منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التحقيق الدقيق في شرف بني نائل الوثيق
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-04-08, 17:39   رقم المشاركة : 401
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

منقول محاضرة الدكتورة نسيبة الغلبزوري الادريسي بعنوان:

« الأسرة بين الحداثة والرؤية الإسلامية»

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهد به ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضلله، ومن يضله فلن تجد له وليا مرشدا أما بعد.

لا شك أن الأسرة هي الخلية الأساسية الذي يتركب منها جسد المجتمع الكبير.

وما المجتمعات إلا مجموعة أسر تعيش معا، ترتبط فيما بينها بقوانين وأنظمة تحكمها، وبها تتكون الدولة ويكون الوطن.

فإذا كانت الخلية الأساسية « الأسرة » سليمة قوية كان المجتمع سليما قويا، وإذا كانت الأسرة مفككة في علاقتها، متباينة في الفكر والسلوك، انعكس ذلك كله على المجتمع فأصبح مفككا مهزوزا ومهزوما ولقد اهتم ديننا الحنيف بمراحل بناء الأسرة اهتماما بالغا ألانها هي عماد المجتمع وأساس بنائه من تماسكها يستمد المجتمع قوته وفي ضلالها يتربى الفرد الصالح وتنمو المشاعر الصالحة مسارع الأبوة والأمومة والنبوة والأخوة ويتعلم الناس التعاون على الخير وعلى البر في ضل الأسرة وحينما ولى الغرب التقدم التقني والازدهار الاقتصادي والسلوك الإباحي اولوياته علي حساب الأسرة أصبحت كثير من المجتمعات الغربية ألان مهددة بالتآكل والانقراض وهدا مادا بعض الأحزاب السياسية في الدول الغربية أن تضع على راس برامجها الانتخابية الدعوة لتماسك الأسرة وإعادة بنائها من جديد

-Iالأسرة في المفهوم الإسلامي

وحديني عن مفهوم الأسرة في الإسلام يتضمن العناصر الثلاثة لآتية

1- العلاقة بين الزوجين

2- رعاية الأبناء

3- بر الوالدين

ففيما يلي أفضل الحديث عن هذه العناصر الثلاثة :

أ. العلاقة بين الزوجين

الأسرة مأخوذة من الأسر وهو الشدة والقوة لان كل فرد فيها يشد عضد أخيه ويقويه (راجع المعجم الوسيط)

وقد اهتم الإسلام بالعلاقة الزوجية اهتماما بالغا فهي غصب الأسرة التي يترتب عليها نجاح الحياة الزوجية والأسرية أو فشلها

واحدد الحديث عن العلاقة الزوجية في النقاط التالية:

نظرة الإسلام إلى الزواج :

يعتبر الإسلام "الزواج الشرعي " بين ذكر وأنثى اصل الأسرة الذي به تتكون ومنه تترعرع فضلا عن أن الفطرة الإنسانية تدعو إليه.

ولم يولي الإسلام الزواج اهتماما خاصا فقط بل إن الله سبحانه جعل الزواج من آياته العضيمة فقال جل شأنه« ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون » الروم آية 21، بل سمى الله عقد الزوجية بالميثاق الغليض فقال سبحانه « وأخذن منكم ميثاقا غيظا »

وللزواج في شريعة الإسلام حكم سامية وفوائده أشير إلى بعضها فيما يلي

المحافضة على النوع الإنساني « والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة » سورة النحل 72. وقال رسول الله (ص)« تناكحوا تناسلوا »

المحافظة على الأنساب

سلامة المجتمع من الانحلال الخلقي.

سلامة المجتمع من الأمراض (خصوصا الأمراض الجنسية كالإيدز–والزهري)

السكن الروحي والبدني.

تعاون الزوجين في بناء الأسرة وتربية الأبناء.

ولأهمية الزواج البالغة وضرورته الملحة لإقامة الحياة الاجتماعية السليمة، فأن الإسلام قد رغب فيه وحث عليه، قال تعالى « وانكحوا الأيمة§ منكم والصالحين من عبادكم وإمآئكم إن يكون فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم » سورة النور31.وقال (ص) « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له رجاء ». وقد حظر الشرع على المسلم أن يمتنع عن الزواج ويزهد فيه لاسيما إذا كان قادرا عليه، متيسرا له أسبابه ورسائله.

وقد وضع الإسلام لإنجاح الحياة الزوجية عدة عوامل، وهي ما يلي:

حسن الاختيار.

