منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - جميع دروس الشريعة سنة 1 ثانوي تفظلواا☺☺☺☺☺
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-04-21, 18:07   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
♥sirine crazy♥
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ♥sirine crazy♥
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

القيم الإيمانيّة والتعبديّة
قال الله تعالى:
( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالاِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِّنْ رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُّطْعِمُونِ
إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ )
الذّاريات 56 / 58.




الدرس الأول:





إنّ صفات الله تعالى وأسماءه الحسنى لها في نفس المؤمن إشراقة روحية يحسّ بها من صفا بالإيمان قلبه، وزكت بنور أسماء الله وصفاته نفسه، وتلذّذ بالمعرفة بربّه شعوره الداخلي ووجدانه.
فالمؤمن الذي يوقن بأنّ الله تعالى متّصف بكلّ صفات الكمال منزّه عن كلّ نقص، وبأنه موجوداً لا أوّل له، وباق بقاء لا نهاية له، والذي يؤمن بأنّ الله تعالى واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله إيماناً صادقاً واعياً، فإنّه يعيش مع ربّه، ويقيم على الطهر حياته، ويملأ بالأمل قلبه ويشيع النور في بيته ومجتمعه، ويفيض الخير على من عاشره وعرفه.
صفات الله تعالى:
اتّفق العلماء على أنّه يجب في حقّ الله تعالى اتّصافه بكلّ كمال يليق بجلاله وعظمته. ويستحيل في حقّه تعالى أن يتّصف بأيّ صفة من صفات النقص التي لا تليق بجلاله تعالى. هذا على سبيل الإجمال، أمّا على سبيل التفصيل فإنّ أكثر العلماء اتّفقوا على أنّ الله تعالى يجب عقلا أن يتّصف بثلاث عشرة صفة، عليها مدار الألوهية وعظمة الربوبية. ويستحيل في حقّه تعالى ضدّ هذه الصفات.
وإليك تفصيل ما يجب في حقّه سبحانه وتعالى وما يستحيل:
الرقم
الواجب في حق الله تعالى
المستحيل في حق الله تعالى
الرقم
الواجب في حق الله تعالى
لمستحيل في حق الله تعالى
01
الوجود
العدم
08
الإرادة
الكراهية
02
الوحدانية
التعدّد
09
القدرة
العجز
03
القدم
الحدوث
10
الحياة
الموت
04
البقاء
الفناء
11
السمع
الصمم
05
المخالفة للحوادث
المشابهة للحوادث
12
البصر
العمى
06
القيام بالنفس
الاحتياج إلى الغير
13
الكلام
البكم
07
العلم
الجهل
وجود الله تعالى:
* تعريف وجود الله تعالى: إنّ الله الخالق الذي يستحقّ العبادة موجود بذاته وبصفاته وبأفعاله.
* الدليل على وجود الله: هل أنت تحتاج إلى أدلّة تثبت لك أنّ الله الخالق البارئ الواجد موجود ؟ إنّ الحقيقة الإنسانية والفطرة البشرية تكذّبان هذا الإدعاء. فما من إنسان إلَّا وعنده شعور ذاتي أقوى من الشعور بالجوع والعطش بأنّه مخلوق، وأنّ له خالقاً.
قال تعالى: ( أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ بَلْ لَّا يُوقِنُونَ ) الطور الآية 35/36.
وهذا الشعور الفطري يستيقظ عند وجود مثير يبعث على اليقظة، من ألم ينزل أو ضرّ يحيط، قل الله تعالى: ( وَإِذَا مَسَّ الاِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً اَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ) يونس الآية 12.
وحدانية الله تعالى:
تعريف الوحدانية:
أنّ الله تعالى واحد في ذاته، وواحد في صفاته، وواحد في أفعاله. فليس في الوجود ذات تشبه ذات الله تعالى وليس أحد متصفاً بصفة تشبه صفة الله تعالى وليس لأحد غير الله فِعل يشبه فعل الله تعالى. قال الله تعالى: ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُؤًا أَحَدٌ) سورة الإخلاص.
الدليل على أنّّ ذات الله واحدة:
قال الله تعالى:
ـ ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا ) الأنبياء الآية 22.
ـ ( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَّلِدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ اِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) المؤمنون 91.
ـ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤًا أَحَدٌ ) سورة الإخلاص.
العلم طريق إلى الإيمان:
يظن بعض الناس الذين لم يدركوا من العلم إلا قليلاً إن الكفر من ضروريات العلم وإن أكثر الناس علماً هم أشدّهم إلحاداً .
والحقيقة أن العلم لا يؤدي بصاحبه إلى الإلحاد في أيّ عهد من العهود، فإنّ العالِم المنقّب عن الحقائق يجد نفسه في هذا الوجود في عالَم لا حدّ له. والعلماء بما أُوتوا من صفات النظر العميق والتحقيق الدقيق يقفون على أسرار الإبداع الإلهي في الوجود ممّا لا يظهر لغيرهم .
فالتفكير والبحث والتأمّل باستعمال العقل والقلب في الخلق هو الطريق الوحيد إلى معرفة الله ومعرفة كماله، وبذلك ينشأ الإيمان الحقيقي.
قال الله تعالى: ( أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الاَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوَ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التِي فِي الصُّدُورِ ) الحج الآية 46.
( أَوَ لَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ قُلْ سِيرُواْ فِي الاَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شِيْءٍ قَدِيرٌ ) العنكبوت الآية 19/20.
هذا الكون آية على وجود الله:
من أعظم الدلائل على وجود الله: خلق الكون، فالأرض التي نعيش عليها والمجموعة الهائلة من النجوم التي تتراءى لنا تُبهر الناظر عند التأمّل فيها، فتقف النفس أمامها حائرة تسودها الرهبة و يسيطر عليها الإعجاب، فتزداد إيماناً بعظمة الخالق .
والقرآن الكريم كثرت فيه الآيات التي تدعو الإنسان بأن يوجه نظره إلى خلق هذا الكون - من سمائه و أرضه - وتدعوه إلى التفكر في أسراره ليدعم إيمانه ويطرد الشك من نفسه قال الله: ( قُلُ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ ) يونس الآية101.
فالقرآن يصرّح بأن الإلحاد إذا استمر بعد النظر في هذا الكون وما فيه من حِكم وأسرار تدلّ على التصميم وعلى وجود خالق له، فليست هناك أدلّة أقوى من هذه،كما أنه لن يؤثر في الملحدين أي دليل آخر.
فالمؤمنون هم الذين يستدلون بخلق هذا الكون على وجود الله، جاء في القرآن ( خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُومِنِينَ ) العنكبوت الآية 44، وجاء أيضاً ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ لَآياتٍ لِّلْمُومِنِينَ ) الجاثـية الآية 3.
أقوال العلماء في وجود الله:
من أقوال الفقهاء:
ـ قال أبو حنيفة: ما تقولون في رجل يقول لكم: إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال مملوءة من الأثقال قد احتوشها في لجّة البحر أمواج متلاطمة ورياح مختلفة وهي من بينها تجري مستوية ليس لها ملاّح يجريها، ولا متعهّد يدفعها. هل يجوز ذلك في العقل ؟ قالوا: هذا شيء لا يقبله العقل، فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله ! إذا لم يجز في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهّد ولا مُجْر فكيف يجوز قيام الدنيا على اختلاف أحوالها، وتغيّر أعمالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ ؟.
ـ سئل الشافعي رحمه الله، ما الدليل على وجود الله ؟ فقال: ورقة التوت، طعمها ولونها وريحها وطبعها واحد عندكم، فتأكلها دودة القز فيخرج منها الحرير، والنحل فيخرج منها العسل، والشاة فيخرج منها البعر، وتأكلها الظباء فيعقد في نوافجها المسك، فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع أن الطبع واحد؟
من أقوال الفلاسفة والعلماء:
ـ قال ديكارت فيلسوف فرنسي: إني مع شعوري بنقص ذاتي أحسّ في الوقت ذاته بوجوب وجود ذات كاملة وأراني مضطر للاعتقاد بأن هذا الشعور قد غرسته في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحليّة بجميع صفات الكمال وهي الله.
ـ وقال: إني لم أخلق ذاتي بنفسي، وإلا فقد كنت أعطيتها جميع صفات الكمال التي أدركها. إذن أنا مخلوق بذات أخرى، وتلك الذات يجب أن تكون حائزة جميع صفات الكمال، وإلا اضطررت أن أطبق عليها التعليل الذي طبّقته على نفسي.
ـ قال نيوتن وهو أكبر علماء الفلك في عصره:كيف تكوّنت أجسام الحيوانات بهذه الصناعة البديعة ولأي المقاصد وضعت أجزاؤها المختلفة ؟ هل يُعقل أن تُصنع العين الباصرة بدون علم بأصول الإبصار ونواميسه ؟ والأذن بدون علم بقوانين الصوت ؟ كيف يحدث أنّ حركات الحيوانات تتجدّد بإرادتها ومن أين جاء هذا الإلهام الفطري في نفوس الحيوانات ؟
شبهات منكري وجود الله والردّ عليها:
الماديون لا يعتقدون أن للوجود خالقاً بل يقولون بأنّ كلّ ما في الوجود أزلي صادر عن المادة، والنواميس الطبيعية نشأت على سبيل الصدف وبلغت من الكمال والارتقاء عن طريق التطورات المتعاقبة، وقد سرت تعاليم المادة إلى بعض الناس فألحدوا فتصدى كثير من العلماء للرّدّ على هؤلاء وبيان فساد مزاعمهم، وإليك بعضاً من أقوالهم :
ـ نظرية الصدفة: فسّرت الصدفة بحدوث شيء أو ظاهرة دون سبب ولا مرجع.
الرّدّ على هذه الشبهة:
لنفرض أنّ معك كيساً يحوي مئة قطعة رخام، تسع وتسعون منها سوداء وواحدة بيضاء. والآن هزّ الكيس وخذ منه واحدة: إنّ فرصة سحب القطعة البيضاء هي بنسبة واحد إلى مئة، والآن أعد قطع الرخام إلى الكيس، وأبدأ من جديد: إن فرصة سحب القطعة البيضاء مرتين متواليتين، هي بنسبة واحد إلى عشرة آلاف. والآن جرّب مرّة ثالثة، إن فرصة سحب تلك القطعة البيضاء ثلاث مرّات متوالية هي نسبة مئة مرّة عشرة آلاف أي بنسبة واحد من المليون، ثم جرّب مرّة أخرى أو مرّتين، تصبح الأرقام فلكية.
* قال جون وليام كلوتس وهو عالم في الوراثة: إن هذا العالم الذي نعيش فيه، قد بلغ من الإتقان والتعقيد درجة تجعل من المحال أن يكون قد نشأ بمحض المصادفة، إنه مليء بالروائع والأمور المعقّدة التي تحتاج إلى مدبّر، والتي لا يمكن نسبتها إلى قَدَرٍ أعمى. ولا شك أن العلوم قد ساعدت على زيادة فهم وتقدير ظواهر هذا الكون المعقّدة، وهي بذلك تزيد من معرفتنا بالله ومن إيماننا بوجوده.
ـ نظرية التصور المادي: أي لا وجود إلا للمادّة التي تدركها الحواس.
الرّدّ على هذه الشبهة:
الذين لا يؤمنون إلا بالمادة هم لا ينكرون وجود الجاذبية وقوانينها ولم يشاهدوها، بل رأوا آثارها، ويؤمنون بالعقل ولم يروه بل رأوا آثاره، ويؤمنون بالمغناطيسية وقد شاهدوا فقط الجذّاب الحديد إلى الحديد دون رؤية الجاذب. فواقع أمرهم يدلّ على أنهم آمنوا بأشياء لم تدركها حواسهم، ولكن آثارها هي التي دلّتهم عليها وهم فيها على يقين لا يخلطه شكّ.
ـ نظرية التطور: التطور هو تغيّر هذه المخلوقات من حال إلى حال آخر يختلف تماماً عن الأصل.
الرّد هذه الشبهة:
قال أوستن كلارك العالم البيولوجي: لا توجد علامة واحدة تحمل على الاعتقاد بأن أياً من المراتب الحيوانية الكبرى ينحدر من غيره، إنّ كلّ مرحلة لها وجودها المتميّز الناتج عن عملية خلق خاصة ومتميّزة .. لقد ظهر الإنسان على الأرض في نفس الشكل الذي نراه عليه الآن.
دليل الإتقان على وجود الله:
هذه السماء وما فيها من بلايين النجوم المشتعلة والكواكب السيارة التي يحفظها قانون الجاذبية من أن تتصادم أو يرتطم بعضها بالكواكب السيارة والتي يحفظها قانون الجاذبية من أن تتصادم أو يرتطم بعضها بكوكبنا الأرضي الذي نعيش عليه فتنسفه. هذه الكرة الأرضية التي نعيش عليها وما فيها من نبات وحيوان وجبال وبحار كل ذلك لمنفعة الإنسان، إنّ هذا من البراهين القوّية على وجود قدرة إلهية حكيمة وعلى بطلان مزاعم الماديين بأن الكون وُجد صدفةً .
يقول العلَّامة كريسي موريسون: " إنّ استعراض عجائب الطبيعة ليدلّ دلالة قاطعة على أنّ هناك تصميماً وقصداً في كلّ شيء، وثمّة برنامجاً ينفّذ بحذافيره طبقاً لمشيئة الخالق جلّ وعزّ ويقول: إنّ حجم الكرة الأرضية، وبُعدها عن الأرض، وبُعدها عن الشمس، ودرجة حرارة الشمس أشعتها الباعثة للحياة، وسُمك قشرة الأرض وكميّة الماء، ومقدار ثاني أكسيد الكربون، وحجم النتروجين، وظهور الإنسان وبقاء الحياة كلّ أولاء يدلّ على خروج النظام من الفوضى وعلى التصميم والقصد ".
إنّ هذا التصميم والقصد هو الذي لفت القرآن إليه الأنظار في آيات كثيرة نذكر منها قوله تعالى: ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَاخْتِلافِ اليْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالاَرْضِ لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) البقرة الآية 164.
فالأرض كرة معلّقة في الفضاء تدور حول نفسها فيكون بذلك الليل والنهار وبالتالي فإن دوران الأرض له تأثير على تحرّكات الرياح، والرياح تنقل بخار الماء من المحيطات إلى مسافات بعيدة داخل القارات حيث يمكن أن يتكاثف ويتحوّل إلى مطر، والمطر مصدر الماء العذب ولولاه لأصبحت الأرض جرداء خالية من كل أثر للحياة .
هذا مع العلم أنّ ما وضعه الله من العناصر التي يمتصها النبات ويحولها إلى أنواع مختلفة من الغذاء يفتقر إليها الحيوان .
هذه حقائق علمية عن سرّ الحياة على هذه الأرض فصّلته الآية القرآنية وبيّنت وجود التصميم في الطبيعة والعلاقة المنتظمة بين عناصرها كافة وهي دلائل واضحة على وحدانيته سبحانه وتعالى عن طريق العقل كما هو مطلوب في الآية : ( .. لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) البقرة الآية 164.
وجاء في القرآن وصف قدرته سبحانه وتعالى : ( وَهُوَ الذِي مَدَّ الاَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اليْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الرعد الآية 3.
فالرواسي في هذه الآية هي الجبال التي يحسبها الجاهل فضلة في الأرض لا حاجة إليها ولكنها ذات فائدة عظيمة إذ ينزل عليها الثلج فيبقي في ثناياها حافظاً لشرت الناس يذوب بالتدريج فتسيل منه الأنهار، ومن الماء تخرج أصناف متنوعة من الثمرات تتوقف حياتها على اختلاف الليل والنهار بهذا الطول المعروف الآن، فلو كان نهارنا وليْلنا أطول مما هما الآن عشر مرات لأحرقت شمس الصيف نباتاتنا نهاراً، ولتجمّد ليلاً كل نبات في الأرض.
هذه هي الحقائق التي ذكرتها الآية القرآنية والتي تبيّن وجود التصميم في الطبيعة ووجود إرادة حكيمة وهي إرادة الله سبحانه وتعالى الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد.
التنسيق في الكون دليل على وحدانية الله تعالى:
إنّ هذا الكون وما فيه من النجوم التي يعجز العقل الإنساني عن معرفتها، أو الإحاطة بعددها، وعلى كثرة عددها فإنّ لكلّ نجم موقعاً ومساراً تسير فيه، لا تتعدّاه ولا تخرج عنه، ولو تعدّاه لاصطدم بآخر ممّا يؤدّي إلى اضطراب نظام الكون، واستحالة الحياة فيه، ووجود هذه النجوم يهتدي بها الإنسان في سيره وحلّه وترحاله حيث يستطيع أن يحدّد الاتجاهات.
فإذا رفعنا أعيننا نحو السماء، فلا بدّ أن يستولي علينا العجب من كثرة ما نشاهده فيها من النجوم والكواكب السابحة فيها، التي تتّبع نظاماً دقيقاً لا تحيد عنه قيد أنملة، مهما مرّت بها الليالي، وتعاقبت عليه الفصول والأعوام والقرون، إنها تدور في أفلاكها بنظام يمكّننا من التنبؤ بما يحدث من الكسوف والخسوف قبل وقوعه بقرون عديدة، فهل يظن أحد بعد ذلك أن هذه الكواكب والنجوم قد لا تكون أكثر من تجمعات عشوائية من المادة تتخبط على غير هدى في الفضاء ؟ وإذا لم يكن لها نظام ثابت، ولم تتّبع قوانين معيّنة فهل كان من الممكن أن يثق الإنسان بها، ويهتدي بهديها في خضمّ البحار والمحيطات، وفي متاهات الطرق الجويّة التي تتبعها الطائرات ؟ فلا شك أن الأجرام السماوية تخضع لقوانين خاصة وتتّبع نظاماً معيّناً، وأنّها ليست حرّة تتخبّط في السماء كيف تشاء.. ولا يسع الإنسان إلا أن يمجّد الله الذي وضع ذلك النظام الرائع وتلك الدقّة البالغة التي تعبّر عن تماثل السلوك وتجانسه الذي يؤكد أن خالق هذا الكون واحد في ذاته وواحد في صفاته وواحد في أفعاله.
بعض أمثلة التنسيق:
الهواء: الذي نستنشقه مركّب من عدّة عناصر منها جزءان هامّان: جزء صالح لتنفس الإنسان، ويسمى باصطلاح الكيميائيين الأكسيجين، وجزء ضار به ويسمى الكاربون. فمن دقائق الارتباط ( التنسيق ) بين وحدات هذا الوجود والمعجز أن هذا الجزء الضار بالإنسان يتنفّسه النبات وهو نافع له. ففي الوقت الذي يكون الإنسان يستنشق الأكسيجين ويطرد الكاربون، يكون النبات يعمل عكس هذا.
وتتمّ عملية التوازن بين الصادر والوارد من غاز الفحم البحر، فإنه يمتص كل زيادة موجودة في الجو إذا بلغت هذه الزيادة فوق الحدّ المناسب، فانظر إلى الرابطة التعاونية التكاملية بين الإنسان والنبات والبحر في شيء أهم عناصر الحياة وهو التنفّس.
الطعام: أنت تأكل الطعام وهو مركّب من عدّة عناصر نباتية أو حيوانية يقسمها العلماء إلى بروتينات ونشويات ودهنيات وفيتامينات ومعادن.
الزَهرة: ترى الزهرة في النبات ولها أوراقاً جميلة جذّابة ملوّنة بألوان مبهجة، فإذا سألت علماء النبات عن الحكمة في ذلك أجابوك بأنه إغراء للنحل وأشباهه من المخلوقات التي تمتصّ رحيق الأزهار لتسقط على الزهرة حتى إذا وقفت على عيدانها علقت حبوب اللقاح بأرجلها وانتقلت بذلك من الزهرة الذّكر إلى الزهرة الأنثى فيتمّ التلقيح. فبعض النباتات تلقّح نفسها بنفسها، وبعضها يأتيها اللقاح بواسطة الهواء والحشرات من نبتة أخرى.
فسبحان القائل: ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهَ لَفَسَدَتَا ) الأنبياء الآية 22.
فلو كان للكون صانعان فعند اختلافهما مثلاً أن يريد أحدهما تحريك جسم ويريد الآخر تسكينه، أو يريد أحدهما إحياءه والآخر إماتته: فإمّا أن يحصل مرادهما، أو يحصل مراد أحدهما ، أو لا يحصل مرادهما.
والأوّل ممتنع، أنّه يستلزم الجمع بين الضدّين، والثالث ممتنع لأنّه يلزم خلو الجسم عن الحركة والسكون، وستلزم أيضاً عجز كل منهما، والعاجز لا يكون إلهاً وإذا حصل مراد أحدهما دون الآخر، كان هذا هو الإله القادر، والآخر عاجز لا يصلح للألوهية.

