منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - لكل من يبحث عن مرجع سأساعده
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-09-26, 18:50   رقم المشاركة : 55
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سامي86 مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا وبركة اريد مراجع في تخصص نظرية الادب والمناهج النقدية والادب والانواع الادبية عاجل لم يبقى على مسابقة الماجستار عدة ايام وشكراااااااا
انا جد
الأدب
الأشكال الأساسية
رواية · قصيدة · دراما
قصة قصيرة · رواية قصيرة
أنواع الأدب
ملحمة · غنائي · دراما
رومانسية · هجاء
تراجيديا · كوميديا
الكوميديا التراجيدية
أدب مقارن
الوسائط
أداء (مسرجية) · كتاب










حول نظرية الأدب الإسلامى
حوار / محمد عبدالشافى القوصي
إضاءات
* الأدب الإسلامى مشروع تطهيرى لتنقية الكلمة من شوائب العلمانيين والماديين
* الأدب الإسلامى يأبى الانحراف والإغراق فى الذات والزيف
* الأدب الإسلامى يتعامل مع العديد من الحقائق الإلهية والكونية والإنسانية
مدخل :
منذ سنين خلت ، ارتفعت أصوات بعض المخلصين من الأدباء بضرورة إنشاء رابطة للأدب الإسلامى، تبرز خصائص هذا الأدب وتذود عن شخصيتنا الحضارية، وتدافع عن حقوق الأدباء الإسلاميين وكان فى مقدمة هؤلاء الرجال، الشيخ أبو الحسن الندوى، والراحل نجيب الكيلانى، وآخرون من دونهم نحن نعلمهم0
* وللأسف الشديد، فإن هذه الفكرة، حتى وإن خرجت إلى حيز التنفيذ لم تجد رجالا يتعهدونها بالرعاية والمتابعة حتى تشب وتترعرع، فسرعان ما اندثر الملتفون حول الراية، وراحت جهودهم سدى، وذهبت ريحهم، وهناك من يرجع ذلك لعدم كفاءة هؤلاء القائمين على أمر رابطة الأدب الإسلامى، أو ربما لعدم كفاءة هؤلاء القائمين على أمر رابطة الأدب الإسلامى ، أو ربما لعدم معايشتهم للقضية، فهم يتكلمون بحرارة . ولكن طبقات الجليد تعلو أفعالهم .. أو ربما لأسباب أخرى كما يرى الأدباء الشبان!
أد/ صابر عبدالدايم وكيل كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر أكد فى حديث لـ العالم الإسلامى أن فكرة ايجاد مثل هذه الرابطة كانت تريد أن تؤكد أن الأدب الإسلامى هو مشروع تطهيرى يحاول تنقية الكلمة من الشوائب لأنه يؤكد على صدق المحتوى وشرف الغاية وسلامة الوسيلة، وجمال العرض، ويعترف ببشرية الإنسان الناقصة وحاجتها إلى الترويح البرئ. موضحا أن الأدب العربى المعاصر لا ينهض بكل هذه الملامح0
وقال إن هناك تبعية فى الأدب العربى لا ينكرها أحد. وهذه التبعية تتمثل فى المناهج الأدبية كالرومانتيكية، والكلاسيكية، والواقعية والرمزية وغيرها، التى ترمى إلى فصل الأدب عن الفكر الإسلامى، وبإعلاء الشخصيات المشبوهة، وبالسقوط الأخلاقى، وبضرب لغة القرآن، ومحاكمة الشخصيات الإسلامية بمعايير مادية، وكسر الثوابت، والإيمان بشمولية التغيير واستمراره0
نظرية الأدب الإسلامى :
ونظرية الأدب الإسلامى لم تجتث من الأرض ولم تكن طارئة إنها تمتد بجذورها فى عمق تاريخى لا مثيل له فى كل الآداب العالمية، وجذور الأدب الإسلامى مسوغات لاستمراره ، فالقرآن بكل ما يحفل به من مدد بيانى معين لا ينضب يتدفق فى شرايين الأدب، ويمده بأرقى الأساليب، وأشرف الأفكار، وأنبل الغايات، والحديث النبوى يفيض بفصاحة عربية، والشعر العربى الذى نافح عن الإسلام جنبا إلى جنب مع المجاهدين فى سبيل الله، تمتد وشائجه إلى اليوم ليضخ فكره وجمالياته فى محيط الأدب الإسلامى الحديث 0
وأكد د. عبدالدائم أن أدبنا الإسلامى الذى له هذه الجذور الراسخة، لماذا تقام المحاذير من حوله، ولماذا يثار الجدل فيما بيننا عن مدى مشروعية المصطلح، لقد أدلج الغرب أدبه وسخره لخدمة مبادئه وأفكاره، وأكسبه بهذا قيمة دلالية وجعله رسول دعوة يتخطف الناس ببريقه، ولم يقل أحد عن هذا ما قاله المتحفظون الرافضون لمشروعية الأدب الإسلامى0
وقال إن الأدب الإسلامى يريد فقط تميز الأديب المسلم بأدائه وذلك بإبراز الحس الإسلامى وتجلية جماليات الكون للالتفات إلى مبدع الكون0
مشيرا إلى أن على المبدع أن يمارس إبداعه بحرية مطلقة ولكن عليه أن يستحضر عظمة الخالق، فالكون صنع الله الذى أتقن كل شىء وهذا الاستحضار كفيل بإنتاج أدب إسلامى رفيع المستوى0
وفيما يلى تفاصيل هذا الحوار 0
ما هى معالم التجربة الأدبية فى ظل خصائص التصور الإسلامى من وجهة نظركم ؟
نعم .. إن الشخصية الإسلامية لها مقوماتها التى لا تتجزأ، ولها تصوراتها التى لا تقبل التشتت، وهذه المعالم تنطلق من منظور كلى شامل. فى العقيدة والكون والأدب والحياة، فموقف المسلم من هذه المعالم. موقف متماسك غير مجزأ والتأمل فى خصائص التصور الإسلامى لا يكون بمنأى عن حقل التجربة الأدبية فى ظل التصور الإسلامى، لأن المنهج لا يختص بالتصور الدينى فقط، بل يعالج ويدرس فكرة الإسلام عن الله والكون والحياة والإنسان0
والأديب المسلم فى ظل هذا التصور تنطلق تجاربه من منبع إيمانه الفياض بالتسليم المطلق لخلاق الكون جل وعلا ، وهو يمزج هذه الانطلاقة الإيمانية بالتأمل فى مشاهد الكون، والنظر فى ملكوت السموات والأرض، واستجلاء معالم القدرة الإلهية فى صنعة هذا الكون البديع المتناسق0
وهو فى غمرة تجاربه الإيمانية والتأملية لا يكون بمعزل عن واقع الحياة ومشاغل الإنسان وآماله وأحلامه، فهو فى إيمانه يتأمل ما خفى من أسرار الكون، وهو فى تأملاته يستجلى أسرار الحياة ويبحث عن منافذ الخلاص للإنسان عبر رؤية إسلامية متميزة. متفردة تصاغ معالمها فى قالب فنى مؤثر0
ويستطرد الدكتور صابر عبدالدايم المسلم حين يمتزج وجدانه بأضواء الحقائق السابقة وتتشرب مشاعره معالمها، وتأتى تجاربه شاملة مؤثرة، تتجاوز الخاص إلى العام، وتسمو فوق الرغبات الدنيا، تشتاق إلى معانقة الوجود، المثالى، الوجود المسلم بكل ما يحمله من خير للإنسان. وخصوبة للمشاعر، ونقاء للأحاسيس، وبذلك ندرك أهمية تعرف الشباب المسلم على هذه الخصائص، والسير فى ظلها، وفى أضوائها حين يسافر فى مدائن التجارب الإبداعية محملا بشحنات العواطف وثمار الأفكار0
الإخلاص فى القضية :
* كيف ترون الإخلاص لقضية تصفية التصور الإسلامى من الشوائب .. وهل يمكن تحقيق ذلك ؟
إن مأساة الجيل الحاضر أنه تاه فى دروب الفلسفات المتباينة وتاهت هنا معالمه الحقيقية ، وهى المعالم التى حددها القرآن العظيم0
وأعتقد أن حماسنا لقضية تصفية التصور الإسلامى من كل شائبة، قد دفعا بنا إلى الموقف الرافض لثمار الفكر الإسلامى فى أزهى عصور الحضارة الإسلامية، حيث اصطدم التصور الإسلامى بالفلسفات والثقافات الأخرى، واشتغل الناس بالفلسفة الإغريقية وبالمباحث اللاهوتية، التى ترجمت إلى اللغة العربية، ونشأ عن هذا الاشتغال الذى لا يخلو من طابع الترف العقلى فى عهد العباسيين وفى الأندلس أيضا انحرافات واتجاهات غريبة على التصور الإسلامى الأصيل0
ومشكلة الفلسفة الإسلامية أن رجالها فتنوا بالفلسفة الإغريقية وبالمباحث اللاهوتية وظنوا أن الفكر الإسلامى لا يستكمل مظاهر نضوجه واكتماله أو مظاهر أبهته وعظمته إلا إذا ارتدى هذا الزى. زى التفلسف والفلسفة، ولذا نحن نرفض بشدة تغريب الفكر الإسلامى وتذويب هوية حضارتنا العربية 0
وفى الحقيقة إننا لا نستطيع أن نلغى كل الجهود الفكرية لعلماء الإسلام، فهم لم يكونوا نسخا مشوهة من فلسفة الإغريق، وإنما وجدناهم يصفون ما يترجمونه ويحاولون الانتفاع بما يجدونه نافعا فى مجالات التفكير، وقد وقف علماء الإسلام فى وجه الملاحدة والزنادقة وناظروهم وأفحموهم، ففكرهم برغم ما شابه من تأثر بالفلسفات الأخرى كان صورة لمقومات الشخصية الإسلامية، ومكونات التصور الإسلامى، ولا أحد يستطيع أن ينكر جهود ابن رشد والكندى والفارابى وابن سينا والغزالى، وكذلك جهود المحدثين والمفسرين والفقهاء وعلماء اللغة والأدب والبلاغة، وكتب التراث حافلة بالمناظرات والحوارات والمناهج التى دافع من خلالها علماء الإسلام وفلاسفته عن عقيدة الإسلام الصافية0
وفى المجال الأدبى لم يقلد النقاد والشعراء الأدب الإغريقى "الوثنى" لأنه لم يترجم لهم كاملا، وكذلك لا يتوافق هذا الأدب بما يحوى من تصور أسطورى ، ورؤية وثنية مع وجدان الشاعر المسلم، وبرغم هذا الحذر لم ينج الشعراء والكتاب من إصابتهم بسهام هذه الثقافات الملحدة، فظاهرة المجون فى العصر العباسى وسريان الخيط الفلسفى فى النسيج الشعرى عن أبىتمام والمتنبى وأبىالعلاء يعد أثرا من آثار هذه الثقافات اليونانية والفارسية والهندية وغيرها0
وبرغم هذه السمات السلبية للتأثر بالثقافات الأجنبية فى الفكر الإسلامى ، لا نستطيع عزل التراث جملة عن التصور الإسلامى، لأن التأثير سمة كل حضارة زاهية مشرقة، والحضارة الإسلامية لها سماتها المميزة فى الفكر والأدب والعمارة والفنون، وقد أثرت فى ازدهار الحضارات الأوربية فى العصر الحديث 0
الوعى والحذر :
ترى ما هو موقف الأديب المسلم من التراث الإنسانى الموروث أو المعاصر . هل يقبله أم يرفضه ؟
الحقيقة أن الأديب المسلم مطالب بالوعى التام، والحذر الشديد وهو يقرأ التراث الإنسانى، مطالب بهضم ذلك التراث وتصفيته من الشوائب حتى لا تتحول تجاربه إلى مسخ شائه، لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، فتجربة الأديب المسلم موشاة بإطار العقيدة السمحة، فالعقيدة الإسلامية بوجه خاص تخاطب الكينونة الإنسانية بأسلوبها الخاص، وهو أسلوب يمتاز بالحيوية والإيقاع واللمسة المباشرة والإيحاء بالحقائق الكبرى التى لا تتمثل كلها فى العبادة، ولكن توحى بها العبادة، كما يمتاز هذا الأسلوب بمخاطبة الكينونة الإنسانية بكل جوانبها وطاقاتها ومنافذ المعرفة فيها، ولا يخاطب الفكر وحده فى الكائن البشرى0" كما يقول الأستاذ سيد قطب " 0
والأديب المسلم ثمرة هذا التكوين الإسلامى المميز، فأسلوبه شعاع من ذلك الأسلوب، الذى كونه وامتاز بالحيوية والإيقاع واللمسة المباشرة والإيحاء بالحقائق الكبيرة التى لا تتمثل كلها فى العبارة، ولكن توحى بها العبارة0
وهذه السمات من أدق الخصائص التى يجب أن توشى التجربة الأدبية فى ظل التصور الإسلامى 0
النمو الروحى .. ضرورة:
كيف ترون إيجابية التصور الإسلامى التى تختلف . بالطبع . عن الفلسفات والمذاهب الشاذة من وجهة نظركم ومن خلال الرؤية الإسلامية الصادقة؟
والمعروف أن إيجابية التصور الإسلامى تتعلق بالمعتقد والفكر والأدب والحياة والسلوك. عامة . فى هذه الحياة .. وهذه الإيجابية فى التصور تراها سارية فى تجارب الأدباء الإسلاميين رؤية وأداء أو من شأنها أنها تسرى وتصبغ ابداعهم بصبغة السمو الروحى، والتفاؤل المشرق حيث لا تغرق الرؤى فى ضباب الأحزان ولا تحرق بنار الألم المبدعة، ولا تستعذب الألم لذاته0
