منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - إلتزام المؤمن بتعويض ضحايا حوادث السيارات
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-28, 10:43   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 المبحث الأول

المبحث الأول: الدعوى المباشرة للمضرور تجاه المؤمن
يعتبر المضرور هو صاحب الحق في التعويض(1)، فالمؤمن وفقا للعقد المبرم بينه و بين المؤّمن له في التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات يقوم بسداد التعويض عن المسئول إلى المضرور مقابل قسط التأمين، فيتحمل جميع الالتزامات الناشئة عن العقد، و يكون التأمين لمصلحة المؤمن له أو لمصلحة كل سائق يقود السيارة(2).
و تطبيقا للقواعد العامة، يستطيع المضرور أن يرفع دعوى غير مباشرة على شركة التأمين لمطالبتها بالتعويض بصفتها مدين مدينه المؤمن له فيما يحصل عليه من تعويض، و في نفس الوقت معرض لدفوع شركة التأمين التي تكون لها قبل المؤمن له (3).
و من هذا المنطلق يؤكد الفقه على إن العلة التي شرّعت من أجلها الدعوى المباشرة هي التيسير على المضرور في الحصول على حقه ، إذ أن الحق الذي يحميه القانون لا ينفك عن وسيلة لحمايته (4) ( المطلب الأول ).
و لقد اختلف الفقه حول مدى استقلال الدعوى المباشرة عن الدعوى المؤمن له (المطلب الثاني )، و التي وضع لها المشرع أحكاما تحدد المحكمة المختصة بالفصل فيها محليا و نوعيا، و تحدد أطرافها ( المطلب الثالث ).
و يترتب على رفع الدعوى المباشرة، انتقال مبلغ التأمين إلى المضرور، و عدم جواز تمسك المؤمّن في مواجهتهبالدفوع اللاحقة لوقوع الحادث ( المطلب الرابع )، غير أن شأنها شأن باقي دعاوى المطالبة بالحقوق تسقط بالتقادم المسقط، وهذا التقادم ينقطع و يتوقف و ينتج آثارا معينة (المطلب الخامس ).








1- أبو زيدعبد الباقي ، الصفة التعويضية في تأمين الأضرار، دراسة مقارنة في القانون المصري و الفرنسي – مجلة المحاماة، العددان السابع و الثامن ، السنة التاسعة و الخمسون، سبتمبر- أكتوبر 1979، ص 123.
2- عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء السابع، المجلد الثاني ، عقود الغرر و المقامرة و الرهان و المرتب مدى الحياة و عقد التأمين، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 1998، فقرة766،ص1535 الهامش رقم 1، فقرة 854، ص 1672.
CF: PICARD (M) et BESSON (A), les assurances terrestres en droit français, le contrat d'assurance, tome 1,5eme édition L.G.D.J. 1982, P30.
3- سعد واصف، شرح قانون التأمين الإجباري من المسئولية عن حوادث السيارات، المطبعة العالمية، القاهرة، 1962-1963،ص158.
4- عمر إبراهيم حسن، جماعية المسئولية المدنية، منشورات جامعة قار يونس، ليبيا، بدون سنة الطبع، ص 226.


المطلب الأول: الأساس القانوني للدعوى المباشرة
أجاز المشرع الجزائري في قانون التأمين الإجباري من المسئولية المدنية عن الحوادث السيارات للمضرور الرجوع مباشرة على المؤمن لمطالبته بالتعويض.
و لقد اتفق الفقهاء على تقرير هذا الحق للمضرور، لكنهم اختلفوا حول الأساس القانوني الذي عليه الدعوى المباشرة و نتج عن الاختلاف ظهور نظريات تقوم على فكرة الإرادة ( الفرع الأول )، و أخرى تستند إلى الأنظمة القانونية ( الفرع الثاني ).

الفرع الأول : النظريات التي تقوم على فكرة الإرادة.
حاول جانب من الفقه و القضاء اللجوء إلى فكرة الإرادة من أجل إيجاد أساس تقوم عليه الدعوى المباشرة، فقال فريق منهم بأن هذه الدعوى تقوم على أساس الاشتراط لمصلحة الغير ( البند الأول ) و قال فريق أخر بأن أساسها فكرة الإنابة (البند الثاني ).

البند الأول: نظرية الاشتراط لمصلحة الغير.
أولا: عرض النظرية.
حاول جانب من الفقه تأصيل دعوى المتضرر من حوادث السيارات تجاه المؤمّن على فكرة الاشتراط لمصلحة الغير، و ذلك بتقريره أن مالك السيارة حينما يقوم بالتأمين عليها فانه يهدف من وراء ذلك إلى أن يكفل للمصاب تعويضا كاملا، و ذلك بجانب محاولة تخليصه من عواقب مسئوليته المدنية عن الحادث، و أن شركة التأمين عند قبولها لتغطية الأخطار، تكون قد قبلت رجوع المتضرر عليها مباشرة، و من ثم تكون إرادة كلا من المؤمن و المؤمّن له قد اتجهت نحو تقرير حق مباشر لضحايا حوادث السيارات. و هذا هو جوهر فكرة الاشتراط لمصلحة الغير، التي تخول لشخص معين حقا ناتجا من علاقة قانونية لم يساهم في إنشائها(1).
وبهذا يرى أنصار هذا الاتجاه أن حق المضرور تجاه المؤمن يقوم على عقد التأمين و يعتبر المضرور صاحب الدعوى المباشرة، كالمستفيد في الاشتراط لمصلحة الغير بافتراض المؤمن له اشترط على المؤمن أن ينصرف حقه الناشئ من عقد التامين للمضرور المحتمل (2).



1- انظر في عرض هذه النظرية فايز أحمد عبد الرحمان خليل، أثر التأمين على الالتزام بالتعويض، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة أسيوط ، مصر، 1995، ص 388-389.
2- جمال الدين جودة اللبان، الدعوى المباشرة للمضرور في حوادث السيارات قبل شركة التأمين، مجلة إدارة قضايا الحكومة، العدد الأول، السنة الثامنة عشرة، يناير- مارس 1974، ص242.



و إذا لم تكن هناك إرادة صريحة تفيد بتخويل المتضرر حق الرجوع مباشرة على المؤمّن فان الظروف المحيطة و الملمة بعقد التأمين من حوادث السيارات تحتم وجود إرادة ضمنية ملزمة لطرفي عقد التامين، فتكون أمام اشتراط ضمني في عقد التأمين من المسئولية يعطي المضرور الحق في رفع الدعوى المباشرة للحصول على حقه في التعويض من المؤمن (1).

