيها، وهو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
إلا أن هذه العصور قد عرفت أيضا بوادر الإعتراف بحقوق الإنسان، فقد منحت صكوك الأمان للتّجار الأجانب نتيجة ازدهار تجارتهم مع المدن الإيطالية .
ولكن ورغم الانحطاط الذي عرفته حقوق الإنسان في هذه العصور، فإنها قد مهّدت لبروز ثورات للمطالبة بالحقوق والحريات .
2- حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية: ورغم ظهورها في العصور الوسطى وفق المنظور الكرونولوجي، إلا أن أغلب الكتّاب والباحثين يفردون لها إطاراً خاصاً للدراسة، كونها شريعة شاملة وعالمية لكافة الناس صالحة لكل زمان ومكان، وبالتالي فهي ليست مرتبطة بزمن معين، وأيضاً بخصوصية أحكامها وقواعدها.
وقد جاءت لتحرير البشر من العبودية، وحصر العبادة والخضوع لله وحده لقوله تعالى: ﴿ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم آلا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ﴾ .
فالمؤمن يفرد الله وحده بالكبرياء والألوهية، ويخلص له العبادة وخشيته وحده سبحانه، ليس كمثله شيء، والناس من دونه أنداد وأشباه كلهم عباده وهو خالقهم، وبهذا تتحقق الحقوق الحريات الأساسية للإنسان، والمساواة على أساس العقيدة، فتتحقق الحقوق والحريات والمساواة حين ارتباطها بالعقيدة، لأن العمل لأجلها يصبح تلبية لأمر الله الذي حرّم الطغيان من الإنسان على الإنسان ومن البشر على البشر، وفي هذا يقول المودودي: (إذا نظرت إلى المجتمع الإنساني استيقنت إلى أن المنبع الحقيقي للشر والفساد، هو ألوهية الناس إما مباشرة وإما بواسطة...) .
وإسناد تقرير الحقوق والحريات لله عزّ وجل، وربانيته وألوهيته، اعتراف على أنها من عنده وليست منحة من أي بشر، وهي ثابتة ودائمة في كل زمان ومكان .
كما أن إحقاق الحق ومقاومة الظلم التزام يفرضه الإسلام على الفرد والجماعة والدولة لأن حق الفرد في الشرع مقترن بحق الجماعة وسائر الحقوق، وهو واجب على غيره وعلى الجماعة وعلى الدولة، وهذا تأكيد بأن لا مجال للفردية والأنانية لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )، وهذا الالتزام هو التزام ديني عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقوله تعالى:} كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكـر وتؤمنـون بالله { .
ولكن ورغم سمو النص الشرعي، فإن سياق المسار التاريخي سار بغير الوجهة المحددة نظرياً، فشهد التاريخ الإسلامي انتكاسات متعددة وعلى عدّة مستويات .
3- حقوق الإنسان في العصر الحديث والمعاصر: ونستطيع أن نبدأ من مدرسة القانون الطبيعي التي ظهرت في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، والتي ترى بأن وجود الإنسان سابق عن وجود المجتمع والدولة، الذي كان يعيش على الحالة الطبيعية، وبالتالي فحقوقه وحرياته يستمدها من طبيعة شخصيته الإنسانية، لا مما تصدره الدولة من قوانين. فالحقوق والحريات سبقت في قيامها المجتمع والدولة، وهي مستقلة كذلك عن التعاليم الدينية، فهي حقوق طبيعية مستمدة أساساً من القانون الطبيعي.
وانطلاقا من الحالة الطبيعية يقوم العقد الاجتماعي، والذي ثار اختلاف في تفسيره فهو بز فسّره على أنه عقد بين جميع الأفراد باستثناء رئيس الجماعة، وهو ليس طرفاً في العقد وبهذا العقد تنازلوا عن حقوقهم الطبيعية التي كانت لهم في الحياة الطبيعية التي يسودها قانون الأقوى (شريعة الغاب)، لذلك قرّروا الانتقال من الحياة الطبيعية إلى حياة جديدة مستقرة، ويظهر من هنا أن هو بز لا يعترف بالقانون الطبيعي ويعترف بالقانون الوضعي الذي تضعه السلطة وتقرر له الجزاء.