حسن الاختيار معنيٌ به كلا طرفي الزواج، الرجل والمرأة.

إذن أول مراحل بناء الأسرة هو حسن الاختيار، كيف يختار الرجل الزوجة الصالحة، وكيف تختار المرأة وأولياؤها معها الزوج الصالح. قال رسول الله (ص) تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس » « تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يدك » وقال أيضا: « الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة » هذا بالنسبة للرجل ومن ناحية المرأة، فعليها أن تطلب الرجل الصالح صاحب الخلق والدين وأن ترضى به ولا تعدل عنه، عملا بقول النبي(ص): إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض »

التراضي على الزواج وعدم الإكراه.

منح الإسلام للمرأة الحق في اختيار زوجها، وأعطاها في ذلك الحرية المطلقة، وقد جاءت السنة النبوية القولية والعملية داعية إلى ذلك بأوضح صورة ومن ذلك قول النبي (ص) «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن »

وفي البخاري أن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها وهي كارهة، فرد النبي(ص) ذلك النكاح.

وجوب المعاشرة بالمعروف دائما.

المعاشرة بالمعروف واجب متبادل بين الزوج والزوجة وتكون بأداء كل واحد ما عليه من حقوق تجاه الأخر والإحسان في أدائها واتقاء الله تعالى فيها. والمعاشرة بالمعروف مجال رحب لكل معاني المكارم والتودد فهي لا تعني مجرد كف الزوج أذاه عن زوجته بل تعني احتمال الأذى منها والحلم عند انفعالها وغضبها، اقتضاء برسول الله فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام وراجعت عمر بن الخطاب (ض) زوجته في الكلام فقال لها: أتراجعينني؟ فقالت: إن أزواج رسول الله (ص) يرجعنه وهو خير منك.

تكليف الزوج بالقوامة على الأسرة.

قال تعالى: « الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم » النساء 34

وقال سبحانه:«ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة» البقرة22. والدرجة في الآية هي القوامة.

معنى القوامة: قام بشؤون زوجته وشؤون أسرته. والقوامة تكليف للرجل وليس تشريفا.

وشأن هذه القوامة، للرجال على المرأة والأولاد والبيت، شأن " الرئاسة " اللازمة لكل جماعة مهما قل عددها فنحن نرى أنه لابد من رئاسة وقوامة لكل مؤسسة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو تربوية.

فأي شركة لابد لها من رئيس واحد وأي مؤسسة اجتماعية لابد لها من يدير أحد. وأي حكومة أو هيئة سياسية لابد لها رئيس مسؤول عنها وهكذا كل عمل جماعي لن يستقيم أمره، ولن يتحقق نجاحه، إلا عندما تسند رئاسة إلى واحد من الجماعة.

وهل الأسرة إلا أهم مؤسسة اجتماعية، وإلا أخطر عمل جماعي يحتاج إلى قوامة رشيدة ورئاسة قوية حازمة.

ولنلاحظ جيدا تعبير القرآن " بالقوامة " وأنه لم يعبر " بالسادة " أو " الوصاية ". فهو لم يقل إن الرجال أسياد على النساء، ولم يقل إن الرجال أرباب النساء وإنما قال " قوامون " أي رعاة ومسؤولون ومن المسؤولية حق النفقة على الزوجة والأولاد. وهذا لم ينفي عن المرأة المسؤولية، فهي أيضا مسؤولة على البيت ومن مسؤوليتها حضانة الأولاد وتربيتهم وتوجيههم " والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ".

والقوامة مما فضل الله به الرجال عن النساء، وحضانة الأبناء، والحمل، والرخاء والعاطفة الجياشة، مما فضل به الله النساء على الرجال. وقد نهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم، ما فضل الله به غيره فلا تتمنى النساء خصائص الرجال، التي بها فضلهم على النساء، ولا يتمنى الرجال خصائص النساء التي بها فضلهن على الرجال.

ب. رعاية الأبناء:

شدد الإسلام كثيرا على وجوب تربية الأبناء والاهتمام بهم. قال رسول الله (ص) «كفى بالمرء إثما يوضيع من يعول » فالطفل بجوهره خلق قابلا للخير والشر جميعا، وإنما أبواه يميلان به إلى أحد الجانبين والأولاد والزوجة إنما هم أمانة. قال تعالى:

« يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون» الأنفال217. فعلى المسلم أن يستشعر عظم مسئوليته تجاه أهل بيته وإنهم أمانة في عنقه وعلية أن يتقي الله فيهم رعاية وعناية وتربية وسلوكا.

