منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التعديل الدستوري مذكرتي الخاصة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-10-23, 15:09   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










M001 تابع

ثانيا: رئيس الحكومة(الوزير الأول بعد التعديل الجزئي لدستور1996)
تنص المادة 144 من دستور 76 على انه تمارس الحكومة الوظيفة التنفيذية بقيادة رئيس الجمهورية ويعين أعضاء الحكومة. أما دستور 89 فقد حدد اختصاصات الحكومة ورئيس الحكومة كالآتي:
" يعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة وينهي مهامه" كما أن المادة 79 الفقرة 01 من دستور 1996 تشترط تقديم أعضاء الحكومة إلى رئيس الجمهورية لتعيينهم، وتسهر الحكومة على تنفيذ القوانين والتنظيمات وهي مسؤولية أمام البرلمان ومن حق رئيس الجمهورية إنهاء مهام الوزير الأول ويتبع باستقالة أعضاءها.
وعلى الرغم من عدم وجود أي قيد دستوري يحد من حرية رئيس الجمهورية في اختيار الوزير الأول إلا انه سياسيا وعمليا يراعي التوجه السياسي السائد واختيار الشعب وذلك لعدة أسباب أهمها.
ضمان الحصول على موافقة البرلمان على مخطط الوزير الأول الذي يتوقف استمرار بقاءه على مدى تجانسه مع الأغلبية البرلمانية.
أما فيما يتعلق باختيار الوزراء فقد جاء في المادة 75 من دستور 89 "يقدم رئيس الحكومة أعضاء حكومته الذين اختارهم لرئيس الجمهورية الذي يعينهم" وهنا مثلما تصعب مهمة رئيس الجمهورية في اختيار الوزير الأول الذي لا يتم تعيينه إلا بعد مشاورات واتصالات تصعب مهمة الوزير الأول في اختيار أعضاء حكومته التي تصبح ائتلافية.
ويمارس الوزير الاول زيادة عن السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى من الدستور الصلاحيات المنصوص عليها في المادة 85 من دستور 1996 المعدلة بالقانون 08/19 و المتضمن التعديل الدستوري.
المطلب الثالث: مظاهر استقلالية السلطة القضائية
يتضح لنا من نص الدستور 1976 أن القضاء اعتبر كوظيفة من وظائف الدولة إلى جانب الوظائف الأخرى أي أن الوظيفة القضائية غير مستقلة غير أن دستور 1989 جاء ليؤكد الصفة المستقلة للسلطة القضائية في مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذية لكون أن هذا الدستور اعتمد مبدأ الفصل بين السلطات.
و أخيرا دستور 1996 وانطلاق من المواد 138-139-148 نستنتج أنه كرس مبدأ الفصل بين السلطات و تبنى استقلال القضاء.
الفرع الأول: الاستقلال العضوي
أولا: القانون العضوي للقضاء.
يحدد القانون رقم 89/21 المتضمن القانون الأساسي للقضاء حقوق وواجبات القاضي وكذلك قواعد تنظيم سير المجلس الأعلى للقضاء بالإضافة إلى المرسوم التشريعي رقم 92/05 وهو يضع القواعد التي تتعلق بتعيين القاضي وحقوقه في نطاق ممارسة وظيفته وخارجها وينص على أن التعيين الأول للقاضي يتم بمرسوم رئاسي بناء على اقتراح من وزير العدل وبعد مداولة المجلس الأعلى للقضاء.
كما انشأ مجلس الدولة بموجب المادة 152/02 في الدستور وصدر القانون العضوي رقم 98/01 يتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله.

ثانيا: سلطة رئيس الجمهورية
وفي المجال القضائي نجد أن رئيس الجمهورية يرأس المجلس الأعلى للقضاء بناءا على نصوص من دستور 1996 والدساتير التي سبقته .
وإذا كان المجلس الأعلى للقضاء يقرر تعيين القضاة ونقلهم وسير سلمهم الوظيفي فان ذلك يكون بقيادة رئيس الجمهورية صاحب الاختصاص في تعيين القضاة بموجب مرسوم تنفيذي
كما اسند الدستور لرئيس الجمهورية حق إصدار العفو وتخفيض العقوبات أو استبدالها باعتباره القاضي الأول في البلاد في حين يبقى أن مرسوم العفو يتخذ بصفة استقلالية من قبل رئيس الجمهورية مما يجعله غير قابل للطعن إلا أن الرأي الراجح يعده عملا تشريعيا ذو طبيعة فردية لكونه يحلل المحكوم عليه من سلطة القانون الذي بموجبه عوقب مما يحول تصرف رئيس الجمهورية إلى عمل من أعمال السيادة غير قابل للطعن.
الفرع الثاني: الاستقلال الوظيفي
اولا: ازدواجية القضاء
إذا كان دستور 89 قد اخذ بوحدة القضاء واحدث من خلال تكريسه لمبدأ الفصل بين السلطات عدة تحولات عميقة في تنظيم مؤسسات الدولة.