فالصفات الإلهية فى التصور الإسلامى ليست صفات سلبية، والكمال الإلهى ليس فى الصورة السلبية التى جالت فى تصور أرسطو، وليست مقصورة على بعض جوانب الخلق والتدبير كما تصور الفرس فى صفات "هرمز" إله النور والخير، واختصاصاته، وليست محدودة بدرجة من درجات الخلق كما تصور أفلاطون، وليست محدودة بحدود شعب كتصورات بنى إسرائيل، وليست مختلطة أو متلبسة بارادة كينونة أخرى كبعض تصورات الفرق المسيحية، وليست معدومة على الإطلاق كما تقول المذاهب المادية التى تنفى وجود الإله الحى المريد ، إلى آخر هذا الركام الزائف من الرؤى العمياء0
إذن فالتجربة الإبداعية الإسلامية تنبثق من خصائص التصور الإسلامى، وتموج بكل ما تحمله التجارب الأدبية من عاطفة جياشة، وخيال متوقد وبصيرة نافذة، ورؤى متفتحة على الآفاق الكونية، والطموحات الإنسانية، وفى تفتحها المستنير لا تنفصل عن دائرتها الكبرى دائرة "الإسلام" ومع ذلك فهى ليست بمنأى عن البيان العربى المشرق، لا تنطفئ فى أدواتها اشراقة الفن، ولا يخبو وهج الأداء فى تعاملها مع الله والكون والحياة !
والدعوة إلى معرفة النقيض أو اكتشاف معالم الوجه المضاد تفتح أمام المفكر المسلم، والأديب المسلم أبوابا متعددة للدخول منها إلى عوالم الثقافة القديمة والحديثة، فالأديب المسلم ليس بمعزل عن التيارات السائدة، بل عليه أن يتحصن ضد المعرفة بالمعرفة، فيصغى، ويحلل، ويفحص ما يقدم إليه، ويقبل ما يتوافق مع فطرته الإنسانية، ورؤاه الفنية ، ويكشف زيف الفكر الدخيل، والرؤى الهدامة، وهذه هى "الحركة الإيجابية" التى يتجاوز بها المسلم دائرة المعرفة الجامدة الباردة0
وصدق الله العظيم إذ يقول : أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى أم من يمشى سويا على صراط مستقيم 0
التحقق فى عالم الواقع :
* هناك فريق من أدبائنا الإسلاميين أمثال حلمى القاعود، ومحمد بركة، وأنت منهم ، يرددون مصطلح الواقعية الإسلامية، فهل هى مضاهاة وتقليد وتأثر بالواقعية فى المذاهب الغربية أو المستوردة من حوارى أوروبا أم ماذا ترى؟
* المقصود بالواقعية فى الإسلام هو التحقق فى عالم الواقع، وهذا المفهوم مجرد من كل ما علق بالواقعية من معنى اصطلاحى تاريخى فى البيئات الأخرى، وليست الواقعية اقرارا بما يدور فى عالم الواقع من ايجابيات وسلبيات، وانضباطات وانحرافات ولكنها مثالية واقعية لأنها تهدف إلى أرفع مستوى وأكمل نموذج تملك البشرية أن تصعد إليه . وللواقعية فى التصور الإسلامى ثلاثة مظاهر:كما يرى صاحب " خصائص التصور الإسلامى " 0
1 - التعامل مع الحقيقة الإلهية متمثلة فى آثارها الإيجابية وفاعليتها الواقعية 0
2 - التعامل مع الحقيقة الكونية متمثلة فى مشاهدها المحسوسة المؤثرة أو المتأثرة 0
3 - التعامل مع الحقيقة الإنسانية متمثلة فى الأناس كما هم فى عالم الواقع 0
وهذه الآفاق الواقعية فى التصور الإسلامى تمثل مرتكزات الرؤية الإسلامية فى مجال الإبداع الأدبى، حيث تتفتح مدارك الأديب المسلم على معالم قدرة الله وآثاره فى هذا الكون0
إن التعامل مع الحقيقة الكونية متمثلة فى مشاهدها المحسوسة المؤثرة .. يقود الأديب المسلم إلى منافذ الإبداع الحقيقى .. فالكون مسرح التأملات، وإشراق الرؤى، وإبداع الصورة المبتكرة المؤثرة، والعودة من رحلة التأملات بزاد روحى عميق، وزاد أدبى مؤثر، ناضج بخصائص التجربة الإسلامية، وهذه التأملات لا تقود الأديب المسلم إلى الهروب والارتماء فى أحضان الطبيعة، ولا تجعل من الطبيعة الها يعبده الأدباء، ولا تجعل من الغاب فردوس الشاعر المفقود، ومهاجره الآمن، ومستقر أحلامه هربا من عالم الناس ودنيا الواقع ، بل تصبح هذه الطبيعة مرآة مجلوة يرى فيها الأديب نفسه وأمانيه وأحلامه، من جبالها يستمد مفردات الشموخ والآباء، ومن بحارها يستلهم مشاعر الحب، والنقاء والصفاء، ويتلقى دروس السمو والعطاء، ومن تقلبات فصولها يرسم للنفس طريق رؤاها، فهى صورة من وهج الصيف، ودفء الربيع وجدب الخريف، ودكنة الشتاء وأعاصيره، وصقيعه وغيوثه، ففى الصيف عطاء الثمار، وفى الربيع عبق الأزهار، وفى لخريف عطش الحرمان. وفى الشتاء رى الظمآن، وتهاليل الإنسان للغيث الآتى من السحاب المضئ بالبروق الصاهل بالرعود .. هذه هى واقعية الإنسان فى تعامله مع الكون .. ومع الناس أيضا .. فهو يحمل لهم فى حنايا نفسه بذور الخير، ويجاهد ما استطاع فى اقتلاع سهام الشر من خطاهم، وشوقا إلى الإنسان الواقعى المثالى أو المثالى الواقعى0
إن هذه الواقعية لا تلتقى مع الواقعية التى اصطلح عليها النقاد فى العصر الحديث لأنها تمثل وجهة نظر تخالف قيم الإنسان حيث ترى الحياة من خلال منظار أسود، وترى أن الشر هو أساس الحياة، وأن التشاؤم والحذر هما الأجدر ببنى البشر لا المثالية والتفاؤل، ولذا نحن ضد واقعية "فولتير" و"بلزاك" اللذين يمثلان الواقعية باصطلاحها الأوروبى البغيض، والتى أثر فى أدبنا العربى تأثيرا جذريا لم يعد قادرا على النجاة بنفسه منه، وإنتاج نجيب محفوظ الروائى، وإنتاج توفيق الحكيم المسرحى، وكذلك وإنتاج يوسف ادريس القصصى يعد محاكاة وصدى لقيم الواقعية المحزنة الفنية والموضوعية، وقد سار على دربهم وحاكاهم المبدعون الشباب فى العالم العربى ، بل توغلوا فى واقعيتهم المشوهة التى لونت الأدب والفن0
* كيف تنظرون إلى أبعاد الرؤية الإسلامية فى الشعر المعاصر؟
* لا شك أن الأدب فى ظل التصور الإسلامى يستطيع أن يعبر عن أدق الانفعالات وأدق العواطف، وأنبل المشاعر وأسماها، فى إطار النفس السوية التى نجت من أمراض النفسيين والاقتصاديين والوجوديين 0
كما أن الفن الإسلامى، وفى مقدمته فن التعبير بالقول ـ شعرا ونثرا ـ فن متفتح على شتى المذاهب الفنية، ما دامت منسجمة فى اتجاهها مع حركة الكون والإنسان والإيجابية فى سبيل الحق والعدل الأزليين وفى إطار الجمال المبدع، بعيدا عن التزييف والكذب والتناقض0
إن الأدب الإسلامى، وفى مقدمته "فن الشعر" كما يقول د/ عماد الدين خليل يأبى الانحراف، يأبى مثلا تاليه الإنسان: "كلاسيكيا" وإغراقه الذاتى رومانسيا، وتمجيد لحظات الضعف البشرى "واقعيا" ويأبى تصوير الانحراف الفكرى أو النفسى أو الأخلاقى "وجوديا" وذلك لأن الفن الإسلامى يستمد تجاربه الباطنية من خلال الحقيقة لا الزيف، ومن الاستقامة لا الانحراف، فللوجود غاية أفحسبتم انما خلقناكم عبثا ولكدح الإنسان جدوى يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه  0
وأرى أن الحاجة ملحة الآن إلى العكوف على استخراج كنوز الأدب الإسلامى وتبصير المتأدبين بآفاقه ، حتى يكتسب الوجدان الإسلامى ثراء وعمقا0
وقد تمثلت القيم الإسلامية فى كثير من شعر القدماء، ولكنها جاءت مباشرة بعيدة عن الإيحاء والقوالب الفنية المتعددة0
وحين نحاول بعث هذه الروح الإسلامية فى الأدب، فإننا نحارب الروح الانهزامية التى جعلت كثيرا من أدباء هذه الأمة ونقادها يضعون كل قيم الأدب الأجنبى فى صورة النموذج الأعلى، وصاروا يقلدون حتى كدنا نفقد الحس الإبداعى الحقيقى النابع من رؤيتنا الإسلامية، وقد بدأت هذه الموجة فى العصر الحديث على أحمد باكثير، فى نتاجه المتعدد الناطق بالرؤية الإسلامية وهو فى قمة أدائه الفنى وكذلك "الرافعى" فى بعض نتاجه الإبداعى، ومجال الدراسات الأدبية ، فكتابه "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" ترمان صادق لمنهجه الإسلامى .. ودفاعه عن تراث الأمة الإسلامية وأصالتها مع احتفاظه فى مقالاته وخواطره وبحوثه بوهج الفن والتشكيل اللغوى الراصد لأدق الانفعالات وأعمق المشاعر، هذا الدفاع الحميم الممزوج بالسموق الفنى المتشبع بالرؤية الإسلامية يضع الرافعى فى قمة المعانقين للرؤية الإسلامية شعورا وفكرا وفنا، ولأن الرافعى ينطلق من الإسلام فى كل ما يكتب نجده غير حذر فى لجوئه إلى العقل، لأنه كاتب مسلم اعتنق الفكر الإسلامى مذهبا فى حياته العملية والعلمية، لا يخشى إذا اختط لنفسه طريق العقل، أن تتضارب النتائج العقلية التى يتوصل إليها مع فكره الإسلامى لأنه يؤمن أن الإسلام والعقل متكاملان مترافقان، وأن تقدم العلم وتطور الفكر البشرى لا يمكن أن يتناقضا مع جوهر الدين الإسلامى، بل على العكس نجدهما يقدمان التفسير تلو التفسير والتأكيد تلو التأكيد، لما غمض من هذا الدين، أو احتاج وتطلع إلى البحث والاستكشاف والمزيد من التأكيد والكشف0
وفى أدب الرافعى لا نستطيع فصل عنصر الخيال عن عنصر اللغة، ومن قبله عنصر الفكر فليست الأفكار وحدها تتوالد عنده، بل الصور كذلك أيضا، وهى صور نادرا ما تحققها الإبداعات العربية قديما أو حديثا، إن توالد الصورة عند الرافعى يواكب توالد الفكرة ثم العبارة ليحقق هذا التواكب انسجاما بديعا بين المقومات الرئيسية الثلاثة لأى إبداع أدبى0
والرؤية الإسلامية فى الشعر المعاصر فى النموذج الأمثل لها تبتعد عن الشعر الدينى المباشر فى شعر المناجاة والتضرع، وشعر الوعظ، والحث على التعاليم الإسلامية، فذلك مجال تعليمى فى الاتجاه الأخير منه، ولكن هذه الرؤية تتمثل روح الإسلامى، وتستجيب لأثره الفعال فى تغيير الوجدان ، وفى تغير رؤية الإنسان للأشياء، وكذلك تستوحى هذه الرؤية جو الحضارة الإسلامية، وفى مواقفه وشخوصه، وأماكنه وأزمنته، ولا تروى هذه الرؤية فى صياغتها الفنية التاريخ فى صورة سريعة تقريرية، بل تمتزج بروح ذلك التاريخ، وتشكل منه واقعا حضاريا له شخصيته ونفاذه وتأثيره 0
والصياغة الفنية لمكونات هذه الرؤية الشعرية الحضارية الإسلامية تتأثر إلى حد كبير بالبيان القرآنى ، والبيان النبوى، والتراث الإسلامى، وكذلك لا تنفصل عن إيقاع العصر لغة وأسلوبا وتصويرا ورؤية كونية شاملة0
وهناك جيل من الشعراء الجدد يتشكل فى إطار هذه الرؤية الشعرية الإسلامية على امتداد الوطن الإسلامى والعربى، ومنهم على سبيل المثال محمد بن عمارة، ومحمد على الرباوى، وعبدالله شرف، وعبدالرحمن صالح العشماوى، وصابر عبدالدايم، وجابر قميحة، والدكتور عدنان النحوى ود/ وليد قصاب ، وغيرهم من الشعراء السائرين فى وهج التيار الإسلامى0
* ترى من أهم أبرز الأدباء النقاد فى رابطة الأدب الإسلامى العالمية فى وقتنا الحاضر0
اعتقد أننا سنظلم بعض الأسماء إما سهوا او نسيانا، ولكن على سبيل المثال هم كثيرون، وفى مقدمتهم د. عبدالباسط بدر، د.حسن بن فهد الهويمل، د. جابر قميحة، د. عدنان النحوى، د. عبدالقدوس أبوصالح، د.كاظم الظواهرى، د. محمد كمال إمام، الأستاذ محمد سيد بركة،د/ سعد أبو الرضا ، د / وليد قصاب ، د. حسين علي محمد ، د / أحمد زلط ، د/ عبدالمنعم يونس وغيرهم من المشاهير على امتداد العالم الإسلامى0





الموضوع الأصلي : حول نظرية الأدب الإسلامى الكاتب : رياض الفراشات القسم : الأدب العربي ـآلمصدر : منتديات







التقنيات
نثر · شعر

تاريخ وقوائم
المواضيع الأساسية · المصطلحات الأدبية
التاريخ · التاريخ الحديث
كتب · كتـّاب
الجوائز الأدبية · جوائز الشعر

نقاش
النقد · النظرية · المجلات

نظرية الأدب أو النظرية الأدبية Literary theory في أضيق مفاهيمها هي الدراسة المنهجية لطبيعة الأدب ولوسائل تحليله.[1] إلا أن الدراسات الأدبية منذ القرن التاسع عشر كثيراً ما ضمت -بالإضافة إلى، أو حتى بدلاً من النظرية الأدبية بمفهومها الضيق- اعتبارات التاريخ الفكري والفلسفة الأخلاقية والإصلاح الإجتماعي والتيارات متعددة التخصصات الأخرى.[2] وفي الإنسانيات, وهذا النمط الأخير من الدراسات كثيراً ما يسمى ببساطة "النظرية." ونتيجة لذلك, فكلمة "نظرية" أصبحت تعبير جامع لمختلف المداخل الدراسية لقراءة النصوص. معظم هذه المداخل مستمـَدة من فروع مختلفة في الفلسفة القارية.


ي - ثقافي
لقد قامت نهضة أوربة الحديثة على أسس مستمدة من تراثها، هي في جوهرها الثقافة الإغريقية- الرومانية. فقد رفض الأوروبيون في عصر النهضة سيطرة رجال الكهنوت، وتبنوا العلمانية. فالنهضة الفكرية في أوربة لم تبدأ إلا بالثورة الثقافية على سلطان الكنيسة، والعودة إلى التراث الإغريقي لاستلهامه واتخاذه نموذجاً.

وجاءت النهضة العربية في أواخر القرن التاسع عشر بعد احتكاك العرب بالغرب، وحاول روادها التوفيق بين التراث العربي، وبين ما اطلعوا عليه من الفكر والثقافة الغربيين. ولكن هذه المحاولة توقفت لانشغال العرب بالتغيرات السياسية – الجغرافية التي شهدتها منطقتهم بعد الثورة العربية. فقد استغل الإنكليز رغبة العرب بالاستقلال والوحدة، فدعموهم للتخلص من الحكم العثماني، ولكنهم كانوا يكيدون للعرب الذين سرعان ما وجدوا بلادهم مقسمة بين الإنكليز والفرنسيين.

في أثناء ذلك، كانت فئة من المثقفين العرب السوريين والمصريين، ولا سيما النصارى منهم، قد اطلعت على الثقافة الغربية، وبخاصة السياسية – الاجتماعية – الفكرية، في مصادرها الأساسية، أو من خلال المدارس التبشيرية في مصر وسوريا (التي كانت مرتبطة، بهذا الشكل أو ذلك، بمصالح الدول الغربية – الرأسمالية، وبمطامع تلك الدول الاقتصادية والسياسية)، وتبنت معظمها داعية إلى تطبيق قوانينها ونتائجها على ظروف مغايرة تماماً للواقع الذي أنتجها. فكان من بينهم من هو على وعي بما يفعل، نتيجة ارتباط مصالحه بمصالح دول أجنبية، ومنهم من سلك هذا الطريق عن قناعة بأنها الوسيلة المثلى للنهضة، إلا أن تلك الفئة كانت أقلية تشكل حركة محصورة في وسط ضيّق من أبناء الطبقة البرجوازية الثرية. أما غالبية المثقفين من ذوي الثقافة التراثية، ومن ورائها عامة الناس، فقد كانت بعيدة عن قبول الثقافة الغربية التي كانت تتضمن أفكاراً جديدة، لم يتقبلها، حتى في أوساط الفئة الأولى، (إلا المسيحيون، لأنها كانت تتعارض كثيراً مع التقاليد والتصورات التي سادت في الأوساط الإسلامية آنذاك).

لقد شهدت مصر وبلاد الشام، منذ بدء الاحتلال الأجنبي، حركة استيراد ثقافي ضخمة، تزعمها عدد من المثقفين من الفئة الأولى. فقد كان هؤلاء يريدون الاستقلال وتقدم البلاد، ولكن نموذجهم كان هو الغرب الذي يستعمر بلادهم. لقد أقروا بتفوق المدنية الأوربية، واعتقدوا أن الحضارة الغربية هي أرقى حضارات العالم، وكانوا في دفاعهم عن قضاياهم يستندون إلى المفاهيم الغربية. وإذا كانت الحضارة العربية – الإسلامية قد استطاعت في القرن الرابع استيعاب كل الثقافات الأجنبية التي اتصلت بها، وتمثلتها، لتصبح جزءاً من تراثها، فإنّ الأمة العربية، في مطلع هذا القرن، لم تستطع القيام بعمل مشابه. أما الأسباب الكامنة وراء ذلك فلم تطرح، حتى اليوم، في دراسة موضوعية تتناول عصر النهضة العربي.

إن ما تقدم لا يعني إطلاقاً وجوب إغلاق النوافذ المطلة على العالم، وإنما يعني وجوب الانطلاق نحو الأخذ عن الآخرين بعد معرفة النفس وإدراك ما هي بحاجة إليه، وتحديد ما يتوافق معها مما عندهم.

واقع الدراسات الأدبية
يتشكل المجتمع من تآلف عدد من المؤسسات المختلفة. والأدب، نتيجة ارتباط أداته، اللغة، بالفكر، يعد واحداً من أهم تلك المؤسسات. ودراسة الأدب إنما هي دراسة لمختلف المؤسسات الاجتماعية التي تتفاعل فيما بينها لإنتاج الأدب. إنَّ كل بحث أو دراسة لا يأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار، في تناوله للظاهرة الأدبية، سوف ينتهي إلى نتائج غير دقيقة، وقد تكون خاطئة. لقد تأثر الأدب العربي الحديث والدراسات التي قامت حوله بما أشرنا إليه في الأسطر السابقة. وما حدث في المجالات الأخرى حدث في الأدب أيضاً. فقد أدى الانبهار بالثقافة الغربية إلى اتجاه عارم نحو استيراد أنواع أدبية جديدة، واستيراد مقاييسها النقدية، ومدارسها الأدبية، ونظرياتها الفنية، إضافة إلى التيارات الفكرية التي كانت تغذي تلك المدارس. وكانت فرنسا هي المصدر الرئيسي الذي كان المستوردون يعودون إليه.

لقد كان من أهم نتائج هذا الاستيراد تبني مفهوم جديد للأدب العربي، مستوحى من المفهوم الأوربي. وإذا كان هذا المفهوم يتفق مع الأدب العربي الحديث، الذي لا يمكن اعتباره (وريثاً للأدب العربي القديم إلا في نطاق ضيق، بل ويبدو أحياناً أنه متجه إلى قطع الصلة بهذا التراث بشكل بات)، فإن تبنيه في دراسة الأدب القديم أدى إلى نتائج غير موضوعية. وقد حدث الأمر نفسه في إطار الفنون الأخرى، فقد كان أكثر أعلام الفن العربي المعاصر ممن نهل من منابع أجنبية، غريبة عن مفهوم الفن في التراث الحضاري للأمة العربية، وظروف إبداعه الاجتماعية – الفكرية.

لقد عرفت الأبحاث الأدبية، الأكاديمي منها والتعليمي، منذ ظهورها عند العرب المعاصرين، مركزاً تدور في فلكه: التاريخ. إلا أنها لم تتبن منهجاً موضوعياً علمياً في تأريخها للأدب. وسرعان ما كونت لنفسها تقسيمات تأريخية، وُزِّع عليها النتاج الأدبي القديم، وأُعطي لكل عصر منها سمات معينة، تبناها معظم الباحثين، فكرر بعضهم بعضاً. وقد انصرف البحث إلى الشعر، على حين أنَّ النثر أُهمل إهمالاً يكاد يكون تاماً. وقد تبنى أغلب هذه الأبحاث، في نظرته إلى الأدب القديم، مفاهيم غربية معاصرة، كما أن قسماً مهماً منها حاول إخضاع هذا الأدب لتيارات فكرية، ومدارس أدبية، لا تمت إليه بصلة، ويشكل تطبيقها عليه خطوة بيِّنة، فهي إنما ظهرت في مجتمعات تعيش في أطر اجتماعية – ثقافية تختلف كثيراً عن الظروف التي نشأ فيها الأدب العربي القديم. وقد بدا هذا الوضع أكثر وضوحاً في الأبحاث التي غلبت عليها صفة النقد، فقد استخدمت هذه الأبحاث مصطلحات لم تفهمها، في معظم الأحيان، فهماً دقيقاً، كما حاولت دائماً اللحاق بآخر التيارات النقدية الأوروبية، فما تكاد تستوعب تياراً من التيارات حتى تتركه لحساب تيار جديد.

إن الأزمة التي تعاني منها الأبحاث والدراسات الأدبية اليوم عند العرب، تعود في أصولها إلى أمرين: المنهج والمفهوم. نقصد بالمنهج عدم قيام أغلب الدراسات والأبحاث على مناهج علمية، تستفيد فيها من نتائج العلوم الإنسانية في تناولها للظاهرة الأدبية. أما المفهوم فيمكن أن نتحدث عنه من مستويين: الأدب القديم والأدب الحديث. فمفهوم الأدب القديم يختلف عن المفهوم الذي تتبناه تلك الدراسات في تعاملها مع الأدب: هذا المفهوم لا ينظر إلى الأدب إلا على أنه فعالية إبداعية، تهدف إلى التعبير عن الذات، أو عن انعكاس الموضوع في الذات انعكاساً جمالياً. على حين أن مفهوم الأدب القديم يتمحور على الثقافة والتعليم. أما على مستوى الأدب الحديث فالأزمة في الدراسات إنما تنشأ من أزمة أخرى يعانيها الأدب الحديث نفسه، والدراسات لاحقة بالأدب الذي هو الأصل. ولما كان الأدب يعاني من أزمة، فإن الدراسات حوله ترث عنه المعاناة ذاتها.

ما منشأ أزمة الأدب المعاصر؟
يمكننا أن نرى أسباب ذلك من عدة مستويات: فمن جهة نرى أن هذه الأزمة ترتبط بالأزمة العامة التي يعانيها الأدب في كل أنحاء العالم. وهي أزمة سببتها الظروف الاجتماعية – الاقتصادية الجديدة. ومن جهة ثانية نعتقد أن الأدب العربي الحديث لم يكن في ظهوره نتيجة للتطور الطبيعي في الأدب والذي يرافق ما يحدث من تطورات في المجتمع العربي، ولذلك فهو يعاني من انفصام عن الأدب القديم، ولا يمتد بجذوره إليه. وثالثاً فإننا نرى أن هذا الأدب، باستثناء حالات قليلة، منفصل عن الواقع الذي يصدر فيه، وذلك يعود، في رأينا، إلى تأثره الكبير بالظروف الاجتماعية – السياسية التي تتدخل في صياغة العلاقة بين المثقف والسلطة عموماً. فالأنواع الأدبية الجديدة لا جذور لها في الأدب القديم، وبخاصة المسرح، كما أنها لم تكن في نشأتها صادرة عن الحاجات الجمالية في المجتمع العربي. إنَّ قضية الأدب الحديث يجب أن يعاد طرحها في إطار فكري – سياسي – اجتماعي واقتصادي.

