منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - النيابة العامة و الدعوى العمومية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-21, 11:05   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B9 اضافة

إن المتابعة في هذه الحالات لا تتم إلا بناء على شكوى شفهية أو مكتوبة من الطرف المضرور أو المجني عليه أو من وكيله الخاص إلى النيابة العامة أو إلى أحد ضباط الشرطة القضائية ، كما أن التنازل عن الشكوى في أي وقت يضع حدا لكل متابعة .
و تطبق هذه القاعدة كذلك عندما تكون الجريمة نصبا أو خيانة أمانة أو إخفاء أشياء مسروقة ( المواد 373، 377، 389)، لقد تأكد هذا في قرار الغرفة الجنائية للمحكمة العليا الصادر في يوم 20/12/1970(1) الذي جاء بمايلي :
" في حالة وجود سرقة بين الأقارب فإنه يوضع حد للمتابعة بمجرد ما تسحب الضحية شكواها، و هذا ليس عن طريق البراءة و لكن من أجل إنهاء الدعوى العمومية ، فالمجلس ملتزم بتسليم إشهاد عن هذا السحب والقول بعدم وجود المتابعة، ومع ذلك فإن الطعن المرفوع من النائب
العام لا يصبح غير مقبول و إنما لا فائدة منه " .
الفرع الثالث: الجرائم المرتكبة في الخارج من قبل جزائريين
تجدر الإشارة إلى أن المادة 583/3 ق إ ج تجيز متابعة الجزائري الذي يرتكب جريمة في الخارج إلا أن تطبيق هذه القاعدة يختلف باختلاف نوع الجريمة المرتكبة فإذا كان الجرم المرتكب جناية أو جنحة لا تتم المتابعة إلا إذا عاد الجاني إلى الجزائر و لم يثبت أنه حكم عليه نهائيا في الخارج و قضى عقوبته أو سقطت عنه بالتقادم أو حصل على عفو.
و بالإضافة إلى الشروط المذكورة إذا كان الجرم المرتكب جنحة وقعت على شخص أحد الأفراد، فإن المتابعة لا تتم إلا بناء على طلب النيابة العامة بعد شكوى الشخص المضرور أو بلاغ من سلطات البلد الذي ارتكبت فيه الجريمة.
والحكمة التي تبناها المشرع الجزائري من غل يد النيابة العامة عن تحريك الدعوى العمومية في جرائم الأشخاص و الأموال تكمن في حرصه على مصلحة الروابط العائلية وكيان الأسرة و سمعتها وتماسكها.
المبحث الثاني : الجرائم التي لا يجوز فيها تحريك الدعوى العمومية إلابناء على طلب أو إذن
المطلب الأول : الجرائم التي يستلزم فيها تقديم الطلب
قبل التطرق إلى هذا النوع من الجرائم يجب أن نلقي نظرة على هذا القيد الذي يحد من حرية النيابة العامة.
الفرع الأول: مفهوم الطلب
أولا : تعريف الطلب و الجهة التي يقدم لها الطلب
أ - تعريف الطلب وكيفية تقديمه
يقصد بالطلب تعليق تحريك الدعوى العمومية على إرادة السلطة أو الجهة التي وقعت الجريمة إضرارا بمصالحها أو التي اعتبرها القانون أنها أقدر من النيابة العامة على تقدير مدى ملائمة تحريك الدعوى و رفعها فلا يجوز تحريك الدعوى إذا سكتت هذه الجهات" فهو تعبير عن إرادة سلطة عامة في أن تتخذ الإجراءات الناشئة عن جريمة ارتكبت إخلالا بقوانين تختص هذه السلطة بالسهر عن تنفيذها(1).
ويعرف الطلب أيضا بأنه " بلاغ مكتوب تقدمه إحدى سلطات الدولة إلى النيابة العامة لكي تباشر الدعوى الجنائية في طائفة من الجرائم يقع العدوان فيها على مصلحة تخص السلطة التي قدمت الطلب أو على
مصلحة أخرى عهد القانون إلى تلك السلطة برعايتها(2).
و السؤال الذي يتبادر إلى ذهننا هو "هل يمكن أن يكون الطلب شفاهيا كأن تبلغ النيابة العامة بالهاتف مثلا ؟
إن مثل هذا الطلب لا ينتج أثره القانوني المقرر و إنما هو مجرد تبليغ عن وقوع الجريمة و لو أن النيابة العامة قد حررت إثر هذا التبليغ محضرا بذلك، لأن الطلب في هذه الحالة يظل شفهيا بالنسبة إلى من قدمه، أما الكتابة فصادرة عن شخص آخر لا صفة له إلا في تلقي الطلب(3).
زيادة على هذا يجب أن يشتمل الطلب على تاريخ صدوره وذلك للتحقق من صحة الإجراءات الجنائية المتخذة في الجريمة التي يجب أن تكون لاحقة في تاريخها على الطلب و في هذا الصدد يرى بعض الفقهاء أن تخلف بيان التاريخ لا يترتب عليه بطلان ، بل يظل هذا الأخير صحيحا رغم ذلك ، إلا أنه يجب على النيابة العامة عند المنازعة أن تقيم الدليل على أن الطلب سابق على مباشرة الإجراءات و للمحكمة السلطة التقديرية في ذلك باعتباره من مسائل الموضوع(1).
و يشترط لصحة الطلب أن يكون صادرا من نفس الشخص الذي منحه القانون سلطة تقديمه، و العبرة بصفته وقت تقديم الطلب و لا وقت ارتكاب الجريمة، باعتباره عملا إجرائيا و حتى لا يفقد قيمته القانونية
يتعين أن يعبر الطلب على إرادة مقدمه في تحريك الدعوى العمومية و لامجرد مساءلة المتهم إداريا أو تأديبيا بالإضافة إلى هذا يتعين أن يحمل الطلب توقيع المسؤول عن إصداره حتى تصح نسبة المضمون إليه من جهة و ليمكن التحقق من صفته من جهة أخرى، وإلا كل إجراء يتخذ في الدعوى قبل ذلك يكون باطلا . و إذا سمح القانون بالإنابة في تقديم الطلب فيكفي لذلك مجرد التفويض العام في الاختصاص، أما إذا لم ينص على هذه الإنابة فإن المختص بتقديم الطلب لا يحق له تفويض غيره تفويضا عاما لممارسة هذا الاختصاص وإنما يستلزم لدلك صدور تفويضا خاصابصدد كل جريمة على حدى في حالة عدم استعمال صاحب الحق في تقديم الطلب اختصاصه بنفسه . و إذا صدر الطلب من جهة غير مختصة فإنه
يكون باطلا فلا يصححه الإقرار أو الاعتماد اللاحق.
