منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الدول العربية وحقوق الإنسان
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-11-07, 00:00   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










M001 تابع

ثالثا: المساواة أمام القضاء
لقد جاء دستور 1989 بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية السلطة القضائية، لضمان تهيئة المناخ المناسب للممارسة الديمقراطية الحقيقية، مع تقديم التأكيد على استقلالية القضاء عبر المادة (129) وفي المادة (130) حيث أكد المشرع الجزائري أنه على السلطة القضائية أن تحمي المجتمع والحريات، إلى جانب ذلك أكدت المادة (131) "أن الكل سواسية أمام القضاء، وهو في متناول الجميع ويجسد احترام القانون".
وإلى ذلك يمكن إضافة المساواة في الحق أمام الجنسية، التي جاءت في الفقرة الأولى من المادة (29) " الجنسية الجزائرية معرفة بالقانون." وبينت الفقرة الثانية شرط اكتساب الجنسية وكيفيات الحصول عليها، إلا أنه يلاحظ أن دستور 1989 قد ألغى المادة (42) التي كانت في دستور 1976 تؤكد على المساواة القانونية للمرأة، ملاحظة غير واضحة بالنسبة لدستور 1976 حيث كانت الصيغة أكثر عمومية وشمولية في التمييز للمرأة، والواقع أن كل حقوق المرأة مضمونة من قبل الدستور نفسه، فهل إن لم تدرج في الدستور تعتبر غير مضمونة.
إلا أنه على الأقل نجد أن دستور 1976 نص على هذه المساواة صراحة، بينما ألغيت المادة كلية منة نص دستور 1989 وذلك ليس راجعا لكونه لا يساوي بين المرأة والرجل، لكن الإطار والسياق الزمني الذي جاءت فيه المادة (42)السابقة لم يعد صالحا، فمنذ متي كان من الضروري فيما يخص المجتمع الجزائري أن يثبت المساواة الاجتماعية ككيان، لتطبيق ما تضمنته النصوص مادام التوجه العام للنظام كان يبنى على هذا.
الفرع الثاني: الحقوق والحريات المدنية والسياسية
ويندرج تحت هذا الجيل الأول من حقوق الإنسان مجموعة من الحقوق، والتي يتفرع عنها بدورها الحقوق والحريات اللصيقة بشخصيته، الحقوق والحريات الخاصة بفكر الإنسان والحقوق والحريات السياسية.
أولا: الحقوق والحريات اللصيقة بشخصية الإنسان
وتتصل هذه الحريات بشخص الإنسان، وضمانها هو عنوان يحقق كرامة الإنسان إلى حد بعيد وأهميتها تكمن لاتصالها بكيان الفرد ومقدار تمتعه بها، بقدر ما يمكنه من مباشرة الحقوق والحريات الأخرى، وذلك بما توفره له من أمن في ذاته وحرية في تنقله وحرمة مسكنه ومراسلاته.
- الحق في الأمن: وهو حق الإنسان في السلامة والحماية من الاعتداء بالقبض عليه أو حبسه أو تقييده تعسفيا، بالإضافة إلى حقه في أن يكون حرا من كل الاسترقاق، ويعتبر هذا الحق أصلا وتستند إليه كافة الأخرى ؛لأن ممارسة هذه الأخيرة مرهون بالسلامة والأمن وانتفاء القيود والعبودية.
و لقد نص المشرع الجزائري في المادة (33) من دستور 1989"على أن الدولة تضمن عدم انتهاك حرمة الإنسان ويحضر أي عنف بدني أو معنوي." ومن خلال هذه المادة فان الفرد لا يجوز القبض عليه واعتقاله أو حبسه، وعدم اتخاذ أي إجراء يمس أمنه وسلامته، وفقا للقانون مع مراعاة إجراءات الضمانات التي حددها القانون،كعدم تجاوز المدة القانونية المتعلقة بالرقابة القضائية وهي 48 ساعة، وتضيف المادة أن الشخص الذي يوقف يملك حق الاتصال فورا بأسرته، ولا يمكن تمديد مدة التوقيف للنظر إلا استثناء، ووفقا للشروط المحددة بالقانون، وحتى يتأكد الطابع الأمني للموقف وعدم انتهاك حرمته المادية، فانه لدى انتهاء مدة التوقيف يجب أن يجري فحص طبي على الشخص الموقوف إن طلب ذلك على أن يعلم بهذه الإمكانية.
