منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الاشتراط في عقد الزواج
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-25, 15:48   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة

إن دراستنا لحكم الشرط المقترن بعقد الزواج في نظر كل من فقهاء الشريعة الإسلامية والقانون، تقتضي منا تقسيم هذا الفصل إلى أربعة مباحث، حيث نبين في المبحث الأول مدى تأثير الشرط على عقد الزواج من حيث الصحة والبطلان، وفي المبحث الثاني ندرس فيه مدى إمكانية مراقبة صحة الشرط المقترن بعقد الزواج؛ وذلك من خلال التطرق إلى مدى سلطة الموثق وضابط الحالة المدنية في مراقبة صحة الشروط المتفق عليها بين الزوجين، ثم التطرق إلى دراسة مدى سلطة القاضي في تعديل أو نقض الشرط المقترن بعقد الزواج.
أما المبحث الثالث فنخصصه لدراسة الجزاء المترتب على عدم الوفاء بالشرط والمتمثل في الدفع بعدم التنفيذ والفسخ والتعويض، وأخيراً نخصص المبحث الرابع لدراسة تطبيقات بعض صور الشروط في عقد الزواج بدءاً بدراسة أنواع من الشروط في بعض الأنكحة الفاسدة، ثم الوقوف عند بعض الأمثلة التطبيقية عن أهم الشروط التي يمكن أن تشترط في عقد الزواج، وانتهاءًا بدراسة بعض الشروط ذات الأثر المالي.










المبحث الأول: أثر الشرط في عقد الزواج
لقد نظمت الشريعة الإسلامية عقد الزواج وقررت الآثار المترتبة عليه؛ والتي الأصل فيها أن تكون بحكم الشارع وجعله، واستثناءا من ذلك يجوز لأحد الزوجين اشتراط شروط في العقد لا تنافي طبيعة عقد الزواج ولا تخـالف أحكام قانون الأسـرة، وهذه الشروط إما أن تكون مرتبطة بحقوق الزوجة على زوجها، أو حقوق الزوج على زوجته، أو تتعلق بحقوق مشتركة بينهما.
إن اقتران صيغة عقد الزواج بهذه الشروط الإرادية الزائدة عن أصل العقد؛ والتي تحقق منفعة للزوجين أو أحدهما يجعل من هذه الشروط مقارنة لعقد الزواج، بحيث يصبح الشرط جزءاً من صيغة العقد ويلتحق بها وينعقد العقد صحيحاً، ولكن قد يترتب على هذا الاقتران تأثير في العقد من حيث الصحة والبطلان تبعاً لفساد تلك الشروط.
والحقيقة أن تأثير الشروط على عقد الزواج من حيث الصحة والبطلان يرجع في أصله إلى اختلاف الفقهاء في مدى الدور الذي تلعبه الإرادة العقدية في اشتراط الشروط في عقد الزواج تبعاً لاختلافهم حول ضابط الشرط المشروع والشرط غير المشروع، مما جعلهم مختلفين في أنواع هذه الشروط التقييدية ومدى تأثيرها على عقد الزواج صحة وبطلاناً.
وعلى هذا، فإن المراد بتأثير الشرط على العقد هو الحكم الذي يترتب على اشتراطه في عقد الزواج من حيث إلزامية الوفاء بالعقد والتقيد به، وكذا ثبوت الخيار لصاحب الشرط في فسخ العقد في حالة عدم الوفاء بالشرط، أو فساد العقد لعـدم صحته، وهذا التأثير يختلف باختلاف نوع الشرط الذي يقترن بعقد الزواج، والذي إما أن يكون موافقاً لمقتضى عقد الزواج، وإما أن يكون منافياً له، وفي حـالات أخـرى لا يقتضيه العقد ولا ينافيه. وسنتعرض فيما يلي إلى دراسة هذه الأنواع من الشروط وبيان تأثيرها في عقد الزواج كما يلي:
المطلب الأول: الشرط الموافق لمقتضى عقد الزواج
وهو الشرط الذي يكون جزءاً من مقتضى العقد ومؤكداً لمقتضاه فهو مكملاً لحكمة المشروط وعاضداً لها، بحيث لا يكون فيها منافاة لعقد الزواج كاشتراط الزوجة الكفاءة أو الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان، أو بأن ينفق عليها زوجها، أوبأن يقسم بينها وبين ضرائرها بالعدل في حالة التعدد؛ فهذه كلها شروط صحيحة، لأن الغرض من اشتراطها هو تحقيق التلاحم والتوافق بين الزوجين وهذا ما يلائم مقصود النكاح.
والشرط الموافق لمقتضى عقد الزواج هو في حقيقته مجرد صفة لمحل العقد ولا يضيف إليه أصلاً جديداً، لأنه يدخل في العقد دون حاجة إلى تسميته. ولهذا فقد أجمع الفقهاء على صحة الشروط التي يقتضيها العقد وتوافق مقصود الشارع كاشتراط الزوج أن تكون له القوامة على زوجته أو حق تأديبها.
إن هذه الشروط تعتبر صحيحة والعقد معها صحيح أيضاً، ويجب على كل من التزم بها أن يفي بها ديانة وقضاءاً. والهدف الأساسي الذي يدفع بالزوجة إلى وضع شروط تكـون من مقتضى العقد هو الرغبة منها في التأكيـد على ضمان هذه الحقوق، فتلجأ إلى الاشتراط على زوجها بأن ينفق عليها، أو أن يعطيها مهرها، أو تشترط كفيلاً لضمان المهر، وذلك أمر جائز لا يوقع في العقد خللاً، ولا يكره اشتراطه، ويحكم به سواء اشترط في العقد أو لم يشترط، فوجوده وعدمه سواء، لأنه لازم بمقتضى العقد.
وبعد مـا عرفنا بأن حكـم الشرط الموافـق لمقتضى عقد الزواج في الشريعة الإسلاميـة هـو الصحة، نأتي الآن على بيان حكمـه في قانـون الأسرة الجزائري فبالرجوع إلى نص المادة 32 نجدها تنص على أنه: " يبطل الزواج إذا اشتمل على مانع أو شرط يتنافى ومقتضيات العقد"، وبمفهوم المخالفة لنص المادة فإن الشرط يعتبر صحيحا في نظر قانون الأسرة الجزائري إذا كان موافقاً لمقتضى العقد.
وعليه إذا اشترطت الزوجة على زوجها أن ينفق عليها أو يوجب لها صداقها، فإن هذه الشروط هي من صميم مقتضى عقد الزواج، وهي واجبة من غير حاجة إلى اشتراطها، فالقانون قد نص على هذه الآثار بموجب النصوص المنظمة لعقد الزواج حيث نجد نص المادة 16 من قانون الأسرة الجزائري يؤكد على أحقية الزوجة للصداق كما أوجبت المادة 14 على الزوج الإنفاق على زوجته.
المطلب الثاني: الشرط المنافي لمقتضى عقد الزواج
وهو شرط غير ملائم للمشروط بل هو منافٍ لمقتضاه ، كما لو اشترط الزوج في عقد الزواج على زوجته عدم دفع مهرها أو نفقتها، أو شرط أن يقسم لها أقل من ضرتها. وبالمقابل لذلك قد تشترط الزوجة ألا تسلم نفسها إلى مدة محدودة، أو ألا يطأها زوجها مطلقاً. فإن كل هذه الشروط تعد باطلة لمنافاتها لمقتضى العقد ويصح النكاح؛ لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره، كما أنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده.
أما ما يبطل النكاح من أصله كشرط تأقيت النكاح، أو شرط الزوج على زوجته أن يطلقها في وقت معين، أو شرط الخيار الذي يمنح للزوجين أو أحدهما حق العدول عن العقد بعد مدة معينة، فكل هذه الشروط باطلة في نفسها ويبطل بها النكاح.
ويضاف إلى جملة الشروط السابقة التي تتعارض مع مقتضى العقد اشتراط أحد الزوجين عدم الإنجاب.
والجدير بالذكر أن تحديد النسل يحرم ويكون إثماً عظيماً إذا كان بصفة جماعية على مستوى الدولة والمجتمع، أما إذا كانت هناك أسباب صحيحة تدعو إلى وقف التناسل في حالات فردية خاصة فهذا جائز، كأن تكون الزوجة لا تقوى على الحمل المتواصل لضعفها أو مرضها مما قد يؤدي إلى وفاتها. وباستثناء هذه الحالات الخاصة فإن السماح بتحديد النسل يؤدي ذلك إلى إضاعة المصالح العامة للمجتمع في سبيل المصلحة الخاصة، فضلاً عن كونه يشكل انحرافا عن طريق الفطرة السليمة.
ولقد أجمع الفقهاء المسلمين على بطلان الشرط المنافي لمقتضى عقد الزواج، ولكنه لا يُبطل العقد عند كل من فقهاء الشافعية والحنابلة والحنفية ، باستثناء المالكية فهم يرون بأن الزواج المقترن بشرط منافٍ لمقتضى العقد يفسخ قبل الدخول ولا أثر للشرط فيه، ويثبت بعده بصداق المثل ويسقط الشرط.
واستدل الفقهاء على فساد هذا النوع من الشروط بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صفحتها فإنما لها ما قدر لها ". فدّل الحديث على بطلان شرط تطليق الضرة لمخالفته النهي عن هذا الشرط بصريح نص الحديث، فضلاً عن كونه شرط يلحق الضرر بالغير. ولكنهم استثنوا من ذلك ما لو اشترطت المرأة أن يكون لها حق تطليق نفسها أو ما اصطلح على تسميته بجواز تفويض الطلاق، فقد ذهبوا إلى وجوب الوفاء بهذا الشرط من قبل الزوج لما قد يترتب على هذا الشرط من تحقيق لمصلحة أحد الزوجين ؛ وبالأخص الزوجة حيث يمنحها هذا الشرط نوع من الحماية من الطلاق التعسفي للرجل . ويتفق الفقهاء المسلمون على وجوب التفرقة بخصوص هذا الشرط بين فرضين:
الفرض الأول: إذا وقع الاتفـاق على هذا الشرط قبل إبـرام عقد الزواج فيعتبر باطلاً، لأن الزوج لا يستطيع أن يُمَلِك زوجته حقا لا يملكه أصلا نظرا لعدم قيام الزوجية، فضلا أن هذا الاشتراط قبل قيام العقد يعتبر في حكم تأقيت النكاح وهو أمر منهي عنه.
الفرض الثاني : إذا فوض الزوج إلى زوجته الطلاق بعد العقد وأثناء الحياة الزوجية بناءا على اشتراطها لهذا الشرط، فإنه يعتبر صحيحا ويجب الوفاء به، لأنه تمليك من الزوج للزوجة لحق يملكه بعد العقد.
والجدير بالذكر أن الفرق بين اشتراط الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها وشرط طلاق الضرة، أن هذا الأخير يعتبر باطلاً ولا يجب الوفاء به، لأن فيه إضرار بالضرة وكسر قلبها وخراب بيتها وشماتة أعدائها، وهو ما لا يوجد في اشتراط عدم نكاح غيرها. لهذا فقياس أحدهما على الآخر فاسد أو هو قياس مع الفارق.
ويجوز للمرأة أن تشترط على زوجها بأن تطلق نفسها لمخالفة الشرط الوارد في العقد بألا يضرها في نفسها ولا في أخذ شيء من مالها إلا بإذنها ورضاها، وإذا خالف ذلك فيكون أمرها بيدها، غير أنها لا تستطيع القيام بذلك إلا إذا أخذ شيئاً من مالها بغير إذنها أو لحقها منه ضرر. إذ أنه لا يجوز للزوج الإضرار بزوجته؛ لأن ذلك يخالف أمراً واجباً عليه وهو معاشرتها بالمعروف.
ويميز فقهاء الحنفية بين اشتراط الرجل الطلاق للمرأة، كأن يقول لها تزوجتك على أن تطلقي نفسك فيعتبر هذا الشرط فاسداً، بخلاف لو اشترطت هي أن يكون الطلاق بيدها، فإن الشرط يكون صحيحاً ويعمل به، وهذا ما يدعونا إلى توضيح الفرق بين الشرطين؛ فالشريعة الإسلامية حظرت على الرجل أن يسعى في نقض ما تقتضيه طبيعة العقد من كون الطلاق بيده لا بيدها، فلا يصح أن يشترطه الزوج، بينما يصح أن يقبله منها إذا اشترطته لما في ذلك من تحقيق لمصلحة الزوجين ودوام العشرة بينهما، ولهذا اعتبره الشارع صحيحاً خصوصاً إذا لاحظنا أنه في كثير من الأحيان تخشى المرأة الاقتران بالرجل عند عدم وجود ضمان كهذا.
ونشير هنا أيضاً إلى أنه لا يجوز للزوجة أن تشترط على زوجها ألا يطلقها، فهذا شرط غير ملزم؛ لأن الطلاق من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على مخالفته، وفي هذا الصدد فقد قضت محكمة النقض السورية بأن الاتفاق على الامتناع عن الطلاق، أو طلب التفريق تحت طائلة الضمان يعد باطلاً من أساسه.
ويحسن بنا أن نشير إلى حكم الشرط المنافي لمقتضى عقد الزواج في قانون الأسرة الجزائري، فبالرجوع إلى نص المادة 32 نجدها قد رتبت البطلان على الزواج المشتمل على شرط يتنافى ومقتضيات العقد. ولا نبتعد كثيراً فنجد أيضاً نص المادة 35 يرتب حكماً آخر مغاير لنفس الموضوع الذي تناولته المادة 32 يقضي ببطلان الشرط المنافي لمقتضى العقد، وبقاء العقد صحيحا.
وبهذا يكون المشرع الجزائري قد صحح عقد الزواج للاستمرار فيه إذا اشتمل على شرطٍ ينافي مقصود العقد حسب نص المادة 35. ومع ذلك فإن الغموض والتناقض واضحان بين ما ينص عليه المشرع الجزائري، وبين ما يهدف إليه من تنظيمه لأحكام نظرية البطلان المطبقة على أحكام قانون الأسرة. ويرجع سبب ذلك إلى تأثر المشرع الجزائري بأحكام الفقه الإسلامي باستعماله مصطلحي الباطل والفاسد، ولكنه عبر عنهما بما يدل على أنه تأثر بقواعد القانون المدني.
والحقيقة أن مشرعنا كان بإمكانه تفادي التناقض والغموض الموجود بين نص المادتين 32 و35 لو تجنب اللجوء إلى تطبيبق أحكام نظرية البطلان في القانون المدني على عقد الزواج، نظراً لخصوصية أحكام عقد الزواج باعتبارها مستقاة من الشريعة الإسلامية؛ خاصة وأنه قد ترك لنا الفقهاء المسلمون تراثاً فقهياً غزيراً فيه من الحلول والقواعد والنظريات ما يغنينا عن اللجوء إلى أحكام القانون المدني المستقاة من تشريعات لا تمت إلى واقعنا بصلة.
وخير دليل على ما نقول نجد الإمام أحمد بن حنبل وبخصوص حكم الشرط المنافي لمقتضى عقد الزواج يميز بين حالتين:
1) الحالة الأولى: إذا اشترط الزوج على زوجته ألا مهر، أو ألا نفقة لها، أو أن تنفق هي عليه، فهذه شروط باطلة لا يصح الوفاء بها مع بقاء العقد قائماً وصحيحاً.
2) الحالة الثانية: إذا اشترط الزوج في العقد تأقيت الزواج إلى مدة معينة، أو أن يطلق زوجته في وقت معين، أو اشترط الخيار في العقد، فهذه شروط باطلة تبطل العقد من أصله.
وانطلاقا من هذا، فإن التطبيق الصحيح لنص المادة 32 يكون في حالة وجود شروط تنافي العقد وتؤدي إلى إبطاله من أصله، وبالتالي يبطل كل من الشرط والعقد معاً.
أما إذا لم تصل درجة منافاة الشرط لعقد الزواج إلى حد إبطاله من أصله فيبطل الشرط ويصح العقد، وهذا هو الفرض الذي يجـب أن يعنى بتنظيمه نص المـادة 35، وبهذا الشكل يزول التناقض والغموض بين نص هاتين المادتين.
ولا يختلف حكم الشرط المنافي لعقد الزواج في بقية تشريعات الأحوال الشخصية العربية عما ذهب إليه المشرع الجزائري، فعلى سبيل المثال نجد نص المادة 47 من مدونة الأسرة المغربية هو الآخر يرتب البطلان على الشرط المخالف لأحكام العقد ومقاصده وما خالف القواعد الآمرة للقانون، أما العقد فيعتبر صحيحا.
ونفس الحكم ذهب إليه قـانون الأحـوال الشخصية الأردني في نص المادة 19 حيث اعتبر أنه إذا قيد عقد الزواج بشرطٍ ينافي مقاصده، أو يلتزم فيه بما هو محظور شرعاً، كاشتراط أحد الزوجين على الآخر ألا يساكنه، أو ألا يعاشره معاشرة الأزواج كان الشرط باطلاً والعقد صحيحاً.
إن البطلان في بعض أنواع العقود قد لا يكون مقبولاً كجزاء، بل لابد من أن يكون الجزاء محكماً لتحقق القاعدة القانونية غرضها وغايتها على نحوٍ أكيد وكامل. وعلى هذا الأساس فقد يكون إبطال العقد بأكمله إهداراً للمصالح الاجتماعية وبخاصة عقد الزواج الذي يترتب على بطلانه آثار وخيمة على الأسرة والمجتمع ولهذا نجد القوانين الوضعية ترتب بعض الآثار على الزواج الباطل خلافاً للقاعدة العامة كثبوت النسب وحرمة المصاهرة ، وهذا ما يعبر عنه في القانون المدني بنظرية انتقاص العقد كجزاء في العقود.
والحقيقة أن الأخذ بالشرط الفاسد كما قال بذلك الحنفية يؤدي إلى الحفاظ على أكبر عددٍ ممكن من العقود وعدم هدم آثارها بعد بطلانها، خاصة أن هذه الشروط المخالفة التي تؤدي إلى عدم صحة العقد ليست على درجة واحدة من الخطورة، ولهذا السبب يجب أن يتنوع الجزاء الذي يترتب على كل نوع من هذه الشروط.
وهكذا كان للفقه الإسلامي؛ وبالأخص الفقه الحنفي فضل السبق في الأخذ بنظرية انتقاص العقد قبل أن تصل إليها القوانين الوضعية الحديثة بالمفهوم الذي استقرت عليه في العصر الحديث، بحيث أصبحت نظاماً قانونياً قائماً بذاته يسعى إلى التقليل من حالات بطلان العقود والاستفادة منها بترتيب آثارها بصفة عرضية وليس بصفة أصلية، وذلك لتحقيق غايات اجتماعية ونفعية للمتعاقدين بما لا يتناقض مع غايات المشرع ومقاصده.
وفي حقيقة الأمر، فإن نظرية انتقاص العقد وإن كانت ترتب البطلان على الشرط الفاسد، فإن ذلك لا يمحو أن هناك محاولة جادة قد وقعت من طرف المتعاقدين لإبرام العقد، كل ما في الأمر أن هذه المحاولة يجب أن يكون لها من الآثار القدر الكافي الذي يراعي قواعد النظام العام وما يتطلبه مبدأ سلطان الإرادة، ولهذا إذا تضمن العقد شرطاً باطلاً اقتصر البطلان عليه وحده وظل العقد قائماً، ما لم يكن هذا الشرط هو الدافع إلى التعاقد فيقع العقد باطلاً كله.
المطلب الثالث: الشرط الذي لا يقتضيه عقد الزواج ولا ينافيه
وهو شرط ليس من مقتضى العقد ولا من مستلزماته، كما أنه لا ينافيه ولا يخل بمقصد من مقاصده، ولم يرد بشأنه أمر أو نهي من الشارع ولكنه يحقق مصلحة معتبرة للمشترط.
ومن أمثلة هذه الشروط اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها، أو ألا ينقلها من بلدها، أو اشتراط الزوج في المرأة التي يريد الزواج بها أن تكون جميلة أو متعلمة أو ذات صفة معينة.
إن الاشتراط في عقد الزواج من حقوق الزوجة، حيث بإمكانها أن تستعمل هذا الحق عند الخطوبة بالاتفاق على شروط معينة تحتاط بها الزوجة لكل شيء، خاصة وأن الدخول إلى الحياة الزوجية يكون في بدايته مبني على التخوف، فيكون أمام الزوجة أن تشترط ما من شأنه أن يزيل هذه المخاوف، لأن الشريعة قد أعطتها هذا الحق فلا تفوت على نفسها حق الاشتراط الذي له دور كبير في حياة المرأة.
ولقد اختلف الفقهاء في مدى تأثير هذه الشروط على العقد أو عدم تأثيرها من حيث لزومها أو عدم لزومها، ومن حيث صحتها وفسادها بناءا على مذهبهم في صحة هذه الشروط، وسنتعرض إلى دراسة حكم هذا النوع من الشروط من خلال دراسة آراء فقهاء المذاهب الأربعة في هذه المسألة كما يلي:
الفرع الأول: رأي الشافعية
يرى الشافعية بأن اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها، أو ألا يخرجها من دارها وما شابه ذلك من الشروط لا تأثير له على عقد الزواج، بل يظل صحيحاً ويفسد الشرط وحده، ما لم تخل هذه الشروط بمقصود النكاح الأصلي في الوطء والاستمتاع ، وفي حالة إخلال هذه الشروط بهذا المقصد الأصلي من النكاح فيبطل الشرط والعقد معاً.
وعلى هذا يمكن القول أن دائرة تصحيح الشروط عند الشافعية أقل اتساعاً، وخير دليلاً على هذا هو عدم أخذ الشافعية بالشروط العرفية.
الفرع الثاني: رأي المالكية
إن الشروط التي ليست ذات علاقة بالعقد نفياً أو اقتضاء تعتبر مما ليس في كتاب الله، لأنها ليست مما يوجبه مقتضى عقد الزواج، ولهذا فلا يجبر الطرف الآخر على الوفاء بها، غير أنه يسن له ذلك عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: " إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج".
فإذا اشترطت الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها، أو ألا يخرجها من بلدها، فمثل هذه الشروط مكروهة عند المالكية، ولا يلزم الوفاء بها وإنما يستحب ديانة، ويعتبر النكاح صحيح.
ويكون هذا النوع من الشروط لازماً عند المالكية، إذا علق الزوج الشرط بطلاق كقوله: إن تزوجت عليك فأنت طالق، أو فأمرك بيدك. فإن فعل شيء من ذلك لزمه ما شرط.
أما إذا اشترطت الزوجة على زوجها ألا ينقلها من بلدها، وإن فعل ذلك صار أمر طلاقها بيدها، فيكون لها الخيار أن تطلق نفسها بعد الإخلال بالشرط أو أن تثبت الزواج. كما تصبح هذه الشروط لازمة على الزوج إذا التزم بها للزوجة في شكل يمين.
إن المشهور في المذهب المالكي بالنسبة للشروط التي لا تنـافي مقتضى العقد وتحقق منفعة مقصودة للزوجين أو أحدهمـا، هو استحباب وفاء الزوج بهذه الشـروط، غير أن الزوج لا يجبر على تنفيذ هذه الشروط، وإنما يكون ذلك من باب الاستحسان فقط، وبالتالي فلا يكون للمرأة حق فسخ العقد أو الرجوع بما أسقطته من مهرها في العقد عند انتفاء الشرط وعدم الوفاء به.
ولقد ورد في الأثر أن الإمام مالك قال: " أشرت على قاضٍ منذ دهر أن ينهي الناس أن يتزوجوا على الشروط، وأن لا يتزوجوا إلا على دين الرجل وأمانته، وقد كتبت بذلك كتاباً وصيح في الأسواق ".
وترى الدكتورة نشوة العلواني أن هذه الفتوى تناسب زمن الإمام مالك ودينه وأمانته، بل إن الشروط مع الدين والأمانة لا حاجة إليها، بينما تزداد أهمية هذه الشروط وحاجة عصرنا الراهن إليها بسبب الكذب والغش والتدليس الذي شاع في معاملات الناس في حاضرنا والذي لم يسلم منه حتى عقد الزواج.
ومع ذلك فيرى الدكتور السنهوري أن الفقه الإسلامي قد تطور في المذهب المالكي تطوراً أبعدُ مدىً من تطوره في مذهبي أبي حنيفة والشافعي، فمالك يجيز من الشروط ما يجيزه المذهبان الآخران، ثم هو يجيز منها كثيراً مما لا يجيزانه.
وقد انفرد الإمام مالك برأي في الشرط الذي يفسد العقد، فإذا لم يتمسك به مشترطه انقلب العقد صحيحاً لزوال سبب الفساد، وعلة ذلك أن فساد العقد جاء بسبب الشرط الفاسد، فإذا زالت تلك العلة التي أوجدت الفساد زال معها الشرط وينقلب العقد صحيحاً.
الفرع الثالث، رأي الحنفية
يرى الحنفية أنه ليس للزوجة التي تشترط شرطاً لا يقتضيه عقد الزواج ولا ينافيه الخيار في فسخ العقد، وهكذا فلو اشترطت ألا يتزوج عليها زوجها أو ألا ينقلها من بلدها، ثم حدث وأن خالف الزوج الشرط بأن تزوج عليها أو أنتقل بها، لم يكن لها الخيار في فسخ عقد الزواج من أجل فوات الشرط.
وإذا كان الاشتراط من جانب الرجل، كما لو اشترط الزوج وصفاً معيناً في المرأة التي يريد الزواج بها بأن تكون متعلمة أو جميلة، أو أن تكون بكراً، ثم ظهرت على خلاف ذلك، فليس للزوج الخيار في فسخ العقد، وعللوا رأيهم هذا بأن تخلف الشرط يترتب عليه تخلف الرضا بالعقد، كما أن تخلف الرضا بالعقد لا أثر له في عقد الزواج حسب فقهاء الحنفية الذين يعتبرون الزواج صحيحاً مع وجود الإكراه، وعليه فإن الشرط الباطل أو الفاسد يترتب عليه بطلان الشرط وحده، وبقاء العقد صحيحاً.
لقد اعتبر الحنفية الشروط التي توافق مقتضى عقد النكاح أو مؤكدة له أو ورد بها أثر من الشرع أو جرى بها العرف شروط صحيحة. وأما الشروط التي لا توافق مقتضى عقد النكاح ولا تؤكده ولم يرد بها أثر ولا جرى بها العرف، ولكنها تحقق منفعة للزوجين أو أحدهما شروط فاسدة، فلو اشترطت الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها، فإن العقد يعتبر صحيحاً والشرط لاغياً دون أن يؤثر على صحة العقد.
ويجدر بنا التنويه هنا إلى موقف الحنفية المتميز في تصحيح الشروط التي جرى بها العرف، استحسانا لجريان التعامل بها بين الناس وتجنباً للمشقة والحرج من جراء عدم الأخذ بالعرف، ومراعاة منهم للقاعدة الفقهية التي مفادها أن: " الثابت بالعرف كالثابت بالنص "، ولكن بشرط تحكيم هذا العرف إلى أحكام الشريعة الإسلامية، ومتى خالف أصلاً من أصول الشريعة اعتبر باطلاً.
إن اعتبار الحنفية للعرف بهذا الشكل في باب الشروط يعد فتحاً له بعد إغلاقه بذلك الأصل الذي أصلوه، وهو قولهم بأن الأصل فساد الشروط ما لم يثبت دليل معين على صحتها، وبذلك يكونون قد فكوا تلك السلسلة التي طوقوا بها عنق معاملات الناس، فكما يقول الدكتور زكي الدين شعبان: "... والحق أن هذا هو الذي يساير الزمن ويلائم المدنيات المتجددة، ويجعل الشريعة مرنة رحبة الصدر، لا تصك في وجه المستظلين بها أبواب الرقي والتقدم وفيه البرهان العملي على صلاحيتها لكل الأزمنة والحجة الدامغة في وجه الطاعنين عليها بالجمود."
أما في نظر قوانين الأحوال الشخصية العربية فإن الشروط التي يمكن الاحتجاج بها لدى المحاكم هي الشروط المسجلة في وثيقة العقد. وقد أشار المشرع الجزائري إلى ذلك بموجب نص المادة 19 من قانون الأسرة.
ولا شك في أن الأخذ بهذه القاعدة الإجرائية له ما يبرره في عصرنا الراهن، إذ أصبح الإثبات بالكتابة مبدأ قائم بذاته في مختلف أنواع العقود المدنية، والأولى بذلك تطبيق هذا المبدأ لإثبات الشروط المقترنة بعقد الزواج باعتبار أن أحق الشروط في الوفاء ما استحلت به الفروج.
الفرع الرابع: رأي الحنابلة
يرى الحنابلة بأن الشروط التي لا يقتضيها العقد في إطلاقه وتحقق منفعة للزوجين أو أحـدهما شروط صحيحة، وتثبت لصاحبـها الخيار في فسخ العقد لعدم الوفـاء بها. لأن الأصل عند الحنابلة في الشروط هو الصحة حتى يرد الدليل الشرعي على البطلان، وليس في اعتبار هذه الشروط ووجوب الوفاء بها ما يحرم حلالاً، كما أنه ليس في هذه الشروط تضييقاً يتنافى مع مصلحة العقد وإطلاقه. ثم إن مصلحة المشترط هي من مصلحة عقده.
ويعتبر ابن تيمية أكبر فقهاء المذهب الحنبلي في إجازة الشروط التي تحقق منفعة مقصودة للزوجين، فهو لا يجعل الشرط فاسداً إلا إذا كان منافياً لمقصود عقد الـزواج، أو مناقضاً لأحكام الشرع.
لقد جـدد ابن تيميـة في فقه المذهب الحنبـلي، وتقدم به تقدماً كبيراً في التطـور، ونلمس ذلك من خلال تضييقه لدائرة الشروط الفاسدة، وبهذا فهو يقترب كثيراً على هذا النحو من الفقه الغربي، حيث يكون كل شرط مقترن بالعقد صحيحاً إلا إذا كان الشرط مستحيلاً، أو خالف القانون أو النظام العام والآداب العامة، فإن الشرط يلغو ويصح العقد، ما لم يكن الشرط هو الدافع إلى التعاقد فيبطل العقد أيضاً.
ولهذا السبب اعتبر المذهب الحنبلي أوسع المذاهب الفقهية تيسيراً في مسألة الشروط بتحقيقه لرغبات الناس في الاشتراطات العقدية.
إن سبب اختلاف الفقهاء المسلمين حول هذا الشروط التي لا يقتضيها عقد الزواج ولا تنافيه هو معارضة العموم للخصوص، فأما العموم فحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط ". ويتمثل نص الخصوص في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ". واجتناب هذا التعارض لا يكون إلا بتقييد العموم بالخصوص، وتكون نتيجة ذلك هي لزوم الوفاء بهذا النوع من الشـروط. فالزوجة لم ترضى بالزواج إلا على هذا الشرط، ولو لم يتم الوفاء به لم يشتمل العقد عن تراضٍ حقيقي.

