منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - لكل من يبحث عن مرجع سأساعده
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-10-21, 13:00   رقم المشاركة : 102
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.
ح بين الحكايات والصور القصصية، التي حاولت أن تقبض على الزمن القصصي بمعطياته الفنية، لكنها عجزت، فكانت قصة غير ناضجة "يمكن اعتبارها تأسيساً لجنس القصة بمفهومها الجمالي في ما بعد"(14).
واستمرت هذه النمطية في الكتابات مع اندفاع حماسي أحياناً في محاولة لتطوير هذا الفن وتخليصه من ثقل الأسلوب وتحجر اللغة، "فكانت الدعوة صريحة لجرأة قلمية، وتهجم فكري على ما لم يسبق طرقه من
المواضيع"(15).
وعلى هذا يمكن الحديث عن تطور نسبي لفن القصة في الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية حيث انتشرت الصحافة العربية في الجزائر، وعادت الحياة إلى سيرتها الطبيعية "فظهر كتاب جدد، أخذوا يعالجون الفن القصصي ويتعاطونه بشيء من الفهم والنجاح معاً كرضا حوحو، أحمد بن عاشور وأبو القاسم سعد الله، وعلى أيديهم اتسعت المضامين، فشملت الوطني الاجتماعي والنفسي"(16).
وقد كان لذلك تأثيره في اقتحام الكتابة في مجال القصة. ومن المرتكز نفسه يمكن اعتبار هذه المرحلة جديدة سواء على مستوى المضامين أو على مستوى النضج الفني الذي ظهرت فيه قصص هذه الفترة، وهذا شيء طبيعي لأن ميلاد القصة الفنية في الجزائر لم يأت إلا بعد مراحل، "فلم يكن تطورها مفاجئاً، وإنما سارت في طريق التطور ببطء"(17).
أولاً: ملامحها إبان الثورة
إن علاقة الأدب الجزائري بالثورة التحريرية لم يعد شيئاً يحتاج إلى تأكيد، كون هذه العلاقة كانت ولا تزال حميمية. فالكاتب الجزائري هذا الممتزج بالأرض روحاً ودماً قد سخر قلمه لينفث من ذاته أجمل ما تقوله الكلمة اعترافاً لهذا الوطن بجميله.
وكان فن القصة قد أطلق من أسره لينافس الشعر، بل وليتجاوزه بخطاب أكثر مصداقية وواقعية، بعد أن وجد الأرضية التي طالما بحث عنها والفضاء الذي اكتفى لأن يكون كمتنفس، وهكذا يمكن الحديث عن قصة بدأت تتلمس بعض عناصر الفنية مع الثورة التحريرية "باعتبار أن هذه الثورة كانت الحلم العذب الذي طالما راود النفوس"(18). وقد فتقت مواهب الكتاب فكانت لهم الدافع لخوض غمار الكتابة في هذا الجنس الأدبي، بعد أن كانوا لا يريدون الحديث عن فن يسمى القصة. تاركين المجال للشعر، حتى غدا الأدب في الجزائر هو الشعر وكفى.. إن الثورة التحريرية قد دفعت بالقصة خطوات إلى الأمام بأن جعلتها تتجه إلى الواقع، تستمد منه مضامينها وموضوعاتها، فتحول محور الارتكاز من التقاليد والحب والمرأة إلى الإنسان والنضال والروح الجماعية، وقد مثل هذه المرحلة أدباء، أبرزهم عبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار وعثمان سعدي.
ثانياً: البنية الفنية لقصص الثورة
حين أشرنا إلى أن القصة العربية في الجزائر قد بدأت تعرف النضج مع بداية الثورة، حيث أطلق أسرها وتخلصت من عقدة الشعر إلى جانب الانفتاح الثقافي على العالم العربي فإن ذلك لا يعني الجزم أنها أصبحت تتوفر على السمات الفنية الكاملة لجنس القصة، فقد حافظت في هذه المرحلة على البناء الكلاسيكي ولم تتخلص كلياً من بعض السقطات كاللغة الوصفية الموغلة في التقريرية، والحوار الخارجي الذي ظل يطفو على السطح، ولم يمس عمق الذات، ثم البقاء في دائرة المضمون الثوري الذي أثر على تطورها فنياً.
وقد عبر عن ذلك محمد مصائف فيما يتعلق بكتابات الطاهر وطار، حين يقول:
"إن وطار كاتب فكرة بالدرجة الأولى، وهو أن كتب قصة، فإنما ليعبر عن موقف فكري يشغله منذ زمن، ولعل هذا ما يسمح له أحياناً باعتبار شخصياته شخصيات واسطة"(19).
وهذه الوسطية –في رأينا- هي التي جعلت فن القصة في الجزائر في تلك الآونة يخضع لنمطية سكونية لا يبرحها "فإذا بحثنا عن الحدود الفنية لهذا الجنس ألفينا الحياة الاجتماعية والاهتمامات القومية تطل جميعها على القارئ الواعي من كل سطر من سطور القصة"(20). وهذا ما أثر على بناء القصة فنياً باعتراف النقاد الجزائريين.
ثالثاً: بنية الخطاب القصصي بعد الاستقلال
أ-فترة ما قبل الثمانينيات
هل يمكن الحديث عن ملامح قصة جزائرية متميزة فنياً عن القصة التي كتبت إبان الثورة. الحقيقة أنه لا يمكن ذلك لأن الجيل الذي كتبها في هذه الفترة هو نفسه الذي مارس كتابتها بعد الاستقلال، حيث كان خطابها يحمل الهم ذاته، إن لم نقل أنه ازداد تشعباً فالمضامين التي وجدت القصة نفسها في مواجهتها كانت أكبر مما يتصور، ولذا لا نخال الدارس يحتاج إلى طول تأمل من أجل أن يقتنع بطغيان المحور الاجتماعي على مضمون ما صدر من مجموعات قصصية، حتى كادت هذه الكتابات أن تتوحد في صوت واحد لترسم خطها البياني في عمق التحولات التي كان المجتمع الجزائري مقبلاً عليها، بحيث طغى مصطلح الالتزام الذي يستند –كما هو معروف- إلى خلفية أيديولوجية، هي وليدة تحولات مدارسية شهدتها أوربا مطلع هذا القرن فكان التزام الأديب الجزائري كما يرى وطار "نابعاً من اقتناعه في إطار الأيديولوجية الاشتراكية، وأن يكون كالتزام العامل المناضل الذي لا ييأس من صلاح الأوضاع، ويتحمل من أجل المحافظة على الخط الاشتراكي كل ما يصيبه من أتعاب"(21).
إن هذا النزوح المجتمعي الحاد الذي طبع آفاق عشريتين بعد الاستقلال كان يستمد مرجعيته من متن اجتماعي توحدت فيه كل الرؤى والتصورات "لتنتهي إلى الواقعية منهجاً في معالجة القضايا الحيوية المختلفة"(22). وهي معالجة لم تخرج عن الرصد السطحي لنوعية الصراع، فاعتمدت على الخطاب المباشر "مما أسقطها في الشعارية والسطحية، فابتعدت عن الفن وعن
الجمالية"(23).
ولعل ما يكشف هذا التوحد تحت وطأة عنف المضمون الذي شمل هذا الجنس الأدبي في الجزائر، وجعله يئن تحت سلطة محمول اجتماعي مباشر، وغاية موجهة ما ذهب إليه الطاهر وطار، حيث يشير في مقدمة روايته "اللاز" إلى قولـه: "سأقتطع من عمري سنوات أخرى ساعة، فساعة، لأصنع رسماً جميلاً لبلادي الثائرة بلاد التسيير الذاتي، والثورة الزراعية، وتأميم جميع الثروات الطبيعية والمسيطرة على تجارتها الخارجية والمتصنعة والتثقيفية، والواقفة إلى جانب جميع الشعوب المكافحة في العالم"(24). ومن أجل كل ذلك "نلفي ظل هذه الثورة لا يكاد يزايل كاتباً من الكتاب الجزائريين فمنهم من يؤثر فيه أشد التأثير ومنهم من يؤثر فيه تأثيراً عابراً، لكنه ثابت ملموس"(25).
ولعل الدراسة التي قدمها عبد الملك مرتاض في كتابه القصة الجزائرية المعاصرة، والتي توصل من خلالها –وبدقة إحصائية- إلى عنف المضمون وطغيان البعد الاجتماعي في سبع مجموعات قصصية لكتاب نخالهم يمثلون –بحق- القصة الجزائرية بعد الاستقلال. إن هذه الدراسة لا تترك أمامنا مجالاً للشك في ما أشرنا إليه سلفاً، بحيث استنتج الباحث تقاطع هذه الأعمال في محاور مشتركة لم تخرج في مجملها عن دائرة الفقر، والهجرة،
والأرض"(26). كما توضحه هذه الرسمة.

مج(1)

مج(4)

مج (7)

(فقر+ جهل+ هجرة…)
إن الحديث عن هذا الجيل وإن لم يستطع التخلص من ثقل مرحلة الثورة والتحولات الجديدة التي سايرت الأدب في تلك الفترة لا ينفي عنه كونه حاول أن يتمثل بعض التجارب الفنية التي وصلت إليها القصة العربية على الأقل، مما أدى ببعض كتابها إلى مراعاة المزاوجة بين الإبداعي والمضموني المجتمعي من خلال إطلاعهم على الروافد الفكرية والاحتكاك بالجامعة وطغيان المناهج الحداثية التي ركزت على الجمالية وتعاملت مع اللغة بوصفها بنية فعالة مؤثرة في السياق(27). لكن أغلب هذه الكتابات لم تفلح في الخروج من دائرة هذا الاجتماعي الطاغي، وهي فكرة يدعمها محمد مصائف حيث يشير إلى أن "معظم مواضيع القصة الجزائرية بعد الاستقلال لا تبرح الثورة وما يتصل بها من حديث عن الهجرة خارج الوطن، وآثار الاستعمار كما هو عليه في مجموعة زهور ونيسي-الرصيف النائم- ودودو في –بحيرة الزيتون- ووطار في الطعنات"(28). ولم تبرح القصة خلال هاتين العشريتين إطارها الذي رسمته لنفسها منذ بداية تشكلها مما يدفعنا إلى القول إنها لم تحدد لنفسها خصوصية، وسمات تميزها، مما جعلها تؤول إلى نمطية آلية وتكرارية مقيتة في خضم الواقع برصد أفقي، حتى أن الدارس لقصص هذه المرحلة لا يجد إلا صوتاً واحداً يتكرر عبر هذا التراكم الكتابي وقد ملت الأذن سماعه لأنه خطاب بات يعيد نفسه عبر عشرات القصص المنشورة هنا وهناك، وقد افتقرت إلى ذلك التصور الفني كمفهوم شامل للكتابة، "والاعتماد على الحالات الفردية والجماعية وتحركها المتواصل كتجسيد لمختلف المفاهيم النظرية والأيديولوجية، بل يكتفي بالرصد السطحي(29).
إن قصص هذه المرحلة لم تستطع أن تبلور تجربة فنية متميزة تتمظهر فيها التجليات الجمالية، بل راحت تؤسس التجربة المضمونية بكل عنف وتؤرخ مجتمعة لصيرورة البنية الاجتماعية مما جعل هذا العنف يسمو على كل تفكير في البناء الفني، ويطغى على كل تجريب يخص هذا الفن النثري.
ولعل أقرب شيء يمكن ملاحظته في عقم هذه المرحلة من حيث بنيتها الفنية هو عجز اللغة كأداة قوية في تثوير النص، والسير به بعيداً في عمق الأحداث فكانت غائبة عن ديناميكية الحدث، بحيث لا نشعر بأن هذا الرصف من الجمل إنما يتوحد ويشكل كلا متكاملاً مع تجربة الكاتب، بل نحس أن هناك انفصالاً رهيباً بين هذه اللغة المحكية كنسيج فني، وبين أحداث العمل القصصي.
وعليه فاللغة لم تسهم في كشف الأبعاد الدرامية للموضوع المتناول.
"فبدل أن تكون وسيلة للكشف، وتنمية الموقف الدرامي، فقد أصبحت عائقاً كبيراً يسهم بشكل مباشر في عملية الهروب من التشكيلات الجديدة للغة"(30).
