منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - القضاء الدولي الجنائي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-10-19, 22:50   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي تابع

ثانياً : الجهاز الادعائي في المحكمة الجنائية الدولية :
تم إيلاء هيئة الادعاء اهتماما كبيرا من قبل الفريق العامل المعني بوضع نظام أساسي لمحكمةً جنائية دولية أثناء إعداد مشروع هذا النظام، فهذه الهيئة وإن تكن جهازا متصلاً بالنظام القضائي الدولي الجنائي الشامل ينبغي أن تظل مستقلة في أداء وظائفها وأن تكون منفصلة عن هيكل هيئة القضاء(1)، من هنا جاء التركيز على ضرورة أن يتم انتخاب المدعي العام ونائب المدعي العام عن طريق أغلبية الدول الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة لا عن طريق هيئة القضاء،كما تم التشديد كذلك على ضرورة عدم جواز تلقي المدعي العام أي تعليمات من قبل أي حكومة كونه يعمل فعلاً كممثل للمجتمع الدولي بأسره(2) .
ويتكون الجهاز الادعائي أو هيئة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية من مكتب المدعي العام الذي يتألف من المدعي العام ونائباً أو نواباً له ومن يلزم من الموظفين المؤهلين.
ومكتب المدعي العام جهاز منفصل من أجهزة المحكمة، ويكون مسؤولاً عن تلقي الإحالات أو أي معلومات موثوقة عن جرائم تدخل ضمن اختصاصات المحكمة لدراستها قصد الاضطلاع بمهام التحقيق.
ويتمتع المدعي العام بسلطة كاملة في تنظيم وإدارة المكتب، ويكون المدعي العام ونائبه أو نوابه من جنسيات مختلفة، يعملون على أساس التفرغ .
وينتخب المدعي العام بالاقتراع السري وبالأغلبية المطلقة لجمعية الدول الأطراف(1)، كما ينتخب نوابه بنفس الطريقة، لكن من لائحة من ثلاثة مرشحين يقترحها المدعي العام، ويتولى المدعي العام ونوابه مهامهم لمدة تسع سنوات ما لم يتقرر لهم وقت انتخابهم فترة أقصر، كما لا يجوز إعادة انتخابهم، ويمكن للمدعي العام أن يعين مستشارين من ذوي الخبرة القانونية في مجالات محددة، على أن يشترط في من يشغر منصب المدعي العام أو نوابه أن يكون من ذوي الأخلاق الرفيعة والكفاءة العالية والخبرة الواسعة، وللمدعي العام من تلقاء نفسه أو بناء على شكوى مرفوعة إليه أو إحالة أن يباشر التحقيق على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة، حيث يحلل جدية المعلومات ويجوز له التماس معلومات إضافية من الدول أو منظمة الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية أو أية مصادر موثوق بها (2) .
وإذا استنتج المدعي العام أن هناك سبباً للشروع في التحقيق يقوم بطلب إذن الدائرة التمهيدية مشفوعا بالبيانات والمعلومات التي حصل عليها للبدء في إجراء التحقيق، وإذا رأت الدائرة أن هناك أسباباً تدعو للتحقيق أو أن الدعوى تقع ضمن اختصاص المحكمة تصدر إذناً للمدعي العام بالشروع فيه، دون أن يخل ذلك بما قد تقرره المحكمة فيما بعد بما يتصل بمسألة اختصاصها من عدمه.
وحتى إذا رفضت الدائرة التمهيدية إعطاء الإذن بالشروع في التحقيق لا يمنع ذلك المدعي العام بإعادة الطلب مرة ثانية مشفوعاً بمعلومات إضافية بغرض الشروع في عملية التحقيق من جديد، وفي كل الأحوال على المدعي العام القيام بإبلاغ الدول الأطراف بأية شكوى بارتكاب جرائم دولية أو أية إحالة مرفوعة إليه بهذا الخصوص، كما عليه أيضاً في حالة استنتاجه أن المعلومات المقدمة والمتعلقة بشكوى أو إحالة ما لا تشكل أساساً كافياً لإجراء التحقيق إبلاغ الجهة مقدمة الشكوى أو الإحالة، وكذلك إبلاغ الدائرة التمهيدية بذلك(1) .