وأما تفسير لوك فينطلق أن الحياة الطبيعية كانت تخضع إلى القانون الطبيعي، وكان جميع الأفراد أحرار متساوين، لا تسود بينهم العداوة، ورغبة في تنظيم حالتهم التي يسودها غموض القانون الطبيعي ومرونته المطلقة وكذلك اشتباك المصالح، وعدم وجود من يقيم العدل، وبالتالي قرروا تأسيس المجتمع الذي لا يتخلى فيه الإنسان إلا عن الحقوق اللازمة، ويكون هذا التخلي لفائدة المجتمع، وكل ما تبقى يكون الحقوق الأساسية.
وأبرز فقهاء مدرسة القانون الطبيعي جروسيوس، وكذلك بوفندوف في كتابه المخصص للقانون الطبيعي، والذي يرى بأن الحق يمثل الحرية بذاتها، مع تسليمه بأن لابد لهذه الحرية من التقييد بالقوانين الوضعية. كما أن لأفكار روسو مونتسكيو التي ظهرت في القرن الثامن عشر دوراً مهماً في تطوير حقوق الإنسان .
فمونتسكيو حين نادى بمبدأ الفصل بين السلطات وفرق بينها باعتبارها أفضل ضمانة للحقوق والحريات، وذلك من خلال كتابه روح القوانين 1748 .
وبالنسبة إلى روسو في كتابه العقد الاجتماعي، والذي أسس نظريته على نظرية القانون الطبيعي، فهو ينطلق من الحياة الطبيعية ووجوب قيام مجتمع منظم ويرفض تفسير هو بز، ويرى عدم كفاية نتائج لوك، ويرى بأن العقد الاجتماعي، يعني ضرورة قيام مجتمع يكون فيه الإنـسان حـراً، يضمن فيه جميع حقوقه وحرياته الأساسية، وحسبه فإن الأفراد يتخـلون عـن جميـع حقوقهم لصالح المجتمع الذي أسسوه، وهذا التخلي يقابله استعادتهم لحقوق جديدة تتفق والمجتمع الجديد الذي أسسوه .
هذه الحقوق تقرّها السلطة وتعمل على عدم المساس بها، كونها ما و جدت إلا لحمايتها، وبهذا يتمتع كل الأفراد بحقوق وحريات متساوية، ويبقى الشعب صاحب السيادة، كون القانون تعبيراً عن إرادتهم الجماعية .
فكل هذه الأفكار والنظريات لها دور في صياغة الإعلانات والدساتير والوثائق المتضمنة لحقوق الإنسان، وذلك نتيجة تأثر واضعيها بهذه الأفكار والنظريات، وتعود البداية إلى بريطانيا وخبرتها في ميدان حقوق الإنسان، والبداية مع العهد الأعظم سنة 1215م ثم 1379م، حين وافق البرلمان البريطاني على قانون هابياس كوربوس المتضمن حقوق وحريات أساسية للإنسان .
وسنة 1628 طالب البرلمان الإنجليزي ملتمس الحقوق من الملك، نظير الموافقة على المال الذي طلبه للحرب على إسبانيا، وسنة 1689 صدر قانون الحقوق، وتحولت الملكية إلى مقيدة .
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد صدر إعلانها الشهير في 4 جويلية 1776م، بولاية فيلادلفيا والذي أكّد احترامه للبشرية، وبأن الحكومات تقام لضمان الحقوق والحريات وتنبثق من رضا المحكومين .