فظلت بعيدة كل البعد في الكثير من المجموعات القصصية عن أداء دورها الفعلي، فهي سطحية لا تتجاوز لغتها البعد المعجمي، ولم تكن ذات ظلال وأبعاد نفسية يكشف من خلالها الكاتب عن أغوار الذات وتناقضات المواقف التي عالجها في تلك النصوص وبالتالي ظلت جامدة تحس أنها موظفة قسراً في كثير من الأحيان بل "أنك لواجد استخدام القاموسية الكلاسيكية، أو الكلام الميسور الأقرب إلى الأذن"(31).
ولعل ما يؤكد أن قصص هاتين العشريتين كانت كائنة بالمادة الاجتماعية أنها لم تكن تملك وعياً فنياً متكاملاً، لأن الصدق الاجتماعي والتاريخي في نظر كتاب هذه المرحلة هو الذي يغذي وينمي الصدق الفني. "ويتيح له الرؤية العميقة، والمضمون المؤثر الفعال"(32).
مع أن الأدب مهما زعم الزاعمون حول مفهومه ورسالته ووظيفته يظل جنساً ينتمي إلى الفن قبل كل شيء، والفن في أدنى مفهوم له يظل محتفظاً بطائفة من القيم الجمالية التي تضفي على الواقع سمة هي التي تكسبه في الحقيقة القدرة على التأثير في النفس. وهذه الانطوائية المضمونية هي التي جعلت فن القصة خلال المرحلة المذكورة يصنف ضمن الأدب الواقعي الحرفي، والذي كان أميناً للمرحلة، مما ولد نقداً مسايراً تمحورت رؤاه حول الطروح الاجتماعية الظرفية، فكان أن تواطأ- على الرغم من تواضعه- مع تلك الكتابات فلم يضايقها، أو يدخل معها في أسئلة الإبداع والنقد الحقيقيين.
وقد أرجع بعض الدارسين ذلك إلى أن الذين كانوا يمارسون الكتابة هم –أغلبهم- الذين مارسوا عملية النقد، مما أنتج تراكمات في الكتابات القصصية والنقدية تتقاطع جميعاً في محور الأدب والمجتمع وخطاباً ذا منظور إيحائي ضعيف، أسقط النص في تكرارية ونمطية "قللت من إنتاجيته الفنية نظراً لفقر الكتابة وعدم أصالتها وربما مدرسيتها"(33). وهذا كله حال دون تمثل –وبعمق- التجارب الفنية المتأصلة التي أثراها النقد الجديد وتلقفها كتاب القصة سواء في العالم العربي أو في غيره، فحتى التراث الذي هو امتداد للحاضر وقراءة في الماضي لم يستطيع كتاب القصة الجزائرية خلال هذه المرحلة امتصاصه على الرغم من إقبالهم عليه، "مما جعله عائقاً في وجه التقدم الفني لخلق لوحة جمالية معاصرة للواقع"(34).
كل هذا جعل فن القصة العربية في الجزائر بعد الاستقلال "خليطاً من القصص لا ملامح لها أو سمات تدل على اتجاه، أو اتجاهات واضحة وهذه الذبذبة بين أساليب مختلفة لا تعطي طابعاً خاصاً للقصة في مرحلة ما بعد الاستقلال"(35).
ب-ملامح القصة الثمانينية:
إن هذا المشهد الموحد للقصة الجزائرية خلال هذه الفترة التي تعرضت لها أو افتقارها إلى الخصوصية الفنية والاكتفاء بالبعد المضموني في أكثر الأحيان، هو ما جعلني أتلمس تجربة جديدة لكتاب جيل الثمانينات الذين –ومن خلال إطلاعي على بعض المجموعات القصصية وقصص منشورة بجرائد ومجلات وطنية- وجدت أنهم يمثلون تجربة جديدة مقارنة بمن سبقهم، ولعل ذلك لا يخلو من منطق فكري وثقافي، اتسمت به مرحلة هذا الجيل نشير إليها في الآتي:
1-فتور عنف المرحلة وتراجع محور المضمون:
إن القصة العربية الجزائرية في مرحلة ما قبل الثمانينيات كانت تعيش فضاءً متميزاً، طغى عليه عنف المضمون، ووظيفة الأدب، حتى غدا هم الكتاب الأوحد هو إخراج أعمالهم في ثوب اجتماعي سواء آمنوا بالفكرة أو لم يؤمنوا، يدفعهم في ذلك التشجيع الذي وجدوه من قبل وسائل النشر ذات التوجه الاجتماعي هي الأخرى حتى أننا أصبحنا أمام قصص هي مجرد بيانات سياسية، أو مقالات فكرية تعبر عن الواقع من خلال العام، دون أن تتوصل قبل ذلك أو من خلال ذلك إلى عقد صلة ما بين هذا العام، وبين الأجزاء، والمكونات الخاصة لهذا الواقع.
"فتصبح بذلك عاجزة عن إقناع غير المنتمين إلى نفس خط كتابها الفكري أو السياسي دون أن يتوافر فيها ذلك الإقناع الفني المفروض فيه أن يتوجه إلى كل الناس"(36). إلا أنه ومع بداية الثمانينات، ونتيجة التحولات الاجتماعية والفكرية التي شهدها العالم، وتقهقر الأنظمة الاشتراكية التي رسخت فكرها وأدبها عبر أنحاء العالم، بدأت الكتابات تتحرر من ربقة هذا التوجه سواء من قبل كتاب سبق لهم وأن تأثروا بهذا الاتجاه أو آخرين تمثلوا المرحلة الجديدة بكل محمولاتها الفكرية والجمالية، فراحوا يخوضون غمار التجريب على مستوى اللغة وتقنيات الكتابة القصصية، وقد تخلصوا من مضايقة المرحلة الأولى التي وحدت مضامين تلك الكتابات.
2-تطور مناهج العلوم وتأثيرها على الخطاب القصصي:
لا نشك لحظة في أن الجامعة الجزائرية قد أدت رسالتها الثقافية على الرغم من الانتقادات بحيث أسهمت في إثراء الدراسات الإنسانية، وإقحام مناهج حداثية كان لها الأثر الكبير في توسيع الرؤى والإقبال على النقد الجديد، وما يطرحه من طموحات في الميدان الفكري والإبداعي، ثم الاحتكاك بالقصة الجديدة أجنبية كانت، أم عربية، وهذا التحول الفكري والاجتماعي في نفس الوقت هو الذي أبرز جيلاً جديداً من القصاصين في تشكيل التجربة القصصية الحداثية بمحمولاتها المضمونية الجمالية وقد استطاعت هذه التجربة أن تؤسس لنفسها فضاءً فنياً لا يمكن تجاهله.
وهذا التحول يمثل –بحق- البعد الجمالي والتجريبي لقصة بدأت تخرج عن المألوف بحيث تخلصت من كثير من طروح سبقتها على المستويين، وتمكنت من توظيف رموز التجديد والحداثة، كما القصة المتطورة بعد اليوم، من تراث وأسطورة وغيرها إلى جانب تقنيات الكتابة الجديدة من سرد وحوار والتي لا يمكن للقصة الحديثة التخلي عنها للخروج من أسر الكلاسيكية.
3-تراجع النقد عن المفهوم السوسيولوجي:
يمكن إرجاع تحول القصة الثمانينية من المنظور الاجتماعي الموحد إلى التجريب على المستويات الفنية إلى تراجع النقد الجزائري عن دفاعه عن المضامين بعد اقتحام المناهج الحداثية عالم الكتابة والتنظير لخصوصيات الخطاب الأدبي، بحيث تخلص بعض النقاد العرب والذين يشكلون الخلفية الأيديولوجية لنقادنا الاجتماعيين من ذلك الهوس المتعلق بمضمون النص الأدبي، وهو ما يشير إليه حسين مروة حيث يقول:
"أنه لا بد أن أشير إلى خطأ شاب عملنا النقدي، وقد اعترفنا به أكثر من مرة، وهو أننا أولينا الجانب المضموني من العمل الأدبي الاهتمام الأكثر على حساب الجانب الفني"(37).
وهذا التحول في الخطاب النقدي المهيمن خلال فترة ما قبل الثمانينات هو الذي جعل القصة العربية في الجزائر تطمح إلى تمثل التجارب الفنية العربية والعالمية، بعيداً عن مضايقة النقد السوسيولوجي الذي بارك نصوصاً تفتقد إلى أدنى شروط الأدبية كونها تواطأت معه في التبشير لمضامين المرحلة. وعلى هذا بدأت التجربة القصصية الجديدة تتشكل حتى تؤسس لنفسها صوتها المتميز، وفضاءها الفني في خضم تحولات أدبية وفكرية مست عوالم الإبداع بشكل عام، وفن القصة بشكل خاص، وهذه الظروف الموضوعية التي سادت الحقبة الثقافية في الجزائر هي التي وجهت الأدب توجيهاً جديداً، وجعلته يقبل على مرحلة مختلفة من الكتابة.
ولذا لا نستغرب حين نجد أن فن القصة في هذه المرحلة قد أعاد تشكيل خطابه السلفي ليعانق فضاء التجريب ويمارس طقوس الإبداع بحرية تطفح بالرؤى التجاوزية والثورية على نمطية المضمون الكسيح الذي غدا عنواناً لفن القصة خلال عشريتين كاملتين. ولعل المعطيات نفسها بمعية الظروف التي أحاطت بالأديب، والتي أسهمت في هذا التحول هي التي تظهر جلياً من خلال الخطاب الأدبي لهذه المجموعات القصصية التي تعبر عن مرحلة أدبية في فن القصص، تتمرد على النمطية المعيارية، وتأخذ من اللغة البنية الأساس لإغناء التجربة الفنية.
ولا نخال دارس هذه المرحلة ينفي هذه الطروح، أو يتجاهل هذا التحول الملحوظ على مستوى اللغة والمضامين. فإذا كانت اللغة قد تخلصت من أسرها، ومن محدودية الدال، وأصبحت نسيجاً في فضاء سيميائي لا محدود، فإن المضمون هو الآخر قد تبنى جدلية عنف الطرح. ولم يعد أسير اللغة التي كانت رهينة مدلولات مرحلة تواطأ فيها –كما أسلفنا- المضمون في تشكيل خطاب موحد همه التبشير بأفكار موجهة إلى متلق كان هو الآخر أسير هذه الجدلية.
إن المضمون في هذه القصص الجديدة لم يعد مغلقاً يبدأ من عالم موحد ضيق الأفق، تحمله لغة لا تعدو أن تكون وسيطاً جافاً ثم تنتهي في قراءة موحدة هي الأخرى وذات مرجعية متصورة مسبقاً. لقد غدا هذا المضمون الجديد مساحة بقدر مساحة اللغة المتمردة على قوانين القاموس، تمرد على الإلزامية السلفية التي خنقت إبداعية القاص في المرحلة السابقة، وجعلته يتنكر لطبيعة الإبداع.
وهكذا جاء الخطاب القصصي الجديد ثائراً متحرراً من السكونية الماضوية وكأنه يريد أن يعانق الأرحب، وأن يتلمس روح الإنسان في جوهره لا في جانب، أو حيز صغير من ذاته ولعل اعتماده –الخطاب- على اللغة الجديدة التي تتخذ من الانزياح مرفأ لها، هو الذي زاد من عنفوانه. وعليه فالخطاب القصصي الجديد من خلال هذا الجيل من الكتاب يمكن اعتباره بنية مؤسسة لمرحلة أخرى في القصة العربية الجزائرية المعاصرة، تخرج عن سلطة النموذج إلى فاعلية التجريب والانفتاح، وتدمير الخطاب الأيديولوجي ذا الطبيعة الأحادية الدغمائية، فتتوحد فنياً لنمذجة حركة تحويلة تناهض الجاهز، وتطمح إلى فاعلية التأويل، بل إلى تدمير الميثاق السردي الكلاسيكي للوصول إلى زمن المغايرة والإدهاش، والقفز فوق الفصل بين الأجناس، أي إلى شعرية الخطاب القصصي.
"إن النقد المتحرر من مطاردة التفسيرات الخارجية التي تقدمها المعارف التاريخية والأخلاقية والنفسية والاجتماعية، والتركيز على قيمة العمل الجمالية"38- قد مس الحركة الأدبية الجزائرية بشكل عام، بعد أن أطر النقد الاجتماعي النص الإبداعي- النثري خاصة- فترة طويلة. ولعل تراجعه عن عنف الخطاب المضموني يعود –كما سبقت الإشارة- إلى تحولات فكرية واجتماعية مست الكتابة بشكل ملحوظ.
