منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - من علماء الجزائر ...موضوع متجدد
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-12-16, 09:55   رقم المشاركة : 65
معلومات العضو
محبة الحبيب
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية محبة الحبيب
 

 

 
الأوسمة
وسام أفضل مشرف 
إحصائية العضو










افتراضي



الشيخ محمد الطاهر التليلي رحمه الله "من علماء سوف"

وُلد الشيخ محمد الطاهر التليلي في بلدة قمار (إحدى بلدات وادي سُوف) سنة 1910م، كما أثبت ذلك بنفسه في دفتر سماه (هذه حياتي). وبعد عمر طويل في الكفاح ضد الجهل والفقر، توفي -رحمه الله- في آخر سنة 2003م، فيكون قد عاش 93 سنة، قضى منها أكثر من ستين سنة في التعليم والتأليف وإجابة السائلين والزائرين عن مسائل الفقه واللغة والتواريخ المحلية والقضايا الاجتماعية التي تطرأ على الناس في بيئة صحراوية نائية.

نشـأته وتربيتـه :

نشأ في أسرة كريمة محافظة عاملة لدينها ودنياها , في رعاية أبيه وجده ، وكان جده رحمه الله كثير الحدب عليه والعناية به وكان من حفظة القرآن الكريم وله في العلوم الدينية والعربية نصيب لا بأس به , وكان يتوسم في حفيده الصغير مخائل النجابة والذكاء , والحفظ واستقامة الأخلاق وحسن السلوك, فكان يشرف على تربية حفيده ويعنى بتحفيظه القرآن الكريم ويشرف على ذلك بنفسه وبإشرافه ورقابته الدائمة وكما قلنا فقد كان الحفيد ذكيا قوي الحافظة فأتم القرآن الكريم في سن مبكرة وأجاد حفظه .
ثم انخرط في الدروس على شيوخ عصره واستوعب الكثير من مبادئ العلوم العربية والشرعية والأدبية التي كان يلقيها بالزاوية التجانية وبعض المساجد علماء مشهود لهم بالتعليم والتربية السلفية الإصلاحية أمثال الشيخ عمار بن لزعر والشيخ محمد اللقاني السايح رحمهما الله تعالى , الأول تزعّم الحركة الإصلاحية بقمار ثم هاجر إلى أرض الحجاز ,حيث قًُدِّر علمه وتقواه وورعه فأسند إليه التدريس بالحرم المكي وظل على ذلك إلى أن انتقل إلى رحمة الله, وأما الثاني ـ أعني الشيخ اللقاني ـ فقد استقر بتونس مدرّسا بجامع الزيتونة .كما يذكر الشيخ الطاهر أنه تلقى بقمار دروسا في العربية والبلاغة والأصول عن الشيخ الأديب الشاب محمد العزوزي حوحو ابن قاضي البلد إذ ذاك المرحوم الصادق حوحو.
يعترف الشيخ محمد الطاهر بفضل شيخه عمار بن لزعر عليه علميا وتربويا وتوجيهيا, فهو الذي نفخ فيه من روحه الإصلاحية التي أهّلته لأن يكون خليفة له بعد هجرته إلى الحجاز, يقول الشيخ محمد الطاهر:وكانت أغلب دروسي التي قرأتها في السنوات الأخيرة عليه (قبل سنة 1927أي قبل التحاقه بجامع الزيتونة بتونس) كما أنه اشتهر بقيادة حركة الإصلاح بقمار خاصة وبسوف عامة فكان مرموقا من جميع المصلحين ,غير أن ذلك كوّن له أعداء وأضدادا من الطرفين .
ويضيف منوّها بفضل جده عليه فيقول:
وكنت في بادئ أمري لما كان الجد حيا أنقل كل ما أسمعه وأفهمه من الدروس إلى الشيخ الجد وأعيده عليه, وكان يحرضّني على الحضور للدروس و إعادة ما أفهمه عليه.وقد قوي عزمه, وتحقق أمله في أن يرسلني إلى تونس لإتمام تعليمي بالزيتونة , حتى أنه أوصى والدي بأنه إذا قدّر الله له الوفاة قبل تحقيق الأمنية بإرسالي إلى الزيتونة , أن يلتزم بتحقيق أمنيته تلك , وتكون نفقة القراءة وجميع مصروفاتها كامل سنوات التعليم من مال الجد ورزقه . وكانت تلك وصية نافذة قام بها الوالد أحسن قيام , فأتممت دراستي وتحصلت على شهادة التطويع (1934) فأكمل الله بذلك أمنية الجد بعد وفاته، أثابه الله خير ثواب, وأجزل له العطية يوم الحساب .
توجّه سنة 1927م إلى جامع الزيتونة في تونس وانخرط في سلك طلابه، وظل به إلى أن حصل منه على شهادة (التحصيل) بعد سبع سنوات من الدراسة المتوالية، وهي الشهادة التي تؤهل صاحبها للتعليم في المدارس وتولّي الوظائف الدينية والتربوية.