وهو ما سلكه الدستوريون الفرنسيون حين طالبوا بنظام يرتكز على حقوق الإنسان والمواطن، وجسد في إعلانهم سنة 1789م، الذي نقلوه في ديباجة دستور 1791، حيث نصّت المادة 16 منه تقول: ( أن المجتمعات التي لا تتوافر على ضمانات الحقوق، ولا تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات، هي مجتمعات خالية من الدستور) .
وبالتالي فهذه الدساتير تحوي صفات إجمالية تتعدى الحدود السياسية، كونها ذات طبيعة عالمية.
وتدعم هذا الرصيد بإعلانات ودساتير تختلف نظرتها للحقوق والحريات، وذلك بعد ثورة أكتوبر في روسيا 1917، وصدور الإعلان السوفياتي لحقوق الشعب العامل المستقل، والدستور السوفياتي سنة 1918، حيث تدعّم انتصار حقوق الإنسان بالوجهة الاجتماعية.
وتدعم كذلـك مع الميثاق الإفريقي سنة 1949، ونصّه على الحقوق الجماعية بمعنى الحقوق الجديدة أو حقوق التضامن، والتي ضمنت حتى في ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يعكس استكمال النص على حقوق الإنسان في الدساتير المختلفة للدول، والانتقال بهذا التقنين إلى المستوى الدولي، وهو ما يعد استكمالا لهذا التقدم بالتفاعل والتواصل .
وتطور الحركة التقنينية على المستوى الدولي، سبقت ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي، وتعود إلى أواخر القرن الثامـن عشـر بإبـرام العـديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الوجود القانوني للفرد، وكذلك عند نهاية الحرب العالمية الأولى وصدور عهد العصبة، وجاءت النصوص المتعلقة بحقوق الإنسان فيه عامة، بسبب عدم اتفاق جماعة الدول آنذاك على فكرة حماية حقوق الإنسان، كما أن من صاغوا العهد لم يفكروا بذلك بجدية .
غير أنه وبانتهاء الحرب العالمية الثانية، والانتهاكات التي تركتها، وصدور ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما دفع الجماعة الدولية إلى وضع العديد من الإتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان، وذلك من خلال المنظمات الدولية .
وقد لعبت الأمم المتحدة دوراً بارزاً وحيوياً بخلاف العصبة التي كانت قاصرة، في صدور العديد من الوثائق الدولية المتضمنة لحقوق الإنسان، بتباينها وأشكالها المختلفة، بل إن دورها لم يتوقف عند هذه المجموعة الهائلة من الوثائق، بل وضعت نظاماً للرقابة على الالتزام الدولي بتلك الحقوق والحريات، عن طريق آليات أوجدت لهذا الغرض .
وأنتقل الأمر إلى المستوى الإقليمي، والذي أفرز وثائق إقليمية خاصة بحقوق الإنسان، لينتقل الأمر مرة أخرى من مجرّد إعلانات ووثائق متضمنة لنصوص، وموجدة لأجهزة قصد الحماية، إلى العمل على مستوى المؤتمرات الدولية، بدءاً بالمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا الذي دعت إليه الأمم المتحدة في الفترة الممتدة بين 14 و25 يونيو 1993، ومؤتمر الأرض في ريودي جانيرو بالبرازيل سنة 1992، وكذلك مؤتمر القمة العالمية للتنمية الاجتماعية في كوبنهاجن بالسويد في الفترة الممتدة بين 06 و12 مارس 1995، وكذلك المؤتمر العالمي للمرأة ببكين في مارس 1995، والذي شكّل أكبر تجمع نسائي في التاريخ.
وتعد هذه المؤتمرات عينة عن الإهتمام العالمي، وعلى أعلى المستويات الشعبية والرسمية بحقوق الإنسان .
