منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الى ابناء سيدي علي بن يحي بغليزان
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-03-25, 13:47   رقم المشاركة : 98
معلومات العضو
مسلم وفقط
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم أخي خالد وعلى كل الاخوة في هذا المنتدى الرائع. وبع، فقد طرح الآخ خالد ، مشكورا، موضوعا عليه الكثير من الاستفهامات ونقاط الظل عندنا نحن أهل السنة والجماعة. وللمزيد من المعرفة واضفاء للنقاش حتى يخرج عن اطار المونولوج، ارتأينا استقصاء ما عند اخواننا الشيعة في هذا الموضوع الشائك والحرج في الآن ذاته. لذلك ارتأينا نقل ما كتبه أحد رجالات الشيعة المعاصرين منذ عشر سنين مستشهدا على ما عندنا من أحاديث صحيحة.

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد:
فإن من المسائل التي كثر الجدال فيها بين فِرَق المسلمين، وخصوصاً بين الشيعة وأهل السنة: مسألة الخلافة، ومَنْ هو الأولى بها.

وقد نشأ الخلاف في هذه المسألة بعد انتقال رسول الله ( ص ) إلى الرفيق الأعلى مباشرة، فتشاجر الصحابة في سقيفة بني ساعدة وتسابّوا في أول تجربة لهم في اختيار الخليفة.

ثم استمر الخلاف بعد ذلك في الخلافة إلى يومنا هذا، فقامت الثورات المتتابعة عبر العصور، وثارت الحروب التي سُفِكتْ فيها دماء
6 .................................................. ....................... من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟

المسلمين، ووقعت الفتن والقلاقل التي زعزت استقرار أكثر الدول التي تعاقبت على الحكم من عصر الصحابة إلى زماننا هذا.

وفي خِضَمِّ هذه الأحداث سلَّمَ أهل السُّنة أمورهم لكل مَنْ تسلَّط على الأُمَّة بالقوة والقهر، فبايعوا هؤلاء المتسلِّطين خلفاء عليهم، وحكموا بأن خلافتهم شرعية لا يحل نقضها، ولا يجوز التنصُّل من تبعاتها.

ومع أن الحُكْم بعد عصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ع ) قد تحوَّل إلى مُلْك عضوض، يتوارثه الأبناء من الآباء من دون مشورة من المسلمين، إلا أنه بقي متسمِّياً باسم الخلافة التي كانت تستمد شرعيتها من الإسلام نفسه.

وبعد ازدياد تردِّي أحوال المسلمين الدينية والسياسية، وضعف السلطة المركزية في بغداد تقسَّمت البلاد الإسلامية إلى دُويلات كثيرة، يتنازعها حُكَّام كثيرون لم تكن لهم أية مؤهِّلات تؤهِّلهم لتولِّي أمور المسلمين كما هو حال خلفاء بني أميَّة وبني العباس.

واستمر حال المسلمين على هذا النحو إلى هذا اليوم.

وبهذا نشأت في البلاد الإسلامية حالة جديدة لا تلتئم مع ما قرَّره علماء أهل السنة، من وجوب بيعة إمام واحد للمسلمين في كل عصر، وعدم شرعية حُكم خلفاء متعددين أو حكَّام متفرقين، إلى
مقدمة .................................................. .................................................. .... 7
غير ذلك مما سيأتي بيانه.

ومع نشوء هذه الظاهرة في الخلافة والحُكم، اتَّضح أكثر من ذي قبل أن إشكالات الشيعة على معتقدات أهل السنة في مسألة الخلافة وخلافة الخلفاء السابقين كانت مستحكمة.

وأما الشيعة الإمامية فإنهم لما ذهبوا إلى أن الخليفة لا بدَّ أن يكون معصوماً ومنصوصاً عليه، ويجب أن يكون من العترة النبوية الطاهرة، ورأوا عدم صلاحية غيرهم للخلافة، فإن الخلافة عندهم لم تصبح نهبة لمن هبَّ ودب.

إلا أن الإشكال الذي كثر الطَّرْق عليه والتشنيع به قد انصبَّ على اعتقاد الشيعة بإمامة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ( ع ) ، المولود في سنة 255هـ، وقولهم باستمرار حياته
وإمامته إلى هذا العصر، فإن أهل السنة رأوا في هذا المعتقد دلالة على ضعف الأفهام وسخافة العقول، فلا يمكن التصديق بإمامٍ قد وُلِد قبل حوالي ألف ومائة وتسع وستين سنة، وهو لا يزال حيًّا إلى يومنا هذا، فإن العمر الطبيعي لا يبلغ إلى هذا الحد بأي حال من الأحوال.

ومع أن أهل السنة قد شنَّعوا بهذا على الشيعة الإمامية، إلا أنهم لم يجيبوا على كثير من الأسئلة التي كانت ولا تزال تدور حول مسألة إمام المسلمين في هذا العصر، فإن هذه المسألة مع
أهميتها قد سكت عنها علماء أهل السنة، ولم يخوضوا فيها، بل عتَّموا عليها، حتى صار السُّنِّي لا يهتدي فيها إلى شيء صحيح.

وإني لأرجو بهذه الدراسة أن أكون قد أوضحت هذه المسألة بشيء من الإيضاح، وكشفت ما انتابها من غموض وإبهام.

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يتقبَّله مني بأحسن قبول، إنه سميع مجيب الدعوات، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

في 20 شهر رمضان 1424هـ
علي آل محسن
وجوب نَصْب الخليفة عند أهل السنة

لقد اتَّفقت كلمات علماء أهل السنة على أنه يجب على كافة المسلمين نَصْب خليفة لهم في كل عصر، بل نصّوا على أنه من أعظم الواجبات الدينية التي لا يسع المسلمين تركها أو التهاون في المبادرة إليها.

قال الإيجي في المواقف : نَصْبُ الإمام عندنا واجبٌ علينا سمعاً...

وقال : انه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي ? على امتناع خلو الوقت عن إمام، حتى قال أبو بكر ( رض ) في خطبته: ( ألا إن محمداً قد مات، ولا بدَّ لهذا الدين ممن
يقوم به ) ، فبادر الكل إلى قبوله، وتركوا له أهم الأشياء، وهو دفن رسول الله ? ، ولم يزل الناس على ذلك في كل عصر إلى زماننا هذا مِنْ نَصْب إمام متَّبَع في كل عصر... ( 1 ).

وقال الماوردي : وعَقْدُها ـ أي الإمامة ـ لمن يقوم بها في الأمَّة واجب بالإجماع ( 2 ).

وقال النووي : أجمعوا على أنه يجب على المسلمين نَصْبُ خليفة، ووجوبه بالشرع لا بالعقل... ولا حجَّة في بقاء الصحابة بلا خليفة في مدة التشاور يوم السقيفة وأيام الشورى بعد وفاة عمر
( رض ) ، لأنهم لم يكونوا تاركين لنَصْب الخليفة، بل كانوا ساعين في النظر

( 1 ) المواقف ، ص 395. والإيجي عاش بين سنة 700هـ وسنة 756هـ.
( 2 ) الأحكام السلطانية ، ص 29.


وجوب نَصْب الخليفة عند أهل السنة............................................. ................................ 9
في أمر مَنْ يُعقَد له ( 1 ).

وقال البيهقي : واستدلَّ غيره [ يعني أحمد بن حنبل ] من أصحابنا في وجوب نَصْب الإمام شرعاً بإجماع الصحابة بعد وفاة الرسول ? على نَصْب الإمام ( 2 ).

وقال التفتازاني : نَصْب الإمام واجب على الخلْق سمعاً عندنا وعند عامة المعتزلة ( 3 ).

وقال ابن حجر الهيتمي : اعلمْ أنَّ الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا على أن نَصْب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب، بل جعلوه أهم الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله ?، واختلافهم في التعيين لا يقدح في الإجماع المذكور ( 4 ).

قلت : وجوب نصب خليفة على كافة المسلمين غير مخصوص بعصر الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، وإنما هو واجب عندهم في كل عصر كما هو صريح كلماتهم الآنفة الذكر.


( 1 ) شرح صحيح مسلم للنووي 12/205. ونقل هذه العبارة: ابن حجر في فتح الباري 13/176.
والمباركفوري في تحفة الأحوذي 6/397. والعظيم آبادي في عون المعبود 8/112. والشوكاني في نيل الأوطار 6/166.
( 2 ) شعب الإيمان 6/6.
( 3 ) شرح المقاصد 5/235.
( 4 ) الصواعق المحرقة، ص 30.


بعض مؤهّلات خليفة المسلمين وصفاته

لا بد أن تتوفر في الخليفة عدة مزايا تؤهّله لأن يكون إماماً على سائر المسلمين دون غيره، وقد ذكر علماء أهل السنة بعضاً من تلك المزايا التي يجب اتصاف إمام المسلمين بها، ومع أنهم اختلفوا في بعض تلك الصفات إلا أنهم يكادون يتفقون على بعض آخر منها.
فمما اشترطوه :
1ـ أن يكون قرشيًّا :
فلا تصح إمامة غير القرشي كائناً من كان، وذلك لقول النبي ( ص ) : الأئمة من قريش ( 1 ).

قال المناوي : ذهب الجمهور إلى العمل بقضية هذا الحديث، فشرطوا كون الإمام قرشيًّا ( 2 ).

وقال أيضاً : به ـ أي بهذا الحديث ـ احتج الشيخان
( 1 ) أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 3/129، 183، 4/421، والطيالسي في مسنده، ص 125، 284، والحاكم في مستدركه 4/501 وصحّحه ووافقه الذهبي، وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير 1/480،
أبو نعيم في حلية الأولياء 1/171، 5/8، 7/242، 8/123، والهيثمي في مجمع الزوائد 5/192،
والبيهقي في السنن الكبرى 3/121، 4/76، والطبراني في المعجم الصغير 1/152،
والألباني في صحيح الجامع الصغير 1/534، قال أبو نعيم في الحلية 3/171: هذا حديث مشهور ثابت من حديث أنس.
وقال البيهقي في السنن 3/121: مشهور من حديث أنس.
وعدّه من الأحاديث المتواترة السيوطي في قطف الأزهار المتناثرة، ص 248، والكتاني في نظم المتناثر، ص 169 وابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل4/152 وغيرهم، واستقصى الألباني طرق هذا الحديث وصحّحها ونفى الشك في تواتر الحديث في إرواء الغليل 2/298 - 301.
( 2 ) فيض القدير 3/189.


بعض مؤهّلات خليفة المسلمين وصفاته .................................................. ...................... 17
يوم السقيفة، فقبله الصَّحْب وأجمعوا عليه ( 1 ).

وقال ابن حجر : وقال عياض : اشتراط كون الإمام قرشيًّا مذهب العلماء كافة، وقد عدُّوها في مسائل الإجماع، ولم يُنقل عن أحد من السلف فيها خلاف، وكذلك مَنْ بعدهم في جميع الأمصار. قال: ولا اعتداد بقول الخوارج ومَنْ وافقهم من المعتزلة، لما فيه من مخالفة المسلمين ( 2 ).

وقال الماوردي : أن يكون من قريش، لورود النص فيه وانعقاد الإجماع عليه، ولا اعتبار بِضِرار [ بن عمرو ] حين شذَّ فجوَّزها في جميع الناس، لأن أبا بكر الصديق ( رض ) احتجَّ
يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة لما بايعوا سعد بن عبادة بقول النبي ( ص ) : ( الأئمة من قريش )... وليس مع هذا النص المسلَّم شبهة لمنازع فيه، ولا قول لمخالف له ( 3 ).

وقال ابن حزم : ولا تحل الخلافة إلا لرجل من قريش صليبة... فصحَّ أن من تسمَّى بالأمر والخلافة من غير قريش فليس خليفة، ولا إماماً ولا من أولي الأمر، ولا أمر له، فهو فاسق
عاصٍ لله تعالى، هو وكل من ساعده أو رضي أمره، لتعدِّيهم حدود الله تعالى على لسان رسول الله ( ص ) ( 4 ).

وقد نصَّ أيضاً على اشتراط القرشية في الإمام : عبد القاهر البغدادي في الفَرْق بين الفرق ( 5 ) ، وابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل ( 6 )، والتفتازاني في شرح المقاصد ( 7 )، والغزالي في قواعد العقائد ( 8 ) والقرطبي في تفسيره ( 9 )، وغيرهم.

2ـ أن يكون عالماً مجتهداً :

قال الإيجي : الجمهور على أن أهل الإمامة مجتهد في

( 1 ) المصدر السابق 3/190.
( 2 ) فتح الباري 13/102.
( 3 ) الأحكام السلطانية، ص 32.
( 4 ) المحلى 8/420، 421.
( 5 ) الفرق بين الفرق، ص 349. ( 6 ) الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/152.
( 7 ) شرح المقاصد 5/243.
( 8 ) قواعد العقائد، ص 230.
( 9 ) الجامع لأحكام القرآن 1/270.


18 .................................................. ......................... من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟
الأصول والفروع، ليقوم بأمور الدين ( 1 ).

وقال عبد القاهر البغدادي : وأوجبوا ـ أي أهل السنة ـ من العِلم له مقدار ما يصير به من أهل الاجتهاد في الأحكام الشرعية ( 2 ).

وقال القرطبي : أن يكون ممن يصلح أن يكون قاضياً من قضاة المسلمين مجتهداً لا يحتاج إلى غيره في الاستفتاء في الحوادث، وهذا متفق عليه ( 3 ).

وقد نصَّ أيضاً على اشتراط كون إمام المسلمين مجتهداً في الأحكام الشرعية: الماوردي في الأحكام السلطانية ( 4 )، والتفتازاني في شرح المقاصد ( 5 )، والباقلاني في التمهيد ( 6 )، وغيرهم.

3ـ أن يكون عادلاً غير فاسق :

قال البغدادي بعد أن ذكر شرط العدالة في الإمام: وأوجبوا ـ أي أهل السنة ـ من عدالته أن يكون ممن يجوز حكم الحاكم بشهادته، وذلك بأن يكون عدلاً في دينه، مُصلِحاً لماله وحاله، غير مرتكب لكبيرة ولا مُصِرّ على صغيرة، ولا تارك للمروءة في جل أسبابه ( 7 ).

وقال الإيجي : يجب أن يكون عدلاً لئلا يجور. وذكر أنه شرط بالإجماع ( 8 ).

وقال القرطبي : أن يكون عدلاً ، لأنه لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق ( 9 ).

ثم قال : قال الجمهور: إنه تنفسخ إمامته ويُخلع بالفسق الظاهر المعلوم، لأنه قد ثبت أن الإمام إنما يقام لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وحفظ أموال الأيتام والمجانين والنظر في

( 1 ) المواقف، ص 398.
( 2 ) الفرق بين الفرق، ص 349.
( 3 ) الجامع لأحكام القرآن 1/270.
( 4 ) الأحكام السلطانية، ص 31.
( 5 ) شرح المقاصد 5/233. ( 6 ) التمهيد، ص 181 (عن كتاب الإلهيات 2/518).
( 7 ) الفرق بين الفرق، ص 349.
( 8 ) المواقف، ص 389.
( 9 ) الجامع لأحكام القرآن 1/270.


بعض مؤهّلات خليفة المسلمين وصفاته .................................................. ...................... 19
أمورهم، إلى غير ذلك مما تقدم ذكره، وما فيه من الفسق يُقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض بها، فلو جوَّزنا أن يكون فاسقاً أدَّى إلى إبطال ما أقيم لأجله ( 1 ).

وقد نصَّ على اشتراط العدالة في إمام المسلمين: الماوردي ( 2 ) في الأحكام السلطانية، والغزالي في قواعد العقائد ( 3 )، والتفتازاني في شرح المقاصد ( 4 )، وغيرهم.

إلى غيرها من الصفات التي ذكروها، والتي لم يتوفَّر منها في أكثر خلفائهم غير القرشية، فإن الخلافة بعد أن صارت ملكاً كسرويًّا يتوارثه الأبناء من الآباء لم تُراعَ هذه الصفات في
الخلفاء، فتولى على المسلمين الفسقة الذين لا يفقهون من أحكام الدين شيئاً فضلاً عن أن يكونوا من أهل العلم والاجتهاد.

وكل ذلك كان بمرأى ومسمع من علماء أهل السنة الذين صحَّحوا خلافة أولئك الخلفاء وحكموا بشرعيتها، وبوجوب بيعتهم وطاعتهم وحرمة القيام عليهم.


( 1 ) نفس المصدر 1/271.
( 2 ) الأحكام السلطانية، ص 31. ( 3 ) قواعد العقائد، ص 230.
( 4 ) شرح المقاصد 5/233.


لا يكون خليفتان في عصر واحد

لقد تظافرت كلمات أعلام أهل السنة في بيان أنه لا يجوز أن تُعْقَد الخلافة لاثنين أو أكثر في عصر واحد ولو كانا في أقاليم متباعدة.

قال النووي : واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يُعقَد لخليفتين في عصر واحد، سواء اتسعت دار الإسلام أم لا.

ثم نقل قول إمام الحرمين بأنه يحتمل جواز عقدها لإمامين إذا اتسع البُعد بينهما، وقال: وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف ولظواهر إطلاق الأحاديث ( 1 ).

وقال ابن كثير في تفسيره : فأما نَصْب إمامين في الأرض أو أكثر فلا يجوز، لقوله عليه الصلاة والسلام: ( مَنْ جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرِّق بينكم فاقتلوه كائناً من كان )، وهذا قول الجمهور، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد، منهم إمام الحرمين ( 2 ).

وقال ابن حزم في كتابه المحلى : ولا يحل أن يكون في الدنيا إلا إمام واحد، والأمر للأول بيعة ( 3 ).

وقال القرطبي : فأما إقامة إمامين أو ثلاثة في عصر واحد

( 1 ) شرح النووي لصحيح مسلم 12/232.
( 2 ) تفسير القرآن العظيم 1/72. ( 3 ) المحلى 9/360.


لا يكون خليفتان في عصر واحد .................................................. .......................... 21
وبلد واحد فلا يجوز إجماعاً لما ذكرنا. قال الإمام أبو المعالي : ذهب أصحابنا إلى منع عقد الإمامة لشخصين في طرفي العالَـم، ثم قالوا: لو اتَّفق عقد الإمامة لشخصين نُزِّل ذلك منزلة تزويج وليَّين امرأة واحدة مِن زوجين من غير أن يشعر أحدهما بعقد الآخر ( 1 ).

وقد جاءت الأحاديث كاشفة عن الحالة السيئة التي سيؤول إليها وضع المسلمين، إذ سيكثر فيهم المدَّعون للإمامة والغاصبون للخلافة ، وسيتعددون في العصر الواحد ، فقد أخرج البخاري
ومسلم في صحيحيهما وغيرهما عن أبي هريرة عن النبي ( ص ) قال: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فُوْا بِبَيعة الأول فالأول، أعطوهم حقَّهم فإنَّ الله سائلهم عما استرعاهم ( 2 ).

وجاءت أحاديث أخر فأوضحت الوظيفة الواجبة تجاه هذه الظاهرة السيِّئة، وكشفت عن أن الواجب على المسلمين هو الالتزام ببيعة الخليفة الأول، وقتل الخليفة الآخر إذا لم يندفع إلا بالقتل، فقد أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ( ص ) : إذا بُويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ( 3 ).

قال النووي في شرح صحيح مسلم: معنى هذا الحديث: إذا بويع لخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها، ويحرم عليه طلبها، وسواء
عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول [أم] جاهلين، وسواء كانا في بلدين أو بلد، أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره، هذا هو الصواب الذي عليه أصحابنا وجماهير العلماء ( 4 ).

وقال القرطبي في تفسيره : وإذا بويع لخليفتين فالخليفة الأول، وقُتل الآخر، واختلف في قتله، هل هو محسوس أو معنى، فيكون عزله قتله وموته، والأول أظهر، قال رسول الله ( ص ) : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما.
رواه أبو سعيد الخدري، أخرجه
( 1 ) الجامع لأحكام القرآن 1/273.
( 2 ) صحيح البخاري 2/1074. صحيح مسلم 3/1471. صحيح ابن حبان 10/418 .
مسند أحمد 2/297. سنن ابن ماجة 2/958. السنن الكبرى للبيهقي 8/36.
( 3 ) صحيح مسلم 3/1480. السنن الكبرى للبيهقي 8/144. مسند أبي عوانة 4/411. المعجم الأوسط 2/124.
مجمع الزوائد 5/198، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات. شعب الإيمان 6/10.
( 4 ) صحيح مسلم بشرح النووي 12/231.


22 .................................................. ......................... من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟
مسلم... وهذا أدل دليل على منع إقامة إمامين، ولأن ذلك يؤدي إلى النفاق والمخالفة والشقاق وحدوث الفتن وزوال النعم ( 1 ).

وقال الشربيني : ولا يجوز عَقْدُها لإمامين فأكثر ولو بأقاليم ولو تباعدتْ، لما في ذلك من اختلاف الرأي وتفرُّق الشمل، فإن عُقِدتْ لاثنين معاً بطلتا، أو مرتَّباً انعقدتْ للسابق كما في
النكاح على امرأة، ويُعَزَّر الثاني ومبايعوه إن علموا ببيعة السابق، لارتكابهم محرَّماً. فإن قيل: ورد في مسلم : (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما)، فكيف يقال بالتعزير فقط؟ أُجيب بأن معنى الحديث: لا تطيعوه فيكون كمن قُتِل، وقيل: معناه أنه إن أصرَّ فهو باغٍ يُقاتَل ( 2 ).


حال أهل السنة في هذا العصر!!

إذا نظرنا إلى واقع أهل السنة في هذا العصر وما قبله من العصور وجدنا أنهم وقعوا في مخالفات صريحة للأحاديث الصحيحة التي نقلنا بعضاً منها، وتغافلوا عما اتفق عليه علماؤهم السابقون الذين ذكرنا أقوالهم فيما مرَّ.

فإنهم لم يقوموا بنَصْب إمام واحد لهم مع وجوبه عليهم، بل مع كونه من أعظم الواجبات الدينية كما مرَّ، ورضوا بأن يتولى أمورهم حُكَّام متفرِّقون ليسوا بخلفاء، وإنما هم ملوك ورؤساء وأمراء.

فإن كان أهل السنة لا يرون هؤلاء الحكَّام المعاصرين وغيرهم ممن حكموا بعد عصر الخلافة خلفاء شرعيين، فإن الواجب عليهم حينئذ هو خلعهم من الحكم، ونصب خليفة واحد على كل المسلمين كما مرَّ.

وإن كانوا يرونهم كلهم خلفاء شرعيين فقد خالفوا ما أجمع عليه الصحابة والتابعون وأطبق عليه العلماء السابقون من أنه لا يجوز عَقْد الخلافة لخليفتين في عصر واحد، وتركوا العمل بالأحاديث الصحيحة الدالة على لزوم بيعة الخليفة الأول وقتل الخليفة الآخر.

مضافاً إلى أنهم لم يراعوا في الخلفاء ما يجب عليهم أن يراعوه فيهم مِنْ كونهم من قريش، وكونهم موصوفين بالعدالة والعلم والاجتهاد، فصار الحُكم طعمة لكل متغلِّب على الأمة بالقوة

24 .................................................. ......................... من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟
والقهر، وأهل السنة لا يُنكرون عليهم، ولا يجهرون بعدم شرعية حُكمهم، مع أنهم لا يقولون بالتقية التي يقول بها غيرهم.

والحاصل: أن كل أهل السنة واقعون في الإثم سواءً بايعوا حاكمهم على السمع والطاعة أم لم يبايعوه، وذلك لأنهم لم يبايعوه خليفة على كل المسلمين، ولم يتابعهم عليه غيرهم، وبذلك
يكونون قد تركوا واجباً من أعظم الواجبات الدينية، وتخلفوا عن وظيفة من أهم الوظائف الشرعية.

محاولة لدفع الإشكال وردّها:

قد يقال : إن كل فئة من أهل السنة في بلادهم قد بايعوا حاكمهم بيعة شرعية صحيحة، وبذلك يكونون قد أدَّوا ما فرضه الله عليهم من مبايعة إمام لهم في هذا الزمان.

والجواب :
1ـ لو سلَّمنا بحصول ذلك فإن كل فئة من أهل السنة إنما بايعوا حاكمهم فقط، ولم يبايعوا حُكَّام البلاد الأخرى، وهنا نقول : إما أن تكون بيعة هؤلاء المبايِعين صحيحة فيجب على
غيرهم متابعتهم فيها، وحيث لم يفعلوا فقد تركوا واجباً من أهم الواجبات، وإما أن تكون بيعتهم تلك باطلة فلا اعتبار بها، فوجودها كعدمها.

2ـ أن مبايعة هؤلاء لهذا الحاكم معارَضة بمبايعة غيرهم لحُكَّامهم في البلاد الإسلامية الأخرى، ولا يصح بيعة خليفتين في عصر واحد، فكل بيعة تحقَّقت فهي باطلة قطعاً إلا واحدة، وعلى هذا فإن الإشكال يبقى لازماً لغالبية أهل السنة كما هو واضح.

3ـ أن هؤلاء المبايعين إنما بايعوا حاكمهم على السمع والطاعة وعلى كونه حاكماً على بلادهم، لا على كونه خليفة لكل المسلمين، ولهذا لم نرَ حاكماً معاصراً ادَّعى الخلافة العامة على كل المسلمين، والذي يتحقق به امتثال الواجب هو البيعة على النحو الثاني لا الأول.