ويتبين لنا من خلال عرض آراء المذاهب المختلفة في حكم الشرط الذي لا يقتضيه عقد الزواج ولا ينافيه، أن ما ذهب إليه الحنابلة هو الراجح لتوافقه مع ما تدعو إليه مبـادئ الشريعـة الإسلامية من رفـع الحرج وجلب التيسير ورعاية مصـالح النـاس بما يتماشى ومتطلبات العصر، ولتوافقه أيضاً مع ما استقرت عليه القوانين الوضعية فيما يعرف بمبدأ حرية التعاقد.
فلو رسمنا دوائر تبين لنا مقدار مساهمة هذه المذاهب في تصحيح الشروط لكان أكبرها على الإطلاق دائرة مذهب الحنابلة، فدائرة المذهب الحنفي، ثم دائرة مذهب المالكية، وأخيراً دائرة المذهب الشافعي.
والجدير بالذكر أن قانون الأسرة الجزائري قد سلك طريق الحنابلة في الأخذ بالشرط الذي لا يقتضيه عقد الزواج ولا ينافيه، حيث أباح في المادة 19 للزوجين حرية الاشتراط، ولا سيما شرطي عدم تعدد الزوجات وعمل المرأة، وهذان الشرطان هما من جملة الشروط التي لا يقتضيها عقد الزواج ولا تنافيه، ومن ثم فإن حكم هذه الشروط في قانون الأسرة الجزائري هو الصحة ولزوم الوفاء بها.
وحسب رأينا فإنه من المستحسن لو نص المشرع الجزائري على القاعدة العامة لهذا النوع من الشروط بإضافة عبارة: " إذا اقترن عقد الزواج بشرطٍ لا ينافيه ولا يقتضيه، ولكن يحقق مصلحة مشروعة للزوجين أو أحدهما فيعتبر الشرط صحيحاً ". ولا حرج بعد ذلك من أن ينص المشرع على بعض الشروط التي يراها مهمة على سبيل المثال.
وعن موقف القضاء الجزائري من حكم الشروط التي لا يقتضيها عقد الزواج ولا تنافيه، فقد ذهب إلى اعتبار شرط الزوجة على زوجها بألا ينقلها من بلدها بأنه شرط صحيح يجب الوفاء به؛ إذ قررت المحكمة العليا في قرار لها ما يلي: " حيث أنه من المقرر فقهاً وقضاءاً جواز اشتراط الزوجة في عقد الزواج ما تشاء من الشروط التي تكون لها فيها فائدة بشرط أن لا تحلل حراماً أو تحـرم حلالاً، وبشرط أن لا تناقض روح العقـد، وحيث أن قضاة الموضوع بعد أن استبعدوا التهم التي أسندت إلى الزوج استنتجوا من الوقائع ومن الوثائق بما لهم من سلطة تقديرية أن الزوج بإصراره على إخراج زوجته من بلدها يعتبر مخلا بأحد الشروط التي تضمنها عقد الزواج والتي التزم بها الزوج مما يترتب عليه فك العصمة، وعليه فإنهم لم يخالفوا أحكام الفقه الإسلامي ويعتبر الوجه غير سديد ".
ولكن القضاء الجزائري لم يستقر على رأيه هذا، وذهب في قرارٍ آخر إلى أن اشتراط المرأة على زوجها ألا ينقلها من بلدها شرط باطل ومخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، وهذا ما يتبين من نص قرار المحكمة العليا الآتي:
" من المقرر شرعاً أن الشرط الوارد في عقد الزواج الذي لا يقتضيه العقد ولا ينافيه، والذي يدخل في باب الكراهة لما فيه من التحجير لا يلزم الزوج به ولا يؤثر في عقد الزواج، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفاً للأحكام الشرعية.
وكان من الثابت- في قضية الحال- أن قضاة الموضوع ألزموا الزوج بالعرف بتعهده البقاء بزوجته بالعاصمة، يكونوا بقضائهم كذلك قد خالفوا أحكام الشريعة وقد فرضوا عليه قيداً هو مخير فيه، ومتى كان كذلك استوجب نقض وإبطال القرار المطعون فيه ".
وواضح من خلال عرض القرارين السابقين للمحكمة العليا أن موقف القضاء الجزائري من الشرط الذي لا يقتضيه عقد الزواج ولا ينافيه يتميز بالتناقض، فتارة يعتبر هذه الشروط صحيحة وملزمة، وتارة أخرى يعتبرها شروط مكروهة وغير ملزمة متأثراً في ذلك برأي المالكية.
إن هذا القرار الأخير للقضاء الجزائري، لا يتوافق مع ما ذهب إليه قانون الأسرة الجزائري في تنظيمه لأحكام الشروط المقترنة بعقد الزواج بالاستناد إلى المذهب الحنبلي، كما انتهت إلى ذلك أغلب تشريعات الأحوال الشخصية في البلاد الإسلامية بناءاً على توافق نظرة الحنابلة في هذا الصدد مع أحكام نظرية العقود في القوانين المدنية.
فحسب نص المادة 19 من قانون الأحوال الشخصية الأردني، فإن الشروط التي لا تنافي مقتضى العقد، ولم يلتزم فيها بما هو محظور شرعاً، وتحقق مصلحة لأحد الطرفين تعتبر شروط صحيحة ويلزم الوفاء بها، كاشتراط الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها أو ألا يخرجها من بلدها، أو اشتراط الزوج على زوجته أن تعمل خارج البيت.
كما اعتبر قانون الأحوال الشخصية السوري أن كل شرط فيه مصلحة للزوجة، ولا يمس بحقوق الزوج شرط صحيح ويجب على الزوج الوفاء به، كما لو اشترطت عليه ألا تترك دراستها أو عملها، أو ألا ينقلها من بلدها.
وحسب نص المادة 48 من مدونة الأسرة المغربية، فإن الشروط التي تحقق فائدة مشروعة لمشترطها تكون صحيحة وملزمة لمن التزم بها من الزوجين.
ولقد ورد النص في المادة 32 من مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية على أنه: " يحق للمرأة أن تشترط في العقد ألا يتزوج عليها زوجها، فإذا تزوج كان لها طلب فسخ زواجها ".
وبهذا يتأكد لنا اتجاه أغلب تشريعات الأحوال الشخصية العربية نحو الأخذ بالمذهب الحنبلي، باعتباره أوسع المذاهب الفقهية تصحيحاً للشروط في عقد الزواج، وأقربها إلى تحقيق مقاصد الزوجين المتجددة بتغير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