وفي خضم هذا التحرر من أسر هذا الاجتماعي المقنن، عاد كتاب القصة الجدد يفتحون آفاقاً واسعة للإبداع، بحيث تميزت القصة عندهم بعنف خطابي شمل المضمون والشكل في آن. فمن حيث المضامين ألفينا أغلب هذه الأعمال تتطرق إلى مواضيع جديدة ومتعددة مفتوحة على العالم والذات، فهي لا تتقيد بما استهلك من طروح عالجها أغلب كتاب المرحلة المتقدمة. بحيث نجدها مواضيع إنسانية تنأى عن المحلية الضيقة وتنشد عالماً أرحب تتقاسم فيه البشرية همومها، وقد تجلى ذلك في قصص محمد دحو وعلال سنقوقة، ومفتي بشير وكذلك حسين فيلالي.
ولعل المظهرية الفنية التي فتحت لهم المجال واسعاً في ذلك، هي ثورتهم على طروح الشكل والمضمون التي بنى عليها النقد السوسيولوجي أفكاره وإدراكهم أن النص الأدبي كل متكامل تسهم في تشكيله عدة معطيات، وبالتالي اكتسبت هذه الكتابات جرأة في الطرح لم تتوفر في سابقاتها من خلال بنائها الفني المتميز بالتجريب على مستويات اللغة وطرائف السرد.
إن مضامين هذه القصص الجديدة قد تطرقت إلى أصغر الجزئيات في حياة الناس والمجتمع ولكن ليس بتلك الطريقة الفجة التي توظف المباشرة، وسذاجة الطرح "بل إلى شعور المبدع أنه يعيش دائماً في حركة تدفعه إلى أن يكون دائماً غير ذاته وغير الآخرين"39-.
وقد يقودنا هذا التصور للعملية الإبداعية عن هذا الجيل إلى فهم جديد للشكل على خلاف مفهومه عند الجيل السابق فهو لم يعد مجرد لغة وجمل ذات إيقاع خاص، بل تعدى ذلك إلى تمرد على القاموسية اللفظية، وبالتالي تغيرت نظرتهم للكون، "فلم يعودوا ينظرون إليه من حيث هو مجموعة من الأشياء المخلوقة، بل أصبحوا على العكس ينظرون إليه من حيث هو مجموعة من الإشارات والرموز والصور، ولم يعد العالم مكتوباً في نص أصلي أولي بشكل نهائي، وإنما أصبح على العكس كتاباً يكتب باستمرار"40.
وبالتالي فالرؤية الإبداعية لهذا الجيل قد كونت قاموسها الخاص وأبجدية كتاباتها، بحيث قربت مفهوم الفن وطبيعة الإبداع ذاته إلى هذه الأعمال، فكان أن غيبت سلطة الواقع الذي كان يثقل النص بمحمولات فكرية وسياسية كثيرة. ولعل من مميزات النص القصصي الجديد على مستوى المضامين هو عنفها وتنوع مشاربها حتى أن الكتاب التفتوا إلى جزئيات صغيرة تهم الإنسان في عوالمه الداخلية، ولم يكتفوا برسم الظاهر وكأنهم أدركوا –وهذا مؤكد- "أن الفن ليس نسخاً للواقع، وليس نسخاً للطبيعة إنه إبداع في إطار علاقة جدلية بين الداخل والخارج بين التجربة الشخصية والمعطى الموضوعي، بين الخاص والعام، إنه إعادة إنتاج ذاتية كلياً لموضوع ليس ذاتياً كلياً"41-. وهي فلسفة دعمتها نظريات الأدب المتجددة التي حاولت الإبداع والفن عامة، بحيث لم يعد تعبيراً في فراغ، وهو ما يشير إليه بيلنسكي الذي يرى "أن الفن ليس ثمرة فراغ أو نزوة إنه يكلف الفنان عملاً وهو نفسه لا يعرف كيف تنشأ في روحه غرسة العمل الفني الجديد"42. وعليه "تبقي اللغة مرتبطة بالثقافة الإنسانية، وإن الحاجة الاتصالية هي السبب الحقيقي لإنتاجها"43.
https://awladdz.info/vb/archive/index.php/t-33947.html









رد مع اقتباس