فلا يسقط الحق في الطلب بوفاة ممثل الهيئة العامة، على عكس الشكوى التي هي حق شخصي، و إنما يظل قائما فيجوز أن يقوم به من يحل محله حتى تنقضي الدعوى العمومية.
فالعلة من تقديم الطلب هي نفسها من وجوب تقديم شكوى حيث أن المصلحة التي يجنيها المجتمع من تحريك الدعوى تتضاءل أمام المصلحة التي تتحقق لإحدى الجهات أو السلطات من وراء عدم تحريكها .
ب - الجهة التي يقدم لها الطلب
يقدم الطلب إلى النيابة العامة بصفتها صاحبة الولاية العامة في تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها، ويصح تقديمه كذلك إلى ضابط الشرطة القضائية قياسا على الشكوى كما يجوز تقديمه المحكمة في الحالات التي تتصدى فيها لتحريك الدعوى العمومية.
لم يحدد المشرع الجزائري أجلا معينا لتقديم الطلب يرجع ذلك إلى أن مقدم الطلب هيئة عامة تتولى تقدير الأمور تقديرا موضوعيا لا شخصيا ويضاف إلى ذلك أن الجرائم التي يستلزم فيها تقديم الطلب تحتاج إلى فحص دقيق و طويل من الجهة الإدارية للتحقق من وقوع الجريمة مثلما هو الأمر في الجرائم الاقتصادية و الأجل الوحيد الذي يقيد الطلب هو الخاص بتقادم الدعوى العمومية .
ثانيا : الآثار المترتبة على تقديم الطلب
يسري على الطلب من حيث آثاره ما يسري على الشكوى، إذ تكون النيابة العامة مقيدة ، فلا يجوز لها اتخاذ أي إجراء من إجراءات المتابعة الجنائية ضد المتهم قبل التقدم بالطلب إذا كانت الجريمة غير متلبس بها ، فيمتنع عليها استجواب المتهم أو القبض عليه مثلا .
في حالة مخالفة هذا يكون الإجراء باطلا بطلانا مطلقا لأنه يتعلق بالنظام العام فيجوز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى و للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها .
بالإضافة إلى هذا بعد تقديم الطلب تسترد النيابة العامة حريتها في تحريك الدعوى العمومية و يجوز لها اتخاذ جميع إجراءات المتابعة الجنائية .
و يبدو من استقراء التشريع الأجنبي أن اشتراط تقديم الطلب من الجهة الإدارية لإمكان تحريك الدعوى العمومية إنما يكون في الجرائم الاقتصادية على الوجه الغالب، و إن كانت هذه التشريعات كالتشريع
الهولندي و التشريع الفرنسي لا تتفق على إجازة تنازل الإدارة عن الطلب بعد تقديمه، أو عن الدعوى أو التصالح عليها، فيجيز بعضها لجهة الإدارة التنازل عن الطلب أو عن الدعوى أو التصالح عليها ، في حين يمنع البعض الآخر عن جهة الإدارة كمبدأ هذا الحق فيما عدا إجازته الصلح في بعض جنح التهريب و الغش الجمركي مثل التشريع الجزائري و التشريع السويدي .
الفرع الثاني: الجرائم التي تتوقف على تقديم طلب من الهيئة العامة
لقد أورد المشرع الجزائري تعليق تحريك الدعوى على طلب يقدم من جهات معينة و ذلك في الجرائم التي تقع ضد هيئة عامة و التي حددها المشرع على سبيل المثال، فبعضها يندرج في نطاق الجرائم التي تمثل اعتداء على مصالح عسكرية، و البعض الآخر يندرج في نطاق الجرائم التي تمثل اعتداء على مصالح مالية و إدارية كإدارة الضرائب غير المباشرة و إدارة الجمارك و إدارة التجارة و الأسعار...الخ
أولا : الجرائم التي تمس مصالح عسكرية
تقضي أحكام المواد من 161 إلى 164 بأن الجنايات التي يرتكبها متعهدي التوريدات و المقاولات للجيش الشعبي الوطني و وآلاؤهم و مندوبهم وموظفو الدولة الذين حرضوهم أو مساعدوهم بشأن التخلف عن القيام بتعهداتهم دون وقوع قوة قاهرة (مادة 161 ع)، و الجنح التي ترتكب من المذكورين في حالة تأخيرهم عن القيام بتلك الخدمات (مادة 162ع)، و الجنايات التي تقع منهم بشأن الغش في نوع أو صفة أو كمية تلك الأعمال(ما 163 ع) ، خاصة ما نصت عليه المادة 164 من نفس القانون بقولها : " و في جميع الأحوال المنصوص عليها في هذا القسم لا يجوز تحريك الدعوى العمومية إلا بناء على شكوى من وزير الدفاع الوطني "، نلاحظ أن المشرع استعمل عبارة الشكوى بدل من الطلب و هذا خطأ كما سبق تبيانه ، حيث أن الشكوى تقدم من طرف المجني عليه المضرور من الجريمة التي وقعت في حقه أي أنها تمس مصلحة شخصية على عكس الطلب الذي يقدم من هيئة عامة إثر مساس بمصلحة عامة في مرفق من أهم مرافقها.
ما يِؤكد لنا أن المشرع يقصد بالشكوى الطلب حين نص في المادة 327/26 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري(1) والتي ألغيت:" بالنسبة للدعاوى المطروحة أمام القضاء العسكري فإن النائب العام لا يأمر بالتخلي عن الدعوى إلا بطلب مكتوب صادر عن وزير الدفاع الوطني ."