المبحث الثاني: مدى إمكانية مراقبة صحة الشرط المقترن بعقد الزواج
سنتعرض في هذا المبحث إلى دراسة مدى سلطة كل من الموثق وضابط الحالة المدنية في مراقبة صحة الشرط المقترن بعقد الزواج حال إبرامه بين الزوجين وذلك في المطلب الأول، على أن نخصص المطلب الثاني لبحث مدى سلطة القاضي في تعديل أو نقض الشرط المقترن بعقد الزواج.
المطلب الأول: مدى سلطة الموثق وضابط الحالة المدنية في مراقبة صحة الشرط
إن دراستنا لمدى سلطة الموثق وضابط الحالة المدنية بشأن التحقيق في صحة أو عدم صحة الشرط المقترن بعقد الزواج، يقتضي منا تحديد الحالات والشروط التي يجوز للموثق وضابط الحالة المدنية أن يتحقق من صحتها أو عدم صحتها.
وعليه فإن الشروط المراقبة إما أن تتحدد بالشروط التي ورد النص عليها بموجب القانون باعتبارها من الإجراءات التنظيمية ولا يجوز للمتعاقدين مخالفتها، لأن الغرض منها هو ضمان انعقاد العقد وفقاً للشكل الصحيح، وإما أن تتمثل في شروط وقع النص عليها لحماية مصلحة الزوجين أو أحدهما، ويجوز لمن شرعت لمصلحته التنازل عنها أو مخالفتها، ما لم تخالف نصاً آمراً أو ناهياً في القانون، وأخيراً يشمل الشروط التي ترك القانون للزوجين حرية اشتراطها بشرط عدم مخالفة أحكام قانون الأسرة ولا مقتضى عقد الزواج، فالمسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً.
وسنأتي على بيان وتفصيل هذه الأنواع من الشروط التي هي محل المراقبة من خلال الفروع الآتية:



الفرع الأول: الشروط التي تخالف الإجراءات التنظيمية لعقد الزواج
لا يجوز للزوجين الاتفاق على مخالفة الشروط المتعلقة بإبرام عقد الزواج لأنها تعتبر من النظام العام، كما أن الغرض منها هو منع وقوع التلاعب في عقود الزواج نظراً لأهميتها وخطورتها.
ومن أمثلة هذه الإجراءات التنظيمية نجد الوثائق المطلوبة لإبرام عقد الزواج والمحددة بموجب المواد 74، 75، 76، من قانون الحالة المدنية الجزائري ، أو الإجراء التنظيمي الوارد في المادة 7 من قانون الأسرة والمتمثل في تحديد سن الزواج بـ 19سنة، حيث أنه لا يجوز للزوجين مخالفة هذا الإجراء ما لم يرخص القاضي بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة.
كما أنه ليس بإمكان الزوجين مخالفة الإجراء التنظيمي الوارد في المادة 75 من قانون الحالة المدنية والذي يوجب على المرأة التي سبق لها الزواج أن تقدم إما نسخة من عقد وفاة الزوج السابق، وإما نسخة من حكم الطلاق الذي صار نهائياً.
لقد ألزم قانون الأسرة الجزائري على الموظف المختص بإبرام عقد الزواج التأكد من صحة تطبيق المادتين 9 و9 مكرر تطبيقاً صحيحاً ؛ ويكون ذلك بمراعاة مدى توافر ركن الرضا وبقية شروط عقد الزواج من صداق وولي وشهود وانعدام الموانع الشرعية. وعلى الموثق أو ضابط الحالة المدنية أن يمتنع عن إبرام عقد الزواج لمخالفة شروط المادتين السابقتين كوجود مثلاً اتفاق بين الزوجين يقضي بعدم مراعاة شرط انعدام الموانع الشرعية، أو إسقاط الصداق لمنافاة هذه الشروط الاتفاقية لأحكام النظام العام.
وقد ألزمت المادة 73 من قانون الحالة المدنية على الموثق أو ضابط الحالة المدنية أن يبين بصراحة بأن الزواج قد تم ضمن الشروط المنصوص عليها في القانون؛ أي أنه يقع على عاتق الموظف المؤهل قانوناً لتحرير عقد الزواج وتسجيله التحقق من توافر الإجراءات التنظيمية لعقد الزواج، ويتعين عليه التحقق أيضاً من صحة شروط المتعاقدين التي يمكن أن تخالف هذه الإجراءات التنظيمية، ويتمتع في سبيل تحقيق ذلك بسلطة تقييم وقبول ما يمكن قبوله، أو رفض ما يجب رفضه إذا خالف الزوجين أحكام قانون الأسرة.
وتبعاً لذلك فإنه من حق الموثق أو ضابط الحالة المدنية التحقق مما إذا كان الزوج مسلماً؛ لأنه يحرم زواج المسلمة بغيـر المسلم طبقاً لنص المادة 30 مـن قانون الأسرة، أو التحقق فيما إذا كان للزوج الأجنبي رخصة بالزواج من الولاية التي يقيم فيها... وغير ذلك من الشروط التي يكون الموظف المختص بإبرام عقد الزواج ملزم بمراعاتها ضماناً لصحة إبرام عقد الزواج وعدم اشتراط شروط مخالفة للقانون.
الفرع الثاني: الشروط التي ورد النص عليها لحماية مصلحة الزوجين
يرى الدكتور عبد العزيز سعد بأنه يمكن للزوجين الاتفاق على مخالفة الشروط التي وقع النص عليها في القانون وكان الهدف منها حماية أو تدعيم مصلحة الزوجين أو أحدهما، بمقتضى أية شروط يشترطانها عندما لا تكون مخالفة لنص من النصوص الآمرة أو الناهية في القانون نفسه. فعلى سبيل المثال إذا كانت المادة 8 من قانون الأسرة الجزائري تبيح الزواج بأكثر من واحدة متى وجد المبرر الشرعي وتوفرت شروط ونية العدل، وإخبار الزوجة السابقة والمرأة التي يقبل على الزواج بها، وبعد حصول الزوج على ترخيص من رئيس المحكمة بالزواج الجديد، فإن هذه الشروط قد اشترطها القانون لمصلحة الزوجين، وأنه يجوز للزوجة الأولى أن تتنازل عنها، وتقبل بزواج زوجها ثانية حتى مع عدم وجود المبرر الشرعي، أو شرط نية العدل، أو شرط إخبار كل من الزوجة السابقة واللاحقة.
كما يجوز للزوج أن يشترط على الزوجة الأولى أثناء إبرام العقد ألا يخبرها برغبته في التزوج بغيرها متى أراد ذلك؛ لأن هذه الشروط ليست من النظام العام، كما أن قانون الأسرة لم يمنح الموظف المؤهل لتحرير عقد الزواج أية سلطة تخوله حق مراقبة تحقق أو عدم تحقق هذه الشروط، ولم يمنحه حق رفض تحرير العقد عند عدم توفرها.
أما الدكتور بلحاج العربي فيرى بأنه يجوز للموظف المختص بإبرام عقد الزواج التحقق من المعلومات المصرح بها، كالتأكد من شرط وجود المبرر الشرعي، أو شرط نية العدل، أو إخبار الزوجة السابقة واللاحقة، وأن يتم ذلك في حدود الحرية الشخصية.
وواضح مما سبق أن شُراح قانون الأسرة الجزائري لم يتفقوا على رأي واحد بخصوص سلطة الموظف المختص بإبرام عقد الزواج حول مراقبة الشروط التي ورد النص عليها في المادة 8 من قانون الأسرة، وفي اعتقادنا أن نص المادة 8 قد تضمن قواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وبالرجوع إلى نص المادة 19 فإنه ليس للزوجين اشتراط شروط تتعارض مع أحكام هذا القانون، والنتيجة لهذا كله أن أي شرط يقضي بعدم مراعاة الشروط والقيود التي فرضها المشرع على تعدد الزوجات يعد مخالفاً لأحكام قانون الأسرة.
غير أنه بإمكان الزوجة أن تتنازل عن هذه الشروط والقيود التي وضعها المشرع لصالحها بمحض إرادتها، دون أن يشكل ذلك مخالفة لأحكام قانون الأسرة. قياساً على تنازل الزوج عن حقه في الطلاق إلى زوجته، وغيرها من الأحكام التي يجوز للزوجين التنازل عنها دون أن يعتبر ذلك مخالفاً لأحكام قانون الأسرة.
الفرع الثالث: الشروط التي ترك القانون للزوجين حرية اشتراطها
إنه بالرغم من عدم وجود نص صريح يمنح للموظف المختص بإبرام عقد الزواج سلطة تحقيق ومراقبة الشروط التي أباحت المادة 19 للزوجين حرية اشتراطها، فإنـه مع ذلك يبقى على عاتـق الموظف المؤهل قانوناً لتحرير عقد الزواج سلطة مراقبـة

الشروط التي يشترطها الزوجين، وضابطه في ذلك هو عدم تعارض هذه الشروط مع قواعد قانون الأسرة.
بيد أن مراقبة صحة الشروط تتطلب من الموظف المؤهل قانوناً بتحرير عقد الزواج أن يكون على دراية وإطلاع وافٍ لكافة أحكام قانون الأسرة حتى يتسنى له قبول هذا الشرط أو ذاك، وضمان عدم وقوعه في أخطاء.
كما أن سلطة الموظف المختص بإبرام عقد الزواج في مراقبة الشروط ورفض تحرير عقد الزواج بدعوى مخالفة الشروط للقانون، يجب ألا تكون مطلقة حتى لا يتعسف في استعمال سلطته، ويجب أن يُمنح بالمقابل للزوجين الحق في اللجوء إلى القضاء بموجب أمر على عريضة يقدمها الزوجان أو أحدهما إلى رئيس المحكمة التي يوجد بدائرتها مقر الموظف الذي رفض تحرير شروط العقد، فإما أن يؤكد هذا الرفض أو يقرر صحة الشروط.
ويختلف أثر الشرط على تسجيل عقد الزواج أمام الموظف المختص بإبرامه تبعاً لمشروعية الشرط أو عدم مشروعيته، فإذا اتفق الزوجان على شرطٍ لا يناقض طبيعة عقد الزواج ولا أحكام قانون الأسرة، فلا أثر له على إبرام العقد وتسجيله، أما إذا أثير شرط ينافي طبيعة العقد، كما لو اشترطت الزوجة على زوجها ألا يطأها إلا مرة في الشهر، أو الاتفاق على إسقاط الصداق... وغيرها من الشروط الباطلة فيمتنع الموثق أو ضابط الحالة المدنية عن تسجيل مثل هذه الشروط.
ويستمد الموثق أو ضابط الحالة المدنية سلطته في مراقبة صحة الشرط المقترن بعقد الزواج من سلطته في تحرير عقد الزواج التي تحكمها النصوص القانونية، فقد نصت المادة 46 من قانون الحالة المدنية على بطلان عقد الزواج إذا كان مزوراً أو وقع تسجيله في غير المدة القانونية المسموح بها، كما نص قانون العقوبـات الجزائـري في المادة 441/1 على معاقبة كل من الموثق، أو ضابط الحالة المدنية الذي يحرر عقد الزواج دون رخصة الأشخاص المؤهلين لحضور عقد الزواج بالحبس من عشرة أيام على الأقل إلى شهرين على الأكثر وبغرامة من 100 إلى 1.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين.
بالإضافة إلى العقوبات الواردة في نص المادة 77 من قانون الحالة المدنية والتي تعاقب الموثق أو ضابط الحالة المدنية الذي لم يطبق الإجراءات المقررة في هذا الفصل(إجراءات تسجيل عقد الزواج) بغرامة لا يمكن أن تتجاوز 200 دج بموجب حكم صادر عن المحكمة المختصة بالفصل في المسائل المدنية.
المطلب الثاني: مدى سلطة القاضي في تعديل أو نقض الشرط
يترتب على الأخذ بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين أن يتقيد المتعاقدان بشروط العقد وفقاً للغرض المقصود من التعاقد، ووجوب اتفاق الطرفين لتعديل العقد أو إنهائه متى تغيرت ظروف العقد وأصبحت بنود العقد الأول لا تحقق مصلحة العاقدين وتتعارض مع روح العقد.
والأصل في تعديل الالتزامات التعاقدية أن يتم بموجب اتفاق الطرفين، ومن ثم فإنه يمتنع على القاضي أن يستقل بإرادته المنفردة في تعديل العقد أو إنهائه. إذ أن مهمة القاضي الأساسية تتركز في تفسير العقد لتحديد مضمونه وليس له أن يزيد أو ينقص أو يلغي من هذا المضمون، وإستشناءاً من ذلك فإن القانون يمنح للقاضي سلطة تعديل العقد في حالات محددة، كما هو الشأن في حالة الظروف الطارئة، أو في حالة وجود شروط تعسفية.
وسنعالج فيما يلي الموجبات والأسبـاب التي تدفع بالزوجين أو أحدهمـا إلى تعديل الشروط المقترنة بعقد الزواج من خلال دراسـة بعض الأمثلة عن هذه الشـروط، ثم نعرج على دراسة سلطة القاضي في تعديل أو نقض الشروط في عقد الزواج.
الفرع الأول: موجبات تعديل أو نقض الشرط المقترن بعقد الزواج
إن التوسع في فتح باب الشروط أخذاً بالمذهب الحنبلي في أغلب تشريعات الأحوال الشخصية العربية أدى إلى رفع غبن كبير عن المرأة كانت تئن تحت وطأته.
غير أن هذا الحق يجب ألا يؤخذ على إطلاقه، وإلا أصبحت الزوجة متعسفة في استعماله مما يعود بالضرر البالغ على الزوج، فلو اشترطت الزوجة على زوجها ألا يخرجها من بلدها، أو قيدت حريته باشتراطها عدم سفره، فإن هذا الشرط قد لا يكون في صالح الزوج ولو قبل به إبتداءاً.
فعلى سبيل المثال قد يجد الزوج نفسه مضطراً لمغادرة بلد الزوجة إلى بلدٍ آخر صدر الأمر الإداري بتحويله إلى هذا البلد لممارسة وظيفته، وإذا خالف الزوج الشرط المتفق عليه فقد يؤدي ذلك إلى فصل الحياة الزوجية بين الزوجين على الأقل مدة العمل التي ستطول طيلة فترة غياب الزوج، ومن المحتمل أيضاً أن يؤدي ذلك إلى وقوع الطلاق وتأثيراته السلبية على الأطفال والمجتمع. وعندئذ يكون الزوج أمـام خيـاريـن: فإما أن يحـافظ على أسرته وأولاده من الشتات والضياع باحترام الشـرط، ويتحمل فقدانه لمصدر رزقه.
وإما أن يخالف الشرط ويحافظ على مصدر رزقه، الأمر الذي قد ينجم عنه وقوع الطلاق، وتعريض الأطفال للآثار السلبية للطلاق.
وفي حقيقة الأمر فإنه يجب أن يكون الغرض من احترام الوفاء بالشروط والعهود هو تحقيق منفعة مقصودة للزوجين، والمساعدة على تحقيق ترابط الأسرة وانسجامها في المجتمع، ولهذا فيجب ألا يؤثر الوفاء بالشروط على التضامن الزوجي عند انتفاء المصلحة المرجوة من جانب الزوجة وتعذر الوفاء بالشرط من جانب الزوج لظهور مصلحة جديدة يتعين على الزوجين السعي نحو تحقيقها، بشرط ألا يتنافى ذلك مع مقاصد الشريعة الإسلامية.
وعلى هذا الأساس يجب على الزوجين إعادة النظر في مثل هذه الشروط بحيث لا يتعنت الزوج ولا تتعنت الزوجة، فالحياة الزوجية مبنية على التعاون والوئام، ولا بد من أن يتنازل فيها كل واحدٍ للآخر عن بعض حقوقه .
ولكن الأمور قد تتعقد بعض الشيء في حالة ما إذا لم يحصل توافق بين الزوجين على تعديل الشروط الجعلية في عقد الزواج، وعندها لا يكون هناك من سبيل إلا اللجوء إلى القضاء، كما لو طلب الزوج إبطال شرط زوجته عليه بألا ينقلها من بلدها بدعوى مخالفة هذا الشرط لحق الزوج في الطاعة. فهل يعتبر الزوج في هذا الفرض محقاً في طلبه؟
لقد ألغى التعديل الأخير لقانون الأسرة الجزائري حق الزوج في الطاعة بإلغاء المادة 39 التي كانت توجب على الزوجة طاعة زوجها، وهذا يشكل مخالفة صارخة لأحكام الشريعة الإسلامية التي أوجبت على الزوجة طاعة زوجها بالانقياد للزوج في الحقوق المترتبة على عقد الزواج بشرط أن يكـون ذلك بالمعروف وفيما أمر به الشرع، فحق الزوج في الطاعة ليس مطلقاً بل هو مقيد بعدم تجاوز الأحكام الشرعيـة، وينطوي هذا الحق على جانبان هامان وهما الانتقال إلى بيت الزوجية والقرار فيه ، واستئذان الزوج والاستجابة لحاجاته.
وحسب رأينا فإن اشتراط الزوجة على زوجها ألا ينقلها من بلدها لا يتناقض مع حق الزوج في الطاعة، لأنه لا يبطل هذا الحق من أصله، خصوصاً وأن الزوجة تحتاط بوضع هذا الشرط من أجل البقاء بالقرب من والديها وأهلها لحماية نفسها من تعسف الزوج.