كل هذا التطور جعل الباحثين يقولون بأن القانون الدولي قد تطور في هذه المسألة، وقد اتجه نحو إقرار عالميتها، وصارت محط اهتمام دولي، والسند في ذلك المادتين 55 و 56 من ميثاق الأمم المتحدة اللتين، أقرتا التزام الدول بالتعاون مع الأمم المتحدة، لأجل إقرار حقوق الإنسان وضمان احترامها، إضافة إلى صياغتها في نصوص محـددة، كل هذا أدى إلى الإقـرار بوجود قواعد دولية آمرة في مجال حقوق الإنسان .
وهذا يعني أن حقوق الإنسان لم تعد خيار داخلياً ولا قضية داخلية، وإنما التزاما دولياً، وضرورة لا غنى عنها للتكيف مع متطلبات التغير والمستجدات الدولية.
رابعا- مصادر حقوق الإنسان:
توجد مصادر حقوق الإنسان في ثلاثة مصادر رئيسية هي المصدر الدولي، والمصدر الوطني، والمصدر الديني، إلى جانب ذلك توجد المصادر الاحتياطية المتمثلة في الإعلانات الدولية وأحكام المحاكم واللجان الدولية المختصة بحقوق الإنسان .
وهناك من يضيف العرف الدولي كمصدر ويعرّفه على أنه استمرار سلوك الدول على قاعدة معينة من السلوك ومراعاتها في علاقاتها بغيرها مع شعورها بضرورة الامتثال إلى حكمها، ولكن يبقى مجاله ضيق في القواعد المنظمة لحقوق الإنسان، إضافة إلى الفقه والقضاء واللذين لا يعتمدان لإنشاء قواعد، ولكن يستعان بهما للدلالة عن وجود قواعد وتحديد مدى تطبيقها.
كما نجد أن هناك من يعتبر الفكر الفلسفي والسياسي وقيم الثورات الكبرى كمصدر لحقوق الإنسان ويدرجها في ثلاثة مدارس على حدّ تعبيره وهي:
أ- مدرسة القانون الطبيعي: وحسبهم فإن الإنسان يعيش في جماعة منظمة، وبالتالي يلزمه التمتع بمجموعة من الحقوق التي يستحيل الحياة بدونها، وتوصف هذه الحقوق بأن مصدرها القانون الطبيعي، ويعد فلاسفة العقد الاجتماعي – هوبز ولوك وروسو- من أبرز من أسهموا في إثراء فكرها، وحسبهم فإن فكرة الحقوق الطبيعية تقوم على:
- أن هذه الحقوق سابقة في نشأتها عن الوجود السياسي للجماعة ( الدولة ) وبالتالي فهذه الجماعة مسؤولة عن وجوب احترام هذه الحقوق وعدم المساس بها.
- أي تناقض بين سلطة الجامعة وحقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، يتم حسمه لصالح هذه الأخيرة، لأن الهدف من وجود الجماعة السياسية هو حماية هذه الحقوق والحريات.
- مبدأ الحرية يمثل قاعدة الوجود السياسي، وهذا يعني تقييد سلطة الدولة لصالح حقوق الأفراد .
ب- مدرسة القانون الوضعي: ويرى أصحابها بحتمية وضع الحقـوق والحريات الأساسية للإنسان في قوالب قانونية مناسبة ومقبولة، وفي إطار هذه المدرسة ظهرت أفكار مهـمة دعـمت وأثـرت مفاهيم حقوق الإنسان، وأهمها مبدأ الفصل بين السلطات لمونتسكيو، والتي استهدف أساساً الحد من تركز السلطة في يد الحاكم، وأيضاً النظرية الديمقراطية على حد تعبيرهم، والتي جعلت مـن الفرد محور اهتمام رئيسي، ومن ثمّ ركّزت على حماية حقوقه الشخصية، وهذه المدرسة يرجـع لـها الفضل في عملية تقنين حقوق الإنسان على المستويين الدولي والوطني .