ورعاية البناء والإحسان إليهم تتحدد في مراعاة النقاط التالية:

حسن اختيار الأم:

وجوب النفقة والرعاية المادية: وقد جعل الإسلام نفقة الرجل على بيته صدق مقبولة مادامت تتوفر فيها النية الخالصة لوجه الله الكريم. قال (ص):«إذا أنفق المسلم على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة»

حسن التربية:حرص الإسلام على توصية بتربية الأبناء تربية صحيحة رشيدة وفي ذلك يقول النبي (ص): « الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم » وهذا أمر نبوي بضرورة ملازمة الأبناء ومراقبتهم وتوجيههم، أما ترك أطفالنا لغيرنا من الخدم (فالخادمة لا يمكن أن تقوم مقام الأم) أو الحضانة وصرف معظم الوقت أو كله خارج البيت فهذا خطأ كبير، وجرم عظيم. وإذا فعلنا هذا تداعى ركن من أركان الأسرة، وتجرعنا مرارة فساد الأولاد وانحرافهم. وتتمثل حسن التربية في مراعاة الأمور التالية:

غرس العقيدة السليمة في نفوسهم.

تدريبهم على العبادات والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة، قال تعالى: «وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها.» وقال (ص) « آمرو أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»

أن يعلمهم ما ينفعهم. ففي الحديث: « حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة، والسباحة، والرمي، وأن لا يرزقه إلا طيبا».

العدل في المعاملة والعطاء – وذلك لينسجم كل أعضاء الأسرة في وئام ومحبة وبهذا يسلم المجتمع من بذور الحقد التي تفسد على الأسرة المودة والأخوة. وذلك امتياز خاص للتشريع الإسلامي في محافظته على الأسرة التي تعتبر أساس المجتمع الإسلامي.

هذا وإن كان الإسلام قد أوجب رعاية الأبناء وحسن تربيتهم فإنه قد بنه بصفة خاصة على حسن معاملة البنات لشدة حاجتهن إلى الرعاية والعطف والإحسان. قال رسول الله (ص) « من عال ثلاثة بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة »

ج. بر الوالدين:

من أهم الواجبات التي اهتم بها الإسلام وأولاها عناية فائقة بر الوالدين، ورعايتها، والإحسان إليها، وذلك اعترافا بفضلهما وردا لجميلها. ولشدة عناية الإسلام بهذه القضية فإن الله تعالى قرن الأمر بعبادته في القرآن بالأمر بالإحسان إلى الوالدين. هذا له دلالة الواضحة على علو منزلتهما وعظم شأنهما عند الله تعالى.

والآيات الكريمة الواردة في هذا الشأن كثيرة منها، قوله عز وجل: « وقض ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إلا يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أُف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً » الإسراء الآيتان 23-24

إن الوالدين يندفعان بالفطرة إلى رعاية الأبناء والتضحية بكل شيء حتى بالذات وسرعان ما ينسى الأولاد هذا كله وينشغلون بزوجاتهم ودرياتهم فمن تم لا يحتاج الآباء إلى توصية بالأبناء إنما يحتاج الأبناء استجاشة وجدانهم بقوة ليذكروا واجب الجيل الذي انفق رحيقه كله حتى أدركه الجفاف

وهنا يجيء الأمر بالإحسان إلى الوالدين في صورة قضاء من الله تعالى يحمل معنى الأمر المؤكد بعد الأمر المؤكد بعبادة الله.

ولخطورة قضية الوالدين وجلالة منزلتها في الإسلام فان رسول الله (ص) قد عد عقوق الوالدين من اكبر الكبائر التي توضع بجوار الإشراك بالله تعالى جنبا إلى حين فقال( ص) «الكبائر الاشتراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس» كما جعل النبي( ص) وجود الوالدين فرصة ثمينة لدخول الجنة ينبغي أن لا تضيع فعن أبى هريرة رضي الله عنه عن رسول الله( ص) قال: « رغم انفه تم رغم انفه تم رغم انفه فقيل من يا رسول الله قال : من أدرك والديه عند الكبر أو احدهما تم لم يدخل الجنة»

ولقد أوصى الإسلام بالأم وصاية خاصة وأولاها عناية فائقة اعترافا بفضلها وتقديرا لجهودها قال تعالى « حملته أمه كرها ووضعته كرها »