ثانيا : تقييم النظرية
هناك عدة عقبات تجعل من فكرة الاشتراط لمصلحة الغير غير صالحة كأساس للدعوى المباشرة و تتمثل هذه العقبات فيما يلي:
1- لكي يمكن القول بوجود اشتراط لمصلحة الغير، يجب أن يكون هناك عقد يكسب به الغير باتفاق الطرفين
حقا مباشرا، و هذا يعتبر في إطار التأمين الإجباري مما يحول دون تأصيل الدعوى المباشرة على فكرة الاشتراط
لمصلحة الغير لان المشرع تولى بنفسه تنظيمها و تحديد المستفيد منها دون أن يتوقف هذا التحديد على إرادة طرفي
عقد التأمين(2).
2- أن فكرة الاشتراط الضمني ما هي إلا افتراض لا يؤيده الواقع، لان أطراف عقد التأمين من المسئولية لا
تدفعهم الرغبة في توفير حماية للغير بل الرغبة في حقيق مصالحهم الخاصة.
ومن جهة أخرى نلاحظ أن افتراض الاشتراط يؤدي بنا إلى تطبيق أحكام المشارطة، مما قد يؤثر في حق المضرور من حوادث السيارات تجاه المؤمن، لان الاشتراط لمصلحة الغير يتطلب قبول المستفيد بمضمون ما يشترط له بحيث إذا رجع المشترط عن اشتراطه قبل المستفيد، لم يعد لهذا الأخير حق قائم يستقصيه، و بهذا فإذا طبقنا الاشتراط لمصلحة الغير على عقد التأمين من حوادث السيارات فستكون النتيجة في غير صالح المضرور .
3- في الاشتراط لمصلحة الغير ليس للمستفيد من الحقوق أكثر مما للمشترط ، فيتحمل كافة الدفوع التي للمتعاقد الأخر قبل المشترط ، بينما في التأمين من المسئولية حق المضرور لا يطابق حق المؤمن له ، بل له ذاتية خاصة، بدليل حرمان المؤمن من الاحتجاج على المضرور بدفوع سقوط الحق في الضمان التي له قبل المؤمن له(3).
و من هذا كله يتبين أن تأسيس الدعوى المباشرة على نظرية الاشتراط لمصلحة الغير، لا يوفر حماية فعالة للمضرور، و هذا يخالف ما اتجهت إليه إرادة المشرع و يخالف كذلك ما استقر عليه الفقه و القضاء.

1- سعد واصف، التأمين من المسئولية، دراسة في عقد التأمين البري، رسالة دكتوراه، القاهرة، 1958،ص417؛ فايز أحمد عبد الرحمان خليل،رسالته، ص383.
2- عبد الحي الحجازي، النظرية العامة للالتزام وفقا للقانون الكويتي، الجزء الأول، المجلد الثاني، مطبوعات ذات السلاسل، الكويت، 1982، فقرة 552،ص744. أنظر أيضا تنص المادة، 08 من الأمر 74-15 المؤرخ في 30يناير 1974 المتعلق بإلزامية التأمين من السيارات و بنظام التعويض عن الأضرار.
3- أنظر المادة: 05 من المرسوم رقم80-34 المؤرخ في 16 فبراير 1980 يتضمن تحديد شروط تطبيق المادة 07 من الأمر رقم 74-15 المؤرخ في 30يناير 1974 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات و بنظام التعويض ن الأضرار التي تنص على ما يلي: " ...و مع ذلك لا يحتج بسقوط هذه الحقوق على المصابين أو ذوي حقوقهم ..."


البند الثاني : نظرية الإنابة
أدى عدم قبول فكرة الاشتراط لمصلحة الغير لان تكون أساس لدعوى المضرور من حوادث السيارات إلى ظهور رأي أخر يقول بتأسيسها على فكرة الإنابة الناقصة.

أولا: عرض النظرية
ذهب جانب من الفقه و القضاء إلى القول بأن الدعوى المباشرة التي قررها المشرع لضحايا حوادث السيارات تجاه المؤمّن تجد أساسها في فكرة الإنابة الناقصة، و ذلك بتقريره أن المؤمّن له بمجرد إبرامه لعقد التأمين يكون قد أناب عنه المؤمّن في الوفاء بالتزامه بتعويض المصاب من حادث السيارة ، و أن المؤمّن بقبوله للتأمين يكون قد وافق على هذه الإنابة (1).
وسبب أخذ أصحاب هذه النظرية فكرة الإنابة الناقصة هو كونها تمكن من تحقيق أفضل حماية للمضرور من حوادث السيارات بإعطائه الحق في مطالبة مدينين، بحيث يلتزم فيها كل من المدين الأصلي " المؤمّن له " و المدين الجديد " المؤمّن " بضمان الدين، و لا يستطيع المناب أن يتمسك بالدفوع الناشئة عن العلاقة بينه و بين المنيب، أما الإنابة الكاملة فتؤدي إلى براءة ذمة المدين الأصلي - المنيب - في مواجهة المناب إليه بحيث لا يستطيع هذا الأخير إلا الرجوع على المدين الجديد و هو المؤمّن دون المؤمن له مما يؤثر سلبا على حقوق ضحايا حوادث السيارات(2).
و أما الإشكال القانوني المتعلق بضرورة وجود المناب إليه وقت قيام عقد الإنابة، و شرط قبوله بها قال أصحاب الإنابة بوجود علاقة ثلاثية، فالمؤمّن له بإبرامه للعقد ينيب المؤمن الذي يتعهد بتعويض المضرور المحتمل، ولا يهم في هذا المجال الإرادة الحقيقة بل الإرادة المفيدة اجتماعيا، و تنتج الإنابة آثارها منذ تاريخ وقوع الحادث المؤمّن منه(3).

ثانيا: تقييم النظرية
لا يمكن تأسيس الدعوى المباشرة للمضرور من حوادث السيارات في مواجهة شركات التأمين على فكرة الإنابة الناقصة، و يمكن تبرير ذلك من عدة جوانب:

1 - ATTALLAH (B), le droit propre de la victime et son action directe contre l'assureur de la responsabilité automobile obligatoire, thèse pour le doctorat en droit, présentée et soutenue à l'université de paris 1967, p 65.
CF: paris, 5juin 1930, revue générale des assurances terrestres 1930 – 76.
CF: Aix 27 décembre 1935, Dalloz hebdomadaire 1936-185.
2 - ATTALLAH (B) – thèse p. Cit., p66 et s.
3 - ATTALLAH (B) – thèse p. Cit., p72 et s.
وأنظر أيضا: جمال الدين جودة اللبان، مقال سابق، ص 243.



1- جانب يتعلق باختلاف قصد المؤمّن له في التأمين من المسؤولية عن قصد المنيب في الإنابة: فالمؤمّن له عندما يتعاقد مع المؤمّن يهدف فقط لتأمين ذمته المالية من رجوع الغير عليه بالتعويض و ليس تأمين المضرور، أما الإنابة فيسعى من خلالها المنيب إلى تبرئة ذمته المالية مما هو ثابت فيها من دين للمناب لديه قبل انعقاد عقد الإنابة(1).
2- جانب يتعلق بعدم وجود الدائن وقت انعقاد عقد التأمين: إذ يلزم لانعقاد الإنابة رضاء المناب و قبول المناب إليه، وهذا لا يتحقق في علاقة المضرور عندما يرجع الدعوى المباشرة على المؤمن(2).
كما أن قول أنصار هذه النظرية بأن العلاقة بين المؤمن و المضرور تنشأ منذ تاريخ وقوع الحادث، يهدمه ما هو مسلم به من أن المؤمّن له ممنوع من الاعتراف بمسئولية المدنية تجاه المضرور، و ذلك بحسب ما قد يرد في وثيقة التأمين من بند يقضي بذلك لان القول بفكرة الإنابة وقت وقوع الحادث لا يعدو و أن يكون سوى اعتراف بهذه المسئولية، و بذلك تصطدم فكرة الإنابة مع مبدأ عدم جواز الاعتراف بالمسؤولية المدنية (3).
3- جانب يتعلق بقصد المؤمن عند وفائه للمضرور من حوادث السيارات المؤمن عليها لديه، فانه يوفي بدينه هو لا بدين غيره فيوفيه للمضرور بدلا من وفائه للمؤمّن له(4).
ومن ثم فان افتراض انصراف إرادة المؤمن نحو تعويض المصاب على أساس فكرة الإنابة عن المؤمّن له يترتب عليه تخويل المؤمن سلطة التخلص من التزامه بتعويض المضرور متى أثبت عدم انصراف إرادته نحو تغطية خطر معين، و هذا يتنافى مع ما جاء في نصوص قانون التأمين الإجباري، إذ أجاز المشرع للمضرور الرجوع على المؤمّن قي حالة سقوط حق المؤمّن له في الضمان، ففي هذه الحالة لا يمكن القول أن إرادة المؤمّن قد انصرفت إلى تغطية هذه الحالة، بدليل أن المشرع قد أجاز له الرجوع على المؤمّن له بما دفعه من تعويض للمضرور(5).
بهذا نصل إلى القول بأنه لا يمكن تأسيس الدعوى المباشرة على نظرية الإنابة الناقصة، لتعارض أحكامها مع أحكام الدعوى المباشرة.

