منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - طبيعة النظام السياسي الجزائري
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-11, 21:45   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة

(1)- الموقع الإلكتروني:https://www.histoiregeographie.iquebec.com/andalous.htm
(2)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, ص 06.
(3)- https://www.majdah.maktoob.com/vb/post630897-1/
(4)- https://www.majdah.maktoob.com/vb/post630897-1/
(5)- https://www.amaryezli.blogspot.com/20...g-post-26.html
(6)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 07.


أما مركز يا فقد كانت السلطة بيد أمير الأمراء الداي بمساعدة ديوان عسكري متكون من رؤساء الجيش وجهاز تنفيذي يقوم بإختيار أعضائه الداي ومن بين هؤلاء الأعضاء الخزنجي وخوجة الجيل وآغا العرب ووكيل الخراج والقبطان رئيس والباش كاتب.
وفي هذه الفترة تميّز النظام الجزائري بالقوة مما دفع الدول الأوروبية – وبتحريض من بابا روما الذي أثار النزعة الصليبية فيهم – إلى شن هجوم على الجزائر من طرف إنجلترا وهولندا مجتمعتين عام 1230 هجرة ثم إنجلترا منفردة عام 1240 هجري, ولكنهم فشلوا.
وأخيرا عمد الإنجليز على التحالف مع الفرنسيين للعذر بالأسطول الجزائري وهذا ما تم عام 1242 هجري سنة 1830 ميلادي.

المطلب الثالث: الجزائر أثناء الحكم الفرنسي والكفاح المسلّح.
ضعفت السلطة في الجزائر خلال النصف الثاني من القرن 18 ميلادي وما بعده أدى بفرنسا التي كانت قد تطورت علاقتها الإقتصادية بالجزائر إلى البحث عن فرصة ملائمة تمكّنها من الإستيلاء عليها قبل أن تسبقها غيرها من الدول الأوروبية, بعد أن تدهورت وساءت هذه العلاقات بسبب الديون التي في ذمّتها للجزائر, إلى حد القطيعة بينهما التي نتجت على إثر حادثة المروحة بين الداي وقنصل فرنسا "دوفال" سنة 1827 حيث قام بصفعه بالمروحة بسبب سوء أدب القنصل المقصود والمبيّت.
فإتخذت فرنسا من هذه الحادثة ذريعة فقامت بحصار الجزائر وإنزال جيوشها في شط سيدي فرج بتاريخ 14 جوان 1830 بعد سقوط الأسطول الجزائري إثر الهجوم الذي شنّته القوات الفرنسية عليه والذي أدّى إلى إستسلام الداي في 05 جويلية 1830 (1).
وقد إعتمد الإستعمار الفرنسي كنظام له التمييز بين الأهالي والمعمّرين بإستغلال الشعب وخيراته وطمس الشخصية العربية الإسلامية والتي تعتبر من أهداف الحرب الصليبية ضد بلاد الإسلام.
فبمنح السلطة للجيش بقيادة الجنرال إلى غاية 1834 أين قاموا بعد ذلك بتعيين حاكم عام يساعده موظفون سامون لإدارة المستعمر يتضح جليّا التمييز الحاصل خاصة بإعتماد نظام إداري كإمتداد للنظام السائد في فرنسا خلال عصر الجمهورية الثانية, وذلك جرّاء الضغوط الممارسة من المعمّرين الذين أصبحت لهم مؤسسات خاصة بهم وكذا ممثلين في البرلمان الفرنسي, وذلك بموجب أمر 1848م (2).
الذي قام بإدماج الجزائر ضمن إقليم فرنسا.
ويظهر كذلك هذا التمييز من خلال تقسيم الجزائر على منطقتين لكل منطقة نظام معيّن يحكمها فنجد:
- المناطق التي يسكنها الأوروبيون ينظمها نظام محلي يقوم على إنشاء بلديات كالتي في فرنسا من حيث الإختصاص دون التشكيل, حيث يعيّن شيخ البلدية لمدة 05 سنوات من قبل المحافظ préfet ويتم تخصيص ثلثا المقاعد بالمجلس البلدي للأوروبيين أما الثلث المتبقي فيقسّم على المسلمين واليهود والأجانب (3).
- أما المناطق التي يكون فيها العنصر الأوروبي أكثر من العنصر المسلم فقد أنشأت به بلديات مختلطة commune mixte تحت السلطة العسكرية, ويشرف عليها شخص يدعى المسيّر administrateur معيّن من طرف الحاكم العام بمساعدة لجنة بلدية له سلطات متقاربة مع سلطات شيخ البلدية. وعلى مستوى أعلى قامت بتقسيم البلاد إلى مقاطعات ثلاثة يرأس كل واحدة منها محافظ والذي يقوم أيضا بالمصادقة على المداولات التي تقوم بها المجالس العامة والتي تختص بالتصويت على الميزانية وغيرها من الإختصاصات (4).


(1)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, ص07.
(2)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 08.
(3)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص08.
(4)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص09.

ونتيجة لهذا التنظيم تم الإستيلاء على الأراضي الزراعية من طرف المعمّرين وأصبح الجزائري يهتم بخدمة المعمّر وتم إبعاده عن المشاركة في الحياة السياسية, بينما نجد فرنسا قد أخضعته إلى نظام قضائي خاص وإيمانا منه بأن الخلافات بين المسلمين لا يجوز أن يتولى حلّها كافر فقد كانوا لا يلجئون للمحاكم الفرنسية إلا للضرورة.
إلا أننا نجد أن الشعب الجزائري لم يرض بهذا الوضع, أي لم يرض بوجود الإستعمار الفرنسي فقد قاوم وبشدّة, فنجده لجأ إلى المقاومة النفسية من جهة وذلك بالإنغلاق على النفس (وذلك برفض النظام الذي جاء به الإستعمار الفرنسي وتمسك بهويته الوطنية ), ومن جهة أخرى المقاومة المسلحة كالتي قام بها أحمد بأي والأمير عبد القادر والمقراني وغيرهم, ومن جهة ثالثة مقاومة سياسية بأن أثبتوا للعالم أن نيّتهم هي إسترجاع حرياتهم وحقوقهم وسيادتهم وليس هدفهم التخريب.
وكان لزاما علينا الحديث عن دولة الأمير عبد القادر والتي تعتبر نواة للدولة الجزائرية الحديثة, فهذه الدولة قد عرفت نظاما سياسيا إتّسم بالديمقراطية والذي إستمد شرعيته من مشاركة الشعب, وعليه إرتأينا أن نتطرق إلى النظام السياسي في دولة الأمير عبد القادر الذي كان يختلف إختلافا كبيرا عن النظام الذي عرف في عهد الدايات ومن خلال التعمق في تاريخ هذا النظام نجده شوريا ديمقراطيا, حيث إستطاع الأمير عبد القادر تهديم النظام الإستغلالي القبلي الموروث عن الأتراك وقام بإنشاء حكومة مركزية قوية يشاركه في تسييرها العديد من العلماء ورجال الدين, والذين كانوا مسؤولين أمام الأمير عبد القادر وتحت رقابة شعبية, فقد تأثر إلى حد كبير بالنظام الإسلامي ( ويظهر تأثره بالنظام الإسلامي من خلال الألقاب الإسلامية كالأمير, الخليفة, القاضي, الديوان.........).
ولكننا نجد الأستاذ فوزي أوصديق وعند دراسته للسلطة التنفيذية في دولة الأمير عبد القادر قد شبّه النظام الدستوري في عهده بالنظام الرئاسي المغلق, ويرجع ذلك إلى كون السلطة التنفيذية في عهده كانت متزايدة مقابل إنكماش دور السلطة التشريعية في مواجهة الخوجة الكبير الذي لا يعدو أن يكون سوى مستشارا كبيرا للأمير (رئيس الجمهورية) والذي كان دوره محوريا وفعّالا (1).
وبالحديث عن السلطات نجد الأمير قد أخذ بفكرة الفصل بين السلطات التي عرفها اليونان قديما من خلال تقسيم أرسطو لوظائف الدولة وكذا من طرف تقسيم مونتسكيو في مؤلفه " روح القوانين " للسلطات, لكن الأمير أخذ بهذه القواعد على أساس التعاون المتبادل بين هذه السلطات (2).
أما بالنسبة للحركة السياسية التي عرفتها الجزائر قبل الإستقلال والتي ظهرت مع بداية القرن العشرين (20) بعد إستسلام الأمير عبد القادر , فهري نوعين من الحركات وهي: الجمعيات الثقافية والأحزاب السياسية.
فالجمعيات الثقافية السياسية ظهرت نتيجة الوعي وإنتقال الجزائريين إلى أوروبا وكذا إلتقائهم بإخوانهم المغاربة والمشارقة وإن كانت هذه الجمعيات ترتكز على الطابع الثقافي في برنامجها لعلمها بأن نجاحها مرتبط بوعي وتعلم المنضمّين لها, فعمدت إلى إنشاء صحف ومدارس ومعاهد ومحاربة البدع والخرافات, وتنظيم بعثات علمية للدراسة الجامعية في البلدان العربية, فطالبت بالإستقلال وحاربت فكرة الإندماج والتجنّس, وكانت نتيجة ما وصلت إليه هذه الجمعيات أن قامت السلطات الإستعمارية بمحاربتها وظهر نتيجة هذا إنقسام في هذه الجمعيات إلى إتجاهين: إتجاه يدعو إلى التمثيل السياسي والحفاظ على النظام الخاص بالمسلمين بزعامة الأمير عبد القادر والثانية تطالب بالتجنّس والتخلي عن النظام الخاص بالمسلمين (3).
لكن هذا الإتجاه الثاني لم يلق التأييد الذي لقاه الإتجاه الأول من طرف الشعب, ومع رفض السلطات الفرنسية الإستجابة لمطالب حركة الإندماج, إتجه أعضائها نحو جمعية العلماء والشيوعيين والتي كانت مطالبهم تدور حول فصل الدولة عن الدين وحريات التعليم بالعربية والتعبير والصحافة العربية وغيرها من المطالب إلا أن الحكومة الفرنسية رأت هذه الحركة منافسا خطيرا لها في أوساط الشباب الجزائري, فقامت بحلها وهذا ما أدى إلى ظهور الأحزاب السياسية.

(1)- فوزي أوصديق, النظام الدستوري الجزائري – دولة الأمير عبد القادر – دراسة تحليلية مقارنة, دار المطبوعات الجامعية, الطبعة الثانية, طبعة 2003, ص 53 و 67.
(2)- فوزي أوصديق, نفس المرجع, ص 49.
(3) – سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, ص 13.

والمتتبّع لنشأة وقيادة هذه الأحزاب يلاحظ أن فيها إتجاهين: إتجاه قاده فرحات عباس وإتجاه قاده ميصالي الحاج.
* فالإتجاه الأول والذي قاده فرحات عباس ومع المحاولات التي فشلت والواقعة قبل الحرب العالمية الثانية سنة 1936 من أجل التوحيد والوفاق, فقام بإنشاء حزب سنة 1938 إلى جانب النوّاب المسلمين سمي بإتّحاد الشعب الجزائري, نادى فيه بالإندماج والمساواة, لكنه لم يحقق نتائج.
وحين إحتلال الألمان لفرنسا لجأت السلطات إلى مطالبة المسلمين الجزائريين بمساعدتها, فإستغلّوا ذلك وطالبوا بتطبيق نظام خاص بالمسلمين تضع فيه الجمعية الإسلامية نظام سياسي وإقتصادي وإجتماعي, إلا أن طلبهم لم يلق أي رد.
وعلى إثر الإصلاحات التي جاء بها ديغول سنة 1943 والقاضية بمنح المسلمين المواطنة, حاول فرحات عباس الرافض لتلك الإصلاحات مع بعض المناضلين جمع الشمل في جمعية واحدة وهي " جمعية أحباب البيان " والتي تراجعوا فيها عن فكرة الإندماج ونادوا بأمة جزائرية مستقلة ذاتيا ومتّحدة فدراليا مع الجمهورية الفرنسية المتطورة إلا أنها حلّت في: 14 ماي سنة 1945.
ومن هنا نرى أن الموقف السياسي لفرحات عباس كان متناقضا, فتارة ينفي وجود الأمة الجزائرية ثم يغيّر موقفه ويذهب إلى فكرة الإندماج والمساواة في الحقوق السياسية والمدنية وإتّفق مع الحركات الأخرى في المطالبة بإستقلال الجزائر ذاتيا وإتحادها فدراليا مع فرنسا.
* أما إتجاه ميصالي الحاج وهو عضو الحزب الشيوعي الفرنسي سابقا ظهر إتجاهه بإنشاء نجم شمال إفريقيا وفرنسا سنة 1926 الذي طالب بإستقلال الجزائر وتشكيل حكومة وطنية (1).
ولكنه حل وظهر تنظيم جديد يسمى بحزب الشعب الجزائري, وهذا الحزب تميّز في كون نشاطه السياسي كان محصورا في الجزائر فقط وطالب بالإستقلال الوطني إلا أنه كذلك حل بعد تعرض أعضائه للقمع والسجن, ولكن بتدخل الجزائريين المنتخبين وتأثير الأوضاع السياسية أجبر السلطات الفرنسية على الإفراج عن ميصالي الحاج والذي قام بإنشاء حركة إنتصار الحريات الديمقراطية وهي إمتداد لحزب الشعب وذلك لتمسكها بنفس مطالب الحزب, وإعتمدت هذه الحركة تنظيما محكما كان فيه تركيز السلطة بيد ميصالي الحاج والذي لقي معارضة من بعض المناضلين في الحركة من أنصار القيادة الجماعية والذي أطلق عليهم تسمية " المركزيين " تمييزا لهم عن الميصاليين المؤيدين لتركيز السلطة في يد زعيم الحركة.
إضافة إلى هذين الإتجاهين ظهر إتجاه ثالث نظم في منظمة سريّة من بين أصحاب هذا الإتجاه أحمد بن بلة ومحمد بوضياف والحسين آيت أحمد ومحمد بوصوف وهو قد إختار العمل العسكري المسلح, فأنشأ اللجنة الثورية للوحدة والعمل والتي إلتفّت مع المنظمة السريّة في إجتماع نتج عنه ظهور جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني المعلن عنهما في: 01 نوفمبر 1954 تاريخ إندلاع الكفاح المسلح.
وقد كان التاريخ المذكور أعلاه هو تاريخ إندلاع الثورة الكبرى أين ظهرت فيه جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير كقوّة سياسية وحيدة لقيادة الشعب.
وبتاريخ 20 أوت 1956 عندما عقدت جبهة التحرير مؤتمرها تمخّض عنه ظهور تنظيم ومهام واضحة, فقد أنشأت المجلس الوطني للثورة الجزائرية CNRA وهو ممثل الشعب والمعبّر عن إرادته وسيادته ويقرّر سياسة البلاد وسياسة الجبهة, والذي أنشأ لجنة التنسيق والتنفيذ والتي تهتم بتنفيذ قرارات المجلس وتنسيق العمل , فيكون قادة الولايات مسؤولون أمامها وهي مسؤولة أمام المجلس الوطني (2).
وقامت الجبهة بتقسيم البلاد إلى 06 ولايات, يلي ذلك المناطق فالنواحي فالقسمات وعلى رأس كل ولاية وضعت ضابط برتبة عقيد بمساعدة 03 روّاد يتولون النشاط السياسي والمخابرات والإشراف على المجالس المحلية وتوعية الشعب وتعبئته.