تحولات في الأسرة المسلمة

وفي ضل المؤثرات الثقافية والتعقيدات الاقتصادية ظهر أنماط جديدة وتحولات في الأسرة المسلمة فشهدنا بعض الاختراقات الأخلاقية تمثلت في النزوع لإشباع الرغبة مع التحلل من مسؤوليات الآسرة والزواج فكان إن انتشرت " الدعارة" في بعض الدول.فضلا عن الإباحية التقنية( الفضائيات..) وانتشار الفردانية( الأنانية) والحريات غير المنضبطة وأصبح بعض المسنين يفقدون مكانتهم داخل الأسرة. وانتشر الأطفال غير الشرعيين.

الأسرة في مفهوم الغربي

لكن من المهم ملاحظة أن هده الأنماط والممارسات تبقى على الدوام في إطار "الاختراقات " ولم تشمل المجتمع. وهي ظواهر محدودة بالنسبة للمجتمع العام.

والأهم من ذلك هو أن المجتمع لا يزال ينضر إلى هذه الاختراقات على أنها لا" شرعية"

أما الغرب. وفي أمريكا على وجه الخصوص فيمكن الحديث عن تحول في النسيج ألقيمي للأسرة. من تلك الأسرة الصغيرة بمعناها التقليدي إلى الأسرة التي تنشأ بالاختيار الحر. والإرادة الحرة وأصبح من الممكن الحديث الآن عن تشكيلات عائلية متنوعة. كالأسرة التي تشمل الأبناء بالتبني. ولأسرة المثلية( أنثي/أنثى، ذكر /ذكر) والأسرة المتشكلة بالتقنيات الحديثة( استجار الأرحام).

وهذه التنويعات تعتبر مجموعة من الخيارات المتاحة والمتعددة. وخصوصا بالنسبة للشواذ، حيت تحول الشذوذ من " الانحراف" إلى " خيار" أو " توجه" مقبول وحصل الشواذ على الاعتراف الرسمي "بحقهم" في الزواج ومساواتهم في الحقوق مع الزوجيين الطبيعيين ( ذكر أنثى) في بعض الدول كهولندا مثلا هذه التحولات / التنويعات في مفهوم الأسرة وأنماطها تأسست على اعتبار أن الأسرة " التقليدية " نمط اجتماعي تاريخي، مما يعني أنه يمكن تجاوزه وتشكيل بديل أو بدائل عنه: استنادا إلى الإدارة الحرة، والحق الفردي الطبيعي بمعزل عن فكرة الدين، الأمر الذي نتج عنه عدد من الظواهر: كالأطفال الغير الشرعيين، والإيدز، والممارسة الجنسية الحرة، وغير ذلك.

ففي فرنسا مثلا بلغت نسبة الولادة دون زواج 40% من مجمل نسبة مواليد سنة 1997م. وأكثر من نصف نساء 53% يضعن أطفالهن بدون زواج شرعي، وتضاعفت ظاهرة المعاشرة دون زواج شرعي سنة 1999م مما يهدد بانقراض في الأسرة الفرنسية

" التقليدية " بحسب التقرير السنوي للدراسات الديموغرافية في باري الذي أكد أن الزواج أصبح عادة " روتينية " أقلع عنها الكثيرون. هذه الظاهرة لا تعتبر في الحداثة الغربية " انحرافا " وإنما أشبه بالآثار الجانبية ومن ثم يكون الحديث عن ممارسة " الجنس الأمن " وابتكار الواقي ويأتي التبني، أو بيع وتأجيرات الأرحام، أو التلقيح الصناعي ليحل مشكلة " الإنجاب " للأسرة المثلية "، ويأتي تقنيين " الإجهاض " ليحل مشكل الأطفال الغيرالشرعيين إلى غير ذلك.

والحلول لا تقتصر على التقنية، وإنما تطال قضية المفاهيم، وقد رأينا كيف تحول الشذوذ من " انحراف " إلى " خيار " وكيف أن الدعارة تحولت من ظاهرة لا أخلاقية إلى حالة قانونية، فصار البغاء شرعيا في الولايات المتحدة وعموم أوروبا.

المفارقة بين المفهومين:

لكن السؤال المحوري هنا في سياق الحديث عن مفهوم " الأسرة " في السياق الغربي هو: ما الفلسفة التي تقوم عليها الأسرة؟

يرى البعض أن مفهوم "الدولة" في الغرب حل محل " الأسرة " فأصبحت الدولة هي أم الشعب، نظرا لأن الدولة لم تقم عندنا بالمعنى الدقيق بأدوارها ووظائفها " باستثناء السلطة " فإن الأسرة المسلمة بقيت متحصنة، ومتحفظة.....نعتها ضد التحديث.

لكن هذه النظرة غير دقيقة، فلا يمكن – من وجهة نظرنا الكلام عن إحلال مؤسسة مكان أخرى واستبدالها، فالقضية تنبع من التحولات التي طرأت على المفاهيم التي أسستها الحداثة الغربية، فقامت الأسرة على المفهوم الغربي الحداثي " للحق الفردي " ومن هنا كانت اتفاقيات ( حقوق الإنسان، وحقوق المرأة واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدها، حقوق الطفل) التي سعت الأمم المتحدة باستمرار لتعميمها وفرضها على العالم باعتبارها النموذج المثال.

ومن المهم أن نشير هنا إلى أن التحولات في الأسرة الغربية – والأوروبية تحديدا كان لقضية " تحرير المرأة « دور بارز فيها.

وكمثال، فإن المرأة الإيطالية بدأت العزوف عن كثرة الإنجاب أو عن الإنجاب كلية أو حتى الزواج، وتطالب بتحول العلاقة بينها وبين الرجل إلى مفهوم المتعة التي يجب أن تتساوى فرصة الرجل والمرأة في الحصول عليها، وبالتالي تفضيل الوظيفة البيولوجية " الجنس " على الوظيفة الاجتماعية. بل إن فكرة " المساواة " باتت في نظر « النسوية" { حركة التمركز حول الأنثى }مطلبا متخلفا، فإن الأنثى هي الأمل، ويمكنها الاستغناء عن الرجل تماما ويمكنها تحصيل لذتها وإنجاب طفلها من دونه أيضا.

بل إن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979م) اعتبرت "الأمومة " وظيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها أي إنسان. وهنا تفهم جيدا معنى " الفراغ العاطفي" الذي تعيشه الناشئة في الغرب وكان الأديب الفرنسي " مشال مواكبيك " Michel Aulpiqueتحدث عن الصورة المريعة للفراغ العاطفي في أوروبا في كتابه " الجزئيات الأساسية " الذي حقق أعلى مبيعات في أوروبا.

فالأسرة في السياق الغربي الحداثي§ تقوم على أساس تعاقد (شركة)، ومن هنا تقلصت مفاهيم وقيم التماسك بين الأفراد والتضامن والتراحم، ومسؤولية الأبوين، ومن تم تنتهي تماما المسوؤلية الواظفية والأخلاقية عند بلوغ الطفل السادسة عشرة، وتنتهي المسؤولية الاقتصادية بعد ذلك ببضع سنين.

ونتيجة الانهيار الأسرة الذي ترتب عنه الفراغ العاطفي والوجداني. يذكر ألين بيرو وإيمل بيريز في كتابهما " أمريكا: العنف والجريمة" أن معدل الجريمة الأمريكية مثلا طبقا لسنة 1998 بلغ ما يلي: جريمة سرقة عادية كل ثلاثة ثوان – جريمة سطو كل 14 ثانية – جريمة سرقة سيارة كل 25 ثانية – وجريمة سرقة مقرونة بالعنف كل 60 ثانية – وجريمة اغتصاب كل 6 دقائق – وجريمة قتل كل 31 دقيقة. ويقدر إجمالي كلفة الجريمة العنيفة في الولايات المتحدة " عد المخدرات بأثر من 700 بليون دولار سنوياـ وهو مبلغ يجاوز إجمالي الدخل السنوي الفردي في نحو 120 دولة في العالم.

ويقدر عدد المتعاطين للمخدرات بنحو أكثر من 12 مليون شخص في أمريكا وحدها.

أما الأسرة في المفهوم الإسلامي فتقوم على أساس تراحم مبني على الإيمان الديني، وعن هذا الإيمان ينبثق الالتزام بتشريعات والقوانين الأسرة وفي مقابل الحق الفردي في المفهوم الغربي يأتي الواجب الديني، وفي مقابل الحرية المنفلتة من أي ضابط، يأتي المسؤولية الأخلاقية، وبينما يتم إشباع اللذة بالممارسة الحادة بوصفها حقا مدعوما بالحرية في الرؤية الغربية، يكون إشباع اللذة في الرؤية الإسلامية بالزواج فقط ويتحمل كل من الزوج والزوجة مسؤولية المساهمة في بناء المجتمع الصالح، والفرد الصالح، وإذا كانت اللذة الجنسية تشكل نمط حياة الإنسان الغربي، فإن النشاط الجنسي في حياة المسلم هو شكل من أشكال العبادة، « وفي يضع أحدكم صدقة » رواه مسلم.

ولهذه الاعتبارات كلها وغيرها، وجدنا تفاوتا كبيرا بين الانحرافات الاجتماعية في الغرب وبين الانحرافات في المجتمعات الإسلامية.

عولمة المفهوم الغربي:

ومع هذه المفارقات البالغة حد التناقض بين المفهومين نرى أن ثمة محاولات عديدة لفرض النموذج الغربي وعولمته، عبر الإعلام بوسائله المختلفة، والنخبة المتغربة، باعتباره يندرج في عملية " التحديث "، ويتصل بمفهوم " حقوق الإنسان " (بالمفهوم الغربي)، ومن هنا لم يكن غريبا أن يدافع الحداثيون العرب عن الشواذ المصريين وأيضا عن مؤتمرات الأمم المتحدة، وتسفير سلطاتها لشرعنة النموذج الغربي قانونيا وسياسيا من خلال اتفاقيات تتعهد الدول الأعضاء بالإذعان لها، وتنفيذها عبر لجان ومؤسسات تراقب عملية التنفيذ.

ولعل أبرز تلك المؤتمرات والاتفاقيات: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة(1979)، والمؤتمر الدولي للسكان والتنمية (1994) ومؤتمر بكين (1999)، والتي ركزت على قضايا مركزية في المفهوم الغربي، هي: الحرية الجنسية، والإجهاض، ومصطلح الجندر(النوع) بدل لدل لفض الجنس ليشمل " التوجهات " الجنسية: { اللواط، والسحاق} وحقوق المرأة الفرد وليس العضو في الأسرة، والمساواة المماثلة التامة بين الذكر والأنثى، وإلقاء مفهوم " تمايز " الأدوار، وازدراء " الأمومة " واعتبار العمل المنزلي " بطالة "، لأنه من دون مقابل مادي. والأمر لا يقتصر على مقررات الأمم المتحدة، فثمة جماعات تتمتع بسلطة التأثير السياسي، وتشكل قوة ضغط، من أبرزها " جماعات الشواذ " التي لها دورها في الضغط على إدارات المؤتمرات الأمم المتحدة، وهناك " جماعات الحق في الاختيار " و " حق المرأة في الإجهاض " واستطاعت ترجيح كفة الرئيس الأمريكي السابق كلينتون في انتخابات 1992 – 1996 واستمالت قوى دينية وقساوسة إليها.

تعميم النموذج الإسلامي.

فإذا كان هذا حال الأسرة في الرؤية الغربية، وهذا أدوات عولمتها دوليا ومحليا من خلال التنظيمات النسوية، فماذا فعلنا نحن تجاه المفهوم الإسلامي للأسرة ؟ وإلى متى سنبقى في مرحلة الدفاع عن الأسرة المسلمة ونحن " أصحاب رسالة يجب أن يصغي لها الجميع. إن عودة «الله» للمجتمعات الغربية تغدو الحل الحاسم باعتباره القتم على القيم، ويمكن لتعاليم الإسلام الكثيفة والتي تشكل " نظرية اجتماعية "أن تقدم "دواء شافيا" في المجال الاجتماعي، وتعيد لشبكة العلاقات الاجتماعية تمسكها ووحدتها، وتسد الفراغ العاطفي، فالعلاقة الروحية بين الله والإنسان هي التي تلد العلاقة الاجتماعية في صورة القيمة الأخلاقية كما شرحه مالك بن بني، وكلما ضعف الدين ازداد الفراغ الاجتماعي بين الأفراد وهو مصداق قول النبي (ص) « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا » فكيف إذا غاب؟! ! .

لكي يواجهنا سؤال جوهري كيف يمكن لنا أن نفهم خطاب الأسرة الإسلامية إلى الآخر بوصفه " دواء " ليحقق الفاعلية الاجتماعية في الغرب؟ هذا يحتاج لمعالجة مستقلة مع بحث السبل والوسائل اللازمة لذلك. والسلام عليكم ورحمت الله تعالى وبركاته.










رد مع اقتباس