الفرع الثاني: حدود سلطة القاضي في تعديل أو نقض الشرط المقترن بعقد الزواج
العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون؛ أي أن الإرادة المشتركة للمتعاقدين هي وحدها الكفيلة بإنشاء العقد وتحديد شروطه، وهي وحدها التي تستطيع إنهاءه وتعديله، وإذا كانت هذه هي القاعدة العامة في نظرية العقد، فإنها كذلك تجد تطبيقاً لها فيما يتعلق بتعديل أو نقض الشرط المقترن بعقد الزواج.
ومتى أصبح تنفيذ الشرط المتفق عليـه في عقد الزواج متعذراً على من التزم بـه، فإنه يكون أمامه اللجوء إلى القضاء ليطلب إعفاءه من تنفيذه أو تعديله بسبب الظروف الطارئة التي حالت دون التنفيذ العيني للشرط، ويرجع في تقدير الحادث الطارئ إلى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع.
والملاحظ هنا أن قانون الأسرة الجزائري لم يورد نص خاص يمنح للزوج اللجوء إلى القضاء من أجل تعديل أو إبطال الشرط في حالة تعذر تنفيذه، ويبقى ذلك خاضعاً للقواعد العامة في القانون المدني، بخلاف المشرع المغربي الذي أورد نصاً خاصاً في مدونة الأسرة المغربية بخصوص طلب تعديـل أو إنهاء الشرط المقترن بعقـد الـزواج، حيث نصت المادة 48/2 من المدونة على أنه: " ... إذا طرأت ظروف أو وقائع أصبح معها التنفيذ العيني للشرط مرهقاً. أمكن للملتزم به أن يطلب من المحكمة إعفاءه منه أو تعديله ما دامت تلك الظروف أو الوقائع قائمة...".
ويتعين على القاضي وهو بصدد الفصل في طلب تعديل أو إنهاء الشرط المقترن بعقد الزواج أن يراعي تحقيق الموازنة بين مصالح المتعاقدين من جهة، ومصلحة المجتمع من جهة أخرى .
ويراعي القاضي أيضاً في ذلك مدى جسامة الضرر الحاصل من جراء عدم الوفاء بالشرط، فإذا كان الضرر اللاحق بالزوج أكبر من الضرر الذي يلحق بالزوجة من جراء نقلها من بلدها، كما لو فقد الزوج منصب عمله بسب عدم التزامه بشرط زوجته عليه بألا ينقلها من بلده، فيكون دفع هذا الضرر مقدم على ضرر الزوجة الناجم عن تخوفها من العيش خارج بلدها. ويكون نص المادة 110 من القانون المدني الجزائري هو السند القانوني للقاضي في تعديل الشروط التعسفية أو الإعفاء منها، وذلك وفقاً لما تقضي به قواعد العدالة، ويقع باطلاً كل اتفاق يقضي بخلاف ذلك لتعلق أحكام المسؤولية بالنظام العام. كما يجب على القاضي أن يلتزم بحرفية بنود العقد إذا كانت عبارات العقد واضحة، وإذا كان هناك محل لتأويل العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين ومـراعاة غرضيهما من التعاقد، ولا يجـوز تجزئة شروط العقد؛ لأن ذلك يجعل من الوصول إلى النية المشتركة للمتعاقدين أمراً صعباً، ولهذا وجب تفسير العقد في مجموع بنوده وكافة أجزائه المكونة له.
وعلى سبيل المثال لو اتفق الزوجان على تأجيل جزء من المهر، فليس للزوجة أن تمتنع عن الدخول في طاعة زوجها قبل دفعه الجزء المؤجل من المهر، لأن قبولها بتأجيل جزء من مهرها عند العقد يفسر على أنها رضيت بتأجيل المطالبة. وإذا وقع خلاف بين الزوجين بصدد تفسير شرط معين في العقد حول مشروعية الشرط أوعدم مشروعيته، فيجب الرجوع إلى المذهب الفقهي الذي أخذت منه أحكام هذا الشرط. وهل يعد مشروعاً أو غير مشروع.
إن الأخذ بالشروط فيه توسعة كبيرة على الناس في إيجاد الحلول للمشاكل التي تعترض حياتهم الاجتماعية، وخاصة بالنسبة للزوجين في رسم معالم الحياة الزوجية المستقبلية التي ينشدانها، وتجنب حدوث الخلافات والنزاعات الزوجية أو على الأقل التقليل منها، فالشروط كما يقول ابن تيمية: " ... مقاصد العقلاء إذا دخلت في العقود وكانت من الصلاح الذي هو المقصود لم تذهب هدراً ولم تهدر رأساً كالآجال في الأعواض ونقود الأثمان المعينة لبعض البلدان والصفات في المبيعات والحرفة المشروطة في أحد الزوجين، وقد تفيد الشروط ما لا يفيده الإطلاق بل ما يخالف الإطلاق ".
ولكن التوسع في الشروط يجب أن يكون مقيداً بمراعاة النظام العام والأحكام الأساسية للأسرة المسلمة والأعراف الاجتماعية الصحيحة، وبما يحقق التوازن بين مصلحة العاقدين والمصلحة العامة للمجتمع. ولهذا يجب تجنب أن يؤدي الاشتراط إلى ظلم عظيم للمرأة وأولادها، أو أن يمس بمصالح الزوج، احتراما للقواعـد الفقهية الثابتة في الفقـه الإسلامي في هذا الشـأن، مثل قاعـدة ( لا ضرر ولا ضرار) وقاعـدة ( الضرورة تقدر بقدرها) وكذلك قاعدة ( لا تدفع مضرة بما يؤدي إلى مفسدة أكبر منها أو تماثلها).













المبحث الثالث: الجزاء المترتب على عدم الوفاء بالشرط
يتمثل الجزاء المترتب على عدم الوفاء بالشرط في الدفع بعدم التنفيذ، وهذا الجزاء خاص بالشروط المؤثرة في المهر؛ حيث يجوز للزوجـة أن تحبس نفسها عن زوجهـا، وتستعمل ذلك كوسيلة ضغط منها لاستيفاء معجل مهرها.
وإذا لم يفلح الدفع بعدم التنفيذ في إلزام الزوج بالوفاء، فيكون للمشترط اللجوء إلى طلب الفسخ أمام القضاء، وأخيراً طلب التعويض إذا ثبت الضرر، وسنتطرق في المطالب التالية إلى كل هذه الجزاءات المختلفة.
المطلب الأول: الدفع بعدم التنفيذ
يختلف الدفع بعدم التنفيذ عن الفسخ في كونه ينحصر أثره في وقف تنفيذ الالتزامات المستمدة من العقد الملزم للجانبين، وعلى ذلك فإن الدفع بعدم التنفيذ لا يؤدي إلى انقضاء الالتزامات التعاقدية.
ولقد قسمنا هذا المطلب إلى ثلاثة فروع، نتطرق في الفرع الأول إلى دراسة شروط الدفع بعدم التنفيذ، ونتناول في الفرع الثاني الأساس الذي يقوم عليه الدفع بعدم التنفيذ، وأخيراً خصصنا الفرع الثالث لدراسة حق الزوجة في حبس نفسها لاستيفاء معجل مهرها.
الفرع الأول: شروط الدفع بعدم التنفيذ
لكي يرتب الدفع بعدم التنفيذ أثرة المتمثل في تعطيل نفاذ العقد دون فسخه، مع بقاء العقد قائماً وواجب النفاذ، يجب توافر الشروط الآتية:
1-أن يكون هناك عقد ملزم للجانبين
2- أن يكون الالتزام المحبوس التزاما يتأخر تنفيذه عن الالتزام المقابل، حتى يستطيع المتعاقد الأول أن يوقف تنفيذ التزامه دون أن يتحلل منه، وإنما يستعمل ذلك كوسيـلة

ضغط ليستوفي حقه في ذمة المتعاقد الآخر.
الفرع الثاني: الأساس الذي يقوم عليه الدفع بعدم التنفيذ
إن عقد الزواج عقد معاوضة، ولكنـه يختلف عن باقي عقود المعاوضات الماليـة، فهو ينطوي على مبادلة البضع بالمهر، وعلى هذا الأساس فإن ارتباط الالتزامين المتقابلين في عقد المعاوضة هو الأساس الذي يقوم عليه الدفع بعدم التنفيذ في الفقه الإسلامي؛ أي أن عدم تنفيذ أحد الالتزامين يترتب عليه وقف تنفيذ الالتزام المقابل، بخلاف الفسخ الذي هو أشد خطورة من الدفع بعدم التنفيذ.
إن أساس فكرة المعاوضة في الفقه الإسلامي هو تحقيق المساواة في هذه العقود بين العاقدين، واحتراما لهذا المبدأ فلا يجبر أحد العاقدين على تنفيذ التزامه طالما أن المتعاقد الآخر لم يقم بتنفيذ الالتزام المقابل. وعلى هذا يكون من حق الزوجة أن ترفض الذهاب إلى مسكن الزوجية إذا لم يدفع لها الزوج صداقها أو جزءاً منه.