(1)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, ص 17.
(2)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 20.


وتم رفع عدد أعضاء المجلس من 34 عضوا إلى 54 عضو, وذلك في المؤتمر الثاني له في: أوت سنة 1957 بالقاهرة, ورفع أيضا عدد أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ من 05 أعضاء إلى 14 عضو منهم فرحات عباس كعضو رسمي وبوضياف محمد وأحمد بن بلة ورابح بيطاط وحسين آيت أحمد كأعضاء مشرفين (1).
وقامت هذه اللجنة وبتفويض من المجلس في مؤتمر طنجة في أفريل 1958 وإتفاقا مع حكومتي تونس والمغرب من تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي أعلن عنها فعلا يوم: 19 سبتمبر سنة 1958 برئاسة فرحات عباس (2).
وقد قامت جبهة التحرير ببعث الإتحاد العام للعمال الجزائريين وإتحاد الطلاّب الجزائريين وإتحاد التجار وصغار رجال الأعمال الوطنيين, وأصدرت مجلة عربية تتحدث بإسمها تدعي " المجاهد الحر " .
وبوصول "ديغول" إلى رئاسة الحكومة مع سلطات مطلقة خاصة بناءا على طلبه وقبل إعلانه عن مشروعه في: 16 سبتمبر سنة 1959 بخصوص السياسة الجزائرية, إتّخذ عدّة إجراءات كانت تتجه ضمنيا إلى فكرة الإدماج وهذا المشروع جاء محتويا على إعتراف بحق الجزائر في تقرير مصيره حتى لو أدّى إلى الإنفصال عن فرنسا, ولكنه أحاط المشروع بقيود وتحفظات جعلته يُرفض بتاتا من جبهة التحرير مما زاد في سوء العلاقة بين ديغول والمستوطنين الفرنسيين والذين قاموا بحركة تمرّد في الجزائر من: 26 جانفي إلى: 02 فيفري سنة 1960.
وبزيارة ديغول إلى الجزائر في: 10 ديسمبر سنة 1960 تأكّد أنه لا يمكن إتخاذ أي إجراء دون إتفاق مع الجبهة, لأنه سيفشل في ذلك.
وكان ديغول يلجأ للإستفتاء وليس الإتفاق مع الجبهة وهذا ما أدّى إلى طرح إشكالية قانونية حول تكييف إتفاقيات " إيفيان " التي إعترفت بممثلي جبهة التحرير ولم تعترف بالحكومة المؤقتة, ولكن الإعتراف بالجبهة يعني الإعتراف بالمؤسسات التي أقامتها (3).
ويكمن هذا الإشكال في: هل هي إتفاقيات أو معاهدات دولية؟ أم تصرفات إنفرادية من قبل الجمهورية الفرنسية؟ والذي قام بطرحه الدكتور سعيد بوشعير والذي أجاب عليه في أنه من وجهة النظر الفرنسية فإن التصريح العام ليس إتفاقا دوليا وذلك لأن الفصل الأول من التصريح صدر بشأنه مرسومان: الأول يتعلق بتنظيم الإستفتاء حول تقرير المصير والثاني خاص بتنظيم السلطات العمومية المؤقتة في الجزائر وهذين المرسومان يعتبران تصرفين إراديين صادران عن السلطة الفرنسية (4).
ونتيجة لقوة الثورة الجزائرية وعجز فرنسا في القضاء عليها ومناداة الرأي العام الفرنسي نفسه بالجلاء من الجزائر نتيجة الخسائر المادية والبشرية الكبيرة, إضافة للتأييد العالمي الذي لقيته القضية الجزائرية وقبلت فرنسا بقيادة ديغول للتفاوض مع جبهة التحرير الوطني وذلك في مفاوضات إيفيان بين 10 و 17 فيفري سنة 1962 والتي تعثّرت أول الأمر لكن في النهاية أدّت إلى عقد إتفاق وفق إطلاق النار, وجرى بعد إستفتاء أبدي فيه الجزائريون حقهم ورغبتهم الأكيدة في الإستقلال, فتمّ ذلك بتاريخ: 05 جويلية سنة 1962.
خاتمة المبحث:
نستخلص من دراستنا لهذا المبحث أن الجزائر خلال هذه الفترة, قد توالت عليها عدة أنظمة سياسية, فعرفت كل حقبة زمنية نظام معين, إلا أننا لا نستطيع تحديد طبيعة هذا النظام وذلك كون الجزائر لم يكن لها دستور معين في أي نظام, سواء قبل الإسلام أو في ظل الحكم الإسلامي أو حتى أثناء الحكم الفرنسي والكفاح المسلح, لتحديد طبيعة نظام الحكم في أي دولة, يجب أن تحتوي على وثيقة هامة هي
الدستور.



(1)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, ص 20.
(2)- https://barahionline.com/alanternet.html
(3)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 26.
(4)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 26.
المبحث الثاني: طبيعة النظام السياسي الجزائري في ظل دستور: 1963 ودستور: 1976.يتضمن الدستور أهم المبادئ العامة للدولة وبالذات العلاقة بين السلطات الموجودة فيها وتنظيمها, وبالنسبة للدولة الجزائرية فإنه لا يمكن التطرّق إلى ذلك دون المرور على أهم مرحلة تاريخية عرفتها الجزائر الممتدة من وقف إطلاق النار (الإستقلال) إلى غاية صدور أول دستور وهو دستور: 1963 ومنه إلى دستور: 1976 كالآتي:
المطلب الأول: طبيعة النظام السياسي خلال المرحلة الإنتقالية.
أُعتبرت جبهة التحرير الوطني الممثل الرسمي – ولفترة ما من مراحل الدولة الجزائرية – للشعب الذي أراد دائما الإستقلال الكامل والنهائي عن فرنسا وبأي وسيلة كانت, فإستطاع ذلك بعد إصرار طويل بواسطة أدة سياسية وقانونية لوقف إطلاق النار والإعتراف بالجزائر مستقلة, وتولي جبهة التحرير الوطني السلطة فيها وسنبيّن ذلك من خلال النقاط التالية:
1- الهيئة التنفيذية المؤقتة: تقرّر بموجب إتفاقية إيفيان إنشاء هيئة تنفيذية مؤقتة بموجب مرسوم 29 مارس 1962 إلى جانب المحافظ السامي للحكومة الفرنسية ومحكمة مختصة لمنع المساس بالأمن العام (1). ومن أهم صلاحياتها ما يلي:
أ‌- إدارة الشؤون العامة الخاصة بالجزائر.
ب‌- إعداد وتنفيذ حق تقرير المصير في الجزائر.
ت‌- تولي غارة المرافق العامة التي لها سلطة عليها في مختلف المستويات , ماعدا الدفاع وأمن البلاد والقضاء والنقد والعلاقات الإقتصادية بين الجزائر والبلدان الأخرى , وحفظ النظام بإعتبارها من إختصاص الحكومة الفرنسية, لكن بالإتفاق مع الهيئة التنفيذية المؤقتة إلا إذا تعذّر ذلك, كما تتولى الحكومة الفرنسية إضافة لما سبق الإشراف على التعليم والمواصلات اللاسلكية والموانئ والمطارات إلا ما أسند منها للهيئة التنفيذية المؤقتة بمرسوم (المادة 11) (2).
ث‌- لها سلطة سن القوانين الخاصة بالشؤون الجزائرية.
ج‌- تعيين الموظفين في المناصب الإدارية ومناصب السلطة. وما تجدر الإشارة إليه أن هذه الهيئة التي تقتسم السلطة مع المحافظ السامي ممثل الجمهورية , من رئيس ونائب له وعشرة أعضاء.
إن الهيئة التنفيذية المؤقتة التي أنشأت في: 29 مارس 1962 والتي تتكون من 03 أوروبيين لا يمثلون الحكومة الفرنسية و03 مسلمين لا ينتمون إلى الجبهة و 06 من الجبهة, وقد تمكّنت جبهة التحرير الوطني من بسط رقابتها عن طريق الممثلين الستة المنتميين إلى هذه الهيئة, حيث لم يستطيع الأوروبيين فرض وجودهم أمام ممثليها وهذا كان بمساعدة المسلمين الذين لا ينتمون إلى الجبهة, وهذا ما أدى خلال فترة وجيزة إلى سيطرة الجبهة على الهيئة التنفيذية, لأنها أصبحت تتمتع بأغلبية الأعضاء فيها ولم يبق سوى وظائف ثانوية تتمثل في نيابة الرئيس وشؤون المالية والأشغال للأوروبيين(3). حيث قامت الجبهة بالسيطرة على الجهاز الإداري عن طريق التعيين في المناصب الحساسة (المحافظين ونوابهم) وأصبحت الهيئة منفّذة لتوصيات الجبهة, وما على السلطة الفرنسية إلا التنفيذ وهذا ما أدى على إستحواذ جبهة التحرير الوطني على السلطة حتى قبل إجراء الإستفتاء وإعلان الإستقلال.وقد أنشأت كذلك طبقا لإعلان من إتفاقية إيفيان, لجنة مركزية لمراقبة الإستفتاء ولجان إقليمية, إلا أن الجبهة تمكّنت من التأثير على مهامها وقراراتها (سلطاتها) بطريقة غير مباشرة أو حتى بواسطة الهيئة التنفيذية.
2- تنظيم السلطات بعد إنشاء المجلس التأسيسي: يعتبر أول برلمان جزائري معيّن المجلس الوطني للثورة الجزائرية والذي كان من أهم أعماله تحويل الجبهة إلى حزب وإنتخاب مكتب سياسي. وقد تم ذلك وكذلك تم بمقتضاه إنشاء مجلس تأسيسي عن طريق الإنتخاب بعد تقرير المصير في: 20 سبتمبر 1962 وبقي قائما إلى غاية 20 سبتمبر 1964, أين تمّ إنتخاب المجلس الوطني والذي تولى المهام الآتية:

(1)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري, ص33.
(2)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 34.
(3)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 35.
وقد تم ذلك وكذلك تم بمقتضاه إنشاء مجلس تأسيسي عن طريق الإنتخاب بعد تقرير المصير في: 20 سبتمبر 1962 وبقي قائما إلى غاية 20 سبتمبر 1964, أين تمّ إنتخاب المجلس الوطني والذي تولى المهام الآتية:
1- تعيين أول حكومة عادية للجزائر الحرة المستقلة برئاسة بن بلّة مع الموافقة على برنامجه وأعضاء حكومته في: 29 سبتمبر سنة 1962 (1).
2- التشريع بإسم الشعب.
3- الإعداد والتصويت على دستور الجمهورية: وقد تم إعداد مشروع الدستور في: 31 جويلية 1963 بندوة الإطارات بقاعة سينما " الماجستيك " (ATLAS) وتم إقراره ثم قدّم هذا المشروع إلى المجلس التأسيسي من طرف 05 نواب , والذي وافق عليه ثم عرض للإستفتاء عليه من طرف الشعب بتاريخ: 08 سبتمبر 1963 وإصداره يوم: 10 سبتمبر 1963.ولقد إعتمد هذا الدستور على الإختيار الإشتراكي والحزب الواحد, رافضا التعددية الحزبية والنظام الحر, كما أنه دستور ذو طابع برامجي أكثر منه قانوني وقد تم إنتخاب أول رئيس للجمهورية في: 15 سبتمبر 1963 وهو أحمد بن بلة والذي إستمد سلطاته من الدعم الذي قدّمه له الجيش.

المطلب الثاني: تنظيم السلطات ونظام الحكم في ظل دستور 1963.
1- السلطة التشريعية: إعتمدت الجزائر على نظام المجلس الواحد وهذا كان لمبرّرات عديدة أهمها: تجنب البطء في التشريع الذي يعتبر من أهم عيوب نظام المجلسين, البساطة والبعد عن التعقيد, وقد أسندت السلطة التشريعية للمجلس الوطني الذي تم إنتخابه بتاريخ 20 سبتمبر 1964 ولمدة 04 سنوات (2).
ويتم ترشيح ممثليه من طرف جبهة التحرير الوطني وينتخبون بإقتراع عام مباشر وسري لمدة خمسة سنوات, وهذا ما نصت عليه المادة 27 من دستور 1963, حيث يتمتع النائب بالحصانة البرلمانية التي تضمن له ممارسة مهمته دون قيد, بحيث لا يجوز إيقافه أو متابعته في القضايا الجنائية دون إذن من المجلس إلا في حالة التلبّس بالجريمة أو بموافقة المجلس (3).
ويضطلع المجلس الوطني بمهام رئيسية أهمها: التصويت على القوانين بعد أن أعدّها كما له حق التعديل وإلغاء القوانين التي لا تتفق ومطامع الشعب, مراقبة الحكومة, كما له آلية يستعملها ضد رئيس الجمهورية وهي متمثلة في إقتراح ملتمس الرقابة من قبل ثلث النواب والتصويت عليه بالأغلبية المطلقة للنواب, فإذا تحقق النصاب المطلوب وجب على الرئيس تقديم إستقالته, لكن يقابله إنحلال المجلس تلقائيا ويعاد إجراء إنتخابات لتشكيل المجلس. وحسب المادة 24 من دستور 1963 نجد أن جبهة التحرير الوطني تقوم بمراقبة عمل المجلس والحكومة بالإضافة إلى أن ترشيح النواب بالمجلس يتم من طرفها هي إضافة إلى السلطات الأخرى المتمثلة في: تحديد سياسة الأمة وكذلك إسقاط صفتهم النيابية , تشييد الإشتراكية, تحقيق مطامح الشعب ولكن بعد المؤتمر الجزائري يتضح بأن المجلس ونوابه هم مجرّد آداة تنفيذ في يد قيادة الحزب التي هي نفسها قيادة الدولة والمتمثلة في شخص رئيس الجمهورية الأمين العام للحزب. وبالتالي النتيجة المستخلصة بديهيا هي:سؤال ما فائدة النصوص السابقة التي ذكرناها بخصوص مهام المجلس الوطني؟ و إذا ما أردنا الإجابة عليه, فإننا نجدها لا فائدة ولا جدوى منها فبالنسبة مثلا لإقتراح ملتمس الرقابة فإن له أثر مزدوج وهو إستقالة رئيس الجمهورية وتبعا إنحلال المجلس وهو ما لا يرضاه أي نائب(4). وكذلك مراقبة الحكومة من طرفه لا يتحقق بفعالية لأن أعضاء الحكومة هم معنيون من طرف الرئيس ومسؤولون أمامه فقط ولذلك فإذا تم توجيه نقد لهم فإنه فيه مساس بشخص الرئيس وكأنه قد أساء الإختيار بصريح العبارة وهذا لا يمكن أن يتحقق عمليا(5).

(1)- فوزي أوصديق, النظام الدستوري الجزائري ووسائل التعبير المؤسساتي, الجزائر, ديوان المطبوعات الجامعية, ص 93.
(2)- أنظر المادة 17 من دستور 1963, جريدة رسمية رقم: 64 المؤرخة في: 10 سبتمبر 1963.
(3)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري.......ص52.
(4)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 53.
(5)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 53.
وما يمكن إستنتاجه في الأخير هو أن السلطة التشريعية بكل أجهزتها خاضعة في كل الجوانب للسلطة التنفيذية ولا تتمتع أبدا بالإستقلالية وهذا ما أدى إلى هدم الرقابة المتبادلة ومنه إلى تبني نظام رئاسي متشدّد, والذي يكون فيه الرئيس مستحوذ على جميع السلطات ويعتبر الشخصية السياسية الوحيدة في الدولة وسيتبيّن لنا ذلك من خلال معرفة سلطات السلطة التنفيذية من خلال النقطة التالية:
2- السلطة التنفيذية: تسند السلطة التنفيذية إلى رئيس الدولة, فهو الشخصية المحورية الفعّالة والذي ينتخب لمدة 05 سنوات عن طريق الإقتراع العام المباشر والسري بعد تعيينه من طرف الحزب, لأنه هو الحزب الطلائعي في البلاد.
وحسب نص المادة رقم: 39/03 من دستور 1963 فإنه ينبغي توافر الشروط التالية في رئيس الجمهورية: أن يكون بالغ 35 سنة من العمر, متمتع بحقوقه المدنية والسياسية, جزائري, ولقد خوّل الدستور صلاحيات كثيرة لرئيس الجمهورية سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي, ففي الأولى فإنه إستأثر بالإختصاصات التنفيذية لوحده والمتمثلة في: تحديد سياسة الحكومة وتوجيهها , تعيين الوزراء على أن يكون الثلثين منهم على الأقل من نواب المجلس مع تقديمهم له دون أن يكون له سلطة الموافقة على ذلك التعيين أو رفضه, كما أن الوزراء هم مسؤولون أمامه فقط, أما رئيس الجمهورية فهو المسؤول الوحيد أمام المجلس الوطني (المادة 47 من دستور 1963).
أما في المجال التشريعي فإننا نجدها واسعة جدا حيث له سلطة إقتراح القوانين, إصدارها, نشرها, تنفيذها وكذلك ممارسة السلطة التنظيمية, مع العلم أن عملية الإصدار مقيّدة بأجل معيّن وهي 10 أيام وإلا تكفّل رئيس المجلس الوطني بإصدارها.
من بين السلطات كذلك طلب مداولة ثانية لإعادة قراءة النص الذي تمت الموافقة عليه من طرف المجلس الوطني ولا يجوز له رفضه.
كما تجدر الإشارة أنه في هذه المرحلة قد إعتمدت السلطة التنفيذية في مجال التشريع آلية جديدة وهي التشريع بالتفويض وفقا للمادة 58 من دستور 1963 ومؤداه " أن يطلب من المجلس الوطني التفويض له لمدة محدودة حق إتّخاذ تدابير صعبة تشريعية عن طريق أوامر تشريعية في نطاق مجلس الوزراء, وتعرض على المجلس للمصادقة عليه في أجل 03 أشهر" (1).
وفي ظروف محدّدة ألا وهي: حالة الضرورة والإستعجال (2).
وكذلك من بين السلطات التي خوّلها الدستور لرئيس الجمهورية بموجب المادة 59 من دستور 1963 هي إتخاذ تدابير إستثنائية لحماية إستقلال الأمة ومؤسسات الجمهورية في حالة الخطر الوشيك الوقوع وهي مقيّدة فقط بتوفر الخطر الوشيك الوقوع وإجتماع المجلس الوطني وجوبا. وقد تم ذلك فعلا حيث إستطاع رئيس الجمهورية تجميد الدستور بموجب المادة 59 عن طريق توجيه رسالة إلى المجلس الوطني بتاريخ 02 أكتوبر 1963 وذلك لخطورة الوضع وتهديد القوى الإجرامية المعادية للثورة والوحدة الوطنية والوحدة الترابية للبلاد وأسس الثورة ذاتها بالتواطؤ مع قوى خارجية, وبذلك لم تدم حياة الدستور سوى 26 يوم فقط.
أما على المستوى الخارجي: فإنه يحق له التوقيع والمصادقة على المعاهدات والإتفاقيات والمواثيق الدولية بعد إستشارة المجلس الوطني وإعلان الحرب والسلم بموافقة المجلس الوطني, ويتضح أن السلطة التنفيذية المتمثلة في رئيس الجمهورية تتمتع بسلطات واسعة على المستويين الداخلي والخارجي وهي في الظاهر مستمدة من الدستور, لكن الواقع أنها مستمدة من الجيش وما الدستور إلا واجهة إستطاع من خلالها رئيس الجمهورية فرض رؤياه وحده فقط وما يتطلّع له, ودعّمه أكثر السياسة الخارجية التي إنتهجها.
3- النظام السياسي الجزائري القائم بعد سنة 1965: تبدأ هذه المرحلة عندما قام الجيش بقيادة الهواري بومدين ومجموعة وجدة وإنضمام قائد أركان الجيش " الطاهر الزبيري" الذين لم يرضوا أبدا عن الرئيس بن بلة في قيادته لمؤسسات الدولة فقاموا بالإطاحة بالرئيس أحمد بن بلة في 19 جوان 1965(ما يسمى بالتصحيح الثوري وهو حقيقة إنقلاب).

(1)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري.......ص55.
(2)- أنظر المادة 52 والمادة 53 من دستور 1963, جريدة رسمية رقم: 64 المؤرخة في: 10 سبتمبر 1963.
ولقد حاول كل من القائمين على الحركة وكذلك الفقيهين: سولي وبوريلة من خلال بعض الحجج والتبريرات أن يوضحوا أن العمل الذي قاموا به هو مشروع إلا أنه وُصف في تلك المرحلة بغير القانوني لأن القائمين عليها لم يلجئوا إلى الطريقة الدستورية الشرعية لإبعاد رئيس الجمهورية وإنما إستعملوا العنف بواسطة الجيش للوصول إلى السلطة. وإستبدال النظام القانوني الأساسي (الدستور والمؤسسات) بنظام قانوني أساسي آخر (أمر 10 جويلية 1965) ومؤسسات أخرى(مجلس الثورة والحكومة)مع الإحتفاظ بالخيار الإشتراكي (1).
لكن الوصف القانوني الذي يعطى لهذه الظاهرة هو الإنقلاب أي إنتزاع للسلطة من قبل صاحبها الشرعي (2).
كذلك هو حركة ذات طابع عنفي تقوم بها جهة من السلطات ذات نفوذ مستعملة في ذلك وسائل القوة والإستيلاء على السلطة وإستبدال النظام الأساسي القائم رغم وحدته الإيديولوجية بنظام قانوني آخر دون مشاركة الشعب (3).
لكن ينبغي معرفة ما أطلقه أصحابه عليه, فقد أطلقوا عليه تسمية التصحيح الثوري.
ولقد صرّح رئيس الحركة بومدين فيما بعد وبالذات في: 05 جويلية 1965 بأنهم قد تراجعوا عن التصريح السابق الصادر في: 19 جوان والذي نص على أن" مجلس الثورة قد إتخذ كل التدابير من أجل ضمان سير المؤسسات القائمة في ظل النظام والأمن" ويستنتج من ذلك تغيير الشخص الذي تسبب في إعاقة سير هته المؤسسات فقط وحلّ محله مجلس الثورة, كما أعلن أيضا ان مجلس الثورة يعمل من أجل إقامة جهاز دولة قوي وفعّال ومؤسسات تتماشى ومطالب الشعب, وهذا ما حدث فعلا, فقد أفاد الأمر الصادر في: 10 جويلية 1965 أن مجلس الثورة هو مصدر السلطة المطلقة ريثما يتخذ دستور للبلاد, وهذا يعني القضاء على دستور 1963 بإلغائه وكذلك المؤسسات التي جاء بها وقيام مؤسسات جديدة وفقا لنص جديد وهو تصريح 19 جوان والأمر الصادر في: 10 جويلية 1965 والذي أطلق عليه بالدستور الصغير (من المادة رقم 03 إلى المادة رقم 06) (4). وهي كالتالي:
1- مجلس الثورة والحكومة: مجلس الثورة تمّ إنشائه من 26 عضوا , حيث أُسندت له إختصاصات واسعة وهي (إختصاصات المجلس الوطني ورئيس الجمهورية) و الحزب (5).
وأهم المهام التي قام بها المجلس هي: تحديد السياسة العامة للبلاد والإختيارات الأساسية, مراقبة الحكومة بالإضافة إلى أدوار أخرى قوّت من سيطرته على الجهازين: كالموافقة على بعض الأوامر التشريعية التي هي في الأصل من إختصاصات الحكومة بموجب الأمر السابق ذكره, إتخاذ إجراءات داخلية كإبعاد بومعزة ومحساس(6). تحديد تواريخ الإنتخابات البلدية واللجان المختلفة لتحديد قوائم المترشحين, إلا أنه ومنذ ماي 1967 قُلّصت هته المهام ولم تعد له الإستقلالية في ممارسة المهام أو حتى الإجتماع مع الحكومة لمحاولة الطاهر الزبيري الإطاحة بالنظام في: 14/12/1967 وهذا دام إلى غاية 1969 (إنقلاب فاشل).
فما يميّز الأحداث بعد هذه المحاولة وخاصة بعد 1969 هو الإندماج بين الحكومة ومجلس الثورة تحت رئاسة رئيس واحد وهو رئيس مجلس الثورة , رئيس مجلس الوزراء, كما أن الكفة قد مالت إليه على حساب مجلس الثورة وذلك عندما توفي أعضاءه الذين لهم نفوذ في الدولة الجزائرية آنذاك.
لكن ما يمكن ملاحظته في هذه المرحلة أن التاريخ يعيد نفسه, وأن الأشخاص فقط تغيّروا ووقعوا في نفس الشرك الذي وقع فيه بن بلة, حيث أصبح رئيس مجلس الثورة رئيس مجلس الوزراء, يتمتع بسلطات واسعة في مواجهة الأجهزة الأخرى وإحتل مكانة هامة (يوّجه, يراقب, سلطة), وهذا لأنه أصبح عامل وحدة للمجموعة التي أطاحت بالنظام السابق وعامل إستقرار لها بين أعضائها (7).

(1)- سعيد بوشعير, النظام السياسي الجزائري.......ص66.
(2)- عبد الله بوقفة,القانون الدستوري وآليات تنظيم السلطة في النظام السياسي الجزائري, الجزائر, دار هومة, ط203, ص65.
(3)- مولود ديدان, مرجع سبق ذكره, ص342.
(4)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 67.
(5)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 71.
(6)- سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص 71.
(7) - سعيد بوشعير, نفس المرجع, ص73.
وأنشأ كذلك بعض الأجهزة لتسهيل مهمته أهمها: المجلس الإقتصادي والإجتماعي, المجلس الأعلى للقضاء, الندوة الوطنية لرؤساء المجالس الشعبية البلدية, اللجنة المركزية للصفقات....الخ.
دون أن نستثني حزب جبهة التحرير الوطني والتي وإن قلّ دوره في السنوات الثلاث وذلك نتيجة للإنحرافات والحكم الفردي, إلا أنه في هذه المرحلة فقد ظل رمزا للمشروعية التاريخية.
فالدولة كانت تستمد مشروعيتها من إيديولوجية الحزب, وعلى المستوى السياسي, كان دور جبهة التحرير الوطني كموجّه للدولة, يتجسّد بصفة غير مباشرة في كون مسيري الدولة كانوا في نفس الوقت أعضاء في إدارة المركزية للحزب (1).
وبالتالي ما يميّز هذه المرحلة هو القوة والسيطرة وبناء الدولة بفرض كل شيء من القمّة, والإعتماد على الخيار الإشتراكي وإستبدال الحكم الفردي بالجماعي.
المطلب الثالث: تنظيم السلطات في دستور 1976:
في سنة 1975 أعلن هواري بومدين بصفته رئيس مجلس الوزراء في خطاب ألقاه عند الشروع في إعداد ميثاق وطني , إذ يعتبر هذا الميثاق المصدر الإيديولوجي للدستور القادم, وإنتخاب مجلس وطني ورئيس الجمهورية.
فبموجب الأمر رقم: 95/69 المؤرخ في: 1 نوفمبر 1975 والمتضمن إنشاء اللجنة السامية للميثاق الوطني, كُلّفت بإعداد مشروع الميثاق الوطني تحت رئاسة وسلطة السيّد: رئيس مجلس الثورة, رئيس الحكومة ورئيس مجلس الوزراء, وفي 27جوان 1976 تم الإستفتاء على الميثاق الوطني من طرف الشعب من خلال الإجابة على السؤال التالي: هل أنتم موافقون على الميثاق الوطني المقترح عليكم؟ (2).
ونستنتج من خلال الإطّلاع على هته الوثيقة أنها مميّزة ولها مكانة قانونية بالمقارنة مع غيرها من المواثيق السابقة وهذا يرجع إلى قوة الجهة التي أعدّته حيث عند عرضه للتصويت والمناقشة بعد الإقتناع بصلاحيته أستبعد حزب جبهة التحرير من وضع هذه الوثيقة, وبعد إصدار هذا الميثاق بدأ في الخطوة الثانية وهي إعداد دستور 1976.
1- إعداد الدستور ومضمونه: لقد إنعقدت ندوة وطنية للموافقة على مشروع الدستور في: 06 نوفمبر 1976, وقد تم إصداره بموجب الأمر رقم: 76/95 المؤرخ في: 14 نوفمبر 1976 ووافق عليه الشعب في إستفتاء يوم: 19 نوفمبر 1976 ونشر في الجريدة الرسمية يوم: 02 نوفمبر , ويحتوي على: 199 مادة
أما عن العلاقة بينه وبين الميثاق فتتجلى من خلال المادة رقم: 06 من دستور 1976 والتي تنص على:أن الميثاق هو المصدر الأساسي لسياسة الأمة وقوانين الدولة, وهو المصدر الإيديولوجي والسياسي المعتمد لمؤسسات الحزب والدولة على جميع المستويات.
إن الميثاق الوطني مرجع أساسي أيضا لأي تأويل لأحكام الدستور وبالتالي فالميثاق الوطني يسمو على الدستور.
لقد كرّس هذا الدستور الإختيار الإشتراكي وكذلك وحداوية قيادة الحزب والدولة وتعدد الوظائف, فقد أستعمل في هذا الدستور مصطلح: الوظيفة بدل السلطة وكلها تحت مظلة ورقابة القيادتين المتمثلة في شخص واحد ألا وهو رئيس الجمهورية.
ولقد تم بموجب المرسوم رقم: 85/304 المؤرخ في: 02 ربيع الثاني عام 1406 هـ الموافق لـ 14 ديسمبر 1985 والمتضمن إستدعاء مجموع الناخبين لإستفتائهم في إثراء الميثاق الوطني(3).
وكذلك المرسوم رقم: 86/22 المؤرخ في: 30 جمادى الأولى عام 1604هـ الموافق لـ 09 فبراير 1986 والذي يتعلق بنشر الميثاق الوطني الموافق عليه في إستفتاء 16 يناير 1986 والمنشور في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية, والذي نجده قد حافظ على وحداوية الحزب المتمثل في جبهة التحرير الوطني, وسنتعرض فيما يلي إلى الوظائف التي حدّدها دستور 1976.

(1)- فتحي زراري,نظم تحديد نتائج الإنتخابات في القانون الجزائري, مذكرة لنيل شهادة الماجيستير, ص88.
(2)- فتحي زراري, نفس المرجع, ص 93.
(3)- مرسوم رقم:86/22 مؤرخ في: 09 فبراير سنة 1986, يتعلق بنشر الميثاق الوطني الموافق عليه بإستفتاء 16/01/86.

2- تنظيم السلطات طبقا لدستور 1976:
أ- الوظيفة السياسية: نظمتها المواد من: 94 إلى 103 من دستور 1976, والتي نصت في مجملها على أن حزب جبهة التحرير الوطني هو الحزب الواحد في البلاد والذي يهدف إلى تجسيد مبادئ ومعالم الإشتراكية وكذلك المحافظة على عقائدية المجتمع الجزائري.
كما أن دستور 1976 قد إعتمد في هذا المجال على مبدأ وحدة القيادة السياسية للحزب والدولة ومؤداها أن قيادة الحزب هي نفسها قيادة الدولة (أي بيد رئيس الجمهورية الأمين العام للحزب) وهذا على مستوى القمّة, أما على مستوى القاعدة فإنه هناك فصل تام بين أجهزة الحزب وأجهزة الدولة, ولكل منها وسائلها الخاصة في ممارسة مهامها ومسؤولياتها حتى لا يقع تداخل في الإختصاصات والذي سوف يعيق حتما تحقيق الأهداف المسطّرة.
ب- الوظيفة التنفيذية: من المادة رقم: 104 إلى المادة رقم: 125 من الدستور.
لقد أسند الدستور هته الوظيفة لرئيس الجمهورية, حيث ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الإقتراع العام المباشر والسري لمدة 06 سنوات كما يمكن إعادة إنتخابه, إلا أنه وبموجب التعديل الحاصل عل دستور 1976في: 07/07/1979 أصبحت المدة 05 سنوات.
كما أنه يجب أن تتوفر شروط نصت عليها المادة رقم: 107 من دستور 1976 والمتمثلة في أن يكون له الجنسية الجزائرية, أن يدين بالإسلام, أن يكون بالغ سن: 40 سنة كاملة يوم الإنتخاب, أن يكون متمتع بكامل الحقوق المدنية والسياسية, ويتم ترشيحه من طرف حزب جبهة التحرير الوطني.
وفي حالة وفاته أو إستقالته يتولى رئيس المجلس الشعبي الوطني هته المهام لمدة أقصاها 45 يوم, تنظم من خلالها إنتخابات رئاسية, حيث أن الرئيس المستقيل لا يحق له الترشح لهذا المنصب حسب نص المادة رقم: 117 من الدستور(1).
كما تم إنشاء مهام نائب أو نواب الجمهورية الذين يضطلعون بمهمة المساعدة والعون لرئيس الجمهورية في ممارسة مهامه حسب نص المادة رقم: 12 المعدّلة, وكذلك منصب الوزير الأول حيث يتم تعيينه من بين أعضاء الحكومة, إذ يساعد رئيس الجمهورية في تنسيق النشاط الحكومي وفي تطبيق القرارات المتّخذة في مجلس الوزراء حسب نص المادة رقم: 113 المعدّلة في: 07/07/1979.
لكن ما تجدر الإشارة إليه أن هؤلاء النواّب والوزير الأول وأعضاء الحكومة مسؤولون فقط أمام رئيس الجمهورية(المادة رقم: 115 من الدستور), وهي إحدى سمات النظام السياسي الرئاسي.
ومن أهم الصلاحيات المنوطة برئيس الجمهورية وخاصة منها في مجال التشريع هي: سلطة التشريع بأوامر فيما بين دورتي المجلس الشعبي الوطني والتي تُعرض عليه في أول دورة مقبلة له, كذلك له سلطة تنظيم إنتخابات تشريعية مسبقة كما له أن يستدعي المجلس الشعبي الوطني للإنعقاد في دورة إستثنائية, وله الحق في حلّه, إضافة إلى المبادرة بمشاريع القوانين وتنفيذ هذه الأخيرة والتنظيمات كما يعتبر رئيس الجمهورية حامي الدستور......إلى غير ذلك من السلطات.
أما عن سلطاته في الحالات غير العادية فتتمثل في: سلطة تقرير الحالة الطارئة وحالة الحصار, الحالة الإستثنائية وحالة الحرب, وما ينجم عن ذلك من سلطته في إصدار القرارات اللازمة لمواجهة الحالة وتقييد الحقوق والحريات (2).
كما أنه يمثل الدولة داخليا وخارجيا, ويترأس مجلس الوزراء والإجتماعات المشتركة لأجهزة الحزب والدولة ويتولى مسؤولية الدفاع الوطني.
وفي الأخير ما يمكن ملاحظته أن رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيات واسعة جدا تمكّنه من فرض سلطاته على بقية الأجهزة الأخرى, وله أن يُحاسب دون أن يُحاسب.

(1)- المادة 117 من دستور 1976 , جريدة رسمية رقم: 94 الصادرة في: 24/11/1976.
(2)- سعيد بوشعير , النظام السياسي الجزائري, ص 165.


حول إنتخابات المجلس الشعبي الوطني للفترة الرئاسية الثانية, والنّاصة على إلزامية توفر المترشح على 03 مقاييس أساسية في الإنتخابات التشريعية وهي: الالتزام, الكفاءة والنزاهة, (1).
جـ- الوظيفة التشريعية: أسندها دستور 1976 إلى المجلس الشعبي الوطني والذي كان في دستور 1963 يطلق عليه المجلس الوطني, وينتخب المجلس الشعبي الوطني لمدة 05 سنوات لا يمكن تمديدها إلا في الظروف الخطيرة للغاية والتي لا تسمح بإجراء إنتخابات عادية, ويتم ترشيح نوابه من طرف جبهة التحرير الوطني ومن خلالها يمكن فهم خلفية التعليمة الرئاسية الصادرة عن رئيس الجمهورية يوم: 29/12/1976
يتم إنتخاب النواب عن طريق الإقتراع العام المباشر والسري, ويجتمع المجلس في دورتين عاديتين كل سنة مدة كل دورة 03 أشهر على الأكثر (دورة الخريف, دورة الربيع) ويضطلع بمهمة التشريع في المجالات التي خوّلها له الدستور وهي من خلال سياق النص على سبيل المثال لا الحصر (المادة رقم: 151 من دستور 1976) (2).
وما يمكن إستنتاجه عمليا هو أن الإختصاص التشريعي للمجلس مقيّد بما يتماشى وسياسة الحزب وقيادته, لكن له دور بارز في الرقابة على الحكومة وتتجلى مظاهر الرقابة في:
1- توجيه أسئلة مكتوبة (منح مدة 15 يوم لكي يجيب عليها الوزير دون وجود جزاء على عدم الإجابة.
2- إنشاء لجان تحقيق أو مراقبة: بموجب لائحة مقترحة من قبل 10 نواب أو مكتب المجلس أو لجنة دائمة أو بمبادرة من رئيس الجمهورية.
3- إستجواب الحكومة حول قضايا الساعة: إذ تعد موافقتها على تاريخ الطرح والرد على الإستجواب.
إلا أننا نجد السلطة التشريعية مقيّدة بالرغم من ذلك, وهذا ما يجعلها خاضعة للمؤسسة التنفيذية المتمثلة في شخص رئيس الجمهورية .
د- الوظيفة القضائية: نظّمتها المواد من المادة رقم: 164 إلى المادة رقم: 182 من دستور 1976, حيث يعتبر القضاء أهم مرفق في الدولة, إذ يساهم في الدفاع عن الثورة الإشتراكية وحمايتها, كما أنه مكفول لجميع الناس, فالكل سواسية أمامه كما أن أحكامه تصدر بإسم الشعب وفي جلسة علنية وتتمتع بالصبغة التنفيذية, وطبقا لمبدأ إستقلالية القضاة فإن القاضي محمي من جميع المضايقات والضغوطات والمناورات التي قد تؤثر في آدائه المهني أو نزاهته فهو لا يخضع إلا للقانون.
كما يتولى المجلس الأعلى للقضاء والذي يرأسه رئيس الجمهورية مهمّة - تعيين القضاة ونقلهم وسير سلّمهم الوظيفي وكذلك مدى إنضباطهم – إعطاء رأي إستشاري لرئيس الجمهورية قبل ممارسته لحق العضو- كذلك يمثل الجهة المقوّمة لأعمال المجالس القضائية والمحاكم – يضمن توحيد الإجتهاد في العمل القضائي في جميع أنحاء البلاد والسهر على إحترام القوانين.
هـ وظيفة المراقبة: نظمتها المواد من المادة رقم: 183 إلى المادة رقم: 190 من دستور 1976 حيث تنص في مجملها على أن هته الوظيفة هي إحدى معالم الدولة الإشتراكية, حيث تهدف من ورائها الدولة إلى البحث عن كيفية وظروف تداول وتسيير الوسائل البشرية والمادية –التي هي في الأصل تحت سيطرة الدولة ومملوكة لها- من طرف أجهزتها سواء الإدارية أو الإقتصادية وهذا حتى تصل إلى القضاء على كل أنواع الإنحرافات والأعمال الإجرامية التي تدخل في هذا المجال كالإختلاس, الرشوة, إستعمالها للمصلحة الشخصية...الخ. كما نُنوّه إلى أن الدولة قد سخّرت أجهزة للقيام بذلك وهي أجهزة منتخبة تتمثل في:
1- المجلس الشعبي الوطني (المادة رقم: 187 من دستور 1976), فقد ألزم المجلس الحكومة بتقديم عرضا حول إستعمال الإعتمادات المالية -التي أقرّها بالنسبة للسنة المالية المعنية- كل نهاية سنة مالية , كما تختم السنة المالية على مستوى المجلس الشعبي الوطني بالتصويت على قانون يتحدّد بمقتضاه ضبط ميزانية السنة المالية المنصرمة.
2- المجالس الشعبية الولائية.

(1)- فوزي أوصديق, الوافي في شرح القانون الدستوري, الجزائر, الجزء الثالث, ديوان المطبوعات الجامعية, طبعة 1999,ص 42.
(2)- المادة 151 من دستور 1976 , جريدة رسمية رقم: 94 الصادرة في: 24/11/1976.

المجالس الشعبية البلدية.
3- مجالس العمل
كما قد تأسست في هذه المرحلة مجلس المحاسبة يتكفّل بالمراقبة اللاحقة لجميع النفقات العمومية للدولة والحزب والمجموعات المحلية والجهوية والمؤسسات الإشتراكية بجميع أنواعها, كما أنه ملزم بتقديم تقرير سنوي لرئيس الجمهورية (1).
و – الوظيفة التأسيسية: من المادة رقم: 191 إلى المادة رقم: 196 من دستور 1976
يُناط حق المبادرة بتعديل الدستور برئيس الجمهورية فقط (المادة رقم: 191 من دستور 1976) على عكس ما تضمّنه دستور 1963 حيث كانت منوطة برئيس الجمهورية والاغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني معا. أما إقرار التعديل فإنه يكون بطرق مختلفة وهي كالتالي:
1- إقرار التعديل من طرف المجلس الشعبي الوطني: ومعمول به في دستور 1976 بنسبة ثلثي أعضاء المجلس الشعبي الوطني مع الأخذ بعين الإعتبار أنه وطبقا للمادة 195 من دستور 1976 لا يجوز أن تكون محلا للتعديل دائما ما يلي:
- الصفة الجمهورية للحكم.
- دين الدولة.
- الإختيار الإشتراكي.
- الحريات الأساسية للإنسان والمواطن.
- مبدأ التصويت عن طريق الإقتراع العام المباشر والسري.
- سلامة التراب الوطني(2).
2- إقرار التعديل عن طريق الإستفتاء الشعبي: أي أنه وحتى يصبح مشروع التعديل نافذا لا بد من عرضه على المصادقة من طرف الشعب, وقد أخذ به دستور 1963 في المادة رقم: 73 منه, وبمجرّد الإستفتاء عليه فإنه يتم إصداره من طرف رئيس الجمهورية بإعتباره قانونا دستوريا خلال الأيام الثمانية الموالية لتاريخ الإستفتاء (المادة 74 من دستور 1963), أما في دستور 1976 فقد طبق ذلك مع وجود شكوك حول مدى دستورية هذا المسلك الذي لم يكن منصوصا عليه في الفصل المتعلق بالوظيفة التأسيسية (3).
وفي الأخير ما يمكن إستنتاجه من خلال هذه الدراسة أنه كان نظام سياسي رئاسي متشدّد, وذلك يستلهم من خلال الصلاحيات المخوّلة لرئيس الجمهورية بموجب الدستور فكل الأجهزة والسلطات الأخرى خاضعة له من حيث الرقابة وغيرها, فهو رئيس السلطة التنفيذية وقائدها ورئيس المجلس الأعلى للقضاء والأمين العام للحزب الواحد وهو كذلك من يقوم بتعديل الدستور.
خاتمة المبحث:
من خلال ما سبق يتضح بأن النظام السياسي المتّبع في كل من الدستورين السابقين (دستور 1963 و دستور 1976) هو نظام رئاسي متشدّد (مغلق) بحيث تكون فيه السلطة التنفيذية المتمثلة في شخص رئيس الجمهورية فقط دون غيره هي المستحوذة وصاحبة كافة السلطات والصلاحيات التنفيذية وحتى التشريعية منها, مما أدى إلى إنكماش دور السلطة التشريعية خاصة بعد حصول رئيس الجمهورية على منصب الأمين العام للحزب والذي إستطاع من خلاله فرض رؤياه في سياسة الدولة.
لكن ما تجدر الإشارة إليه هو أن هذا كله بعيد كل البعد عن ما هو موجود في الدستورين السالف ذكرهما, فالنظري (الوثيقة الدستوري) يختلف عن الواقع, فقد تُقرّر الدولة نظاما معيّنا نمشي على خطاه لكن هناك في أرض الواقع شيء مختلف جدا.

(1)- المادة 190 من دستور 1976 , جريدة رسمية رقم: 94 الصادرة في: 24/11/1976(المعدل بالقانون رقم: 80/01 المؤرخ في 12/01/1980).
(2)- المادة 195 من دستور 1976 , جريدة رسمية رقم: 94 الصادرة في: 24/11/1976.
(3)- مولود ديدان, مرجع سبق ذكره, ص84.


المبحث الثالث: طبيعة النظام السياسي الجزائري في ظل دستوري 1989 و1996.

لقد مرّت الجزائر بمراحل حسّاسة وأزمات متعدّدة, ويتجلى ذلك من خلال تشريح المؤسسات الدستورية, حيث مرّت الدولة الجزائرية بفترات كانت تعاني فيها من تفكك وإنهيار مؤسساتي, مما إستدعى إبتكار بعض الهيئات لسد الفراغ الدستوري, وقد قسّم المحلّلين السياسيين هذه المراحل إلى ما يسمى بالجمهورية الأولى وتضم دستور 1963 ودستور 1976 وبدأت منذ الإستقلال, والجمهورية الثانية وتضم ما يسمى بدستور الأزمة دستور 1989, أما الجمهورية الثالثة فتشمل دستور 1996, ومن خلال المطالب الآتية سنحاول تحليل هذه الظروف وكيف حاول النظام الدستوري والسياسي التعامل معها؟

المطلب الأول: الظروف الممهدة لوضع دستور 1989 ودستور 1996 في ظل الجمهوريتين الثانية والثالثة على التوالي.

لم تكن عملية التحوّل الديمقراطي التي شرعت فيها الجزائر منذ إقرار دستور فيفري 1989 عملية يسيرة, وإنما إنتقال الجزائر من نظام الأحادية الحزبية إلى نظام التعددية الحزبية كان أمامه الكثير من العقبات والمعوّقات التي أثّرت في هذا التحوّل الديمقراطي مما شكّك في نجاح هذه التجربة, خاصة أن تعارض المصالح بدا واضحا من خلال فريقين أحدهما مؤيد لإجراء الإصلاحات السياسية والإقتصادية, كنقطة إنطلاق في التحول الديمقراطي والآخر يُفضّل الإبقاء على النظام الذي كان ساريا منذ الإستقلال سنة 1962 (1).
وبين هذا وذاك, فقد ظهر فريق ثالث يُؤمن بأن هذه الإصلاحات هي السبيل الوحيد لإخراج النظام السياسي من أزمته التي تفاقمت سنة 1988, لكن يجب أن تكون هذه الإصلاحات مقيّدة, غير أنه ورغم هذه الآراء نجد أن هذا التحول يمثل إستجابة لأسباب داخلية موجودة أصلا وأسباب أخرى خارجية عصفت بالنظام السياسي الجزائري و أرغمته على هذا التحوّل (2).
ومهما يكن فإن هذا التحول لم يكن طبيعيا, أو نتاجا لأداء النظام السياسي الجزائري في ترقــية العلاقة بينه وبين المجتمع, وإنما تقف وراء ذلك التحوّل الكثير من الأسباب أهمها:
1- ضعف إستجابة النظام السياسي للمطالب المجتمعة إقتصاديا وسياسيا: فبالنسبة للأزمة الإقتصادية, فقد شهدت الجزائر منتصف الثمانينات تدهورا إقتصاديا واضحا, حيث تمثلت مظاهره في:
- تراجع الناتج القومي الذي إنخفض خلال سنة: 1988 بمعدّل 15%, وكذا تراجع الناتج القومي الإجمالي, حيث كان النمو الديمغرافي يصل إلى 03% وهذا ما يوضّح التدهور والعجز عن تلبية رغبات المواطنين (1).
- العجز في ميزان الحساب الجاري, فبعد أن حقّق فائضا بلغ (1014) مليون دولار سنة 1985, سجّل عجزا في السنة التالية بلغ (2230) مليون دولار, وقد إنخفض العجز إلى (772) مليون دولار في سنة 1988, ولكن بتكلفة إقتصادية وإجتماعية لا يمكن إلا أن تكون شديدة الإرتفاع, إذ حصل هذا الإنخفاض على حساب الواردات التي ضغطت بشكل مستمر, فنتج عن ذلك وصول نسبة الإنكماش في الواردات بين سنتي: 1986 و1988 إلى (18,48) وهذا راجع إلى إنخفاض قيمة الصادرات الجزائرية من المحروقات, وإنهيار سعر البترول خاصة, وكذا إرتفاع المديونية الخارجية طويلة الأجل , التي قُدّرت بـ(23,229) مليون دولار أمريكي أي بنسبة 44,5% من الناتج الإجمالي القومي.

(1)-خيري عبد الرزاق جاسم, التحول الديمقراطيhttps://www.demoislam.com/modules.php...rticle&cid=491
(2)- خيري عبد الرزاق جاسم, نفس المرجع
(3)- خيري عبد الرزاق جاسم, نفس المرجع


هذا ومع تزايد نسبة النمو الديمغرافي وإنتشار الفساد في بعض القطاعات الحكومية بإنتشار الرشوة, وقد بيّن الرئيس الشادلي بن جديد في بيانه في أكتوبر 1988 بوادر الأزمة الإقتصادية وكذا أزمة العلاقة بين الـنظام السياسي والإجتماعي.
- أزمة المشاركة السياسية: وحصل هذا على إثر ظهور جماعات جديدة تطالب بإشراكها في الحـكم, وهذا يشكل تهديدا لمركز الجماعة الحاكمة, وما زاد الطين بلّة هو عدم إستجابة هذا الأخيرة لمــــطالب القوى الصاعدة, مما يدفعنا إلى القول بأن المشاركة السياسية تصبح أزمة في حالات وهي:
* ظهور جماعات تُطالب بإشراكها في الحكم.
* عدم إستجابة الجماعة الحاكمة إلى مطالب القوى الإجتماعية الصاعدة(1).
2- الموجة العاتية ضد الأنظمة الشمولية التي رافقت التغيّرات التي أصابت النظام السياسي الدولي, وإنكشاف تلك الأنظمة أمام عصف تلك التغيّرات, وحركة التناقضات الموجودة أصلا في الأنظمة الشمولية, شكّلت عنصرا ضاغطا على صُناع القرار في الدول الإشتراكية وتزامن مع هذا التحول الديمقراطي وضرورة الإستجابة للمتطلبات الخارجية وإقرار التعددية الحزبية, مما أثر في ركيزة النظام السياسي الجزائري في ظل الحزب الواحد, وهذا ما يؤكد أن هذا التغيير هو إستجابة لضغوط خارجية وليست لمتطلبات مجتمعة (2).
3- أحداث أكتوبر والتحول الديمقراطي في الجزائر:
لقد شكّلت أحداث أكتوبر 1988 إستجابة ورد فعل لمطلبين أساسيين هما: أزمة النظام السياسي وضغط البيئة الخارجية للنظام, وبالتالي إجبار النظام السياسي الجزائري لإجراء التحوّلات الديمقراطية, وهذه الأحداث هي التي كشفت عن الأزمة التي كان يعيشها النظام.
إذ أن نظام الحزب الواحد, صاحبه إحتكار السلطة وممارستها من طرف نخبة سياسية عسكرية فضلا عن غياب المشاركة السياسية ضمن إطار شرعي مؤسسي, ومن هنا حدثت التناقضات التي فاقت قدرة المؤسسات القائمة آنذاك, والتي لم تستطيع ضبط الأمور بأسلوب ديمقراطي, ذلك لأن النظام الجزائري لم يملك إرثا ديمقراطيا يعبر عن مشاركة سياسية حقيقية, بل عبّر عن تعبئة, مما زاد في الفجوة بين الدولة ونظامها السياسي من جهة وبين المجتمع وقواه السياسية والإجتماعية من جهة أخرى, مما أدى إلى فقدان مؤسسات الدولة لمصداقيتها(3).وللبحث عن المخرج في خظمّ هذه التكتلات, جاء إقرار دستور 1989 ليعلن عن هذا التحول, لكن التحول الديمقراطي لا بد له من متطلبات حتى ينجح وهي:
- توسيع قاعدة المشاركة السياسية: و\لك بتمثيل كل شرائح المجتمع بكل توجّهاتها السياسية.
- ترقية الجانب النفسي: بمعنى ترقية جانب إيمان الفرد بضرورة التحوّل الديمقراطي.
- ترسيخ المؤسسات السياسية وبلورتها من خلال الدستور.
- إقرار التعددية الحزبية: بتجسيد تداول السلطة بالطريقة السلمية.
- ترقية مؤسسات المجتمع المدني: دون أن تكون حبيسة إرادة الدولة وسلطاتها.
* لكن هل هذه المتطلبات كانت متوفرة, حتى يغيّر النظام السياسي الجزائري طابعه؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بد من التعرّض إلى معوّقات التحول الديمقراطي في الجزائر, بعد معرفة العلاقة بين النظام السياسي والنظام الحزبي كالآتي:
إن الحزب السياسي هو عبارة عن تنظيمات تسعى على وضع ممثليها المعلنين في موقع الحكم كما عرّفه الفقيه " جاندا ", لكن تطبيقيا فقد عرّفه قانون الأحزاب المصري على أنه: كل جماعة منظّمة تؤسس طبقا لأحكام القانون " قانون الأحزاب المصري", وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة, وتعمل بالوسائل السياسية والديمقراطية لتحقيق برامج محدّدة تتعلق بالشؤون السياسية والإجتماعية للدول, وذلك عن طريق المشاركة في مسؤوليات الحكم (4).

(1)- خيري عبد الرزاق جاسم, التحول الديمقراطيhttps://www.demoislam.com/modules.php...rticle&cid=491
(2)- خيري عبد الرزاق جاسم, نفس المرجع
(3)- خيري عبد الرزاق جاسم, نفس المرجع
(4)-منعم خميس مخلف, دراسة مقارنة للنظام الجمهوري https://www.mcsr.net/activities/005.html
فهو إذن تنظيم يسمح بالبقاء والإستمرار ويسعى نحو الوصول إلى السلطة من أجل تطبيق مبادئه السياسية, وهو بذلك له علاقة بالنظام السياسي.
إن أي نظام سياسي من خلال إتساعه أصبحت دراسته ترتبط بشكل مباشر بدراسة موضوع الأحزاب السياسية , فممارسة السلطة بشكل عام, وخاصة عند مباشرة حق الإنتخاب والإستفتاء تحتاج إلى تنظيم سياسي لتوعية المواطنين, وممارسة الحريات السياسية الدستورية وبالذات حرية الرأي والتعبير, فدون النظام الحزبي ينشأ فراغ سياسي بين السلطة والمواطن, فالحزب يعمل على بلورة رأي المواطن وإتجاهاته, ومن الدول من تأخذ بنظام الحزب الواحد خاصة الدول الإشتراكية سابقا, وبعض الدول الأخرى تأخذ بنظام التعددية الحزبية مثل الديمقراطيات الغربية, وهو ما أخذت به الجزائر في ظل دستور 1989(1).
ويشير كل من الفقيهين "باول و ألموند" إلى أن دور الحزب السياسي هو دور النظام السياسي بسلطاته الثلاث, وهي صنع القاعدة وتطبيق القاعدة والحكم بالقاعدة, والأحزاب السياسية بوظائفها التي هي إستجابة لمحيطها, تساعد على تكييف ذلك النظام (2).
ولقد كثرت هذه المعوّقات وأثّرت سلبا على العملية برمّتها وأبرزها:
1- الصراع بين أركان النظام السياسي: منذ أحداث أكتوبر 1988 وحتى أواخر سنة 1991 سار النظام السياسي الجزائري إلى تدعيم الإصلاحات التي أتى بها الرئيس الشادلي بن جديد, والتي جسّدها دستور 1989, غير أن هذا الإصلاح لم يمنع إنقسام النظام وهذا بسبب تنامي قوة الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
وتكرّست تلك الإنقسامات في خطين أحدهما إصلاحي والآخر متشدّد, بالنسبة للإصلاحي فقد عمل الرئيس الأسبق الشادلي بن جديد على التقليل من سلطة جبهة التحرير الوطني على الحكومة, فإستبدل قاصدي مرباح بمولود حمروش ليضمن حالة من الإنسجام في العلاقة بين الرئاسة ورئيس الحكومة, وقد إتّسمت هذه العلاقة بالتناقض عموما, كما يتجلى هذا كعيب من عيوب النظام السياسي الرئاسي, إذ يتحقق هذا العيب بتصادم مصالح كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
فتعاظم شعبية الجبهة الإسلامية للإنقاذ كان من أهم التطورات التي نتجت عن الإصلاحات, وإزاء ذلك بدأ رجحان كفة التيّار المتشدّد من النظام السياسي, وهذه التطورات أجبرت التيّار المتشدّد المتمثل في الحكومة على الضغط على رئيس الجمهورية, وحُسمت هذه المواجهة لصالح المتشدّدين, فتحرك وزير الدفاع آنذاك (خالد نزار) وأجبر الرئيس على الإستقالة(3).
وكان هذا الصراع في النظام, لكن بنجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدورة الأولى من الإنتخابات التشريعية في ديسمبر 1991 وإتساع قاعدتها وزيادة شعبيتها إنفجر الصراع وتحوّل إلى صراع على النظام, بين المتشدّدين في النظام السياسي الجزائري والجبهة الإسلامية للإنقاذ, وهذا ما عطّل التجربة الديمقراطية في الجزائر. وفي ما يلي تحليل لسسيولوجيا العنف في الجزائر جرّاء هذه التكتلات السياسية:
لقد برزت الجبهة الإسلامية للإنقاذ فجأة على الساحة السياسية الجزائرية, وكان حزبها كبيرا تتميّز نشأته بالخصائص التالية:
- التعبئة الكثيفة, - السرعة الفائقة في حشد الجماهير, - وعمليات إستقطاب واسعة لم تحترم قواعد الفرز الطبقي أو الإجتماعي أو الإثني أو الجهوي أو الثقافي المتعارف عليه, - جمعت الجميع ووحّدت المتناقضات(4).
وقد تواجد المشروع الإسلامي في الجزائر منذ سنة 1930 حينما حاول عبد الحميد بن باديس نشر الفكر الديني, والمحافظة على اللغة العربية والتربية الإسلامية في أوساط الشعب الجزائري, وأكّدت جبهة التحرير الوطني في ما بعد هذا الخيار, كما نجح الرئيس أحمد بن بلة سنة 1962 وأبعد خصومه وبدأ بتطبيق الإشتراكية الإسلامية, أما الإسلام العنيف فلم يبرز إلا مؤخرا, منذ بداية الثمانينات, حيث حدث أول عمل إسلامي مسلح في الجزائر سنة 1981 في عهد الرئيس الشادلي بن جديد(5).

(1)- منعم خميس مخلف, دراسة مقارنة للنظام الجمهوري https://www.mcsr.net/activities/005.html
(2)- نفس الموقع
(3)- خيري عبد الرزاق جاسم, التحول الديمقراطيhttps://www.demoislam.com/modules.php...rticle&cid=491
(4)- رياض الصيداوي, سسيولوجيا الجهاد والعنف في الجزائر https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=95408
(5)- رياض الصيداوي, نفس المرجع. العدد 1903 يوم: 02/05/2007.
بعدها فكّكت السلطات الجزائرية هذا التنظيم العسكري الذي يسمى : الحركة الجزائرية الإسلامية المسلحة, وإعتقلت عناصره, لكن المدعو: علي بلحاج أكّد على أن هذا العمل المسلح للشباب الجزائري المسلم هو شبيه بما أحدثته المقاومة ضد الإستعمار, واليوم فهو ضد أعداء الإسلام كما يقول(1).
وفي أكتوبر سنة 1988 إندلعت أحداث جسيمة أحدثت القطيعة الأولى مع طبيعة النظام السياسي الجزائري القائم منذ الإستقلال إلى ذلك التاريخ.
بعدها إستغلّت الحركة الإسلامية الظروف السياسية الجديدة وقامت بمحاولة التنظيم, فشكّلت حركة " الدعوة " عناصرها: أحمد سحنون, محفوظ نحناح, عباسي مدني, وعلي بلحاج وفشل هذا التجمع بعد الخلافات المتفاقمة بينهم, وبذلك إستفاد كل من علي بلحاج وعباسي مدني من دستور 1989 الذي يسمح في مادته 40 بحرية تشكيل جمعيات ذات صبغة سياسية, وفي يوم: 16/09/1989 تم الترخيص رسميا للجبهة الإسلامية للإنقاذ بالعمل السياسي وإعتقدت نفسها الوريث الشرعي للثورة الجزائرية(2).
وقد نجحت الجبهة في أول إنتخابات تشريعية خاضتها في : جوان 1990 وفازت بنصف عدد البلديات و4/3 من الولايات, وطالب قادتها بإستقالة الرئيس وإجراء رئاسيات مبكرة, وأرادت بذلك السيطرة على الحكم.
ومنذ ماي 1991 بدأت الأمور تتعقّد وتزداد خطورة عندما أعلنت الجبهة عن إضراب مفتوح, فأُعلنت حالة الطوارئ وتدخل الجيش لإعادة الأمن, وتم إعتقال قادة الحزب(3).
وحدثت القطيعة السياسية الثانية سنة 1992 إثر قرار المؤسسة العسكرية التدخل مباشرة في إدارة البلاد, وأوقفت الدور الثاني للإنتخابات التشريعية, وأجبرت الرئيس على الإستقالة, لأنه قرّر أن يكون الإسلاميون مشاركين في الحكم, وبدأت بعدها بذور العنف المسلح(4).
2- المؤسسة العسكرية: ولقد أدّت دورا سلبيا بتعطيلها المسار الإنتخابي أثناء بداية التحول الديمقراطي, كما خرقت دستور 1989 الذي أنهى دورها السياسي, حيث أتى بخيارين لا ثالث لهما:
أ- السماح بإجراء جولة ثانية للإنتخابات التشريعية وهذا لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ (تسلّمها السلطة).
ب- وإما تعطيل المسار الإنتخابي: وهو ما رسمته المؤسسة العسكرية حتى تبقى الموجه الأول للتحوّل الديمقراطي.
وفي ما يلي تحليل لدور المؤسسة العسكرية في النظام السياسي الجزائري.
عقب إقرار دستور فبراير 1989 الذي يعد الإطار القانوني و التأسيسي لمسار التحول الديمقراطي عبرت قيادة المؤسسة العسكرية عن دعمها لمسار الإصلاحات السياسية "إن الجيش الوطني الشعبي يحيي في هذه المرحلة من التطور السياسي الإرادة التي عبر عنها المواطنون في 23 فبراير 1989", وجسدت استعدادها لمتطلبات لمرحلة المقبلة بصدور تعليمة رئيس أركان الجيش رقم 51/89/ق.أ/ج.و.ش بتاريخ 04/04/1989 التي أشارت إلى الإلتزامات الجديدة لمؤسسة الجيش التي تفرض حياد أفرادها إزاء العمل السياسي.لكن من الواضح أن هذا الحياد لم يصمد عند أول امتحان حقيقي، حيث عادت مؤسسة الجيش لتمارس دور الوصاية والتدخل في الشأن السياسي بتوقيف المسار الانتخابي في جانفي 1992 وهو الوضع الذي استمر إلى غاية أفريل 2004 ولكن بصور مختلفة يمكن حصرها في شكلين بارزين(5).
1- استعمال حق الإعتراض أو النقد (veto) : هذا النمط من تدخل الجيش في الحياة السياسية يسود عموما في حالات عدم الاستقرار السياسي، إذ يتحول الجيش إلى دور المحافظ والحامي للنظام القائم ، ويحدث ذلك في حالات اتساع المشاركة السياسية في مجتمع يفتقر إلى المؤسسات الكفيلة باستيعاب الأعداد الهالة من الجماهير الراغبة في الإنخراط في العمل السياسي "وتدخل الجيش بهذه الصفة يكون في حالتين :


(1)- رياض الصيداوي, سسيولوجيا الجهاد والعنف في الجزائر https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=95408
(2)- رياض الصيداوي, نفس المرجع.
(3)- رياض الصيداوي, نفس المرجع.
(4)- رياض الصيداوي, نفس المرجع.
(5)- مسلم بابا عربي, المؤسسة العسكرية ومسار التحول الديمقراطي في الجزائر, https://www.ulum.nl/c110.html


الأولى هي انتصار حزب أو حركة سياسية لا ترغب فيها المؤسسة العسكرية، والثانية اتباع السلطة القائمة لسياسات راديكالية أو إذا حاولت السلطة استقطاب جماعات سياسية لا ترغب فيها المؤسسة العسكرية".
هذا النمط من التدخل يتم أيضا حين يحدث ما تراه المؤسسة العسكرية فوضى وأزمة خطيرة تهدد البلاد فتتدخل لإعادة الاستقرار وتهيئة الظروف لإقامة حكومة شرعية، لكن الوعود بالعودة إلى الحياة المدنية قد تتحقق وقد يستمر الجيش في الإحتفاظ بالسلطة، فإما أن ينتهي هذا التدخل بعودة الجيش إلى الثكنات أو بانتقاله إلى نمط آخر هو نمط "الحاكم"(1).
ولعل تدخل الجيش الجزائري لوقف المسار الإنتخابي في جانفي 1992 يعد تجسيدا واضحا لهذا الشكل من أشكال التدخل، حيث أن قيادة المؤسسة العسكرية رأت في قرب حصول حزب سياسي معين على الأغلبية المطلقة لمقاعد البرلمان في أول إنتخابات تشريعية تعددية تهديدا للطابع الجمهوري للدولة والتجربة الديمقراطية الحديثة، فالجيش في نظر أحد قادته خلال تلك الفترة اللواء محمد تواتي "لا يمكنه أن يبقى مكتوف الأيدي أمام التهديدات الخطيرة للدولة، فمن واجب الجيش أن يدافع عن مؤسسات الجمهورية في المراحل الانتقالية الخطيرة"(2).
ومن هذا المنطلق تدخلت القيادة العسكرية لتعترض على نتائج الانتخابات وتوقف المسار الذي رأت فيه انحرافا لعملية التحول الديمقراطي عن إتجاهها السليم.
2- اختيار أو تزكية القيادات السياسية : بما أن النمط الأول لتدخل الجيش في الحياة السياسية هو نمط انتقالي، إما أن ينتهي بعودة الجيش إلى الثكنات واستئناف الحياة المدنية في ظل الشرعية، أو استمرار الجيش في التأثير على مسار الأحداث واختيار القيادات. فإن النخبة العسكرية في الجزائر قد اختارت الحل الثاني وهو الاستمرار في ممارسة الوصاية من خلال اختيار وتزكية القيادات السياسية للبلاد، وهو الوضع الذي تجسد من خلال فوز "مرشح الجيش" المتمثل في شخص وزير الدفاع ورئيس الدولة بأول انتخابات رئاسية تعددية في نوفمبر 1995 بدعم وتأييد واضح من الجيش، فهذه الانتخابات حسب "نور الدين زمام" أعطت العسكريين لأول مرة شرعية تمكنهم من قيادة وتسيير المجتمع، أما "نور الدين بوكروح" أحد المرشحين لتلك الانتخابات فيعتقد أن السلطة قد حلت من خلال هذا الاقتراع مشكلا يستحيل حله وهو "تغطية الذهنية الانكشارية بالثوب الديمقراطي، فالكل كان يعرف بأن الجيش جمهوري، لكن الآن لا يمكن جهل أو نفي أن الجمهورية أصبحت جد عسكرية"(3).
أما انتخابات أفريل 1999 المسبقة التي انتهت بوصول أول شخصية مدنية إلى الحكم في الجزائر، وإن اختلفت عن سابقتها من حيث طبيعة وانتماء الوافد الجديد إلى السلطة، فإنها من ناحية أخرى شكلت استمرارية لفلسفة التدخل والوصاية. ففي رأي الباحث "عدي هواري" يعبر تعيين بوتفليقة كمرشح للجيش في انتخابات أفريل 1999 عن رغبة العسكريين في التغيير، فاختيار مدني يعبر عن إرادة في نفي الطابع العسكري للنظام].
إذن تدخل الجيش في الحياة السياسية خلال عقد التسعينات وإن اختلفت أشكاله وأنماطه، يبقى معطى أساسي وعامل مؤثر في عملية التحول الديمقراطي، من خلال انعكاساته ونتائجه المختلفة على الواقع السياسي ومسار التحول الديمقراطي(4).
(1)- مسلم بابا عربي, المؤسسة العسكرية ومسار التحول الديمقراطي في الجزائر, https://www.ulum.nl/c110.html
(2)- نفس الموقع, العدد 35, خريف 2007.
(3)- نفس الموقع
(4)- نفس الموقع
 انعكاسات تدخل المؤسسة العسكرية على مسار التحول الديمقراطي
منذ صدور دستور فبراير 1989 دخلت الجزائر في مرحلة سياسية جديدة ميزها السعي إلى الانتقال من نظام سياسي مبني على الأحادية والمشروعية الثورية إلى آخر قائم على التعددية الحزبية والشرعية الدستورية، فكيف كانت انعكاسات تدخل الجيش في المسار الانتخابي على مسار التحول الديمقراطي وعلى بنية النظام السياسي؟
1 غياب التداول على الحكم: ما من شك أن الوصاية التي مارستها المؤسسة العسكرية على الطبقة السياسية من خلال التدخل في المسار الانتخابي، بالتوقيف تارة وبتزكية ودعم المرشحين تارة أخرى كان لها تأثيرها المباشر على عملية التداول، التي تعد أهم مميزات الأنظمة الديمقراطية(1).
وعلينا هنا أن نفرق بين تداول الأحزاب والقوى السياسية المختلفة على الحكم، وتعاقب المسؤولين والرؤساء على دفة الحكم، فالأول يعني التناوب الحقيقي للبرامج والأفكار السياسية والطروحات المتباينة وفق إرادة الشعب، أما الثاني فيشير إلى ظاهرة استبدال المسؤولين في إطار استمرارية الوضع القائم، ولو بتغييرات شكلية في الأولويات والخطط والبرامج. والجزائر خلال العقد الماضي لم تشهد تداولا حقيقيا بقدر ما شهدت تعاقب المسؤولين والرؤساء، دونما المساس بجوهر السلطة الحاكمة التي ظلت واحدة طيلة عقد من الزمن ولم يطرأ عليها تغيير فعلي، وفي هذا الشأن يشير الباحث إسماعيل قيرة إلى أن الوضع في الجزائر تنطبق عليه إلى حد ما نظرية "الطوق العازل" أو ما هو شائع باسم "القوابس والقواطع الكهربائية"حيث أن الممسك بزمام السلطة السياسية (المؤسسة العسكرية)لا يظهر إلى العلن بصفة مباشرة (2).
إن السلطة الحقيقية تفوض أمر الممارسة المباشرة إلى واجهة مدنية هي أشبه بالطوق العازل الذي يحمي المركز، ويتشكل هذا الطوق من رئيس الدولة "كقاطع كهربائي" (Disjoncteur) ورئيس الحكومة والوزراء كقوابس(fusibles ) هذه القوابس يمكن التضحية بها دائما حفاظا على سلامة الجهاز الحاكم، وفي الحالات الخطيرة يمكن التضحية أيضا بالقاطع الكهربائي الرئيسي(رئيس الدولة) المهم هو بقاء مركز النظام سليما. ولعل تعاقب أكثر من ستة رؤساء حكومة وخمسة رؤساء على سدة الحكم في الجزائر خلال عشرية من الزمن ليس، إلا دليل على عقلانية هذا الطرح.
أما رياض الصيداوي فقد قدم في دراسته جدولا للمقارنة بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية في الجزائر خلال عقد التسعينات، توصل من خلالها إلى أنه من سنة 1992 إلى سنة 1999 شهدت الجزائر تعاقب 5 رؤساء دولة و6 رؤساء حكومات. بالمقابل لم تشهد مؤسسة الجيش أي تغييرات جوهرية عدا تغيير واحد في قيادة جيش البر وقيادة الدرك الوطني، و هو ما يبين ثبات العسكريين و تغير المدنيين(3).
إن التداول الفعلي على السلطة لا تصنعه في اعتقادنا إلا انتخابات شفافة ونزيهة تعبر بصدق عن إرادة الناخبين بعيدا عن أشكال الاختيار والتزكية الفوقية. وهو ما لم يتحقق في الجزائر طيلة العقد الماضي، فكل الشخصيات التي تناوبت على القيادة السياسية للبلاد كانت من أبناء النظام الذين نشئوا وارتقوا في سلم مسؤولياته، باستثناء شخصية بوضياف الذي و إن كان يعتبر رمزا تاريخيا، إلا أنه عاش حياة المعارضة من الاستقلال إلى غاية توليه منصب الرئاسة بتعيين من القيادة العسكرية(4).
(1)- مسلم بابا عربي, المؤسسة العسكرية ومسار التحول الديمقراطي في الجزائر, https://www.ulum.nl/c110.html
(2)- نفس الموقع
(3)- نفس الموقع
(4)- نفس الموقع