و خلاصة القول و كما قال الدكتور محمد لعساكر(2) و تكمن الحكمة في تقييد حق النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في جرائم متعهدي التوريد للجيش الوطني الشعبي المنصوص عليها في المواد 161،163ع إلى كونها جرائم تمس بالمصلحة في الدفاع الوطني ، وهي مصلحة من مجموع المصالح الوطنية و الحيوية للدولة الجزائرية ، وهو ما يدعو المشرع الجزائري إلى معاملتها معاملة خاصة ومتميزة ، فوضع بشأنها ذلك القيد ، وترك أمر تقدير مدى مصلحة الدفاع الوطني في تحريك الدعوى العمومية أو عدمها لوزير الدفاع الوطني، الذي يعتبر المؤهل بتقدير ما إذا كان من الأفضل لهيئة الدفاع الاتفاق مع متعهدي التوريد لتدارك تقصيرهم و تنفيذ التزاماتهم تجاهها تحت تأثير التهديد بتقديم الطلب بتحريك الدعوى العمومية ضدهم " .
ثانيا: الجرائم الجمركية
تختص النيابة العامة وحدها بمباشرة الدعوى العمومية ضد مرتكب الجنحة الجمركية في حين أن الدعوى الجبائية أو المالية التي قد تتولد عنها تمارسها إدارة الجمارك .
و يتأكد لنا هذا من خلال ما جاء في المادة 259 من قانون الجمارك (1) التي تنص على أن: "لقمع الجرائم الجمركية
- تمارس النيابة العامة الدعوى العمومية لتطبيق العقوبات.
- تمارس إدارة الجمارك الدعوى الجبائية لتطبيق الجزاءات الجبائية ويجوز للنيابة العامة أن تمارس الدعوى الجبائية بالتبعية للدعوى العمومية تكون إدارة الجمارك طرفا تلقائيا في جميع الدعاوى التي تحركها النيابة العامة و لصالحها. "
و يفهم من نص هذه المادة أنه كل ما كان الأمر يتعلق بفرض غرامات مالية أو تحصيل حقوق أو رسوم
جمركية تقوم إدارة الجمارك بتحريك الدعوى العمومية بالدرجة الأولى و مباشرتها و تكون النيابة العامة طرفا منضما وقد تأكد هذا من خلال القرار الصادر من الغرفة الثانية للمحكمة العليا يوم 19 ديسمبر 1989 " خول المشرع لإدارة الجمارك في المادة 259 من قانون الجمارك حق ممارسة الدعوى الجبائية أو المالية أمام الجهات القضائية الفاصلة في المواد الجزائية ، لذلك كان قرار المجلس القاضي بتأييد حكم ابتدائي لم يمنح تعويضات لإدارة الجمارك بصفتها طرفا مدنيا من قانون الجمارك حق ممارسة الدعوى الجبائية أو المالية أمام الجهات القضائية الفاصلة في المواد الجزائية ، لذلك كان قرار المجلس القاضي
بتأييد حكم ابتدائي لم يمنح تعويضات لإدارة الجمارك بصفتها طرفا مدنيا في الدعوى غير مرتكز على أساس قانوني و تعين نقضه(1)
و لإدارة الجمارك الحق في الطعن بالنقض إذا باشرت الدعوى الجبائية أو المالية لأنها ليست طرفا مدنيا عاديا و لو أن القانون القديم كان قبل التعديل ينعتها بهذه الصفة ، أما القانون الجديد فإنه ينص على أن الإدارة تكون طرفا تلقائيا في جميع الدعاوى التي تحركها النيابة العامة لصالحها(ما 259من قانون الجمارك ) و أن الجهات القضائية ملزمة بإطلاع الإدارة بكل المعلومات التي تحصلت عليها خلال التحقيق و لو انتهى ذلك بألا وجه للمتابعة (ما 260 من نفس القانون ).
إن الدعوى الجبائية أو المالية ليست بدعوى مدنية عادية و إنما هي دعوى عمومية خاصة أما إذا كان الأمر يتعلق بتسليط عقوبات سالبة للحرية ، فإن النيابة العامة هي التي تقوم بتحريك و مباشرة الدعوى العمومية وتنضم إليها إدارة الجمارك وكذا الأمر بالنسبة للجرائم الجمركية التي يرتكبها الأحداث(2) و التي تخضع للقواعد العامة في المتابعة القضائية أي أنها من اختصاص النيابة العامة وحدها إلا أن المادة 448 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري قيدتها بوجوب حصولها على شكوى من إدارة الجمارك صاحبة الشأن . وقد جاء في قرار المحكمة العليا الصادر يوم 28 فبراير 1989 من الغرفة الجنائية الأولى " أن إدارة الجمارك طرف مدني من نوع خاص لا تنطبق عليه الشروط المنصوص عليها في
المادتين 2 و 3 من قانون الإجراءات الجزائية و خاصة منها ما يتعلق بتوافر الضرر و يكفي لتبرير طلبها للغرامة الجبائية أو المالية التي هي بمثابة التعويض افتراض حرمان الخزينة العامة من الحصول على الرسوم المقررة قانونا ، لذلك يتعين على قضاة الاستئناف الاستجابة إلى طلباتها عند الحكم بإدانة المتهمين جزائيا "(3).
ثالثا: الجرائم الضريبية
تملك إدارة الضرائب- استثناء-حق ملاحقة الجرائم التي تخالف أحكام القوانين الخاصة بها، كما تملك حق إقامة الدعوى العمومية و ممارستها ضد المخالفين، ولقد تطرق المشرع الجزائري إلى هذا الموضوع في
المادة 520 من الأمر الصادر بتاريخ 9 ديسمبر 1976 و المتضمن قانون الضرائب غير المباشرة( 1) على أن الدعوى الناجمة عن المحاضر والمسائل التي يحررها أعوان إدارة الضرائب من اختصاص المحاكم و
يستفاد من هذه المادة بأن تحريك الدعوى العمومية في مادة الضرائب الغير مباشرة من اختصاص النيابة العامة غير أن المادة 521 ورد فيها استثناء في الفقرة الثانية يتمثل في متابعة المخالفات التي تمس في آن
واحد النظام الجبائي و النظام الاقتصادي للكحول ، ففي هذه الحالة تقوم إدارة الضرائب بتحريك الدعوى العمومية بالدرجة الأولى و مباشرتها و تنضم إليها النيابة، لقد ورد استثناء ثاني في نص المادة 534 من نفس القانون و هو خاص بالمتابعة في حالة الغش في مادة الضرائب إذ لا يتابع مرتكبها إلا بناء على شكوى( يقصد بها الطلب) مسبقة من إدارة الضرائب، تتفق كل النصوص القانونية الضريبية في التشريع الجزائري على تعليق تحريك الدعوى العمومية في مثل هذه الجرائم على شكوى من إدارة الضرائب (التي يعني بها طلب) و لقد نصت مثلا المادة 534 من قانون الضرائب الغير مباشرة الذي سبق ذكره " إن المخالفات المشار إليها في المادة 532 السابقة الذكر ، تتابع أمام المحكمة بناء على شكوى الإدارة المعنية و المحكمة المختصة هي حسب الحالة و اختيار الإدارة ، المحكمة التي يوجد في دائرة اختصاصها مكان فرض الضريبة أو مكان الحجز أو مقر المؤسسة ."