الفرع الثالث: حبس الزوجة نفسها عن زوجها لاستيفاء معجل مهرها
إذا كان حق الحبس في الفقـه الإسلامي مبـدأ ثابتاً في عقود المعاوضات المالية، فإنه يجد تطبيقاً له في عقد الزواج، فلو أن الزوجـة اشترطت على زوجها تعجيل صـداقها، ولكن الزوج لم يحترم هذا الاتفاق؛ فقد احتاط الفقه الإسلامي لحفظ حق الزوجة في مهرها، وأجاز لها حق حبس نفسها عن زوجها حتى تستوفي المعجل من المهر ؛ وهذا يعني أنه بإمكان الزوجة أن تمنع الزوج من الدخول بها حتى يعطيها ما اشترطت تعجيله من المهر، مع ثبوت هذا الحق لها حتى لو كانت قد انتقلت إلى بيت زوجها.
والغرض من إعطاء الزوجة هذا الحق هو حث الزوج ودفعه للوفاء بحق الزوجة ولها في سبيل تحقيق ذلك أن تمتنع أيضاً عن أن تلتزم بما كانت ستلتزم به لو دخل بها الزوج. وليس للزوج أن يمنع زوجته من السفر أو زيارة أهلها قبل إيفاء المهر، وهذا لأن طاعة الزوجة لزوجها لا تقوم إلا إذا توافرت أركان الطاعة وهي المسكن الشرعي وأمانة الزوج على نفس ومال الزوجة، وإيفاء الزوج معجل صداق الزوجة، أما إذا انتفى ركن من هذه الأركان يسقط عن الزوجة واجب الطاعة.
ولقد أقرت الشريعة الإسلامية بحق الزوجة في النفقة حتى في مدة حبس الزوجة نفسها عن زوجها، وليس بوسع الزوج أن يتذرع بسقوط حقها في النفقة بداعي نشوزها، فهي لا تعد ناشزاً طالما لم يفي لها بما اشترطته من تعجيل مهرها.
ويعلل الفقهاء حق الحبس باستيفاء المستحق وهو المهر، فطالما لم تستوفي الزوجة مهرها، فليس للزوج استيفاء حقه منها في منافع البضع. ومتى أوفاها مهرها كاملاً كان له الحق في منعها من الخروج من بيته، وله أن يحبسها لاستيفاء حقه منها وهو منفعة البضع.
كما أجاز الفقهاء للزوجة حق حبس نفسها لاستيفاء الجزء المتبقي من المهر المعجل حتى ولو كان جزءاً قليلاً، وهذا يعتبر تطبيقاً لحق من حقوق الحابس، فحق الحبس ينظر إليه على أنه كتلة واحدة غير قابلة للتجزئة، لأن الشيء المحبوس يقابل كل أجزاء الحق المقابل.
أما إذا كـان المهر مؤجـلاً فإنه يؤدي إلى سقوط حق الزوجة في حبس نفسـها ويعلل الحنابلة ذلك بأن رضاها بتأجيل المهر لا يترتب عليه تأخير حق الزوج ويجب عليها تسليم نفسها، وعلى العكس من ذلك يرى بعض الشافعية بأن رضا الزوجة بتأجيل قبض المهر لا يسقط حقها في الحبس، وهذا رأي ضعيف لأن رضا الزوجة بتأجيل المهر يترتب عليه سقوط حقها في الحبس قياساً على سقوط حق البائع في الحبس إذا بادر بدفع المبيع إلى المشتري قبل قبض الثمن.
واختلف الفقهاء حول حق المرأة في حبس نفسها بعد أن يطأها الزوج، فذهب كل من فقهاء المالكية والشافعية وبعض الحنابلة إلى القول بسقوط حقها في الحبس، بينما يرى الإمام أبو حنيفة بأنه يبقى من حق الزوجة الاستمرار في حبس نفسها، حتى ولو كانت قد سلمت نفسها مادامت لم تستوفي كامل مهرها. أما إذا وطأها الزوج مكرهة فلا يترتب على ذلك سقوط حقها في الحبس؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يبطل على غيره حقاً من حقوقه.
المطلب الثاني: الفسخ
يعرف الفسخ في نظرية الالتزام بأنه: " حق المتعاقد في إنهاء عقد ملزم للجانبين لإخلال العاقد الآخر بالتزامه . فـالفسخ يفترض قيام عقد صحيح تتوافر فيه الأركـان
والشروط، ولكن أحد المتعاقدين لا يقوم بتنفيذ التزاماته التعاقدية. فلو أن الزوجة هي التي اشترطت على الزوج شرطاً لمصـلحتها، لكن الزوج أخل بهذا الشرط، فيكون للزوجة طلب فسخ العقد لإخلال الزوج بالتزامه العقدي، ولها عليه سائر حقوق الزوجية من نفقة في زمن العدة ومؤجل الصداق إن وجد.
وبالمثل لذلك فإذا كان الزوج هو الذي اشترط على الزوجة شرطاً لمصلحته، وأخلت به الزوجة، فيكون للزوج حق فسخ العقد ويعفى من دفع مهرها المؤجل ومن نفقة عدتها.
ولقد اختلف الفقه حول الأساس القانوني الذي يقوم عليه الفسخ، فذهب جانب من الفقهاء إلى أن الفسخ قائم على وجود شرطٍ فاسخ ضمني، يفهم منه اتجاه نية المتعاقدين إلى فسخ العقد الملزم للجانبين في حالة عدم الوفاء بالشرط. وذهب اتجاه فقهي آخر إلى اعتبار أن الفسخ مبني على أساس نظرية السبب التي توجب على المتعاقد الآخر تنفيذ التزامه المقابل، وقد انتقد هذا الاتجاه بأن الجزاء المترتب على تخلف السبب هو البطلان وليس الفسخ، فضلاً عن وجوب توافر السبب عند إبرام العقد باعتباره أحد أركان العقد الأساسية.
والراجح من هذين الاتجاهين هو أن الفسخ قائم على أساس الترابط بين الالتزامات المتقابلة في العقد الملزم للجانبين؛ ولتحقيق هذا الترابط ينبغي تنفيذ العقد واحترام بنوده بغرض تحقيق التوازن في العلاقة التعاقدية.
ولكن الإشكال الذي يثار بصدد الحديث عن الفسخ كجزاء لعدم الوفاء بالشرط يتمحور حول ما إذا كان يتعين على الزوج المشترط - الذي له حق الفسخ- أن يلجأ إلى القضاء لاستصدار حكم الفسخ، أم أنه لا يحتاج إلى ذلك؟ وإذا وقع نزاع بين الزوجين بصدد الوفاء بالشرط فهل يكون للقاضي الاجتهاد في ثبوت الفسخ؟ أم يكتفي بمجرد الحكم به والإعلان عنه؟
يرى الإمام ابن تيمية أن الفسخ كجزاء لعدم الوفاء بالشرط لا يحتاج إلى حكم القاضي، ولكن إذا وقع نزاع بين الزوجين حول هذا الشرط وَرُفِعَ الأمر به إلى القاضي، فعندئذ يخضع لسلطته التقديرية فإما أن يرى إثباته أو إبطاله.
ولكن الرأي الراجح في هذه المسالة هو أنه لابد من رفع دعوى الفسخ إلى القضاء لفسخ النكاح لعدم الوفاء بالشرط، حتى ولو لم يكن هناك نزاع قائم بين الزوجين حول مشروعية الشرط. ثم أن مسألة تحديد الشروط المشروعة وغير المشروعة مسألة خلافية بين الفقهاء، ولا شك أن حكم القاضي هو الذي يرفع الخلاف في مثل هذه الأمور، ثم أنه لا يجوز للزوجة التي اشترطت على زوجها شرط معين ولم يوفي به أن تكون هي الخصم والحكم في هذا النزاع، بل لابد أن ترفع أمرها إلى القضاء وتثبت ما ادعته؛ لأن القاضي أقدر من غيره على تحديد مشروعية الشرط أوعدم مشروعيته.
ويجمل بنا أن نشير بخصوص هذه المسألة إلى موقف الدكتور محمد أبو زهرة المتمثل في اعتراضه على ما ذهب إليه مؤتمر تنظيم الأسرة من أن للمرأة حق فسخ عقد الزواج من غير الالتجاء إلى القضاء، وهذا لأن تخلف الشرط أو عدم تخلفه يحتاج إلى نظرة ومعرفة لسبب التخلف، ولا يكون ذلك إلا من اختصاص القضاء، هذا فضلاً عن أن كل أسباب الفسخ التي يقرها الشارع تحتاج إلى صدور حكم بالقضاء، ولهذا فلا يكون للزوج المشترط في حالة تخلف الشرط إلا حق تقديم طلب الفسخ.
وطالب أيضاً بتقييد الحق في طلب الفسخ إلى ما قبل الدخول، وتحديد مجاله في كل اشتراط يخص حالة الزوج المالية والاجتماعية، لأنه قبل الدخول تكون هناك فرصة للتحري.
والحقيقة أن تحديد الحق في طلب الفسخ بالفترة السابقة على الدخول، قد يقلل من أهمية الوفاء بالشروط في عقد الزواج، خصوصاً وأن حق الاشتراط ليس مقصوراً على الشرط المقترن بالعقد، بل يمتد إلى الفترة اللاحقة على إبرام عقد الزواج أو ما يعرف بالشرط اللاحق، فالشروط تتجدد وتتغير تبعاً للتغيرات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية. وقد يدفع ذلك بالزوجين إلى الاتفاق على شروط جديدة في عقد رسمي لاحق. كما أنه لا يمكن تحديد مجالات معينة يسمح للزوجين بالاشتراط فيها دون غيرها، فحرية الاشتراط مطلقة ما لم يرد الدليل الشرعي على المنع والحظر كما قال بذلك الحنابلة.
وبالرجوع إلى قانون الأسرة الجزائري نجد نص المادة 53 يمنح للزوجة الحق في طلب التطليق لعدم وفاء الزوج بالشرط. وبهذا فقد أضاف التعديل الأخير لقانون الأسرة سبباً آخر من أسباب التطليق التي يجوز للمرأة أن تستند إليها في طلب التفريق القضائي؛ وهذا يعني أنه يتعين على المرأة اللجوء إلى القضاء من أجل طلب التطليق بسبب مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج.
هذا ويفترق الفسخ لعدم الوفاء بالشرط باعتباره فسخاً للعقد عن التفريق بين الزوجين بالطلاق في عدة أمور نشير إلى أهمها في الفرع الأول من هذا المطلب، على أن نخصص الفرع الثاني لدراسة مسقطات حق الزوجة في الفسخ.
الفرع الأول: التمييز بين الطلاق والفسخ لعدم الوفاء بالشرط
يتضح الفرق بيـن الطلاق والفسخ لعدم الوفاء بالشرط من خلال دراسة الآثار المترتبة على كل منهمـا، وهذا ما سنتولى توضيحه فيما يلي:
1- إن التفريق بين الزوجين عن طريق الطلاق يحسب من عدد الطلقات الثلاث التي يملكها الزوج على زوجته؛ وهذا يعني أنه لو راجع الزوج زوجته فترجع إليه بما بقي من الطلقات ، بخلاف التفريق بالفسخ لعدم الوفاء بالشرط فإنه لا يحتسب من عدد الطلقات إذا تزوجها الزوج من جديد.
2- لا يحتاج الزوج إلى سبباً معين لإيقاع الطلاق، أما الفسخ لعدم الوفاء بالشرط فلا بد من أن يكون له سبب وهو إخلال الزوج بالشرط.
3- الأصل في الطلاق أن الزوج هو الذي يملكه، ولكن قد ينتقل هذا الحق إلى الغير عن طريق التوكيل أو تفويض الزوجة. بينما الفسخ لعدم الوفاء بالشرط فهو من حق من اشترطه منهما من الزوجين.
4- تستحق الزوجة نصف المهر عند الطلاق قبل الدخول، وتوجب لها المتعة بالخلوة الصحيحة. بينما في حالة الفسخ لعدم الوفاء بالشرط إذا وقع قبل الدخول فلا يترتب عليه شيئاً من المهر للزوجة.
5- إن أهم أثر للتفريق بين الطلاق والفسخ لعدم الوفاء بالشرط هو أنه ليس للمرأة التي فسخ نكاحها لعدم الوفاء بالشرط متعة ولا سكن ولا نفقة، إلا أن تكون حاملاً فتجب لها نفقة الحمل. ولقد برر جمهور الفقهاء ذلك بأن السكن والنفقة إنما يوجبان للمرأة التي يملك زوجـها مراجعتها، واستدلوا على سقوط حقـها في المتعة بقوله تعالى: " وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين ". فدلت الآية الكريمة على أن المتعة خاصة بالمطلقة دون غيرها ممن فُسِخَ نكاحها.
لقد أراد الحنابلة من خلال ترتيب الفسخ كجزاء لعدم الوفاء بالشروط في عقد الزواج التأكيد على أهمية الوفاء بهذه الشروط. بالرغم مما قد يترتب على ذلك من آثار سلبية على الأسرة، فقد يؤدي تمسك الزوج برأيه في عدم الوفاء بالشرط وإصرار زوجته على الفسخ إلى تدمير كيان الأسرة وتشريد الأطفال. وهنا تبرز أهمية الدور الذي يجب أن يقوم به القاضي في الموازنة بين هذه المصالح المتعارضة بما يحفظ للزوجين حقوقهم ويحمي المصلحة العامة للمجتمع.
الفرع الثاني: مسقطات حق الزوجة في الفسخ
تطبيقاً لما قضى به الحنابلة من وجوب خيار فسـخ النكاح أو إمضائه، فإن الأصل في هذا الحق أنه يبقى قائمـاً على التراخي ولا يلزم العمل به فـور مخالفـة الشـرط، واستثناءا من ذلك توجـد حالات خاصة يسقط فيها حق الزوجة في الفسـخ. وتتمثل هذه الحالات فيما يلي:
1- الرضا بإخلال الزوج بالشرط:
متى رضيت الزوجة بإخلال زوجها بالشرط الذي اشترطته عليه، يسقط حقها في فسخ النكاح؛ وسواء كان هذا الرضا بالقول أو بالفعل كأن تمكنه من نفسها بالوطء مع علمها بعدم وفائه بالشرط.
أما إذا اشترطت الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها أو ألا ينقلها من بلدها، ولكنه تزوج عليها أو أخرجها من بلدها، ثم قبل أن تطلب الفسخ طلقها، فلا تملك الزوجة هنا حق الفسخ.
2- زوال سبب الشرط:
ويسقط حق الزوجة في الفسخ إذا زال سبب الشرط ولم يعد له موجب، كما لو توفي والدي الزوجة، وكانت الزوجة قد اشترطت على زوجها ألا يخرجها من بلدها.
3- استحالة تنفيذ الشرط:
إذا اشترطت الزوجة على زوجها أن يسكنها بمنزل والديها، ثم تعذرت سكنى المنزل لسبب طارئ كحدوث زلزال أدى إلى انهيار المنزل، فإن الوفاء بالشرط يكون متعذراً. وقد تشترط الزوجة على زوجها أن يسكنها بمفردها ، ثم يعجز الزوج عن الوفاء بالشرط لعدم كفاية موارده المالية أو نظراً لفقره المفاجئ، فهل يجب على الزوج الوفاء بهذا الشرط؟ وهل للزوجة أن تفسخ النكاح إذا أخل الزوج بالوفاء بهذا الشرط؟
لقد أجاب الإمام ابن تيمية على ذلك بأن الزوج لا يلزم بالوفاء بما هو عاجز عنـه، وليس للزوجة أن تفسخ النكاح إذا أراد الزوج إبطال الشرط ما دام أن الزوج غير قادر على الوفاء بالشرط بسب فقره.
وقد برر الفقهاء سقوط حق الزوجة في الفسخ في هذه الحالة بأن الشرط أمر عارض، وباستحالة تنفيذه يزول حق الزوجة في الفسخ.