1 - حرية التمتع بحياة خاصة : في تعريف جاءت به الجمعية الاستشارية للمجلس الاستشاري الأوربي لهذا الحق، ورد فيه بأنه القدرة على أن يعيش الإنسان حياته كما يريد، مع أقل حد ممكن من التدخل، ويعتبر من الحياة خاصة الحياة العائلية، الحياة داخل الأسرة، وما يتعلق بسلامة الشرف والاعتبار، إعطاء صورة غير صحيحة عن الشخص، والكشف عن وقائع غير مفيدة من شأنها أن تسبب الحيرة والحرج للشخص، والحماية ضد التجسس والفضولية غير المقبولة والتي تكون من دون مبرر، والحماية ضد استعمال الاتصالات الخاصة، والحماية ضد الكشف عن المعلومات الخاصة التي قد يعلمها أحد الأشخاص.
وتؤكد المادة(38) من الدستور أنه على الدولة ضمان عدم انتهاك حرمة المنزل، فلا تفتيش إلا بمقتضى القانون و في إطار احترامه، وبهذا الصدد تبرز إرادة المشرع في ضمان أمن المواطن في مسكنه بإعطاء القضاء وسيلة فعالة للضرب بيد من حديد، كل ممن يعتدي على هذا الحق وضمانات مكملة تتعلق بتفتيش المنازل، الذي لا يمكن إجراؤه إلا بمقتضى أمر قضائي بصفة شرعية، وحسب الأوضاع والمواعيد المقررة قانونا .
وإن كانت حرية التفكير حق يقدسه الدستور، يتبع أو يستلزم ذلك وجود نفس الضمانات بين إبلاغ ونقل الأفكار، مما يتعين حماية وضمان سريتها أخذا وعطاء، من خلال جميع وسائل الاتصال والمراسلة، كما يجب أن تحظى بنفس الضمانات المكالمات الهاتفية وذلك ما كرسته المادة(37) من الدستور، ويستثنى من هذه المبادئ سلطة قاضي التحقيق في مصادرة الرسائل، والإطلاع على محتواها أثناء التحقيق قصد الوصول إلى الحقيقة.
2- حرية التنقل: وهي حرية الإنسان في الانتقال من مكان لآخر، وأيًا كانت الوسيلة المستخدمة في هذا الانتقال، كما تشمل حريته في العودة إلى المكان الذي غادره وقتما شاء، و تتضمن أيضا على حق الفرد في الهجرة من الوطن ومغادرته إلى أي وطن آخر، إلا أن القانون يستطيع تنظيم ممارسة هذه الحرية، بوضع بعض القيود التي تقتضيها المصلحة العامة، مثل المحافظة على الأمن العام والمحافظة على سلامة الدولة من الداخل والخارج .
ولقد نصت المادة (41) أنه يجب لكل مواطن يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية أن يختار بحرية موطن إقامته، وأن يتنقل عبر التراب الوطني وتضيف أن حق الدخول والخروج منه مضمون له، والمادة (44) تؤكد على المبدأ العام والقاضي بأن لا يتابع أحد أو يوقف أو يحتجز، إلا في الحالات المحددة في القانون وطبقا للأشكال التي نص عليها.
* الحقوق والحريات الخاصة بفكر الإنسان :
هذه المجموعة يغلب عليها الطابع الفكري والعقلي للإنسان، و تضم حرية العبادة والعقيدة وحرية الرأي والتعبير وحرية الاجتماع، وكذلك حق إنشاء الجمعيات والانخراط فيها.
3 - حرية الفكر والوجدان والمعتقد: إن حرية الفكر والوجدان والمعتقد، حق مطلق في كل المواثيق والقرارات الدولية التي عنيت بالمسألة، حيث تم الاتفاق على أنه لا يجوز فرض قيود على فكر الإنسان الداخلي، وعلى ضميره الأخلاقي أو على دينه، إلا أن المظاهر الخارجية للفكر والضمير وللدين قد تخضع لقيود مشروعة.