الفرع الثاني: النظريات التي تقوم على أنظمة قانونية.
بعد فشل محاولات تأسيس الدعوى المباشرة للمضرور تجاه المؤمّن على فكرة الإرادة، حاول جانب من الفقه البحث عن أساس لهذا الدعوى في الأنظمة التي جاء بها المشرع، و تتمثل أهم الأنظمة التي لجئوا إليها فيما يلي:


1- فايز أحمد عبد الرحمان خليل، رسالته، ص 392؛ جمال الدين جودة اللبان، مقال سابق، ص 242 – 243.
فلا توجد ثمة إنابة اتفاقية لان شركة التامين لم تتجه نيتها الصريحة أو الضمنية إلى أن تصبح منابا و إنما التزامها قاصر على تأمين مسئولية المؤمن له من رجوع المضرور عليه بدعوى المسئولية، كما لا توجد إنابة قانونية لعدم وجود نص قانوني يقول بها.
2- فايز أحمد عبد الرحمان، التأمين من المسؤولية المدنية عن الحوادث السيارات، دار النهضة العربية، القاهرة، 2006، ص 158.
3- سعد واصف ، رسالته، ص 420.
4- محمد إبراهيم دسوقي، التأمين من المسؤولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995،ص251.
5- رمضان أبو السعود، الدعوى المباشر، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية، سنة 1974، ص 445.


البند الأول: فكرة الحق في الحبس
أولا : عرض النظرية
ذهب جانب من الفقه إلى أن الدعوى المباشرة المقررة لضحايا حوادث السيارات تجاه المؤمّن، تستند في أساسها إلى حق المؤمّن في حبس مبلغ التامين المستحق في ذمته للمؤمّن له عند تحقق الخطر المؤمن منه ، طالما أن المضرور لم يعوض، وهذا الحق في الحبس يجد مصدره في القانون الذي يفرض التزاما على عاتق المؤمّن بحبس مبلغ التامين لصالحالمضرور من الحادث، و ذلك طبقا لنص المادة 28 من القانون الفرنسي الصادر في 13/07/1930 الخاص بعقد التأمين و التي نصت على أنه: " لا يجوز للمؤمن أن يفي لغير المصاب بكل أو بعض ما يستحق في ذمته ما دام المصاب لم يعوض بما لايجاوز هذا المبلغ عن الأضرار التي لحقت به، و الناشئة عن الأفعال الضارة التي ترتبت عليها مسؤولية المؤمن له "(1).
و لقد رأى أنصار هذه النظرية في المادة 53 أنها تفرض التزاما على عاتق المؤمّن بعدم الوفاء بالعوض لغير المصاب، هذا الالتزام القانوني يفرض على المؤمّن حبس العوض تحت يده، و أن هذا الحبس يمكن لهذا الأخير الاحتجاج به في مواجهة المؤمّن له أو دائنيه (2).

ثانيا : تقييم النظرية .
لم يقبل غالبية الفقه بفكرة الحق في الحبس كأساس للدعوى المباشرة للمضرورين من حوادث السيارات وذلك للاعتبارات التالية :
1- أن هذه النظرية تبحث في الالتزام لتجد أساس قانوني للحق و هذا منطق معكوس لان الحق يكون أسبق في الوجود من الالتزام، و لا يمكن أن تكون واقعة لا حقه سببا لنشوء واقعة سابقة (3).
2- حق المضرور في الرجوع مباشرة على المؤمّن يختلف عن الحق في الحبس لان هذا الأخير هو مجرد دفع يستخدمه الدائن الإجبار مدينه على تنفيذ التزامه.
و من ثم لا يصلح الأخذ بفكرة الحبس لان ذلك يخالف أحكام الدعوى المباشرة إذ الدائن هو المصاب و ليس تحت يده شيء يحبسه، و المؤمّن ليس دائنا للمصاب حتى يحبس العوض(4).
3- إن المؤمن عندما يمتنع عن دفع مبلغ التأمين للمؤمن له لا يقصد حبسه و احتجازه، و إنما الغرض منه تعويض المضرور الذي لم يحصل على تعويض من المؤمّن له (5).

1- PICARD et BESSION, les assurances terrestres en droit français, op.cit., N° 232.
أنظر في عرض ذلك أيضا: رمضان أبو السعود، رسالته، ص 477.
2- أنظر في عرض ذلك : سعد واصف ، رسالته، ص 477.
3- سعد واصف، رسالته، ص 423.
4- عبد الودود يحي، الموجز في النظرية العامة للالتزامات، دار النهضة العربية، القاهرة، طبعة 1994.
5- فايز أحمد عبد الرحمان، التأمين من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات ، مرجع سابق ، ص 152- 153.


4- أن القانون لا يعرف ما يسمى بالالتزام بالحبس و إنما يعرف فقط الحق في الحبس (1).
أمام الاختلاف بين الدعوى المباشرة و الحق في الحبس يتعين البحث عن أساس آخر لهذه الأخيرة.

البند الثاني : فكرة حجز ما للمدين لدى الغير .
أولا : عرض النظرية .
ذهب جانب من الفقه إلى تأسيس دعوى المضرور من حوادث السيارات تجاه المؤمّن على فكرة حجز ما للمدين لدى الغير، و على ذلك فالمضرور من حادث السيارة حينما يمارس الدعوى المباشرة، يكون قد أوقع حجز ما للمدين لدى الغير، فالمدين هو المؤمّن له و الغير هو المؤمّن.
و تطبقا لذلك قالوا بأن في الحجز كما هو في الدعوى المباشرة لابد من وجود دائن و مدين و مدين المدين، كما أن حجز ما للمدين لدى الغير يهدف إلى استيفاء الدائن لحقه مباشرة من مدين مدينه كما هو الحال في الدعوى المباشرة، بالإضافة إلى أن الدائن الذي يقوم بالحجز يعمل باسمه الخاص كالمضرور الذي يرفع الدعوى المباشرة(2).

ثانيا: تقييم النظرية .
تختلف الدعوى المباشرة للمضرور ضد المؤمن عن الحجز ما للمدين لدى الغير في النقاط التالية:
1- أن الدعوى المباشرة تعطي دائنا معينا حق أفضلية عن بقية الدائنين، و هو الشخص المضرور من حادث سيارة، ومن ثم لا يمكن لغيره أن يستفيد منها، بعكس حجز ما للمدين لدى الغير لا يعطي ميزة خاصة للدائن الحاجز عن بقية الدائنين(3).
2- في نظام حجز ما للمدين لدى الغير للمؤمن الاحتجاج على المضرور بالدفوع التي تنشأ بين مرحلتي تجميد التعويض و انتقاله و التي تكون ضد المؤمّن له، في حين أن الدعوى المباشرة التي للمضرور في ذمة المؤمن - حسب الرأي الغالب في الفقه – مستقلة عن دعوى المؤمن تجاه المؤمن له، فلا يجوز للمؤمن أن يحتج على المضرور بالدفوع التي تنشأ قبل وقوع الحادث، و هذا ما جعل أنصار هذا الاتجاه يقولون بأن تجميد الحق وانتقاله يتحققان مباشرة على التوالي من يوم وقوع الحادث(4).
3- في الدعوى المباشرة لا يجوز للمؤمن له أن يحيل جزء من حقه قبل المؤمن، سواء قبل تحقق الخطر المؤمّن منه أو بعده، و بالتالي لا يمكن الاحتجاج على المضرور بالحوالات و الحجوزات سواء السابقة أو اللاحقة لوقوع الخطر المؤمن منه.

1- سعد واصف، رسالته، ص 423.
2- أنظر في عرض ذلك: رمضان أبوا سعود، رسالته، ص 479.
3- مر إبراهيم حسن، مرجع سابق، ص 235.
4- فيصل ذكي عبد الواحد، النظام القانوني لدعاوى ضحايا حوادث المركبات الآلية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993، ص 136.


أما في الحجز ما للمدين لدى الغير فيرى أنصار هذا الاتجاه أن حسب نص المادة 303 مدني مصري يجوز للمحجوز عليه أن يحول الدين إلى الغير، و يكون وضع المحال إليه قبل الحكم بصحة حجز ما للمدين لدى الغير كما لو كان هو الحاجز أيضا، و يشترك مع الحاجز الأول، و يقسم معه الدين قسمة الغرماء(1).
أمام هذه الاختلافات بين الدعوى المباشرة و حجز ما بين المدين لدى الغير، فلا يمكن القول بهذه الأخيرة كأساس للأولى.

البند الثالث : فكرة المسؤولية المدنية .
أولا : عرض النظرية .
حاول بعض الفقهاء تأسيس الدعوى المباشرة للمضرور على فكرة المسؤولية المدنية معتبرين المؤمن في حكم المسؤول المدني عن المؤمّن له، فيلزم بتعويض الأضرار التي يعاني منها ضحايا حوادث السيارات المؤمن عليها لديه، خاصة و أن التعويض يعتبر هدفا حقيقيا لعقد التأمين، و من ثم فان دعوى المضرور تجاه المؤمن تكون لها بعض خصائص دعوى المسؤولية المدنية (2).
و في هذا الإطار ذهب البعض إلى تبني الطبيعة المزدوجة للدعوى المباشرة، فهي في المبدأ رجوع تقصري، ولكنها ترتبط بعقد التأمين لأنها معلقة على وجود عقد مبرم بين المؤمّن و فاعل الضرر و لا يمكن مباشرتها إلا في حدوده.

ثانيا : تقييم النظرية.
لم تلق هذه النظرية تأييدا من الاتجاه الغالب في الفقه بالنظر إلى الفرو قات بين المسؤولية التقصيرية و الدعوى المباشرة و التي تتمثل أهمها فيما يلي :
1- أن فكرة المسؤولية المدنية تقتضي وجود خطأ تقصيري إذا كانت تقوم عليه أو فعل الشيء إذا كنا بصدد مسؤولية عن الأشياء.
و لا شك أن هذا لا يمكن تصوره في العلاقة بين المضرور و المؤمّن لعدم وجود علاقة تعاقدية، فلا يكن تصور خطأ تعاقدي، كما أنه لا يمكن القول بأن الأضرار التي لحقت به من فعل السيارة تسند للمؤمن لأنه لم يكن له دور في وقوع الحادث، و أنه التزم فقط بتغطية الأضرار الناتجة عن حوادث السيارات المؤمّن عليها لديه.
2- أن المسؤولية المدنية تتعلق بالروابط بين الأشخاص، و ليس بالذمم المالية، فالشخص هو الذي يكون مسئولا عن الحادث و ليس ذمته المالية، و القول بغير ذلك يترتب عليه قلب هذا المبدأ(3).


1- سعد واصف، رسالته، ص 425.
2- أنظر في عرض هذه النظرية: رمضان أبو السعود، رسالته، ص 481.
ومن أنصار هذا الرأي في الفقه العربي: جودة اللبان، مقال سابق، ص 245.
3- رمضان أبو السعود، رسالته، ص 482.

البند الرابع : فكرة الامتياز.
أولا : عرض النظرية.
يتزعم هذه النظرية الفقيه الفرنسي لابيه " LABEE" الذي يرى بأن الدعوى المباشرة تجد أساسها في حق الامتياز الذي يثبت للدائن على حق مدينه في ذمة مدين المدين، إذا كان هذا الحق قد ثبت للمدين مقابل غنم جناه المدين من الدائن كما في حالة الإيجار من الباطن حيث يرجع المؤجر مباشرة على المستأجر من الباطن، أو مقابل غرم تحمله الدائن بفعل المدين كما في التأمين من المسؤولية ورجوع المضرور مباشرة على شركة التأمين(1).
و في نفس الاتجاه يرى الأستاذين بيكار و بيسون ( PICARD et BESSON ) بأن الدعوى المباشرة تعتبر ذاتها نوع من الامتياز، لان المضرور يستأثر بمبلغ التأمين و لا يشاركه فيه غيره من دائني المؤمّن له(2).
و يبرز أنصار هذا الاتجاه موقفهم بأن سبب التزام المؤمن و المؤمن له بالتعويض هو الإصابة أو الوفاة، فيجب أن يكون للمضرور من الإصابة أو الوفاة امتياز على مبلغ التأمين المستحق في ذمة المؤمّن للمؤمّن له (3).

ثانيا: تقييم النظرية.
لم تلق نظرية الامتياز قبولا في أوساط الفقه و هذا للمبررات التالية:
1- أن الدعوى المباشرة و إن كانت تخوّل للمضرور حق الرجوع على المؤمّن و أنه يفضل على باقي الدائنين الآخرين، إلا أنها لا تقرر امتياز للمضرور من حوادث السيارات لان الامتياز لا يتقرر إلا بنص تشريعي صريح و لا يمكن أن يستنتج بطريقة ضمنية (4).
2- أن هناك اختلاف في الهيكل القانوني بين الفكرتين، فالدائن المزود بامتياز يمارس حقا على مال موجود في ذمة مدينه، و تكون وظيفة الامتياز استبعاد الدائنين الآخرين، أما الدعوى المباشرة فهي تقرر حقا للمضرور و تهدف إلى حصوله على مبلغ التأمين من المؤمّن دون أن يمر بذمة المؤمّن له، و بالتالي لا يشارك المضرور في هذا المبلغ باقي دائني المؤمّن له، فهي في الواقع وسيلة دفع ولا تقيم حق امتياز(5).