المطلب الثالث: التعويض
إذا لم يكـن التنفيذ العيني للعقد ممـكناً، أولم يبدي المدين استعداده للتنفيذ العينـي، وطلب الدائن التعويض فيحكم القاضي في هذه الحالة بالتعويض كجزاء مترتب على قيام المسؤولية العقدية.
وتتمثل أركان المسؤولية العقدية في الخطأ العقدي الذي هو عدم تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي سواء كان عن قصدٍ أو إهمال، وكذلك الضرر الذي لحق الدائن والذي يقع عليه عبء إثباته، وأخيراً يجب توافر علاقة السببية بين الخطأ والضرر بأن يكون الخطأ العقدي هو السبب المباشر في وقوع الضرر.
إن التعويض هو الأثر الذي يترتب على تحقيق المسؤولية، ومتى تحقق ذلك كان للمضرور رفع دعوى المسؤولية العقدية تجاه الشخص المسؤول للمطالبة بالتعويض وتستند دعوى المسؤولية العقدية على إخلال المتعاقد المسؤول بمصلحة مشروعة للمتعاقد المضرور. ولا يجوز للقاضي أن يحكم بأزيد مما طالب به المضرور وإن كان يصح أن يحكم بأقل منه.
إن الغرض من التعويض هو حماية المضرور من الضرر الذي أصابه، إذ تندرج قاعدة التعويض عن الضرر تحت ثبوت العوض بالإتلافات، وسواء كان هذا الإتلاف للنفس أو المال، وقد صرح الفقهاء أيضاً بأن إتلاف البضع- الوطء- موجب للضمان أي التعويض، فمن فوت على امرأة منفعة بضعها بنكاح فاسد أو وطء شبهة فيجب عليه مهر مثلها.
وباعتبار أن وعاء الشروط هو العقد، فإن الشروط في عقد الزواج تخضع لأحكام القواعد العامة في التعويض إلا ما استثني منها بأحكام خاصة. وتطبيقاً لذلك فإنه يكون للمرأة التي تضررت من جراء مخالفة شرطها في عقد الزواج كفقدانها لمنصب عملها بسبب إخلال الزوج بالشرط الذي وافق عليه والذي يسمح للزوجة بمزاولة عملها. أن تلجأ إلى القضاء وتطالب بالتعويض عن الضرر اللاحق بها من جراء ذلك، وتأسس دعواها على أساس أحكام المسؤولية العقدية.
وسنشير فيما يلي إلى أهم هذه الأحكام بما يفيدنا في موضوع بحثنا، وذلك بالتطرق إلى شروط الضرر الموجب للتعويض في فرعٍ أول، على أن نخصص الفرع الثاني لدراسة أنواع التعويض. أما الفرع الثالث فنتناول فيه كيفية تقدير القاضي للتعويض.
الفرع الأول: شروط الضرر الموجب للتعويض
إن الضرر هو الركن الثاني من أركان المسؤولية العقدية، والذي ينجم عن إخلال العاقد ببنود وشروط العقد. وإذا انتفى الضرر فلا مسؤولية ولا تعويض، هذا وقد نصت المادة 124 من القانون المدني الجزائري بأن: " كل عملاً أياً كان يرتكبه المرء ويسبب ضرراً للغير يلزم من كان سبباً في حدوثه بالتعويض ".
ويعرف الضرر بأنه ما يصيب المتعاقد في حق من حقوقه من جراء إخلال المتعاقد الآخر بمصلحة مشروعة، وسواء كانت هذه المصلحة مادية أو أدبية.
ومن خلال هذا التعريف يتبين لنا بأن الضرر ينقسم إلى قسمين: ضرر مادي وضر معنوي أو أدبي، فالضرر المادي هو ما يصيب الشخص في جسمه أو ماله. أما الضرر الأدبي فهو ما يلحق بالشخص في كرامته أو شرفه، وبصفة عامة في غير حقوقه المالية.
ويشترط في الضرر حتى يكون موجباً للتعويض توافر الشروط التالية:
1- المساس بحق أو مصلحة مشروعة للمضرور. أما إذا كانت غير مشروعة فلا مجال لتعويضها.
2- أن يكون الضرر محققاً، بأن يكون حالاً وليس مفترضاً أو محتملاً.
3- أن يكون الضرر شخصياً.
4- ألا يكون قد سبق تعويضه، إذ لا يجوز للمضرور أن يحصل على أكثر من تعويض لإصلاح ضررٍ واحد، وإلا كان ضرره سبباً في إثرائه على حساب المتعاقد المسؤول.
الفرع الثاني: أنواع التعويض
يجب على القاضي أن يعين طريقة التعويض تبعاً لظروف النزاع الذي يثار أمامه، فقد يكون التعويض عيناً عن طريق إعادة الحال إلى ما كان عليه بشرط أن يكون ذلك ممكناً.
ولكن الغالب أن يكون التعويض نقداً؛ أي عبارة عن مبلغ من النقود يعطى دفعة واحدة، ويصح أن يكون مقسطاً، كما يصح أن يكون إيراداً مرتباً.
ويقع التعويض العيني كثيراً في الالتزامات التعاقدية، وهو أفضل طـرق التعـويض؛ لأنه يؤدي إلى إصلاح الضرر إصلاحاً تاماً. ويكون القاضي ملزماً بالتعويض العيني إذا كان ممكناً وطلبه الدائن.
وبناءاً على هذا فإذا اشترط الزوج على زوجته في عقد الزواج أو في عقدٍ رسمي لاحق ألا تمارس عملاً وظيفياً أو مهنياً إلا بإذنه أو ألا تسافر وحدها، فإن هذه الشروط تكون ملزمة ويجب على الزوجة الوفاء بها. أمـا إذا أخلت الزوجـة بهذه الشروط فإنـها تتحمل مسؤولية ذلك وحـدها، ويمكن أن يحكم عليها بالتعويض ؛ الذي يمكن أن يكون عيناً بإيقافها عن ممارسة وظيفتها، أو منعها من السفر لوحدها.
وفي المقابل لذلك فإذا اشترطت الزوجة على زوجها السماح لها بمزاولة عملها وأخل الزوج بذلك، فيكون للزوجة أن تطلب التعويض النقدي من أجل جبر الضرر اللاحق بها من جراء مخالفة الزوج للشرط المتفق عليه.
الفرع الثالث: تقدير التعويض
يقدر التعويض كأصل عام على أساس مقدار الضرر الذي لحق بالمدعي، ويشمل ذلك ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب. ويقتصر التعويض في المسؤولية العقدية على الضرر المتوقع باستثناء حالتي الغش والخطأ الجسيم.
كما ينشأ الالتزام بالتعويض في ذمة المدين من وقت وقوع الضرر. ويقدر القاضي التعويض بناءاً على الضرر الذي لحق بالمضرور وقت صدور الحكم القضائي، كما يجوز للقاضي أن يحـكم بالتعويض الإجمالي عن الأضرار التي أصـابت المضـرور، ولكن بشرط أن يحدد عناصر الضرر ومدى أحقية التعويض عنها.
وبالنسبة للضرر الأدبي أو المعنوي فيعود للقاضي تقدير مدى هذا الضرر، وإن كان يصعب تحديد التعويض عن الضرر المعنوي بالنقود، لأن الشرف والمكانة الاجتماعية لا يقدران بالمال، وإنما يأتي التعويض عنهما كوسيلة إرضاء وتطييب لخاطر الشخص المضرور.
وأخيراً نخلص من خلال دراستنا لهذه القواعد العامة التي تحكم التعويض عن الضرر، أنه بإمكان الزوج المشترط والمتضرر من جراء عدم وفاء الزوج الآخر بالشرط المتفق عليه في عقد الزواج اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر، ومتى ثبت للقاضي تحقق الضرر وتوافر شروطه، حكم بالتعويض على الزوج المخالف للشرط التعاقدي بين الزوجين.
المبحث الرابع: تطبيقات لبعض صور الشروط في عقد الزواج
لقد ارتأينا تخصيص هذا المبحث لدراسة بعض التطبيقات عن الشروط في عقد الزواج، حيث خصصنا المطلب الأول لبحث بعض الأنواع من الشروط في الأنكحة الفاسدة، سواء تعلق الأمر بشرط تأقيت الزواج لمدة محددة، ونعني بذلك زواج المتعة وبعض صوره الحديثة كزواج المصياف، أو شرط نفي المهر وهو نكاح الشغار، أو شرط التزوج بنية حل المطلقة ثلاثاً لزوجها وهو نكاح التحليل، أو الزواج بشرط التنازل عن بعض حقوق الزوجية مثل ما هو عليه الحال في زواج المسيار وما اصطلح على تسميته بزواج (فريند).
وأما المطلب الثاني فخصصناه لدراسة بعض الشروط ذات الأهمية القصوى في حياة الزوجين بالنظر إلى الحقوق والآثار المترتبة عليها كاشتراط أحد الزوجين وصفاً معيناً في الآخر، أو اشتراط الزوجة ألا يتزوج عليها زوجها، أو اشتراطها مواصلة تعليمها، أو السماح لها بمزاولة مهنة أو وظيفة معينة، وأخيراً اشتراط الزوجة على زوجها دفع راتب شهري على سبيل التعويض إذا طلقها.
وأخيـراً نتطـرق في المطلب الثالث إلى دراسـة بعض الشروط ذات الأثر المـالي، كاشتراط الزوج على زوجته المساهمة في تحمل نفقات الأسرة، أو اتفاق الزوجين حول نظام الأموال المكتسبة بينهما.
المطلب الأول: أنواع من الشروط في بعض الأنكحة الفاسدة
لقد ورد النهي عن هذه الشروط الفاسدة بموجب نصوص صريحة من الشارع تقضي ببطلان هذه الشروط، حيث نجد أن شريعة الإسلام قد ألغت بعض الأنكحة الفاسدة التي كانت سائدة قبل مجيئه؛ لأنها كانت قائمة على شروطٍ تؤدي إلى الظلم والغبن والخلل والاضطراب في أحوال الأسرة. وجاءت الشريعة الإسلامية بتعاليم ومبادئ وأسس حكيمة تحقق المودة والألفة والتعاون بين الزوجين بعيداً عن كل ما يكدر صفو الحياة الزوجية؛ فجعلت من عقد الزواج عقداً مؤبداً، وأوجبت على الزوج دفع المهر وغير ذلك من الأحكام التي شرعها الشارع لضمان بناء أسرة قوية ومتينة.
إنه وبالرغم من تحريم الشريعة الإسلامية لهذه الأنكحة الفاسدة، لازال بعض الناس في عصرنا الحالي يلجأون إلى التزاوج عن طريق هذه الأنكحة المحرمة، وإن كان ذلك تحت مسميات جديدة. وسنتعرض إلى دراسة أحكام هذه الشروط الفاسدة بشكل مفصل، وذلك في الفروع الأربعة الموالية:
الفرع الأول: شرط تأقيت الزواج لمدة محددة
إن من شروط صيغة عقد الزواج أن تكون مؤبدة، ولا يجوز تأقيتها بمـدة محـددة؛ لأن ذلك يتنافى مع المقصود الأصلي لعقد الزواج في إقامة حياة زوجية سعيدة قائمة على أساس السكن والمودة والرحمة. ولهذا فجمهور الفقهاء متفقون على بطلان هذه الشروط التي تؤثر في صحة العقد وتبطله؛ لأنها تتنافى مع صفة التأبيد التي يجب أن يتصف بها عقد الزواج. ومع ذلك فقد يحدث أن يتفق الزوجان على وضع شرط تأقيت الزواج إما في صورة زواج مؤقت أو زواج متعة.
البند الأول: الزواج المؤقت
يعرف الزواج المؤقت بأنه: " الزواج الذي ينشأ بلفظ النكاح أو الزواج، أو غيرهما من الألفاظ الصالحة لإنشاء عقد الزواج، ولكن يقترن بالصيغة ما يدل على تأقيت الزواج بوقت معين محدد طال الوقت أو قصر". كأن يتزوج الرجل بامرأة ولكن لمدة محدودة قد تكون شهر أو شهرين أو أقل.
إن اقتران صيغة عقد هذا النوع من النكاح بما يدل على التأقيت يجعل هذه الصيغة غير صالحة لإنشاء الزواج، لأن الزواج شُرع لدوام العشرة وإقامة أسرة، ولا يتأتى تحقيق هذه المقاصد وغيرها إلا إذا كانت عقدة النكاح على التأبيد، إذ العبرة في إنشاء العقود للمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني ما دام الوصول إلى إظهار ذلك ممكناً. ومتى دلت قرائن الحال على أن الزوجان يريدان بعقدهما الوصول إلى تحقيق غايات غير مشروعة عن طريق الحيل والخداع، فيكون هذا العقد باطلاً لاقتران الصيغة بما يدل على التأقيت . حتى ولو كان الزوج قد نوى شرط تأقيت الزواج في قلبه، فيكون كما لو أنه شرط ذلك في العقد، وبالتالي يكون حكمه البطلان ، وهذا مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات، وإنمـا لكل امرئ ما نوى... " . وهذا هو رأي جمهور الفقهاء الذين أبطلوا كل من الشرط والعقد، باستثناء زفر وهو من أصحاب أبي حنيفة الذي قال بتصحيح النكاح المؤقت بحيث ينعقد مؤبداً ويسقط شرط التأقيت ويكون الزواج صحيحاً ومؤبداً.
ويقول الشـيخ محمد الطاهر بن عاشور معلقاً على زواج التأقيت ومبيناً مضـاره: " إن الدخول في عقدة النكاح على التوقيت والتأجيل يقربه من عقود الإجارات والأكريـة، ويخلع عنه ذلك المعنى المقدس الذي ينبعث في نفس الزوجين من نية كليهما أن يكون قريناً للآخر ما صلح الحال بينهما، فلا يتطلبا إلا ما يعين على دوامه إلى أمدٍ مقدور، فإن الشيء المؤقت المؤجـل يهجس في النفس انتظار مَحِلّ أجله، ويبعث فيها التدبير إلى تهيئة ما يخلفه به عند إبان انتهائه، فتتطلع نفوس الزوجات إلى رجال تعودنهم وتمنينهم، أو إلى افتراضٍ في مال الزوج، وفي ذلك حدوث تبلبلات واضطرابات فكرية، وانصراف كل من الزوجين عن إخلاص الود للآخر".
إن دلالات هـذه العبـارات واضحـة في التعبير عن محـاذير تأقيت الـزواج واستهجان لجوء بعض الناس إلى هذا النوع من الزواج؛ لمنافاته للغرض الشرعي الصحيح من الزواج وهو الاستقرار وتربية الأولاد.
البند الثاني: زواج المتعة
وهو عبارة عن اتفاق بين الرجل والمرأة على التمتع بها لمدة معينة لقاء أجر معين، ولا يقصد به دوام العشرة وإنما يراد به مجرد الاستمتاع الوقتي، وهو زواج محرم لدى أغلب أئمة المذاهب باستثناء الشيعة الذين أجازوه، وعلة تحريمه هي منافاته لصفة التأبيد التي يجب أن يتصف بها عقد الزواج، فضلاً عن الآثار السلبية الناجمة عن هذا الزواج على الأسرة والمجتمع.
ويفترق نكاح المتعة عن الزواج المؤقت من حيث أن المتعة يكون العقد فيها بلفظ التمتع، أما النكاح المؤقت فيكون بلفظ الزواج أو بلفظ النكاح، أو ما يقوم مقامهما وبحضور الشهود مع تحديد المدة.
ولقد اتفق جمهور الفقهاء على بطلان نكاح المتعة، ولم يخالف في تحريم المتعة إلا طائفة من الشيعة الإمامية تدعى بـ ( الإثناعشرية) الذين قالوا بإحلال المتعة لما لها من دور هام يمكن أن تقوم به في حل مشكلات الجنس والغريزة عند الشباب غير القادرين على أعباء الزواج الشرعي الدائم. وسنتعرض فيما يلي إلى دراسة أدلة كل من الفريقين:
أولاً: أدلة المبيحين
استدل القائلون بإباحة المتعة بما يلي:
1- استندت طائفة الشيعة الإمامية ( الإثناعشرية) في إباحة زواج المتعة بقوله تعـالى: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن " . فدلت الآية الكريمة على حل نكاح المتعة، فالله تعالى ذكر الاستمتاع ولم يذكر لفظ النكاح، كما أوجبت الآية منح المال للمرأة نظير الاستمتاع بها وسمت ذلك أجراً والاستمتاع بالمرأة غير الزواج بها والأجر غير المهر.
وقد ناقش القائلون بتحريم زواج المتعة هذا الاستدلال بأن سياق الآية كلها جاء في النكاح الدائم وليس نكاح المتعة، وأما قولهم بأن إيتاء الأجور دليل على حل زواج المتعة فهذا غير صحيح؛ لأن المهر في النكاح يسمى بالأجر على سبيل المجاز كما ورد في قوله تعالى: " فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن " . وقوله تعالى أيضـاً: " يأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي أتيت أجورهن ".
2- واستدل المبيحين لزواج المتعة بأن هذا الزواج قد أبيح في أول الإسلام، ولا يوجد ما يدل على نسخه حسب قولهم، فقد ثبتت إباحته صلى الله عليه وسلم لزواج المتعة في مواطن عدة منها في غزوة خيبر، ومنها يوم حنين.
3- واستدلوا أيضاً بما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: " متعتان كانتا مشروعتين قي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهي عنـهما متعة الحج ومتعـة النكـاح ". فدل هذا على أن زواج المتعة لم ينسخ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا وجب الامتناع عن نسخه بعد وفاته.
وَرُدّ على استدلالهم هذا بأن إباحة الشريعة الإسلامية لهذا الزواج في أول الإسلام كانت مرحلة من مراحل التشريع لضرورات قاهرة، كما حدث في بعض الغزوات بغرض تقوية ساعد المسلمين على محاربة المشركين، ولكن بعد أن زال خطر المشركين وقويت دولة المسلمين حرم الرسول صلى الله عليه وسلم زواج المتعة تحريماً مؤبداً وكان ذلك يوم فتح مكة فقال: " يأيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء. وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ".
ثانياً: أدلة المحرمين
استدل جمهور الفقهاء القائلون بتحريم زواج المتعة بجملة أدلة من الكتاب والسنة والمعقول، نوردها فيما يلي:
1- من الكتاب:
استدل المحرمين لزواج المتعة بقوله تعالى: " والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ".
ووجه الدلالة: أن الله تعالى دعا المؤمنون إلى أن يعفوا عن الحرام ويصونوا فروجهم عما لا يحل من الزنا إلا من زوجاتهم وإمائهم المملوكات ؛ لأن الله تعالى حرم الجماع إلا بأحد شيئين: عقد النكاح وملك اليمين، والمتعة ليست بنكاح ولا بملك يمين فيبقى التحريم، ويؤيد هذا أن المتعة تنتهي من غير طلاق ولا فرقة ولا توارث بينهما؛ وهذا يعني أنها ليست بنكاح.
واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: " فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ". فدلت الآية الكريمة على أن الذين يطلبون غير الزوجات والمملوكات معتدون ومتجاوزون الحد في البغي والفساد.
كما استدلوا أيضاَ بقوله تعالى: " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء " ؛ أي لا تجبروا إماءكم على الزنا لفظاعة هذا الأمر وشناعته، ولما كان الزنا هو غرض زواج المتعة فدّل ذلك على الحرمة.

2- من السنة:
استدل القائلين ببطلان المتعة بجملة أحاديث من السنة النبوية نذكر منها ما يلي:
1- ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قـال: " إني كنت قـد أحللت لكم المتعة، وإن جبريل أتاني فاخبرني أنها حرام إلى يوم القيامة ".
2- روي أن عمر رضي الله عنه قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية ".
3- من المعقول:
إن النكاح ما شرع لاقتضاء الشهوة وفقط، بل شرع لأغراض ومقاصد يتوصل به إليها، واقتضاء الشهوة بالمتعة لا يؤدي إلي تحقيق هذه المقاصد، فالمقصد الأصلي من النكاح هو الحفاظ على النسل. أما المقاصد التابعة فهي استجلاب الرحمة والسكن والمودة والتعاون على المصالح الدنيوية والأخروية؛ وهذه المقاصد التابعة مثبتة ومقوية للمقصد الأصلي المتمثل في التناسل. ومن هنا جاءت حكمة الشارع بتحريم نكاح المتعة لمنافاته لمقصد المواصلة والسكن والموافقة؛ التي جعلها الشارع مستدامة إلى غاية انقطاع الحياة الزوجية بالوفاة أو الطلاق دون غيرهما.
وبعد عرض أدلة كل من الاتجاهين يترجح لدينا الأخذ بالرأي القائل بتحريم المتعة نظراً لرجاحة ووجاهة الأدلة التي استندوا إليها. وبالنظر إلى الآثار السلبية المترتبة عن زواج المتعة على المـرأة من اختلاط للأنساب، والتهرب من مسؤوليات الـزواج، وفقدان المرأة المتمتع بها لحقوق الزوجة في النفقة والميراث والمهر.
البند الثالث: زواج المصياف
إن زواج المصياف في حقيقته هـو زواج مؤقت، ولكنـه ظهر تحت مسمى جديد، وقد عرف انتشاراً كبيراً في دول الخليج في الآونة الأخيرة، وتتمثل صورة هذا الزواج في أن يتزوج بعض رجال وسيدات الأعمال أثناء عطلات الصيف أو مهمات العمل في الخارج.
وفي الواقع فقد آثار هذا الزواج جدلاً كبيراً بين عددٍ من علماء الأزهر الشريف في مصر مابين مؤيد له بالاستناد إلى رأي الحنفية المتمثل في إبطال شرط التأقيت وصحة العقد. وما بين رافض له بالنظر إلى الآثار السلبية والمشاكل الاجتمـاعية المترتبة عنه. وذهب الشيخ جمال قطب وهو أحد علماء الأزهر إلى أنه يجب أن تتوافر في هذا الزواج جميع أركان الزواج الشرعي وأهمها تبادل الإيجاب والقبول؛ ويجب أيضاً إبطال شرط التأقيت واستمرار العقد حفاظاً على حقوق المرأة والأولاد واستقرار الأسرة.
إن عقد الزواج ليس كباقي عقود المعاملات بل هو عقد يجب أن تتوافر فيه المودة والرحمة والتواصل الإنساني مصداقاً لقوله تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ".
وعلى هذا فلا يجوز أن يقاس عقد الزواج بعقود المنفعة كعقود البيع والإيجار مثـلاً، فالأصل في عقـد الزواج هـو التأبيـد إلى أن يقضي الله أمراً كـان مفعـولا، والنتيجة من هذا كله أن زواج المصياف لا يعدو أن يكون في حقيقته سوى زواج مؤقت أوزنا مقنع.
الفرع الثاني: شرط نفي المهر
إن هذا الشرط مرتبط بنكاح الشغار الذي كان سائداً في عصر الجاهلية، وصيغته أن يزوج الرجل ابنته أو أخته لرجل آخر على أن يزوجه هذا الأخير ابنته أو أخته ولا صداق بينهما.