لكن وإذا كان من حق المدعي العام أثناء مواصلة التحقيق أن يعدل أو يسحب أياً من التهم الموجهة إلى متهم ما مع إبلاغه قبل فترة معقولة من موعد الجلسة وكذا إبلاغ الدائرة التمهيدية- وذلك قبل اعتماد لائحة الاتهام- ، فإنه بعد اعتماد اللائحة وقبل بدء المحاكمة لا يمكن تعديل التهم الموجهة إلا بإذن من الدائرة التمهيدية، أما إذا بدأت المحاكمة فلا يمكن إجراء أي تعديل أو سحب إلا بإذن من الدائرة التمهيدية.
على أن أي تعديل يشمل إضافة جريمة أو أكثر بعد أن تكون لائحة الاتهام قد اعتمدت يتطلب من جديد عقد جلسة لآعتماد لائحة اتهام جديدة.
وفي جميع الحالات فإن المدعي العام مطالب بأن يدعم بالدلائل الكافية كل التهم وإثبات وجود أسباب جوهرية تدعو للاعتقاد بأن الشخص المتهم قد ارتكب الجريمة المنسوبة إليه.
كما وللمدعي العام الحق في الطعن في قرارات الدائرة التمهيدية وله خلال خمس سنوات الطعن في حكم براءة لإكتشاف أدلة جديدة أو اعتراف الشخص المحكوم عليه ببراءته أنه مذنب وبالتالي يطالب بإعادة النظر في الحكم.
وقبل ذلك للمدعي العام كما للمتهم أن يطلب من الدائرة الابتدائية الأصلية أو أي دائرة ابتدائية جديدة إذا لم توجد الأصلية إعادة النظر في حكم الإدانة أو العقوبة، كما له حق استئناف الحكم بعد صدوره إذا وقع غلط في الإجراءات أو غلط في الوقائع أو غلط في القانون.
ويعزل المدعي العام أو نائبه إذا ارتكب سلوكاً مشيناً أو أخل إخلالاً جسيما بواجباته..أو عندما لا يكون قادراً على ممارسة المهام المنوطة به بموجب هذا النظام الأساسي للمحكمة وذلك بالأغلبية المطلقة للدول الأطراف في حالة المدعي العام، أما النائب فيتخذ قرار العزل بتصويت الأغلبية المطلقة للدول الأطراف بناء على توصية من المدعي العام بذلك(1) .
ثالثاً : الجهاز الإداري في المحكمة الجنائية الدولية : (2)
يشمل الجهاز الإداري كلا من قلم المحكمة والموظفون الإداريون:
-قلم المحكمة: هو المسؤول عن الجوانب غير القضائية من إدارة المحكمة وتزويدها بالخدمات دون المساس بسلطات المدعي العام، ويرأس المسجل رئاسة قلم المحكمة وهو المسؤول الإداري والرئيسي لها،ويمارس مهامه تحت سلطة رئيس المحكمة(3) .
وينتخب القضاة المسجل بطريقة سرية(4)، وبالأغلبية المطلقة للقضاة آخذين في اعتبارهم أي توصية تقدم من جمعية الدول الأطراف، ويمكن بحسب الحاجة انتخاب نائب للمسجل بنفس الطريقة وبتوصية من المسجل،كما يتم عزله كذلك هو أو نائبه باتخاذ قرار العزل بالأغلبية المطلقة للقضاة.
ويشغل المسجل منصبه لمدة خمس سنوات، ويجوز انتخابه لمرة واحدة، ويعمل على أساس التفرغ، ويشترط فيه أن يكون من ذوي الأخلاق العالية والكفاءة الكبيرة في ميدان عمله، ويمارس عدة أعمال مهمة منها: استيداعه للائحة الاتهام من المدعي العام وتوجيه الإخطارات وإعداد سجل كامل بالمحاكمات والحفاظ عليها،...
وينشئ المسجل وحدة تسمى"وحدة المجني عليهم والشهود"ضمن قلم المحكمة، وتوفر هذه الوحدة مع المدعي العام تدابير الحماية والترتيبات الأمنية والمشورة والمساعدة الملائمة للشهود والمجني عليهم الذين يمثلون أمام المحكمة وغيرهم ممن قد يتعرضون للخطر أثناء إدلائهم بشهاداتهم، ويجب أن تضم هذه الوحدة موظفين ذوي الخبرة في هذا المجال ...