فان دستور 28/11/96 قد أعاد تنظيمها بشكل محكم واعتنق مبدأ ازدواجية القضاء فنهج منهج المدرسة الفرنسية وذلك سعيا منه لإبعاد العدالة من تأثيرات السلطة السياسية. والهدف من أخذه بازدواجية القضاء من العمل على إرساء قواعد النظام القضائي الإداري إلى جانب القضاء العادي وهو امتياز جاء به هذا الدستور، كما يعود تبني دستور 96 الازدواجية القضائية لمبررات مختلفة أهمها أن مركز الإدارة متميز ومن ثم يجب أن يكون لها قانون ينسجم مع طبيعة نشاطها ويجب أن تخضع لجهات القضاء الإداري المستقل حيث تؤكد المادة 147 انه" لا يخضع القاضي إلا للقانون" فضمن الفصل الثالث من الدستور السلطة القضائية مستقلة وتمارس في إطار القانون وهذا لا يختلف عن مضمون المادة 129 من دستور 89
ثانيا: الوظيفة القضائية
لقد اعتبر دستور 63 القضاء والعدالة من مبادئ النظام واخذ بمفهوم السلطة في تنظيم هياكل الدولة في حين اخذ غيره من الدساتير الأخرى بالمفهوم الوظيفي واعتبر الوظيفة القضائية من الوظائف الأساسية الهامة في الدولة غير أن دستور 89 أعاد لها صفة السلطة و أدرجها في المرتبة الثالثة بعد السلطتين التنفيذية والتشريعية.
فنجد أن المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي يتولى الإشراف على عمل القضاة وحالاتهم الوظيفية والتأديبية بينما تختص المحكمة العليا بتقويم الأعمال القضائية لكل الجهات القضائية في البلاد بمعنى أنها الجهة الموحدة للاجتهاد القضائي.
كما تم استحداث مجلس الدولة كهيئة مقومة لاعمال الجهات القضائية الإدارية ومن ثم أصبح النظام القضائي مزدوج عادي و إداري ولذا ظهرت محاكم إدارية بعد ما كانت غرفا إدارية على مستوى المجالس.
ولمعالجة ظاهرة التنازع في الاختصاص بين القضاء الإداري والقضاء العادي استحدث المشرع الجزائري محكمة التنازع.
كما أنشئت محكمة عليا للدولة تتولى النظر في الجرائم المتعلقة بشخص رئيس الجمهورية و الوزير الأول كما أبقي دستور 96 على المجلس الدستوري الذي يختص بالنظر في مدى دستورية القوانين والتشريعات. عملا بمبدأ القانون فوق الجميع.
و يتبين لنا من خلال هذه النصوص القانونية أن هناك ضمانات أساسية الاستقلالية السلطة القضائية في أداء مهامها كما أن الحكم على مدى ديمقراطية النظام وسيادة القانون يتوقف على مكانة المؤسسة القضائية في الدولة ومدى كفاءتها.
المبحث الرابع: آثار التعديل الدستوري على المجتمع المدني والعمل السياسي
ظهر مفهوم "المجتمع المدني" مع نشوء الدولة القومية ونمو الرأسمالية الحديثة، وتمحور، آنذاك، حول مفهوم "المجتمع البرجوازي" (كما عند هيجل وماركس). لكن المفهوم اكتسب مدلولات جديدة مع تطور الدولة الحديثة، والتحولات في النظام الدولي، وتأثيرات العولمة الاقتصادية (الرأسمالية) والثورة في الاتصالات ونظم المعلومات. واكتسب المفهوم بعدا أيديولوجيا لربطه بالحركات التي شهدتها بلدان أوروبا الشرقية، في عقد الثمانينات، والتي توجهت نحو تقليص سيطرة الدولة على الاقتصاد والتشكيلات السياسية والحركات الاجتماعية والنقابات والاتحادات النقابية والمهنية.
وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي مُنح المفهوم بعدا "تنمويا" من خلال منظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فقد باتت هذه المنظمات تنظر إلى "المجتمع المدني" باعتباره المجال الذي يتيح إشراك المواطنين في "التنمية البشرية المستدامة" بعد أن فشل التنمية في تحقيق التنمية في معظم دول العالم الثالث. وكان الدافع وراء إعطاء موقع خاص للمجتمع المدني في عملية "التنمية البشرية" تبني سياسة الخوصصة و"التكييف الهيكلي" – في إطار سيادة اقتصاد السوق – باعتبارها الأنجع للتنمية الاقتصادية. ومنح هذا بعدا جديدا لمفهوم "المجتمع المدني". فهذه السياسة التي روجت لها المؤسسات المالية الدولية، وخطاب "اللبرالية الجديدة" ركزت على حصر دور الدولة في تهيئة بيئة قانونية وبنية تحتية ملائمة لنمو القطاع الخاص باعتباره أداة التنمية الأساسية، مع توفير حد أدنى، بالمشاركة والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، من الرعاية الاجتماعية للفقراء. ودخلت لاحقا مفردات جديدة على خطاب التنمية خصت بالأساس منظمات المجتمع المدني كالمشاركة والتمكين. لقد منح المجتمع المدني وظيفة حماية الفرد من تعسف الدولة وسطوتها. أي منح بعدا واقيا وحاميا للفرد من تدخلات الدولة وتجاوزاتها.