1- أنظر في عرض هذه النظرية، عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الثاني، في الإثبات و آثار الالتزام، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، فقرة 562، ص 989.
2- PICARD (M) et BESSON (A), les assurances terrestres en droit français, op.cit.,N°232.
3- أنظر في عرض ذلك : سعد واصف ، رسالته، ص 424- 425.
4- فايز أحمد عبد الرحمان ، التأمين من المسئولية عن حوادث السيارات، مرجع سابق ، ص 156-157.
5- رمضان أبو السعود، رسالته، ص 454.



البند الخامس: فكرة الباعث العيني و التعويض.
أولا: عرض النظرية
قال بهذه النظرية الأستاذ " وينز " الذي يرى أن التأمين من المسؤولية ينطوي على باعث عيني وليس باعثا شخصيا، بمعنى إن المصلحة المؤمن عليها هي مصلحة مادية مجردة و ليست مصلحة شخصية، فإذا جمعنا بين فكرة عينية التأمين و صفته التعويضية التي تهدف إلى تعويض المضرور، فان المضرور يكون هو صاحب المصلحة الوحيد، و هذه المصلحة تهيئ له دعوى مباشرة قبل المؤمّن الذي لا يعدو أن يكون التزامه سوى نوعا من الالتزام لحامله، أما مصدر التزام المؤمّن فهو الإرادة المنفردة، و أن إعلان هذه الإرادة يعتبر الأساس الذي يقوم عليه المستفيد من الدعوى المباشرة(1).

ثانيا : تقييم النظرية.
لم تلق فكرة الباعث العيني و التعويض قبولا لدى غالبية الفقهاء فانتقدوها بشدة، و اعتبروها لا تصلح لأن تكون أساس للدعوى المباشرة للأسباب التالية:
1- يؤخذ على هذه النظرية تأسيسها الحق المباشر للمضرور على التزام المؤمّن، و هذا غير صحيح، لان حق المضرور لا يتأسس على التزام المؤمّن، بل إن التزام المؤمن بأداء هذا الحق أساس الحق نفسه (2).
2- كما انتقدت هذه النظرية كونها تجعل المصدر المنشئ لالتزام المؤمّن هو الإرادة المنفردة، و هو غير صحيح لان المؤمّن لم يعلن عن هذه الإرادة في حال تحقق الخطر المؤمّن منه، و من ثم ينتفي حق المضرور قبله، وما لا يمكن القبول به، هذا من جهة و من جهة أخرى ليس هناك التزام بإرادة منفردة في نطاق عقد التأمين لان عقد التأمين يتم بإرادة كل من المؤمّن الذي يهدف إلى تحقيق مصالح اقتصادية، و المؤمّن له الذي يسعى إلى حماية ذمته المالية من رجوع المضرور عليه بالتعويض (3).

البند السادس: فكرة العدالة.
أولا : عرض النظرية .
تجد الدعوى المباشرة أساسا لها في روح و هدف القانون و هو العدالة، و يبرر هذا الأساس بأنه ليس من العدل أن يتضرر شخص ثم تحول القواعد العامة في القانون بينه و بين الوصول إلى التعويض، خصوما إذا ساهم في تكوين هذا التعويض وهذه قاعدة عدالة لأنها قاعدة ضرورية و تحقق أهداف التأمين و توازن بين الذمم(4).


1- أنظر في عرض ذلك: جمال جودة اللبان، مقال سابق، ص 243.
2- فيصل ذكي عبد الواحد، النظام القانوني لدعوى ضحايا حوادث المركبات الآلية، مرجع سابق، ص 142-143.
3- سعد واصف، رسالته، ص 422.
4- سعد واصف، رسالته، ص 427.


ثانيا : تقيم النظرية .
لم يعتمد غالبية الفقهاء هذه النظرية كأساس للدعوى المباشرة و ذلك للمبررات التالية:
1- لأن فكرة العدالة فكرة مرنة و تنخدر منها كل نصوص القانون و تمثل جوهر التشريع و مضمونه كما هي متغيرة من مجتمع لأخر(1).
2- أنه لا يمكن التسليم بما يقوله أنصار هذه الفكرة من أن المضرور قد يساهم في مقدار تعويض الذي تلتزم به شركة التأمين لأنه قد يكون من عابري الطريق، ففي هذه الحالة لا يصح القول بأنه أسهم في مقدار التعويض(2).
يتبين من عرض النظريات السابقة أنها لا تصلح كأساس تبنى عليه الدعوى المباشرة للمضرور من حادث سيارة تجاه المؤمن، وعلى ذلك لا يمكن أن تكون الدعوى المباشرة أحد تطبيقات النظريات السابقة.
لذا يمكن القول أن أساس هذه الدعوى هو القانون الذي يهدف الى توفير أكبر قدر من الحماية للمضرور من حادث سيارة، و هذا عن طريق ضمان حصوله على تعويض المناسب لجبر الضرر، و هذا ما جعل المشرع يعامل المضرور بطريقة تشكل استثناء على مبدأ المساواة بين الدائنين، و جعل ممارستها غير متوقف على إرادة طرفي الرابطة التأمينية، و جعلها كذلك غير مقيدة بمدى التزامات المؤمن اتجاه المؤمن له.
و مصدر هذه الدعوى هو قانون التأمين الإجباري 74 - 15 الذي نص في المادة الثامنة منه على ما يلي :
" كل حادث سير سبب أضرار جسمانية، يترتب عليه التعويض لكل ضحية أو ذوي حقوقها، و إن لم تكن للضحية صفة الغير تجاه الشخص المسؤول مدنيا عن الحادث.
و يشمل هذا التعويض كذلك المكتتب في التأمين و مالك المركبة كما يمكن أن يشمل سائق المركبة و سبب الحادث ضمن الشروط المنصوص عليها في المادة 13 بعده "(3).
كما أن المادة 5 من المرسوم 80 - 34 تدعم استقلالية الدعوة المباشرة و عدم جواز الاحتجاج على المضرور بالدفوع التي تكون للمؤمن قبل المؤمن له(4).

المطلب الثاني: طبيعة الدعوى المباشرة
إذا وقعت حادثة من حوادث السيارات، فانه يتولد عنها دعويان للمضرور، دعوى ضد المؤمن له، ودعوى ضد المؤمن، فيثور التساؤل هنا حول هل يستطيع المضرور أن يبادر برفع دعواه المباشرة ضد المؤمن، أم ينبغي عليه


1- فيصل ذكي عبد الواحد، النظام القانوني لدعاوى ضحايا حوادث المركبات الآلية، مرجع سابق، ص 145.
2- عمر إبراهيم حسين، مرجع سابق، ص 236.
3- أنظر الأمر 74-15 المؤرخ في 30 يناير 1974 يتعلق بإلزامية التأمين على السيارات و بنظام التعويض عن الأضرار، المعدل و المتمم بالقانون رقم 88-31 المؤرخ في 19 يوليو 1988.
4- أنظر المادة: 05 من المرسوم رقم 80-34 المؤرخ في 16 فبراير 1980 يتضمن تحديد شروط تطبيق المادة 07 من الأمر رقم 74-15 المؤرخ في 30 يناير 1974 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات، و بنظام التعويض عن الأضرار.


أن يتربص بالمؤمن له الى أن يحكم في دعواه ضد المؤمن له ثم يعود فيرفع دعواه المباشرة ضد المؤمن،أم أنه يستطيع أن يخاصم كلا من المؤمن و المؤمن له في دعوى واحدة؟.
للإجابة على هذه الأسئلة، لابد من عرض موقف الفقه و القضاء ( الفرع الأول )، ثم تقييمهما ( الفرع الثاني ).