- الموظفون: تطرقت المادة(44)من النظام الأساسي إلى الموظفين الإداريين عندما نصت على أنه لكل من المدعي العام والمسجل تعيين الموظفين المؤهلين اللازمين لمكتبيهما،ويكفل في تعيينهم توافر أعلى معايير الكفاءة، مع مراعاة النظم القانونية والتوزيع الجغرافي العادل.
وللمسجل بموافقة هيئة الرئاسة والمدعي العام اقتراح نظام أساسي للموظفين يشمل شروط التعيين والمكافأة والتنقل على أن يوافق على هذا التنقل جمعية الدول الأطراف.
المطلب الثاني :الأحكام المتعلقة بتكوين المحكمة
تضمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جملة من المبادئ والأحكام المتعلقة بتنظيم عمل المحكمة سواء كيفية إنشاء المحكمة وطبيعة المحكمة وعلاقاتها بالأمم المتحدة وبالدول وسريان نظامها الأساسي، وما إلى ذلك من الأحكام التي سنتناولها وفقاً للترتيب التالي.
أولاً : الأحكام ذات الطبيعة الإجرائية :
1 - طريقة إنشاء المحكمة :
بما أنه لا توجد سابقة دولية لإنشاء هذا النوع من القضاء الدائم،فقد ترددت أثناء الأعمال المتعلقة بإعداد مشروع النظام الأساسي للمحكمة عدة وسائل تتصل بكيفية إنشاء المحكمة، سواء في الفترة الأولى من الجهود الدولية الهادفة لإنشائها والممتدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى مطلع التسعينيات، خاصة مع لجنتي جنيف ونيويورك، أو حتى بعد اتخاذ الجمعية العامة للأمم المتحدة لتوصيتها رقم47/33-في 25 نوفمبر سنة 1992 والتي طلبت من خلالها من لجنة القانون الدولي إنجاز صياغة مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ويمكن إجمال مختلف المقترحات الواردة بهذا الخصوص في أربع وسائل أساسية : (1)
1-أن تنشأ المحكمة هيئة مساعدة للأمم المتحدة وذلك بناء على توصية تصدرها الجمعية العامة استنادًا إلى الفقرة الثانية من المادة السابعة وكذلك المادة الثانية والعشرين من الميثاق باعتبارها فرعاً رئيسياً للأمم المتحدة بجانب الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصايا ومحكمــــة العـــــدل الدوليــــة (2) .
2- أن تنشأ بتعديل الميثاق خاصة المادة الثانية والتسعين المتعلقة بمحكمة العدل الدولية بحيث يشمل التعديل إنشاء دائرة جنائية تابعة لمحكمة العدل الدولية.
3-أن تنشأ المحكمة بطريقة مختلطة عن طريق توصية عن الجمعية العامة توصي فيها بقيام المحكمة، إلا أن المحكمة لا تنشأ بموجب هذه التوصية وحدها، وإنما تعقد الدول اتفاقاً يمنحها الاختصاص بنظر الجرائم الدولية.
4- أن تنشأ المحكمة عن طريق اتفاقية دولية جماعية من خلال مؤتمر ديبلوماسي يعقد تحت رعاية الأمم المتحدة،بحيث لا تقام المحكمة إلا إذا وافق على إنشائها عدد معين من الدول وصادق كذلك على نظامها الأساسي عدد معين من الدول.
وهذه الطريقة الأخيرة هي التي تبناها الفريق العامل المعني بوضع نظام أساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث أوصى بأن يتم إنشاء المحكمة كجهاز قضائي مستقل عن طريق معاهدة متعددة الأطراف وملزمة للدول التي ترتضي أن تصبح أطرافاً في هذه المعاهدة.
وقد اعتبر هذا النهج القائم على الموافقة الصريحة للدول متفقاً مع مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية، علاوة على كفالة السلطة القانونية للمحكمة،بموجب نظامها الأساسي الذي سوف يرتب وينظم علاقة المحكمة مع منظمة الأمم المتحدة والدول، كما عكسته ردود وتعليقات كثير من الدول، التي اعتبرت"أن مشروعية جهاز من هذا القبيل لا يمكن أن يكفل إلا بموجب معاهدة دولية متعددة الأطراف(1)"، وأن إنشاء المحكمة المقترحة لا يتسنى إلا بموافقة صريحة من الدول تتجسد في معاهدة دولية، ويكون دائماً محدوداً بالقدر الذي تريد الدول أن تلتزم به(1) "
وبناء عليه كان الحل الأنجع أن تنشأ المحكمة عن طريق اتفاقية دولية جماعية من خلال مؤتمر ديبلوماسي يعقد تحت رعاية الأمم المتحدة، وهو ما تم بالفعل في روما عندما اعتمد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بواسطة اتفاقية دولية رعتها الأمم المتحدة.
وهي معاهدة دولية ملزمة للدول التي ستصبح أطرافاً فيها إما بالتوقيع أو التصديق أو القبول أو الموافقة أو الانضمام إلى هذه المعاهدة وبالشروط والكيفية التي حددتها المادة المائة والخامسة والعشرون من النظام الأساسي للمحكمة،بحيث يخضع النظام الأساسي للتصديق أو القبول أو الموافقة من جانب جميع الدول الموقعة عليه،وتودع صكوك التصديق أو القبول أو الموافقة لدى الأمين العام للأمم المتحدة، أما باب الانضمام إلى هذا النظام فهو مفتوح أمام جميع الدول، وتودع الصكوك المتعلقة بذلك أيضاً لدى الأمين العام للأمم المتحدة.
2- علاقة المحكمة بمنظمة الأمم المتحدة.
من بين أكثر المسائل التي نوقشت في إطار هذه المبادئ والأحكام طوال مراحل إعداد النظام الأساسي للمحكمة مسألة العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومنظمة الأمم المتحدة. (2)
ففي التقارير الأولية خاصة التقرير الحادي عشر المقدم من المقرر الخاص اعتبر هذا الأخير في تقريره المتضمن لمشروع نظام أساسي لمحكمة جنائية دولية أنه من الضروري أن"تنشأ المحكمة باعتبارها هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة"معللاً ذلك بالقول أنه يجب التوكيد على المنفعة الكبرى من جعل المحكمة هيئة تابعة للأمم المتحدة، معتبرا أن وجود محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية كهيئة من هيئات الأمم المتحدة أمر لا يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة،كما أن المادة الأولى من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية تنص على أن هذه المحكمة هي الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، مما يترك المجال مفتوحا أمام هيئة قضائية أخرى تكون لها الولاية في الشؤون الجنائية (1) .
ويبدو أن هذا ما أكده قرار مجلس الأمن الدولي رقم 808 في 22 فبراير 1993 الذي أنشأ بموجبه المجلس محكمة جنائية دولية لمحاكمة مقترفي جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة .
على أنه داخل الفريق العامل المعنى بإنشاء محكمة جنائية دولية دار نقاش كبير بشأن الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه طبيعة هذه العلاقة .
ففي حين فضل البعض الرأي السابق بهدف ضمانة الصفة العالمية للمحكمة وتعزيز سلطاتها الأدبية، وبالتالي فمن الأفضل أن تنشأ المحكمة كجهاز من أجهزة الأمم المتحدة، عبر تعديل الميثاق باللجوء إلى المادة 109 منه خاصة وأن النقاشات تدور حالياً حول ضرورة إعادة تشكيل مجلس الأمن الدولي(1)، ذهب آخرون إلى إبراز الصعوبات التي تكتنف هذا الخيار، ودعوا بالمقابل إلى قيام نوع من العلاقة مع المنظمة مثل إبرام معاهدة للتعاون على غرار المعاهدات المبرمة بينها وبين وكالاتها المتخصصة،أو حتى معاهدة مستقلة تنص على تولي الجمعية العامة انتخاب القضاة، كما رؤى كذلك أن وجود رابطة رسمية على الأقل بين المحكمة ومنظمة الأمم المتحدة سينطوي على ميزة ليس فقط من حيث السلطة والدوام الذي ستحرزهما المحكمة بذلك، بل لأن جزء من اختصاصها قد يتوقف على قرارات من مجلس الأمن الدولي(2) .