وعلة تحريم هذا النكاح هي خلوه من المهر؛ لأنه يقوم على مبادلة الصداق بالبضع ويشكل ذلك ظلماً صارخاً للمرأة وبخساً لحقها في الانتفاع بالمهر ، وقد يظن البعض أن هذا النوع من الشروط قد زال عن المجتمعات الإسلامية المعاصرة. ولكنه لا زال قائماً فيما يفعله بعض الأولياء بتزويج الرجل وليته إلى رجل آخر ويشترط عليه أن يزوجه وليته أيضاً مع تحديد المهر بينهما، وهذا ما يطلق عليه وجه الشغار عند المالكية.
لقد ذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن نكاح الشغار باطل، باستثناء الحنفية الذين قالوا ببطلان الشرط وصحة العقد مع وجوب مهر المثل لكل واحدة من المرأتين.
واستدل جمهور الفقهاء على بطلان نكاح الشغار بما يلي:
1- عن نافع ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا شغار في الإسلام ".
2- عن ابن عمر أن رسول اله صلى الله عليه وسلم: " نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته وليس بينهما صداق ".
ووجه الدلالة من هذه الأحاديث واضح من خلال عبارات النهي والنفي، ويقتضي ذلك فساد المنهي عنه وهو الشغار.
3- إن جعل بضع كل زوجة صداقاً للأخرى يؤدي إلى أن تكون المرأة زوجة في عقد من جهة، ومن جهة أخرى هي صداق لعقد زواج امرأة أخرى، فكان بضع كل واحدة منهما مشتركاً بين الزوج وبين المرأة الأخرى، وهذا ينافي مقتضى عقد الزواج في كون النكاح مبني على اختصاص الرجل بالمرأة، وأنه لا يجوز اشتراك رجلين في بضع امرأة، أو عقد زواجين في عقدة واحدة.
وخلاصة القول أن نكاح الشغار باطل، لورود النهي عنه من النبي صلى الله عليه وسلم بنص الحديث، وعلة النهي عنه هي الاشتراك في البضع الذي يحرم كل واحدة من المرأتين من الانتفاع بالمهر.
لقد شرع الزواج من أجل تحقيق غايات إنسانية نبيلة تتمثل في بناء أسرة ملؤها المودة والسكن والرحمة بين الزوجين، وهو أسمى من أن يكون علاقة يتحدد مصيرها على أساس ما يحققه كل طرف فيها من الربح والخسارة، ولهذا يجب على الأولياء احترام حق الزوجة في قبض المهر. فالمهر وسيلة لإثبات رغبة الرجل في المرأة واستعداده للإنفاق عليها، والتأكيد على رغبته الصادقة في معاشرة المرأة بالمعروف والحرص عليها وعدم التفريط فيها. خصوصاً وأن ذلك يتطلب منه بذل تضحيات كبيرة لجمع المهر. وأهم شيء في المهر أنه يعتبر تكريم للمرأة؛ فهو شعار خاص بالنكاح الشرعي دون غيره من الأنكحة الفاسدة.
الفرع الثالث: شرط التزوج بنية حل المطلقة ثلاثاً لزوجها
يرتبط شرط التزوج بنية حل المطلقة ثلاثاً لزوجها بنكاح التحليل الذي يلجأ إليه بعد أن تطلق المرأة ثلاثاً وتحرم على زوجها، فيتزوجها آخر قصد أن يحلها لزوجها الأول.
وتتمثل صيغته في أن تشترط الزوجة مثلاً على الزوج الثاني إحلالها لزوج قبله على أن يطلقها وتعود لزوجها الأول . وغالباً ما يقع هذا الزواج بدون دخول على أن تعود الزوجة لزوجها الأول . وفي ذلك مخالفة لما اشترطه الله تعالى لجواز رجوع المطلقة ثلاثاً إلى زوجها من أن تنكح زوجاً آخر زواجاً صحيحاً يعقبه دخول، ثم إذا طلقها أو توفي عنها هذا الأخير جاز للزوج للأول أن يتزوجها مرة ثانية ، كما دّل على ذلك قوله تعالى: " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ".
ويتفق الفقهاء المسلمون على حرمة وبطلان نكاح التحليل، لكن الخلاف قائم بينهم حول أثر شرط التحليل في العقد، فذهب الحنفية إلى القول بصحة العقد مع الكراهة وعدم فساد العقد بهذا الشرط الفاسد؛ لأن الشروط الفاسدة عند أبي حنيفة لا تبطل العقـد، بل يبطل الشرط ويبقى العقد صحيحاً مرتباً لآثاره، وإذا توفي الزوج أو طلقها فتحل الزوجة لزوجها الأول بعد طلاقها.
وذهب الشافعية إلى القول ببطلان نكـاح التحليل إذا ذكر شرط التحليل في العقـد. بينما قال فقهاء المالكية والحنابلة ببطلان نكاح التحليل مطلقاً سواء ذكر شرط التحليل في العقد أولم يذكر، فلا فرق بين اشتراط ذلك بالقول أو بالتواطؤ؛ لأن الألفاظ لا تراد لذاتها بل للدلالة على المعاني، ومتى ظهرت المعاني والمقاصد حققت غاياتها ونتائجها وترتبت عليها أحكامها وآثارها، وتكون العبرة عندئذ بالنيات والقصود لا بالألفاظ والمباني.
ويرى الظاهرية بـأن شرط التحليل إذا لـم يذكر في صلب العقد لا يـؤثر في العقد، ويكـون للزوج الخيار إن شاء طلقها أو أمسكها، فلو طلقها حلت للأول، أمـا
إذا ورد شرط التحليل في عقد النكاح فيعتبر العقد فاسد ومفسوخ.

واستدل الفقهاء على بطلان نكـاح التحليل بورود عدة أدلة من السنة تنهي عن هـذا

النكاح، فالنكاح الشرعي لا يطلق على النكاح المنهي عنه. ونذكر من هذه الأدلة ما يلي:
1- عن عبد الله قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له ".
2- عن عقبة بن عامر قال: قال رسوا الله صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال هو المحلل. لعن الله المحلل والمحلل له ".
وخلاصة القول أن نكاح التحليل باطل؛ لأنه ينافي مقاصد النكاح الصحيح، فالمرأة تنكح لدينها وجمالها. والتيس المستعار لا يسأل عن شيء من هذا ، وليس له قصد في النكاح الذي جعله الله سبباً للمودة والرحمة والألفة والمواصلة والمصاحبة بين الزوجين، بينما جعله المحلل سبباً للمفارقة.
إن شرط تحليـل المطلقة ثلاثاً لزوجها هـو في حقيقته استحلال للزنـا باسم النكاح، فليس من أهداف المحلل الاستمرار والبقاء مع الزوجة، وإنما قد تواطئا الزوجان على قضاء وطر ساعة وقصدا بذلك إحلال الزوجة لزوجها الأول وهذا منافٍ لصفة التأبيد في عقد الزواج.
الفرع الرابع: الزواج بشرط التنازل عن بعض حقوق الزوجية
إن للزوجة حقوقاً على زوجها، كما أن للزوج حقوقاً على زوجته. حيث قال الله تعالى: " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " . وتتمثل أهم حقوق الزوجة فيما يلي:
1- النفقة في الطعام والشراب والسكن والكسوة، كمـا دّل على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث روى حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه أنه قـال: " قلت
يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ".

2- المبيت عندها ليلة كل أربع ليال، إذا كان لديه ثلاث زوجات سواها.
وإذا كانت هذه الحقوق ثابتة للمرأة بمقتضى نصوص الشريعة والقانون، فإنه قد يحدث أن يتفق الزوجان على إبرام عقد الزواج بشرط أن تتنازل المرأة عن بعض حقوقها، كحقها في النفقة أو السكن الفردي، أو حقها في القسم في المبيت، وقد يكون ذلك إما في شكل زواج مسيار، أو ما اصطلح على تسميته بزواج( فريند)، وهذا ما سنتولى توضيحه في البندين المواليين:
البند الأول: زواج المسيار
وهو زواج يتم بعقد شرعي تتوافر فيه جميع أركان العقد الأساسية، ولكن الزوج يعفى فيـه من شيئين أساسيين: وهمـا حق الزوجة فـي النفقة وحقها أيضاً في المبيت، وهذا التنازل يحدث برضا الزوجين أثناء إبرام العقد مع مراعاة بقية الشروط المتطلبة في الزواج من ولي وشهود وصداق.
وعن الأسباب التي تدفع بالناس إلى اللجوء إلى هذا النوع من الزواج، نجد أن هناك بعض الرجال كثيرو السفر والتنقل بين البلدان نظراً لظروفهم وأعمالهم الخاصة ولا يكون أمامهم من سبيل حتى يعصموا أنفسهم من الوقوع في الحرام إلا التزوج عن طريق زواج المسيار.
ويضاف إلى ذلك انتشار ظاهرة العنوسة وما يترتب عليها من حرمان لعدد كبير من النساء والمطلقات والأرامل من حقهن الفطري في الزواج والأمومة، ثم أنه مع دخول المرأة عالم الشغل من بابه الواسع وبحصولها على موارد مالية كبيرة أصبح بإمكانها تأجير منزل مستقل أو الحصول عليه، أوأن تتنازل عن حقها في النفقة.
وبغض النظر عن مدى شرعية هذه المبررات، فإن عقد الزواج هو عقد مقدس بين الرجل والمرأة يجب أن يرقى بالإنسان من دائرة الشهوات المادية إلى حياة ملؤها الاستقرار والمودة والرحمة والتعاون والمعاشرة بالمعروف وبناء أسرة وإنجاب ذرية صالحة، وهذا ما لا يتأتى تحقيقه في زواج المسيار.
ولقد اختلف الفقهاء المسلمون حول هذه الشروط التي يكون فيها تقصير عن أداء بعض حقوق الزوجية والمتعلقة بزواج المسيار، كاشتراط الرجل على المرأة أن يأتيها نهاراً، أو ألا يقسم لها في المبيت إذا كانت زوجة ثانية له، أو أن يشترط عليها أن تتنازل عن حقها في النفقة. فذهب الإمام أحمد إلى القول بإجازة هذه الشروط، وإذا شاءت الزوجة التراجع عنها فلها ذلك. أما عند الإمام مالك فيفسخ النكاح قبل الدخول ويثبت بعده ويبطل الشرط.
وعن موقف العلماء المسلمين المعاصرين من هذا الزواج فهو محل نظر وخـلاف؛ فمنهم من أقره، ومنهم من عارضه لآثاره الاجتماعية الناشئة عنه، ومنهم من أقر بمشروعيته ولكن لم يشجع عليه.
البند الثاني: زواج(فريند)
لقد أطلق الشيخ عبد المجيد الزنداني فتوى أثارت جدلاً كبيراً في العالم الإسلامي ولاقت ردود فعل مختلفة ما بين مؤيد ومعارض، حيث ذهب البعض إلى أن هذا الزواج هو وسيلة للقضاء على المشاكل التي تواجه الأقليات الإسلامية في البلدان الغربية والحفاظ على الهوية الإسلامية داخل هذه المجتمعات الأوربية التي ينتشر فيها الفساد والانحلال الخلقي، فيكون هذا الزواج هو الملاذ الوحيد لتلافي هذه الأخطار والمحاذير، وعليه فلا حرج حسبهم في إباحة هذا الزواج طالما أنه يجب أن تتوافر فيه أركان الزواج الشرعية من ولي وصداق وشهود.
وعلى العكس من ذلك يرى معارضي هذا الزواج بأنه وعاء وغطاء لممارسة الزنا والفساد الأخلاقي والمعاشرة الحرة، وهذا ما يهدد سلامة البناء الأسري وآواصر العلاقة الزوجية.
غير أن الشيخ الزنداني أكد على أن فتواه في هذا الموضوع جاءت تيسيراً للزواج وتصحيحاً لوضع شاذ يعاني منه أبناء الجاليات العربية المقيمين في أوروبا، وسداً لخطر وقوعهم في ممارسة العلاقات غير المشروعة في هذه المجتمعات، وحفظاً لشرف العائلات المسلمة.
وعلى هذا يكون شكل زواج فريند هو البديل عن المعاشرة الحرة السائدة في المجتمـعات الغربية، وذلك بأن تصب علاقة الصداقة السائدة في المجتمعات الغربية في إطار عقد الزواج الشـرعي، وهذا كله مع التأكيد على ضرورة توافر أركان وشروط صحة عقد الزواج من تبادل للإيجاب والقبول وشرط المهر وحضور الشـهود، ولكن ما يميز هذا الزواج هو عدم وجود منزل للزوج، وبهذه الصورة يمكن حماية أبناء المسلمين في الغرب من العلاقات غير المشروعة القائمة على الصداقة في المجتمعات الغربية.
ويجدر بنا أن نشيـر في الأخير إلى موقف المشرع الجزائري من هذه الشروط والأنكحة الفاسدة، فحسب نص المادة 19 من قانون الأسرة التي تبيح للزوجين وضع شروط اتفاقية في عقد الزواج بشرط عدم مخالفة أحكام هذا القانون، فإنه ليس للزوجين اشتـراط هذه الشروط الفـاسدة في عقد الزواج لمخالفتها لأحكام قانون الأسرة وبالأخص المواد: 9، 9 مكرر، 8، 74 حيث أوجبت هذه المواد تباعاً ضرورة توافر جميع أركان عقد الزواج الأساسية وشروط صحته، وكذا شرط العدل في حالة تعدد الزوجات، وأيضاً واجب الزوج في الإنفاق على زوجته بمجرد الدخول بها، مع ملاحظة أنه يبقى من حق الزوجة أن تتنازل عن بعض هذه الحقوق بمحض إرادتها.



