ثانيا :
أما صلاة النافلة ، فيجوز القعود فيها من غير عذر ، إجماعا ، لكن أجر القاعد حينئذ على النصف من أجر القائم
لما روى مسلم (1214) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ : حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ .
قَالَ : فَأَتَيْتُهُ ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ : مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ؟!
قُلْتُ : حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قُلْتَ :
صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلاةِ ، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا ! قَالَ : أَجَلْ ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :
" معناه أن صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم ، فيتضمن صحتها ونقصان أجرها .
وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام ، فهذا له نصف ثواب القائم .
وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص
ثوابه بل يكون كثوابه قائما .
وأما الفرض فإن صلاه قاعدا مع قدرته على القيام
لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به .
قال أصحابنا (الشافعية) :
وان استحله كفر وجرت عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الزنى والربا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم .
وإن صلى الفرض قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القيام والقعود ، فثوابه كثوابه قائما ، لم ينقص باتفاق أصحابنا ، فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدا مع قدرته على القيام .
هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث ".
وقال : " وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( لست كأحد منكم ) فهو عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، فجُعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له
كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم ، وقد استقصيتها في أول كتاب تهذيب الأسماء واللغات " انتهى
من "شرح صحيح مسلم" (6/14) .
والله أعلم .