فالخطأ قد يقاس بمعيار شخصي ومضمونة أن ينظر إلى سلوك الموظف المخطئ ويوزن في ظروف معينة فيعتبر مخطئا إذا كان سلوكه دون المعتاد منه في مثل تلك الظروف ولاشك أن هذا المعيار منتقد فهو يجعل الموظف النشيط الدائب في العمل يؤاخذ على اهمالة اليسير غير المعتاد منه أما الموظف المهمل فلا يسال عن إخلاله بواجبه ما دام إهماله معتاد وهذه نتيجة غريبة لا يمكن معها الاعتماد على هذا المعيار في قياس الموظف أما المعيار الأخر وهو المعيار الموضوعي فينظر فيه إلى الفعل الذي ارتكبه الموظف ويقاس وفق المألوف من سلوك الموظف المعتاد، في ذات فئة الموظف الذي يراد قياس سلوكه فيعتبر الموظف مخطأ إذا خرج عن هذا المألوف وهذا المعيار هو السائد العمل فيه فقهاً وقضاء ، فالمعيار الموضوعي معيار واقعي يراعى في التطبيق الظروف التي صدر فيها التصرف من ناحية الموظف الذي قام بالفعل من حيث سن الموظف وحالته الصحية وجنسه ومن ناحية الزمان والمكان والبيئة وافتراض أن الموظف المعتاد أحاطت به نفس الظروف التي أحاطت الموظف الذي ينسب الخطأ إليه ويوزن التصرف في هذا الأساس فإذا كان تصرف الموظف المعتاد مشابها لتصرف الموظف المخطئ فلا مسؤولية على الأخير أما لو حصل العكس فان الموظف يعتبر مرتكباً لخطأ يستوجب المسألة التأديبية، فالمعيار الموضوعي لم يعد معيار موضوعياً خالصاً فهو موضوعي في الأساس إلا انه شخصي عندما يقيس ظروف الموظف المخطئ الذي يتعين الاعتماد عليه وهذا المعيار هو الأقدر على تقرير متى يعتبر الموظف مخالفا لواجباته الوظيفية ومتى يمكن مساءلته تأديبياً.
ثانياً: التمييز بين الجريمة التأديبية والجريمة الجنائية:
تختلف الجريمة التأديبية عن الجريمة في المجال الجنائي من حيث الطبيعة والأركان.
ويمكن أن نوجز ما تتميز به الجريمة التأديبية عن الجريمة في النظام الجنائي بما يلي:
1. من حيث الأشخاص:
يشترط لوقوع الجريمة التأديبية أن يكون الفعل المعاقب عليه قد ارتكبه موظف مرتبط بالإدارة برابطه وظيفية.
وهذا مادعى الفقه إلى القول بان نظام التأديب نظام « طائفي « اى انه يتعلق بطائفة في المجتمع على عكس النظام العقابي الذي يتصف بالعموميه و الشمول.
2. من حيث الأفعال المكونة للجريمة:
أن الجرائم التأديبية ليست محدده على سبيل الحصر لذلك فهي لا تخضع لمبدأ « لا جريمة و عقوبة إلا بنص « و إنما مددها الإخلال بكرامة الوظيفة و الخروج على مقتضيات الواجب وتقرير قيام الجريمة من عدمه خاضع لتقرير الإدارة.
اما الجريمه فى المجال الجنائى فحدده على سبيل الحصر.
3. من حيث الهدف:
يهدف النظام التاديبى الى حسن اداء الموظفين لاعمالهم وضمان سير المرافق العامه بانتظام واطراد. اما فى النظام الجنائى فالامر يتعلق بحماية المجتمع كله وضمان استقراره وامنه.
4.من حيث المسؤوليه:
تستقل الجريمة التأديبية عن الجريمة الجنائية من حيث المسؤولية، فان إعفاء الموظف من المسؤولية الجنائية وإلغاء التهمه الجنائية المنسوبة إليه لا يمنع من مساءلته تأديبياً ، فالمخالفة التأديبية أساساً قائمة على ذاتها مستقلة عن التهمة الجنائية، قوامها مخالفة الموظف العام لواجبات وظيفته ومقتضياتها، وهذا الاستقلال قائم حتى ولو كان هناك ارتباط بين الجريمتين، فالموظف قد يسأل تأديبياً لمخالفته النصوص التشريعية أو العرف الإداري ومقتضيات الوظيفة العامة، في حين أن الجريمة الجنائية لا تتقوم إلا إذ خالف الفاعل نصاً تشريعياً.
5. من حيث نوع العقاب المفروض:-
أن العقاب التأديبي بتعلق بالمساس بمركز الموظف ومتعلقاته، ويكون بإيقاع مجموعة من الجزاءات محددة على سبيل الحصر، وأثارها محددة سلفاً أما في النظام الجنائي فإن العقاب يتعلق بالمساس بحرية الشخص أو حياته أو ماله، وللقاضي الحرية في تقدير العقوبة وفق الواقعة المنظورة في الحدود المسموح بها قانوناً.
6. من حيث الإجراءات:
تتميز الجريمة التأديبية في الجريمة في المجال الجنائي، من حيث الإجراءات الواجب اتباعها منذ ارتكاب الموظف للجريمة ومساءلته عنها وحتى إيقاع الجزاء عليه، وهذه الإجراءات تنظمها قوانين خاصة بالوظيفة العامة والموظفين.
أما الجريمة في المجال الجنائي فلها أصولها الخاصة التي تنظمها القوانين العامة كقانون الإجراءات الجنائية وقانون المرافعات المدنية.
غلا أن الاختلافات السابقة لا تنفي وجود نوع الترابط والصلة بين الجريمتين التأديبية والجنائية، فالجريمتان عبارة عن سلوك شاذ يعاقب عليه القانون ويجب تجنبه تحقيقاً للمصلحة العامة، ومن يرتكبه بعرض نفسه للمساءلة والعقاب المناسب.
كما أن هذا السلوك المنسوب إلى الموظف قد يشكل جريمتين جريمة تأديبية وأخرى جنائية، ولكن المساءلة التأديبية لا تتقيد بالمحاكمة الجنائية إلا فيما يتعلق بوقوع الفعل المكون للجريمة من الموظف أو عدم وقوعه، وفضلاً عن ذلك قد تعتبر بعض الع عقوبات التأديبية بمثابة عقوبة تكميلية للعقوبات في المجال الجنائي.