هذه الفكرة الأخيرة كانت مدعومة في الواقع بردود وتعليق كثير من الحكومات التي وردت على تقرير الفريق العامل المعني بوضع نظام أساسي لمحكمة جنائية دولية بعد إنجازها لهذا المشروع(3)، والتي ذهبت إلى ضرورة قيام علاقة وطيدة بين منظمة الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية وأن تؤدي الأمم المتحدة دوراً مهماً في إنشاء المحكمة وفي سلطتها الفعلية، وفي نفس الوقت لا ينبغي مطلقاً أن يتم تنظيم المحكمة في إطارها،بل يجب أن تتوفر نقاط مهمة للاتصال بين المحكمة والمنظمة لتصبح مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً دون أن تشكل جزء منها.
هذا التأكيد على أن الأمم المتحدة يجب أن تؤدي دوراً مهماً في إنشاء المحكمة وفي أنشطتها الفعلية، دون أن يتم تنظيمها في إطار المنظمة الأممية يأتي في الواقع بالاستناد إلى جملة من الأسباب، فعلاوة على الأسباب الشكلية المتعلقة بأن إنشاء المحكمة في إطار منظمة الأمم المتحدة يتطلب تعديل ميثاق المنظمة الأمر الذي قد يؤخر الإسراع في إنشاء المحكمة فإن هذه الأخيرة متصلة أصلا بالمنظمة بعدة نقاط اتصال من أهمها السلطة المخولة لمجلس الأمن بموجب النظام الأساسي للمحكمة(1) .
وبالتالي كان من الأنسب قيام رابطة واضحة عبر اتفاق لتسهيل التعاون بينهما،بما أن جانباً من اختصاص المحكمة قد يتوقف على قرارات مجلس الأمن الدولي، وهذا الاتفاق سيكون تيمناً بالاتفاقات المبرمة بين الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة عملاً بالمادتين 57/63 من ميثاق الأمم المتحدة(2) .
و ترتيباً على مجمل الرؤى السابقة فقد تم التوصل عند اعتماد النظام الأساسي للمحكمة إلى تحديد العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومنظمة الأمم المتحدة،بحيث تنشأ المحكمة كجهاز قضائي مستقل عن طريق معاهدة متعددة الأطراف،باعتبار أن هذا النهج يتفق مع مبدأ سيادة الدول،ويكفل السلطة القانونية للمحكمة في ضوء الصعوبات التي سينطوي عليها إنشاء المحكمة كجهاز من أجهزة الأمم المتحدة،شريطة أن ترتبط المحكمة بالمنظمة برابطة قانونية عبر اتفاقية تحدد طبيعة هذه العلاقة.
وبالفعل ففي ديباجة النظام الأساسي للمحكمة تم التأكيد على "إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة وذات علاقة بمنظمة الأمم المتحدة " ، كما تضمنت المادة الثانية من النظام الأساسي الإشارة إلى "ضرورة أن يتم تنظيم العلاقة بين المحكمة والمنظمة الأممية،بموجب اتفاق تعتمده جمعية الدول الأطراف في هذا النظام الأساسي ويبرمه بعد ذلك رئيس المحكمة نيابة عنها"
إن تنظيم العلاقة على هذا النحو في الواقع طريقة مناسبة لإقامة الصلة المطلوبة للتعاون الوظيفي بين الهيئتين مع المحافظة في نفس الوقت على استقلال المحكمة.
فالمحكمة هي الهيئة القضائية الجنائية الدولية،على أن معظم القضايا التي ستثار أمام المحكمة هي بالأساس تدخل ضمن نطاق مهام الأمم المتحدة وأهم الأهداف التي قامت لأجلها (حفظ السلم والأمن)، كما أن معظم وأهم النقاشات التي تمت حول فكرة المحكمة الجنائية الدولية تمت في إطارها وتحت رعايتها وبالأخص مؤتمر روما الذي اعتمد فيه النظام الأساسي للمحكمة.