إذن فهذا الاستثناء خاص بالمتابعة في حالة الغش في مادة الضرائب إذ لا يتابع مرتكبها إلا بناء على شكوى ( طلب ) مسبقة من إدارة الضرائب .
خلاصة القول أن تحريك الدعوى العمومية من صلاحيات إدارة الضرائب و تنضم إليها النيابة العامة.
ثالثا :الجرائم التي تمس مصالح إدارة التجارة والأسعار
لقد خص القانون الصادر في 5/7/1989(2) إدارة التجارة والأسعار بنظام مميز، ذلك أنها بالإضافة إلى حقها في تحريك الدعوى العمومية فإن لها في بعض الحالات حتى سلطة ملائمة المتابعة إذ أن لها في حالتين الخيار بين اقتراح غرامة مالية على المخالف أو إرسال الملف قصد المتابعة ولا يمكن للنيابة تحريك الدعوى العمومية إلا بعد وصول الملف إليها من إدارة التجارة و الأسعار سواء من المديرية على المستوى المحلي أو الوزارة على المستوى المركزي، وتجدر الإشارة أن في حالة إرسال الملف للنيابة
العامة تكون إدارة التجارة و الأسعار طرفا منضما فقط للنيابة، إلا أن المادة 56 من قانون الأسعار الجديد
الصادر في 1989 لم تتطرق إلى كل التفاصيل و اكتفت بالقول: " إن المحاضر المحررة تطبيقا لأحكام هذا القانون تعرض فور تحريرها و بعد تسجيلها في سجل مخصص لهذا الغرض و مرقم ومختوم حسب الأشكال القانونية، على السلطة المعنية بمراقبة الأسعار بالولاية التي يجب أن ترسلها في ظرف 15 يوما إلى وكيل الجمهورية المختص إقليميا "
1-إذا كانت المخالفة المرتكبة معاقب عليها بغرامة مالية لا تتجاوز 1000دج يكون مدير التجارة والأسعار على مستوى الولاية مجبرا بين أمرين :
- اقتراح غرامة مالية على المخالف، و إرسال الملف للنيابة العامة قصد المتابعة .
2- إذا كانت المخالفة معاقب عليها بغرامة مالية تفوق 1000 دج و لا تتجاوز 100 ألف دج يكون وزير التجارة مخيرا بين الأمرين المشار إليهما أعلاه أي اقتراح غرامة على المخالف أو إرسال الملف للنيابة العامة للمتابعة .
- أما إذا كانت المخالفة المرتكبة معاقب عليها بغرامة مالية تفوق 100 ألف دج فيرسل الملف للنيابة و كذلك الأمر بالنسبة للمخالفين الذين لا يدفعون غرامة الصلح المقترحة عليهم .
هذه نماذج للحق الذي يمنحه القانون في معظم التشريعات لبعض الإدارات في أن تقوم بوظيفة الإدعاء وممارسة الدعوى العمومية في الجرائم التي تمس مصالحها و لا جدال في أن الدعوى العامة التي تمارسها هذه الإدارات إنما تهدف من ورائها إلى الحكم على مرتكب الجريمة بعقوبة هي في أغلب الأحيان مالية تجمع بين الجزاء و التعويض في آن واحد وهذا ما يجعل الدعوى العمومية في هذه الأحوال الاستثنائية ذات طبيعة خاصة(1).
زيادة على هذا - في معظم التشريعات - فبينما لا يحق للنيابة العامة أن تنصرف بالدعوى العامة ولا أن تصالح عليها ، فإن الإدارات تملك حق الصلح مع مرتكب الجريمة بحيث يؤول ذلك إلى وقف الدعوى العامة وإسقاطها .
فإذا جرى الصلح قبل صدور الحكم فإنه يفضي إلى إسقاط الدعوى العامة إسقاطا مطلقا و نهائيا سواء كانت هذه الدعوى ترمي إلى تطبيق العقوبات المالية أم العقوبات السالبة للحرية.
أما إذا لم يجر الصلح إلا بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية فإنه لا يؤثر على عقوبة الحبس المقضي بها و إنما يمحو العقوبات المالية .
و فضلا عما تقدم، فإن مما يجعل الدعوى العامة التي تمارسها الإدارات ذات طابعا خاصا هو هذا الفارق في المركز بين النيابة العامة وهذه الإدارات، فالنيابة العامة مثلا لا يمكن أن يحكم عليها بنفقات الدعوى
الجزائية و مصاريفها و لو كانت هي الفريق الخاسر ، بينما الإدارة التي تقوم بالملاحقة و مباشرة الدعوى فإنها تلزم بدفع نفقات الدعوى الجزائية و مصاريفها إذا هي فشلت في دعواها شأنها في ذلك شأن المدعي
المدني في حالة براءة المتهم .
المطلب الثاني: الجرائم التي لا يجوز فيها تحريك الدعوى العمومية إلا بناء على إذن
إذا كان القانون يخول النيابة العامة حق تحريك الدعوى العمومية ومباشرتها فإنه بمقابل ذلك نص استثناء :
- بمنعها من ممارسة هذا الحق ضد أشخاص معينين و محددين على سبيل الحصر ومتمتعين بحصانة.
- أو بتقييدها من ممارسة حقها بحيث لا يجوز للنيابة العامة الشروع في متابعة هؤلاء الأشخاص إلا بتنازل صريح منهم أو بإذن من الجهة التي ينتمون إليها بهدف رفع الحصانة،ترى ما المقصود بالإذن ؟
الفرع الأول : مفهوم الإذن
يشكل الإذن قيدا على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية، فالغاية منه هي حماية المتهم لكونه ممن يتولون وظيفة في الدولة.
أولا: تعريف الإذن
كالطلب ، فالإذن رخصة مكتوبة صادرة عن هيئة عامة معينة ينتمي إليها الشخص و ذلك لضمان جدية الإجراءات . فهو السبيل الوحيد لرفع الحصانة التي يتمتع بها هذا الشخص الذي يشغل مركزا خاصا و مباشرة الإجراءات ضده .