ج- المدرسة النفعية: وينطلق أنصارها على حد تعبيرهم من أن الجماعة التي يعيش فيها الفرد تعد مصدر حقوقه وحرياته الأساسية التي يتمتع بها، ومن ثم يتعين على هذه الجماعة أن تحرص على تحقيق أكبر قدر من المنافع لأكبر قدر من الأفراد، ولو استلزم ذلك التضحية بحق فرد من الأفراد، ونكتفي بالتعرض للمصادر الرئيسية حسب الشافعي محمد البشير .
1- المصادر الدولية: إن المصادر الدولية متعددة، هذا التعدد يمكن أن ندركه من خلا ل وجود مصادر تخص كل الدول على المستوى العالمي، والتي يطلق عليها بالمصادر العالمية، ومصادر أخرى تخص مجموعة من الدول فقط لاعتبارات محددة، والتي يطلق عليها بالمصادر الإقليمية .
أ- المصادر العالمية:
وهي تلك الوثائق العالمية المنـشأ والتطـبيق والتي تميز إلى وثائق عامة تخص كل الحقوق و الحريات، ووثائق خاصة تخص جانبا معينا من الحقوق و الحريات.
- الوثائق العامة: وهي متضمنة لمعظم حقوق الإنسان.
ميثاق الأمم المتحدة: ونجد أن ديباجته تؤكد على الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وكرامة الفرد، وبما للرجال والنساء، والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق وحريات متساوية.
ونصّت المادة الأولى على أن أهداف الميثاق هي حفظ السلم والأمن الدوليين، أما الفقرة الثانية من نفس المادة فنصّت على حق تقرير المصير، الذي يعد أساس السلام العالمي، ونصت الفقرة الثالثة من المادة الأولى دائماً، على مقاصد الأمم المتحدة في تعزيز احترام حقوق الإنسان دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو التفرقة بين الرجال والنساء، ونصت المادتان 55 و56 على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وفي احترام حقوق الإنسان، وأكّدت المادة 60 على مسؤولية الجمعية العامة للأمم المتحدة في تحقيق هذه الأهداف، بمساعدة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وذلك بتخويله وفق المادة 62 تقديم توصيات تتعلق بإشاعة حقوق الإنسان، كما أن له وفق الفقرة الثالثة من نفس المادة، إعداد مشروعات اتفاقيات لتعرض على الجمعية العامة في المسائل التي تدخل في اختصاصه، كما له وفق المادة 68 سلطة إنشاء لجان، وقد تمّ إنشاء لجنة حقوق الإنسان.
و أهم ما يمكن استخلاصه من نصوص الميثاق، هو أن حقوق الإنسان ليست مـن الاختصاصات المطلقة للحكومات .
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: وقد أُعد من قبل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، و أصدرته الجمعية العامة سنة 1948م، ويتألف من 30 مادة وديباجة، ويعد متنه عبارة عن مواد تحدد حقوق الإنسان، التي يجب التمتع بها دون تمييز، فتحدثت المادة الأولى عن المبادئ الأساسية والفلسفة التي يقوم عليها الإعلان، وأكدت على الحق في الحياة وفي المساواة، باعتباره حقاً يولد مع الإنسان، ولا يجوز التصرف فيه، وتتابع المادة الثانية تطور الفكرة السابقة، وتمنع التمييز فيما يتعلق بالتمتع بالحقوق والحريات الأساسية بين سائر البشر في مختلف البلدان والأقاليم.
وتنص المواد من 3 إلى 21 على الحقوق المدنية والسياسية والمواد من 22 إلى 27 على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أما المواد الثلاثة الأخرى فجاءت كمواد ختامية، وذات صبغة عمومية .
إلا أن هذا الإعلان، ورغم أهميته على حد تعبير رينيه كاسان، أثناء النقاش الختامي الذي دار حول الإعلان في الجمعية العامة الذي قال: ( أن الإعلان هو تفسير لميثاق الأمم المتحدة...)، إلا أن الكثير يرو أن هذا الإعلان ورغم الموافقة بالإجماع عليه من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنه لا يتمتع بالصفة الإلزامية بالمعنى القانوني، لأنه عبارة توصية تدعوا فيها الجمعية العامة الدول إلى تطبيق مضمونها .