المطلب الثاني: أمثلة عن بعض الشروط الهامة في عقد الزواج
لما كانت الشروط المقترنة بعقد الزواج عديدة لا تدخل تحت حصر ولا تقف عند حد. ارتأينا أن نخصص هذا المطلب لدراسة بعض النماذج عن أهم الشروط المشروعة التي تحقق منفعة مشتركة لكلا الزوجين أو أحدهما، كاشتراط أحد الزوجين صفة معينة في الآخر، أو اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليهـا، أو إكمال دراستها وممارسة عملها، وأخيراً اشتراط الزوجة على زوجها دفع راتب شهري إذا طلقها.
وسنتناول حكم كل نوع من هذه الشروط في الفروع الموالية:
الفرع الأول: اشتراط صفة معينة في أحد الزوجين
لقد أعطى الفقه الإسلامي للزوجين الحق في جملة من الخيارات العقدية من بينها خيار الفسخ للعيب ، وبالأخص فقهاء الظاهرية الذين قالوا بفسخ العقد سواء قبل الدخول أو بعده إذا تبين خلاف الشرط.
و يضاف إلى ذلك خيار الفسخ لتخلف الوصف الذي يشترطه أحد الزوجين في الآخر، كأن يشترط الرجل في المرأة أن تكون بكراً، أو أن تكون غنية أو جميلة، وفي المقابل قد تشترط الزوجة صفات معينة في زوجها فما أثر هذه الشروط على عقد الزواج ؟ وهل يملك المتعاقد المشترط حق الفسخ إذا تخلف الشرط ؟
لقد اختلف الفقهاء حول جواز ثبوت خيار الفسخ لتخلف الوصف في النكاح، فذهب الحنفية والشافعية إلى أنه إذا اشترطت الزوجة صفة معينة في الزوج كالجمال والنسب أو أن يكون غنياً أو ذا حرفة معينة، وتبين أنه بخلاف ذلك فالعقد صحيح والشرط باطل ولا تملك الزوجة خيار الفسخ. وذهب رأي آخر إلى القول بثبوت الخيار للزوجة في فسخ النكاح لتخلف الوصف، وهذا هو ظاهر مذهب الإمام مالك وبعض فقهاء الشافعية.
بينما يرى الحنابلة بأنه متى تزوجت امرأة رجلاً واشترطت فيه وصفاً معيناً وظهر خلاف ذلك، فلا خيار لها في الفسخ إلا في شرطي الحرية والنسب.
أما إذا كان الشرط من قبل الزوج، كما لو اشترط أن تكون الزوجة جميلة أو متعلمة أو ذات بشرة بيضاء، فظهرت الزوجة على غير ما اشترط يحق للزوج طلب فسخ النكاح وإذا وقع الفسخ قبل الدخول فلا تستحق المرأة المهر، وإن كان بعد الدخول فلها المهر ، وفي هذا يقول ابن تيمية: " ... وأما إذا اشترط السلامة أو شرط الجمال فبانت شوهاء، أو شرطها شابة حديثة السن فبانت عجوزاً شمطاء، أو شرطها بيضاء فبانت سوداء، أو بكراً فكانت ثيباً، فله الفسخ في ذلك كله. فإن كان قبل الدخول فلا مهر، وإن كان بعده فلها المهر وهو غرم على وليها إن كان غره، وإن كانت هي الغارة سقط مهرها أو رجع عليها به إن كانت قبضته ".
بينما قال الحنفية والشافعية بعدم ثبوت خيار الفسخ للزوج مطلقاً حتى ولو تخلف الوصف الذي اشترطه، لأنه يملك فراقها بالطلاق.
ومن بين الأوصاف الهامة التي قد يشترطها الزوج على زوجته شرط البكارة أو العذرية، وقد ذهب الاجتهاد القضائي الجزائري إلى وجوب اشتراط هذا الشرط في العقد حتى ينتج أثره، حيث جاء في أحد قرارات المحكمة العليا ما يلي: " ... ومتى تبين- في قضية الحال- أن المطعون ضده لم يشترط عذرية الطاعنة في عقد الزواج فإن البناء بها ينهي كل دفع بعدم العذرية. وعليه فإن قضاة الموضوع بقضائهم بتحميل الطاعنة مسؤولية الطلاق وبحرمانها من التعويض عرضوا قرارهم للقصور في التسبيب مما يستوجب نقض القرار ".
وينتقد الدكتور علي محمد قاسم إعطاء الزوجين الحق في فسخ العقد لتخلف الوصف، بحجة أن عقد الزواج من العقود الخطيرة التي يجب تفادي تعريضها للفسخ والعمل أكثر على استقرارها وثباتها، فليس من المعقول أن يفسخ هذا الميثاق الغليظ لأمور نسبية تختلف درجة تقديرها من شخصٍ لآخر، كشرط الجمال أو العذرية التي يمكن أن تزول بوثبة من المرأة.
كما أن مصلحة الزوجين تكون في التستر والارتفاع بهذا العقد عن مستوى عقود المعاوضات المالية. وكذلك فإن معظم الأوصاف التي يريد كل من الزوج أو الزوجة معرفتها في الآخر يمكن التعرف عليها بالتحري عنها قبل إبرام عقد الزواج. خاصة وأن الشرع بين لنا المواصفات التي يجب اختيار الزوجة بناء عليها وهي مجسدة في قوله صلى الله عليه وسلم: " تنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ". ومعنى ذلك بأنه إذا كان الرجال يرغبون في النساء لهذه الأسباب، فإن الذي يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم هو الدين، أما بقية الأسباب الأخرى فليست هي أساس الاختيار.
وفي اعتقادنا فإن اشتراط أحد الزوجين وصفاً معيناً في الآخر يكون مستحسناً بل واجباً كلما كان ذلك أدعى إلى استقرار الأسرة وتحقيق آواصر المودة والرحمة والتوافق بين الزوجين، أي أن هذه الشروط تعتبر عاملاً مهماً يجب استغلاله لهذا الغرض. ولكن لا يعني ذلك المبالغة في هذه الشروط، إذ يجب أن يكون الدين هو الصفة الأولى التي يجب أن يراعيها كل من الزوجين، ثم تأتي بعد ذلك الصفات الأخرى التي يرغب فيها الإنسان بطبعه وتميل إليها نفسه.
إن الأصل في إنشاء عقد الزواج أن ينشأ على أساس المودة والرحمة والاحترام المتبادل، ولكن قد يفشل الزوجين في تحقيق ذلك بسبب عدم التفاهم والانسجام والشقاق لينتهي هذا الزواج بالطلاق. ويمكن تفادي ذلك إذا وقع الاتفاق بين الزوجين على عناصر وأوصاف معينة في شكل شروط عند إبرام العقد من أجل ضمان وتأمين الانسجام والتفاهم بين الزوجين، وتحقيق التقارب بينهما في العناصر الدينية والاجتماعية والأخلاقية.
الفرع الثاني: اشتراط الزوجة على زوجها ألا يتزوج عليها
لقد أجاز الحنابلة للزوجة أن تشترط على زوجها بألا يتزوج عليها ، وذهب الإمام مالك إلى أن هذا الشرط ليس له أثر في العقد إلا إذا اقترن بيمين أو طلاق.
ويثير هذا الشرط جدلاً كبيراً نظراً لارتباطه بمبدأ هام أقرته الشريعة الإسلامية وهو مبدأ تعدد الزوجات، ومن ذلك ما ذهب إليه الدكتور رشدي شحاتة من أن هذا الشرط فاسد ومخالف للشرع، فكيف يسمح الرجل للمرأة بأن تمنعه مما أحله الله عليه بأن يعدد! والأصح من هذا حسب رأيه أن يكون للزوجة التي يلحقها ضرر من جراء عدم العدل بينها وبين ضرائرها أن تطلب التطليق للضرر، أو أن تطلب الخلع، أو يكون لها أن تشترط جعل عصمتها بيدها. فإذا وفى الزوج بعهده كان لها ما شرطته وإن خالف وعده واستند إلى ما أباحه له الشارع في التعدد، ففي هذه الحالة يكون للزوجة أن تطلب التطليق.
وفي اعتقادنا أن الاستعاضة عن هذا الشرط بإعطاء الزوجة الحق في طلب التطليق للضرر لا يراعي الآثار السلبية المترتبة على الطلاق من تفكيك للأسرة وتشريد للأطفال وتبعات ذلك على المجتمع. ويمكن تفادي هذه الآثار السلبية قبل وقوعها بالاستناد إلى نص المادة 19 من قانون الأسرة، وإعطاء الحق للزوجة في أن تشترط على زوجها بألا يتزوج عليها، ويعتبر ذلك بمثابة حل وقائي.
ونؤكد أيضاً على أن هذا الشرط لا يناقض مبدأ تعدد الزوجات طالما أن الاتفاق على هذا الشرط أمر جوازي ومتروك لإرادة الزوجين. وطالما أن قانون الأسرة الجزائري يبيح مبدأ تعدد الزوجات كأصل عام، وإن كان قد قيده ببعض القيود التي تحول دون إساءة استعمال هذا الحق، وتمنع من وقوع الظلم على الزوجة السابقة أو اللاحقة.
الفرع الثالث: اشتراط الزوجة إكمال دراستها وممارسة عملها
يدخل هذا الشـرط ضمن دائرة الشروط التـي لا توافق عقد الزواج ولا تنافيـه ولكنها تحقق منفعة أو مصلحة معتبرة للزوجة، وسنتولى دراسة شرط إكمال الدراسة أو طلب العلم في البند الأول، ثم شرط عمل المرأة في البند الثاني.
البند الأول: شرط إكمال الدراسة
لقد حثت شريعة الإسلام على طلب العلم ورغبت فيه للرجال والنساء على حد السواء، فطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. ثم إن المرأة تشكل نصف المجتمع فإذا حرمناها من حقها في التعليم فهذا يعني أن الزوجة الجاهلة ستنجب لنا أبناء جاهلين، في حين أن الأمة الإسلامية بحاجة إلى زوجات وأمهات متعلمات عساهن ينجحن في إمداد الأمة بذرية صالحة متعلمة تسهم في بناء صرح هذه الأمة ونهضتها.
ولذلك كان من حق المرأة إكمال دراستها واشتراط ذلك في عقد الزواج، فطلب العلم لا يتعارض مع كونها زوجة، بل إننا نلحظ في واقعنا المعاش زيجات كثيرة لنساء يزاولن تعليمهن الجامعي وفي الوقت نفسه هن أرباب بيوت ناجحات.
ويعتبر اشتراط الزوجة على زوجها في العقد أن يكون لها الحق في إكمال الدراسة بمعهد أو جامعة أو ما شابه ذلك، من الشروط التي لا تتناقض مع مقتضى عقد الزواج ولا تخل بالمقصود منه، والتي سكت عنها الشارع بحيث لم يرد بشأنها أمر أو نهي ولكنها تحقق منفعة لكلا الزوجين أو أحدهما، وهو شرط صحيح عند فقهاء الحنابلة، إذ الأصل عندهم الإباحة ما لم يرد الدليل الشرعي على التحريم أو المنع، ولكن يجب التأكيد على ألا يكون استعمال الزوجة لهذا الشرط مشوب بإساءة استعمال الحق أو منافاة مصلحة الأسرة.
واعتبرت دار الإفتاء المصرية في الفتوى التي أصدرتها بتاريخ 12/11/1981 في الطلب رقم 369 لسنة 1981، بأن الزوج لا يلزم بالوفاء بالشرط الذي شرطته عليه زوجته في عقد الزواج بالسماح لها بإتمام دراستها الجامعية استنادا إلى قول جمهور الفقهاء، وإن كان يلزم الوفاء به في مذهب الإمام أحمد بن حنبل.
البند الثاني: شرط عمل الزوجة
لقد نص المشرع الجزائري على هذا الشرط بموجب نص المادة 19 من قانون الأسرة، واعتبرت المادة 67 من نفس القانون على أنه لا يمكن لعمل المرأة أن يشكل سبباً من أسباب سقوط الحق عنها في ممارسة الحضانة، وهذه دلالة واضحة من المشرع في التأكيد على أحقية المرأة في العمل.
ولقد أجازت الشريعة الإسلامية عمل المرأة إذا دعتها ضرورة لذلك ، بشرط أن تختار عملاً يناسب طبيعتها كأنثى طالما كان هذا العمل مشروعاً وغير مخالف لمبادئ الشريعة الإسلامية.
واستدل العلمـاء على أحقية المرأة في العمل بآيات مـن القرآن، منها قوله تعالى: " ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ". وقوله تعالى: " من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ".
إن عمل المرأة يكون في حالات كثيرة صوناً لها وحماية لها من التبذل والمهانة وطلب الناس، كما أنه لا يمكن للمجتمعات العربية أن تنمو اقتصاديا أو تنهض حضارياً إذا ما ظلت نصف القوة الإنتاجية في المجتمع – المتمثلة في المرأة – قوة معطلة أو مهمشة أو محظوراً عليها المشاركة في تنمية القطاعات الاقتصادية. إلا أن هناك أولويات أسرية تتمثل في تربية الأولاد يجب أن تكون فوق كل اعتبار، ويجب أن تأخذها المرأة على درجة كبيرة من العناية والأهمية دون أن ينفي ذلك حقها في العمل خارج البيت فهو جائز ولكن بتوافر الشروط التالية:
1- يجب ألا يتعارض عملها خارج البيت مع مسؤوليتها الكبرى تجاه بيتها.
2- أن يتناسب عملها مع طبيعتها كأنثى، كالعمل في مجال التعليم والمستشفيات.
3- ألا يتعارض عملها مع الآداب العامة والنظام العام فليس لـها أن تشتغل في أماكن الفجور واللهو . وليس للزوجة أن تطلب التطليق في هذه الحالة بدعوى منعها من ممارسة حقها في العمل لعدم شرعية الشرط المشترط أصلاً.
ولقد سلك الدستور الجزائري مسلك الشريعة الإسلامية في التأكيد على أحقية المرأة في العمل، إذ نصت المادة 55 من دستور 28 نوفمبر1996: " لكل مواطن الحق في العمل ". ونصت المادة 22 على أن: " كل المواطنين سواسية أمام القانون ولا يمكن أن يتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد أو العرق أو الجنس أو الرأي أو أي شرط أو أي ظرف آخر شخصي أو اجتماعي ". ونصت أيضاً المادة 32 على أن: " الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة ".
ويتبين لنا من هذه النصوص أن حق المرأة في العمل ثابت ومقرر لها بموجب نصوص القانون، ولا يتوقف ذلك عند التشريعات الداخلية، بل يتعداه إلى الاتفاقيات الدولية، حيث أكدت المادة 10 من اتفاقية القضاء على كافة أوجه التمييز ضد المرأة على احترام حق المرأة في العمل.
غير أن الزوجة قد ترغب في التأكيد على ضمان زوجها لحقها في العمل وعدم منعها من ممارسة عملها، فتلجأ إلى تضمين هذا الشرط في عقد الزواج، وقد أولى المشرع الجزائري هذا الشرط أهمية خاصة بالنص عليه في نص المادة 19.
ومتى قبل الزوج بهذا الشرط فيجب عليه الوفاء به، ولا يكون من حقه منع زوجته من العمل ما دام قد أذن لها بذلك، لأن هذا الإذن يعتبر إذناً دائماً يدوم بدوام العلاقة الزوجية بينهما، فإذا طلب منها أن تمتنع ورفضت ذلك فلا تعد ناشزاً ولا تسقط نفقتها عليه.
واستثناءاً من ذلك يجوز للزوج منع زوجته من العمل في حالتين:
1) تعسف الزوجة في استعمال حقها في الخروج للعمل كأن تظهر بمظهر المتبرجة أو بصورة تدعو إلى الفتنة، أو الإكثار من الخروج من المنزل بلا سبب حقيقي.
2) منافاة خروج المرأة للعمل مع مصلحة الأسرة وهي مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضي الموضوع، ويراعي في ذلك مدى تأثير عمل المرأة على صحة الزوجة وأيضاً مدى تأثير عملها على أداء واجباتها الزوجية، أو حاجة الأسرة إليها بسبب مرض أحد أقاربها، وغير ذلك من الأسباب التي تدعو القاضي إلى إبطال شرط عمل المرأة لمنافاته لمصلحة الأسرة، ودرءاً للأضرار والمفاسد الناجمة عن تقديم المصلحة الخاصة للزوجة على مصلحة الأسرة ، وهذا يعني أنه ليس للزوج أن يرجع عن موافقته التي أبداها لزوجته بالسماح لها بالعمل إلا لسبب مشروع، ودون أن يلحق ضرراً بالزوجة عملاً بقاعدة ( لا ضرر ولا ضرار).
أما إذا كان الداعي وراء رجوع الزوج عن موافقته للعمل، هو أن تتفرغ زوجته لرعاية أطفاله الصغار أو مرض أحدهم، فلا شك أن الرجوع عن الموافقة في هذه الحالة يكون مبرراً. ولكن يجب أن يقيد ذلك بعدم إلحاق الضرر بالزوجة كما لو كانت الزوجة مشرفة على التقاعد، فإنه يكون في تركها للعمل ضرر كبير لها بحرمانها من حقوق التقاعد، ويكون للقاضي هنا دور كبير في الموازنة بين المصالح والمفاسد المترتبة عن رجوع الزوج عن موافقته لزوجته بالعمل.
الفرع الرابع: اشتراط الزوجة على زوجها دفع راتب شهري إذا طلقها
إن من أهم الآثار القانونية الناجمة عن فك الرابطة الزوجية التعويض في حالة الطلاق التعسفي، ويشمل هذا التعويض نفقة العدة ونفقة الإهمال ونفقة المتعة، وكذلك التعويض الذي قد يحكم به من جراء الطلاق التعسفي، وينبغي عند الحكم تحديد طبيعة المبالغ المحكوم بها لصالح المطلقة وفي أي إطار تدخل هذه التعويضات.
ويجب أن يراعى في التعويض عن تعسف الزوج في الطلاق جسامة الضرر الذي أصاب المطلقة وكذا ارتفاع الأسعار وتغييرها، وهي مسألة متروكة لتقدير قاضي الموضوع. ومن هنا، فإن مبدأ التعويض عن الطلاق التعسفي الوارد في المادة 52 يعتبر وسيلة ناجحة للحد من الطلاق، ومن شأنه تحسين المركز القانوني للمرأة في قانون الأسرة وإقرار التوازن في الحقوق والواجبات الزوجية.
إن سبب التعويض عن الطلاق التعسفي هو تعسف الزوج في استعمال حقه في الطلاق، فإذا اجتمع هذا العنصر مع الضرر الذي لحق بالزوجة المطلقة سواء كان هذا الضرر مادياً أو معنوياً، فإنه يجوز للمطلقة أن تطلب من المحكمة أن تقضي لها بتعويض مالي لجبر الضرر اللاحق بها.
وإذا كان مبدأ تعويض الزوجة عن الضر اللاحق بها ثابت في نظر قانون الأسرة الجزائري، فإن السؤال المطروح هنا: هو هل يجوز للزوجة أن تشترط في عقد الزواج دفع راتب شهري لمدة سنة أو أكثر على سبيل التعويض، إذا طلقها زوجها بغير سبب ضماناً لحقوقها ؟
لقد اختلفت آراء الفقهاء حول حكم هذا الشرط على قولين:
القول الأول: يـرى أصحاب هذا الرأي بأن الزوج لا يكون مسؤولاً عن تعويض زوجته عن الطلاق، ولا يجوز للزوجة أن تطلب التفريق تحت طائلة الضمان أو التعـويض؛ لأن ذلك يؤدي إلى حرمان الزوج من استعمال حقه في الطلاق، وهو حق متصل بنظام الأسرة ويعتبر من النظام العام.
القول الثاني: يرى أصحاب هذا الرأي بأن الزوج مسؤول عن تعويض زوجته إذا طلقها بغير سبب، وخاصة إذا وافق على هذا الشرط في عقد الزواج. وتأييداً لهذا الرأي فقد أقرت محكمة النقض المصرية في حكم لها، بأنه إذا تعهد الزوج بتعويض زوجته إذا طلقها، فإن هذا التعهد ليس فيه مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية ولا قواعد النظام العام. وأقرت أيضاً بأنه ينتفي على الزوج واجب الالتزام بهذا الشرط إذا كان قد طلق زوجته بناء على سبب منها.
وفي الحقيقة، فإن اشتراط الزوجة على زوجها دفع راتب شهري على سبيل التعويض إذا طلقها تعسفياً، هو شرط صحيح وموافق لمقتضى نص المادة 52 من قانون الأسرة، فالغرض من هذا الشرط هو ضمان حق المرأة في التعويض، وبهذا يترجح لدينا الأخذ بالقول الثاني.
وتزداد أهمية هذا الشرط في حالات كثيرة، كما هو الشأن بالنسبة للمرأة المطلقة التي كثيراً ما تكون قد تجاوزت السن الذي تطلب فيه للزواج، وقد تترك بدون عائل ينفق عليها، وقد لا يكون متاحاً لها المكوث في بيت أهلها، أو عند زوجة الأخ أو الأخت.
المطلب الثالث: الشروط المالية في عقد الزواج
سنتعرض في هذا المطلب إلى دراسة بعض الشروط المرتبطة بالجانب المالي في عقـد الزواج، مثل اشتراط الزوج على زوجته المسـاهمة في تحمل نفقـات الأسـرة، واتفاق الزوجين حول نظام الأموال المشتركة بينهما، وذلك في الفرعين المواليين: