منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الاعتصام بالكتاب والسنة وعدم التفرقة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-08-07, 09:25   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
المهاجرة 50
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

أن تكفر الأخرى ولا تستحل دمها ومالها, وإن كانت فيها بدعة محققة, فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضا؟ وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ, والغالب أنهم جميعا جهال بحقائق ما يختلفون فيه.




والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض لا تحل إلا بإذن الله ورسوله. قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في حجة الوداع "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا" وقال صلى الله عليه وسلم "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه". وقال صلى الله عليه وسلم "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهوالمسلم له ذمة الله ورسوله" وقال "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قيل يا رسول الله هذا القاتل, فما بال المقتول؟ قال: "إنه أراد قتل صاحبه" وقال: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" وقال "إذا قال المسلم لأخيه يا كافر! فقد باء بها أحدهما" وهذه الأحاديث كلها في الصحاح.




وإذا كان المسلم متأولا في القتال أوالتكفير لم يكفر بذلك كما قال عمر ابن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه قد شهد بدرا, وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر, فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟" وهذا في الصحيحين. وفيهما أيضا: من حديث الإفك: أن أسيد بن الحضير قال لسعد بن عبادة: إنك منافق تجادل عن المنافقين, واختصم الفريقان فأصلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهم. فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم: إنك منافق, ولم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم لا هذا ولا هذا, بل شهد للجميع بالجنة.





وكذلك ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه قتل رجلا بعد ما قال لا إله إلا الله وعظم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما أخبره وقال: "يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟" وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ. ومع هذا لم يوجب عليه قودا, ولا دية, ولا كفارة, لأنه كان متأولا ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذا.



فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل وصفين ونحوهم وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم, وبغي بعضهم على بعض إخوة مؤمنون, وأمر بالإصلاح بينهم بالعدل.
ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين, لا يعادون كمعاداة الكفار, فيقبل بعضهم شهادة بعض, ويأخذ بعضهم العلم عن بعض ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض, مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك.



وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه " أن لا يهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك, وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطاه ذلك, وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فلم يعط ذلك" وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضا وبعضهم يسبي بعضا.


وثبت في الصحيحين لما نزل قوله تعالى (قل هوالقادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم) قال "أعوذ بوجهك" (أومن تحت أرجلكم) قال "أعوذ بوجهك" (أويلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض) قال "هاتان أهون".


هذا مع أن الله أمر بالجماعة والائتلاف, ونهى عن البدعة والاختلاف, وقال: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة" وقال: " الشيطان مع الواحد وهومن الإثنين أبعد" وقال: " الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم والذئب إنما يأخذ القاصية والنائية من الغنم".



فالواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين أن يصلي معهم الجمعة والجماعة ويوالي المؤمنين ولا يعاديهم, وإن رأى بعضهم ضالا أوغاويا وأمكنأن يهديه ويرشده فعل ذلك, وإلا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها, وإذا كان قادرا على أن يولي في إمامة المسلمين الأفضل ولاه, وإن قدر أن يمنع من يظهر البدع والفجور منعه. وإن لم يقدر على ذلك فالصلاة خلف الأعلم بكتاب الله وسنة نبيه الأسبق إلى طاعة الله ورسوله أفضل, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله, فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة, فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة, فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا".



وإن كان في هجره لمظهر البدعة والفجور مصلحة راجحة هجره, كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا حتى تاب الله عليهم. وأما إذا ولي غيره بغير إذنه وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية كان تفويت هذه الجمعة والجماعة جهلا وضلالا, وكان قد رد بدعة ببدعة.
حتى أن المصلي الجمعة خلف الفاجر اختلف الناس في إعادته الصلاة وكرهها أكثرهم, حتى قال أحمد بن حنبل في رواية عبدوس: من أعادها فهومبتدع. وهذا أظهر القولين, لأن الصحابة لم يكونوا يعيدون الصلاة إذا صلوا خلف أهل الفجور والبدع, ولم يأمر الله تعالى قط أحدا إذا صلى كما أمر بحسب استطاعته أن يعيد الصلاة. ولهذا كان أصح قولي العلماء أن من صلى بحسب استطاعته أن لا يعيد حتى المتيمم لخشية البرد ومن عدم الماء والتراب إذا صلى بحسب حاله, والمحبوس وذووا الأعذار النادرة والمعتادة والمتصلة والمنقطة لا يجب على أحد منهم أن يعيد الصلاة إذا صلى الأولى بحسب استطاعته.


وقد ثبت في الصحيح أن الصحابة صلوا بغير ماء ولا تيمم لما فقدت عائشة عقدها ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة, بل أبلغ من ذلك أن من كان يترك الصلاة جهلا بوجوبها لم يأمره بالقضاء, فعمرووعمار لما أجنبا وعمرولم يصل وعمار تمرغ كما تتمرغ الدابة لم يأمرهما بالقضاء, وأبوذر لما كان يجنب ولا يصلي لم يأمره بالقضاء, والمستحاضة لما استحاضت حيضة شديدة منكرة منعتها الصلاة والصوم لم يأمرها بالقضاء.



والذين أكلوا في رمضان حتى يتبين لأحدهم الحبل الأبيض من الحبل الأسود لم يأمرهم بالقضاء, وكانوا قد غلطوا في معنى الآية فظنوا أن قوله تعالى: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسودمن الفجر) هوالحبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما هوسواد الليل وبياض النهار" ولم يأمرهم بالقضاء؛ والمسيء في صلاته لم يأمره بإعادة ما تقدم من الصلوات, والذين صلوا إلى بيت المقدس بمكة والحبشة وغيرهما بعد أن نسخت (بالأمر بالصلاة إلى الكعبة) وصاروا يصلون إلى الصخرة حتى بلغهم النسخ لم يأمرهم بإعادة ما صلوا, وإن كان هؤلاء أعذر من غيرهم لتمسكهم بشرع منسوخ.



وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت في حق العبيد قبل البلاغ؟ على ثلاثة أقوال, في مذهب أحمد وغيره. قيل يثبت وقيل لا يثبت, وقيل يثبت المبتدأ دون الناسخ. والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) وقوله (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم "ما أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين".


فالمتأول والجاهل المعذور ليس حكمه حكم المعاند والفاجر بل قد جعل الله لكل شيء قدرا.


[مجموع الفتاوى, جزء 3 , ص 278-292]









رد مع اقتباس