وفوق ذلك فالنظام الأساسي مراعاة لكل هذا التداخل والتكامل الوظيفي - علاوة على أن جزءا ًمن اختصاص المحكمة سيتوقف على قرار يتخذ من مجلس الأمن - ، أعطى للأمين العام للأمم المتحدة عدة وسائل للعمل بجانب المحكمة كمسائل: تلقي قبول الدول للنظام الأساسي، واستيداعه، للتصديقات عليه وانضمامها إليه، وما يتعلق بإجراء أي تعديلات تدخل عليه واستعراض النظام الأساسي، وحتى الانسحاب من هذا النظــــــــام (1) .
3- سريان أحكام النظام الأساسي :
تضمنت المشروعات المقدمة للنظام الأساسي عدة اقتراحات حول بداية سريان النظام الأساسي للمحكمة ودخوله حيز النفاذ. ففي تقرير الفريق العامل عن أعماله في الدورة الخمسين مثلاً تمت مناقشة عدة رؤى حول هذه النقطة، ففي حين ذهب البعض إلى ضرورة توافر عدد كبير نسبياً من التصديقات أو الانضمامات - (60تصديقا) - اللازمة لبدء سريان هذا النظام وذلك بهدف كفالة القبول العام للنظام الأساسي، أعرب آخرون عن القلق إزاء التأخير الذي قد يترتب على اعتماد مثل هذا النهج، وبالتالي تم اقتراح ألا يشترط سوى توافر 20-25 تصديقاً لضمان دخول النظام الأساسي حيز التنفيذ،كما جرى في نفس الوقت التشديد على الحاجة إلى تعزيز المقبولية العامة للنظام الأساسي للمحكمة عبر جعله معبراً على النحو الواجب عن مختلف النظم القانونية في العالم (2) .
ولعل تلك الحاجة إلى تعزيز المقبولية العامة لهذا النظام بجعله معبرا عن مختلف النظم القانونية، هو الدافع إلى أن يتضمن آخر المشروعات المقدمة قبل اعتماد النظام الأساسي خياراً بموجبه لا يبدأ سريان هذا النظام إلا بعد أن يكون عضوا أو عضوين أو أربعة أعضاء من كل مجموعة جغرافية قد وضعوا وثيقة التصديق أو الموافقة أو الانضمام إلى هذا النظام،وذلك في اليوم الستين من تاريخ إيداع وثيقة التصديق أو الموافقة أو الانضمام (1) .
بيد أن التخوف من الصعوبات التي قد يخلقها التقيد بضرورة اشتراط الحصول على تصديقات من عضو إلى أربعة أعضاء من كل مجموعة جغرافية لدخول النظام الأساسي حيز التنفيذ، والذي من شأنه تأخير إنجاز هذه المهمة، قد جعل من تلك الاشتراطات غير عملية ولا تنسجم بالتالي مع المناخ السياسي والفكري الداعم لفكرة استعجال إنشاء المحكمة .
وأخذاً في الحسبان لمختلف الاعتبارات السابقة ، ورغبة في تعزيز المقبولية العامة بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية،وتجنباً للصعوبات التي يمكن أن يثيرها اشتراط توافر مجموعة من التصديقات عن كل مجموعة جغرافية، جاءت المادة 126 من النظام المعتمد في روما مراعية لكل تلك الاعتبارات عندما أكدت على أن " بدء نفاذ هذا النظام لا يكون إلا عقب تصديق أو موافقة أو انضمام 60 دولة، شريطة أن يكون في أول يوم من الشهر الذي يعقب اليوم الستين من تاريخ إيداع صك التصديق أو الموافقة أو الانضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة.
وفي نقطة أخرى تتعلق أيضاً بسريان النظام الأساسي قررت المادة 123 أنه عقب انقضاء سبع سنوات على بدء نفاذ هذا النظام، يعقد الأمين العام للأمم المتحدة مؤتمراً استعراضياً للدول الأطراف للنظر في أي تعديلات عليه،ويجوز أن يشمل هذا الاستعراض قائمة الجرائم محل اختصاص المحكمة دون أن يقتصر عليها(1)، كما يكون للأمين العام في أي وقت تال عقد مؤتمر استعراضي بموافقة أغلب الدول الأطراف بناء على طلب أي دولة طرف ولنفس الأغراض السابقة .