الفرع الأول: موقف الفقه و القضاء
اختلف الفقه و القضاء حول تحديد الطبيعة القانونية للدعوى المباشرة، و نتج عن هذا الاختلاف ظهور ثلاثة مذاهب، مذهب يرى أن المضرور لا يستطيع أن يمارس دعواه المباشرة ضد المؤمن إلا إذا حصل على حكم بالتعويض ضد المؤمن له (البند الأول)، و مذهب آخر يرى أنه يكفي أن يختصم المضرور المؤمن و المؤمن له في دعوى واحدة (البند الثاني)، أما المذهب الثالث فيرى أن الدعوى المباشرة دعوى قائمة بذاتها و ليس من الضروري سبق مخاصمة المؤمن له(البند الثالث).

البند الأول: الدعوى المباشرة تابعة لدعوى المؤمن له
يرى أنصار هذا المذهب أن المضرور لا يمكن أن يرجع على شركة التأمين بمجرد وقوع الحادث، بل يجب عليه أن يحصل حكم نهائي بتقرير مسؤولية المؤمن له من الحادث، ثم يقدم هذا الحكم في الدعوى المباشرة التي يرفعها على المؤمن، لان الدعوى المباشرة حسب أنصار هذا المذهب دعوى تابعة تستند الى غيرها و ليست قائمة بذاتها (1).
و معنى ذلك أن المضرور لا يمكنه رفع الدعوى المباشرة ضد المؤمن إلا بعد ثبوت مسؤولية المؤمن له عن الحادث، و يستوي أن تتقرر هذه المسؤولية أمام القسم المدني الذي يحكم عليه بالتعويض أو أمام القسم الجزائي الذي يحكم عليه بعقوبة جزائية(2).
و يؤكد هذا المذهب قضاء محكمة النقض المصرية بتاريخ 15 فيفري 1977 بأن " نص المادة 05 فقرة 01 من قانون رقم 652 لسنة 1955 في شأن التأمين الإجباري من المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات يدل على أن المشرع رغبة منه في حماية المضرور رتب له حقا مباشرا في مطالبة المؤمن بالتعويض المستحق له في ذمة المؤمن له، مما أكد بمقتضاه أن مسؤولية المؤمن قبل المضرور على أساس الدعوى المباشرة لا تقوم إلا إذا تحققت مسؤولية المؤمن له، بحيث إذا حكم بعدم مسؤولية هذا الأخير مدنيا انتفت مسؤولية المؤمن، و لا يستطيع المضرور بعد ذلك أن يرجع بالدعوى المباشرة "(3).


1- أنظر في عرض هذا المذهب: محمد المنجي، دعوى تعويض حوادث السيارات، منشأة المعارف بالإسكندرية، طبعة 2004، ص 266.
PICARD- l'autonomie de l'action directe, revue générale des assurances terrestres, 1933,p725et s.
2- جمال الدين جودة اللبان، مقال سابق، ص 254.
3- عمرو عيسى الفقي، الموسوعة القانونية في المسؤولية، دار الكتب القانونية، مصر، طبعة 2002، ص213-463.


البند الثاني : الدعوى المباشرة دعوى احتياطية
لا يتطلب هذا المذهب أن ترفع الدعوى المباشرة بعد الحكم بمسؤولية المؤمن له ، بل يكتفي أن يخاصم المضرور المؤمن له و شركة التأمين في دعوى واحدة ليصدر فيها حكم و احد عليهما معا مقررا مسؤولية المؤمن له و ملزما شركة التأمين بالتعويض(1).
فالدعوى المباشرة حسب هذا المذهب ليست تابعة لدعوى المضرور ضد المؤمن له، و ليست مستقلة عنه استقلالا تاما و إنها تسير معه جنبا إلى جنب بل هي دعوى احتياطية.
و يضيف الأستاذ سعد واصف بأن كل من المدينين، المؤمن و المؤمن له، يلتزم بكل دين إذا وجه المضرور إليه دعواه، و لكن لا تضامن بينهما، لان دين كل منها ليس له مصدر واحد، فالتزام المؤمن له مصدره يتمثل في الفعل الضار أو عقد النقل، و التزام المؤمن مصدره القانون، و لا اتحاد في سبب من المدينين، و لا يوجد اتفاق بين المؤمن والمؤمن له أو بينهما و بين المضرور على التضامن كما أنه لا يوجد نص في القانون على هذا التضامن (2).

البند الثالث: الدعوى المباشرة المستقلة عن دعوى المؤمن له
يرى أنصار هذا الرأي أن الدعوى المباشرة التي تكون للمضرور قبل المؤمن تنشأ للمضرور بمجرد وقوع الحادث، فيكون من حق المضرور رفعها دون حاجة إلى اختصام المؤمن له معها و دون حاجة إلى سبق حصوله على حكم يقرر مسؤولية المؤمن له عن الحادث .
فحسب هذا المذهب فان الدعوى المباشرة مستقلة استقلالا تاما فهي ليست تابعة لغيرها إذ لا تتطلب سبق حصول المضرور على حكم بتقرير مسؤولية المؤمن له، و ليست احتياطية إذ لا تتطلب اختصام المؤمن له مع المؤمن(3).
و يعتبر الفقيه " ليون مازو (L. MAZEAUD)" من زعماء هذا المذهب الذي يؤكد على أن الدعوى المباشرة للمضرور ضد شركة التأمين مستقلة عن دعواه ضد المؤمن معنى ذلك أن للمضرور دعويان متميزتان يستطيع أن يرفعهما معا أو يكتفي بواحدة منهما حسب مشيئته و إذا اختار الاثنين فيمكنه ممارستهما معا أو بالتتابع، و إذا اختار التتابع فله الخيار في أن يبدأ بدعواه ضد المؤمن أو بدعواه ضد المؤمن له(4).
ومن أنصار هذا المذهب في الفقه المصري الأستاذ فايز عبد الرحمان الذي يرى بأن حق المضرور المباشر قبل المؤمن ينشأ من القانون و بمجرد ارتكاب الحادث الذي يقع من السيارة المؤمن عليها، سواء كان مرتكب الحادث هو المؤمن له أو غيره، فالمؤمن ملزم بدفع التعويض للمضرور، و ليس هناك ما يدعوا لتأخير ذالك حتى يصدر حكم بمسؤولية المؤمن له أو اختصام المؤمن له ليصدر الحكم بتقرير مسؤوليته (5).

1- محمد المنجي، مرجع سابق، ص 266- 267.
2- سعد واصف ، رسالته ، ص475.
3- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط، الجزء السابع، المجلد الثاني، مرجع سابق، فقرة 558، ص1684.
4- هنري مازو، مجلة القانون و الاقتصاد مطبعة جامعة القاهرة، السنة الثانية ص 42 و ما بعدها.
5- فايز أحمد عبد الرحمان، التأمين من المسؤولية عن حوادث السيارات، مرجع سابق، ص 173-174.

و هناك أحكام في القضاء المصري تؤيد هذا المذهب إذ قضت محكمة النقض المصرية بتاريخ 03 جوان بما يلي: " أنه لما كانت المادة 05 من القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجباري من المسؤولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات صريحة في أن للمضرور أن يرفع دعواه مباشرة على المؤمن الذي يلتزم بدفع التعويض الذي يحكم به قضائيا مهما بلغت قيمته الى صاحب الحق فيه مباشرة، و لم تشترط أن يصدر حكم قضائي بالتعويض قبل المؤمن له لأن المشرع أخضع دعوى المضرور مباشرة قبل المؤمن للتقادم الخاص و هذا دليل على افتراضه أن يكون المؤمن له غير ممثل في الدعوى، فأعطى المؤمن حق الدفع بالتقادم الخاص الذي له قبل المؤمن له، و لأن اشتراط تمثيل المؤمن له في الدعوى المباشرة و إلا كانت غير مقبولة، يجعل دعوى المضرور قبل المؤمن غير مباشرة و تابعة للدعوى التي ترفع على مالك السيارة و ينتفي بذلك فرض المشرع من تقريرها " (1).

الفرع الثاني : تقييم موقف الفقه و القضاء
أولا: فيما يتعلق بالمذهب الأول اعترض عليه بأن إعماله يؤدي إلى تعطيل المضرور بعض الوقت من الوصول الى حقه لأنه يضع في طريقه شرطا ليس له سند في القانون، مقتضاه ضرورة حصوله على حكم نهائي يقضي بقيامه مسؤولية المؤمن له عن الحادث الذي أدى إلى حدوث الضرر، و ذلك يشكل تعقيدا للأمور لا مبرر له، و يتنافى مع روح التأمين الإجباري و إن كان ليس هناك ما يمنع من الناحية العملية من إن يسلك المضرور هذا المسلك، لكن نظرا للعقبات التي يضعها للمضرور يتعين عدم الأخذ بهذا المذهب(2).

ثانيا : فيما يتعلق بالمذهب الثاني الذي يعتبر الدعوى المباشرة من قبل الدعاوى الاحتياطية، يعتبر مع روح التأمين الإلزامي من حوادث السيارات لأن دور المؤمن في إطار هذا النوع من التأمين يقتصر على تغطية الأضرار التي تنتج من جراء وقوع حادث سيارة مؤمن عليها، مع تخويله الحق في الرجوع على المؤمن له بما دفعه من تعويض للمضرور متى كان هناك مجال لذلك، و لكن هذا الالتزام ليس مطلقا، بل يرتبط بثبوت مسئولية قائد السيارة عن الحادث الذي نتج عنه الضرر، و معنى ذلك إذا كان الحادث ناتجا عن سبب أجنبي فلا يمكن للمضرور الرجوع على المؤمن لمطالبته بالتعويض عن الضرر اللاحق به.
و بناء على ما سبق لكي يمكن لضحايا حوادث السيارات الرجوع على المؤمن لمطالبته بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم، يجب عليهم إدخال المؤمن له خصما في الدعوى المباشرة حتى يبث في مسؤوليته عن الحادث و في مقدار التعويض، لان مسؤولية المؤمن له هي منشأ الدعوى المباشرة.


1- الحكم أشار إليه عز الدين الديناصوري، عبد الحميد الشواربي، المسؤولية المدنية في ضوء الفقه و القضاء، الفنية للتجليد الفني، الإسكندرية، الطبعة 7 ، سنة 2000، ص686 و ما بعدها.
2- سعد واصف، شرح قانون التأمين الإجباري من المسؤولية عن حوادث السيارات، مرجع سابق، ص 174.


و أساس ذلك المادة: 16 مكرر من القانون 88 - 31 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات و بنظام التعويض عن الأضرار التي تنص على ما يلي: " أذا كان الحادث ناجما عن مركبة مؤمنة، يستدعي المؤمن أمام الجهة القضائية الجزائية في نفس الوقت الذي تستدعي فيه الأطراف طبقا لقانون الإجراءات الجزائية "(1).
فهذا النص يبين أن ممارسة ضحايا حوادث السيارات لحقوقهم تجاه المؤمن مباشرة يتطلب في نفس الوقت ضرورة استدعاء قائد المركبة التي وقع بها الحادث الذي نتج عنه الضرر، بغض النظر عما إذا قائد السيارة هو المؤمن له أو أحد أتباعه، أو شخص من الغير.

ثالثا: فيما يتعلق بالمذهب الثالث الذي يعتبر الدعوى المباشرة دعوى مستقلة عن دعوى المؤمن فيرى الأستاذ سعد واصف، أنه متطرف و مجاف لطبيعة التأمين، ذلك أن الخطر الذي يغطيه المؤمن، هو المطالبة الودية أو القضائية التي يوجهها المضرور للمؤمن له، فوجود هذه المطالبة لازم لمطالبة المؤمن (2).
كما أن المذهب يعترض مع المضمون عقد التأمين من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات الذي يغطي مسؤولية المؤمن له أو من يسوق السيارة المؤمن عليها التي أحدثت الضرر، و بذلك يتطلب لالتزام المؤمن بالتعويض ضرورة ثبوت مسؤولية المؤمن له أو من يسوق السيارة عن الحادث الضار، و لا يمكن اعتبار دعوى المضرور في مواجهة شركة التأمين مستقلة عن دعواه في مواجهة المؤمن له، لان القول بهذا الاستقلال يعني إتاحة المجال أمام المضرور للبدء بمباشرة الدعوى المباشرة، و بناء على هذا لا يمكن الأخذ بالمذهب الأخير.

المطلب الثالث : أحكام الدعوى المباشرة
للدعوى المباشرة أحكام تحدد المحكمة المختصة بالنظر فيها محليا و نوعيا ( الفرع الأول )، كما تبين أطرافها ( الفرع الثاني ).

الفرع الأول: المحكمة المختصة بنظر الدعوى المباشرة.
يجب أن ترفع الدعوى المباشرة أمام المحكمة المختصة نوعيا ( البند الأول )، و محليا ( البند الثاني ).

البند الأول : الاختصاص النوعي
أولا: اختصاص القاضي الجزائي بنظر الدعوى المباشرة
إذا كانت الدعوى المباشرة للمضرور ضد المؤمن هي دعوى مطالبة بالتعويض عن الضرر الناشئ عن

1- أنظر المادة : 16 مكرر من القانون رقم 88-31 المؤرخ في 19 جويلية 1988 المعدل و المتمم لأمر رقم 74-15 المؤرخ في 30يناير 1974 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات و بنظام التعويض عن الأضرار.
2- سعد واصف، شرح قانون التأمين الإجباري من المسؤولية عن حوادث السيارات، مرجع سابق، ص 175.

حادث من حوادث السير، فان التساؤل قد يثار عما إذا كان المضرور يستطيع أن يرفع هذه الدعوى ضد المؤمن أمام قسم الجنح أو المخالفات، خاصة إذا كان حادث السيارة نشأت عنه جنحة القتل الخطأ أو الجروح الخطأ وفقا لقانون العقوبات، و تم تحريك الدعوى العمومية في مواجهة المتهم " المؤمن له " لينظرها قسم الجنح أو المخالفات.
و لعل الذي أثار هذا التساؤل هو ما لقسم الجنح و المخلفات من اختصاص استثنائي بنظر الدعوى المدنية المتصلة بجنحة أو المخالفة، و مقتضى ذلك أنه يجوز للمضرور أن يرفع الدعوى المدنية ضد المؤمن له أمام قسم الجنح أو المخالفات الذي ينظر الدعوى العمومية (1).
أما فيما يتعلق بمدى اختصاص المحاكم الجزائية بنظر الدعوى المباشرة للمضرور ضد المؤمن فظهر هناك اتجاهين في الفقه الاتجاه الأول يرفض ذلك و الاتجاه الثاني يجيزه.