ولقد دخل المجتمع المدني إلى الخطاب السياسي والفكري العربي من باب الحاجة للديمقراطية وحقوق الإنسان، أي من مدخل وضع المجتمع المدني في مواجهة الدولة (وطرح ثنائية المجتمع والدولة وعلاقة التنافر والاستبعاد بينهما)، وليس من مدخل إعادة تنظيم الدولة والمجتمع المدني باعتبارهما ركيزتين أساسيتين للمواطنة، ولإرساء أسس الديمقراطية السياسية والاجتماعية. فإعادة تنظيم الدولة على أساس فصل السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وتشريع حرية الرأي والتنظيم والتظاهر على أساس دستور يضمن الحريات المدنية أمور ضرورية لترسيخ المواطنة بما هي حقوق وواجبات. كما أن توسيع دور المجتمع المدني بما هو، بالأساس، أحزاب ونقابات وحركات اجتماعية تستند لحرية المواطن في التنظيم والدفاع عن مصالح ورؤى وانتماءات، هو المدخل لتكريس الديمقراطية كتجسيد لتعددية المصالح والرؤى في المجتمع وحق الأحزاب والقوى المختلفة في التنافس السلمي على السلطة ومن أجل التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
المطلب الأول: المجتمع المدني في الدساتير الجزائرية
تلعب مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب ونقابات وجمعيات وروابط وتعاونيات دوراً فاعلا في تنمية المجتمع وتحقيق توازنه على كافة المستويات: محليةً ودولية، وفي عملية التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي من أجل إحلال ونشر وتعميم النماذج الرائدة في الممارسة الديمقراطية، فهي تشكل واسطة بين الفرد والدولة، حيث لا يستطيع الفرد مواجهة الدولة وتحقيق مصالحه إلا من خلال عضويته في أحد التنظيمات المجتمعية، هذا من جهة؛ ومن جهة ثانية يمكن لهذه المؤسسات أن تشكل في الوقت ذاته مدارس للتنشئة السياسية على الديمقراطية، إذ أنها تزود أعضاءها بقدر كافٍ من المهارات التنظيمية والسياسية، وتشبعهم بالثقافة السياسية التي لا يمكن الحصول عليها في الأسرة أو المدرسة أو مكان العمل.
لهذا بات من الضروري على بلدان الوطن العربي أن تعيد النظر في سياساتها تجاه مؤسسات المجتمع المدني من أجل مجتمع ديمقراطي حر ومستقل.
و الحديث عن مكانة المجتمع المدني في دساتير الجزائر المختلفة يتطلب منا تقسيم ذلك إلى فترتين، فترة ما قبل دستور 1989، وفترة ما بعد دستور 1989.
أما الفترة الأولى فنعني بها دستوري 1963 و1976، فالدستور الأول نشأ في ظروف داخلية تمتاز بالصراع والتناحر على السلطة وكيفية الاستيلاء عليها، فلعبت القوة العسكرية آنذاك دوراً في إعطاء الحزب الواحد مهمة قيادة الجماهير الشعبية ومراقبة سياسة الأمة. ولقد نص دستور 1963 على حق المواطن الجزائري وحريته في تأسيس الجمعيات والاجتماع في المادة 19. كما نص في المادة 20 على حقه النقابي ومشاركة العمال في تدبير المؤسسات، إلا أنه قيدها بالقانون وعدم استعمالها في المساس باستقلال الأمة وسلامة الأراضي الوطني والوحدة الوطنية ونظام الأحادية الحزبية .. الخ
ومقابل ذلك وخوفاً من أن تنشأ مؤسسات قد تهدد كيان السلطة الحاكمة والحزب الواحد، واستناداً إلى المادة 23 من دستور 1963 قامت السلطات الجزائرية بمنع تشكيل أحزاب سياسية معارضة.
ولما جاء دستور 1976 أكد هو أيضا وبشكل صريح على تبنيه لفكرة التنظيم السياسي الواحد، والذي ألحقت به ستة تنظيمات جماهيرية بارزة آنذاك وهي: الاتحاد العام للعمال الجزائريين، والمنظمة الوطنية للمجاهدين، والاتحاد الوطني للشبيبة لجزائرية، والاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، والاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، والتنظيمات العلمية والقافية والمهنية.جميع تلك المنظمات يمنحها الميثاق الوطني دوراً في المشاركة في حياة الأمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، لكن مع خضوعها إدارياً وأيديولوجياً للحزب وتوجيهاته.
من كل ما سبق يمكن القول أنه وإن كان لتكوينات المجتمع المدني حضور في النص الدستوري لسنتي 1963 و1976 مع تنوع ميادين عملها إلا أن هيمنة فكرة الحزب الواحد عليها باعتباره الموجِّه والمراقب يقلل ويَعدم أحياناً فعالية وحيوية هذه المؤسسات المجتمعية، مما يجعلنا نصف مكانة المجتمع المدني في هذين الدستورين بمكانة قانونية وليست فعلية.
أما الفترة الثانية والتي نعني بها دستوري 1989 و1996؛ فلقد شكلت المصادقة على دستور 1989 منعطفاً قانونياً جذرياً أمضى رسمياً وقانونياً على شهادة وفاة الأحادية الحزبية والاحتكار السياسي، وبدأ بترسيخ الممارسة الديمقراطية على مستوى النصوص، بصياغة منظومة قانونية تسمح بالتعددية السياسية، والضمان لها بحرية التنظيم والتجمع والتعبير وإبداء الرأي.
لكن يمكننا أن نقر في هذا المقام، أن اعتماد دستور 1989 للنظام الليبرالي الحر والمعتنق للنمط الديمقراطي، والمتسم بتخلي الدولة عن كثير من مهامها الاقتصادية والاجتماعية؛ لم يكن نتيجة اختيار أو قناعة سياسية سابقة، وإنّما كان وراءه العديد من الأسباب والخلفيات وبضغط عدة عوامل ساعدت على التحرك في هذا الاتجاه الجديد.
إنّ دستور 1989 كان خطوة هامة في بناء صرح المجتمع المدني في الجزائر، فقد أقر حقوقاً اجتماعية للمواطن، وبعض الخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي تقوم بها الدولة والمتوقفة على مقدرتها الاقتصادية (المادة 50،51،52)، وارتكز الدستور على أسس ديمقراطية بتكريس الملكية الخاصة (المادة 49) ومبادئ التنظيم الديمقراطي والعدالة الاجتماعية (المادة 14) وإقرار التعددية الحزبية (المادة 40) والنص على دور الجمعيات والأفراد في الدفاع عن الحقوق الأساسية للإنسان وعن الحريات الفردية والجماعية (المواد 32، 39) والمادة (53) التي تؤكد الحق النقابي وتعترف به لجميع المواطنين وتحميه بقوة القانون.
أما دستور 1996 فأول خاصية تلاحَظ عليه هي توسيعه لنطاق المجتمع المدني وجعله يحتوي على حيز ينبئ بالتغيير من أجل التطور، فقد جاء بمواد جديدة وأضاف تعديلات إلى مواد كانت موجودة في الدساتير السابقة وخاصة دستور 1989.إن نطاق المجتمع المدني الذي أراد أن يرسيه الدستور الحالي يتبين من خلال العديد من المواد التي تريد أن تكرس جملة من الأفكار أهمها: مراقبة الشعب لعمل السلطات العمومية من خلال المجالس المنتخبة(المادة 14/02)، ومشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية (المادة 16)، وضمان الدفاع عن الحقوق الأساسية للإنسان وعن الحريات الفردية والجماعية بواسطة الجمعيات سواء منها السياسية أو المدنية(المادة33)، وضمان إنشاء الجمعيات وحرية التعبير والاجتماع(المادة 41)، وضمان حق إنشاء الأحزاب السياسية في إطار القانون واحترام القيم والمكونات الأساسية للهوية الوطنية والوحدة الوطنية(المادة42)، وضمان الدولة.
تلك هي مجمل النصوص التي تحدد الإطار القانوني للمجتمع المدني، وبالتالي تحدد مكانة هذا المجتمع دستورياً وقانونياً، وهي بلا شك مكانة مرموقة، لا يبقى إلا استغلال كل الإمكانات والوسائل لتجسيد وتفعيل المجتمع المدني الذي أصبح أحد المتطلبات الأساسية في الدولة العصرية، مع الإقرار بوجود عدة عقبات أمام هذا الصرح القانوني ومحاولة تجسيده على أرض الواقع.
وتتمثل تنظيمات المجتمع المدني فيما يلي:
أولا: الأحزاب السياسية
يوجد الكثير من المفكرين الذين يستبعدون الأحزاب السياسية من مجموع القوى والعناصر التي يتشكل منها المجتمع المدني، لكن واقعيا يمكننا أن ندخل الأحزاب السياسية ضمن عناصر المجتمع المدني، ونعتبرها أحد أهم روافد المجتمع المدني لما تلعبه من أدوار حاسمة في صنع القرار السياسي، كما تعد الأحزاب السياسية في الجزائر جزء من التكاثر السريع للتنظيمات المدنية بها.
لقد جاء قانون الجمعيات السياسية الصادر في سنة 1989 بمثابة الحارس الذي يضمن التسيير الحسن والتنظيم الأمثل للحياة السياسية في الجزائر، فقد عرف المشرع الجزائري الحزب بأنه: "يهدف إلى المشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية وسلمية من خلال جمع مواطنين جزائريين حول برنامج سياسي دون ابتغاء هدف يدر ربحاً".
والملاحظ أن جل الأحزاب الجزائرية المتواجدة على الساحة السياسية لم تراعِ قيم التنافس والصراع السلمي والتنوع بين الذات والآخرين، وحق الآخرين في تكوين منظمات مجتمع مدني، بدليل أنه لم يتم التداول على قيادتها منذ أن كانت سرية، كما يلاحظ بأن الحزب ليس دائماً ظاهرة سياسية قابلة لأن تصنف في خانة المجتمع المدني، بل يمكن أن يكون الحزب جزءً من بنيان الدولة حتى ولو كان لا يشارك عملياً في السلطة، ويمكننا أن نلمس قيمة هذه الملاحظة كلما استحضرنا طبيعة الحياة السياسية في مجتمعات العالم الثالث.
ثانياً:التنظيمات النقابية:
لا يقتصر تعدد تشكيلات المجتمع المدني في الجزائر على الأحزاب السياسية، بل إن التنظيمات النقابية تشكل أحد أقوى التنظيمات المدنية فيها، فجميع الدساتير الصادرة في الجزائر منذ الاستقلال تضمن ممارسة الحق النقابي.
لكن ما يمكن تسجيله هنا، هو أنه بالرغم من هذا الاعتراف القانوني لحق الفعل النقابي وعلى رأسها الاتحاد العام للعمال الجزائريين، إلا أن التبعية لهذا التنظيم سابقاً للحزب الواحد ومن خلاله للسلطة لم يفتأ يلقي بظلاله عليه حتى في ظل الدستورين الأخيرين، وهو ما يقلل من فعالية هذا التنظيم في سبيل تحقيق أهدافه كإحدى أدوات المجتمع المدني التي تسعى إلى خدمته وصيانة حقوقه بعيدا عن ضغط السلطة. وهذا ماكان مدعاةً لبروز نقابات جديدة منافسة له أصبحت بمرور الوقت تكسب شعبية في صفوف العمال لنشاطها البارز مؤخراً في مجال المطالبة والعمل النقابي الذي يضمنه الدستور.
ثالثاً: الجمعيات المدنية:
تشكل الجمعيات المدنية بمختلف اتجاهاتها وتنوع نشاطاتها دعامة متينة من دعائم المجتمع المدني في الجزائر، حيث وصل عددها إلى 830 جمعية وطنية و75000 جمعية محلية معتمدة رسمياً، ويعتبر القانون رقم 90/31 المؤرخ في 4 ديسمبر 1990 الذي يحدد كيفية إنشاء وتسيير الجمعيات خطوة كبيرة في مجال الاعتراف بحرية العمل الجمعوي، إلى درجة أن وصف البعض هذا التطور السريع بالانفجار في المجال الجمعوي.
وتعرف الجمعية طبقاً لهذا القانون وفي المادة 02 منه بأنها: "اتفاقية تخضع للقوانين المعمول بها ويجتمع في إطارها أشخاص طبيعيون ومعنويون على أساس تعاقدي ولغرض غير مربح، كما يشتركون في تسخير معارفهم ووسائلهم لمدة محددة أو غير محددة من أجل ترقية الأنشطة ذات الطابع المهني والاجتماعي والعلمي والديني والتربوي والثقافي والرياضي على الخصوص".
وتختلف الجمعيات المدنية عن الجمعيات ذات الطابع السياسي، ويلزم المشرع بألا تكون هناك علاقة بين هذين النوعين من الجمعيات سواء من الناحية التنظيمية أوالهيكلية أو المساعدات المالية، لكن نرى أن هذا الأمر ينافي واقع الجمعيات في الجزائر، فالعرف عند هذه الجمعيات السياسية خاصة هو السعي إلى تأسيس جمعيات مدنية تكون وسيلة تعبوية وأحياناً كثيرة كوسيلة ضغط إذا ما كانت أهدافها مطالبية كالنقابات والتنظيمات الطلابية.
وهذا ما يسوقنا إلى واقع تنظيمات المجتمع المدني في الجزائر بشتى أطيافه، فالملاحظ يرى أنها تفتقد للمعايير التي يجب أن تسير عليها، وأفضل دليل على ذلك هو عدم استقرارها وكثرة الانقلابات والصراعات التي تشهدها معظم تلك التنظيمات، مما شكل عائقاً أمام نموها وتطورها، ضف إلى ذلك قضية التمويل والدعم التي جعلت من عملها كهيئات مستقلة عن السلطة أمراً غير ممكن، مما يقلل من فعاليتها في الحفاظ على حقوق الأفراد والجماعات أمام التعسف الذي قد يصادفونه منها.

رابعاً: الإعلام:
بمجرد صدور دستور 1989؛ الذي سمح بتأسيس الجمعيات السياسية وبحرية الصحافة وتنوعها (المادة39 منه) تدعّم الإعلام العمومي والجهوي بإصدارات جديدة ومتنوعة بتنوع الجمعيات السياسية الناشئة، وأصبح بالتالي مؤسسة ذات صبغة إعلامية ثقافية، وأضحت الهيئات الإعلامية بمثابة مكون آخر يدعم تشكيلات المجتمع المدني بأنواعه.
وسائل التعبير والتغيير المتاحة للمجتمع المدني
إنّ الدور الهام للمجتمع المدني في تعزيز وتوفير الشروط الضرورية لتعميق الممارسة الديمقراطية وتأكيد قيمها الأساسية ينبع من طبيعة المجتمع المدني، وما تقوم به منظماته من أدوار ووظائف فى المجتمع لتصبح بذلك بمثابة البنية التحتية للديمقراطية كنظام للحياة وأسلوب لتسيير المجتمع، وهي من ثم أفضل إطار للقيام بدورها كمدارس للتنشئة الديمقراطية والتدريب العملي على الممارسة الديمقراطية.
ولا يمكن تحقيق الديمقراطية السياسية فى أي مجتمع مالم تُصير منظمات المجتمع المدني ديمقراطية بالفعل باعتبارها البنية التحتية للديمقراطية فى المجتمع بما تضمه من أحزاب ونقابات وتعاونيات وجمعيات أهلية وروابط ومنظمات نسائية وشبابية.. الخ. حيث توفر هذه المؤسسات فى حياتها الداخلية فرصة كبيرة لتربية ملايين المواطنين ديمقراطيا، وتدريبهم عمليا لاكتساب الخبرة اللازمة للممارسة الديمقراطية فى المجتمع الأكبر بما تتيحه لعضويتها من مجالات واسعة للممارسة والتربية الديمقراطية.
إن في وجود مجتمع مدني حقيقي وفعال وسيلة لتقنين الصراعات داخل المجتمع ومن ثم تحقيق الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي، إذ أن العضوية في أحد المؤسسات يتيح للفرد الحماية عند انتهاك أحد أجهزة الدولة حقوقه. فهذه التنظيمات تقوم بعملية تقنين السلوك الاحتجاجي للأعضاء في مواجهة الدولة، وهذا ما يعرف بقيم إدارة الصراع الاجتماعي بشكل سلمي ومنظم، في حين أنّ الأمر خارج بيئة المجتمع المدني تتسم بالعدوانية والتصرف العشوائي الضار، والأفراد يفتقدون إلى القدرة على إيجاد حياة لأنفسهم يعتبرها الجميع ذات معنى وقيمة مستمرة.
إنّ الاعتراف القانوني والدستوري بالمجتمع المدني، صاحَبه أيضاً تنظيمٌ في طرق ووسائل التعبير والتغيير أيضاً، فالمجتمع المدني هو كيان يملأ الفراغ الذي يوجد بين المجتمع والدولة، ووسائل الاتصال بينهم هي أفضل الطرق لإسماع انشغالات ومطالب المجتمع، سواء لكسب التعاطف وتوعية الناس بمصالحهم، أو توجيه رسائل إلى المسؤولين للعمل على تصحيح الوضع القائم.
ويمكننا أن نجمل أهم طرق ووسائل التعبير والتغيير المتاحة للمجتمع المدني في الجزائر دستورياً وقانونياً - بغض النظر عما يفرضه قانون الطوارئ الصادر في 1992 عليها فيمايلي:
1* الاجتماع واللقاءات: وهذه الوسيلة مكفولة دستورياً من خلال المادة 41 من الدستور الجزائري. فمنظمات المجتمع المدني من خلال عقد الاجتماعات واللقاءات المفتوحة تستطيع أن تبلغ رسائلها وانشغالات المواطنين، وكذلك توعيتهم بمصالحهم ومشاكلهم التي يعيشونها.
2* العمل التوعوي والإرشادي: وهو من أهم وسائل مؤسسات المجتمع المدني للتواصل مع المجتمع وإيصال رسائلها إلى المسؤولين، وفي هذا الإطار نجد مثلا أن قانون الجمعيات 90/31 السابق الذكر قد نص في المادة 19 منه على أنه يمكن للجمعية أن تصدر وتوزع في إطار التشريع المعمول به نشريات ومجلات ووثائق إعلامية وكراسات لها علاقة بهدفها. كما أن لمنظمات المجتمع المدني الأخرى حرية التواصل مع وسائل الإعلام والنشر المختلفة وكذا تطوير مواقع الأنترنيت، كفضاءات إضافية لإيصال صوتها وإسماع انشغالات المجتمع من خلالها.
3* التواصل فيما بين منظمات المجتمع المدني: لا يوجد في نص القانون أية مادة تحظر على الجمعيات العمل بشكل جماعي حتى أن بعض الجمعيات في بعض الولايات نجدها تشكل اتحادات فيما بينها للعمل الجماعي، وهذا مايجعل منه وسيلة أخرى ذات جدوى لتفعيل نشاط الجمعية لإيصال صوتها والتعبير عن آمال المجتمع وآلامه. بل إن القانون قد أجاز مثلا للجمعيات ذات الطابع الوطني الانضمام إلى جمعيات دولية تنشد الأهداف نفسها أو الأهداف المماثلة مع شرط احترام الأحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها، مع أن هذا الانضمام يلزمه موافقة وزير الداخلية، وهذا ما تنص عليه المادة 21 من قانون الجمعيات الجزائري.
4* الإضراب والاعتصام والمقاطعة:وهي وسائل يمكن توصيفها بوسائل الضغط والاحتجاج، وعادة ما تلجأ إليها منظمات المجتمع المدني عندما تصل مراحل الحوار مع السلطة أو عدم جدوى الوسائل الأخرى في إيصال رسائلها أو التفاعل معها لإحداث التغيير اللازم، وهي وسائل محفوفة ببعض المخاطرة لذا عادة ما تعمد الدولة بعد الاعتراف بشرعيتها إلى تقييدها ببعض الشروط حتى لا تخرج عن الإطار المطالبي السلمي، لأن أغلب الصدامات التي تحدث تكون جراء انحراف هذا النوع من وسائل التعبير والتغيير عن أهدافه، أو تجاوز القائمين عليه للضوابط المشروعة لتنظيمه.
المطلب الثاني: التأثير المباشر وغير المباشر للمجتمع المدني في التعديلات الدستورية
من المهم في هذا المقام أن نقف عند التقرير السنوي الثاني الصادر عن " الشبكة العربية للمنظمات الأهلية " والذي يتناول تطورات القطاع الأهلي أو المدني خلال عام 2002. يقع هذا التقرير في 270 صفحة، ويغطي 16 دولة عربية، هي: الأردن، والإمارات العربية، والبحرين، وتونس، والجزائر، والسودان، وفلسطين، وقطر، والكويت، ولبنان، وليبيا، ومصر، وسوريا، والمغرب، وموريتانيا، واليمن. كما شارك في إعداد هذا التقرير حوالي 20 باحثًا وخبيرًا من المختصين في شؤون العمل الأهلي والمجتمع المدني العربي.
فنجد فيه أنه جرّاء التفاوت في مواقف السلطات المسيطرة في البلدان العربية، واستنادا إلى واقع التطورات التي رصدها التقرير بهذا الخصوص خلال عام 2002 فإنه يمكن التمييز بين ثلاث مجموعات من الدول العربية، تباينت مواقفها بين المرونة والتصلب فيما يتعلق بمسألة تغيير وتطوير قوانين العمل المدني على النحو الآتي :
أ- التغيير المحافظ: وقد حدث هذا النمط من التغيير بصدور تشريعات جديدة في كل من فلسطين واليمن والمغرب ومصر، على مدى السنوات: 2000، و2001، و2002. وبالرغم من نجاح ضغوط مؤسسات المجتمع المدني في تغيير الأطر القديمة واستصدار قوانين جديدة؛ فإن هذا التغيير جاء محملا بكثير من التحفظات -وفي بعض الأحيان القيود- التي من شأنها الحد من حرية عمل المنظمات غير الحكومية، واستمرار تعرضها للتدخلات الإدارية الحكومية في شئونها، وبخاصة فيما يتعلق بإجراءات التسجيل والإشهار، وحق الجهة الإدارية في حل الجمعيات، وممارسة رقابة صارمة على مصادر التمويل، وبخاصة المصادر الأجنبية بدوافع وتبريرات أمنية.
ب- الضغط من أجل التغيير: وهو ما شهدته بلدان مثل الأردن، والبحرين، والسودان، وموريتانيا، والكويت. ويتمثل الهدف الرئيسي للقوى المطالبة بالتغيير في ضرورة إعادة النظر في القوانين القديمة التي مضى على صدورها ما يقرب من 4 عقود، وإدخال التعديلات التي تتجاوب مع المستجدات التي شهدها المجتمع العربي في السنوات الأخيرة. ولم تصل هذه الضغوط إلى نتيجة محددة حتى نهاية عام 2002.
ج- السكون على الوضع القائم: وهذه الحالة هي التي شهدتها مجموعة أخرى من الدول التي تشهد بين الحين والآخر إجراء بعض التعديلات غير الجوهرية على القوانين القديمة، وتشمل هذه المجموعة دولا مثل: ليبيا (أدخلت عدة تعديلات كان آخرها سنة 2001)، وسوريا (لا يزال العمل فيها وفقًا لقانون 1958)، والإمارات (لا يزال العمل فيها وفقا لقانون 1974).
هذا بالنسبة لتأثير المجتمع المدني الذي أبرزه التقرير في تعديل القوانين والتشريعات العربية ذات العلاقة بالعمل المدني، مما يشير إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني في التغيير السياسي.
لكن إلى أي مدى يمكن للمجتمع المدني أن يؤثر في التعديلات الدستورية سواء بطريق مباشر أو غير مباشر؟
إن الإجابة على هذا التساؤل قد يبدو صعباً بالنسبة لواقع المجتمعات العربية التي تتسم فيها الدولة بالنمطية المركزية في الحكم، والعلاقة المتوترة عادةً بين السلطة فيها وبين هيئات منظمات المجتمع المدني بشتى أطيافه.
لكن يمكننا أن نقر بأن المجتمع المدني قد يشارك بطريق غير مباشر في المراجعات والتعديلات الدستورية من خلال مشاركته الفعالة بالوسائل التعبيرية المتاحة له في النقاش الوطني الذي قد يفتحه عن قصد في اتجاه معين، من أجل لفت الأنظار إلى بعض النقائص أو الثغرات التي يراها تمس بمصالح وآمال المجتمع، وإن لزم الأمر إلى اللجوء إلى بعض وسائل الاحتجاج من خلال المساحات المتاحة قانونياً، ويمكننا هنا التمثيل بما حدث في المجتمعات والدول الغربية التي يعرف المجتمع المدني فيها نوعاً من النضج السياسي، كما حدث بالنسبة للجمعيات النسوية في مطالبتها بحقوقها المدنية والسياسية في العديد من الدول، وكذلك النشاط البارز للمنظمات المناهظة للعنصرية والتمييز العنصري التي كانت تطالب بتعديل الدساتير التي أجحفت في حق فئات من تلك المجتمعات.
أما في الدول العربية فيمكننا التمثيل بالجزائر كمثال للتأثير المباشر وغير المباشر لمنظمات المجتمع المدني في مراجعة وتعديل الدستور بشتى الطرق، وذلك من خلال نشاط منظمات المجتمع المدني التي تحركت مباشرة بعد أحداث 5 أكتوبر 1988 للمطالبة بشتى الوسائل المشروعة آنذاك لتعديل الدستور وفتح الميدان السياسي الذي كان منغلقاً على حزب واحد، وعدم التضييق على الأفراد وحماية حقوق الإنسان وحرية التعبير، وهذا ماحدث بالفعل، وكرسه دستور 1989.
وبعيدا عن كل الخلفيات السياسية و التوصيفات القبلية التي اصطبغت بها الأحداث التي عرفتها منطقة القبائل، وتجاوزاً لكل القراءات التي قد ترتبط بتحليل أهداف تلك الحركات التي تمتد تاريخياً منذ الاستقلال إلى غاية صدور دستور 1996، فإننا يمكن أن نقر بأن هذه التجربة أيضاً قد كان لها تأثيرٌ مباشرٌ وغير مباشر في العمل على إحداث تعديل دستوري مهم يخدم بعضاً من أهداف المجتمع المدني التي ناضل من أجل إرسائها، وهذا ما ترجمه التعديل الدستوري لسنة 1996، حيث وبالإضافة إلى الحيز الكبير الذي أقرّه بتوسيعه لنطاق المجتمع المدني وجعله يحتوي على مجالات أخرى تنبئ بالتغيير من أجل التطور؛ فإننا أيضا نلاحظ تغييراً حتى في ديباجة الدستور بخصوص موقع الأمازيغية كأحد المكونات الأساسية للهوية الجزائرية الثلاثية الأبعاد، وهي الإسلام والعروبة و الأمازيغية.
لكن بالرغم من كل ذلك فإننا يجب أن نقر بأننا لازلنا بعيدين عن مجتمع مدني فعال في الجزائر يرقى إلى طموحات الشعب في التغيير والتأثير في الساحة السياسية والاجتماعية، فمنذ صدور قانون الطوارئ لسنة 1992 والذي لا يزال ساري المفعول والعمل المدني أصبحت تتحكم فيه معايير أخرى بعيدة عن المعنى الحقيقي للمهام والأدوار التي يجب أن يلعبها كوسيط أساسي بين المجتمع والدولة.
ونعتقد أن هناك نية في تدارك الأمر من طرف السلطة في الجزائر، بدليل تضمين مادة دستورية على وجوب العمل على إنشاء الجمعيات والتشجيع على ازدهار الحركة الجمعوية في المادة 43 من الدستور، ولقد أسّست مؤخراً أكاديمية للمجتمع المدني بالجزائر تعمل على ترشيد العمل الجمعوي وتفعيله، والذي سيثمر مجهودها عن قريب في تأسيس أول معهد لتدريب قادة المجتمع المدني في الجزائر، والذي سيتولى مهمة تكوين مسؤولي الحركات الجمعوية والمكاتب التنفيذية وحتى رؤساء المجالس الشعبية البلدية في العديد من المجالات، إذ تشير إحصائيات خاصة بالأكاديمية أن 60 بالمئة من رؤساء الجمعيات مستواهم العلمي يتراوح بين السادسة ابتدائي والثالثة ثانوي، وأن 15 بالمئة منهم جامعيون يفتقدون للكفاءة والقدرة على تسيير الجمعيات، بينما يستعمل 25 بالمئة من رؤساء الجمعيات مناصبهم للحصول على مصالح شخصية وأموال يحولونها إلى رصيدهم الشخصي مما يطعن في مصداقية تلك الجمعيات.