4ـ أن الخليفة الحق لا تثبت خلافته عندهم إلا بالنص من الله ورسوله، أو بنصّ إمام الحق الذي قبله، أو بالشورى من المسلمين كافة، أو بالقهر والغلبة على سائر بلاد الإسلام، وشيء من ذلك كله لم يتم لحاكم معاصر كما هو واضح.

وتثبت الخلافة عندهم أيضاً ببيعة أهل الحل والعقد، وعليه
حال أهل السنة في هذا العصر .................................................. .......................... 25
فإن كان أولئك المبايعون هم أهل الحل والعقد ( 1 ) فبيعتهم صحيحة، وإلا فلا، ولا تُعْرَف فئة من أهل السنة في هذا العصر موصوفة بهذه الصفة، وعليه فلا تصح بيعة هؤلاء، ولا تكون
بيعتهم مُلزِمة لغيرهم، بل تكون مشمولة لقول عمر بن الخطاب : فمَن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا يُتابَع هو ولا الذي بايعه تَغِرَّة ( 2 ) أن يُقتَلا ( 3 ).

ثم إن البيعة لا تصح عندهم إلا إذا كان الحاكم قرشيًّا عادلاً مجتهداً كما مرّ، وكل حكام المسلمين لم تتوفر فيهم كل هذه الصفات، فكيف تصح بيعتهم خلفاء على المسلمين؟!

محاولة أخرى وردّها :

وقد يقال أيضاً : إن كل واحد من أهل السنة قد اتَّبع إماماً من أئمة المسلمين، ومن الواضح المعلوم أن أهل السنة منهم من يتّبع أبا حنيفة النعمان، ومنهم من يتَّبع مالك بن أنس، ومنهم
من يتبع محمد بن إدريس الشافعي، ومنهم من يتّبع أحمد بن حنبل، فكل واحد منهم يموت وفي عنقه بيعة لإمام من هؤلاء الأئمة، فلا إشكال عليهم حينئذ.
والجواب :
1ـ أن محل الكلام هو مبايعة الإمام الذي يتولَّى أمور المسلمين، ويكون حاكماً له سلطة زمنية على الناس، وهذه هي البيعة التي أوجبها علماء أهل السنة فيما تقدم من عباراتهم، ودلّت
عليها الأحاديث السابقة، وليس محل البحث هو إمامة علماء الدين الذين يعمل الناس بفتاواهم، فإن هؤلاء لا تجب مبايعتهم بالاتفاق، بل يجب سؤالهم لمعرفة الأحكام الشرعية لا غير، كما قال جلَّ شأنه ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) ( 4 ).

2ـ لم يُفْتِ أحد من أئمة المذاهب الأربعة بوجوب أخذ البيعة له أو لغيره من فقهاء الأمصار، ولم ينقل أحد من أعلام أهل السنة
( 1 ) أهل الحل والعقد هم أصحاب الرأي والدين والمشورة في المسلمين الذين يلزم غيرهم متابعتهم عند أهل السنة، مثل الصحابة في المدينة بعد زمان النبي ( ص ).
( 2 ) أي حذراً من القتل، فكأن من فعل ذلك فقد غرَّر بنفسه وبصاحبه وجعلهما عرضة للقتل.
( 3 ) صحيح البخاري 9/100 كتاب الأحكام، باب الاستخلاف. ط مرقمة 4/2132.
( 4 ) سورة الأنبياء، الآية 7.


26 .................................................. ......................... من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟
أن البيعة قد أُخِذَت لهم، لا في عصورهم ولا في العصور المتأخرة عنهم، ولو كانت البيعة لهم واجبة لبيَّنوا ذلك للناس وحثّوهم عليها.

3ـ أنَّا قلنا فيما مرَّ: إن البيعة هي المعاهدة، وهي لا تتحقق إلا مع الإمام الحي الحاضر، وعليه فلا يمكن مبايعة واحد من الأئمة الماضين، لأنها مفاعلة بين طرفين، والميت لا يعلم ببيعة الحي له، ولا تقع منه معاهدة معه على شيء، وهو واضح لا يحتاج إلى زيادة بيان.

محاولة ثالثة وردّها :

قد يقال : إن إمام المسلمين ـ كائناً من كان ـ واحد من علماء أهل السنة المعاصرين، ونحن نتبعه في فتاواه.
والجواب :
1ـ ما قلناه فيما تقدّم يأتي هنا أيضاً، فإن محل الكلام هو الإمام الذي يتولَّى أمور المسلمين، ويكون حاكماً عليهم، وليس الكلام في أئمة العلم، فإن أئمة العلم لا تجب بيعتهم عند أهل السنة كما مرَّ.

2ـ قد تقدَّم أنه يشترط في الإمام أن يكون مجتهداً، وحيث إن أهل السنة قد أغلقوا باب الاجتهاد، وحصروا التقليد في أئمة المذاهب الأربعة، فلا يوجد في علماء أهل السنة في هذا
العصر إلا المقلِّدة، ومن يدَّعي الاجتهاد منهم لا يوافقونه على اجتهاده ولا يسلِّمون له به، فحينئذ لا يصلح واحد منهم لإمامة المسلمين.

3ـ لو سلَّمنا أن واحداً من العلماء المعاصرين فيه الأهلية للإمامة عندهم، إلا أنه لا يكون إماماً عندهم بمجرد كونه أهلاً للإمامة، وذلك لأن علماء أهل السنة أنفسهم اعتبروا أيضاً في
إمام المسلمين أن يبايعه أهل الحل والعقد، أو يكون مبسوط اليد على بلاد المسلمين متسلِّطاً عليها، ولأجل ذلك عدّوا معاوية مثلاً من الخلفاء الاثني عشر، ولم يعدّوا منهم مَن هو خير
منه من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار المعاصرين له الذين لم تكن لهم إمرة، كما لم يعدُّوا منهم غيرهم ممن وصفوهم بأنهم من المبشَّرين بالجنة، كسعد بن أبي وقاص مثلاً، أو
غيره من علماء الصحابة كابن عباس وابن مسعود وغيرهما، للسبب الذي ذكرناه.

حال أهل السنة في هذا العصر .................................................. .......................... 27
محاولة رابعة وردّها:

وقد يقال: سلّمنا أن أهل السنة تركوا القيام بهذا الفرض، فلم يبايعوا إماماً لهم، لا في هذا العصر ولا في العصور المتقدمة التي تلت عصر الخلافة، ولكن لا يلزم من ذلك وقوعهم في
المعصية وموتهم ميتة جاهلية، وذلك إنما يلزم لو تركوه عن قدرة واختيار لا عن عجز واضطرار ( 1 ).
والجواب:
1ـ أنَّا لا نسلّم أن أهل السنة عاجزون عن بيعة إمام لهم في هذا العصر، لأن البيعة ـ كما مرَّـ هي المعاهدة على السمع والطاعة للحاكم، وهذا مقدور عليه، ويمكن لعلماء أهل السنة
أن يرشدوا العوام في جميع البلاد إلى مبايعة مَنْ يرونه الأصلح للإمامة من حُكَّام المسلمين أو من غيرهم.

وخوفهم من سخط حُكَّام بلادهم لا يسوّغ لهم ترك بيان فريضة من أهم الفرائض، وإغفال وظيفة من أعظم الوظائف، لأن أهل السنة لا يرون جواز التقية من الحاكم المسلم، ولهذا
عدّوا من فضائل مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وغيرهما أنهم جَهَروا ببيان معتقدهم مع ما كان فيه من سخط الخلفاء والوقوع في المحنة.

هذا مع أن هناك منابر دولية يُتمكَّن بها من بيان كل عقيدة وإيضاح كل وظيفة بلا أي محذور ولا خوف ولا ضرر، وهذا أمر مقدور للكل أو للأغلب، ومع ذلك لا نرى أحداً من أهل السنة قام بهذا.

2ـ مع الإغماض عن كل ذلك وتسليم أن أهل السنة عاجزون عن مبايعة إمام لهم، فهذا يرفع الإثم والعقاب عنهم، لأن الله جلَّ شأنه لا يكلِّف الناس بما لا يطيقون.

أما أن ميتتهم لا تكون بسبب هذا الاضطرار جاهلية فهذا لا نسلّم به، فإن أهل الفَتْرة الذين عاشوا في الجاهلية وهم لا يعلمون بدين سماوي، وكانوا مستضعفين في الأرض، ولا يفقهون
من أمرهم إلا ما يتعلق بمعاشهم قد يقال: إنهم لا يُعذَّبون، عملاً بقوله جلَّ شأنه ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً )، إلا أنهم ضُلَّال من

( 1 ) هذا الجواب لسعد الدين التفتازاني (712- 793هـ) في كتابه شرح المقاصد 5/239.


28 .................................................. ......................... من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟
غير شك، لأن كل من لم يتّبع الحق ـ وإن كان معذوراً ـ فهو ضال.

وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن حديث مسلم نصَّ على أن كل من لم تكن في عنقه بيعة لإمام فميتته جاهلية، وبإطلاقه يشمل من كان معذوراً لجهل أو اضطرار أو عجز أو غير ذلك.
!!!!!
وعلى ضوء ما تقدّم نقول : إن أهل السنة في جميع البلاد الإسلامية إما أن يكون فيهم من هو أهل للخلافة، ومتَّصف بالصفات التي اشترطوا توفّرها في خليفة المسلمين، فحينئذ يجب عليهم جميعاً أن يبايعوه خليفة لهم.

وإما ألا يكون فيهم مَن هو متَّصف بالصفات المزبورة، فالواجب عليهم حينئذ ـ بحسب دلالة أحاديثهم وأقوال علمائهم ـ بيعة رجل جامع لبعض الصفات ليكون إماماً على جميع المسلمين، ولا يجوز ترك المسلمين من دون إمام بَرّ أو فاجر.

وأهل السنة في جميع البلدان لم ينصبوا خليفة عليهم، فهم بأجمعهم أو أكثرهم مخالفون لفتاوى علمائهم، ومعرضون عن الأحاديث الصحيحة، وغير عاملين بمضمونها، وبذلك تكون ميتتهم جاهلية بنصِّ حديث مسلم وغيره.
خليفة المسلمين في هذا العصر
هو الإمام المهدي عليه السلام

بعد أن اتضح أن أهل السنة لم يقوموا بوظيفتهم الواجبة من نصب إمام لهم في هذا العصر، وأنهم يموتون وليست في أعناقهم بيعة لإمام المسلمين، نقول:

إن الشيعة الإمامية ذهبوا إلى أن إمام هذا العصر هو المهدي المنتظر الإمام محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام.

وحيث إن هذه المسألة قد كثر فيها التشنيع والجدل، فإنها تحتاج إلى الإيضاح من عدة جهات:

الجهة الأولى : في التعريف به عليه السلام :
هو الإمام محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الصادق بن محمد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وُلد عليه السلام في النصف من شعبان سنة 255هـ بسُرَّ مَنْ رأى، وتولَّى الإمامة بعد وفاة أبيه في الثامن من شهر ربيع الأول سنة 260هـ وعمره حوالي خمس سنين، وقد بقي
متوارياً عن الأنظار في غيبة صغرى استمرت إلى سنة 329هـ لا يراه فيها إلا خواص شيعته، وكان عنده أربعة سفراء هم الواسطة بينه وبين شيعته، ثم غاب بعد موت سفيره
الرابع غيبة كبرى، وبقي متوارياً عن الأنظار حيًّا يُرزق إلى هذا اليوم، وهو باقٍ إلى أن يأذن الله له في الخروج، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.

خليفة المسلمين في هذا العصر هو الإمام المهدي .................................................. ............. 31
الجهة الثانية : في ثبوت ولادته عليه السلام :
لقد أنكر بعض أهل السنة ولادته، وزعموا أن أباه (الإمامَ الحسن العسكري عليه السلام) مات ولم يخلف ولداً.
قال ابن حجر الهيتمي : والكثير على أن العسكري لم يكن له ولد، لطلب أخيه جعفر ميراثه من تركته لما مات، فدلَّ طلبه أن أخاه لا ولد له، وإلا لم يسعه الطلب ( 1 ).

وقال شمس الدين الذهبي: ذكر ابن جرير وابن قانع وغيرهما أن الحسن بن علي العسكري لم يعقب ( 2 ).

ولكن مع قيام الدليل الصحيح على ولادته ( ع ) لا نرى قيمة لإنكار ولادته ووجوده.
والأدلة الدالة على ثبوت ولادته ( ع ) إما عقلية أو نقلية.

أما الأدلة العقلية فمنها:
1- أنا إذا لم نقل بولادة الإمام المهدي ( ع ) وبقائه، فإنه يلزم خلو هذا العصر من إمام من العترة النبوية الطاهرة، ولا يكون أي مصداق في هذا العصر لحديث الثقلين، وهو قوله النبي
( ص ): ( إني تاركٌ فيكم الثَّقَلين: كتاب الله وعِتْرتي أهل بيتي، ما إن تمسَّكتم بهما فلن تضلُّوا بعدي أبداً، وإنهما لن يفترقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) ( 3 ).

وذلك لأن الإمام المهدي ( ع ) إذا لم يكن موجوداً فلا إمام آخر من العترة النبوية الطاهرة يصلح للتمسك به، ولا يكون لهذا الحديث أي معنى في عصرنا، فيكون باطلاً، وهذا لا يصح أن

( 1 ) الصواعق المحرقة، ص 482.
( 2 ) المنتقى من منهاج الاعتدال، ص 172.
( 3 ) سنن الترمذي 5/622، 663، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. المستدرك على الصحيحين 3/109-110، 148، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. البداية والنهاية 5/184،
وقال ابن كثير: قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: هذا حديث صحيح. مجمع الزوائد 9/162 قال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده جيد. 2/170 وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. الجامع الصغير 1/402 ورمز له السيوطي بالصحة.
المطالب العالية 4/65 وقال ابن حجر: هذا إسناد صحيح. مختصر إتحاف السادة المهرة 9/194، وقال البوصيري: رواه إسحاق بسند صحيح. 8/461، وقال: رواه أبو بكر بن أبي شيبة وعبد بن حميد، ورواته ثقات. وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/356 ، وصحيح الجامع الصغير 1/482.


32 .................................................. ....................... من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟
يقال، فإن الحديث قد دلَّ بوضوح على وجود متأهِّل من أهل البيت صالح للإمامة في كل عصر إلى أن تقوم الساعة، وإلا لحصل الافتراق بين الكتاب والعترة المنفي في الحديث ( 1 ).

2- أنَّا إذا لم نقل بولادة الإمام المهدي ( ع ) ووجوده وأنه إمام العصر فلا بد من القول بأن كل المسلمين في عصرنا وفي العصور السابقة لعصرنا ميتتهم ميتة جاهلية، لقوله ( ص ) : ( مَنْ
مات وليس في عنقه بيعة فميتته ميتة جاهلية )، لأن كل المسلمين حينئذ لا إمام لهم، وهذا باطل بالإجماع.

3- أنَّا إذا لم نقل بولادة الإمام المهدي ( ع ) وقلنا: ( إن الإمام المهدي سيولد بعد ذلك ) كما هو معتقد أهل السنة، فإنه تلزم محاذير كثيرة وإشكالات لا يمكن التفصِّي منها، سيأتي بيانها في آخر الكتاب.

4- أنَّ جمعاً كبيراً من علماء أهل السنة قد أقرَّوا بولادته، سنذكرهم قريباً إن شاء الله تعالى.
ومن المجازفة العظيمة إنكار ولادة رجل قال بولادته المؤالفون، واعترف بولادته جمع من العلماء المخالفين الذين لا يُتَّهمون بممالأة خصومهم ولا بمجاملة مخالفيهم!!

وأما الأدلة النقلية فمنها:
1ـ ما رواه الكليني قدس سره في كتاب الكافي بسند صحيح عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد ( ع ) : جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: سَلْ. قلت: يا سيدي هل لك ولد؟ فقال: نعم. فقلت: فإن

( 1 ) قال ابن حجر في الصواعق المحرقة، ص 151: والحاصل أن الحث وقع على التمسك بالكتاب والسنّة وبالعلماء بهما من أهل البيت، ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة.
وقال: وفي أحاديث الحث على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهِّل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك.
وقال المناوي في فيض القدير 3/14: قال الشريف: هذا الخبر يُفهم وجود من يكون أهلاً للتمسّك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحثّ المذكور إلى التمسك بهم، كما أن الكتاب كذلك، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض.


خليفة المسلمين في هذا العصر هو الإمام المهدي .................................................. ............. 33
حدَثَ بك حدثٌ فأين أسأل عنه؟ فقال: بالمدينة ( 1 ).

وثبوت الولادات في عموم الأشخاص يُرجَع فيه إلى والد الشخص نفسه، فإذا ثبت عنه برواية واحدة صحيحة أنه قد اعترف بأنه قد وُلد له ولد، فحينئذ لا بدَّ من تصديقه والإقرار له به، وقد أقرَّ الإمام العسكري ( ع ) بأنه قد وُلد له الخلَف من بعده.

وسنذكر فيما بعد بعض الروايات الأخرى الدالة على ذلك، فانتظر.

2- أن جملة كبيرة من العلماء والصلحاء والمؤمنين رأوا الإمام المهدي ( ع ) في وقائع كثيرة وحوادث عديدة، حتى جمع الميرزا النوري الطبرسي قدس سره في كتابه (جنة المأوى في ذكر
من فاز بلقاء الحجة) حكايات كثيرة مسندة عمَّن رأوا الإمام المهدي ( ع ). وهذا الكتاب مطبوع في ذيل المجلد الثالث والخمسين من كتاب بحار الأنوار.

وقد اعترف برؤيته بعض علماء أهل السنة، منهم الشيخ حسن العراقي، كما صرَّح بذلك عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر)، حيث قال: إلى أن يصير الدين غريباً كما
بدأ... فهناك يُترقَّب خروج المهدي ( ع )، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري ( ع )، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين هجرية، وهو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى
بن مريم ( ع )، فيكون عمره إلى وقتنا هذا، وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، سبعمائة سنة وست سنين. هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة
الرطل بمصر المحروسة عن الإمام المهدي حين اجتمع به، ووافقه على ذلك سيدي علي الخواص ( 2 ).

الجهة الثالثة : في الدليل على إمامته :

الدليل الأول : أن إمام المسلمين يجب أن يكون معصوماً.
ويدل على ذلك أمور :
( 1 ) الكافي 1/328.
( 2 ) اليواقيت والجواهر 2/562، ونقل عنه كلامه الشيخ محمد علي الصبان في (إسعاف الراغبين)، ص 154ط البابي الحلبي بمصر، وذكر النبهاني في كتابه جامع كرامات الأولياء 1/400 قصة لقاء الشيخ حسن العراقي بالإمام المهدي ( ع ) ، فراجعها.


34 .................................................. ....................... من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟
1ـ أن غير المعصوم لا يوثق بصحة قوله، ويُشَك في نفاذ أمره وحكمه، لاحتمال خطئه ونسيانه وغفلته وجهله وكذبه، فلا يتوجَّه الأمر بطاعته مطلقاً في قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ( 1 )، فإن الله سبحانه ساوى بين طاعته جلَّ وعلا وطاعة أولي الأمر ـ وهم الأئمة ـ، وذلك لانتفاء الخطأ في الكل.

2ـ أن غير المعصوم ظالم لنفسه، لوقوع المعاصي منه، فكل من ارتكب معصية فقد ظلم نفسه على أقل تقدير، فلا يصلح حينئذ للإمامة، لقوله تعالى ( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن
ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ( 2 ). فذِكْر الظالمين بصيغة العموم يشمل مَن ظلم نفسه ومَن ظلم غيره، ومراده بالعهد في الآية هو الإمامة بدليل الكلام المتقدم فيها.

3ـ أن الإمامة العظمى التي يتوقف عليها بقاء الدين واستقامة أمور المسلمين لا يصح أن تُوكَل إلى إمام يخطئ ويصيب، لأن ذلك يترتب عليه انمحاق الدين وتبدّل الأحكام مع توالي
الأئمة وتطاول الأزمنة، ولهذا عصم الله سبحانه أنبياءه ورسله من كل خطأ، لأنهم القائمون بتبليغ الشرائع والأحكام، حياطة للدين وحفظاً لأحكام شريعة سيد المرسلين.

إذا اتّضح ذلك كله نقول : إن إمامة العصر متعيّنة في الإمام المهدي ( ع ) ، وذلك لأن المهدي ( ع ) معصوم بنصّ النبي ( ص )، إذ قال: ( يملؤها قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً) ( 3 )، وذلك لا يتم إلا بعصمته وتمام معرفته بأحكام الدين.

قال البرزنجي : وأما عصمة المهدي ففي حُكْمه ( 4 ).
ثم قال: لا يحكم المهدي إلا بما يلقي إليه الملَك من عند الله الذي بعثه إليه يسدِّده، وذلك هو الشرع الحنيفي المحمدي، الذي لو كان محمد ( ص ) حيًّا ورُفعت إليه تلك النازلة لم يحكم فيها إلا بحكم هذا
( 1 ) سورة النساء، الآية 59.
( 2 ) سورة البقرة، الآية 124.
( 3 ) أخرجه أبو داود في سننه 4/106، 107 85. وصحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/807، 808.
مسند أحمد بن حنبل 3/27، 28، 36، 70. الأحاديث المختارة 2/172. مشكاة المصابيح 3/1501.
الجامع الصغير 2/438 ورمز له بالصحة. صحيح الجامع الصغير 2/938. المصنف لابن أبي شيبة 7/513.
( 4 ) الإشاعة لأشراط الساعة، ص 108.


خليفة المسلمين في هذا العصر هو الإمام المهدي .................................................. ............. 35
الإمام... ولذا قال ( ص ) في صفته: (يقفو أثَري لا يخطئ)، فعرفنا أنه مُتَّبِع لا مُشرِّع وأنه معصوم، ولا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه معصوم من الخطأ، فإنَّ حكم الرسول لا يُنسب إلى الخطأ، فإنه لا ينطق عن الهوى، إنْ هو إلا وحي يوحى? ( 1 ).

وعليه، فإن قلنا بعصمة الإمام المهدي ( ع ) ووجوده في هذا العصر تعيَّنت إمامته، لأن الأمة أجمعت على أن غير المهدي في هذا الزمان ليس بمعصوم، والمعصوم مقدَّم على غيره، وإلا خلا الزمان ممن يصلح للإمامة، وهذا باطل بالاتفاق.

الدليل الثاني: أن إمام المسلمين يجب أن يكون منصوصاً عليه:
ويدل على ذلك:
1ـ أنه قد ثبت اشتراط العصمة في الإمام، والعصمة أمر نفساني لا يعلمه الناس، فلا بد من نصّ العالم بخفايا النفوس وخبايا القلوب جلَّ وعلا.

2ـ أن ترك التنصيص على الإمام يفتح باب الخلاف ويفضي إلى النزاع، كما وقع في سقيفة بني ساعدة، واستمر منها الخلاف في الخلافة إلى يومنا هذا، مع أن الله أمر بالأُلفة ونبذ
الفُرقة، فقال ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا ) ( 2 ) وقال: ( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) ( 3 )، فلا يصح حينئذ أن يفتح الله للمسلمين باباً واسعاً للفُرقة والنزاع، فيوكل اختيار الخليفة إليهم يتنازعون فيه.

3ـ أن غير النص ـ وهو الشورى ـ في أكثر الأحوال لا يفضي إلى تنصيب الأفضل، لأن اختيار الخليفة كثيراً ما يكون بداعي المصالح الشخصية والمنافع الفردية، أو بباعث الميول النفسية واتباع العصبية.

والناس قد ينصرفون عن أفضل رجل في الأمة إذا كان حازماً في الحق، أو قليل المال والأعوان والعشيرة.

هذا إذا عرف الناس مَنْ هو الأفضل، وربما لا يميِّزونه
( 1 ) المصدر السابق، ص 110. ( 2 ) سورة آل عمران، الآية 103. ( 3 ) سورة الأنفال، الآية 46.


36 .................................................. ....................... من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟
ولا يشخِّصونه، ولا سيما إذا كان بعيداً عن دائرة الضوء وأماكن الأحداث.
وعليه فلا يصح أن يوكل الله سبحانه أمر الإمامة العظمى إلى الناس الذين وصف أكثرهم
في كتابه العزيز بأوصاف سيّئة، ونعتهم بنعوت قبيحة، فقال ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ ) ( 1 )، ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) ( 2 )، ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ( 3 )، ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) ( 4 ).

فلا مناص حينئذ من النص على الإمام، لأنه سبحانه هو العالم بمصالح خلقه وبأولاهم بالإمامة وأجدرهم بالخلافة.

4ـ أن الإمامة خلافة لله ورسوله، والإمام خليفة لهما، ولا تكون الخلافة عنهما إلا بقولهما، وأما من استخلفه الناس فهو خليفة لهم.

5ـ أن آيات القرآن العزيز قد أوضحت بأجلى? بيان أنَّ جَعْل النبي والإمام والوزير والخليفة موكول إلى الله، ولم نرَ في كتاب الله العزيز آية أشارت إلى أن شيئاً من ذلك موكول إلى الناس.