الاتجاه الأول:
يرى أنصار هذا الاتجاه أنه لا اختصاص للمحاكم الجزائية بنظر الدعوى المباشرة للمضرور ضد المؤمن استنادا الى نص المادة 182 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي التي تنص على أنه لا يمثل أمام المحاكم الجنائية إلا المهتم و المسئول عن الحقوق المدنية نتيجة للفعل لضار، و قد حددت المادة 1382 مدني فرنسي و ما بعدها المسئولين عن الحقوق المدنية و ليس من بينهم المؤمن(2).
كما يرى أنصار هذا الاتجاه في الفقه المصري أن المادة 253 فقرة 3 من قانون الاجرءات الجنائية المصري التي تنص: " ..... و لا يجوز أمام المحاكم الجنائية أن ترفع دعوى الضمان و لا أن يدخل الدعوى غير المدعى عليهم بالحقوق المدنية و المسئولين عن الحقوق المدنية ".
و يرى أنصار هذا الاتجاه أن المقصود بالمسئولين عن الحقوق المدنية الأشخاص المسئولين عن أعمال تابعيهم أو المنوط بهم رعايتهم أو من يسألون عن فعل الحيوان أو البناء أو الآلات، و يرون أن المواد من 172 إلى178 من القانون المدني المصري حددتهم على سبيل الحصر و ليس من بينهم المؤمن(3).



1- أبو زيد عبد الباقي ، التأمين من المسؤولية عن حوادث السير ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة، سنة 1975، ص 428.
2- PICARD et BESSON les assurances terrestres en droit français, op.cit N°388, P566, CF: CHORMANTIER (A) et ROUZY (M), l'assurance automobile, paris, 1940, N°447, P448, COCRAL (F), la responsabilité du fait de l'usage de tous véhicules terrestres et le contrat d'assurance, paris 1ére édition, 1971, p362.
3- سعد واصف، رسالته، ص 447، و كتابه في شرح قانون التأمين الإجباري، مرجع سابق، ص 165.



و يضيف أنصار هذا الاتجاه لتبرير موقفهم و تفسيرا لهذه المواد، بأن المؤمن ليس مسئولا عن نتائج الفعل الضار لان التزامه نحو المؤمن له و المضرور إنما هو ناشئ عن عقد التأمين، و حينما يطالبه المضرور بالتعويض فهو إنما يطالبه بتنفيذ هذا العقد، و على ذلك فكل نزاع يقوم حول تنفيذ عقد التأمين إنما نزاع يتعلق بالمسؤولية العقدية فينفرد بالفصل فيه القسم المدني(1).
و نظرا لما يترتب على القول بعدم اختصاص المحاكم الجنائية بنظر دعوى المضرور ضد المؤمن من نتائج في غير صالح المضرور، كونها تؤخر حصول المضرور على حقه في التعويض إلى ما بعد الفصل في الدعوى العمومية، نادى بعض الفقهاء بضرورة تدخل المشرع بنص صريح يسمح للمضرور مخاصمة المؤمن مع المؤمن له المسئول أمام قسم الجنح (2).

الاتجاه الثاني: و هو الاتجاه الغالب في الفقه المصري(3)، و يرى بأن التفسير السليم لنصوص القانون يؤدي إلى القول باختصاص قسم الجنح أو المخالفات بنظر دعوى المضرور المباشرة ضد المؤمن، و ليس هناك ما يدعو إلى تدخل المشرع لإعطائه هذا الاختصاص، و يستند أنصار هذا الاتجاه إلى الحجج التالية :
1- إن الدعوى المباشرة ليست دعوى ضمان التي لا يجوز رفعها أمام القسم الجزائي حسب نص المادة :253 قانون الإجراءات الجنائية المصري، لأن المؤمن لا يعتبر ضامنا لمجرد أنه يدفع التعويض للمضرور، و إلا كان معنى ذلك اعتبار كل من المتبوع و متولي الرقابة ضامنين، و الدعوى المدنية ضدها دعوى ضمان فلا تختص المحكمة الجنائية بنظرها، و هذا ما لم يقل به أحد، فقد يتعدد المسئولون عن التعويض مع اختلاف مصدر التزام كل منهم، دون أن يكون أحدهم ضامنا للأخر.
2- أن المصدر التعاقدي للالتزام لا يمنع من اختصاص المحكمة الجنائية بنظر دعوى المضرور المباشرة ضده، لان المعيار الصحيح لتحديد اختصاص القاضي الجزائي بالفصل في الدعوى المدنية، هو أن يكون الضرر المطلوب تعويضه ناشئ مباشرة عن الجريمة المعروضة عليه.
و يبدو أن الموقف الجدير بالأخذ في الجزائر هو ما قال به الاتجاه الثاني، و السند في ذلك نص المادة : 16 مكرر فقرة 1 من القانون 88-31 المتعلق بإلزامية التأمين على السيارات و التي جاء نصها كما يلي : " إذا كان الحادث ناجما عن مركبة مؤمنة، يستدعى المؤمن أمام الجهة القضائية الجزائية في نفس الوقت الذي تستدعي فيه الأطراف طبقا لقانون الإجراءات الجزائية ".


1- أبوا زيد عبد الباقي، رسالته، ص 430.
2- PICARD et BESSON, traité général des assurances terrestres en droit français, tome 3, paris,1943, P541.
و أنظر أيضا: سعد واصف، هل تخصص المحاكم الجنائية بعد صدور قانون التأمين الإجباري بنظر الدعوى المدنية التي يرفعها المضرور ضد شركة التامين، مجلة المحماة: العدد الرابع السنة 41، ص591.
3- حلمي راغب حنا، دعوى المضرور ضد شركة التأمين، مجلة المحماة، العددين: 5،6، السنة46، ص 500.


يتضح من هذا النص أنه يجوز للمضرور اذا أدعى مدنيا في مواجهة المتهم المتسبب في إحداث الضرر، أن يختصم المؤمن لإلزامه بالتعويض المحكوم به من الجهة القضائية الجزائية في الدعوى المدنية التبعية التي يرفعها المضرور بالتبعية للدعوى العمومية المرفوعة على مرتكب الحادث سواء كان المتهم هو المؤمن له أو أحد تابعيه أو أي شخص من الغير تمتد مسؤولية المؤمن إلى تغطية مسئوليته المدنية الناشئة عن حوادث السيارات.

ثانيا : اختصاص القاضي المدني بنظر الدعوى المباشرة .
يجوز للمضرور أن يرفع الدعوى المباشرة أمام القاضي المدني، و هذا حسب الأصل العام الذي يعطي الاختصاص بالفعل في الدعاوى المدنية للقاضي المدني، و بالتحديد للقسم المدني للمحكمة المختصة محليا.
و بالإضافة إلى ذلك أعطي المشرع الجزائري الاختصاص للمحاكم المدنية للفصل في المنازعات المتعلقة بالمسؤولية و الرامية لطلب تعويض الأضرار الناجمة عن سيارة تابعة للدولة أو لإحدى الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية (1).










رد مع اقتباس