و الإذن نوعان : إذن إيجابي و إذن سلبي و هذا الأخير هو الذي يستلزمه المشرع لاعتبارات تتعلق بشخص الجاني الذي ينتمي بحكم وظيفته إلى جهة معينة فهو إجراء أوجب القانون الحصول عليه من السلطة العامة المختصة التي تعبر بموجبه عن موافقتها و عدم اعتراضها على تحريك الدعوى العمومية واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد موظف معين هو شخص المتهم نظرا لارتكاب جريمة معينة " (1) .
ثانيا : الحكمة من اشتراط الإذن
إن الحكمة من تعليق تحريك الدعوى العمومية على إذن واضحة و هي ضمان قيام طوائف معينة من الأشخاص بعملهم في هدوء و حمايتهم من الكيد لهم ، و التعسف في اتخاذ الإجراءات ضدهم .
الفرع الثاني: الحالات التي لا يمكن المتابعة فيها إلا بإذن من الجهة المعنية
على غرار أغلب التشريعات يقيد التشريع الجزائري تحريك الدعوى العمومية بإذن من هيئة معنية من هيئات الدولة التي ينتمي إليها الشخص في جميع هذه الحالات.
تتمثل هذه الحالات في :
- الحصانة البرلمانية (المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة)
- هناك بعض الإجراءات الخاصة المتبعة ضد أشخاص معينين من طرف القانون ( رئيس الجمهورية ، القضاة ، و المحامون )
أولا: الحصانة البرلمانية
تقرر معظم دساتير العالم للنواب حصانة تعفيهم من الخضوع لأحكام قانون العقوبات عن الجرائم التي تنطوي عليها أقوالهم و آرائهم والمقصود من منع رفع الدعوى على النائب حينئذ، هو ضمان حريته و
طمأنينته في إبداء رأيه حتى لا يبقى مهددا من قبل الحكومة أو من قبل خصومه السياسيين.
فالحصانة البرلمانية حصانة شخصية لا يستفيد منها إلا عضو البرلمان ولا تمتد إلى غيره.
نقصد بالحصانة البرلمانية تلك الحصانة الخاصة بنواب المجلس الشعبي الوطني و كذا أعضاء مجلس الأمة المعترف بها لهم مدة نيابتهم و مهمتهم البرلمانية و ذلك وفقا للمادة 109 من دستور1996(1)
التي تنص: "الحصانة البرلمانية معترف بها للنواب و لأعضاء مجلس الأمة مدة نيابتهم و مهمتهم البرلمانية. " و بناء على ذلك لا يمكن القبض عليهم و لامتابعتهم أو رفع دعوى مدنية أو جزائية ضدهم أو تسليط أي ضغط عليهم بسبب ما عبروا عنه من آراء أو ما تلفظوا به من آلام أو بسبب تصويتهم خلال ممارستهم البرلمانية على هذا المستوى فهذه الحصانة تغطي البرلماني بالنسبة للجرائم القولية كالسب و القذف و التحريض و تلك التي يرتكبها أثناء تأدية مهامه البرلمانية .من هنا يمتنع على النيابة العامة تحريك أو مباشرة الدعوى العمومية باسم المجتمع ضده و كذا الشخص المضرور بتقديمه شكوى مصحوبة بإدعاء مدني أمام قاضي التحقيق بل يخضع لجزاءات تأديبية فقط مقررة في الأنظمة الداخلية للبرلمان .
يرى شراح القانون الدستوري(2) و الجنائي أن الامتياز الذي منح للبرلمان أن أي تقييد لإرادة البرلماني هو تقييد لإرادة الأمة و آل حماية يوفرها المشرع للبرلماني لممارسة عمله بكل حرية و هي في الواقع حماية للأمة و قد تأكد هذا في الدستور الجزائري لسنة 1996 من خلال المادة 105 التي تنص أن : " مهمة النائب و عضو مجلس الأمة وطنية ... "
" كما لا يجوز الشروع في متابعتهم من أجل جناية أو جنحة إلا بتنازل صريح منهم أو بإذن من المجلس الذين ينتمون إليه بعد رفع الحصانة عنهم بأغلبية الأعضاء". ( ما 110 من الدستور)
لقد نص المشرع الجزائري على الإجراءات الواجب إتباعها لصدور الإذن بمتابعة عضو البرلمان في قوانين خاصة وأطلق عليها تعبير إجراءات رفع الحصانة البرلمانية و فرق بين الإجراءات التي تتخذ تجاه النائب في المادة 12 من النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني(1) أما الإجراءات المتخذة ضد عضو مجلس الأمة فقد نص عليها في المادة 94 من النظام الداخلي لمجلس الأمة(2) .
بالإضافة إلى هذا ، تقوم بالاستماع إلى النائب المعني الذي يمكنه الاستعانة بأحد زملائه .يتم البت في طلب رفع الحصانة البرلمانية عن النائب من المجلس الشعبي الوطني في أجل ثلاثة أشهر منذ تاريخ الإحالة، فيقوم أولا بالاستماع إلى تقرير اللجنة و النائب المعني ثم يفصل في هذا الطلب في جلسة مغلقة بالاقتراع السري ب 4/3 من أعضائه.
أمام هذه الاتهامات الموجهة ضد عضو البرلمان هل يبقى هذا الأخير مكتوف الأيدي ؟
الإجابة تكون بالنفي ، حيث نلاحظ أن وظيفة البرلمان تكمن في التحقق من جدية وسلامة الإجراءات المتبعة ضد عضوها. فإذا قرر البرلمان عدم الموافقة على إعطاء الإذن ، فلا تستطيع النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية ضد النائب طوال فترة عضويته أي خمس سنوات من تاريخ أول اجتماع له ، إلا إذا حل البرلمان قبل ذلك .على هذا المستوى تظل يد النيابة العامة مغلولة عن مباشرة الإجراءات متى كان المجلس النيابي لم يأذن برفع الحصانة . فإذا صدر مثل هذا الإذن استردت النيابة العامة كامل حريتها في تحريك و مباشرة الدعوى العمومية، و يحق لها أن تغير التكييف القانوني للجريمة المقترفة حسبما يستدعي التحقيق(3) لكن لا تستطيع مباشرة الإجراءات عن أية جريمة أخرى تنسب إلى المتهم ولو لم يشملها القرار برفع الحصانة فالإذن يصبح نهائيا بصدوره فلا يجوز لمن أصدره مهما تكشف له من اعتبارات أن يرجع عنه.