هدف الدراسة
إنَّ أي دراسة موضوعية، وبخاصة في مجال العلوم الإنسانية، يجب أن تبدأ بتحديد هدفها، ومجالها، ومفاهيم المصطلحات المستخدمة فيها. سوف نقوم في بداية هذه الدراسة بصياغة مفهوم الأدب العربي القديم، وهو تحديد سنعتمد عليه في صياغة نظرية أدب عربية، ستكون أساساً لوضع عدد من الملاحظات حول الأدب الحديث. فهدف هذه الدراسة هو إعادة طرح مسألة الظاهرة الأدبية عند العرب، قديماً وحديثاً. إنَّ أزمة الأدب الحديث تعود، في رأينا، إلى الغموض في المفاهيم التي يقوم عليها هذا الأدب في أذهان الباحثين والأدباء. ولا بدَّ، لتجاوز تلك الأزمة، من تحديد مفاهيمه، وتصويب ما هو غير صحيح منها. ولا بد أيضاً من معيار يُحتكم إليه في هذا المجال، ولما كان الأدب يرتبط بالمجتمع، يتطور بتطوره، ويرد على حاجاته الجمالية الجديدة، فقد كان لا بد من العودة إلى الأصول لاكتشاف ذلك المعيار. من هنا كان سعي هذه الدراسة إلى صياغة نظرية الأدب العربي القديم. هذه النظرية ستكون القاعدة الأولى في رصد الأدب الحديث، واكتشاف مدى ارتباطه بتطور المجتمع، ورده على حاجاته الجمالية الجديدة، فلا جديد لمن لا يملك قديماً، ولا مستقبل لمن ليس له حاضر. هدف هذه الدراسة هو الحاضر والمستقبل، ولكن ذلك ينطلق من وضع أسس أصيلة لمعيار يمكن الاحتكام إليه في التعامل مع أدب اليوم والغد.

صياغتنا لمفهوم الأدب القديم اعتمدت على مصدرين: الأول نظري، يتشكل من المؤلفات النقدية والبلاغية، ومما كتبه الأدباء أو جمعوه من آراء في هذا المجال، والثاني هو الكتب التي كونت النتاج الأدبي نفسه، بما حوته من مادة وزعت توزيعاً خاصاً. وقد دفعنا استنتاج هذا المفهوم إلى البحث عن العلاقة القائمة بينه وبين نظرية المعرفة عند العرب – المسلمين، ومفهوم الإنسان لديهم. وقد قادنا الربط بين مفهوم الأدب ونظرية المعرفة إلى استنتاج نظرية الأدب عند العرب - المسلمين. وهي نظرية تربط الأدب بالمعرفة، وتربط الاثنين بموقف الحضارة العربية الإسلامية من المفاهيم الثلاثة: الله، والكون، والإنسان.

كان علينا أن نضع الفصل المخصص لنظرية الأدب في نهاية الكتاب، نظراً لأنه، من حيث الدراسة، يأتي نتيجة لها. ولكننا فضلنا، لاعتبارات فكرية، أن نضعه في أول الكتاب، ليكون دليلاً للقارئ، يفهم في ضوئه الفصول التالية. لقد كانت الفصول الأخرى نتيجة منطقية للفصل الأول. والرابط بينها هو خط فكري متصل، يوحد بينها. فمفهوم الجمال يرتبط بنظرية المعرفة، ويتفق مع نظرية الأدب ويقف في أساس الدراسات الفنية، وتصنيف الفنون عند العرب – المسلمين يقوم على الأساس الفكري نفسه، والأدب واحد من تلك الفنون، والشكل والمضمون في الأدب، ومفهوم البيان العربي، ينطلقان من مفهوم الأدب ونظريته، ويدعمانهما. والأنواع الأدبية من حيث وجودها، وتطورها، ووظيفتها الاجتماعية، تمثل التطبيق العملي لكل ما سبق من مفاهيم.

لقد حددنا موضوع الدراسة زمانياً بنهاية القرن الرابع، وذلك لأن هذا القرن شهد قمة الازدهار الفكري والأدبي عند العرب – المسلمين. ولكنه أيضاً يعتبر بداية الجمود الذي عرفته القرون التالية. ومفهوم الأدب يترافق مع طبيعة الأدب الذي أنتجه المجتمع في هذه القرون، وبالتالي فهو مختلف عنه في القرون الأربعة الأولى. وهذا يحتاج، في رأينا، إلى دراسات أخرى تتابع تطور الأدب وتغير مفهومه في ضوء التغيرات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، التي جدَّت بعد القرن الرابع، وترصد مدى اتصاله بالمفهوم السابق، أو ابتعاده عنه، وتبحث عن الأسباب الموضوعية الكامنة وراء ذلك.

صعوبة الدراسة ومحاذيرها
تحاول هذه الدراسة أن تشق طريقاً جديدة في مجال دراسة الظاهرة الأدبية عند العرب. والصعوبات التي تعترضها، والمحاذير التي قد تقع فيها، نابعة من كونها دراسة رائدة. فالدراسات الموجودة بين أيدينا لا تساعدنا كثيراً في هذا المجال، فهي تأريخية أو نقدية، وإن كانت في كثير من الأحيان تسعى إلى التنظير، ولكنها في سعيها هذا لا تنطلق من رؤية شاملة قائمة على ربط الأدب بالفكر والمجتمع.

ويمكننا أن نستعير المثال الأوربي لتوضيح ما نقصده بذلك. فقد تمركزت الدراسات الأدبية في الغرب على التأريخ والنقد أيضاً، إلا أن المناهج التقليدية أصبحت، منذ العشرينات والثلاثينات، غير كافية بشكل واضح. وبدأت الدراسات تتحرر من التأريخية البحتة، من غير أن تجد لها اتجاهاً واضحاً. ووسط هذا الاضطراب جاء وارين Warren وويلك Wellek ليضعا في عام 1942 تصوراً أولياً لهذا الاتجاه النظري، الذي سرعان ما تجسد في كتابهما نظرية الأدب (Theory of Literature) الذي نُشِر لأول مرة في عام 1948. لقد كان هذا الكتاب نتيجة لدراسات اعتمدت في أساسها على الدراسات النظرية السابقة، والتي تعود في أصولها إلى مؤلفات أفلاطون وأرسطو. لقد نشر هذا الكتاب في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه سرعان ما انتقل إلى أوربة الغربية، ليصبح إنجيل الدراسات الأدبية، التي بدأت منذ ذلك الوقت، وخصوصاً في الستينيات، تشهد تجديداً ضخماً، وتنظيراً جذرياً للظاهرة الأدبية. لقد سهَّل هذا الانتقال كون الأدب الأمريكي يمتد في جذوره إلى الأصول ذاتها التي يعود إليها الأدب الأوربي، كما أن الاثنين يمتلكان مفهوماً واحداً للأدب.

إن ما حدث في الدراسات الأدبية عند الغربيين لم يحدث عندنا. وما زالت المكتبة العربية تفتقر حتى اليوم إلى مؤلَّف عربي يضارع كتاب وارين وويلك. إنَّ عدم وجود دراسات فكرية عند الأدب والفن العربيين، لا يعني إطلاقاً أن نظرية عربية في الأدب والفن غير موجودة، وإنما يعني أنها لم تصغ حتى اليوم، ويجب البحث عنها في مظانها من المصادر القديمة أو الحديثة.

عندما نتحدث عن الأدب والفن فذلك لأنهما مرتبطان، فالفنون تتكون من عدة أشكال من وسائل التعبير غير اللسانية. وهي أشكال سبقت في معظمها أشكال التعبير اللغوية في الظهور. أما الأدب فهو مرتبط باللغة اللسانية المنطوقة أو المكتوبة. وإذا كانت الدراسات تفصل بين الأدب والفنون الأخرى فلأن أداته تختلف، وهو اختلاف ينتج عن أنَّ الأدب أكثر قدرة على التعبير والانتشار والانتقال والتخزين من بقية الفنون. الفن والأدب متلازمان، ودراسة أحدهما لا بد لها من دراسة الآخر، فكل منهما يكمل الآخر ويوضحه، ويساعد على فهمه. ولذلك فإن نظرية الأدب لا يمكن أن تكون واضحة وكاملة إذا لم تترافق دراستها مع دراسة نظرية الفن، فالاثنتان تقومان على أساس معرفي واحد. إنَّ ندرة الدراسات حول الفن العربي، القديم منه والحديث، بالمقارنة مع الدراسات الأدبية، يزيد مهمتنا صعوبة. ولذلك فقد عملت هذه الدراسة، على تخصيص جانب منها للبحث في الفنون عند العرب – المسلمين من حيث طبيعتها، وتصنيفها، وأساسها المعرفي الذي يربطها بنظرية الأدب.

وبعد، فإنَّ هذه الدراسة لا تدّعي أن النتائج التي توصلت إليها نتائج نهائية. فهي تهدف إلى إثارة مشكلة النظرية الأدبية عند العرب، وتعمل على طرح الأسئلة أكثر مما تسعى إلى الإجابة عنها بشكل نهائي، وتأمل أن توجه الدراسات الأدبية عند العرب وجهة جديدة، تتخلص فيها من التأثيرات الأجنبية السلبية، التي تفرض عليها نتائجها.



كُتب : [ 15-09-2009 - 02:15 AM ]

كلام في نظرية الأدب لتيري ايغلتون...

* الغرب الحديث حوّل إنسانه إلى سلعة رخيصة من خلال العولمة وحاصرة بالدم والدموع ليظل هيكلاً عظمياً ساخناً على قارعة الطريق.

* في نظرية الأدب... على القارئ أن يتحوّل إلى فضيحة مسيّجة بالضوء والمعرفة ليقنع الآخر أنه ليس من حَمَلَة الإيديولوجيا.

* تيري ايغلتون.. عرّف النصوص القوية بكلمة واحدة فقط.. أن تكون قارئاً معرفياً على السواء.. وبعد ذلك, تصفية الحساب مع خطيئة مهنتها مطاردة الذين يحملون السكاكين الطويلة.

الأدب هو كتابة تخييلية, أي كتابة ليست حقيقية بالمعنى الحرفي, والأدب أصلاً يستخدم اللغة بطرائق غير مألوفة, فهو نوع من الكتابة التي تمثل عنفاً منظماً يُرتكب بحق الكلام الاعتيادي.

فأفضل تاريخ لنشوء هذا, هـو عـام 1917 م حيـن دمّرت الستالينية المذاهب الرمزية شبه الصوفية البدائية, مركّزة الاهتمام بـروح علمية وعملية على الواقع المادي للنص الأدبي ذاته.

فالشكلانية أساساً هي تطبيق للألسنية التي تعني (بناء اللغة).

يقول شكلوفسـكي: عـن رواية – لورنس ستيرن – تريسترام شاندي – إنها الأشد نموذجية

في الأدب العالمي, مع أن الأدب عند الشكلانيـين هو نوع خاص من اللغة, أي بخلاف اللغة الإعتيادية التي نستخدمها على نـحو شائع, لأنها تتخالف مع اللغة تبعاً للطبقة والدين والجنس والمنزلة!

الشكلانيون لا يركزون على الأدب, بـل عـلى الأدبية, لأنها ذاتها ليست معطاة إلى الأدب

حيث افترضت جدلاً أنّ التغريب هو جوهر الأدبي.

إن الـقـوة الـخفية بـحدودها البعيدة تشكّل وتبطّن أقوالنا الوقائعية , وهذا جزء مما نعنيه بالإيديولوجيا.

الإيديولوجـيا تعنـي الطرائق التي تربط بها ما نقوله ونعتقده مع بنية السلطة وعلاقات السلطة

في المجتمع الذي نعيش فيه.

ولإحكام القيمة في الأدب "هناك" علاقة وثيقة بالإيديولوجيا الاجتماعية.

إن الـمعنى الحديث لكلمة أدب, لم ينطلق إلا في القرن التاسع عشر, حيث أصبحت النفعية المادية الشديـدة, هي الإيديولوجيا المهيمنة للطبقة الوسطى الصناعية, لأنها اختزلت العلاقات الإنسانية كلّها, ونبذت الفن باعتباره زخرفاً لا ريح فيه!

لقد تحولت الحياة البشرية, إلى عبـودية مأجورة, انفرضت على الطبقة العاملة الحديثة التكوين سيـرورة عمل استلابـية, كل شيء سلعة في السوق الحرة, لذلك عمدت الدولة الإنكليزية إلـى قـمع سياسي وحشي حول انكلترا في المرحلة الرومانسية والتي شكّلت من نفسها دولة بوليسية في حقيقتها.

من هـنا, بـرز الأدب والإبداع التخييلي, فأصبح الشعر مثلاً, فوق الصيغة التقنية للكتابة.

ينطوي على تـضمينات اجـتماعية وسياسية وفلسفية, جعلت الأدب إيديولوجيا كاملة بديلة لهذه المرحلة التي شهدت نشوء علم الجمال, فصارت الاتجاهات فلسفية عقلانية قاحلة تتجاهل الأشياء المـحددة بخصائصها الحسيّة التجريبية, حيث الرمز هو حجر الزاوية لنوع من العقلانية التي أحبطت البحث النقدي المعقلن!

فالأدب هو إيديولوجيا أولاً, تربطه أشدّ العلاقات حميمية بمسائل السلطة الاجتماعية, وبما أن نمو الأدب والدراسات الانكليزية جاءت أواخر القرن التـاسع عشر, هذا يعنـي إخفاق الدين أمام النقد الفوكوي " نسبة إلى ميشيل فوكو".

الدين إذاً هو شكل من أشكال السيطرة الإيديولوجية , كما أن حقائق الدّين النهائية شأن تلك التي يتوسطها الرمز الأدبي " معلّقة عرفياً " في وجه البرهنة العقلانية بعد إخفاق الكنيسة, لذلك رفع جورج غوردن شعاره الذي يقول: على الأدب الانكليزي أن ينقذ انكلترا.

فالأدب؛ مـثل الدين, يعمل في المقام الأول من خلال الانفعال والتجربة, لذلك فهو مناسب تـمـاماً وبشكل باهر لإنجاز المهمة الإيديولوجية التي أقلع عنها الدين مع أنه شأن أي واحد آخر كان يعتبر قناعاته الخاصة بمثابة مواقف عقلانية وليست عقائد إيديولوجية.

لقد كانت طبيعة الأدب التجريبية ملائمة إيديولوجياً , ذلـك أن التجـربة لـيست مـوطن الإيديولوجية وإن لم تكن تملك المال والوقت لزيارة الشرق,اللهم إلا كجندي مأجـور لـدى الإمبريالية البريطانية, مع أن بـمقدورنا جميعاً أن نجرب هذه الزيارة بطريقة غير مباشرة بقراءة "كونراد أو كبلنغ".

لـقد فقدت الإيديولوجية الدينية قوتـها,لأن الأخلاقية بدت وكأنها حساسة جداً لكل نوعية الحياة ذاتها. فأصبح الأدب الإيديولوجي هو الأخلاقية النافرة للعصر الحديث.

إن حقبة الترسيخ الأكاديمي, هي أيضاً حقبة إمبريالية متطورة إذ ركّزت على شاعريين قوميين عظيمين هما: شكسبير وميلتون.

لذلك أصبح الـمسعى الأوروبي المتفوق يتطلع إلى دور انتقالي في رسم خارطة الأدب عموماً وما هذا الانتقاء إلا لظهور التجاذب الاجتماعي والاقتناع بصحة وحيوية هذه النتائج.

أي: نتائـج حضارة أظهرت أخطاء اجتماعية سابقة, لم تكن تدرك أن النهج الأدبي هو نهج اجتماعي أصلاً, لأنه أظهر النقد الطبيعي بكل شمولية ووضوح!

فالـنـقد الطبيعي الأدبي.. أكـدّ على تناول النصوص كل على حدة مع تسليط انتباه مركّز

على القصائد الكلاسيكية والقصائـد النثـرية المـعزولة عن سياقاتها الثقافية التاريخية,بالإتكاء

على الإفتراضات والتأكيد " الذي " داخل النصوص:

هنا يظهر دور الذوبان الفعلي الإجتماعي, لـمقاومة ردّات الأفعال الـمدمّرة للنفس,لأن هذه البدايات, هي في شكلها وجوهرها, من أجل تثبيت وتمكين العمل الأولي ومعالجته كموضوع في ذاته,وهذا ما تم واكتمل " لها " فـي النقد الأمريكي المعاصر والجديد, مع أن الصلة الرئيسة لهذه البدايات, كانت مابين كمبرج والنقد الأمريكي, فصار الأدب " كلّه " إيديولوجيا واعية من أجل إعـادة بـناء النظام الاجتماعي الصرف " لأن الشعر " على سبيل الـمثال,صار لغة انفعالية وليست مرجعية بدائية كما كان.

إن النقد الأمريكي الجديد, سارع إلى استيعاب الضربات القوية لكافة أنواع الأدب الذي كان يـحكمه الاقتصاد, فسمي عندئذ بالنقد الجديد, أمام هذا الموقف الضاغط تبلورت – نـظرية الأدب – من خلال التأكيد على نقد النصوص العظيمة مما أظهر – انتلجنسيا – مهزومة ومختلفة, (شأنها شأن القدر ذاته!)

النقـد الـجديد قصّر عن بلوغ ما بلغته الشكلانية المكتملة, لذلك جاءت من خلال التجريبية

مع قناعة أن أخطاء النص الأدبي اشتمل على الواقع الذي في داخله.

لقـد أدرك الـنقاد الجدد مواقفهم الملحّة على تحويل النص إلى موضوع مُكتَفٍ بذاته, هكذا تشرّبت النظرية الجديدة سلطتها الصوفية المطلقة والتي لم تعد تحتمل أيّة مناقشة عقلانية.

فأمام الأزمة الإيديولوجية الضارية, تضاءل العلم, وظهرت الفلسفة الـممزّقة,وتفشّت بعض أشكال النسبية واللاعقلانية.

فبعد الحرب العالمية الأولى سعت الفلسفة إلى تطوير منهج فلسفي جديد كتب عنه الكثير الكثير لذلك المطلق.

ديكارت مـثلاً: ابـتدأ بـرفض مؤقت لما أسماه بالموقف الطبيعي,لأنه اختزل العالم الخارجي

إلى محتويات وعينا, هذه النقلة تدعى "الاختزال الظاهراتي الموازية بل المرادفة لكلمة "ماهية" أو كما يقول "هوسرل" بعبارتـه الشهيـرة – العودة إلى الأشياء ذاتها لاختبار الزمان والمكان

- هذه الأفكار المركزية قد يتم التعبيـر عن معانيها الداخلية بحرية, أما اللغة فإنها ليست سوى فعالية ثانوية تعطي أسماء للمعاني التي نمتلكها مسبقا أمّا كيف يمكننا امتلاك معانٍ دون أن نمتلك لغة فهو سؤال يعجز نظام النقد الحديث عن الإجابة عليه.

وأن نتخيـل كلمة لغة – يعني أن نتخيل شكلاً كاملاً من الحياة الاجتماعية , فالنقد الظاهراتي يبدأ وينتهي كرأس دون علم للتضحية بالتاريخ البشري ذاته كمعاني البشرية التاريخية حتماً. لأن الموقف من العالم يبقى تأملياً ولا تاريخياً.

ولإدراك الـمعنى التاريخي, صارت القطيعة بين مارتن هيدغر, وأستاذه هوسرل, حيث أكدّ هيدغر أن الوجود الإنساني غير قابل للاختزال.

نظرية الأدب.. أو كينونتها, هـي إنسانيـة نـوعياً,لأن الوجود الإنساني تشكّل قبل الزمن

وهو مصنوع من اللغة, واللغة بمعناها الفلسفي, هي البعـد الحقيقي الذي تتحرك فيه الإنسانية والحياة على السواء,واللغة أيضاً, وجدت قبل الذّات الفردية, أيضاً المكان الذي يكشف فيه الواقع عن ذاته.

هذا الموقف يتحاذى مـع نظريات البنيوية الأولى, فأنت بلا مشروع أنت بلا وجود حضاري!

هذا الكـلام يـرجعنا إلى التأويل البنّاء للاوعينا,حيث نظرية الأدب الآن " تقبع ماوراء اللغة" وإلـى الأبد ستظل داخل الخطاب, ومتطابقة مع الموضوع الذهني الذي يحمله المؤلف.... في عقله أو يقصده وقت الكتابة. وهذا ما يؤكّد التأويل: ليظلّ مصاناًُ وثابتاً أمام الإشكاليات الواضحة والإدّعاء بأن هذا, هو معنى قطعة ما " من الكتابة ".

ليس ثمّة سبب من حيث المبدأ. لأنْ يكون معنى مفضّلاً على القراءة التي يقدمها الناقد, فما بين المعنى والدلالة يوجد مشاريع يمكن لأي عمل أن يعني شيئاً ما ليوم ما وشيئاً آخر ليوم ما.

فأي تأويل لعمل ماضٍ يؤلف جداراً بين الماضي والحاضر.

نحن نعرف جميعاً, أن التقليد يشكّل العمل الأدبي جزءاً منه, بينما التنوير هو ما أدّى إلى ما نراه حديثاً, من تحّزب ضدّ نفسه, وضد التمييز, ثم لو كان هناك مطابقة ما بين السنن التي تحكم الأعمال الأدبية وبين السنن التي نستخدمها في تأويلها " لخلا " كل أدب من الإلهام.

إنّ أي نظرية تـمِسّ الأدب, تستـند إلى إيديولوجيا إنسانية مؤكدة تماماً, وإلى نموذج قراءة " يؤلم الأجزاء معا كلّها " على نحو متين.

يقـول رولان بارت:إن أي تـجربة في الأدب هي خصوصية لا اجـتماعية بل هي فوضوية

في جوهرها.

ويـقول تيري ايغلتون: إن الأدب متحول, بينما القيم الأدبية هي أقل حصانة ممّا نعتقد, أمّا التأمل الفكري فـي فهم الطبيعة, فإنـنا نحصل عليه من هذا المصدر, الذي هو تجريد للطبيعة أو تمثيل لها.

إن أي أدب يعنى بالتجريدات " ليس ثمة فاعلية لديه " مع التحفظ الشديد في هذا الصدد.

فـهل الفلسفة مستقبل "الأدب"؟ إذا كان ولا بدّ, علينا أن نجرّب الصياغات الضرورية لهذا الانبعاث, لأن الميتافيزيقية أصلها لغة, وأقوال مأثورة, وذهنية لا تدرك, وموقف مسبق

من الجوهر.

وقـبل أن تكون الميتافـيزيـقية من الجوهر.. " كانت. . هي أصلاً غائبة بل هي أصلاً إشارة

في الابتداء بعد أن قاتلت النظرية الأدبية الأمريكية ضد العلم الحديث والصناعة الحديثة.

إن المجتمع الأمريكي بحاجة إلى ديكتاتورية نقدية أكثر طموحاً لأن نظرية الأدب ليست نسخة بديلة عـن الدين كما تطرح السياسة الأمريكية, بل هي مجرد ناقد رديء يعيش في مجتمع حر لا طبقي, ومتمـدن بوحشية !. اللاطبقي هنا, هو القيمة الليبرالية للطبقة المتوسطة التي تعني تطبيق المنهجية الأخلاقية بحذافيرها.

وكما نعلم فإن "فردينانـد دوسوسير", هو الذي أسس الألسنية البنيوية الحديثة واعتبر اللغة نظاماً صارخاً من الأدّلة!

لذلك ينبغي دراسته تزامنياً , وليس تعاقـباً فـي التصور التاريخي. البنيوية عموماً هي محاولة لتطبـيق نـظرية الألسنية على موضوعات وفعاليات أخرى غـير اللغة ذاتها , وهذا ما جعلنا في محاولة إعادة التفكير بكل شيء من جديد ومن وجهة نظر الألسنية الحديثة.

السؤال الآن: فـي نـظرية الأدب ما هـي حصيلة البنيوية؟ ما هي حصيلة النص الأدبي؟

هل من الممكن رؤية الواقع كمجرد شيء خارجي أو نظاماً ثابتاً للأشياء؟

الجواب: إن اللغة لا تعكس الواقع, إنما تنتجه, لترتكزَ الأدلّة التي بين أيدينا, أو بدقة أشدّ الأدلّة التي نحن بين أيديها.. !

إن امـتلاك المفاهيم, هـي طرائق خاصة للتعامل مع الأدلة, لأننا نرى نقاداً يكاد الواحد منهم يعكس ما يراه من البنيوية..وهذه نقطة دلالية فـي صالح الشكلانية أي إن باختين المنظّّر الأدبي الـ روسي هـو من أشدّ نقّاد الألسنية السوسرية. إنه نقد نقداً مفحماً وتطبيقيّاً للعمل الأدبي

في حدود نظرية الأدب عرّف اللغة, بوصفها حوارية على نحو متأصّل!

إنّ نـظريـة الأدب وباخـتصار شديد, حقل نزاع إيديولـوجـي, وليست نظاماً سياسياً

أي إنها الوسط المادي الحقيقي للإيديولوجيا. لقد ألحّ باختين على أن ما من لغة إلا وهي واقعة في شراك العلاقات الاجتماعية الفضفاضة, هذه العلاقات هي بدورها جـزء من أنظمة سياسية وإيديولوجية و اقتصادية أوسع, النظرية الأدبـيـة, هي أيضاً علاقة " مجرّدة " بوصفها وسيلة إنتاج مادية!

إنّ القارئ المثالي لنظرية الأدب: هو شخص يمتلك فـي متناولـه,وتحت تصرفه, كل السنين التي تجعل العمل الإبداعي مفهوماً بصورة شاملة!

إذ لا بدّ للقارئ أن يكون متحرراًُ,أي بلا طبقة أو جنس, بعيداً عن الأثنية, وعن الافتراضات الثقافية المقيدة.

فـي نظرية الأدب يضعنا تيـري ايغلتون أمام المستوى التاريخي للدلالات,بل الأعقد من ذلك يضعنا أمام كمية هائلة من المعاني!وعندما نمتلك هذه الكمية الهائلة من هذه الـمعاني فإن ذلك يزيدنا أكثر من الدلالة للوصول بـشكل نهائي إلـى ما بعد البنيوية.فكل دليل في سلسلة المعنى يتبادل التأثير مع كل الأدلة الأخرى, ولكي تؤلف الكلمات معنى متماسكاً " يمكن القول هنا" أن الـمعنى لا يتطابق مع ذاتـه أبداً, لأنه نتاج سيرورة انفصال أنتجت أداة ليست ذاتها لأنها ليست غيرها.

فالعلاقة مع نظرية الأدب لا تحدث إلا مرة واحدة فقط, وهي إحدى الطرائق التي قد يقتنع بها أي ناقد يظن أنه

أنه امتلك المعنى.

فالفلسفة الغربيـة متمركزة على النص الأدبي الفذّ والشديد الارتياب "من التدوين" وهي تؤكد في هذه الأيام وبالمعنى العريض: مـنطقية التمركز "مستسلمة إلـى حكمة مطلقة بقوة حضور القوة و الجوهر " والعمل بهذه المركزة كأساس لكل تفكيرنا ولغتنا وتجربتنا.

يرى أحد نقاد الغرب "النص الشعري" بمثابة نظام لا يوجد فيه المعنى إلا سياقاً ومحكوماً بعدة معايـ رات مـن الـتشابه والتقابلات,وهذه الاختلافات في النص هي ذاتها مصطلحات نسبية لا يمكن إدراكها إلا في علاقة بعضها ببعض وفي الشعر على الأخص.

ومع أن هناك نماذج الصوت والإيـقـاع التـي تشكلها العلاقات ذاتها في النص,يكون النّص الشعريّ مشبعاً دلالياً, ويكشف معلومات أكثر من أي خطاب آخر!

ولو توقفنا قليلاً أمام النقد الجديد الذي نراه الآن, فإنّ ثمة بوادر حقيقية بإخراج النص الإبداعي من دائرة ضيقة مغلقة, إلى دائرة ضيقة ناتجة عن حوار ما, قد يؤدي إلى دلالة أو تأويل ويأخذ حيزاً جمالياً على معيار القيمة كواقع مستمر!

مّما سبق, يـتسائل البعض فـي أحاديثهم عـن الأدب,فيما إذا كان التاريخ يمرّ الآن بشكل أسرع من قبل,وإذا كـان لأحـدهم هـذه القناعة, من يستطيع أن يجيب على هذا السؤال؟

يقول اوكتافيوبات: إن تسريع الزمن التاريخي, يمكن أن يكون وهماً وإن التغيرات التي حدثت في التاريخ, يمكن أن تكون أقل عمقاً وحسماً مما اعتقدنا بكثير !.

إن ما هو حديث, يـمارس القطيعة مـع الماضي, بل وينكره بشكل تام وكامل, على الرغم

من أن الجديد يمكن أن لا يكون بالتأكيد حديثاً !.

الحداثة ليست كلّاً مطلقاً, إنـها دائـماً الآخـر لأن الماضي الذي كان, ليس واحداً إنه كل الأشكال المتعددة, إذا كان الماضي إيديولوجيا,أو ما يـمارس مهنة الثورة إن أراد أن يكـون ثورياً, لأن هوية الزمن الحقيقي يـجب أن تكون وراء زمن حقيقي فأحد أهم الأسئلة في بداية هذا القرن هو التالي: ما هو الاسم الذي سيطلق على الأدب في المستقبل؟

إن الحداثة , هي أصلاً – وحصراً – مفهوم غربي بحت. لا يظهر في أي حضارة أخرى.

حيث أن الحضارات الأخرى قد سلمتنا نماذج أصلية من المستحيل , ومن الصعب جداً أن نستنتج منها فكرتنا عن الزمن. هل الأدب الحديث حديث؟ إذا كان ذلك (صح) فإن الحداثة تكون كلمة غامضة, بـل تـرى نـفسها محكومة بمبدأ التغيير, لأن الفلسفات الأولى هي التي تحدث من خـلال أجـسادها عن الحداثة وما تعنيه..مع أن العصر الحديث, هو العصر الوحيد الذي يستطيع أن ينكر نفسه صراحة ودون ارتياب.

هل بالإمكان فـصل الفن عـن الشعر مثلاً.وعن الانتماء؟ هل بالإمكان فصل الـفن والشعر والانتماء, عن مصيرنا في هذا الكون؟ تقول الفلسفات: لقد وجد الفن عندما أصبح الإنسان إنساناً, وسيستمر إلى أن يـختفي الإنسان. إن الأبدية الوحيدة المعروفة للإبداع, هي أبدية المستقبل, من هذه النقطة بدأ العصر الحديث يفقد الإيمان بنفسه.

في مفهوم الحداثة الصرف النقي,يكون الشعر – وحـياً ينافس النصوص المقدسة – لأن الخيال الإبداعي, لـم يـعد مجرد معرفة, ولا يؤمن أبداً بالوسائط المعرفية فهو شكل ما من أشكال الوجود!.

يقول وليم بليك: إن جـميع البشر متساوون في العبقرية الشعرية, إذ ليست القصيدة الشعرية شيئاً كلامياً, إنما هي مهنة إيـمان, وأفعال,وعلى الشعر كأحد بـنيان الحداثة وأساساتها, إعادة احتلاله للبراءة... وهذا أقصى ما يريده الشاعر القوي من التاريخ والزمن على السواء

هل الحداثة أسطورة العصر الحديث أم سرابه؟ ماذا يعني أن تكون حديثا..."ولم يمسسك سوء"؟ بودلير سأل وهو يكتب الشعر... ماذا يجري هناك؟ بل ما هو الذي أبـحث عـنه؟ يقول: إنني أبحث عن شيء يمكن أن أدعوه الحداثة, مع أن الحداثة الأصلية وحدها تميز بين أعمال اليوم, وأعمال البارحة, وتجعلها مختلفة, والجميل دائماً يعيش في غربة أو يكون هناك.

الحداثة هي علامة الموت القوية, وأيضاً هي الوحيدة التي تمنح الإنسان الحياة, لأنها التجربة الوحيدة لهذا العصر الحديث.

إن غموض الشعر أحياناً إزاء العقل النقدي وتجسداته التاريخية " وخاصة في الحركات الثورية "ينبئ أنه وجهي العملة... الـوجه الآخـر هو غموضه إزاء الـمعتقدات, مع أن أكثر الشعراء العظام.."متدينون" لكن هناك بعض التساؤلات في هذا المنحى لا تقرّ بذلك "مثلاً" ماهـي الـمعتقدات الأكيدة بل الفعلية, - لهولدرين -, وبليك, وكوليريدج, وهوغو, ونرفال؟ هذا السؤال نفسه يمكن طرحه على أولئك الذين صرحوا بشكل علني أنهم " متدينون".

الشاعر الـحداثوي,يبتكر أساطيره الخاصة به, وإن كل المثولوجيا التي يتمثلها, إنما هي مزيج من معتقدات مختلفة.. وعلى الأخص – أساطير أُعـيد اكتشافها,وأُعيد تشكيلها بـما يتوافق "الشاعر" مع أشيائه, أي الأشياء الضرورية التي تحتوي – الأشياء كلها.

وباسم الحرية, نكتب جميعاًَ أن التاريخ بإلغائه الزمن, هو أحد ضروب الحداثة, وهذا ما يعيدنا إلى ما قاله جماعة الرومانسية, بالعودة إلى أمّنا الطبيعة !

ففي نهاية القرن التاسع عشر, ونهاية القرن العشرين, بدأت بعض الأصوات الشابّة تفكر بتغيير هائـل للمفاهيم المعرفية مع أنهم كانوا يجهلون بعضهم بعضاً, ومبعثرين عبر القارة الأوروبية..

كـ "هـافـانا – مكسيكوستي – تشيلي – الأرجنتين – نيويورك" وأهـم هـؤلاء الشبان ومركزهم, ضابط في الجيش, وصانع حركة الحداثة ومبعثها " اسمه روبين داريو " الذي أشتق بل نحت هذا المصطلح الذي نحن بصدده. يقول داريو:

- الحدائة هي أسطورة العصر, وبصورة أدق سرابه -

وأن تكون حداثوياً, هذا يعني أن تغادر منزلك, وبلادك, ولغتك, بحثاً عن شيء لا يُعرف ولا يُحـظى بـه,لأنه مختلط بالتغيير... وفي هذا الصدد يقول بودلير: الشاعر يمشي, يبحث ما الذي يبحث عنه؟ أجاب بودلير على سؤاله: إنه يبحث عن شيء يمكن أن ندعوه الحداثة.

ومـع أن بودليـر لا يـعرف تلك الحداثة الخادعة, فهو راضٍ تماماً أن يدعوها العنصر المتفرد

في كل شيء جميل.

وبفضل الحداثة...الجمال هنا ليس واحداً, إنما متعدد, أي أن الحداثة تميّز بجدارة, بين أعمال اليوم, وأعمال البارحة.. وتجعلها مختلفة.

فالجميل هو دائماً غريب "وإنه" ذلك العنصر الذي يـمنح الحياة للجمال الحقيقي من خلال جعله فريداً. الحداثة كما يقول بروتون: هـي العلاقة مع الموت, وهـنا تختلف هذه الكلمة

التي أغرت الشعراء الشبان في نهاية القرن الماضي.. عن تلك التي أغرت الشعراء الآباء.

إنـها لا تدّعي التقدم ,وليست تـجلياً خارجياً لـه,إنها تدّعي لهم الترف, والبهرجة اللفظية

في الكلام , والعلامة على ذلك, أشياء جميلة تراها ولا فائدة منها.

إن حداثـتهم جـمالية خارجية يتصل فيها اليأس "بالأحادية النرجسية", والشكل بالموت.

" فـالشعراء الذين لـم يقتلوا أو الذين لم ينتحروا أُسكتوا بطريقة أخرى" إن كلمة "أرض"

التي لا زالت تتردد على ألسنة شعراء الحداثة , لا زالت إلى الآن تتعذب لكثرة ما ذكرت "في الشعر"! هـنا تتجلى روعة الخطاب, ما بـين الشاعر الحداثوي,وبين المتلقي الذي هو نفسه يريد هذا النوع مـن الكلام. لقد سمّى بعض النقاد الاتجاهات الجديدة " ما بعد الحداثة " وهذا ليس صحيحاً.. إن ما بـعـد الـحداثة تلت الحداثة. لأنها في الحقيقة مجموعة من الأدباء سمت نفسها الطليعة, أو الحركة الطليعية حيث كانت هذه الحركة تنتقد الحداثة من داخلها.

إن ما بعد الحداثة – هو – غياب الزمن أولاً للوصول إلى النهاية, وثانياً للارتطام بكل شيء نـراه وأخطر ما يوجد داخل هذا المصطلح, التحول عن التزامن مع حركة الأجيال الجديدة. صحيح أن اتـجاهات الشعر الحديث تمتلك خصائص بُنيت على أمجاد الرومانسية لكن لا أحد فـي هذه الأيام يقتحم هذه الحالة دون الرجوع إلـى المصير – وهذا ما يعيد القارئ والمبدع

على السواء إلى جمالية الاستثناء – للنص.

الحداثة الآن, هي الجزء اللامرئي من المذهب الفلسفي الذي يقول:

من الممكن الحصول على معرفة العالم الواقعي فقط.

العالـم الواقعي هذا , هو مـجموعة كل الأشياء التي نراها, أمّا ما بعد الحداثة " فهي " تعني

أنه من غير الممكن الحصول على معرفة العالم الواقعي.

إن الحداثة وما بعدها – هي الـمعرفة الكلية لكل ما نـراه,مع أن المثقف لا يقابله اللامثقف.

هذه الكلمة السحرية لا تعني أن صاحبها يمتلك الحدّ الأدنى من الحداثة!

الحداثة هي كل الحريات, والحقوق, والديمقراطية, والكلمات, والفصاحة, فهل يحق للقارئ أو المبدع "بالتحدث" مع جثمانه؟!

أحـد الـمبدعين أجهش بـالبكاء نيابة عن أصدقائه,وامتلأ وجهه بالجثث, لأنه اعتمد كلياً

على اللاعقلانيات, وهذا ما أراده–جاك دريدا– من الحداثة وما بعدها!.



هامش:

- نظرية الأدب: تيري ايغلتون – مطبوعات وزارة الثقافة – سوريا – تر. د. ثائر ديب

- أطفال الطين: اكتافيوبات – دار الينابيع – سوريا – تر. أسامة اسبر

- قلق التأثر: نظرية في الشعر – هارولد بلوم – دار الكنوز الأدبية – تر. د. عابد إسماعيل

??

??

??

??

1295 ع 1078









رد مع اقتباس