العـودة من الزيتونـة:

رجع الشيخ التليلي من تونس إلى بلدته (قمار) سنة 1934م، ولكنه لم يجد عملاً يعيش منه، لا سيما وقد تزوج، وكان عليه أن يعول عائلة ويستقل عن والده في تدبير رزقه. وقد ضاقت به الحال فاشتغل تارة فلاحًا وتارة تاجرًا، ولكن "كل ميسّر لما خلق له"، فلم يربح في الفلاحة كما لم ينجح في التجارة. واتصل برئيس جمعية العلماء(2) الشيخ عبدالحميد بن باديس(3)، زعيم الحركة الإصلاحية. وكانت الجمعية تقوم بالتعليم العربي الحر في مدارس حرة من تأسيس الشعب نفسه وتبرعاته، دون الاعتماد على تمويل الحكومة (الفرنسية). عيّنت الجمعية الشيخ التليلي معلِّمًا في إحدى قرى مدينة بجاية، ولكن الحاكم الفرنسي هناك طرده منها بدعوى عدم امتلاك رخصة رسمية للتعليم وأنه أجنبي على المنطقة. فعاد الشيخ إلى بلدته (قمار)، وبقي حبيس الفقر والبطالة، وزادت الحرب العالمية الثانية حاله سوءًا حين تقابلت جيوش الحلفاء والمحور في تونس وعلى الحدود الجزائرية الشرقية، فكانت منطقة (سُوف) مسرحًا لمعارك بين الطرفين، وحلّت الأمراض التي فتكت بالمئات من السكان، ولم تنجل هذه الغمة إلا بعد سنة 1945م.
رغم التضييق الإداري على الشيخ التليلي باعتباره من تيار الإصلاح، فإن أهل (قمار) طلبوا منه أن يعلّم أولادهم في مدرسة أسسوها لهذا الغرض، وهي مدرسة النجاح الحرة التي بقي يديرها بنفسه ويعلّم فيها إلى استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962م.
وخلال سنوات الفقر والبطالة والمرض، ثم سنوات التعليم، ومواجهة الإدارة الاستعمارية، وظروف ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962م).

مؤلفاته:

أنتج الشيخ التليلي مجموعة من المؤلفات والأشعار والتقاييد والفتاوى، نذكر منها هنا ما له صلة باللغة والأدب:
1- (زهرات لغوية من كتاب الألفاظ الكتابية) للهمذاني.
2- (تجريد شعر مقامات الحريري).
3- (مجموع الأمثال العامية في سُوف).
4- (معجم الكلمات العامية الدارجة في الصحراء الجزائرية).
5- (تلخيص كتاب الأضداد) للمتوزي.
6- (شواهد الكلمات العامية) من اللغة العربية الفصحى.
7- (قصة الشيخ العجوز) "نظم".
8- (الدموع السوداء) "ديوان شعر".
ويهمّنا في هذا المجال مؤلفاته اللغوية التالية:
(الزهرات اللغوية)، و(مجموع الأمثال العامية)، و(معجم الكلمات العامية)، و(شواهد الكلمات العامية):
وفي الخاتمة نقول إن الدفاتر التي أشرنا إليها تحتوي على سجلّ حافل بالكلمات والأمثال والأشعار العربية المشاعة الآن في الجنوب الجزائري، وفي منطقة وادي سُوف على وجه التحديد. ولا شك أنها تمثّل ذخيرة لغوية كبيرة لمن أراد المزيد من البحث في هذا الميدان. وسيجد الباحث هذه الكلمات ليس فقط في الحديث اليومي ولكن في الأمثال وفي الأشعار الدارجة أيضًا. وهي ثروة لغوية قد تتأثر بالاستعمالات الحديثة وباللغات الأجنبية الغازية عن طريق وسائل الإعلام، كما أن تفاعل السكان مع بعضهم وانتقال تجار وطلبة وموظفي أهل الجنوب إلى حواضر شمال البلاد، وكذلك العكس، قد يؤثر في هذا الرصيد اللغوي الذي ما تزال الصحراء تحتفظ به، وهو في جملته رصيد عربي أو ذو أصول عربية ما تزال تختزنه كتب التراث، كما رأينا في الأمثلة التي اقتبسناها. ومن ثمة فإن فضل الشيخ التليلي في الحفاظ على هذا الرصيد يستحق التقدير والتثمين؛ لأن التدوين هو خير وسيلة لحفظ تراث الأمّة.
تقاعد الشيخ التليلي من التعليم عام 1972م، ولازم بيته في قمار. وفي أواخر السبعينات أدى فريضة الحج. وقد ترك عددًا من التلاميذ هم اليوم عدة الجزائر في مختلف المجالات، كما ترك ولدين وخمس بنات.

وفاته:

توفي يوم الأربعاء 17 رمضان 1424 هـ (12 نوفمبر 2003 م) الشيخ محمد الطاهر التليلي الجزائري بمدينة قمار بنواحي سوف عن عمر يناهز 93 سنة.
وقد حضر جنازته جمع غفير من أصدقاء الشيخ وأعيان المنطقة وطلبة العلم ولا عجب فالشيخ معروف بالعلم والتقوى والصلاح ، رحمه الله وأجزل له المثوبة.









رد مع اقتباس