إن السؤال الذي يتبادر إلى ذهننا هو : هل يمكن للنيابة العامة أن تتخذ إجراءات المتابعة ضد أي عضو من البرلمان قبل صدور الإذن من الهيئة المعنية ؟
آما سبق وأن تطرقنا إليه فإن النيابة العامة لا يمكنها اتخاذ أي إجراء قبل حصولها على إذن ، إلا أن الرأي السائد فقها أن النيابة العامة تستطيع قبل صدور الإذن اتخاذ كافة الإجراءات الأولية التي تمس شخص العضو أو حرمة مسكنه ،من هنا ، يجوز لها أن تقرر سماع الشهود دون تحليفهم اليمين و أن تجري المعاينة و الخبرة ، لكن يمتنع عليها حبس العضو احتياطيا أو القبض عليه أو استجوابه أو تكليفه بالحضور أو تفتيشه شخصيا أو تفتيش منزله أو ضبط مراسلاته (4).
أما في حالة التلبس بجناية أو جنحة، فإنه يمكن توقيف النائب أو عضو مجلس الأمة و إخطار مكتب المجلس الذي ينتمي إليه على الفور و لا يلزم لقيام حالة التلبس رؤية الجاني و هو يرتكب الجريمة ، فتتوافر حالة التلبس مثلا في جريمة القتل بمجرد سماع طلقات نارية يعقبها صراخ المجني عليه كما جاء وارد في المادة 41 إ ج .
كما يجوز لهذا المكتب أن يطلب إيقاف المتابعة و إطلاق سراح النائب أو عضو مجلس الأمة المعني ريثما يفصل المجلس في أمره نهائيا ( ما 111من الدستور ) يعتبر القرار الذي يصدر من مكتب المجلس في هذا الشأن بمثابة قانون واجب التنفيذ لكن لا تستطيع مباشرة الإجراءات عن أية جريمة أخرى تنسب إلى المتهم ولو لم يشملها القرار برفع الحصانة.
فالإذن يصبح نهائيا بصدوره فلا يجوز لمن أصدره مهما تكشف له من اعتبارات أن يرجع عنه، إلا أن المشرع السوري من خلال المادة 25 من النظام الداخلي لمجلس الشعبي، أجاز للمجلس أن يرجع عن الإذن الذي أصدره لوقف الإجراءات التي اتخذت ضد عضو البرلمان .
إن السؤال الذي يتبادر إلى ذهننا هو : هل يمكن للنيابة العامة أن تتخذ إجراءات المتابعة ضد أي عضو من البرلمان قبل صدور الإذن من الهيئة المعنية ؟
إلا أن الفقرة 2 من نفس المادة منحت للمكتب المخطر صلاحية طلب إيقاف المتابعة و إطلاق سراح النائب أو عضو مجلس الأمة، و لا يجوز متابعتهما بعد ذلك إلا بإذن من البرلمان حسب الحالة.
و يلاحظ أن للقضاء الفرنسي مفهوما موسعا لنطاق الحصانة النيابية، فهي لا تقتصر على النواب فقط، بل تشمل أيضا أعضاء الحكومة وكبار الموظفين الذين يستدعي الأمر تحدثهم أمام البرلمان، فلا يجوز رفع
الدعوى عما يصدر منهم من أقوال، بل إن الحصانة تشمل الشهود أيضا الذين يتم سماع أقوالهم أمام لجان التحقيق البرلمانية.
خلاصة القول أن الحصانة البرلمانية مقررة لتحقيق المصلحة العامة المتمثلة في تمكين السلطة التشريعية من أداء وظيفتها، فهي حصانة مطلقة من حيث موضوعها أي لا يمكن أن يسأل البرلماني لا جنائيا ولا
مدنيا، بل لا يمكن حسب الدستور الجزائري أن ترفع عليه أية دعوى لا مدنية ولا جزائية لا من النيابة العامة و لا من الأفراد ، و إنما يخضع فقط للجزاءات التأديبية المقررة في الأنظمة الداخلية للبرلمان آما سبق وأن أشرنا إليه .
ضف إلى ذلك أن أحكام الحصانة البرلمانية متعلقة بالنظام العام فيترتب على مخالفتها بطلان الإجراء المخالف بطلانا مطلقا ، و بالتالي فلا يجوز تحريك الدعوى العمومية في مواجهة النائب عن جريمة ناشئة عن الوظيفة بغير الطريق الذي رسمه القانون، فلا يمكن أن يصحح الإجراء موافقة العضو عليه .
ثانيا : الإجراءات الخاصة المتبعة تجاه بعض الأشخاص
لقد أخضع القانون طائفة معينة من الأشخاص لقواعد إجرائية خاصة حرصا على ما ينبغي توافره في أعضائها من هيبة و احترام بصفتهم حماة العدالة و القائمين على تطبيق القانون، و تختلف الأحكام الخاصة بهم بحسب الجهة التي ينتمي إليها الشخص المراد متابعته جزائيا و المسؤولية المنوطة به.
أ - بالنسبة لرئيس الجمهورية
في الماضي كان رؤساء الدول معفين من المسؤولية الجنائية باعتبار أن الملك لا يخطئ و أن رئيس الدولة يجب أن تكون ذاته مصونة و أن يحاط بالاحترام من قبل الجميع ، لأن القانون لو أباح متابعته جزائيا لصار عرضة للكيد و الاتهامات المفرطة و الباطلة ، لكن مع مرور الزمن أصبحت بعض الدساتير(الدستور المصري في مادته 85 ، الدستور الفرنسي في مادته 68 و الدستور الجزائري في مادته 158 ) تقر مسؤولية رؤساء دولها جنائيا في حالة الخيانة العظمى وعدم الولاء للنظام الجمهوري مثال على ذلك نجد:
الدستور المصري في مادته 85 تنص على أن " يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بارتكاب جريمة جنائية بناء على اقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل، و لا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس."
من خلال هذه المادة يتبين أن الحق في تحريك الدعوى العمومية قبل الرئيس و نوابه إنما يكون لمجلس الشعب لا للنيابة العامة يمارسه وفقا لإجراءات خاصة مضمونها وجوب تقديم اقتراح بالاتهام الذي يعتبر
الشرط المتطلب لتحريك الدعوى و المعتبر بمثابة الإذن الذي يتطلبه الدستور لتحريك الدعوى العمومية .
أما الدستور الفرنسي الصادر سنة 1958 ينص على أن رئيس الجمهورية لا يمكن اتهامه إلا بالخيانة العظمى و التي يتولى البرلمان بمجلسيه مجلس الشيوخ و الجمعية الوطنية إصدار قرار اتهام رئيس الجمهورية بها بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، و تتولى محاكمته بها محكمة القضاء العليا
(Haute cour de justice) فيكون قرار الاتهام بمثابة الإذن الذي يلزم صدوره لتسترد النيابة العامة حريتها في تحريك الدعوى العمومية.
و كذا ما أكده جل الفقهاء حول المسؤولية الجزائية لرئيس الجمهورية(1) و قد أكدت محكمة النقض الفرنسية مؤخرا في قرار10/10/2001 (الذي لم ينشر بعد)
على أنه لا يمكن متابعة رئيس الجمهورية جنائيا خلال عهدته، حيث أن الدعوى الجنائية تكون معلقة لغاية نهاية العهدة الرئاسية ، إلا أنه يمكن أن يستدعى رئيس الجمهورية كشاهد إذا أراد ذلك .
أما الدستور الجزائري فرئيس الجمهورية كان معفيا من كل مسؤولية جزائية حتى أن جاء استفتاء 28 نوفمبر 1996 و صدور المرسوم الرئاسي 96-436 المعدل للدستور ، الذي يقر حصانة رئيس الجمهورية ما عدا جريمة الخيانة العظمى وفقا لما جاء في المادة 158 من الدستور التي نصت على تأسيس محكمة عليا للدولة تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية عن الأفعال التي وصفها بالخيانة العظمى التي يرتكبها بمناسبة تأديته مهامه وفقا للإجراءات التي سيحددها قانون عضوي لم يصدر لحد الآن.
من خلال هذا فالملاحظ أن الدستور الجزائري لسنة 1996 و كذا القوانين العضوية لم توضح كيفية متابعة رئيس الجمهورية و لا الهيئة التي تتولى إصدار قرار الاتهام.
ب - بالنسبة للقضاة:
إن الدستور بنصه على حماية القاضي من الضغوطات و المناورات و أنه لا يخضع إلا للقانون يمكن استنتاج على أنه يعني ضمنيا أن القاضي يتمتع بنوع من الحصانة ، إلا أننا لا نجد أي قانون عضوي يوضح كيفية التمتع بهذه الحصانة مثلما هو وارد في حصانة البرلمانيين .
يقرر دستور 1996 في مادتيه 147 و 148 والقانون الأساسي للقضاء في مادته 18 نوع من الحصانة للقضاة تتمثل في إجراءات خاصة لملاحقتهم مدنيا أو جنائيا و ذلك حرصا على تحقيق ما يجب توافره للسلطة القضائية من هيبة و إجلال باعتبارها السلطة القائمة على تحقيق العدالة، حيث تنص
هذه المواد على " لا يخضع القاضي إلا للقانون " و " القاضي محمي من كل أشكال الضغوط و التدخلات و المناورات التي قد تضر بأداء مهمته ، أو تمس نزاهة حكمه ."
و الملاحظ أن المشرع الجزائري لم يصرح على الحصانة القضائية مثل ما فعلته بعض القوانين الأجنبية كالقانون المصري و القانون اللبناني(1).
وإنما خص القضاة بإجراءات معينة يجب إتباعها في حالة ارتكاب جريمة محددة، و لو أن المادة 111 من قانون العقوبات، النص العربي، تتكلم عن الحصانة القضائية إلا أننا نفهم من خلال النص الفرنسي على أن المشرع يقصد معاقبة كل قاضي أو كل ضابط شرطة الذي يلاحق شخص متمتع بحصانة معترف بها دستورا و قانونا لأعضاء البرلمان وكذا للأعوان الدبلوماسيين وليس للقاضي .
Tout magistrat, tout officier de police qui, hors le cas de flagrant délit provoque des poursuites ... à l’encontred ’une personne qui était bénéficiaire d'une immunité, sans avoir au préalable obtenu la main levée de cette immunité dans les formes légales, est puni
فالمشرع لم يرد أي قيد على حرية النيابة العامة فيما يتعلق بجرائم القضاة.
و بالتالي يجوز للنيابة العامة مباشرة كافة الإجراءات و تحريك الدعوى العمومية دون حاجة للحصول على إذن مسبق من أية جهة و إنما اشترط فقط أن لا ترفع الدعوى العمومية ضد قاض لجريمة وقعت منه أثناء تأدية عمله إلا بقرار من النائب العام آما سوف نفصله من بعد.
إن متابعة القضاة تخضع لإجراءات خاصة آل حسب تدرجه السلمي لذلك قسمهم القانون إلى ثلاث فئات :
1- قضاة المحكمة العليا و رؤساء المجالس القضائية و النواب العاملون لدى هذه المجالس فمتابعة هؤلاء عن الجرائم التي اقترفوها خلال ممارسة مهامهم تتم بناء على قرار من النائب العام لدى المحكمة العليا وفقا لما تنص عليه المادة 573 إج حيث جاء فيها : " إذا كان عضو من أعضاء الحكومة أو أحد قضاة المحكمة العليا أو أحد الولاة أو رئيس أحد وفقا لما تنص عليه المادة 573 إج حيث جاء فيها : " إذا كان عضو من أعضاء الحكومة أو أحد قضاة المحكمة العليا أو أحد الولاة أو رئيس أحد المجالس القضائية ، قابلا للاتهام بارتكاب جناية أو جنحة أثناء مباشرة مهامه أو بمناسبتها يحيل وآيل الجمهورية ، الذي يخطر بالقضية ، الملف عندئذ بالطريق السلمي على النائب العام لدى المحكمة العليا فترفعه هذه
بدورها إلى الرئيس الأول لهذه المحكمة ، إذا ارتأت أن هناك ما يقتضي المتابعة و تعين هذه الأخيرة أحد أعضاء المحكمة العليا ليجري التحقيق ."
على هذا المستوى، فعلى وكيل الجمهورية للمحكمة المختصة إقليميا أن يحيل الملف بالطريق السلمي للنائب العام على مستوى المحكمة العليا والذي يرفعه بدوره إلى الرئيس الأول بذات المحكمة بغرض تعيين محقق من بين أعضائها ، و تظل هذه الإجراءات واحدة سواء كانت الجريمة جناية أم جنحة ما يمكن ملاحظته على المادة573 ق إ ج عدم تقييد وكيل الجمهورية و لا النائب العام لدى المحكمة العليا بمدة زمنية معينة يلزم خلالها بإحالة الملف بالطريق السلمي بعد إبلاغه بالجريمة، و قد يؤدي هذا إلى بطء في الإجراءات مما يعرقل السير الحسن للملف الجزائي،ويؤثر على مقتضيات العدالة و يلحق ضررا بالقاضي محل المساءلة الجنائية خاصة ما جاء في المادة 111 من قانون العقوبات فالقاضي المكلف
بالمتابعة ملزم بألا يخرق مبدأ الحصانة و إلا كان عرضة لمتابعة جنائية .
2- قضاة المجالس القضائية و رؤساء المحاكم و وكلاء الجمهورية
تطبق نفس الإجراءات المتبعة في حالة المتابعة حيث يرسل ملف القضية إلى النائب العام لدى المحكمة العليا الذي يقرر أن هناك محل للمتابعة ليرفع الأمر عند الاقتضاء إلى الرئيس الأول ، مع اختلاف طفيف يتمثل في انتداب قاضي التحقيق من مجلس قضائي خارج دائرة اختصاص المجلس الذي يعمل به القاضي المتابع مادة 575 ق إ ج.
3- قضاة المحاكم
بالنسبة لهذا الصنف من القضاة فإجراءات المتابعة تختلف عن باقي القضاة الآخرين في نقطتين :
- النائب العام لدى المجلس القضائي هو الذي يتخذ قرار المتابعة.
- يعين رئيس المجلس القضائي قاضيا للتحقيق من محكمة خارج المجلس شريطة أن تكون من خارج دائرة الاختصاص الذي يعمل به القاضي المتابع ما 576 ق إ ج.
ترى ما هو الحكم في حالة تلبس قاضي بجريمة ؟
للإجابة على هذا التساؤل، نلاحظ أننا أمام فراغ قانوني حيث لم يتطرق المشرع إلى حالة تلبس قاضي بجريمة فكيف يفسر هذا السكوت ؟
في غياب نص صريح يحكم هذه الحالة ، لابد من الرجوع إلى القواعد العامة المنصوص عليها في المواد 41إلى 45 إج و استنطاقها لحل هذا الإشكال .
و التلبس يفيد أن الجريمة واقعة و أدلتها ظاهرة و احتمال الخطأ فيها طفيف لذلك أطلق عليها بعض الفقهاء اسم الجريمة المشهودة(1) هذا ما يبرر الخروج على القواعد العامة بالإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة خشية ضياع الأدلة عن قصد أو نتيجة إهمال و إفلات المجرم من يد العدالة لقد حدد المشرع حالات التلبس بالجريمة على سبيل الحصر في المادة 41 إج حيث لا يصوغ لضابط الشرطة القضائية الزيادة فيها عن طريق القياس مثلا و خول فيها لضابط الشرطة القضائية اختصاصات أوسع .
إن ضبط القاضي متلبسا بجريمة لا يخلع عنه الصفة القضائية، و لذلك فإنه يظل متمتعا بالحصانة القضائية مما يستلزم إعلام الجهة المختصة بإصدار الإذن بما نسب إليه من جرائم بهدف إخبارها أولا و طلب إذنها ثانيا لاتخاذ إجراءات التحقيق الأخرى(2).
بالإضافة إلى هذا فقد أخلص الدكتور عبدالله أوهايبية على تمتع القضاة بحصانة قضائية كفلها لهم الدستور و القانون(3).
فإذا كانت المتابعة القضائية في الحالات السابقة تتطلب صدور قرار من النائب العام لدى المحكمة العليا ، فكيف تتم متابعة المحامين ؟
ج - بالنسبة للمحامين
إن متابعة المحامون حسب المنشور الوزاري رقم 09 المؤرخ في 15/04/1985 لا تتم إلا بعد إشعار الوزارة بالوقائع المنسوبة إليهم و هنا ينبغي أن نتساءل هل تتم المتابعة مباشرة مع إشعار الوزارة أم يجب إخبار الوزارة و انتظار التعليمات ؟
إن مفهوم الإشعار أشمل من الإخطار حيث أن الأول هو الإخبار ثم انتظار التعليمات و نستطيع أن نسويه مع الإذن على عكس الإخطار الذي يعني الإخبار فقط عندما يتعلق الأمر مثلا بمتابعة المحامين في حالات التلبس بالجريمة من خلال هذا المنشور يمكن القول على أن المحامين يتمتعون بحصانة إلا أن هذا المنشور لم يعد معمولا به .
مع صدور قانون تنظيم مهنة المحاماة(1) وخاصة ما هو وارد في المادة4/91 التي تنص: " لا يمكن متابعة محام في الجلسة لأفعاله و تصريحاته و محرراته في إطار المناقشة و المرافعة ..." و كذا المادة 92 من نفس القانون التي تنص : " تعتبر إهانة محام أثناء ممارسته لمهنته مماثلة للإهانة الموجهة إلى قاض و المعاقب عنها بموجب المادة 144 من قانون العقوبات " نستخلص على أن المحامي يمتاز بنوع من الحصانة الضمنية إلا أن المشرع لم يتطرق إلى كيفية متابعته في حالة اقترافه جريمة معينة.
حبذا لو بقي المنشور الوزاري السابق ذكره حيز التطبيق لكانت الأمور أوضح حيث صرح آما بيناه آنفا على أن لاتتم متابعة محام إلا بعد إشعار الوزارة بالوقائع المنسوبة إليه و يكون هذا الإشعار بمثابة إذن يسمح للنيابة العامة من مباشرة الإجراءات الواجب اتخاذها .
في آخر المطاف ما يمكن ملاحظته أن هذه الحالات التي تطرقنا إليها فيما يخص الإجراءات الخاصة المتبعة تجاه بعض الأشخاص ، لا تعتبر في الواقع قيود على تحريك الدعوى العمومية بل هي مجرد إجراء إداري تقوم به النيابة العامة عند متابعة كل الموظفين العموميين .