2 ضعف المشاركة السياسية : إن نتيجة أخرى من نتائج العلاقة الشاذة التي جمعت المؤسسة العسكرية بالحقل السياسي طيلة العقد الماضي هي ضعف مستوى المشاركة السياسية، خاصة الدورية منها والمعبر عنها بواسطة الانتخابات حيث عرفت الانتخابات تراجعا واضحا في نسب المشاركة الشعبية.
فإذا اعتمدنا الأرقام الرسمية كمرجع، فإنه يمكننا أن نسجل بوضوح ذلك التراجع الهام في نسب المشاركة ابتدأً من الانتخابات التشريعية لجوان 2002 التي وصفها وزير الداخلية بالأكثر نزاهة في تاريخ الجزائر، حيث لم تتجاوز ال48%، بينما أعلن في أفريل 1999 موعد الانتخابات الرئاسية التي سبقتها عن نسبة مشاركة تقدر ب60%(1).
والواقع أنه حتى النسب الرسمية المعلنة خلال المواعيد التي سبقت كانت نسبا مبالغا فيها و شهدت تضخيما واضحا. فهي لا تعبر عن حجم المشاركة الحقيقية التي شهدت تراجعا كبيرا عقب وقف المسار الانتخابي.
ففي انتخابات ديمسبر 1991 التي شهدت تجنيدا واسعا لكل التشكيلات السياسية وإقبالا واسعا للمواطنين بلغت نسبة المشاركة فيها 58.55% ، فكيف بها في انتخابات نوفمبر 1995 التي قاطعتها الأحزاب الرئيسية و جرت في ظروف أمنية هي الأسوأ في تاريخ الجزائر المستقلة، تصل إلى حدود 75%(2).
إن ظاهرة تراجع الاهتمام الشعبي بالعملية الانتخابية وإن كانت ظاهرة عالمية تعرفها حتى الدول الأكثر ديمقراطية وانفتاحا، فإن دوافعها في الجزائر ترجع بالدرجة الأولى إلى عدم إيمان الناخبين بإمكانية تحقيق تغيير حقيقي من خلالها، طال ما أن النتائج لم تكن دائما تعبيرا عن إرادتهم.
أما عن المشاركة السياسية الدائمة من خلال الأحزاب والهيئات والمؤسسات السياسية، فإن ضعفها تحصيل حاصل لضعف وتراجع المشاركة الدورية، فمؤسسات سياسية لا تعكس الإرادة الشعبية، لا يمكنها أن تكون قناة لمشاركة حقيقية، كذلك فإن أحزاب سياسية غير قادرة على الوصول إلى السلطة أو حتى المشاركة الفعلية فيها لا يمكن أن تكون فضاء لمشاركة سياسية دائمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر إن ظاهرة اللجان الانتخابية لمساندة المرشحين التي تنتشر بسرعة في أرجاء الوطن، في ما يشبه عمليات "المناولة السياسية" عند كل موعد انتخابي ليست إلا تعبيرا على حالة العجز التي بلغتها التشكيلات السياسية، التي لم تنجح في التحول إلى أدوات فعالة للمشاركة سياسية(3).
هذا الفشل يُبرزه أيضا تعدد المرشحين المستقلين في الانتخابات الرئاسية (خاصة انتخابات أفريل 1999حيث بلغ عددهم6/7) كوجه أخر من أوجه المشاركة السياسية المناسباتية الناتجة على فشل القنوات والمسالك التقليدية في تجسيد المشاركة(4).

(1)- مسلم بابا عربي, المؤسسة العسكرية ومسار التحول الديمقراطي في الجزائر, https://www.ulum.nl/c110.html
(2)- نفس الموقع
(3)- نفس الموقع
(4)- نفس الموقع

3 ضعف السلطة السياسية : إن معظم الأدبيات التي اهتمت بدراسة السلطة السياسية في الجزائر خلال التسعينيات تجمع على حقيقة وجود ازدواجية في السلطة السياسية؛ الأولى شكلية أو رسمية تسمى بالسلطة الظاهرة(Pouvoir apparent) والثانية فعلية وغير رسمية تسمى بالسلطة الخفية (Pouvoir occulte ) الأولى تمثلها المؤسسات السياسية المنتخبة أولها رئاسة الجمهورية، والثانية تجسدها المؤسسة العسكرية، حيث تفوض هذه الأخيرة للأولى تسيير شؤون الحكم لكن مع ضرورة العودة إليها بشأن القضايا المصيرية(1).
وعليه فإن سلطة رئيس الدولة وفق هذا الطرح تبقى رهينة قبول و دعم المؤسسة العسكرية، وخياراته السياسية لن تكون كثيرة باعتبار أن الذين جاؤوا به، لهم الحق في إملاء شروطهم عليه، ولن يكون مطلق اليد في رسم سياسته، إلا إذا تخلص من سلطة الأطراف التي جاءت به إلى الحكم، فالقاعدة الميكيافلية تقول بأن"الملك لا يمكنه أن يحكم بصفة مطلقة طالما صناع الملك (Faiseurs de roi) موجودون"، ووفق هذا الطرح تكلمت العديد من المصادر عن وجود "اتفاق" بين الرئيس بوتفليقة والجيش، غداة وصوله إلى الحكم، فيما تحدثت أخرى عن "خطوط حمراء" رسمتها القيادة العسكرية للرئيس الحالي. وذهبت بعض المصادر الإعلامية إلى حد القول بأن الرئيس اشتكى "على هامش اجتماع قمة مجموعة الثمانية الكبار بمدينة "إيفيان" الفرنسية، من جنرالات الجيش، الذين قال بأنهم خلقوا له "عراقيل أمام أداء مهامه"(2).
وكل هذه المؤشرات توحي بأن السلطة السياسية الناتجة عن انتخابات خاضعة لمنطق التزكية و الاختيار المسبق لا يمكنها، إلا أن تكون رهينة في يد القوى أو الأطراف التي زكتها، وبالتالي فهي ضعيفة ومحدودة الصلاحيات وغير قادرة على القيام بتغييرات هامة أو نقلة حقيقية في الحياة الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية بصفة أخص.
وفي تقدير أحد وجوه المعارضة السياسية فإن أحد أهم الأسباب المنتجة للأزمات في الجزائر هو تحول القرار "نهائيا إلى من نسميهم أصحاب القرار، أي قادة الجيش هؤلاء يهيمنون على القرار، هم الذين ينظرون ويفكرون ويخططون للسياسات، ثم يختارون الواجهات لتكليفها بتنفيذ السياسات، وقد قبل الرئيس، مثلما فعل غيره القيام بهذه المهام أو الأدوار"(3).
4 استمرار المرحلة الانتقالية: إن تدخل المؤسسة العسكرية في المسار الانتخابي قد ساهم بشكل أساسي في إطالة عمر المرحلة الانتقالية، فعلى الرغم من أن الجزائر تجاوزت بكل تأكيد مرحلة الأحادية الحزبية وخطت خطوات هامة في سبيل توفير شروط الممارسة الديمقراطية، فإنها بالمقابل لم تحقق الانتقال الفعلي إلى الحياة الديمقراطية القائمة على التعددية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية و التداول على السلطة. والحقيقة أن عملية إقحام المؤسسة العسكرية في معترك العمل السياسي، مهما كان شكلها، عملية قد تجد تبريرها في حالة الأنظمة الشمولية أو تلك الأنظمة السائدة في مجتمعات مفتقدة للبنى والهياكل الاجتماعية والسياسية الضرورية لتسير شؤون الحكم، وإحداث تنمية الوطنية على الأصعدة المختلفة، بل إن هذا الإقحام قد يؤخذ في بعض الأحيان طابعا إنقاذيا، كما قد يبدو في صورة العمل الضروري للحفاظ على كيان الدولة والمجتمع(4).

(1)- مسلم بابا عربي, المؤسسة العسكرية ومسار التحول الديمقراطي في الجزائر, https://www.ulum.nl/c110.html
(2)- نفس الموقع
(3)- نفس الموقع
(4)- نفس الموقع

أما في المجتمعات التي تمتلك حد أدنى من البنى والمؤسسات، وتسير في طريق استكمال بناء الهرم المؤسساتي وتجسيد عملية تحول حقيقية نحو الممارسة الديمقراطية، فإن هذا التدخل قد يؤخذ منحى آخر، يهدد بالقضاء على ما تحقق من مكتسبات ويزيد في صعوبة التحول الديمقراطي.
وفي الجزائر وإن كانت تجربة الجيش الجزائري إلى حد ما فريدة في شكلها وزمانها وظروفها، فإنه لا مفر من الاعتراف أيضا بأن استمرار الجيش أو قياداته في الاضطلاع بمسؤوليات سياسية، لاسيما من خلال التأثير في مسار اختيار القيادة السياسية، يعد سببا رئيسيا في زيادة أمد المرحلة الانتقالية ويزيد من عسر ميلاد التجربة الديمقراطية، التي استكملت إطارها القانوني والتأسيسي، لكن دون أن تتجسد على الميدان من خلال ممارسة حقيقية قائمة على الاحتكام التام للإرادة الشعبية(1).
وعلى ضوء التجربة السياسية التي عاشتها الجزائر طيلة العشرية الأخيرة من القرن العشرين، اجتهدت العديد من الدراسات في محاولة تصنيف المنتظم السياسي الجزائري بالعودة أساسا إلى حقيقة الأدوار التي تمارسها المؤسسة العسكرية من خلال علاقتها بالانتخابات وبالمؤسسات السياسية، وكذا من حيث موقعها في عملية صنع القرار(2).
 فهل الجزائر حقا بلد ذو نظام عسكري؟
"بكل تأكيد لا" يجيب الباحث إلياس بوكراع، الذي يرى أنه من المبالغة وصف النظام السياسي الجزائري بالعسكري، و ينطلق في حكمه هذا من تحديد عناصر النظام السياسي العسكري التي يحصرها في خمسة؛ وجود الجيش على كل مستويات القيادة، التبعية المطلقة للسلطة السياسية للجيش، سيطرة الأيديولوجية العسكرية على الدولة، تدخل وسيطرة الجيش في تسيير شؤون الدولة ومراقبة الساحة السياسية، وأخيرا استقلالية الجيش نهائيا في تسيير شؤونه الداخلية. ثم ينتقل إلى إسقاط هذه العناصر على النظام الجزائري ليجد أن هناك شرطين فقط محققين هما استقلالية المؤسسة العسكرية والرقابة على الساحة السياسية، ومنه يرى بأنه من المبالغة وصف النظام الجزائري بالنظام العسكري(3).
بالمقابل يرى الباحث عدي هواري بأنه رغم أهمية ثقل المؤسسة العسكرية في النظام السياسي الجزائري، فهو ليس نظام عسكري ولا دكتاتورية عسكرية، كالتي سادت في أمريكا اللاتينية، إنه نظام سلطوي يستمد شرعيته من الجيش. و رغم اعتماد التعددية الحزبية، فإن حق تعيين الرئيس متروك للمؤسسة العسكرية وما الانتخابات إلا عملية لإضفاء الشرعية على خيارات الجيش، ويشبه "عدي" الجيش الجزائري بالحزب السياسي المهيمن، على شاكلة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي سابقا. ويضيف بأن العسكريين يفوضون الحكم للنخب المدنية لكن دون المساس بالقاعدة السياسية (غير مكتوبة) "الجيش هو مصدر السلطة".
أما ويليام كوانت فيرى أن النظام السياسي الجزائري في بداية مرحلة انتقالية تبتعد به شيء فشيء عن ماضيه السلطوي، لكنه لا يخفي حقيقة وجود دور محوري للعسكر في السياسة الجزائرية، ومن الصعب تجاوز هذا الدور. ومع ذلك فإنه ينظر بتفاؤل لمستقبل الديمقراطية في الجزائر "لا يجب أن تفاجئ إذا رأينا الجزائر يوما ما تصل إلى أهدافها، بامتلاك حكومة مسؤولة أمام الشعب و تتمتع بتمثيلية حقيقية، وهذا قبل دول المنطقة الأخرى(4).

(1)- مسلم بابا عربي, المؤسسة العسكرية ومسار التحول الديمقراطي في الجزائر, https://www.ulum.nl/c110.html
(2)- نفس الموقع
(3)- نفس الموقع
(4)- نفس الموقع

في حين الباحث خميس والي حزام الذي قام بدراسة حول الشرعية في الأنظمة العربية (تطبيق على الحالة الجزائرية) يميل إلى تأييد الأطروحات التي تأكد بأن طبيعة النظام الجزائري جد معقدة وله آلياته الخاصة به، وحكمت عليه الأحداث التاريخية المتعاقبة بأن يكون نظاما عسكريا، فمنذ الاستقلال، وحتى قبله تكرست حقيقة أولوية الجيش، الذي سيكون الدور الحاكم والفاعل له وحده دون أي قوة سياسية أخرى(1).
وغير بعيد عن أطروحات " قويدر ناير" و"عبد القادر يفصح"، أو "ويليام زرتمان" وفكرة الدولة "العسكرية الموسعة"، أو نظام اللجنة العسكرية, يميل "خميس والي" إلى تصنيف النظام السياسي الجزائري إلى غاية 2000 في خانة النظام العسكري-البيروقراطي لأن الجيش في النهاية هو المسيطر والحاكم النهائي، على الرغم من بعض الفترات التي مر بها النظام، التي سمح فيها لبعض القوى أن تشارك ولو جزئيا في السلطة،"وهذا ما يفسر في الوقت نفسه أن ظاهرة القوة التي يعكسها دور الجيش في الحياة السياسية والاجتماعية هي الصفة الملازمة لطبيعة النظام السياسي الجزائري"(2).
أما بالنسبة لنا فإن دور الجيش في اختيرا القيادات السياسية يعد مؤشرا هاما على درجة التأثير الذي تمارسه المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، ويعكس حجم ثقل هذه المؤسسة في النظام السياسي، ومع ذلك فإنه في اعتقادنا لا يمكن توصيف الحالة الجزائرية على أنها حالة تسيطر فيها المؤسسة العسكرية وتهيمن على الحياة السياسية بصفة مطلقة إلى الحد الذي يصبح فيه النظام السياسي نظاما عسكريا، و من جهة أخرى فإن وجود دور سياسي للجيش مهما قل أو تعاظم، ينفي أيضا صفة الطابع الجمهوري عن الدولة ويحول دون قيام تجربة ديمقراطية حقيقية(3).
إن الوضع السياسي في الجزائر اليوم لا يمكن وصفه إلا بالانتقالي، الذي يفصل بين مرحلة سياسية قائمة على شرعية مستمدة من مؤسسة الجيش الممثلة للمشروعية التاريخية، إلى مرحلة جديدة قائمة على الشرعية الدستورية القائمة على السيادة الشعبية. وقد تكون هذه المرحلة الانتقالية طويلة نسبيا لكنها في نظرنا ليست وضعا مستقرا يمكن أن نصنف على أساسه النظام السياسي الجزائري بصورة قطعية في هذا النموذج أو ذاك، خصوصا في ظل التوجهات الجديدة لمؤسسة الجيش التي أضحت تواجه تحديات كبرى منذ سنة 2000 تمثلت أساسا في مسار الإحترافية والتحديث، سياسة التقارب والتعاون مع الحلف الأطلسي، وصعود جيل جديد من القيادات العسكرية أكثر ميلا إلى المهنية والإحتراف، كلها تحديات تساهم في رسم أطر جديدة لعلاقة المؤسسة العسكرية بالمجال السياسي، زيادة على أن رغبة السلطة السياسية في تجاوز هذه المرحلة ووضع حد لتدخل هذه المؤسسة في الحياة السياسية يعد في الوقت الراهن المعطى الأساسي الذي سيحدد مستقبلا دور ومكانة الجيش في النظام السياسي(4).
 الظروف الممهدة لبروز المجلس الأعلى للدولة وإشكالية الإستقالة:
لقد أسفرت الإنتخابات التشريعية في دورها الأول يوم: 26/12/1991 على فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ ب 188 مقعدا, وجبهة القوى الإشتراكية بـ 25 مقعدا, وجبهة التحرير الوطني بـ 15 مقعدا, وتحصل الأحرار على 03 مقاعد, ويبقى 199 للتنافس في الدور الثاني (5).

(1)- مسلم بابا عربي, المؤسسة العسكرية ومسار التحول الديمقراطي في الجزائر, https://www.ulum.nl/c110.html
(2)- نفس الموقع
(3)- نفس الموقع
(4)- نفس الموقع
(5)- عبد الله بوقفة, أساليب ممارسة السلطة في النظام السياسي الجزائري, ص 351.

تلاها بعد ذلك مسيرة عبر شوارع الجزائرتنظم من طرف جبهة القوى الإشتراكية واللجنة الوطنية لإنقاذ الجزائر في: 02/01/1992, ثم بتاريخ: 04 جانفي 1992 إعلان رئيس الحكومة: سيد أحمد غزالي عن عدم نزاهة الإنتخابات.
السبت: 11 جانفي 1992 يجتمع الشاذلي بن جديد رئيس الجمهورية بأعضاء المجلس الدستوري, ويقدم إستقالته من منصب رئيس الجمهورية, ليُعلن بعد ذلك السيّد: عبد المالك بن حبيلس رئيس المجلس الدستوري رسميا عن إستقالة رئيس الجمهورية, حينها أعلن السيّد: أحمد غزالي رئيس الحكومة في ساعة متأخرة من الليل أن إستقالة رئيس الجمهورية أحدثت وضعية لم تشهد الجزائر مثلها, وطلب من الجيش الشعبي الوطني إتخاذ اللازم للمحافظة على الأمن العمومي(1).
وفي: 12 جانفي 1992 نشرت وزارة الدفاع الوطني بيان, أكّدت فيه وفاء الجيش للدستور وقيامه بواجبه بطلب من رئيس الحكومة.
وهنا صرّح المجلس الدستوري أن الدستور, لم ينص على حالة إقتران شغور المجلس الشعبي الوطني عن طريق الحل( والذي أجراه الرئيس قبل أن يستقيل), وشغور منصب رئيس الجمهورية عن طريق الإستقالة, وقال أنه على المؤسسات الدستورية السهر على المحافظة على ثوابت الأمة وإستمرار الدولة, وذلك بتوفير السير العادي للمؤسسات والنظام الدستوري لتعدي الأزمة, وأطلع السيّد رئيس الحكومة مجلس الحكومة على قرار المجلس الدستوري في إجتماع ترأسه وقرّر المجلس إجتماع المجلس الأعلى للأمن, هذا الأخير بعد إجتماعه قرّر إعلانه بالإجماع إستحالة مواصلة المسار الإنتخابي, كما قرّر أن يكون الإجتماع مفتوح إلى حين إيجاد حل للأزمة(2).
إلى أن قرّر المجلس الأعلى للأمن بتاريخ: 14 جانفي 1992 إقامة مجلس أعلى للدولة برئاسة محمد بوضياف, إضافة إلى إنشاء مجلس وطني إستشاري يساعد المجلس الأعلى للدولة, وفي: 16 جانفي 1992 عاد محمد بوضياف من المنفى ليترأس المجلس الأعلى للدولة, بعد أداء أعضاءه اليمين الدستورية.
 هل 11/01/1992 إقالة أم إستقالة؟
إن الرئيس الشادلي بن جديد يُصرّح: " لست نادما على الإستقالة" وفتح بيته للخبر يوم: 14 جانفي 21 رقم: 3067, لكن عضو المجلس الأعلى للدولة السيّد: علي هارون يُؤكد أن الشادلي أُرغم على الإستقالة, ولم يغادر السلطة بمحض إرادته(3).
وأضاف أن الإستقالة كانت الحل الذي يرضي غرور السلطة العسكرية في توظيف المسار الإنتخابي لسنة 1992.
 مدى دستورية الإستقالة؟!
الرسالة المتضمنة للإستقالة لم تتضمن مصطلح إستقالة, بل عبرة " ضرورة إنسحابي من الساحة السياسية", كما أنها لم تُذكر فيها مبرّرات منطقية!
وبتطور الأوضاع السياسية, قرّر المجلس الأعلى للدولة حالة الطوارئ على كامل التراب الوطني في: 09/02/1992, ووزير الداخلية يُخطر الغرفة الإدارية للمطالبة بحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ, وصدر قرار الحل في: 04/03/1992 وتبع هذا الحل حل مجموعة من المجالس الشعبية البلدية والولائية التابعة للجبهة الإسلامية في: 29/03/1992.
وأُنتخب السيّد: رضا مالك رئيسا للمجلس بقرار المجلس الإستشاري الوطني في: 25/04/1992 وفي: 29/04/1992 المحكمة العليا تؤكد في قرارها أن قرار الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر, رفض الطعن الذي تقدمت به الجبهة الإسلامية(4).

(1)- مولود ديدان , مرجع سبق ذكره, ص 352.
(2)- مولود ديدان , نفس المرجع, ص 353.
(3)- مولود ديدان , نفس المرجع, ص 354.
(4)- مولود ديدان , نفس المرجع, ص 364.


وبتاريخ: 29/06/1992 أُغتيل بوضياف في عنابة, وعلى إثر هذه الأوضاع الكارثية, تقرّرت الفترة الإنتقالية, وجاء المرسوم الرئاسي رقم: 94/40 في: 29/01/1994 يتعلق بنشر أرضية الوفاق الوطني.
فلقد نتج إذن عن البيان الصادر من المجلس الدستوري, فراغا مؤسساتيا ( أزمة القانون الدستوري الجزائري) نتيجة عدم التنصيص على حالة إقتران الإستقالة بحل المجلس الشعبي الوطني, فالمشرّع الدستوري الجزائري قد حصر الحالات في:
- حالة إستحالة ممارسة رئيس الجمهورية مهامه, بسبب مرض خطير مزمن.
- حالة إستقالة رئيس الجمهورية أو وفاته.
- حالة إقتران وفاة رئيس الجمهورية بشغور المجلس الشعبي الوطني بسبب حلّه.
إن المحكومين قد يلجئون إلى العنف لدفع الظلم عنهم, أو للوصول إلى مراكز الحكم عن الطريق المشروع(1).
أما الحكام فيحتلّون مراكز القوّة في الدولة, وقد لا يخضعون طوعا للقانون, وفق حجج واهية, وبالتالي فهم يحيدون على الهدف الذي وضعه الدستور, وهذا ما يُؤثر على نظام الحكم(2).
وهذا ما شهدته الجزائر قبل وأثناء وبعد الإستقالة, ولأن الدولة كانت ضعيفة آنذاك, فدُمغت بأساليب مكتوبة للحفاظ على المراكز الشخصية دون المحافظة على مصالح الدولة الجزائرية.
إن المجلس الأعلى للدولة, نتاج أحداث مأساوية أكثر منه وليد برنامج أحزاب سياسية, فهو جاء خروجا عن العرف الدستوري الجزائري, فهو نتاج جماعات مصلحية ( تابعة للمؤسسة العسكرية) أكثر منه إنبعاثا من السيادة الشعبية(3).
مما أدى إلى إعتقاد هذه الجماعة أن الشعب قاصر, وتجوز الولاية عليه مما ساعد في الإستحواذ على السلطة, وأفضى هذا إلى نشوء أزمات متتالية, رغم أن كل الدساتير الجزائرية نصّت على أن الشعب مصدر كل سيادة وسلطة.
كما أن صلاحيات المجلس الوطني الإنتقالي هي تقديم توصيات للمجلس الأعلى للدولة, بخصوص المراسيم التشريعية في مختلف الميادين, إضافة إلى الصلاحيات المقرّرة له بموجب المرسوم الرئاسي الصادر في: 14/01/1993 في مواده من المادة رقم: 02 إلى المادة رقم: 04, وعندما نُقيّم دوره, فقد جاء حافلا بمجموعة من المراسيم التي جاءت لمعالجة البطالة مثلا, كما كان له دور سياسي بارز في تعزيز البلاد بالنسبة للمجموعة البرلمانية الدولية, نظرا للأعمال التي وُصفت بالواقعية والجدّية, ومن أهم المراسيم الصادرة: المرسوم التشريعي رقم: 92/01 الصادر في: 04/07/1992 المتعلق باللجنة الوطنية للتحقيق في إغتيال الرئيس محمد بوضياف, المرسوم التشريعي رقم: 94/11 الصادر في: 26/05/1994 الذي يحدّد التأمين على البطالة(4).
فإنشاء المجلس الوطني الإنتقالي, هو لسد فراغ سياسي وعزلة دولية فقد فُرضت على الجزائر, فحل محل رئيس الجمهورية والمجلس الشعبي الوطني (غياب المؤسسات الدستورية للدولة!)(5).
وبالرجوع إلى التجمع الوطني الذي أتي به بوضياف, فيعتبر له الدور الريادي في محاولة إنشاء مجتمع تعدّدي, ومبني على أسس ثقافة ديمقراطية, فهو جاء كذلك لسد فراغ موجود ومحاولة لنشر أفكار السلطة الآنية, فهو بالتالي آداة وصل بين السلطة والشعب(6)
وهذا كله بالرجوع إلى النداء الذي ألقاه بوضياف.

(1)- فوزي أوصديق, النظام الدستوري الجزائري ووسائل التعبير المؤسساتي......ص 28.
(2)- فوزي أوصديق, نفس المرجع, ص 28.
(3)- فوزي أوصديق, نفس المرجع, ص 19.
(4)- فوزي أوصديق, نفس المرجع, ص 121.
(5)- فوزي أوصديق, نفس المرجع, ص 152.
(6)- فوزي أوصديق, نفس المرجع, ص 125.

إذن فجاء بعد ذلك الوفاق الوطني, وله أولوية على دستور 23 فبراير 1989, وذلك بعد صدور المرسوم الرئاسي رقم: 94/40 في: 29/01/1994 والمتعلق بنشر الأرضية المتضمنة الوفاق الوطني, رغم أن هذا المرسوم لا يمكنه تعديل دستور! لأنه لا يرقى إلى مرتبة قانون أو تشريع, كما أنه لم يُعرض للإستفتاء الشعبي الوطني, لكن الواقع أن دستور 1989 كما سوف نرى لاحقا, لم يعد ساري بل تمت إعادة هيكلته وفق مقتضيات المرحلة الإنتقالية إضافة إلى إستحالة مادية لقيام المؤسسات الدستورية(1).
فكانت الفترة من سنة 1992 إلى سنة 1995 محاولة لمعالجة الفراغ الدستوري, وفي ظل دستور 1996 بعد تاريخ 16 نوفمبر 1995, ومنذ فوز الرئيس اليمين زروال بالإنتخابات كمترشح حر, وبعد ذلك أعلن عن نيّته في تنظيم إنتخابات رئاسية مسبقة وفاز بها السيّد الرئيس الحالي: عبد العزيز بوتفليقة(2).
لكن الواقع هو أنه بوصول السيّد: الجنرال اليمين زروال الملقّب بـ" رجل الحوار والنار" إلى سُدّة الحكم تعتبر المؤسسة العسكرية قد وضعت يدها حقيقة وبوضوح على الحكم في الجزائر بعد ما كانت توجه نظام الحكم في الكواليس.
لقد بدأت الدولة الجزائرية بالانهيار بعد إقالة الشاذلي بن جديد وإلغاء المسار الانتخابي وقد تمثلّ هذا الانهيار في اختفاء كل المؤسسات الدستورية, فالرئاسة بات أمرها بيد المؤسسة العسكرية التي تقوم بنفسها بتعيين من يتولاها دون الرجوع إلى الإرادة الشعبية, ومجلس النوّاب أو البرلمان تمّ حلّه بقرار فوقي وتمّ تعيين هيئة تشريعية يجري تعيين كل أعضائها, والمجلس الدستوري كانت أخر مهمّة أوكلت له تتمثل في الموافقة الدستورية على سيناريو انسحاب الشاذلي بن جديد من رئاسة الدولة, وحتى البلديات التي كانت تابعة للجبهة الإسلامية للإنقاذ وبقية الأحزاب جرى تسليمها لرؤساء بلديات معينين من قبل الجهات العليا ودون المرور بالانتخابات(3).
والمؤسسة الوحيدة التي ظلّت محافظة على تماسكها هي المؤسسة العسكرية, التي أصبحت صاحبة الحل والربط, والتي كبرت على حساب المؤسسات الأخرى, وقبل استلام زروال مهامه كرئيس للدولة الجزائرية كان الصراع بين الصقور والحمائم, وبين مراكز القوة في دوائر القرار قد بلغ أوجه, وكان الصقور داخل المؤسسة العسكرية يوفرّون الغطاء السياسي لكل دعاة المواجهة والاستئصال إن في الحكومة وعلى رأسها رئيسها رضا مالك , وإن في الطبقة السياسية والمنظومة الإعلامية الفرانكفونية على وجه التحديد .