أما جعل الأنبياء فدلَّ عليه قوله جلَّ وعلا
( اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء ) ( 5 )،
( وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاّ جَعَلْنَا نَبِيًّا ) ( 6 )،
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ) ( 7 )،
( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) ( 8 )،
( إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ ) ( 9 ).
وأما جَعْل الخليفة والإمام والوزير فيدل عليه قوله تعالى
( يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ ) ( 10 )،
( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) ( 11 ).
وقوله سبحانه ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً
( 1 ) سورة الأنعام، الآية 116.
( 2 ) سورة يوسف، الآية 103.
( 3 ) سورة الأعراف، الآية 187.
( 4 ) سورة المؤمنون، الآية 70. ( 5 ) سورة المائدة، الآية 20.
( 6 ) سورة مريم، الآية 49.
( 7 ) سورة الحديد، الآية 26.
( 8 ) سورة الأنعام، الآية 124. ( 9 ) سورة القصص، الآية 7.
( 10 ) سورة ص، الآية 26.
( 11 ) سورة البقرة، الآية 30.


خليفة المسلمين في هذا العصر هو الإمام المهدي .................................................. ............. 37
يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) ( 1 )،
( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ( 2 )،
( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) ( 3 )،
( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لمَّا صَبَرُوا ) ( 4 )،
وقوله جل من قائل ( وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ) ( 5 ).

فإذا اتّضح ذلك نقول: إن الإمام المهدي ( ع ) إن كان هو ذلك الإمام المنصوص عليه في هذا الزمان، ثبت المطلوب، وأما إذا لم نقل بوجوده فضلاً عن النص عليه فقد خلا الزمان ممن
يصلح للإمامة، لأن غير الإمام المهدي ( ع ) قد أجمعت الأمة على أنه غير منصوص عليه، وخلو الزمان من متأهِّل للإمامة باطل بإجماع المسلمين.

الدليل الثالث: حديث الثقلين، وهو قول النبي ( ص ) : إني تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا بعدي: الثَّقَلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعِتْرَتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض ( 6 ).

وهو يدل على لزوم التمسك بإمام صالح للإمامة من أهل بيت النبي ( ص )، لا يفترق عن كتاب الله في قوله وفعله، ويفهم معاني الكتاب الظاهرة والباطنة، ويعرف الناسخ والمنسوخ،
والمحكم والمتشابه، والخاص والعام، والمطلق والمقيد، والمجمَل والمبيَّن، وهو مع كل ذلك يعمل بما فيه في جميع شؤونه وسائر أحواله، لا يحيد عنه ولا يميل إلى سواه.

فإن قلنا بوجود الإمام المهدي ( ع ) في هذا العصر فهو المتعين للإمامة، وإلا فلا يوجد من يصلح للتمسّك به من أهل البيت النبوي وغيرهم في هذا الزمان، لأن الأمة قد أجمعت على
أن غيره يفترق عن القرآن قولاً وعملاً، لعدم عصمته، وهذا خلاف نص حديث الثقلين الدال على وجود متأهِّل للإمامة من العترة النبوية إلى قيام الساعة.

( 1 ) سورة الأنبياء، الآية 73.
( 2 ) سورة البقرة، الآية 124. ( 3 ) سورة الفرقان، الآية 74.
( 4 ) سورة السجدة، الآية 24. ( 5 ) سورة طه، الآيتان 29ـ30.
( 6 ) سبق تخريج مصادره في صفحة 41.


38 .................................................. ....................... من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟
الدليل الرابع : أن أهل السنة قد اشترطوا شروطاً يجب توفرها في خليفة المسلمين، وهي كلها متوفرة في الإمام المهدي ( ع )، لأنه من قريش لكونه من ذرية النبي ( ص ) ، وعادل لقوله
( ص ): ( يملؤها قسطاً وعدلاً )، وهو أعلم من سائر المجتهدين، لأنه يحكم في كل واقعة بحكم رسول الله ( ص ) كما مرَّ، وغيره ليس كذلك.

فإذا سلَّم الخصم بأنه ( ع ) هو إمام العصر فقد ثبت المطلوب، وإلا فقد خلا الزمان من صالح للإمامة، لأن أهل السنة وغيرهم ليس فيهم خليفة قد توفرت فيه شروط الإمامة العظمى،
والشيعة كذلك، مع أنهم لا يرون أحداً صالحاً للإمامة غير الإمام المهدي ( ع ) ، وخلو الزمان من صالح للإمامة باطل كما تقدم.

الدليل الخامس: لو لم يكن الإمام المهدي ( ع ) هو إمام هذا العصر لكانت ميتة جميع المسلمين ميتة جاهلية، فتكون الأمَّة المرحومة قد اجتمعت على خطأ وضلال، وهذا باطل، لقوله ( ص ) : لا تجتمع أمتي على ضلالة أو خطأ ( 1 ).

شبهة وجوابها:
قد يقال: إن الإمام المهدي ليس بمولود ولا موجود، وإنما سيولد في آخر الزمان، وليس هو محمد بن الحسن العسكري كما تزعم الشيعة.
والجواب:
1ـ أنَّا قد أثبتنا فيما مرَّ ولادته ووجوده، فيكون هو المتعيِّن للإمامة، وإلا لزم كل ما مرَّ من المحاذير التي لا يمكن التسليم بها.

2ـ أن جمعاً من علماء أهل السنة قد اعترفوا بأن المهدي الموعود هو محمد بن الحسن العسكري ( ع )، وأنه باقٍ إلى الآن. ومع أن هذا المعتقد مخالف لما عليه أكثر علماء أهل السنة إلا أن هؤلاء رأوه مذهباً حقًّا يعتنقونه ويذبّون عنه، فذكروه في مصنفاتهم

( 1 ) أخرجه الترمذي في سننه 4/4660 بلفظ: إن الله لا يجمع أمتي... على ضلالة. وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/378، وأخرجه ابن ماجة في السنن 2/1303، وابن أبي عاصم في كتاب السنة بألفاظ مختلفة تؤدي هذا المعنى
حسَّن الألباني بعضها واستجود بعضها الآخر. وصحَّح الألباني الحديث بلفظ: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) في تخريج مشكاة المصابيح 1/61، وضعيف سنن ابن ماجة، ص 318، وكتاب السنة 1/41 ، وعدّه الكتاني في كتابه (نظم المتناثر)، ص 172 من الأحاديث المتواترة.


خليفة المسلمين في هذا العصر هو الإمام المهدي .................................................. ............. 39
التي صحَّت نسبتها إليهم.
ومن هؤلاء المذكورين:
1ـ محمد بن طلحة الشافعي ( 1 ) (582-652هـ): ذكر الإمام محمد بن الحسن العسكري ( ع ) في كتابه (مطالب السَّؤول) في الباب الثاني عشر منه، ووصفه بأنه المهدي الحجَّة الخلف الصالح المنتظر.

ثم قال: فأما مولده فبسر من رأى، في ثالث وعشرين سنة 258هـ... وأخرج بعض الأحاديث الواردة فيه، وذكر بعض الشبهات وأجاب عليها.

2ـ محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي ( 2 ) (ت 658هـ): ذكر ذلك في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان) في الباب الأخير منه، في الدلالة على جواز بقاء المهدي ( ع ) منذ غيبته.

3ـ علي بن محمد المشهور بابن الصباغ المالكي ( 3 ) (784-855هـ): ذكر ذلك في كتابه (الفصول المهمة)، في الفصل الثاني عشر منه، وقال: خلَّف أبو محمد الحسن من الولد ابنه
الحجة القائم المنتظر لدولة الحق، وكان قد أخفى مولده وستر أمره، لصعوبة الوقت، وخوف السلطان، وتطلبه للشيعة ( 4 ).

4ـ سبط ابن الجوزي ( 5 ) (581-654هـ): فإنه قال في تذكرة الخواص في الفصل المعقود للإمام المهدي ( ع ) : هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع ) ، وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان القائم والمنتظر والتالي، وهو آخر الأئمة، أنبأنا
عبد العزيز بن محمود البزاز، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ( ص ) : يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت

( 1 ) راجع ترجمته في كتاب العبر في خبر من غبر للذهبي 3/296، وطبقات الشافعية للسبكي 8/63،
وشذرات الذهب 5/259، والبداية والنهاية 13/198.
( 2 ) راجع ترجمته في كتاب الوافي بالوفيات 5/254، ومعجم المؤلفين 12/134، والأعلام 7/150.
( 3 ) راجع ترجمته في الأعلام للزركلي 5/8، ومعجم المؤلفين 7/178.
( 4 ) الفصول المهمة، ص 286، 287.
( 5 ) تُرجم له في شذرات الذهب 5/266، والأعلام 8/246، وميزان الاعتدال 4/471،
ووفيات الأعيان 3/142، والبداية والنهاية 13/206.


40 .................................................. ....................... من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟
جوراً، فذلك هو المهدي، وهو حديث مشهور... إلى آخر كلامه ( 1 ).

5ـ عبد الوهاب الشعراني ( 2 ) (898-973هـ): ذكر ذلك في الباب الخامس والستين من الجزء الثاني من كتابه (اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر)، وقد مرَّ ذِكْر عبارته بنصّها في صفحة 44.

6ـ محي الدين ابن عربي ( 3 ) (560-638هـ): قال في كتابه (الفتوحات المكية) في الباب السادس والستين وثلاثمائة: واعلموا أنه لا بد من خروج المهدي ( ع )... وهو من عترة رسول
الله ( ص )، من ولد فاطمة ( ع )، جدّه الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع )، ووالده الحسن العسكري بن الإمام علي النقي بن الإمام محمد التقي بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم... إلى آخر كلامه ( 4 ).

7 ـ الحافظ خواجا بارسا ( 5 ) : قال في كتابه (فصل الخطاب): ومن أئمة أهل البيت الطيبين أبو محمد الحسن العسكري، ولد سنة إحدى وثلاثين ومائتين يوم الجمعة السادس من ربيع
الأول، ودفن بجنب أبيه... ولم يخلف ولداً غير أبي القاسم محمد المنتظر المسمَّى بالقائم والحجة والمهدي وصاحب الزمان وخاتم الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وكان مولد المنتظر
ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، أمُّه أُم ولد يقال لها نرجس، توفي أبوه وهو ابن خمس سنين، فاختفى إلى الآن، وأبو محمد : الحسن العسكري، ولده محمد المنتظر المهدي معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله ( 6 ).

8ـ صلاح الدين الصفدي ( 7 ) (696-764هـ): قال القندوزي

( 1 ) تذكرة الخواص، ص 325.
( 2 ) ترجم له في شذرات الذهب 8/372، والأعلام 4/180، ومعجم المؤلفين 6/218، وجامع كرامات الأولياء 2/134.
( 3 ) ترجم له في ميزان الاعتدال 3/659، والوافي بالوفيات 4/173، وفوات الوفيات 3/435، ولسان الميزان 5/311، وشذرات الذهب 5/190، وجامع كرامات الأولياء 1/118، ودائرة المعارف الإسلامية 1/231، وسير أعلام النبلاء 23/48، والأعلام 6/281.
( 4 ) عن إسعاف الراغبين ، ص 154.
( 5 ) له ترجمة في معجم المؤلفين 11/300 ، وكشف الظنون 2/1260، وهدية العارفين 2/183.
( 6 ) عن ينابيع المودة ، ص451.
( 7 ) له ترجمة في طبقات الشافعية الكبرى 10/5، وشذرات الذهب 6/200، والعبر =>


خليفة المسلمين في هذا العصر هو الإمام المهدي .................................................. ............. 41

في ينابيعه: وقال الشيخ الكبير الكامل [العالم] بأسرار الحروف صلاح الدين الصفدي في شرح الدائرة: إن المهدي الموعود هو الإمام الثاني عشر من الأئمة، أولهم سيدنا علي ، وآخرهم المهدي، رضي الله عنهم ونفعنا الله بهم ( 1 ).

9ـ محمد بن علي بن طولون ( 2 ) (880-953هـ): نصَّ على ذلك في كتابه (الأئمة الاثنا عشر) في أبيات ساقها فيه من نظمه، وهي:
عليكَ بالأئمةِ الاثني عشَرْ مِنْ آل بيتِ المصطفى خيرِ البشَرْ
أبو ترابٍ، حسَنٌ، حُسينُ وبُغْضُ زَينِ العابدينَ شَيْنُ

محمدُ الباقِرُ كم عِلْمٍ دَرَى والصادقَ ادْعُ جعفراً بينَ الورى
موسى هو الكاظمُ وابنُه علي لقِّبْه بالرِّضا وقَدْرُه عَلي

محمدُ التقيُّ قلبُه معمورُ عليٌّ النقيُّ دُرُّه منثورُ
والعسكريُّ الحسنُ المطهَّرُ محمدُ المهديُّ سوف يظهرُ ( 3 )

10ـ سليمان القندوزي الحنفي ( 4 ): فإنه اجتهد في كتابه (ينابيع المودة) في إثبات أن المهدي الموعود هو محمد بن الحسن العسكري ، وعقد لذلك أبواباً، منها: باب في ذكر ولادة المهدي،
وباب في خوارقه وكراماته التي ظهرت للناس، وباب في أن الإمام العسكري أرى ولده المهدي لخواص شيعته، وأعلمهم أنه هو الإمام من بعده، وباب في بيان من رأى المهدي بعد غيبته
الكبرى، وباب في إيراد أقوال علماء الحروف والمحدثين في أن المهدي الموعود

=> في خبر من غبر 4/203، والبداية والنهاية 14/318، والأعلام 2/315، ومعجم المؤلفين 4/114،
وذكر أن له ترجمة في الدرر الكامنة لابن حجر 2/87، 88 والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي 11/19-21
والبدر الطالع للشوكاني 1/243، 244.
( 1 ) عن ينابيع المودة، ص 471.
( 2 ) له ترجمة في شذرات الذهب 8/298، والكواكب السائرة 2/52، والأعلام 6/291، ومعجم المؤلفين 11/51.
( 3 ) الأئمة الاثنا عشر، ص 118.
( 4 ) له ترجمة في كتاب الأعلام للزركلي 3/125، ومعجم المؤلفين 4/252، وهدية العارفين 1/408،
وإيضاح المكنون 2/731.


42 .................................................. ....................... من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟
هو ابن الإمام الحسن العسكري ( ع ) ( 1 ).

وقد ذكر الميرزا حسين النوري قدَّس الله نفسه في كتابه (كشف الأستار) أسماء أربعين من علماء أهل السنة الذين عثر على بعض كتبهم التي يعترفون فيها بأن الإمام محمد بن الحسن
العسكري ( ع ) هو المهدي المنتظر، مع اعترافه بقلة المصادر التي لديه وكثرة كتب علماء أهل السنة وتفرقها في البلدان، ولعل من وقف على أكثرها يجد أضعاف هذا العدد ( 2 ).


3ـ أن بعض علماء أهل السنة اعترف برؤية الإمام المهدي ولقائه، منهم الشيخ حسن العراقي كما مرَّ نقله في صفحة 44 عن عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت والجواهر).

والنتيجة : أن الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري ( ع ) هو إمام هذا العصر بحسب دلالة الأدلة الصحيحة التي سقناها إليك مفصلة، وأما غيره ( ع ) فلم يدل على إمامته أي دليل
( 1 ) ينابيع المودة، من ص 249 إلى ص 471، باب 79 وما بعده.
( 2 ) كشف الأستار، ص 89.


دلالة الروايات الصحيحة على ولادة
الإمام المهدي عليه السلام

ادَّعى شخص أسمى نفسه ( أحمد الكاتب ) في بعض القنوات الفضائية أنه لم يجد دليلاً تاريخياً واحداً يدل على ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عجل الله فرجة، ومراده بالدليل
التاريخي هو الروايات الصحيحة التي تُثبت الولادة وإن كانت مروية في كتب الشيعة المعتبرة، متغافلاً عن سائر الأدلة العقلية وغيرها، التي تحتم ولادته ووجوده ( ع )، وزعم أنه تحدَّى علماء الشيعة في ذلك، ولم يحصل منهم على جواب.

ومع أنه مُدَّعٍ كاذب، فهو عامي صِرْف لا معرفة له بتمحيص الروايات والأدلة النقلية، ونحن سنثبت فساد زعمه لئلا ينخدع بكلامه بعض العوام الذين قد يغترون بتمويهاته، فنقول:

أولاً: أنه يجب الأخذ في إثبات ولادة الإمام المهدي ( ع ) بكل دليل تام صحيح، ولا معنى للاقتصار على الدليل التاريخي فقط، لأن كل دليل صحيح يجب التسليم به، ولا أولوية للدليل
التاريخي على غيره من الأدلة، وصاحب الزمان قد ثبتت ولادته بأدلة متنوِّعة كثيرة صحيحة، وهذا كافٍ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

ثانياً: أن الأدلة الأخرى إما أدلة عقلية قطعية، أو أدلة مركبة من الدليل العقلي والدليل النقلي، وهذه الأدلة أهم من الدليل التاريخي الذي قد يناقَش فيه، لأنه مع ثبوت الدليل العقلي القطعي لا يُحتاج إلى الدليل التاريخي الظني.

ثالثاً: أن ثبوت ولادة أي شخص لا
دلالة الروايات الصحيحة على ولادة الإمام المهدي عليه السلام ................................................ 45
يُحتاج فيه إلى دليل تاريخي قطعي، وإلا لما استطعنا أن نثبت ولادة كثير من الشخصيات المعروفة في التاريخ، فإن ولاداتهم لم تثبت بدليل تاريخي قطعي متواتر.










رد مع اقتباس