الدرس الثاني:


الإيمان:
معنـاه: التّصديق الجازم الذي لا شكّ معه ولا ظنّ.
أركانه: الإيمان بالله، الإيمان بالملائكة، الإيمان بالكتب، الإيمان بالرسل، الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالقضاء والقدر.
ضرورة الإيمان:
تتّفق آراء الأطباء أن أخطر ما يهدّد سلامة الإنسان في عصره الحالي وعصوره المقبلة الشعور بالوحدة، هذا الإحساس الذي يتوّلد في نفس الإنسان لظروف خارجة عن إرادته إذ يتولاه في وقت معيّن وفي مكان محدّد أو بنتيجة إحساس داخلي فنجده قد نفر من الناس وانزوى عن المجتمع، وبدأ يتطوّر هذا الإحساس إلى شعور مدمّر بوحدة قاتلة فتسبّب له ضيقاً في صدره ويأساً من عمله وفشلاً في حياته، وبذلك يتهدّد مستقبله وينتهي دوره الإيجابي في الحياة. فقرّر الأطباء العلاج الناجع بعد بحث طويل ومحاولات عديدة وهو أن يغرس الإنسان الشعور بأنه ليس وحيداً وأنه مهما كان فلن يكون في لحظة ما بمفرده، ونصح الأطباء والعلماء أن يتعلّم الإنسان منذ طفولته أنه إذا كان يسير على جانب من الطريق فإن الله على الجانب الآخر.
وهذا الإيمان الجازم له آثار قوية في حياة الفرد والمجتمع معاً:
1) آثار الإيمان في حياة الفرد:
ـ الطمأنينة: وهي أهم عنصر في حياة الإنسان فكلما فقد الإيمان زادت المشاكل وقلَّ الأمن النفسي، ومن فقد الطمأنينة من داخله عجز عن جلبها، فالدّين يزرع الطمأنينة ويوضّح كيفية التعامل مع المشاكل.
ـ التفاؤل والأمل: وهو أثر هامّ، أمل في الدنيا وذلك بالتعمير والبناء، وأمل في الآخرة وذلك بالإخلاص وحسن التدبير.
ـ التمتّع باللّذات المعنوية: على اعتبار أنّ اللّذات الحسيّة ليست هي القصد الأول، بل إنّ لها نهاية وهناك لذات عقلية ومعنوية وروحية.
2) آثار الإيمان في حياة المجتمع:
ولا يمكن إغفال أثر الإيمان في الناحية الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية حيث هي التي توجّه المجتمع للبناء وأنواع التعامل الاجتماعي مثل التكافل والاتحاد والتآزر وتجنّب الفرقة..، وأنواع التعامل الأخلاقي مثل احترام الغير بالمعاملة الحسنة وتجنّب الأخلاق القبيحة..، وأنواع التعامل الاقتصاديمثل إعانة الفقير وكفالة اليتيم وتجنّب التعامل بالربا والرشوة واحتكار المال..، وهكذا أثر الإيمان في ربط قلوب المؤمنين وإخائهم واعتقاد الإنسان شرف ما ينتمي إليه من عقيدة، وعظم الأمّة التي ينتسب إليها، والعمل من أجلها وابتغاء مرضاة الله وحده.
والإيمان أساس العدل والمساواة والإحسان إلى الناس. فإذا أرادت الإنسانية مستقبلاً مشرقاً فلا يكون ذلك إلا بالإيمان الذي يحدّد ويوجّه مسيرة الكون إلى المستقبل المشرق.


الدرس الثالث:

التأدّب مع الله:
اعلم أخي المسلم أنّ الأدب مع الله سبحانه وتعالى قوام هذا الدين الإسلامي.
ومن تأدّب مع الله صار من أهل محبّته.
فضائل التأدّب مع الله:
إذا أخلص المسلم التأدب مع الله تعالى كتب له النجاح والسداد، والوصول إلى غاية المراد وحقّق له كلّ ما يرغب من مطالب الحياة الدنيا والحياة الآخرة. فهذا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لما تأدّب مع رب العالمين سبحانه وتعالى رفعه الله رفعة ما بعدها رفعة فأعطاه المقام المحمود، هذا المقام: أُفق وضيء طليق مرفرف عاش فيه قلب رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وبصره، فأعطاه الله تعالى ما لم يعط أحداً غيره ( من تواضع لله رفعه ). ولما تأدّب بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى الله تعالى عليه فقال عز وجل: ( مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم الآية 17.
تأدّب الرسول rمع الله:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة العظمى لنا جميعاً في كل شئ وخاصة في الأدب مع ربه سبحانه وتعالى فلقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتورّم منه الأقدام ولمّا تقول له عائشة رضي الله عنها يا رسول الله هوّن على نفسك إنّ الله قد غفر لك فيقول: ( يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً )، كان صلى الله عليه وسلم يكثر من البكاء من خشية الله تعالى، ويكثر من الاستغفار، ويقول: ( والله إني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة ) رواه البخاري.
يقول رب العالمين عن نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم سيّد الأولين والآخرين في كتابه العزيز: ( مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى ) النجم الآية 17، قال ابن القيم في معنى هذه الآية: هذا وصف لأدبه صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام إذ لم يلتفت جانباً ولا تجاوز ما رآه، وهذا كمال الأدب، والإخلال به أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله أو يتطلع أمام المنظور، فالالتفات زيغ، والتطلع إلى ما أمام المنظور طغيان ومجاوزة فكمال إقبال الناظر على المنظور ألاّ يصرف بصره عن يمينه أو شماله ولا يتجاوزه وفي هذه الآية أسرار عجيبة وهذا هو الأدب اللائق بأكمل البشر محمد صلى الله عليه وسلم.
مظاهر التأدّب مع الله:
التأدّب مع الله تعالى يكون بثلاثة أشياء:

1 ـ صيـانة الفكر: فمن الأدب مع الله أن نقابل ما أنعم الله علينا بواجب الشكر لله فهو وحده الذي خلقنا ورزقنا وأعطانا من فضله الكثير والكثير. والتعرّف على صفات الله العلى، وتنزيهه سبحانه عن كل عيب ونقص.
2 ـ صيـانة القلب: وذلك بالإيمـان بالله ، وإخلاص العبـادة له وحده، وبالتوكّل عليه، قال الله تعالى: ( فَإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ ) آل عمران الآية 159، والتعوّد على حبّه سبحانه وحبّ رسوله صلى الله عليه وسلم.
3 ـ صيـانة الأفعال: وذلك بتأدية فرائض الله تعالى التي فرضها علينا مثل الصلوات الخمس في أوقاتها وبخشوع كامل ثم نؤدي بقية الفرائض من صيام وزكاة وحج لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً فأحب الأعمال وأفضلها عند الله تعالى التي تقرّب منه أكثر أداء الفرائض. ثم بعد ذلك نتعلّم مراقبته سبحانه وتعالى وخشيته ومن تعرّف على الله في الرّخاء يعرفه في الشدّة.
ـ ومن الأدب مع الله تعالى أن لا يكون القَسَم إلا به: ( فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ).
ـ ومن الأدب مع الله تعالى أن يحبّب المسلم الإسلام إلى غيره من غير المسلمين بأن ينشر تعاليمه السمحة عن طريق المعاملة بالحسنى.






الدرس الرابع:

العبــادة:
معنى العبادة في اللغة: أصل العبودية الخضوع والذل. يقال طريق معبّد أي كثير الوطء عليه.
والعبادة: الطاعة والاستكانة. وقيل التعبّد التنسّك. والعبادة غاية الطاعة والخضوع.
معنى العبادة في الشرع: هي غاية الطاعة والتذلل والخضوع لله وحده الممزوج بالحبّ الكامل.
فالعبادة لا تتحقق إلَّا بأمرين هامّين:
ـ الالتزام بجميع تعاليم الله جلّ وعزّ التي أنزلها لعباده وبيّنها رسوله الكريم محمّد صلى الله عليه وسلم. وأساس هذه العبادة هو الشعور بكبرياء الله وقهره وقدرته وسلطانه، قال الله تعالى: ( وَللهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ) الرعد الآية 15.
ـ أن يصدر هذا الخضوع من قلب مؤمن بالله محبّ له. وأساس هذا الحبّ هو الشعور بفضل الله وكرمه وإحسانه، ويكون ذلك بمعرفة الله حقّ المعرفة.
الغاية من العبادة:
لماذا نعبد الله وهو الغني عنّا ؟
الجواب:
من حقّ الله أن يفرض علينا ما يشاء، ويكلفنا ما يريد، بحكم أننا خلقه وهو المنعم علينا، ولنعلم أن الله لا يأمرنا إلا بما فيه خيرنا وصلاحنا نحن الفقراء وهو الودود الكريم البّر الرحيم الغني الحكيم.
فالغاية من العبادة والخضوع والتذلل والاستكانة لله هي:
ـ العبادة أداء الحق الإلهي:
الأساس الأول لأداء العبادة هو اعتراف الإنسان بفقره وحاجته لله، واعتراف البشر بأن الله الذي خلقهم ورزقهم يجب أن يُعبد ويُشكر. وهم بذلك يوثّقون صلتهم بالله لأنّ الله أوّل من ينبغي توثيق الصلة به، إجلالاً لألوهيته، وإقراراً بفضله وابتغاءً لثوابه، واتّقاءً لعقابه.
والعبادة جسم وروح والقبول الإلهي يكون لمن قدّمها حيّة لا ميّتة. والأساس في الطاعة أنها تجعل الإنسان يتحقّق بأوصاف عبوديته بين يدي ربّه ومع صنوف الخلق.
ـ العبادة سبيل التحرر:
عبادة الله وحده في الحقيقة عين الحرية لأنها تخرج من قلب الإنسان المخلص في عبادته لله كل أنواع العبودية المزعومة، وتعتق القلب من رقّ المخلوقين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وكل من استكبر عن عبادة الله لا بد أن يعبد غيره. فإنّ الإنسان حسّاس يتحرّك بالإرادة.. فمن لم يكن الله معبوده ومنتهى حبّه وإرادته، بل استكبر عن ذلك، فلا بد أن يكون له مراد محبوب يستعبده غير الله، فيكون عبداً لذلك المراد المحبوب إمّا المال، وإمّا الجاه، أو غير ذلك ممّا عبد من دون الله..).
ـ العبادة سعادة النفس:
ليس أجلب لسعادة الإنسان وسلامة ضميره من توجيه همّه إلى الله الواحد بالخضوع والحب. فالعبد السالم لرب واحد يطيعه ويلبي نداءه يكون ضميره مرتاح وقلبه منشرح.
ـ العبادة راحة القلب والروح:
قال ابن قيم الجوزية: ( إنه لا شيء أحبّ إلى القلوب من خالقها وفاطرها، فهو إلهها ومعبودها، ووليّها ومولاها، وربّها ومدبّرها ورازقها ومميتها ومحييها، فمحبته نعيم النفوس، وحياة الأرواح، وسرور النفوس وقوت القلوب، ونور العقول، وقرّة العيون، وعمارة الباطن..).
وقال الدكتور يوسف القرضاوي: ( فالقلب لا يفلح ولا يصلح ولا ينعم ولا يبتهج ولا يلتذّ ولا يطمئن ولا يسكن إلا بعبادة ربه وحبّه، والإنابة إليه، وكلما تمكّنت محبّة الله من القلب، وقويت فيه أخرجت منه تألهه لما سواه وعبوديته له.. ).
ـ العبادة تربية إلهية:
إن العبادة التي شرعها الإسلام رياضة جليلة الآثار في تربية الأخلاق وتقويم الطباع. والعبادة تنافي الجفوة والقسوة، لأنها تواضع ولين جانب وسهولة خلق. إن الله شرع العبادة ليتواضع العباد بها وليستقبلوا بها رحمة الله، ثم يلقوا بها سائر الخلق وفي قلوبهم رقّة، وفي نفوسهم وداعة، وفي سيرتهم طيبة.
الشعائر الكبرى:
إن الشعائر الكبرى للعبادة هي الأسس التي تقوم عليها وتسمى بأركان الإسلام الفعلية، وتتمثّل في الصلاة والزكاة والحج والصيام. وعن أبي عبد الرحمان عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ) رواه البخاري ومسلم.
1) عبادة الصلاة:
الصلاة صلة بين العبد وخالقه، والإنسان في حاجة دائمة إلى تقوية هذه الصلة، ولذلك فرض الله عليه أن يقف بين يديه خمس مرّات في اليوم والليلة خاشعاً مطيعاً، ليشعر دائماً في حياته برقابة ربه ويعمل جاهداً لمرضاته، وبذلك تستقيم حياته، وتصلح أعماله. والصلاة تقوّي روابط الأخوّة بين أفراد المجتمع الذين يؤدّون الصلاة في جماعة.
معنى الصلاة:
الصلاة في اللغة: هي الدعاء، ومنه قوله تعالى: ( وَصَلِّ عَلَيْهِمُ إِنَّ صَلَوَاتِكَ سَكَنٌ لّهُمْ ) التوبة الآية 103.
الصلاة في الشرع: هي أقوال وأفعال مخصوصة تبتدأ بالتكبير وتختتم بالتسليم.
حكم الصلاة:
شرّعت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج، وهي واجبة وجوباً عينياً، ودلّ على وجوبها القرآن والسنّة: قال الله تعالى: ( وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَيُوتُواْ الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ) البيّنة 5. وقال عزّ وجلّ: ( فَإِنْ تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) التوبة الآية 11.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الأعمال أفضل ؟ قال: الصلاة لوقتها، قلت ثم أيّ ؟ قال: برّ الوالدين، قلت ثم أيّ ؟ قال: الجهاد في سبيل ) متفق عليه.
منزلة الصلاة:
الصلاة من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، وهي عماد الدين ودعامته وركنه وشعيرته، والفارق بين الكفار والمسلمين، وهي شرط النجاة وحارسة الإيمان، وهي الصلة بين العبد وربّه، وهي قرّة العين، وراحة الضمير، ومناجاة المخلوق لخالقه، وهي تكفير للذّنوب والخطايا، وتطهير للنفوس من الرذائل، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أرأيتم نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كلّ يوم خمس مرّات هل يبقى من دَرَنه شيء ؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا ). متفق عليه.
حكم ترك الصلاة:
لا شك أنه من ترك الصلاة يعاقب في الآخرة أشدّ العقاب وتفوته مصالح الصلاة ومنافعها في الدنيا الكثيرة، قال الله تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ اليَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ المُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ ) المدّثر الآية 38/43. وقال الله تعالى: ( وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ المُشْرِكِينَ ) الروم 31. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة ) متفق عليه.
2) عبادة الزكاة:
إن عناية الإسلام بعلاج الفقر، ورعاية الفقراء وذوي الحاجة والضعف لم يسبق لها نظير في ديانة سماوية، ولا في شريعة وضعية، سواء ما يتعلّق بجانب التربية والتوجيه، أو ما يتعلّق بجانب التشريع والتنظيم، أو ما يتعلّق بجانب التطبيق والتنفيذ.
ومن أظهر الأدلة على اهتمام الإسلام بمشكلة الفقر، وعنايته بأمر الفقراء أنه منذ بزوغ فجر الإسلام في مكّة، والمسلمون يومئذ أفراد معدودون مضطهدون في دينهم، محارَبون في دعوتهم، ليس لهم دولة ولا كيان سياسي، وكان هذا الجانب الإنساني الاجتماعي موضع عناية بالغة واهتمام مستمرّ من القرآن الكريم. ذكره القرآن أحياناً باسم إطعام المسكين والحض عليه، وأحياناً تحت عنوان الإنفاق ممّا رزق الله، وتارة باسم أداء حقّ السائل والمحروم، والمسكين وابن السبيل، وطوراً بعنوان الزكاةوغير ذلك من الأسماء والعناوين.
معنى الزكاة:
الزكاة لغة: مصدر زكا إذا نما وزاد، يقال زكا الزرع إذا نما، وزكت النفس إذا طهرت وصلحت، ومنه قوله تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ) الأعلى الآية 14.

الزكاة شرعاً: هي إخراج جزء مقدّر من المال، شرط وجوبها وإعطائه لمستحقيه، إذا بلغ المال النصاب. ويسمى هذا الجزء زكاة لأنه يزيد البركة في المال ويطهره من الآفات.
حكم الزكاة:
شرّعت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة على كل من توفّرت فيه شروطها، والزكاة من أهمّ الفروض العينية، وهي ركن من أركان الإسلام الخمسة، قال تعالى: ( وَالذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ ) المعارج الآية 24/25. وقال الله تعالى: ( وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ) البقرة الآية 83.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ) رواه البخاري ومسلم.
عقاب مانع الزكاة:
حرّم الإسلام منع الزكاة وعاقب على تركها في الدنيا والآخرة، أما العقوبة التي في الدنيا: فتؤخذ منه عُنْوة لقوله تعالى: ( فَإِنْ تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمُ ) التوبة الآية 5. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ( والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة ) رواه البخاري.
وأمّا التي في الآخرة: فسخط الله وسوء الحساب وعذاب النار، قال الله تعالى: ( وَالذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ اَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُم وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) التوبة الآية 34/35.
الحكمة من مشروعية الزكاة:
شرّع الإسلام الزكاة لحِكم جليلة وعظيمة منها:
الزكاة عبادة مالية يزكو فاعلها عند الله وتعلو مرتبته ويشهد لذلك قوله تعالى: ( خُذْ مِنَ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) التوبة 103.
وهي تشعر بشكر الله عزّ وجلّ على ما أنعم به على عبده من نعمة المال، كما تغرس في النفوس أن المال مال الله وأن الأغنياء خلفاء الله، والفقراء عيال الله، وأنّ أحبّ خلفاء الله أبرّهم بعياله، وأنّ البرّ ذمّة وفريضة وليس منّة وعطاء.
والزكاة تزيد في البركة وتحصّن المال من الضياع وتحفظه من التلف، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستعينوا على أمواج البلاء بالدعاء ).
فالزكاة قاعدة اجتماعية من أسمى القواعد السماوية، إذ تضمن للفقراء حقّ في أموال الأغنياء، وتحارب الميْز الطبقي الذي لا تعترف به شريعة الإسلام، وتجعل الغني يشعر بذلك النقص الذي يعيشه الفقير، فيخصّص له من أمواله حقّاً يساهم به في دفع الأذى عنه، الشيء الذي يزيد في ربط أواصر المجتمع الإسلامي.
ولا تقتصر حكمة الزكاة على ما ذكر فقط، فهي تلقّننا معنى التضامن والتعاون الذي يغرس في أفئدتنا الرحمة والشفقة نحو تلك الطبقة التي تفترش الأرض وتلتحف السماء، أو التي لا تحصل على قوت يومها إلا بعد تعب ومشقّة.
وما يُؤسف له أن الزكاة لا تُخرج على حقيقتها ، فلو أدى كل مسلم واجبه، ودُفعت الزكاة لمن يستحقّها لانقطع هذا الجيش من المتوسّلين والضعفاء، الذين تُدمى لهم أفئدة المسلمين المقدّرين لواجبات الإسلام ومراميه الإنسانية البعيدة المدى.
3) عبادة الحج:
عُرف الحج عند العرب منذ عهد إبراهيم الخليل عليه السلام وابنه إسماعيل عليه السلام حيث انتشرت عبادة الأصنام فأمر سبحانه إبراهيم وابنه إسماعيل أن يبنيا البيت المقدّس العتيق لعبادته وحده فصدعا بالأمر شُكراً له جلّت قدرته
على ما أنعم عليهما من نعمة التوحيد، قال الله تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) البقرة الآية 127. كما أمرهما أن يبعدا عن كل رجس: ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) البقرة الآية 124. فالكعبة على هذا أوّل بيت بني في العالم بأسره لعبادة الله وحده (إِنَّ أَوَّل بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) آل عمران الآية 96.
ثم توفى إبراهيم ومن بعده إسماعيل عليهما السلام، وبحكم تتابع العصور وما يخلّفه عاملا الزمن والإنسان من أثر النسيان والزيادة والنقصان فقد تبدّلت وتغيّرت مناسك الحج التي رسمها سبحانه لإبراهيم حيث أشرك الناس بالله الأصنام والأوثان، وجعلوها شفعاء وقدّموا لها القرابين، وطافوا بالبيت عراة الأجسام مشبّكين أصابعهم يصفّرون ويصفّقون، قال الله تعالى: ( وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ البَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ) الأنفال 35.
معنى الحج:
الحج في اللغة: هو مطلق القصد.
الحج في الشرع: هو التوجّه بإحرام إلى بيت الله الحرام للقيام بأعمال مشروعة.
حكم الحج:
شرّع الحج في أواخر السنة التاسعة من الهجرة، وهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة مرّة واحدة في العمر، على من استطاع إليه سبيلاً، قال الله تعالى: ( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) آل عمران 97. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عباس رضي الله عنه أيّها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجّوا ... ) رواه أحمد.
الحكمة من الحج:
والحج بالإضافة إلى كونه عبادة مالية وجسدية في آن واحد فهو يتضمّن حِكماً ومزايا كثيرة تشير إليها هذه الآية القرآنية الجامعة: ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَاتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ الاَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ البَائِسَ الفَقِيرَ ). الحج الآية 27/28.

فأولاً، الحج مناسبة لاجتماع المسلمين في صعيد واحد داخل مؤتمر سنوي موحّد يتكوّن من مختلف الأجناس والألوان واللغات، تجمعهم عقيدة
الإسلام وأخوّة دينية خالدة هي أخوّة الإسلام التي تعتبر مُقدَّمة على أخوّة الدم والنسب.
وثانياً، هذا التجمّع الإسلامي الضخم يكون فرصة لتبادل الرأي وتبادل المنفعة الروحية والاقتصادية والاجتماعية بين الجماعة الإسلامية الموحّدة فتتم شخصيتهم وتقوى دولتهم ويتمّم بعضهم بعضاً، ويعرفون بذلك مهمّتهم الحقيقية في الحياة التي هي إسعاد البشرية عن طريق المحبّة والتعاون.
وثالثاً، فهذا التجمّع العظيم لا سيما الوقوف بعرفة يذكّر المسلمين باليوم الذي يقفون بين يدي الله فلا ينفع الإنسان إلا ما قدّمت يداه من عمل صالح، فيقوّى ضميرهم الديني وتضعف نفوسهم الأمّارة بالسوء.
4) عبادة الصوم:
لا يختص الإسلام وحده بهذه الفريضة بل إنها عُرفت عند سائر الأمم منذ أقدم العصور، فقد عرفها اليونان والرومان كما ثبت أن موسى عليه السلام صام أربعين يوماً، وما يزال اليهود إلى يومنا هذا يصومون أسبوعاً تذكاراً لخراب أورشليم وأخذها، وكما أن التوراة فرضت عليهم صيام اليوم العاشر من الشهر السابع، وثبت كذلك أن عيسى عليه السلام والحواريين كانوا يصومون الصوم الكبير الذي قبل عيد الفصح، ولا زال النصارى إلى يومنا هذا تبعاً لكنائسهم المختلفة يصومون عن اللحم أو البيض واللبن، وعن السمك أو كل ذي روح.
ولمّا قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صام من كل شهر ثلاثة أيام، ويوم عاشوراء قبل أن يفرض سبحانه صيام شهر رمضان، وحيث يقول الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ) البقرة الآية 183/184.
وقد خُصّ شهر رمضان بالصيام تعظيماً لأهمّ حدث وقع في تاريخ الإسلام، لأنّ فيه نزل القرآن العظيم على خاتم المرسلين ثم تتابع نزوله بعد ذلك منجّماً بالتدرّج، قال الله تعالى: ( شَهْرُ رَمَضَانَ الذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ ) البقرة الآية 185.
معنى الصيام:
الصيام في اللغة: هو الإمساك مطلقاً.
الصيام في الشرع: هو الإمساك عن المفطرات يوماً كاملاً من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
حكم الصيام:
شُرّع صيام رمضان في السنة الثانية للهجرة النبوية، وهو فرض على كل مسلم ومسلمة، وركن من أركان الإسلام الخمسة، قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ ) البقرة الآية 183/ 184.
الحكمة من مشروعية الصيام:
الصيام إلى جانبه شهر تقديس وإكبار لأحداث وقعت فيه، فهو كذلك شهر المزايا الكبرى والحِكم العظمى:
ـ ففيه تسمو النفس عن الدنايا وتتّصل بعالم الروح، ويتغلّب الإنسان على وساوس النفس الأمارة بالسوء، حيث يكون الصيام وِقاء وجُنّة من سفاسف الأمور التي يعتادها الإنسان في حياته، حيث روى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربّه: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم... ) متفق عليه.
ـ وفيه كذلك يتحقّق العطف الاجتماعي، لأنّ الصائم عندما يجوع يتذكّر حالة الفقراء في عموم الأوقات، فيدفعه ذلك إلى الشعور بالرحمة نحو هذه الطائفة المحرومة من البشر، لا سيما وأن الرحمة عند الإنسان تنشأ عن الألم والتجربة.
ـ تحقيق المساواة بين الأغنياء والفقراء في أروع مظاهرها، وهذه أقوى قاعدة تبنى عليها سعادة البشرية إذا طبّقت وروعيت.
ـ تقوية الإرادة بطريقة الصبر، إذ أن الصوم هو الوسيلة الفعالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد، فيعيش الإنسان مالكاً زمام نفسه لا أسيرها.
ـ ثم إنّ الصوم في الأخير ينفع الإنسان بالاقلاع عن بعض عاداته التي يألفها طول السَّنة من أكل وشرب، فتتغيّر رائحة فمه، ويشعر بألم الجوع مع القدرة على دفعه، ثم يقدّر هذه النعم الكثيرة المتنوّعة التي أنعم الله بها عليه، ويحقق ثواباً وأجراً عند الله تعالى.



الدرس الخامس:

الحكم الشّرعي:
معنى الحكم الشرعي:
الحكم في اللغة: القضاء والأمر، ومنه قوله تعالى: ( إِنِ الحُكْمُ إِلَّا للهِ ) يوسف الآية 40. أي القضاء والأمر.
الحكم الشرعي في الاصطلاح: هو خطاب الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين اقتضاءً أو تخييراً أو وضعاً.
شرح التعريف:
ـ خطاب الله: هو كلامه عز وجل أو ما يرجع إلى كلامه وهي السُنّة أو سائر الأدلة التي نصّبه الشارع لمعرفة حكمه.
ـ اقتضاء: وهو طلباً، سواء كان طلب الفعل أو طلب الترك، وسواء كان هذا الطلب على سبيل الإلزام أو على غير سبيل الإلزام.
ـ تخييراً: وهو التسوية بين فعل شيء أو عدم فعله ويسمّى كذلك بالإباحة.
ـ وضعاً: وهو جعل الشيء لشيء آخر، أو شرطاً له أو مانعاً منه...
أقسام الحكم الشّرعي:
ينقسم الحكم الشرعي إلى قسمين: الحكم التكليفي والحكم الوضعي. وسوف لا نتطرّق للحكم الوضعي لأنه غير مقرّر.
الحكم التكليفي:
معنى الحكم التكليفي: هو ما يقتضي طلب الفعل أو تركه أو التخيير فيه بين الفعل والترك.
أقسامه الحكم التكليفي: قسّم علماء أصول الفقه الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام وهي:
1) الواجب: ويسمّى الفرض وهو ما طلب المشرّع ( الله أو الرسول ) من المكلّفين فعله على سبيل الإلزام يثاب فاعله ويعاقب تاركه.
مثال: قال الله تعالى: ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) الإسراء الآية 23. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكراً فليغيّره.. ) رواه مسلم.
2) المندوب: ويسمّى المستحب وهو ما طلب المشرّع من المكلّفين فعله على سبيل غير الإلزام يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.
مثال: قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنْتُم بِدَيْنٍ اِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) البقرة الآية 282. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ يوم الجمعة فبهاو نعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ) رواه أبو داود.
3) المباح: هو ما ترك المشرّع للمكلّفين التخيير فيه، إن شاؤوا فعلوه وإن شاؤوا تركوه.
مثال: قال الله تعالى: ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُواْ فِي الاَرْضِ.. ) الجمعة الآية 10. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي.. ) متفق عليه.
4) المكروه: وهو ما طلب المشرّع من المكلّفين تركه على سبيل الإلزام يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله.
مثال: قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمُنُواْ لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ اِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) المائدة الآية 101. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن أبغض الحلال عند الله الطلاق) رواه أبو داود.
5) الحرام: وهو ما طلب المشرّع من المكلّفين تركه على سبيل الإلزام يثاب تاركه ويعاقب فاعله.
مثال: قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالاَنْصَابُ وَالاَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة 90. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظنّ فإن الظنّ أكذب الحديث.. ) رواه البخاري.
الغاية من التكليف:
لاشك أن الإسلام لم يكلّف الإنسان إلا إذا توفّرت فيه شروط التكليف الكاملة، وهي:
ـ أن يكون الإنسان قادراً على فهم الكلام الموجّه إليه.
ـ أن يكون أهلاً لما كلّف به، أي عاقلاً وبالغاً ومستطيعاً.
* فالغاية من التكليف بعد هذه الشروط هي ضبط سلوك المكلّف وتوجيهه، لأن المكلّف يصلح لأداء الواجبات، فتصرفاته معتبرة تترتب عليها آثارها، ويؤاخذ بأقواله وأفعاله.










رد مع اقتباس