ولقد نص الدستور جازما في المادة (35) على أنه لا مساس بحرمة حرية المعتقد والفكر وصيغة الحرمة، تؤكد حرص المشرع الدستوري على هذه الحريات أكثر من أي وقت مضى ويظهر فيما يخص حرية المعتقد وجود تحفظ حول سر المهنة في الدستور، الذي لم ينس النص على أن الإسلام هو دين الدولة في المادة(02) والحرية الدينية لا تغطي كلية حرية المعتقد، حيث أن مفهومها واسع وأنه يشكل عنصرا هاما، ثم أليس قانون المسجد مساس بحرية المعتقد؟.
4- حرية الرأي والتعبير: وهي من الحريات الأساسية في المجتمع، حيث أي تقدم في المجتمع هو مرتبط بمدى ومستوى ممارسة هذا الحق، والمقولة المأثورة " إن لم يكن يوسع للمرء أن يمتلك لسانه فلن يكون بوسعه أن يمتلك أي شيء آخر ". فعندما لا يستطيع الإنسان أن يتكلم وأن يملك حرية التعبير لا يستطيع أن يمتلك أي حق آخر، فالعلاقة التي تربط الحرية بحق إبداء الرأي والتعبير هي بمعرفة مدى مستوى ممارسة هذا الحق في المجتمع دون قيد أو ضغط داخلي أو خارجي ومن ثم معرفة هذا المجتمع إن كان حرا أم لا،وذلك عبر الإطلاع على الآليات التي يمارس فيها حقه وحريته التي تعتبر وسيلة للتعبير من دون قيود.
وقد كفل الدستور هذا الحق من خلال المادة 35 – آنفة الذكر- بينما المادة 36 من الدستور فصلته بقولها حرية الابتكار الفكري والفني والعلمي مضمونة للمواطن، ثم تضيف تأكيدا على أن حقوق المؤلف يحميها القانون فلا يجوز حجز أي مطبوعة أو تسجيل أو أي وسيلة من وسائل التبليغ والإعلام إلا بأمر قضائي.
إن حرية التعبير لا تذهب هي الأخرى إلى تعريض أمن الدولة للخطر، ولا تذهب كذلك إلى حد التحريض على اقتراف الجرائم، حتى لو كان هذا قد جاء عن إيمان فلسفي أو ديني أو سياسي، وعندما تدرك الصحافة مسؤوليتها وعندما تفهم أنه لا توجد حقوق من دون واجبات تصبح جديرة بالحرية التي كفلت لها تحت شروط معينة .
فالمجتمعات الديمقراطية تنهض على أساس مفهوم سيادة الشعب، الذي يحدد إرادته العامة رأي عام مطلع، إن حق الرأي العام في أن يعلم، هو الذي يمثل جوهر حرية الإعلام والرأي وإن الحرمان من هذه الحريات ليُنقص من سائر الحريات جميعا، ومع ذلك فإن الكثير من القائمين على السلطة يعمدون إخفاء ما لا يودون إبداءه أو ما يحتمل أن يثير الرأي العام ضدهم، ومن هنا يأتي إنكار حق الوصول إلى المعلومات والرقابة الصريحة أو المقنعة في قول الحقيقة، على الرغم من المبادئ التي تكرسها القوانين والدساتير.
5- حرية الاجتماع : تعتبر هذه الحرية سببا مباشرا تؤثر على الفردية أو التفكير، وهي بمثابة المرآة العاكسة التي تعكس حقيقة النظام السياسي المكرس دستوريا، ومجال الحريات التي يتمتع بها الأفراد في ظله والتي كفلها لهم، ويتقيد بحرية الاجتماع الإقرار بتمتع المواطنين بالحق في الانضمام بصفة تلقائية مع غيرهم، قصد الدفاع عن مبدأ وقضية أو رأي معين،ومحاولة إقناعهم به وبضرورته في حياتهم أو في حياة الغير، والعمل من أجله بطريقة مشروعة باستعمال الوسائل التي تتاح لهم من قطب أو ندوات أو محاضرات في الأماكن المرخص لها وفي الأوقات المناسبة واستخلاص النتائج، وإصدار المنشورات والبيانات التي تتضمن المقررات أو التوصيات، وإرسال نسخ من تقاريرها للجهات الإدارية في الدولة والمعنية بالقضية محل الموضوع .