والأصل أن تتم التعديلات على النظام الأساسي بتوافق الآراء داخل جمعية الدول الأطراف،كما يلزم توافر 2/3 من الدول الأطراف لاعتماد أي تعديل يتعذر بصدده التوصل إلى توافق داخل جمعية الدول الأطراف في المؤتمر الاستعراضي.
ويبدأ نفاد هذا التعديل بالنسبة لجميع الدول بعد سنة واحدة من إيداع صكوك التصديق أو القبول لدى الأمين العام من قبل 7/8 من أعضاء جمعية الدول الأطراف،أما الدول التي لا تقبل التعديل يكون على المحكمة أن لا تمارس اختصاصاتها فيما يتعلق بأي جريمة مشمولة بالتعديل،عندما ترتكب هذه الجريمة من قبل أحد مواطنيها أو في إقليمها.
وإذا قبلت 7/8 من جمعية الدول الأطراف التعديل جاز لأي دولة طرف لم تقبل التعديل أن تنسحب من النظام الأساسي انسحاباً نافذاً في الحال،بشرط أن لا يعفيها انسحابها من أي التزامات تكون قد نشأت إزاءها بموجب هذا النظام أثناء كونها طرفاً فيه وبشرط أن تكون قد قدمت إشعاراً في موعد لا يتجاوز سنة واحدة من بدء نفاذ التعديل...

4-مقر المحكمة :
الغرض من تحديد مقر المحكمة هو توفير مكان ذي ظروف مناسبة لإجراء محاكمة عادلة للأشخاص المتهمين بجريمة أو أكثر من الجرائم التي تدخل تحت اختصاص المحكمة في ظروف قد لا تكون الإجراءات الأخرى للمحكمة متاحة فيها أو قد تكون فيما عدا ذلك أقل تفضيلا.
ويفضل الفقه الدولي جعل مقر المحكمة الجنائية الدولية في مدينة لاهاي بهولاندا ، على أساس أنها تحتضن مقر محكمة العدل الدولية، ويمكن الاستعانة بالجهاز الإداري المعاون لقضاتها في عمل المحكمة الجنائية وتخفيف المصاريف (1) كذلك.
وبما أن المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة دائمة، وبما أن تعيين مقر المحكمة يعد بصورة أساسية مسألة سياسية فكان من الأفضل أن يكون مقر الهيئة القضائية الدولية في مكان تتوفر فيه افضل الضمانات لاستقلال الحكم وحريته.
ومن ضمن عدة مقترحات لتعيين مقر المحكمة(2)، تم اختيار مدينة لاهاي بهولندا لتكون مقراً للمحكمة الجنائية الدولية عندما نصت المادة الثالثة من النظام الأساسي على أن يكون مقر المحكمة في لاهاي بهولندا الدولة المضيفة، بحيث تعقد الدولة المضيفة اتفاق مقر تعتمده جمعية الدول الأطراف ويبرمه بعد ذلك رئيس المحكمة نيابة عنها.
على أنه يمكن للمحكمة حسب الفقرة الثالثة من نفس المادة أن تعقد جلساتها في مكان أخر عندما ترى ذلك مناسباً وعلى النحو المنصوص عليه في هذا النظام الأساسي.

5- اللغات الرسمية للمحكمة ولغات العمل :
فرقت المادة 50 من النظام الأساسي بين اللغات الرسمية للمحكمة ولغات العمل بداخلها.فبالنسبة للغات الرسمية حددت نفس اللغات الرسمية المعترف بها في ميثاق الأمم المتحدة (الإسبانية والإنجليزية والفرنسية والصينية والعربية والروسية) بحيث تتساوى في الحجية وحرر النظام الأساسي للمحكمة بهده اللغات، كما تنشر بها الأحكام الصادرة عن المحكمة وكذلك كل القرارات الأخرى المتعلقة بحسم مسألة أساسية معروضة عليها.
أما لغات العمل بالمحكمة فهي الإنجليزية والفرنسية، على أنه يجوز في بعض الحالات استخدام لغات رسمية أخرى كلغات عمل، كما أنه في حالات أخرى وهي حالة طلب أي طرف في الدعوى أو دولة يسمح لها بالتدخل في الدعوى إذن من المحكمة بالسماح باستخدام لغة غير الإنجليزية والفرنسية، شريطة أن ترى المحكمة مبرر لهذا الإذن.