منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ماجستيرتاريخ المجتمع المغربي في العصر الوسيط
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-10-12, 10:30   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
محمد جديدي التبسي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية محمد جديدي التبسي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

لماذا أهمل التاريخ الاجتماعي لبلاد المغرب في العصر الوسيط

إشكالية "العامة" في الكتابات التاريخية:
المغرب والأندلس خلال العصر الوسيط نموذجا
حسن كشاحي
إن الدارس لتاريخ المغرب والأندلس منذ فترته الوسيطية على الأقل، لا يمكنه إلا أن يستشف أن الكثير من قضاياه لازالت قائمة لم يحسم فيها بعد، وتزداد المشكلة تعاظما كلما تعلق الأمر بالتاريخ الاجتماعي الذي لم ينل حيزا مناسبا من اهتمامات المؤرخين العرب والأجانب على السواء.
وهكذا ما أن يقتحم الباحث تاريخ الغرب الإسلامي إبان الحقبة الوسيطية حتى يجد نفسه أمام فراغ مهول كلما حاول النبش في هذا الحقل البكر، رغم الخانة الهامة التي أمسى يحتلها في خريطة المناهج التاريخية المعاصرة، ولا يساورنا شك في أن الفئات الاجتماعية الدنيا ظلت منذ العصر الوسيط مجرد ما بين قوسين يقفز عليها المؤرخ ويتحاشى تناولها لائذا بالصمت والتكتم تجاهها، اللهم إذا استثنينا بعض الإشارات الشاحبة والشذرات المبعثرة في ثنايا الحوليات التاريخية، وفي استقراء هذه الأخيرة ما لا يدع مجالا للريب في مدى التهميش والإهمال الذي تعرضت له العامة. إذ بقيت تقبع خارج دائرة الأدبيات التاريخية.
على أي، رغم أهمية الإنتاج التاريخي المتعلق بالفترة الوسيطية فإننا نصطدم بحقيقة أكثر مرارة مؤداها أن المؤرخ التقليدي يعتبر الحديث عن العامة من الطابوهات التي ينبغي تفادي إثارتها أو محاولة مقاربتها حتى لا يعتقد من يقتصر في دراساته على بعض الكتب التي اهتمت بالتاريخ الرسمي أن تاريخ الغرب الإسلامي الوسيط محدود في رجالات البلاط وأولي نعمتهم من الشرائح المتنفذة إلى حد التملق الرخيص ومجازفة الحقائق.
وبالنسبة لأهل القلم المحدثين، لم يتورعوا قيد أنملة عن اللهث وراء التفنن والتلذذ بالأسر الحاكمة مقابل صمت يكاد يكون مطبقا حول بسطاء الناس بالمغرب والأندلس رغم فعاليتهم في صنع أحداث المنطقة. حيث لا نجد لهم أثرا إلا نادرا وفي كلمات عابرة وخجولة. وبالتالي فإن الكتابات الرسمية والآداب السلطانية تعكس جليا النظرة النخبوية التقزيمية في ميدان البحث التاريخي، وحسبنا قرينة أن جل المؤرخين أداروا ظهرهم لتاريخ العوام فجعلوا التاريخ المغربي-الأندلسي الوسيط يمشي على رأسه عوض قدميه، مما ينهض دليلا على رجاحة ما ذهب إليه أحد الدارسين[1] بأن "الحكومات إذا دخلت إلى أمر أفسدته".
وعلى الرغم من البصمات الواضحة التي تزخر بها بعض الدراسات الغربية الحديثة، فإن الكتابات الأجنبية عموما لم تول تاريخ العوام ما يستحقه من عناية واهتمام مقتصرة على الإشارة إليه بتلميحات محتشمة لا تتناسب البتة ومكانة العامة داخل المجتمعين المغربي والأندلسي إبان العصر الوسيط، مصداق ذلك ما ذكره بعض الباحثين[2] من "أن الإنتاج الأجنبي عمد –عن قصد- إلى تهميش هذه الفئة وطمس دورها، لارتباط المد الشعبي بحركة التحرر فضلا عن اقتصاره إبان المرحلة الاستعمارية على ما يخدم مصالح التوجهات الكوليانية".
من سياق ما ورد، يتضح أن الكتابات التاريخية العربية والغربية حول المغرب والأندلس خلال العصر الوسيط انجرفت مع تيار التاريخ السياسي الحدثي فاتنة بسحره حتى قتلته بحثا، في ذات الآن أسدلت ستار الطمس والتهميش على تاريخ الفئات المستضعفة. فما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟
قد يعزى إهمال تاريخ العامة من قبل الدارسين والمهتمين بتاريخ الغرب الإسلامي الوسيط إلى نضوب المادة التاريخية التي يمكن الركون إليها، "إذ أن المؤرخين القدامى ضربوا صفحا عن الموضوع ولم يلمحوا إليه إلا عبر إشارات مقتضبة ومتفرقة وردت بكيفية عرضية في بعض مصنفاتهم"[3]. وحسبنا أن الحقبة المرابطية الموحدية تعد بشهادة كل من سبر أغوارها وعارك أحداثها من أتعس الفترات الوسيطية وأكثرها إبهاما وغموضا من ناحية النصوص التاريخية التي عبثت بها أيادي القدر، أو تم طمسها تحت تأثير حزازات سياسية أو خلافات مذهبية أو نعرات إيديولوجية أو سخائم قبلية. الأمر الذي لا يسمح بتكوين تصور عام وشامل يشفي الغليل حول الموضوع.
وإلى جانب شحة الثروة المصدرية، فإن الشواهد التاريخية العائدة إلى نفس العهد قد عفا الدهر عن معظمها فولت بذلك الإشارات العفوية التي قد تسعف في تبديد الغيوم التي تكتنف تاريخ الفئات الاجتماعية المغمورة، بل حتى المصادر التي صمدت في وجه أعاصير الضياع ووصلت إلينا لنستقي منها معلوماتنا، لم تحفل في الغالب الأعم سوى بالوقائع العسكرية والأحداث السياسية المدوية[4].
من هذا المنطلق يبدو أن نقص المعلومات في هذا الحقل الخصب، إنما ناتج، بالإضافة إلى ما سلف ذكره، عن شكل المعالجة التي تبناها مؤرخو تاريخ الغرب الإسلامي الوسيط سيما أنهم ركزوا اهتمامهم على التاريخ السياسي وهمشوا التاريخ الاجتماعي.
وإذا كانت هذه المعضلة من المسلمات التي اعترف بها كل من عارك هذا الميدان، فإنها تتفاقم حدة أمام عدم ترك العوام لتراث تاريخي نستعين به لاستجلاء أوضاعهم وبالتالي التأريخ لهم، دون أن يغيب عن أذهاننا أن إشكالية التهميش لهذه الطبقة تعود أيضا إلى "الخلط في الدراسات التاريخية لدى استعمال مقاييس التصنيف الاجتماعي بين المضمون الإثني-الطائفي والديني والمضمون الطبقي" حسب البعض[5]. بينما يرى آخرون[6] أن هذه المشكلة "تعزى أساسا إلى عجز مؤرخي العصر الوسيط عن الرؤية الواقعية لمسار حركة التاريخ الاجتماعي، والنظر إلى التاريخ عموما على أنه تراكمات حديثة للعصور والأشخاص والدول".
نخلص إلى القول إن إشكالية تهميش تاريخ العوام نتاج شبكة معقدة من العوامل المتداخلة فيما بينها، ترتب عنها بقاء الفئات الدنيا خارج حلبة تاريخ المغرب والأندلس في العصر الوسيط، وهذا ما يسوقنا إلى التساؤل عن كيفية ترميم مثل هذه الثغرات والكشف عن الجانب المقبور من تاريخنا؟
أمام ندرة المصادر وجفاف الوثائق المتعلقة بتاريخ العوام، بات الباحث مجبرا لتجاوز هذه الثغرة على الحفر في التراث المخطوط بصبر وأناة والتنقيب بدقة عن النصوص التائهة بين أمهات الكتب الصفراء ولم شتاتها من مظانها الأصلية ثم وضعها في سياقها التاريخي العام، وهنا يأتي دور المصادر الغميسة في إعطاء التاريخ الاجتماعي صورته الحقيقية ونفض الغبار عن مناحيه المنسية، مع اتخاذ الحيطة والحذر من المصنفات الرسمية. وعليه فالأمل يبرق "في توسيع دائرة المصادر لتشمل مختلف كتابات العصر الوسيط ما يمكن من سد الثغرات الواسعة في الحوليات التاريخية"[7]، للإحاطة والإمساك بخيوط تاريخ طبقة العامة.
وبنفس الحجم، فإن حل معضلة التأريخ للعامة يكمن في تمشيط أرضية المادة المصدرية لتاريخ الغرب الإسلامي الوسيط من ألغام الكتابات الرسمية والتمرد على "العلاقات السياسية التي أطنب حوليو العصر الوسيط وحفدتهم في العصور اللاحقة في وصفها إلى حد التخمة"[8]. ومن ثمة أضحى البحث والتمحيص في تراث العوام إحدى المعاول القمينة بهدم التاريخ الذي يغيب الفئات الاجتماعية التي صنعت وحركت عجلة التاريخ وبالتالي إعادة كتابة تاريخ الغرب الإسلامي الوسيط وفق نظرة موضوعية ومنهجية رهينة بالانطلاقا من أن "الشعوب –لا الأبطال- هي صانعة التاريخ. وتلك حقيقة لا يمارئ فيها سوى أعداء الشعوب وعباد العباد"[9]، ولذلك فلا ينبغي اجترار المعلومات الواردة في طيات الحوليات التاريخية المهتمة بتاريخ المغرب والأندلس خلال العصر الوسيط بل يجب العمل على تطويعها وترويضها وغربلتها بطريقة موضوعية بناء على أسس علمية متينة وصلبة قصد تلقيح تاريخ الفئات الغابرة في أعماق النسيان وزوايا الكتمان بدماء جديدة بعد هدم الهدم والبناء من جديد لوضع القطار على سكته الصحيحة.
حصاد ما سلف إذا، هو أن تاريخ العامة بالغرب الإسلامي الوسيط لازال مادة بكرة قابلة للتبلور انطلاقا من قراءة علمية مكينة وفي ضوء رؤية شمولية قائمة على أساس الغوص في أغواره العميقة لانتشال جوانبه المنسية وإشكالياته الغابرة التي تنتظر إنصاف أهل القلم المهتمين بتاريخ المغرب والأندلس إبان العصر الوسيطn


[1] - رؤوف عباس، (التاريخ العربي بين القومية والإقليمية)، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، الأحد 12 يونيو 1988، عدد230، ص5، عم3.

[2] - د.إبراهيم القادري بوتشيش، (العوام في مراكش خلال عصري المرابطين والموحدين)، بحث نشر ضمن أعمال ندوة مراكش من التأسيس إلى آخر العصر الموحدي، البيضاء، 1989، مطبعة فضالة بالمحمدية، ط1، ص118.

[3] - د.إ.ق.بوتشيش، المغرب والأندلس في عصر المرابطين والموحدين المجتمع، الذهنيات، الأولياء، بيروت، 1983، دار الطليعة، ط1، ص5.

[4] - ذ.عبد الجليل الحمنات، التصوف المغربي في القرن السادس الهجري، مقدمة لدراسة تاريخ التصوف بالمغرب، رسالة جامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ، نوقشت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس الرباط، 1989-1990، مرقونة، ص38.

[5] - د.أحمد الطاهري، دراسات ومباحث في تاريخ الأندلس- عصري الخلافة والطوائف، البيضاء، 1993، دار النجاح الجديدة، ط1، ص13.

[6] - د.إ.ق.بوتشيش، (أوضاع الفئات المستضعفة في العصر الإسلامي الوسيط – نموذج من الأندلس)، مكناسة، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، ع1، 1986، ص38.

[7] - د.أ.الطاهري، م.س، ص12.

[8] - ذ.الحسين بوالقطيب، (قراءة في كتاب المغرب والأندلس في عصر المرابطين والموحدين – المجتمع، الذهنيات، الأولياء)، للدكتور إ.ق.بوتشيش، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، الأحد 3 أكتوبر 1993، ع376، ص1، عم1.

[9] - د.محمود إسماعيل، مقالات في الفكر والتاريخ، الدار البيضاء، 1979، دار الرشاد الحديثة، ط1، ص20.