وبالرجوع لمختلف الدساتير نجدها نصت على حرية الاجتماع، غير أن دستوري 1963 و1976 قيّدا هذه الحرية بشرط عدم استعمالها للمساس باستقلال الأمة، أو السلامة الوطنية ومؤسسات الدولة.
وأيضا عدم المساس بالطموحات الاشتراكية للشعب، ومبدأ أحادية جبهة التحرير الوطني، وذلك من خلال المواد 19 إلى 22 من دستور 1963 والمادة(55) من دستور 1976 في حين أن دستور 1989 لم يرد فيه أي قيد صريح على حرية الاجتماع، ولقد عبرت عن ذلك المادة(39) بأن حرية إنشاء الجمعيات والاجتماع مضمونة .
6- حرية إنشاء الجمعيات والانخراط فيها: لقد تبنت الجزائر في البداية نظام السيطرة الكلية على الجمعيات وإدماجها، في سياق تجربة البناء الوطني الاشتراكي نظام المؤسسات الجماهيرية، كما استبعدت التجربة السياسية التي قادتها جبهة التحرير الجزائرية،كل الجمعيات التي لم تكن منسجمة مع روح التعبير السياسي، وعلى إثر أحداث أكتوبر 1988 جاءت ضرورة تشجيع تكوين الجمعيات السياسية ؛ لسد الفراغ الحاصل ولمواجهة حالة التوتر السائدة والاختلالات العميقة التي عرفها الأداء السياسي طوال عشريتين كاملتين، كما كان ذلك تعبيرا عن الحاجة إلى علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع، ومراجعة لأسلوب الأداء السياسي الذي خلق مثل ذلك الفراغ الحاصل.
والمقصود بهذا الصنف من الحرية، أن لكل فرد الحق في تكوين وإنشاء الجمعيات ذات الأغراض المختلفة، وذلك للاجتماع مع الأعضاء الآخرين للبحث في المسائل التي تهم هذه الجمعيات، ولتحقيق الأغراض التي أسست من أجلها، وللدفاع عن المبادئ التي قامت عليها ولكل شخص كامل الحرية في الانضمام إلى الجمعيات القائمة متى شاء ودون ضغط أو اكراه من أي طرف .
ووردت هذه الحرية في مختلف الدساتير الجزائرية، غير أن مدلولها يختلف من دستور لآخر ففي دستوري 63 و 76 تنحصر حرية إنشاء الجمعيات في الجمعيات غير السياسية، باعتبار أن الدستورين استبعدا صراحة التعددية الحزبية بنصها على أحادية السلطة، وعلى أحادية العمل السياسي الذي اقتصر آنذاك على الحزب الواحد في البلاد، وعرف مفهوم الجمعيات في دستور 1989 تحولا كبيرا، بحيث لم يعد محصورا في المجالات الاجتماعية والثقافية والرياضية، بل أصبح ينصرف إلى العمل السياسي أيضا، حيث كرست المادة(40) من الدستور حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي، ومهما يكن لا يمكن تصور قيام ديمقراطية إلا في ظل قيام جمعيات متعددة الأشكال مدنية وسياسية، وهذا هو الأمر الذي وعاه دستور 1989 واعترف به من خلال النص عليه وفي هذا السياق يجب لفت الانتباه إلى قانون الجمعيات المدنية الصادر سنة 1987 والذي خول الإدارة صلاحيات واسعة، بشأن إنشائها واتخاذ إجراءات تحفظية وحلها، وهو أمر يتنافى والشرعية الدستورية على ضوء الإصلاحات الجديدة، واحتراما لمبدأ الفصل بين السلطات وتكريسا لما اقره الدستور في مجال الحريات الأساسية، لأجل ذلك ينبغي رفع يد الإدارة عن هذه الجمعيات، وجعلها تحظى بضمانات قضائية تقيها من هيمنة الإدارة إنشاء، ممارسة وحلا .