ولذلك فصدوره يعد مجرد خطوة إلى الأمام، فهو لا يحمل أكثر من معنى الالتزام الأدبي، وبالتالي فالاتفاقيات وحدها المتضمنة من حيث الشكل، معنى الالتزام القانوني بنصوصها .
ويعد هذا الإعلان بمثابة الأساس وليس كل البناء، حيث كان لصدور هذا الإعلان دور في التوجيه والإشارة إلى المبادئ والأهداف العامة التي تلتزم بها الدول أخلاقياً، وذلك بالمحافظة عليها والسعي لبلوغها وعدم التدني عليها، ولذلك طالـبت الجمـعية العـامة بأن يعقب هذا الإعلان بميثاق أو اتفاقية تحدد وبالتفصيل وبصورة ملزمة الحدود التي تتـقيد بها الـدول في مجـال تطبيق الحقوق والحريات، وذلك بأن يكون الميثاق هو التطبيق العـملي للإعلان، ولإنشاء نوع من الإشراف الدولي أو الرقابة الدولية على هذا التطبيق .
العهدان الدوليان: الأول للحقوق المدنية والسياسية، والثاني للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وقد اعتمدا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الواحدة والعشرين المنعقدة عام 1966م ودخلا حيز التنفيذ عام 1976 .
ويتميزان بكونهما مشتملان على تعريف حقوق الإنسان وحرياته السياسية في كافة المجالات، بتفصيل لم يسبق وجوده في أية وثيقة عالمية، وكذلك لاحتوائها ولأول مرة عالمياً في إطار العمل الدولي العالمي المنظم على إجراءات تطبيقية، من شأنها أن تؤدي إلى إقرار مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها، وتضع أسس ثابتة وحقيقية لعالم يسوده السلام والعدالة والرخاء .
وفيما يخص نصوص العهدان فيستندان إلى نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكنهما جاء أكثر تفصيلاً، إضافة إلى كون العهدين ملزمين لأطرافهما، وهو ما دفع الدول إلى إعادة النظر في نصوص الإعلان، في إطار ما يمكن أن تتحمله، حتى لا تتحول تلك النصوص إلى مسؤوليات على عاتقها، بما قد يتعارض مع سياساتها ومصالحها وأوضاعها الداخلية، وهو ما كان سبباً في تقييد العديد من نصوص الإعلان التي نقلت إلى العهدين بمقتضيات القانون والأمن الوطني والنظام العام.
وسمح كذلك بإدخال أفكار ونصوص جديدة، لم تضمن في الإعلان كحق الشعوب في التمتع بمواردها وثرواتها الطبيعية، وحرية استغلالها بكاملها...الخ .
وقد ألحق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ببروتوكولين اختياريين، الأول سنة 1966م والثاني بهدف إلغاء عقوبة الإعدام سنة 1989 .
- الوثائق الخاصة: وهي تلك التي وضعت بجهود الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة وتعد مصدراً لحقوق الإنسان، إضافة إلى الوثائق المتعلقة بحقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة، ويعود الفضل في إبرامها إلى جهود منظمة الصليب الأحمر، ويمكن أن نوجزها فيما يلي:
وثائق لحماية الإنسان الأكثر ضعفاً: وتشمل النساء والأطفال، والمتخلفون عقلياً والمعوقون والشيوخ، والأقليات، واللاجئون، وعديمي الأهلية، الذين يحتاجون لحماية خاصة، ومن بين تلك الإتفاقيات التي وردت في هذا الصدد نذكر :
- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سنة 1968 .
- الاتفاقية بشأن جنسية المرأة المتزوجة سنة 1957 .
- الاتفاقية حول الحقوق السياسية للمرأة سنة 1952 .










رد مع اقتباس