لكن لماذا مصطلح الجمعية وليس الحزب؟، لقد عدل مصطلح جمعية الى حزب في دستور 1996 م 42، فإذا كان الهدف والمضمون السياسي هو التعدد الحزبي المطلق كما يفهم ذلك من الدستور، فلماذا لا يعبر عن ذلك صراحة وبكل وضوح كما هو الحال في بعض الدول العربية، مثل الدستور المغربي الذي نص على أن تساهم الأحزاب السياسية في تنظيم المواطنين وتمثيلهم، ونظام الحزب الوحيد غير مشروع، وأيضا نجد الدستور المصري الذي نص على أن يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر على أساس تعدد الأحزاب،وإن كان كل ذلك شكليا مثلما يؤكده الواقع الممارس، ولعل الجواب المحتمل يفسر ويبرر بثلاثة أمور وهي:
- تضييق مجال ونفوذ التعددية، لينحصر دورها في المعارضة دون المشاركة الفعالة المؤثرة .
- استبعاد وانتعاش قيام أحزاب معينة.
- افتراض عدم وجود أو قيام أحزاب مؤهلة وقادرة على خوض معركة المنافسة السياسية،ولذلك يجب أن تبدأ العملية بجمعيات ثم تتطور فيما بعد إلى أحزاب، وقد تأكد هذا الافتراض في البيان الرئاسي الصادر في 24 أكتوبر 1988 الذي جاء فيه " لا يمكن بأي حال من الأحوال إقامة التعددية الحزبية من البداية مع أوساط تطمع في السلطة، وفي الحصول على الامتيازات في إطار ديمقراطية مظهرية لكن تأصيل جبهة التحرير الوطني لا يرفض أن يؤدي تطور العمل السياسي في القاعدة إلى تعددية سياسية.
لكن هذا الاتجاه ينفيه مشروع قانون الجمعيات السياسية، الذي يحمل في مضمونه التعدد الحزبي، كما يبين ذلك في المادة الأولى منه التي تنص على أن تستهدف الجمعية ذات الطابع السياسي، في إطار أحكام المادة (40) من الدستور جمع مواطنين جزائريين حول برنامج سياسي، ابتغاء هدف لا يدر ربحا، وسعيا للمشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية وسلمية.
ويظهر بذلك أنه هناك مستوى آخر، هناك الحقوق السياسية للمشاركة في الحياة العمومية المعترف بها للمواطن، كما هو الشأن بالنسبة لحق الانتخاب، والمنصوص عليه في المادة (47) " يعد كل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية، ناخبا وقابلا للانتخاب."
ثانيا: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
هذا الصنف من الحقوق جاء للإجابة عن أهمية إقرار الحقوق السياسية والمدنية، دون توفير أدنى مستوى المعيشة لحفظ كرامة الإنسان –موضوع الحق- وهذا الصنف من الحقوق بدأ يأخذ مكانته البارزة في سجل حقوق الإنسان، نتيجة للتطور الذي لحق بفكرة الحرية ذاتها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، فلم تعد الحرية مجرد القدرة على التصرف بما لا يضر الآخرين، وإنما صارت تعني أكثر من ذلك، تحرير الإنسان من كل عوامل الضغط التي تعيق التمتع بهذه الحريات وهو ما يفرض على الدولة واجب التدخل، وتوفير الظروف والأوضاع المادية التي تسمح للمجتمع بإمكانية الممارسة الفعلية لتلك الحقوق والتي سنأتي على ذكرها .
1- الحقوق الاقتصادية :
وهي مجموعة الحقوق المتصلة بالنشاط الاقتصادي، بكل جوانبه ومجالاته الفردية والجماعية وعمله وسعيه لبلوغ الحياة الكريمة، وماينتج عن هذا النشاط من ثروات مادية أو غير مادية يمتلكها مُنتجُهَا، وهي تشمل الحق في العمل حق الملكية، وحرية النشاط التجاري والصناعي، وغيرها من أوجه النشاط الاقتصادي .
- الحق في العمل: فلكل فرد الحق في العمل الشريف، الذي يناسبه ويختاره بكامل حريته، حتى يؤمن حياته وحياة أسرته، وعلى الدولة أن تعمل على إيجاد فرص العمل لكل مواطنيها،ويتفرع عن هذا الحق حق تكوين النقابات وحق الإضراب، ويعتبر دستور 1989 أكثر تحررا مقارنة مع دستور 1976 فالمادة (52) تنص على أنه لكل مواطن الحق في العمل، ويضمن القانون أثناء العمل، الحق في الحماية والأمن والنظافة، الحق في الراحة مضمون، ويحدد القانون كيفيات مارسته، وقد ألزم المشرع الجزائري على التكفل بكل من لم يبلغ سن العمل، والذين لا يستطيعون القيام به أو عجزوا عنه بأن ظروفهم المعيشية مضمونة حسب نص المادة (56) أما المادة(53) فإنها تكرس وتعلن مشروعية الحق النقابي لجميع المواطنين وبالنظر لما سلف ذكره يمكن القول أن العامل يتمتع بحماية يكرسها له الدستور،وهو يتمتع بالحفاظ على قدرته البدنية والمعنوية في مجال الأمن والنظافة في وسط العمل، ومجال الحق في الراحة، فهو يتمتع بجميع الحمايات بالنسبة لحقوقه الأساسية التي يقرها ويضمنها له القانون.
إلا أن ذلك لا يعني انعدام القيود التي يحددها القانون، فمثلا لا يسمح بالإضراب إلا في إطار القانون والتشريعات المعمول بها، مثلما تخضع لذلك ممارساته في ميادين الدفاع الوطني والأمن أو في جميع الخدمات والأعمال العمومية ذات المنفعة الحيوية للمجتمع والمصلحة العليا .
- حق الملكية: ويقصد بها قدرة الفرد قانونا على أن يصبح مالكا، وهو ما يعرف بالملكية الفردية تمييزا عن الملكية الجماعية، وهي التي لا يكون المالك لها فردا بذاته ولا أفراد معنيين بذواتهم ويتفرع عن حق الملكية حق الفرد في التصرف في ملكه، ولا يجوز للسلطة العامة أن تسلب الفرد مكله أو جزء منه، دون أن يحصل على رضاه أو خارج عن حدود القانون.
ونصت المادة 49 من دستور 1989 "أن الملكية الخاصة مضمونة، وأن الإرث مضمون، وكذلك الأملاك الوقفية، وأملاك الجمعيات الخيرية المعترف بها ويحميها القانون،كما جاء أيضا في المادة(63) الخاصة بواجبات الفرد النص على أنه يجب أن يحترم ملكية الغير.
وفي حقيقة الأمر فإن الملكية الخاصة تعتبر عند البعض من أهم الحقوق، وأنها تأتي بعد الحق في الحياة والعمل ؛ لأن ضمان الحياة يأتي بالعيش الكريم، وذلك لا يكون كاملا من دون ملكية خاصة، فلقد أحسن المشرع حين أضاف لها الحق في الإرث، الذي يعتبر من الوسائل المشروعة لاكتساب الملكية الخاصة والجماعية،كالأوقاف والتي تعتبر مؤسسة إسلامية معتمدة في الجزائر.

2- الحقوق الاجتماعية والثقافية :
وتندرج ضمنها مجموعة من الحقوق التي ينجم عنها تحقيق نوع من المساواة الاجتماعية والديمقراطية، إلى جانب المساواة السياسية بين أفراد المجتمع مما يكفل كرامة الإنسان، ومن بينها الحق في الصحة، الحق في الرعاية الاجتماعية للأسرة والشبيبة والشيخوخة، الحق في التعليم.
- الحق في الصحة: حيث يقع على عاتق كل دولة الالتزام بتوفير الرعاية الصحية للإنسان في كافة المجالات، والوقاية من الأمراض والأوبئة ومعالجتها، و إيجاد ظروف من شأنها تأمين الخدمات والعناية في حالة المرض وتوفير العلاج.
ولقد نصت المادة(51) من دستور 89 على أن الرعاية الصحية حق للمواطنين، حيث تتكفل الدولة بالوقاية من الأمراض الوبائية والمعدية ومكافحتها، وضَمنَ بذلك دستور 1989 مثل سابقه الحق في مجانية الصحة وذلك لطبيعة النظام الجزائري، ومثلما تم النص على حق الرعاية الصحية فإن المشرع الدستوري تنبه أيضا لمسألة الرعاية الاجتماعية، حيث يقع على عاتق كل دولة الالتزام برعاية أفرادها، وكفالة معيشتهم ورعايتهم في حالة العجز والشيخوخة عن طريق سن تشريعات الضمان الاجتماعي الذي يكفل لهم حياة كريمة، ولقد ورد في المادة(56) من دستور 89 التأكيد على ذلك، حيث نصت "ظروف معيشة المواطنين الذين لم يبلغوا سن العمل والذين لا يستطيعون القيام به و عجزوا عنه نهائيا مضمونة".
- حق حماية الأسرة والشبيبة والطفولة: وهذا النوع من الحقوق الاجتماعية المقرر لفئة خاصة من المجتمع، والتي تعتبر دعامة المجتمع وقاعدته الصلبة والمتمثل في الأسرة، باعتبارها الخلية الأساسية في المجتمع وكذا عناصرها المختلفة، حيث أضفى عليها الدستور حمايته عبر المادة(55) " تحظى الأسرة بحماية الدولة والمجتمع"؛ فبالنسبة للأسرة يظهر أن الدستور قد أحاطها بحماية خاصة لتؤدي وظيفتها في إعداد النشء وتحضيره بما يخدم المجتمع، ومنظما للعلاقة بين المرأة والرجل، التي تجمعهما على أساس شريعة الإسلام من زواج وطلاق، فالمشرع لم يهمل أبدا دور المرأة إلى جانب الرجل في مساهمتها في بناء المجتمع بإقراره لمبدأ المساواة بين الجميع، وجعله من المهام المنوطة بمؤسسات الدولة .
أما بالنسبة لحماية الطفولة والشبيبة يبرز الاهتمام بمكونات الأسرة، باعتبارها عاملا أساسيا وجزءا لا يتجزأ منه، واختلال أحد أجزائها أو عناصرها يؤدي أو ينعكس سلبا على العناصر الأخرى، لذا أولى الدستور عنايته الكبيرة بذلك ويبرز ذلك عبر المادة (62) والتي ورد فيها:" يُجازي القانون الآباء على القيام بواجب تربية أبنائهم ورعايتهم، كما يُجازي الأبناء على القيام بواجب الإحسان إلى آبائهم ومساعدتهم." ويظهر في هذا النص الدستوري مسحة روح الشريعة الإسلامية وتأثر المشرع بها.
- الحق في التعليم: وورد ضمن الحقوق الثقافية التي تَعني حق كل إنسان في الثقافة، والتي تقضي بتلقي العلم وتعليم الآخرين، وتوجيه الثقافة نحو التنمية الشاملة للشخصية الإنسانية، والأصل هو أنه لكل شخص الحق في التعليم في مراحله الأولى بالمجان وإلزاميا، مع العمل على تعميم التعليم الفني والمهني، وتيسير الدخول في التعليم العالي وتسهيل الانخراط فيه، ويجب أن تهدف التربية في ذلك إلى إنماء شخصية الإنسان إنماءً كاملا دون تمييز.
و تنص المادة (50) من دستور 1989 على أن" الحق في التعليم مضمون، والتعليم مجاني بحسب الشروط التي يحددها القانون :
- التعليم الأساسي إجباري.
- تنظم الدولة المنظومة التربوية.
- تسهر الدولة على التساوي في الالتحاق بالتعليم والتكوين المهني."
ويتضمن بذلك الحق في التعليم ثلاثة أمور، وهي حق الفرد في أن يلقن العلم للآخرين وحقه في أن ينهل من العلم وبقدر ما يشاء، وحقه في أن يختار لنفسه ولأولاده من المعلمين والمناهج ما يشاء، وإذا كان القصد من إقرار هذا الحق إطلاق العنان للمواهب، وفسح المجال للبحث الحر، ومنع كل صور الحجز على العقول، فلا يُتَصوَر أن تكون الحرية مطلقة، وإلا انقلبت إلى فوضى ولم تحقق شيئا من الأغراض والمطامح التي تناط بالعلم والتعلم .
خاصة بالنظر إلى الارتباط الوثيق بين التعليم وقيم المجتمع ونظامه العام، ولهذا فإن الدولة بغض النظر عن النظام المتبع هي التي تضع برامج التعليم وتقرر المناهج، وتشرف على تعيين القائمين بالتعليم، وفق النظريات والمبادئ التي تراها متوافقة في عمومها مع مجتمعها.
الفرع الثالث: الحقوق الجديدة و المعدلة في دستوري 1989 و 1996
وبصفة عامة إن كان دستور 1989 قد أوردَ فصلا كاملا للحقوق والحريات، ليعبر عن مدى إيمانه باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، إلا أنه لم يُشر إلى الوسائل والآليات التي يجب على الدولة أن تتخذها، لتجسيد مبدأ المساواة والعمل على تمكين المواطن من الاستفادة بأكبر قدر من حقوقه المنصوص عيها .
ولعل السبب في ذلك يعود إلى التراجع عن خط النظام الاشتراكي الذي يظهر فيه تدخل الدولة، ويظهر معه السعي إلى تجسيد تلك الحقوق المنصوص عليها في الواقع العملي، منذ سنة 1989 إلى غاية سنة 1990 لتأتي بعدها التجاوزات والإضرابات، التي نتج عنها استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد، وحدوث حالة الشغور المؤسساتي وكذا إعلان حالة الطوارئ، مما جعل الجزائر تدخل في دوامة من الأحداث العنيفة والاضطرابات الحادة، التي لم تشهد لها مثيلًا من قبل.
وتم التعامل منذ بدء تلك الأحداث و الإضطرابات بأساليب قصر النظر، وسوء التقدير وعدم القدرة على التحكم في القيادة وتسيير مؤسسات، ودخلت أجهزة الدولة والمجتمع في نفق مظلم وحالات من الانفلات الشامل، والتي استغلتها قوى داخلية وخارجية في تحريك آلة الإرهاب الوحشي الذي حاول أن يقوض أسس ومقومات الدولة الوطنية ونظامها الجمهوري الديمقراطي الشعبي، لولا التعاون بين جميع الأطراف من جيش وقوى الشعب الحية ومختلف أطيافه الوطنية لتجاوز ذلك، بعد إدراك حجم الأزمة وعمقها وكبر مخلفاتها.
إلى جانب ذلك على المستوى السياسي والمؤسساتي، تم عقد ندوة وطنية للوفاق الوطني جمعت القوى والتنظيمات والشخصيات السياسية والمدنية والاجتماعية، بدافع الوعي والغيرة على الدولة والوطن والمجتمع معا، وبوازع من روح المسؤولية الوطنية الحية والحس المدني الرفيع. تمخض عن ذلك ما يعرف بأرضية الوفاق الوطني، التي قررت مرحلة انتقالية للتغلب على المخاطر الجسيمة الأمنية والاقتصادية وحتى السياسية، مع تهيئة الظروف والوسائل اللازمة لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في مدة أقصاها أربع سنوات.
وبعد مرور عام على جولات الحوار الوطني، وبالذات في أفريل 1996 عادت الرئاسة للاجتماع بالأحزاب السياسية والجمعيات المدنية وبعض الشخصيات الوطنية، وسلمت لمحاوريها في 11 ماي مذكرة، ضمنتها اقتراحات لمراجعة دستور فيفري 1989 بدعوى أنه كان سببا رئيسيا من أسباب الأزمة، وحسب الرئاسة تتم هذه المراجعة بتضمين الدستور الجديد مبدأ نبذ العنف، وتوسيع صلاحيات الرئيس وإن كانت عهدته قد حددت بفترتين فقط، وتضمن مشروع التعديل الدستوري إنشاء غرفة برلمانية ثانية وإنشاء مجالس رقابية أخرى،كما أدخلت الرئاسة في مذكرتها تعديلا لقانون الأحزاب، بحيث استثنى إنشاء الأحزاب على أساس ديني أو لغوي أو عرقي، وأرغمت الأحزاب بذلك على التكيف مع هذا الاستثناء، بحذف كل ما له علاقة بذلك من برامجها وحتى تغيير أسمائها أحيانا.
ويؤكد دستور 1996 في ديباجته بأن الشعب الجزائري، قد ناضل دوما في سبيل الحرية والديمقراطية وأنه يظهر عزمه على إنشاء مؤسسات دستورية، أساسها مشاركة كل جزائري وجزائرية في تسيير الشؤون العمومية، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وضمان الحرية لكل فرد، وأنه أي الدستور فوق الجميع، وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية.