منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - لكل من يبحث عن مرجع سأساعده
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-10-21, 12:26   رقم المشاركة : 101
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماستر مشاهدة المشاركة
اختي الكريمة جازاك الله خيرا هل بامكانك توفير بعض المراجع التي تتحدث عن الفن القصصي الجزائري و كذلك بعض المذكرات التي تخدم نفس الموضوع ؟ انا بحاجة ماسة لها و شكرا.
حديث المطـابع > مظاهر التجديد في القصة القصيرة بالجزائر
PDA
View Full Version : مظاهر التجديد في القصة القصيرة بالجزائر

داليا الهواري
21-03-2007, 01:14 AM
مظاهر التجديد في القصة القصيرة بالجزائر - مخلوف عامر

المقدمة
تعد القصة القصيرة فنا حديثاً في الأدب العالمي بالقياس إلى فنون أدبية أخرى. وهي بالنسبة للساحة الأدبية الجزائرية أكثر حداثة.‏
وهناك ظواهر تميز القصة الجزائرية القصيرة جديرة بالاهتمام والدراسة ولعل من أبرزها:‏
1-انتشارها منذ الاستقلال بشكل يفوق -كميا- بقية الأنواع الأدبية وهذا الانتشار يثير عدة تساؤلات:‏
هل مصدره سهولة كتابة القصة القصيرة أم استسهالها أم التمكن من نشرها في الصحافة بشكل سريع؟؟‏
2-كثيرون من الذين تحمسوا لكتابة القصة القصيرة في بداياتهم، أخذوا يهجرونها إلى كتابة "الرواية".‏
3-إن لنشأة وتطور القصة الجزائرية القصيرة علاقة بالتربية الثقافية والأدبية الجزائرية، وعلاقة أخرى بالمحيط العربي والمشرقي منه خاصة.‏
"فهل نمت في التربة الجزائرية حقاً؟ وخرج القصاصون من "معطف" (أحمد رضا حوحو) أم أن كتابنا كانوا أكثر صلة بما يفد إلينا من الأدب العربي المشرقي؟‏
تلكم الظواهر والتساؤلات كانت من الدواعي التي جعلتني أختار بحث هذا الموضوع لعلي أتوصل -بعد غربلة هذا الإنتاج القصصي الكثير- إلى الوقوف على مظاهر التجديد فيه.‏
ذلك لأن البحوث الجامعية والكتب التي عالجت موضوع القصة القصيرة في الجزائر، إما أنها نحت منحى تاريخياً وصفياً مثل: كتاب القصة الجزائرية القصيرة) لـ "عبد الله خليفة ركيبي"، وإما أنها أضافت إلى التاريخ والوصف دراسة الشكل الفني والموازنة بين القصة في تونس والجزائر والمغرب ولم تتجاوز فترة زمنية محددة مثل: رسالة "عبد الله بن حلي" (القصة العربية الحديثة في الشمال الافريقي).‏
وإما أنها بالرغم من محاولتها تغطية فترة زمنية أطول، إلا أنها بقيت أسيرة المنهج التقليدي مثل: رسالة "أحمد شريبط" (الفن القصصي في الأدب الجزائري المعاصر).‏
وإما أنها دراسات- بالإضافة إلى اصطناعها المنهج الوصفي التقليدي- اقتصرت على نماذج قليلة لا تمثل القصة الجزائرية القصيرة في تنوعها، ومنها:‏
(القصة القصيرة العربية الجزائرية في عهد الاستقلال) لـ "محمد مصايف" و(قراءات في القصة الجزائرية لـ "أحمد منور").‏
فأما الصعوبة الأولى التي واجهتني فتتمثل في الجهد الذي كان يجب بذله للإطلاع على كل المجموعات القصصية المطبوعة كشرط أساسي قبل الانتقال إلى الفرز والتمحيص بصرف النظر عن التمكن من تحقيق هذا الشرط.‏
وأما الصعوبة الثانية، فتتمثل في عدم استفادتي بشكل كاف من أحدث ما بلغته المناهج النقدية المعاصرة، الأمر الذي ترتب عليه بعض القصور في تحليل النماذج القصصية.‏
وقد آثرت أن أطلع على أقصى ما يمكن من الإنتاج القصصي، ولاّ أعول على تصريحات القصاصين واعترافاتهم، بل انطلق من النص أساساً، لقناعتي بأن الكاتب الناجح هو نصُّه لحظة الكتابة، وهو خارج الكتابة شخص آخر.‏
وارتأيت أن أقسِّم البحث إلى أربعة فصول، تتصدرها مقدمة، فمدخل عام وتعقبها خاتمة.‏
المدخل خصصته لملامح الحركة الثقافية والأدبية في الجزائر بصفة عامة لإعطاء صورة تقريبية عن التربية التي احتضنت الإنتاج القصصي.‏
الفصل الأول، لخصت فيه بعض المبادئ النظرية التي تتصل بالقول الأدبي عامة، وبـ "القصصية" خاصة، لكونها تشكل منطلقات أستند إليها أو إلى بعضها في القسم التطبيقي لاحقاً.‏
والفصل الثاني تعرضت فيه لمناقشة أصول القصة القصيرة وتعريفاتها. بصفة عامة كخطوة رأيتها ضرورية للدخول في الحديث عن ظروف نشأة القصة القصيرة وتطورها في الجزائر، مقتصراً على المحطات الأساسية في مسارها حتى لا يأتي البحث ناقصاً من هذا الجانب من جهة، وحتى لا أجتر كل ما قيل عن هذا الموضوع في مراجع معروفة من جهة أخرى.‏
والفصل الثالث، بحثت فيه العوامل التي أثَّرتْ في جيل المعربين منذ الاستقلال، على أساس أن الإنتاج القصصي- جيدهُ ورديئهُ- لا شك مطبوع بتلك العوامل، وأنها تركت بصمات واضحة في آثار القصاصين.‏
والفصل الرابع والأخير- وكان طبيعياً أن يكون أطول الفصول- أفرد للتطبيق على نماذج تبين أنها من أرقى ما بلغته التجربة القصصية في الجزائر منذ الاستقلال.‏
داليا الهواري
21-03-2007, 01:17 AM
الفصل الأول القول الأدبي والقصصية
كان اليونان قد فسروا الظاهرة الأدبية بنسبتها إلى آلهةٍ تسكن جبال الأولمب، وفسرها العرب بعدهم بنسبتها إلى شياطين تسكن وادي عبقر.‏
لكن هذا التفسير أو ذاك ليس من شأنه أن يثير الاستغراب أو الاستصغار، لأنه- وان جانب الصواب- ينم عن حدس سليم في تلمس الظاهرة الأدبية المتميزة. من حيث هي ظاهرة إنسانية، لكنها تجعل الأشياء تبدو وكأنها غير مألوفة، أو لأن "الفنان لايعيد إنتاج المرئي، بل يجعل مرئيا ما ليس مرئياً"(1) .‏
من الطبيعي جداً أن يحتار الإنسان أمام ظاهرة غير عادية، صادرة من آخر يشبهه أو يتساوى معه في كل شيء إلا في إنتاج ما هو غير عادي بواسطة اللغة. ومن الطبيعي، بل من الضروري أن تدفعه الحيرة إلى البحث عن إجابة تطمئنه.‏
أما اليوم فقد صار بديهياً أن يُنسب العمل الأدبي إلى الواقع. إلا أن هذه الواقعية- وإن لم تكن سوى تجلٍّ لعالم المثل في صورة غير وافية- فقد عادت في عهد لاحق لتصبح تجلياً لذات المبدع، ثم أصبحت متكأ لتفسير النص الأدبي تفسيراً تعسفياً آلياً، وربما ضجر بعضهم من هذه الآلية في الوقت الذي لم ينكر فيه المصدر الواقعي للأدب والفن، فقال بواقعية بلا ضفاف.‏
"كل الأعمال الأدبية مصدرها الواقع، وتأثيرها في الواقع ولكنها ليست بالضرورة- كما يزعم جارودي- واقعية مهما كانت قوتها التعبيرية أو التأثيرية.‏
إن القول بواقعية كل أدب على أساس أن مصدره الواقع أو أنه تعبير جزئي عن جانب من جوانب الواقع، هي دعوة.. لا إلى واقعية بلا ضفاف ولا حدود، بل إلى واقعية بلا مفاهيم، أو دلالات أو مبادئ"(2) .‏
فالظاهرة الأدبية لا يصح تفسيرها تفسيراً غيبياً ولا اختزالها وتبسيطها في واقعية مبتذلة، أو واقعية بلا ضفاف ولو أن:‏
"الواقع هو شعار العصر وهو الكلمة الأولى والأخيرة في كل شيء"(3) .‏
ذلك لأن الظاهرة الأدبية من التعقيد بحيث تستوجب نظرة أعمق حتى لا يختزل العمل الأدبي في دلالته الاجتماعية ويفقد بعدا أساسياً فيه وهو الشكل وحتى لا يصبح الشكل هو المرجع الأول والأخير فيفرغ من نبض الحياة. فيتناغم الشكل والمضمون في كل لا فصام فيه، مظهر من مظاهر التطور والرقي.‏
"في الحقب التي يدرك فيها التطور أوجه، ويصل فيها الفن إلى ذروة امتلائه، يؤلف الشكل والمضمون كلا متناغماً لا فصام فيه، ومتى ما رجحت كفة المضمون على الشكل، ومتى ما انفصل الشكل عن المضمون، يسعنا الجزم بدون أن نجازف بالخطأ أن المجتمع يمر بفترة ولادة أو انحلال"(4) .‏
ومن المعروف أن التركيز على الدلالة الاجتماعية للأدب، كان من أهدافه تحديد وظيفة له وحمل الأدباء على اتخاذه سلاحاً في خدمة ما يلتزمون به من مبادئ، فضلاً عن أن هذه المبادئ كثيراً ما تحدد مسبقا ليصبح العمل الأدبي مجرد قالب تصب فيه تلك المبادئ والتوجهات.‏
غير أن الفهم الذي يستند إلى أدلجة صارخة، ما كان له ليسيطر على كل الأذهان، بل هو ما نبه كثيرين من الأدباء والنقاد إلى ضرورة العناية بخصوصية الأدب والفن وعدم التضحية بها في سبيل ما هو ظرفي عابر.‏
ولم تعد وظيفة الفن منحصرة في ترديد خطاب سياسي/ أيديولوجي، بقدر ما أصبحت أيضاً فرصة لتماثل "الأنا" مع الآخرين، فرصة لفهم العالم والمشاركة في تغييره ولكن دون تغييب بعده الجمالي السحري، لأنه لا يتمكن ولا يمكن من تلك الغاية إلا بفضل جماله وسحره.‏
"إن وظيفة الفن هي دائماً أن يحرك الإنسان بكليته، وأن يسمح "للأنا" بالتماثل بحياة الآخرين، وأن يمكنها مما لم تكنه، وما هي جديرة بأن تكونه ...)، فالفن ضروري لكي يستطيع الإنسان أن يفهم العالم ويغيره، ولكنه ضروري أيضاً بسبب السحر الذي يلازمه"(5) .‏
ولكن السحر لا يعني التفنن في التراكيب اللغوية والصنعة اللغوية المكررة، بل هو الجهد الإبداعي الذاتي، فلا يكتفي باجترار ما يلقن في المدرسة من قواعد، ولا يبدو تلوينا مفتعلا على تراكيب مستهلكة، يخادع بالزخرف الجمالي لكن بدون جمال.‏
"ليس القول الأدبي صياغة تركيبية أو تطبيقية لقواعد لغوية أدبية جاهزة، ليس القول الأدبي إنشاءاً يحفظ أو يتوارث أو يلقن شأن التلقين في تعليمنا المدرسي: تحفيظ تراكيب وصيغ جميلة تعادل الثقافة والقدرة على الكتابة. وليس القول الأدبي رصفا قواعدياً للمفردات، أو توالياً خطياً للألفاظ. بل هو حجم وفضاء: حجمه في الدلالات التي يولدها انتظامه، الدلالات تتولد في حركة الانتظام فتشكل بالعلاقات بينها، فضاء هذه الحركة"(6) .‏
هكذا يتبين أن القول الأدبي ليس تركيباً ولا إنشاءً ولا رصفاً أو تواليا للألفاظ، لذلك فهو لا يحفظ ولا يتوارث ولا يعلم. وكأنه بذلك خرق للقانون اللغوي السائد ليخلق قانونه الخاص، قانون الإبداع الذي هو إضافة في الحقل الأدبي وبذلك سيكون خارقاً، غير عادي، يستحق صفة أثر مُبدَعٍ بفتح الدال) حقاً.‏
يؤكد "رولان بارت" هذه الفكرة بقوله:‏
"والشكل ليس حلية ولا مجموعة قواعد، بل تشخيصاً لأحاسيس ملتصقة بتجاويف الذات وبأعماق الموضوع، وعلى الكاتب أن يواجه العالم والأشياء وأن يختار عزلته أو حضوره مع الآخرين"(7) .‏
ذلك يعني أن اللغة وقواعدها تظل معطى خارجياً، يمكن تملكه بمهارات عالية، ولكن سيبقى سطحياً باهتاً ما لم يجسد الحرارة الداخلية للذات المبدِعة بكسر الدال)، ما لم يشخص حرارة الشعور وعمق الإحساس.‏
أما إذا راح المنتج الأدبي يتتبع تفاصيل الواقع، وينسجها صنعا في نص يرتكز أساساً على المهارات اللغوية والزخرف البلاغي، فذلك مما يثبت الفرق الكبير بين أثر فني وبين أي إنتاج آخر.‏
"الفرق هو فقط أن التفاصيل في الواقع لا يمكن أن تكون حشوا فارغاً أبداً، أما في الأعمال الشعرية فكثيراً جداً ما تنقلب بالفعل إلى بلاغة جوفاء وحَشوٍ آلي في سرد القصة"(8) .‏
كل ذلك يدعو إلى بحث العلاقة بين الواقع والعمل الأدبي من زاوية تتجاوز النظرة الآلية الضيقة، وتتجاوز التجريد والتعميم اللَّذين لا رابط لهما غير الانتساب إلى الواقع بصفته مصدراً أصلياً.‏
فـ "الإنتاج الأدبي ليس انعكاساً للواقع، بل انعكاساً لانعكاس، وفي المسافة القائمة بين الواقع وشكل انعكاسه توجد جملة من العناصر المعقدة تتضمن وتنتج آثاراً أيديولوجية معينة. فالكاتب لا "يكتب أيديولوجيا" بل يعكس بشكل لا مباشر جملة تناقضات اجتماعية تحت تأثير أيدلوجيا معينة"(9) .‏
هذا الفهم من شأنه ألاَّ يقتل جمالية النص الأدبي بدعوى الحرص على الدلالة الواقعية الاجتماعية، وألاَّ يغيب هذا الدلالة بدعوى الحرص على الجمالية. فبالإضافة إلى العلاقة الموجودة بين الكاتب والبعد الأيديولوجي، فإن لعملية التخييل الأدبية استقلاليتها النسبية وهي تشكل البعد الآخر.‏
"بين الكاتب وعمله مسافة ثنائية البعد تحددها عملية الكتابة وسيرورة التخييل الأدبية مسافة بين أيديولوجيا الكاتب والأيديولوجيا التي أنتج تحتها وفيها عمله الأدبي، ومسافة أخرى بين أيديولوجيا الكاتب والأيديولوجيا التي تحكم عمله الأدبي وتنتج آثاراً أيديولوجية معينة"(10) .‏

غير أن النظرة إلى البعد الأيديولوجي، وتحديد علاقته بالعمل الأدبي ليست واحدة عند النقاد والباحثين.‏
إذ في الوقت الذي يغيب فيه البعد الأيديولوجي عن طريق القول بالتزامن البنيوي، يحاول "لوسيان غولدمان" أن يتدارك هذا التغييب عن طريق ما سماه بالبنيوية التكوينية أو التوليدية.‏
فـ "لفظ البنيوية التكوينية يشير إلى أن ما هو مطروح ليس دراسة البنيات من حيث هي كذلك، بصورة سكونية ولا زمنية بل العملية الجدلية لصيرورتها ووظيفتها"(11) .‏
وقد أسس غولدمان نظرته على ثلاثة معطيات:‏
1-البنية الدلالية:‏
ويريد بها العلاقة الكلية بين الأجزاء والعلاقة الداخلية بين العناصر ولكنها بانتقالها من السكونية إلى الحركة والدينامية.‏
و"يوصي غولدمان النقد الأدبي بتبني منظور واسع، لا يغفل التحليل الداخلي للنتاج واندراجه ضمن البنيات التاريخية والاجتماعية ولايغفل كذلك دراسة السيرة الذاتية ونفسية الفنان كأدوات مساعدة. وفي المحلِ الأخير يدعو إلى إدخال النتاج في علاقات مع البنيات الأساسية للواقع التاريخي والاجتماعي"(12) .‏
2-رؤية العالم:‏
ويقصد بها النسق الفكري السابق عن لحظة إنتاج العمل الأدبي، وما يبدو حاسماً عنده ليس رغبة المؤلف ولا طبيعة نواياه، بل الدلالة الموضوعية التي يكتسبها عمله سواء وافق ذلك رغبته أو جاء ضد رغبته في بعض الأحيان.‏
3-قيمة النتاج:‏
وهي تتمثل في القدرة على تقديم رؤية متناسقة، لا يغترب فيها العمل على الواقع لأنه إذا افتقر إلى حرارة الواقع يفقد جماليته، وهذه الأخيرة هي عبارة عن توتر دائم وتجاوز مستمر.‏
هذا التوتر الذي يسميه "حسين مروة" بالانفعال الذي يشكل حافزاً ضرورياً للإبداع ومحركاً له لاستكشاف الخفي وارتياد المجهول: "إن الانفعال ليس أكثر من مدخل إلى العملية الإبداعية، ومذ تبدأ العملية يتحول الانفعال إلى حركة استكشاف وارتياد يصاغ في ضوئها عالم فني يحمل في ذاته قدرة التحول إلى حركة فعل وتغيير في العالم الواقعي- ولن يستطيع أن يحمل هذه القدرة دون معرفة بقوانين حركة العالم الواقعي، ودون موقف معين من هذا العالم"(13) .‏
وإذا كان "غولدمان" يخرق سكونية التزامن البنيوي عن طريق القول بالنسق الفكري السابق عن عملية الإنتاج والذي لا شك أن له حضوره الخاص في الأثر، فإن "غريماس" ينظر إلى الدلالة الأيديولوجية من زاوية أخرى.‏
فهو يقول بالدلالات النووية المولدة للأيديولوجيا داخل العمل الأدبي، وهي تشكل وحدات يمكن تفكيكها. إنها تتميز بكونها ضمنية جوهرية، علاقتها بالخطاب علاقة توليدية.‏
وكأن "غريماس" ينكر على البنيويين الذين استفادوا من جهود "دي سوسير" تحليلهم الشكلاني الذي يغيب البعد الأيديولوجي باعتماده مقولات: النسق والتزامن والتعاقب.‏
فالتزامن لا يوحي بالسكونية فحسب، بل إن التحليل البنيوي في مجموعه يفضي في أحسن الحالات إلى تفكيك العمل الأدبي وإعادة تركيبه مفرغاً من الشحنة الأيديولوجية ومن نبض الحياة.‏
و"الانتظام ليس وقفة زمنية في هذا النهر، ولا يمكن أن يكون كذلك، إلا من موقع التخيل والتجريد، من مسافة زمنية تغيب عملية التخريب الجزئي ولا تسقطها أو تلغيها الوقفة الزمنية بهذا المعنى، ليست وقفة بل نظرة مصوبة نحو ما يميز المرحلي في الزمن"(14) .‏
ولكن غريماس) ينكر أيضاً أن تكون مرجعية النص خارجه.‏

"يرى غريماس أن أيديولوجية النص لا تكمن في مرجعيته وإنما في طاقته على تغيير الدلالات الأصلية المشحونة فيه"(15) .‏
فالنص بالنسبة له حلقة ذات عناصر متحركة، متغيرة، ومن ثم جعل العلامية sémiotique) تعتمد على قاعدتين:‏
أ-الدلالة الأصولية.‏
ب-النحو الأصولي المتفرع إلى علم الصرف وعلم التركيب من ذلك يتضح أن "غريماس" لا ينكر حضور البعد الأيديولوجي ولكنه يجعله داخلياً يخضع لحركة التشكيل الداخلية النامية مع صيرورة العمل الأدبي في تدرجها نحو الاكتمال.‏
وهو يفسر ذلك الحضور من خلال قوله بالدلالات النووية المتضادة أو المتناقضة غير أنه بتجريدها في المربع العلامي، جعلها تفقد الخصوصيات الاجتماعية والتاريخية.‏
ويمكن أن تؤخذ أية مجموعة أخرى من المتضادات والمتناقضات لتصب في هذا المربع العلامي، دون أن يدلنا المربع نفسه على خصوصيات أمة ما أو حضارة ما.‏
علماً بأن اللغة ومنها الدلالات النووية ليست خارج الزمن، وما كان من المتناقضات أو المضادات في حضارة ما وفي حقبة زمنية ما، قد لا يبقى كذلك في حقب أخرى وهكذا.‏
"إن علاقة التاريخ باللغة والتاريخ بالشعب، تتحدد بكون اللغة تعكس الصفة النوعية لتاريخ الشعب، ومن هنا فإن وجود عدد وافر من مفردات عربية في اللغة الإيرانية الراهنة يمكن تفسيره على أساس التأثير العميق الذي مارسه الإسلام والثقافة العربية"(16) .‏
والأمر لا يتعلق بالمفردات فقط سواء أتعلق بما يوجد في اللغة الفارسية أم ما يوجد في اللغة الاسبانية، وإنما يتعدى ذلك إلى البنية الصوتية وكل ما يميز لغة عن أخرى.‏
"هكذا يمكن القول أننا في حقل المفردات كما في حقل الصوتيات نواجه القاعدة نفسها، وهي أن بعض الحالات قد تكشف لنا عن علاقة لا شك فيها بالوقائع والأحداث الخارجية للتاريخ، غير أنه في حالات أخرى تبدو المتغيرات في معجم المفردات رهينة العوامل والمؤثرات الداخلية وحدها"(17) .‏
وما دام الموضوع يرتبط بالقول الأدبي بوصفه خطاباً مكتوباً، وهو بعكس الخطاب الشفهي لا يستعمل الإشارات المساعدة، ولا يشترك المرسل والمرسل إليه في وضعية واحدة، ولا يستطيعان أن يتبادلا الأدوار بحيث يصبح المرسل إليه مرسلاً بكسر السين) والعكس، ولا يتحققان من أثر الخطاب فوراً، فإن الخطاب المكتوب ملزم بتعويض هذه الروافد التي يمتاز بها الخطاب الشفهي، وذلك بتوفير الوسائل اللغوية والأدبية الكفيلة بإيصال الرسالة في شيء من الانسجام وبالقدرة على توقع مواقف وردود فعل المتلقي.‏
ولذلك فإن الكاتب أو المؤلف ينتج عمله في ظرف غير الظرف الذي سيقرأ فيه هذا العمل من قبل شخص آخر. إن وضعية الإنتاج تختلف عن وضعية التلقي. الكاتب ليس متأكداً من طبيعة التلقي ومدى صحته، كما أن القارئ ليس متأكداً من نوايا الكاتب ومقاصده.‏
"الرسالة المكتوبة إذن، لا تعمل سوى أن تضع علاقة بين حالتي ارتياب وعدم تأكد: حالة الكاتب تجاه سلوك قارئة وردود فعله، وحالة القارئ تجاه نوايا الكاتب ومقاصده"(18) .‏
وهذا يؤكد حقيقة سبقت الإشارة إليها، ولا بأس من العودة إليها، لأنها ميزة أصيلة في العمل الأدبي. وهي تتمثل في أن الكاتب/ المبدع مطالب بأن تكون له قدرات خارقة وغير عادية تمكنه من إعادة تشكيل اللغة ليعلو عن المستهلك منها، ويتجاوز التركيب إلى الصياغة والتعبير.‏
"يتميز القول الأدبي ابتداء من عملية التركيب/ الصياغة، أو التركيب العبارة. وربما أمكن القول أن القول الأدبي هو الذي يمعن في الصياغة ليخلق التعبير، وهو الذي بالتالي، يبتعد عن التركيب، وهو، حين يمعن في الصياغة، يمعن أيضاً في الأيديولوجية، ويبالغ في حرف الكلام، في انزياحه، باحثاً عن الواقع"(19) .‏
وإذن هناك دور حاسم لذاتية المبدع وقدرته على الصياغة، والتعبير أسلوب يميزه، لأن الاكتفاء بتكرار اللغة المستهلكة لا يسمح بالارتقاء إلى مستوى الإبداع.‏
"اللغة تعمل وكأنها سلبية، كأنها الحد البدئي للممكن. أما الأسلوب فهو ضرورة تربط مزاج الكاتب بلغته. هناك يجد ألفة التاريخ وهنا في الأسلوب يلتقي ألفة ماضيه الخاص"(20) .‏
يتبين في ضوء هذه النصوص التي تعمدنا إيرادها متتالية، أن العمل الأدبي لا يلتقي فيه الشكل والمضمون على أساس مفتعل مصنوع، لأنهما يخضعان لعملية تشكيل داخلية.‏
والعلاقة بينهما ليست ولادة مسبقة، بل تتم تدريجياً لحظة الكتابة.‏
وما دام الشكل جزءاً من ذات الكاتب ورؤياه، فلا يصح أن ينظر إليه من زاوية تبعيته للمضمون، ولا يمكن الاكتفاء بالقول:‏
"إن الشكل في الحقيقة ليس إلا تعبيراً عن حالة توازن في داخل الشيء بين عناصره المتفاعلة"(21) .‏
ذلك لأن الكتابة لحظة تمتزج فيها الذات بالموضوع، لحظة تأخذ فيها الذات صفة الموضوعية، ويأخذ فيها الموضوع صفة الذات، فهي ملتقى اللغة والأيديولوجيا.‏
"فالكتابة تضفي الموضوعية على "الأنا" تدرجها في سياق التاريخ وتقدم لنا التاريخ "مُذوَّتا" والذات موَّضعَّةً. من هنا تغدو الكتابة عند بارت ملتقى اللغة والأيديولوجيا للذات المشتهية وللتاريخ الموضوعي"(22) .‏
غير أن الكتابة وإن هي اشتركت في خصائص، إلا أنها تتمايز فيما بينها. ولا يمكن للقارئ /الناقد أن يتناول النصوص المكتوبة اعتماداً على نفس المقاييس وبنفس الأدوات.‏
ويرى "جيرارفينيي" أن النصوص تتميز كالتالي:‏
"-نصوص يغلب عليها الطابع القصصي ومنها التحقيقات والروايات والذكريات والعروض..‏
-نصوص يغلب عليها الطابع الوصفي ومنها: ما يقتطف من الروايات والذكريات والتحقيقات وعروض الأحوال والدروس..‏
-نصوص يغلب عليها الطابع التعبيري ومنها الشعر والروايات والمسرحيات والأشرطة المصورة والرسائل الشخصية.‏
-نصوص منطقية استدلالية ومنها: النصوص العلمية والدروس والافتتاحيات والمحاولات والتقارير والرسائل المهنية.."(23) .‏
ومن البديهي أن القصة تندرج ضمن النصوص التي يغلب عليها الطابع القصصي، ومن المعروف أيضاً أن صاحب الريادة في تحليل هذا النوع من النصوص أو في نوع معين منها على الأصح هو "فلاد يمير بروب"، الذي توصل -اعتماداً على منهجية الشكلاني- إلى تحديد إحدى وثلاثين وظيفة.‏
ويعكس القول منذ البدء أن هذا الباحث قد خطا بالتحليل النقدي الأدبي خطوة كبيرة، أفاد منها اللاحقون كثيراً في مراجعة المنطلقات النقدية، والتدرج نحو بلورة رؤية نقدية تعيد إلى النص الأدبي أدبيته، وتنبه القارئ/ الناقد إلى التسلح بأدوات متطورة وإلى ضرورة نبذ التفسير الآلي والتبسيطية والابتذال. فبفضل جهود "بروب" ترسخت القناعة بأن النص بنية منسجمة، تتآلف عناصرها فيما بينها، ولا بد من معالجته على أنه وحدة واحدة لا تتجزأ إلا ليعاد تركيبها.‏
وتأكد أن الخطاب القصصي مرتبط ببنية أخرى ضمنية ثابتة ومحدودة، وأنه يمكن تركيب عدد غير محدود من النصوص القصصية بالاعتماد على مثال يوظف في استعمالات مختلفة.‏
وإن كان يعاب عليه أنه اقتصر على صنف قصصي معين، وبالتالي فإن النتائج التي توصل إليها قد لا يصلح تعميمها على كل ما يغلب عليه طابع قصصي. وإن الوظائف التي حددها تسير في اتجاه واحد، نحو نهاية غائبة، ثم إن في عمله اغفالاً لإحدى الخصائص الأساسية في النص القصصي والمتمثلة في البعد الذاتي والمحيط التاريخي والفكري والأدبي، لأن النص ليس وليد العدم بقدر ما هو حصيلة تراكمات نصية سابقة.‏
ولا شك أن نقاداً وباحثين من أمثال جينات وغريماس وغيرهما، قد استفادوا من جهود "بروب" إلى حد كبير.‏
1-الحكاية: ويقصد بها مجموعة الأحداث التي تجري في إطار زماني ومكاني معين.‏
2-السرد: وهو العملية التي يقوم بها السارد أو الراوي أو الحاكي، وتنتج عنها الحكاية والخطاب القصصي معا.‏
3-الخطاب القصصي: وهو النظام الاصطلاحي الذي يسمح بالتعبير، ويخول للسارد أن يورد حكايته.‏

هناك حقائق يؤكدها بعض الباحثين*)، وهي تتصل بطبيعة الواقع المتعدد المتنوع، والذي يسمح برؤية مجموعة من الأشياء والمناظر دفعة واحدة في لحظة زمنية واحدة وتتصل بطبيعة اللغة ذات البعد الأحادي الخطي، مما استدعى ضرورة ابتكار أبنية تحقق المعية، وابتكار حيل التتابع والتكرار. لأن أحادية البعد الزمني وخطيته لا ينبغي أن توهم بإمكانية التطابق السهل بينه وبين اللغة.‏
فما أكثر ما تكون المدة المعبر عنها في الخطاب أطول في الواقع، وما أكثر ما يكون الحدث الوارد في الخطاب قد تم بحركة أسرع من حركة الجملة.‏
فالزمن ليس واحداً في كل الأحوال والمستويات.‏
هناك زمن الحكاية أصلاً، حيث تخضع مجريات الأحداث لترتيب خاص، وقد تخضع لترتيب آخر في الخطاب القصصي وهو زمن الخطاب أو النص، ويمكن إضافة زمن ثالث يتعلق بالموقع الزمني للسارد بالنسبة للزمنين الَّلذين سبق ذكرهما.‏
وإذا لم يحافظ النص على الترتيب الزمني للحكاية كما في الأصل، فإن ذلك يؤدي إلى نوعين من التنافر الزمني:‏
أحدهما يحدث بفعل الإشارة إلى حدث لم يأت أوانه بعد، والثاني يحدث بسبب العودة إلى حدث سبق ذكره بغرض المقارنة أو الدعوة إلى تأويل جديد لبعض عناصر الحكاية، وقد اصطلح على تسمية النوع الأول السوابق والنوع الثاني اللواحق.‏
وفي علاقة الحدث بالرواية تظهر عدة مستويات، لا بد من أخذها في الحسبان عند تحليل النص القصصي.‏
ذلك لأن حدثاً واحداً قد يأتي مساوياً لرواية واحدة، وقد تتعدد الأحداث وتتعدد معها الروايات، وقد يروى الحدث الواحد أكثر من مرة تكراراً، وقد يروى مرة واحدة ما يحدث أكثر من مرة.‏

وللديمومة ظلها على النص ووظيفتها أيضاً، إذ قد تلخص فترة زمنية طويلة في جملة وأسطر قليلة فيكون- عندئذ- زمن النص أصغر من زمن الحكاية. والوصف قد يمثل حالة توقف، وتأمل لها وظيفتها الذاتية أو الموضوعية، مندرجة في السياق الزمني لأحداث الحكاية، أو خارجة عن إطارها في حالة ثبات. وقد يسقط الزمن نهائياً، إما لأنه ثانوي بالقياس إلى النتائج المنشودة، أو لأنه معروف ولا حاجة إلى ذكره، أو لإضفاء هالة أسطورية وتوفير بُعْدٍ جمالي وهو ما يعرف بالإضمار.‏
وللسرد القصصي زمنه ومستوياته ووظائفه.‏
أ-زمن السرد:‏
1-السرد التابع: وهو الذي يتعلق بذكر أحداث مضت قبل زمن السرد.‏
2-السرد المتقدم: وهو النوع الذي يستشرف ما سيأتي لاحقاً، يقوم بوظيفة استطلاعية.‏
3-السرد الآني: يكون معاصراً لزمن الحكاية، وقد يقتصر على سرد الحوادث، أو يختفي الحدث ليحل محله الحوار الداخلي.‏
4-السرد المدرج: وهو الذي يتدخل بين فترات الحكاية فيكون أكثر تعقيداً.‏
ب- مستويات السرد:‏
المستوى الأول، الابتدائي ويتمثل في كتابة قصة، ويتمثل المستوى الثاني في أن تروى حكاية داخل القصة.‏
ج-وظائفه:‏
العلاقة بين السرد من الدرجة الأولى والسرد من الدرجة الثانية، إما أن تؤدي وظيفة تفسيرية. بحيث تتضح حالة أو وضعية سابقة من خلال ما يسرد لاحقاً في استمرارية زمانية ومكانية.‏
وإما أن تبنى العلاقة على التباين أو المجانسة دون استمرارية مكانية - زمانية وتحضر هذه العلاقة في نص قصصي بغرض التوضيح والمقارنة والتشويق.‏

وأما السارد فإما أن يكون غريباً عن الحكاية، أو أن يكون متضمناً فيها، ويترتب على ذلك وضعيتان:‏
*وضعية يكون فيها الراوي بطل سرده.‏
*وضعية يلعب فيها دور الملاحظ أو المشاهد.‏
وتحدد وظائف السارد كالتالي:‏
-سرد الحكاية يقتضي وجوده أصلاً.‏
-التنسيق وظيفة ضرورية يقتضيها التنافر بالتقديم والتأخير والإدراج والربط بين المقطوعات القصصية والأحداث ومستلزمات الوصف وغيرها..‏
-الابلاغ: لأن النص القصصي من حيث هو رسالة مكتوبة يقتضي مرسلاً ومرسلا إليه وعملية إيصال.‏
-وظيفة انتباهية: قد تأتي عبارات محددة على لسان السارد وغرضها لفت الانتباه.‏
-وظيفة استشهادية: وتتم عندما يلجأ السارد إلى إثبات المراجع أو المصادر التي استقى منها معلوماته أو الأحداث التي هو بصدد الحديث عنها.‏
-وظيفة أيديولوجية أو تعليقية: والمقصود بها أن أن يستطرد السارد إلى تقديم تفسير ما أو تأويل يراه ضرورياً لمزيد من الإيضاح.‏
-وظيفة افهامية أو تأثرية: وهي تتجسد في محاولة اقناع المتلقي بمضمون الرسالة والسعي من أجل التأثير عليه لحمله على تبنيها والعمل لها "وتبرز هذه الوظيفة خاصة في الأدب الملتزم أوالروايات العاطفية"(24) .‏
-وظيفة انطباعية أو تعبيرية: وغالباً ما تتجسد هذه الوظيفة في أدب السيرة الذاتية والشعر الغزلي.‏
وإنه وإن كان هذا التصنيف قد اقتضته المنهجية المعتمدة في التحليل، إلا أنه يصعب الفصل - في تقديرنا- بين الوظيفة الأيديولوجية والوظيفة الافهامية التأثيرية.‏
ذلك لأن الأعمال المعتمدة على التحليل النفسي والتي جعلت نموذجاً للوظيفة الأيديولوجية، على أساس أنها تتطلب خطاباً تفسيرياً أو تأويلياً، لا تختلف بحكم هذه الوظيفة ذاتها عن أعمال توصف بأنها من الأدب الملتزم.‏
وربما كان مفهوم الالتزام، أيضاً صادراً عن تمييز خاطئ بين أدب ملتزم وآخر غير ملتزم، سواء كما فهمه "جون بول سارتر" وعرضه في كتابه ما الأدب؟)، أو كما أملاه وجود اتجاهين: رأسمالي واشتراكي، فإذا كانت الدلالة الاجتماعية هي الداعية إلى هذا التمييز أو الفصل، فإنه غير صحيح. لأن كل نص سيكون ملتزماً بتقديم مضمون ما، أو دلالة معينة، إنما الاختلاف يكمن في نوع هذا الالتزام وطبيعته.‏
"إن كل أدب هو- بالمعنى العام- أدب ملتزم، أي أدب معبر عن دلالة مؤثرة. وليس هناك أدب ملتزم وأدب غير ملتزم ..) ولكن تختلف معاني الالتزام وأبعاده باختلاف مضمون الأدب ودلالته المؤثرة"(25) .‏
ولقد أضاف "غريماس" أن النص القصصي عبارة عن مقطوعات قصصية، وأنه من الضروري أن ينطلق الباحث المحلل من هذه المقطوعات، وكل مقطوعة تتميز بأحداثها وبلغتها، وتقوم على مقياسين:‏
1-مجموعة متكاملة من الأحداث.‏
2-الأسلوب أو التعبير.‏
وعنده أن الملفوظات القصصية أنواع هي: البسيط والصيغي والوصفي والاسنادي.‏
ومما تقدم يمكن أن نخلص إلى الاستنتاجات التالية:‏
-النص الأدبي يتعامل مع اللغة بطريقة غير عادية ويجعل الأشياء المألوفة تبدو وكأنها غير مألوفة، الأمر الذي يميزه عن الكلام العادي وعن غيره من النشاطات.‏
-أدبية الأدب لا ينبغي أن تكون مدعاة لإلغاء المحيط التاريخي والاجتماعي والأيديولوجي، الذي يحضر في النص بصفة أو بأخرى.‏
-هذا البعد الواقعي- بدوره- لا يصح أن يصبح مبرراً لقراءة النص بمرجعه.‏
-النص القصصي- وإن هو انتمى إلى الحقل الأدبي - إلا أن له مميزاته الخاصة وقوانينه التي يمكن اكتشافها والتنظير لها.‏
-لكل واقع قصصي ثلاثة أبعاد هي: الحكاية والسرد والنص أو الخطاب.‏
-للحكاية زمنها وللنص القصصي زمنه، كما قد يكون للسارد زمنه أيضاً، وهذه الأزمنة تتداخل تقديماً وتأخيراً واندماجاً، ولكن في استطاعة الباحث القدير أن يفرز تشابكها ويحدد طبيعة كل منها.‏
-للسرد زمنه ومستوياته ووظائفه.‏
وإذا كان للقصصية تميزها داخل الحقل الأدبي، فإن للقصصية -أيضاً- حقولها الفرعية ولذلك لا بد من أن تؤخذ هذه الأدوات النقدية المبتكرة سواء لدى "جينات" أو "غريماس" أو"بروب" قبلهما بشيء من الحيطة والاحتراز حتى لا تطبق تعسفا على كل النصوص التي يغلب عليها الطابع القصصي بنفس القولبة.‏
وما عرض في الصفحات السابقة من آراء الباحثين الثلاثة، قد ورد مفصلاً ومبسطاً في مرجع سبقت الإحالة إليه وهو مدخل إلى نظرية القصة) الذي أخذنا منه أكثر من غيره.‏
(1) -العيد يمنى): الدلالة الاجتماعية لحركة الأدب الرومنطقي في لبنان بين الحربين العالميتين -دار الفارابي- بيروت 1979 ص68.‏
(2) -العالم محمود أمين): ملاحظات حول نظرية الأدب وعلاقتها بالثورة الاجتماعية -وزارة التعليم العالي- الشركة الوطنية "الشعب الصحافة"، ص21.‏
(3) -بيلينسكي فيساربون غريغوريفتش): نصوص مختارة. ترجمة يوسف حلاق- منشورات وزارة الثقافة والارشاد القومي- دمشق 1980 ص48.‏
(4) -بليخانوف جورج): الفن والتطور المادي للتاريخ- ترجمة جورج طرابيشي- دار الطليعة- بيروت ط1 -نوفمبر 1977، ص41.‏
(5) -فيشر أرنست): ضرورة الفن -ترجمة ميشال سليمان- دار الحقيقة- بيروت 1965-، ص16.‏
(6) -العيد يمنى): في معرفة النص- منشورات دار الآفاق الجديدة- ط1-1983-ص18.‏
(7) -بارت رولان): درجة الصفر للكتابة- ترجمة محمد برادة- الشركة المغربية للناشرين المتحدين- دار الطليعة- بيروت -ط1 أكتوبر 1981.‏
(8) -تشيرنشفكي ن،غ): علاقات الفن الجمالية بالواقع- ترجمة يوسف حلاق- منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي- دمشق 1983 ص125.‏
(9) - دراج فيصل): الأدب والأيديولوجيا -مجلة الطريق- العدد 5- تشرين الأول- اكتوبر 1979-ص45.‏
(10) -المرجع السابق ص45.‏
(11) -البنيوية التكوينية والنقد الأدبي -مراجعة الترجمة- محمد سبيلا- مؤسسة الأبحاث العربية- ط1-1984-ص عن مقال: "البنيوية التكوينية ولوسيان غولدمان لـ بون باسكاري" ترجمة: محمد سبيلا، ص43.‏
(12) -المرجع السابق: ص48.‏
(13) -مروة حسين): دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي- دار الفارابي- بيروت- لبنان- ط2- 1967- ص299.‏
(14) -العيد يمنى): في معرفة النص- ص66.‏
(15) -مرزوقي سمير)، شاكر جميل): مدخل إلى نظرية القصة- الدار التونسية للنشر- ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر -ص118.‏
(16) -دراسات لغوية في ضوء الماركسية -ترجمة "ميشال عاصي"- دار ابن خلدون- ط1- 1979-ص10.‏
(17) -نفسه: ص27.‏
(18) -Vigner Gerar) - Didactique des langues étrangéres (1) lire= du texte au sens, éléments pour un apprentissage et une enseignemenl de la lecture.‏
collection dirigée par Robert Galisson 1979- p12.‏
(19) -العيد يمني): في معرفة النص ص75.‏
(20) -بارت رولان): درجة الصفر للكتابة -ص35.‏
(21) -العالم محمود أمين): الثقافة والثورة -دار الآداب- بيروت ط1- اكتوبر 1970- ص326.‏
(22) -بارت رولان) درجة الصفر الكتابة- ص9.‏
(23) -Vigner Gerard) lirerd= du rexte au sens- page‏
*) -راجع Kerloc,k Jean pierre) Bourrelier Armand- Colin) La reconstitution du texte methode structurale- imprimerie Nouvelle orléans- 2e- édition- 1980.‏
(24) -مرزوقي سمير):[شاكر جميل)] مدخل إلى نظرية القصة - ص110.‏
(25) -العالم محمود أمين) ملاحظات حول نظرية الأدب وعلاقتها بالثورة الاجتماعية- ص20.‏
داليا الهواري
21-03-2007, 01:36 AM
الفصل الثاني القصة القصيرة في الجزائر نشأتها وتطورها)
كلما أراد الباحث أن يخوض في البحث عن أصول الفن القصصي ومنه القصة القصيرة، يصطدم بعقبة تحيلهُ إلى عقبات، وقد يخرج في نهاية المطاف بنتائج لا تقنع الجميع.
فالبحث في هذه الأصول، غالباً ما يتجه نحو التركيز على ظاهرة القص التي هي ظاهرة بارزة في هذا الفن.
ذلك ما يفسر ظاهرة العودة إلى العصور القديمة لتقصي جذور هذا الفن في النوادر والملاحم والقصص الشعبي وأحاديث السمر والمغازى والكتب السماوية، وخاصة التوراة والانجيل والقرآن.
وإذا كان البحث مشوبا بشيء من الذاتية، ونفخ فيه الباحث من روحه السياسي/ الايديولوجي، وربما العرقي، فإن الأصل سينسب إلى أمهٍ محددة.
فما أكثر النشاطات الإنسانية التي حصرتها المركزية الأوربية في أوروبا، وما أكثر النشاطات التي حصرت في الشرق برد فعل المركزية الشرقية.
ولا تخلو البحوث العربية من محاولات كثيرة لتلمس جذور القصصية في الأدب شعراً ونثراً.
ولقد كان للعرب- حقاً- نوادرهم- وأساطيرهم ومغازيهم وقصصهم وجاء القصص القرآني ليؤكد رسوخ القص ويزيده تنشيطاً.
ولم يكتف العرب المسلمون بما هو متوارث لديهم من انتاجهم، بل نشطت حركة الترجمة مع ظهور التدوين واهتموا بنقل القصص الهندي والفارسي. وظهر في ظل الدولة العربية الإسلامية من الأعمال القصصية، ما كان له تأثير واسع عميق في الكتابة الأدبية في العالم وعلى مر العصور.
ولكن هناك من يريد أن يكون أكثر صراحة وحسماً في نسبة النشأة الأولى للقصة القصية إلى أرض العرب فيقول:
"والغريب في الأمر أنه بينما تستمد القصة القصيرة العربية- بشكل عام- والسورية- بشكل خاص- أصولها وملامحها من القصة الأجنبية، التي رسخ دعائمها كل من ألن بو، غوغول، موباسان وتشيخوف) فإن أول ميلاد للأدب القصصي في العالم كان من أرض العرب"(1) .
ويضيف الباحث نفسه في موضع آخر محدداً:
"إن نوادر جحا كانت إذن البدايات الحقيقية لفن القصة القصيرة"(2) .
وإذا كانت Nouvilia) الايطالية وNouvellen) الألمانية وNews) الانجليزية، كلها تعني الأخبار الحديثة التي لم يمر عليها زمن طويل، وإذا كانت Nouvelle) الفرنسية تعني القصة، والمصطلحات: كلمة حكاية العربية)، وكلمة Conte) الفرنسية، وكلمة) Tale الانجليزية تعني جميعها سرد مغامرات لا تستند على الواقع الحياتي للإنسان، وإنما على الخيال والأساطير وتهدف إلى التسلية"(3) "فإن الذي نخلص إليه هو أن مصطلح القصة القصيرة، نقل عن المصطلح الانجليزي Short Story)، وعن المصطلح الفرنسي) Nouvelle) وهما- في رأينا- اسمان لمصطلح واحد ومدلول واحد"(4) .
ويذكر أن بدايات القصة القصيرة من حيث الحجم لا من حيث الشكل الفني المكتمل في تاريخ الآداب الغربية، كانت قد ظهرت.
"في القرن الرابع عشر في روما داخل حجرة فسيحة من حجرات قصر الفاتيكان، كانوا يطلقون عليها اسم "مصنع الأكاذيب" اعتاد أن يتردد عليها في المساء نفر من سكرتيري البابا وأصدقائهم للهو والتسلية وتبادل الأخبار.. وفي مصنع الأكاذيب هذا كانت تخترع أو تقص كثير من النوادر الطريفة عن رجال ونساء ايطاليا بل وعن البابا نفسه مما دعا الكثيرين من الأهالي إلى التردد على هذه الندوات حتى لا يهزأ بهم في غيبتهم"(5) .
ويرى البعض أن ظهور شكل القصة القصيرة، بدأ بعدة محاولات، و"يرجع إلى العصور الوسطى حيث ظهرت محاولات لأشخاص أمثال "بوتشيو" في "الفاشيتيا" و"بوكاشيو" في "قصص الديكاميرون" وتشوسر" في "حكايات كانتربرى"(6) .
وهكذا استمر فن القصة القصيرة في التطور إلى أن اكتمل نضجه على أيدي الرواد المعروفين.
"ادجار الان بو في أمريكا سنة 1809 إلى سنة 1849م) وجي دي موباسان في فرنسا من سنة 1850 إلى سنة 1893م) وانطوان تشيكوف في روسيا من سنة 1860 إلى سنة 1904م)(7) .
وفي الواقع لا يخلو تراث أي أمة من الظاهرة القصصية، ولا يقتصر وجودها على الكتب المقدسة، وإنما توجد في معظم الأشكال الأدبية "رسمية" و"شعبية" فإذا اتخذت القصصية في ذاتها مقياسا للتدليل على نشأة القصة القصيرة أوالرواية في هذا الأدب أو ذاك، فإن كل عرق سيجد ضالته في تراثه.
ولذلك فإن المنطق المعقول يقتضي أن تكون فترة النضج واكتمال الشكل الفني هي بداية التأريخ الحقيقي.
وهذا لا يتناقض مع أن كاتباً ما يتمكن في لحظة معينة، وبفضل عوامل مختلفة أن يعصر التراكمات السابقة من الثقافة والمعرفة الأدبية فينشيء نموذجاً جديداً، ويأخذ مواصفاته من كل ما سبق ليختلف عن كل ما سبق.

وإذا ما تأملنا الفنون الأدبية المختلفة فسنجدها -تخضع جميعها إلى هذه القاعدة.
وبالنسبة للقصة القصيرة بالذات يجمع أغلب الدارسين والنقاد على أن نشأتها، كانت في القرن التاسع عشر على يد الأمريكي "ادجار ألان بو"، ثم ساعد حجمها واحتضان الصحافة لها على أن تنتشر في سائر أنحاء العالم بسرعة قلما توفرت للأشكال الفنية، خاصة أن الموضوعات سريعة التطور بحكم التأثير التاريخي المباشر فيها، بعكس الأشكال التي يعرف عنها أنها بطيئة التطور ميالة إلى المحافظة.
ولنا في الشعر العربي العمودي مثال واضح يؤكد هذه الظاهرة، إذ استمر يعانق مستجدات الحياة ويحتضن مايطرحه الواقع المتطور فترة طويلة من الزمن قبل أن تصبح الحاجة إلى ابتكار شكل شعري جديد أمراً ملحاً.
وللنقد دور كبير في هذا البطء. فلعل "الخليل بن أحمد الفاراهيدي "لما أحصى البحور والأوزان التي سار عليها الشعر العربي حتى عهده، وما كان يقصد أن يجعلها قوانين أبدية، تصلح لكل زمان ومكان. لكن الذين رسخوا هذا الاعتقاد هم أولئك الذين اتكأوا على عمله وجعلوا منه قواعد نهائية.
انطلق "ادجار ألان بو" في تعريفه القصة القصيرة من وحدة الانطباع، ومن أنها تقرأ في جلسة واحدة. ورأى "سومرست موم" أنها قطعة من الخيال وركز "فورستر" على الحكاية، واعتمد "موزلي" على عدد الكلمات.
وقال "هيدسون" أن ما يجعل عمل الفنان قصة قصيرة هو الوحدة الفنية. "ويرى" شكري عياد" أنها تسرد أحداثاً وقعت حسب تتابعها الزمني مع وجود العلية"(8) .
بينما يلتقي الناقد الارلندي فرانك أكونور Frank acoonor) مع "حسن اليافي" في جعلها أشبه بالقصيدة الشعرية من حيث "التغني بالأفكار والوعي الحاد بالتفرد الإنساني"(9) .
وإذا نحن أمعنا النظر قليلاً في كل هذه التعريفات، فإننا سنجد كلاً منها يستند إلى واحدة أو أكثر من خصائص القصة القصيرة، ليستنتج منها تعريفاً شاملاً. فوحدة الانطباع أو القصر المعبر عنه بعدد الكلمات أو بالقراءة في جلسةٍ واحدة، أو الحكي أو الشاعرية كلها مميزات لا تخلو منها القصة القصيرة.
فإذا كان لا بد للتعريف من أن يتأسس على الخصائص، فالأجدر أن يكون جامعاً.
لأن وحدة الانطباع في حد ذاتها مسألة نسبية، قد لا تختص بها القصة القصيرة وحدها.
فهي أثر تتركه النادرة والنكتة والخاطرة والقصيدة الشعرية ولم لا تتركه الرواية أيضاً في ذهن قارئ يستوعب النص ويتمكن من تحريكه في رحابة ذهنية طيعة؟
وعدد الكلمات قضية جزئية بالقياس إلى البنية الفنية، وقد نصادف أعمالاً في حجم القصة القصيرة من حيث عدد الألفاظ، وربما تنسب إلى الرواية أسبق من القصة.
لا شك أن التركيز والتكثيف يمكنان من القبض على لحظة حياتية عابرة، ولا يسمحان بتسرب الجزئيات والتفاصيل، ويحتم هذا الموقف على الكاتب أن يستغني عن كل ما يمكنه الاستغناء عنه من الألفاظ والعبارات، وكل ما من شأنه أن يثقل النسيج القصصي ويبدو حشواً يرهل النص ويضعف أثره الجمالي.
أما كونها قطعة من الخيال، فذلك أمر بديهي. إلا أن الأكثر بداهة هو ألا يكون عنصر الخيال خاصية في القصة القصيرة دون غيرها.
إذ الخيال قوام كل عمل أدبي ناجح، وفي غيابه لا معنى للحديث عن أدب. هكذا يتبين أن الاعتماد على خاصية واحدة لتعريف القصة القصيرة- ولو أن الخاصية أبرز من غيرها- يظل يشوبه النقص ولا يفي بالغرض المنشود. ولعل الباحث المغربي "أحمد المديني "قد شعر بقصور كل واحد من التعريفات السابقة مأخوذة على حدة، فقال موفقاً بينها جميعاً:
"وبالاجمال نستطيع القول، أن القصة القصيرة تتناول قطعا عرضياً من الحياة، تحاول إضاءة جوانبه، أو تعالج لحظة وموقفاً تستشف أغوارهما، تاركة أثراً واحداً وانطباعاً محدداً في نفس القارئ وهذا بنوع من التركيز والاقتصاد في التعبير وغيرها من الوسائل الفنية التي تعتمدها القصة القصيرة في بنائها العام، والتي تعد فيها الوحدة الفنية شرطاً لا محيد عنه، كما أن الأقصوصة تبلغ درجة من القدرة على الإيحاء والتغلغل في وجدان القارئ كلما حومت بالقرب من الرؤية الشعرية"(10) .
هذه الخصائص توجد في معظم الكتب التي تعرضت لبحث موضوع القصة القصيرة وسنعتمد فيما يلي على ثلاث عينات، من الكتب لـ "المعاصرة" في محاولة للإحاطة بما تتفق وتختلف فيه حول مميزات هذا الفن. وهي:
1-التطور الفني لشكل القصة القصيرة في الأدب الشامي الحديث لنعيم اليافي.
2-فن القصة القصيرة بالمغرب، لأحمد المديني.
3-القصة الجزائرية القصيرة، لـ "عبد الله ركيبي".
هذا الترتيب المقصود، يبين مواطن الاتفاق والاختلاف في تحديد ما يسميه "نعيم اليافي" معالم القصة القصيرة، ويدرجه "أحمد المديني" في تطور بنائها، بينما يتعرض له عبد الله الركيبي على أنه يشكل "سمات" القصة القصيرة.
وفي بعض الحالات تتكرر بعض "المعالم" بدون مبرر، فالذي يسميه "نعيم اليافي" وحدة الانطباع، يكون بالنسبة للمتلقي، أو بتعبير آخر، أنتج هذا المصطلح انطلاقاً من الأثر الذي تتركه القراءة في ذهن القارئ. لكن وحدة الانفعال تكون بالنسبة للمنتج نفسه، خاصة وأن هذا المعلم هو الذي يجعل القصة القصيرة قريبة من القصيدة الشعرية ولا نجد فرقاً بين ما يسميه التوازن بين العناصر وبين التناسب أو التوقيت. لأنه، إذا كان النسيج القصصي متماسكاً مبنياً بنجاح، فإن العناصر المكونة له لا بد أن تستقر في حالة ما، لا بد أن تتزامن.
ولا يمكن الفصل بين ائتلاف العناصر المادية/ اللغة، واللحظة الزمنية التي يتحقق فيها ذلك الائتلاف.
كما يصعب التسليم بما يذهب إليه "أحمد المديني" من أن الحكاية تلغى ويفقد المعنى. ولا فرق بين اختلال تسلسل الوحدات وبين تداخل الأزمنة. ولا مبرر لأن تورد كل واحدة منهما مستقلة عن الأخرى، لأن الاختلاف هو ذاته التنافر الزمني.
هذا الذي نميل إلى تسميته بالأدوات الفنية، يستخدم بتفاوت بين الكتاب، وبتفاوت أيضاً لدى الكاتب الواحد، من عمل إلى آخر.
وليس المطلوب من كاتب القصة القصيرة أن يستخدم كل هذه الأدوات في أي عمل يقدم عليه، وإنما يكفي أن يفهم طبيعة هذا الفن ومميزاته من حيث البناء، ثم يكفيه أن يحتال "فنياً" بواسطة التنافر الزمني أو أن يجعل التداعي ركيزة أساسية أو الرمز أو الشاعرية أو الحكاية ذاتها.
لا خلاف في أن من أوتي القدرة على أن يوفر لعمله أكبر حظ من هذه التقنيات، سيكون عمله أغنى وأكثر خصوبة، على ألا يتم ذلك بفعل الصنعة والتلفيق.
ولقد شهدت الساحة الأدبية العربية محاولات كثيرة أرادت أن تمتطي موجة الشعر "الحر"- وهو شعر التفعيلة على الأصح- فعمدت إلى رصف الكلمات والأشطر لإدعاء الشاعرية والتجاوز، بينما لم تكن في واقع الأمر سوى أصوات متطفلة لا علاقة لها بالإبداع. فلا غرابة أن توجد الظاهرة نفسها في أوساط من يتهافتون على كتابة القصة القصيرة.
أسباب تأخر ظهورها:
أ- تأخر ظهورها في المشرق العربي:
من المسلم به اليوم، كما كان دائماً، أن العلاقة بين المشرق والمغرب العربيين لم تنقطع أبداً منذ الفتوحات الإسلامية.
وإذا لم يقتصر التأثر والتأثير على المجال الأدبي فلعله في هذا المجال والمجال الديني أقوى وأعمق.
ولذلك فإن تأخر ظهور القصة القصيرة في المغرب العربي عامة وفي الجزائر بصفة خاصة، يعود أيضاً إلى تأخر ظهورها في المشرق العربي.
ففي المشرق العربي برزت منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر مظاهر التأثير الأجنبي الغربي، حيث لعبت الكنيسة الأرثوذوكسية دوراً كبيراً في حركة التبشير عن طريق البعثات.
وتأسست الإرسالية الأمريكية سنة 1886، قبل أن تتحول فيما بعد إلى ماعرف بالجامعة الأمريكية في لبنان.
في هذه المرحلة التاريخية كانت منطقة الشام تتأهب للدخول في عصر جديد، فأخذت الطبقة الإقطاعية تضعف تدريجياً وتفقد مواقعها أمام النمو المتزايد للطبقة الوسطى المتعطشة إلى الاستفادة من منجزات الغرب، في كل الميادين، ومنها الميدان الثقافي والأدبي.
فسارعت إلى إنشاء الصحف وبناء المدارس والاهتمام بالكتاب طبعاً ونشراً و توزيعاً، ليس لأغراض علمية ومعرفية محضة، ولكن -أيضاً- لأنها أصبحت تجارة رائجة مربحة.
ولقد لعب النصارى المسيحيون دوراً مهماً في تعميق الاحتكاك بين العرب وغيرهم، خاصة وأنهم كانوا في الغالب يحسنون أكثر من لغة.
ويورد الدكتور "نعيم اليافي" أن من مميزات الصحافة في الشام، أنها اهتمت بالأدب منذ انطلاقتها بخلاف الصحافة المصرية التي ركزت على الناحية العملية والعلمية.
وبالرغم من أن ترجمة القصة القصيرة قد أخذت مسار ذا اتجاهات ثلاثة:
الأول باتجاه الترجمة عن اللغة الفرنسية. والثاني: باتجاه الترجمة عن اللغة الإنكليزية منذ نهاية القرن التاسع عشر، من خلال جهود "نسيب شعلاني" في مجلات الضياء فتاة الشرق، المورد الصافي).
والثالث باتجاه الترجمة عن اللغة الروسية من خلال "خليل بيدس" في مجلة "النفائس العصرية".
إلا أن البدايات لم تكن مبكرة لأنه:
ومنذ سنة 1870 وهي السنة التي صدرت فيها "الجنان" وجدنا أن أول قصة قصيرة مترجمة عن الأجنبية كانت عن الفرنسية وتكاد المجلة تتجه هذا الاتجاه الفرنسي الخالص، فقد ترجمت أكثر من ثلاث عشرة قصة قصيرة عن الفرنسية طول فترة صدورها، وعندما احتجبت كان علينا أن ننتظر حتى نهاية القرن لنرى مجلة أخرى كالضياء تفرد للترجمة عن الفرنسية صدرها وإنما ترحب بها جنباً إلى جنب مع القصص المترجمة عن بقية اللغات"(11) .
فإذا كانت هذه هي حال المشرق العربي في اتصاله بفن القصة القصيرة، وهو الذي كان سباقاً، فكيف بالمغرب العربي، وخاصة الجزائر التي أراد الاستعمار الفرنسي أن يجعل منها جزيرة معزولة عن العالم العربي؟.
ب- سيطرة الفكر السلفي:
أشرنا في موضع سابق أوباختصار شديد، إلى أن سيطرة الفكر السلفي لا يصح النظر إليها من زاوية واحدة ولو اختلفت الظروف.
ذلك لأن الفكر السلفي في فترة البعث والإحياء، كان يشكل درعاً يتصدى به "الأهالي" للغزو الثقافي الاستعماري الذي اشتدت موجاته في القرن التاسع عشر.
والفكر السلفي الذي كان يتغذى من الكتاتيب والمساجد والزوايا، وكان يلعب دوراً مزدوجاً، فهو يعود إلى الماضي ويتمسك به ليتحصن ضد الثقافة الاستعمارية الدخيلة، خاصة وأن هذه الثقافة قد عمدت في كثير من الأحيان إلى محاربة الدين الإسلامي عن طريق الحملات التبشيرية، مما يجعل رد فعل السكان المحليين عنيفاً.
إن العودة إلى التراث كانت عند بعضهم ملجأ يهربون إليه إذا ماضاقت بهم السبل وكانت عند بعضهم الآخر سلاحاً يشهر في وجه العدو، هذا العدو الذي يسعى إلى طمس هوية الشعب المغلوب.
ثم إن هذه المحافظة نفسها، على التراث والثقافة القديمة، تعني المحافظة على مراكز اجتماعية معينة. إذا لم يكن الاهتمام بالكتاتيب والمساجد والزوايا خاصة، اهتماماً مجانياً أو خالصاً للعلم والمعرفة بالنسبة لجميع المهتمين، بل كانت تدر على القائمين عليها كثيراً من الهدايا والأموال والصدقات والأوقاف.
والفئة التي جعلت الثقافة تلعب هذا الدور الأخير، حرصت - فيما بعد- على مايضمن لها مركزها الاجتماعي، وهو عدم المساس بالمستعمر مادام هو لا يمس مصالحها.
لقد عقدت شبه هدنة بين الغالب والمغلوب، وهو مايفسر تعامل كثيرين منهم مع الاستعمار.
وكان ينمو في أحشاء هذا الاتجاه، اتجاه آخر اصطلاحي جنيني، نابع من التفاوت الطبقي والظلم الاجتماعي، وكان يعبر عن آمال الفئات المتوسطة والفقيرة، وينادي بالرجوع إلى أصول الإسلام الصافية.
فأنصار هذا الاتجاه أصبحوا يدركون بأن العقيدة الدينية، طغت عليها العادات، وأثقلتها الخرافات، وحان الوقت ليقلع الناس عن الجهل الذي كاد أن يؤدي بهم إلى عبادة "أولياء" من دون الله، ولا منقذ لهم إلا العودة إلى أصول الدين ومنابعه الصحيحة.
هذا الاصلاح الجنيني كان رائده، الشيخ "محمد طفيش" الذي ولد عام 1818 وتوفي 1914.
وظهرت ثمرة جهوده في أنه خلف مجموعة من التلاميذ بقوا أوفياء له، ومن أبرزهم "إبراهيم بيوض" والشاعر "أبو اليقظان" اللذان شاركا في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
إلا أن الاتجاه السلفي مهما تمايز، بقي في المجال الأدبي يعزف على نفس الوتر التقليدي.
لذلك جعلوا الشعر يحتل الصدارة في اهتماماتهم الأدبية والنقدية معتمدين على مقاييس قديمة لا إبداع فيها سوى مايتعلق بالموضوعات الجديدة التي فرضها واقع القرن العشرين ومتطلباته حركة التحرر الوطنية، وما تستلزمه الروح الإصلاحية في توظيفها الأدب لخدمة أهدافها.
أما ماعدا ذلك فلا يعدو أن يكون اجتراراً للأحكام اللغوية الجاهزة والنظرة التجزيئية والاحتفال الزائد بالوزن والقافية واتخاذ الماضي مقياساً في كل شيء. وإن دعا "رمضان حمود" ثم "أحمد رضا حوحو" بعده إلى التجريد، أو عبر كل منهما عن ضيقه من القيود إلا أن دعوتهما لم يكن لها صدى وضاعت في زحمة التيار السلفي المتشدد وفرعه الإصلاحي الذي لم يكن اهتمامه بالأدب إلا من حيث هو وسيلة للإيقاظ وشحذ الهمم قبل كونه متعة وجمالاً.
ج- التخلف الثقافي العام:
لم يكن في صالح الاستعمار أن يشجع على الثقافة والعلم، بل كان حريصاً على بقاء الأمية وانتشار الجهل.
وبمحاربته اللغة العربية، حارب آدابها، ليس فقط طمعاً في أن يحل اللغة الفرنسية محلها ولكن -وهذا أهم- لأن اللغة العربية وماترفده لصيقة بالدين الإسلامي، وتشكل ركيزة أساسية في هوية الشعب الجزائري. وإذا ماعمد المستعمِرون بكسر الميم) إلى العناية بالتعليم، فما ذلك إلا بهدف تكوين الموالين له من المتعلمين والمثقفين وإيهامهم بإمكانية ادماجهم في المجتمع الفرنسي وهويته، وهي إمكانية لم يؤمن بها الاستعمار ولم يصدقها يوماً، وكان من أسباب نجاحه أنه وجد من يصدقها ويتبعها. ولعل الاتجاه الاندماجي أن يكون من أبرز النتائج التي حققتها "المركزية الأوروبية" لأن أنصار هذا الاتجاه عبروا عملياً عن انبهارهم ببريق الحضارة الأجنبية الوافدة إلى حد الدعوة إلى القطيعة مع الموروث ومع الماضي.
واقتنعوا فعلاً بأن الخلاص لا يتم إلا بنبذ القديم والتعلق بالجديد الآتي من وراء البحر.
وكان هؤلاء محل سخرية عند المحافظين، لا يرون فيهم سوى مقلدين ممسوخين، وتبنيهم الثقافة الأجنبية بديلاً عن الثقافة المحلية/ الوطنية وزواجهم من نساء أجنبيات لا يعدو أن يكون من باب تقليد المغلوب للغالب.
وقد سخر "أحمد رضا حوحو" في بعض كتاباته من الزواج بالأجنبيات، كما نظم الشاعر الأمين العمودي أبياتاً تلخص "نظرة المحافظين" وموقفهم من ظاهرة الزواج هذه فقال في الدكتور "سعدان" الذي كانت زوجته فرنسية وكان له معها طفل يسمى صالحاً:
حي الطبيب لا تمهل قرينته
فهو سليمان ، والمادام بلقيس

له غلام أطال الله مدته
تنازعت العرب فيه والفرنسيس

لا تعذلوه إن خان ملته
فنصفه "صالح" والنصف "موريس")

ولا نجد أحسن تعبيراً وأدقه عن الوضع الثقافي المتخلف، ما كتبه "جون بول سارتر"، إذ يقول:
"أردنا أن نجعل من إخواننا المسلمين، شعباً من الأميين. ويبلغ عدد الجزائريين الأمين 80%. وقد كان الأمر يهون لو أننا لم نحرم عليهم استعمال لغتنا.. ولكن متطلبات النظم الاستعمارية أن يحاول سد طريق التاريخ على المستعمرين.
ولما كانت المطالب القومية في أوروبا تعتمد دائماً على وحدة اللغة، فقد حرم على المسلمين استعمال لغتهم بالذات.
إن اللغة العربية تعتبر في الجزائر لغة أجنبية منذ عام 1830 إنهم مايزالون يتحدثون بها. ولكنها كفت عن أن تكون لغة مكتوبة إلا بالقوة لا بالفعل، وليس هذا كل شيء.
فإن الإدارة الفرنسية قد صادرت دين العرب لكي تبقيهم في التجزئة والتفتت وهي تختار رجال الدين الإسلامي من بين عملائها، وقد حافظت على أحط أنواع الخرافات التي تفرق بين الناس ....).
إنها تحرصُ على عدم انتشار الثقافة وتحافظ على معتقدات الإقطاع...".(12)
هذه صورة حية بشهادة مثقف وفيلسوف كبير من جنسية فرنسية وأصل فرنسي، تؤكد أن السيطرة الاستعمارية كانت عاملاً قوياً -إن لم يكن الأقوى- في انتشار الأمية والجهل، وعقبة أولى في طريق التقدم الثقافي والعلمي.
د- ضعف النقد والترجمة:
لم تعرف الساحة الأدبية في الجزائر خلال النصف الأول من هذا القرن حركة نقدية جديرة بهذه التسمية.
ويعود ذلك إلى جملة من العوامل لعل من أهمها:
القمع الاستعماري وسيادة الاتجاه التقليدي، يضاف إلى ذلك أن المتنورين أنفسهم من المثقفين سواء بالعربية أو بالفرنسية انصب اهتمامهم على المجال السياسي قبل غيره.
وإن الاتجاه التقليدي نفسه لم يرث قدراً كافياً من التراث العربي القديم في الأدب والنقد بسبب العداء وانتهاج سياسة الإقصاء التي مورست ضد اللغة العربية من قبل الأتراك والفرنسيين معاً.
والصحافة الوطنية لم تلعب دوراً مشجعاً -بما فيه الكفاية- للأدب والنقد، ورغم أن ظهورها كان مبكراً نسبياً ظهرت الصحافة المكتوبة بالفرنسية منذ الاحتلال وظهرت الصحافة المكتوبة بالعربية وذات التوجه الكولونيالي سنة 1847، وهي جريدة المبشر).
أما بالنسبة لحركة النشر، فزيادة على كونها ضعيفة، قد اهتمت بنشر الكتيبات الدينية وطبع جرائد ومجلات الحركة الإصلاحية بالدرجة الأولى.
ويبدو أن الموقف من الاستعمار قد فصل بشكل واضح بين المثقفين بالعربية والمثقفين بالفرنسية، وكانت الفئة الأولى في الغالب الأعم ممن لا يعرفون غير العربية، الأمر الذي لم يمكنهم من الاستفادة من النقد الأدبي الفرنسي.
"وتجسد النقد في جرائد جمعية العلماء المسلمين من خلال مجموعة من النُقَّاد الإصلاحيين وفي مقدمتهم الشيخ البشير الإبراهيمي وعبد الوهاب بن منصور، وأحمد بن ذياب وحمزة بكوشة وعبد الرحمن رحماني ومحمد الجيجلي، ومحمد الكبوش وأحمد رضا حوحو وغيرهم... غير أن هؤلاء ركزوا جهودهم على المقال الأدبي الذي كان له طابع سياسي إصلاحي ديني ورأوا أن الفن يتجدد عندهم باللغة والأسلوب، والفكر يتجدد بالإسلام وعلوم الدين والثقافة- بالتراث والقومية بالعروبة".(13)
ولم يعن الجزائريون بالترجمة أيضاً ، لا لأنهم ورثوا تقليدياً اعتداداً زائداً بأدبهم العربي وبالشعر منه خاصة، بل -أيضاً- لأنهم كانوا يعملون لأجل القطيعة مع كل ماهو فرنسي.
هكذا لم نشهد حركة تتجه نحو الترجمة عن اللغات الأجنبية، كما رأينا في منطقة الشام منذ نهاية القرن الماضي، وحتى ماترجم في هذه المنطقة أو في غيرها من البلدان العربية، لم يكن يصل إلى الجزائر بفعل الحصار الذي ضربه الاستعمار على البلاد.
نظراً لهذه الأسباب وغيرها مما لم نذكره إن وجدت، تأخر ظهور القصة القصيرة.
ولأنها فنٌ جديد تقتضي نشأتها - فضلاً عن تطورها وازدهارها- محيطاً جديداً اجتماعياً وثقافياً، فلا غرو أن تنمو نمواً بطيئاً متأرجحة بين القصصية والمقال الإصلاحي تارة وبين القصة والصورة القصصية تارة أخرى، قبل أن تطالها رياح التجديد.
نتعرض فيما يلي إلى ما نعتبره من أهم العوامل التي ساعدت على نشأة القصة القصيرة وتطورها، قبل الاستقلال.
والفصل بين هذه العوامل ليس سوى طريقة تقتضيها ضرورة الترتيب المنهجي لأنها في جوهرها مترابطة متشابكة يحدث فيها من التأثر والتأثير المتبادلين مايصعب معه القول بأسبقية هذا العامل أو ذاك.
ولكن يبدو لنا أن الحركة الوطنية، كانت عاملاً وكانت في الوقت نفسه الإطار العام الذي انصهرت فيه بقية العوامل وتمحورت حوله.
داليا الهواري
21-03-2007, 01:38 AM
- الحركة الوطنية:
منذ عشرينيات هذا القرن أخذت الحركة الوطنية في التبلور والنضج فأخذت تخطو نحو التنظيم، وظهرت الأحزاب بدءاً "بنجم شمال افريقيا" الذي أنشئ في 1926، ثم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931، ثم الحزب الشيوعي سنة 1936 ثم حزب الشعب سنة 1937، وكان امتداداً جديداً لنجم شمال افريقيا وتحول إلى حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1946، ثم أحباب البيان والحرية سنة 1944، الذي أصبح الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري سنة 1945.
وبغض النظر عن النشاط السياسي الذي هو المجال الأول لهذه الأحزاب، إلا أن الوجه السياسي كان يخفي وراءه أبعاداً ثقافية وحضارية عميقة، أو يمكن القول إن الظاهرة الفكرية والثقافية، حكمت الظروف أن تتجلى في البعد السياسي.
ونرى من الأفيد أن نورد جرداً لأهم المحطات التاريخية التي مرت بها الحركة الوطنية، والتي لا نشك أنها كانت العصب الرئيس لسائر النشاطات:
ولو أنها تبدو مقحمة بسبب أن الموضوع هو القصة القصيرة.
1907- 1908 - إنشاء الفيدرالية الجزائرية للحزب الاشتراكي.
1910- اضراب عمال الميناء في سكيكدة وعنابه. وقد نظم المضربون موكباً يتقدمه علم آخر وبه نجمة وهلال.
1914: - قصف البواخر الحربية الألمانية لموانئ سكيكدة.
- انتفاضة بني شقران.
1916:- في بداية هذا القرن العشرين، سنشهد أشكالاً جديدة من المقاومة ضد الاستعمار. وتتمثل في تطور ما يشبه حرب العصابات. من ذلك ماقام به "بوزيان القلعي" في غرب البلاد و"ابن زلماط في الأوراس.
- انعقاد مؤتمر رابطة حقوق الإنسان في باريس. حيث برز مبدأ "حق الشعوب في تقرير مصيرها".
1917:- قيام الثورة الاشتراكية في روسيا بقيادة لينين، وتأسيس أول دول عمالية في تاريخ الإنسانية.
- انتفاضة شعبية في الأوراس.
1919:- أول بيان شيوعي يتعلق بالاستعمار يؤكد على أن كل حزب ينتمي إلى الأممية الثالثة من واجبه أن يفضح وبدون شفقة ممارسات الامبرياليين في المستعمرات، ويدعم فعلاً لا قولاً فقط، كل حركة تحرر في المستعمرات ويشترط إبعاد المستعمرين الامبرياليين.
1925:- إنشاء الفيدرالية الجزائرية للحزب الشيوعي الفرنسي.
1926:- إنشاء نجم شمال افريقيا في فرنسا. والذي كان رئيسه الأول شيوعياً وهو:
- "حاج علي عبد القادر" و"رئيسه الشرفي "الأمير خالد".
1927 أكتوبر):- الرابطة المعادية للامبريالية تبعث ثمانين ممثلاً إلى روسيا، بمناسبة الاحتفال بذكرى الثورة الاشتراكية، وكان من بينهم "الأمير خالد".
- إنشاء جمعية الطلبة المسلمين لشمال افريقيا في باريس.
1929:- حل نجم شمال افريقيا، بحجة المساس بأمن التراب الوطني.
1930:-أول تصادف مع ذكرى الاحتفال بالذكرى المئوية لاحتلال الجزائر.
منشورات سرية وزعت بالفرنسية وبالعربية تدعو إلى فضح هذه الخدعة وإلى استنهاض الشعوب المستعمرة لتتحرر.
- تنظيم مؤتمر العمال العرب بحضور ثمانين مندوباً من بينهم تسعة وستون من الجزائريين. صادق المؤتمر على بيان يدعو هذا المؤتمر أيضاً على لائحة تطالب باستقلال الجزائر.
1913:- تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
1933:- تأسيس الحزب الوطني الثوري بإيعاز من الأممية الشيوعية. وكانت مهمته الرئيسة هي تحرير الجزائر وشمال افريقيا من نير الاستعمار الفرنسي.
1934:- نجم شمال افريقيا يقرر تغيير تسميته لتصبح "نجم شمال افريقيا الغراء".
1936:- ظهور الجبهة الشعبية في فرنسا، وتكثيف النشاط السياسي والنقابي في الجزائر.
- الشيوعيون وفيدرالية المنتخبين وجمعية العلماء يعقدون المؤتمر الإسلامي الجزائري بهدف تنشيط العمل الوحدوي.
1936 14 جويلية):- نجم شمال افريقيا يشارك مع الجبهة الشعبية في فرنسا باريس) بأربعين ألف مواطن من شمال افريقيا تحت شعار "حرروا شمال افريقيا" "حرروا سوريا" "حرروا العالم العربي".
17 أكتوبر):- المؤتمر التأسيسي للحزب الشيوعي الجزائري.
1937:- حل نجم شمال افريقيا.
11 مارس): تأسيس حزب الشعب الجزائري.
1938:- فرحات عباس ينشئ الاتحاد الشعبي الجزائري).
1939:- إنشاء الكشافة الإسلامية الجزائرية.
سبتمبر) بداية الحرب العالمية الثانية.
29 سبتمبر):- قرار حل الحزب الشيوعي الفرنسي، والحزب الشيوعي الجزائري وحزب الشعب الجزائري.
1940 16 أفريل):- وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس.
30 جويلية):- وفاة "قدور بلقايم" السكرتير الأول للحزب الشيوعي الجزائري في سجن "سركاجي".
19428 نوفمبر): نزول الحلفاء بشواطئ شمال افريقيا.
1943 6 جويلية): يسمح للنقابات باستئناف نشاطاتها.
15 أوت):- استئناف الحزب الشيوعي الجزائري نشاطه بصفة شرعية.
1944 14 مارس): - ميلاد "حزب أحباب البيان والحرية".
1945 8 ماي):- المظاهرات الشعبية العارمة والتي راح ضحيتها : 45000.
24 أكتوبر): - انطلاق حملة الحزب الشيوعي الهادفة إلى إطلاق سراح المعتقلين في أحداث 8 ماي، والتضامن مع الضحايا.
-"ايناش عمر" أحد قدماء نجم شمال افريقيا ينشئ حزب الوحدة المغربية.
- تأسيس الجمعية النسوية.
ديسمبر): - إنشاء المنظمة السرية أو الخاصة التابعة لحركة انتصار الحريات الديمقراطية.
19485جانفي):- ميلاد لجنة تحرير المغرب العربي.
1950 أفريل):- الحزب الشيوعي الجزائري يقترح على حركة انتصار الحريات الديمقراطية والاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، إنشاء اتحاد د القمع والمؤامرة الاستعمارية.
11 و12 نوفمبر): دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الجزائري تنادي بضرورة تكثيف الجهود لإنشاء جبهة وطنية ديمقراطية من أجل الاستقلال الوطني والسلم.
1951:- إنشاء الجبهة الوطنية من أجل الدفاع عن الحريات واحترامها مابين حركة انتصار الحريات الديمقراطية والاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري والحزب الشيوعي الجزائري وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
1952 21،22،23):- المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الجزائري يصدر اللائحة النهائية تدعو إلى:
- النضال من أجل الاستقلال الوطني والخبز والسلم والأرض.
- من أجل انتخاب جمعية وطنية ذات سيادة، منتخبة من طرف كل الجزائريين، هذه الجمعية تعمل على إقامة الجمهورية الديمقراطية الجزائرية.
1953 أفريل):- المؤتمر الثاني لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، يوصي بإنشاء مركزية نقابية جزائرية.
- أول نوفمبر، نداء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لخلق جبهة وطنية ديمقراطية.
- ديسمبر، نداء اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية من أجل مؤتمر وطني جزائري.
1954 23 مارس):- ميلاد اللجنة الثورية للوحدة والعمل، بهدف إعلان الكفاح المسلح.
1954 جوان):- إنشاء الاتحاد الوطني للنقابات الجزائرية U G S A).
10 أكتوبر) ميلاد جبهة التحرير الوطني F L N).
1954 أول نوفمبر):- تصريح جبهة التحرير الوطني وإعلان الكفاح المسلح.
- تصريح المكتب السياسي للحزب الشيوعي الجزائري، نشر في جريدة "الجزائر الجمهورية" في اثنين نوفمبر.
5 نوفمبر):- حل حركة انتصار الحريات الديمقراطية.
- مصالي الحاج يؤسس الحركة الوطنية الجزائرية المناوئة لجبهة التحرير الوطني M N A).
1955 ماي):- مضاعفة العمل المسلح في كل أنحاء البلاد.
20 جوان):- دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الجزائري في باب الواد، تدعم الكفاح المسلح بالمشاركة الواسعة وإنشاء المنظمة السرية المسماة "المكافحون من أجل الحرية".
Les combattans de la liberation).
5 جويلية):- إضراب وطني تنظمه جبهة التحرير الوطني.
30 جويلية):- آلاف الجزائريين يتظاهرون في فرنسا.
13 سبتمبر):- حل الحزب الشيوعي الجزائري من طرف الحكومة.
20 سبتمبر):- إضراب التجار الجزائريين بمناسبة انعقاد دورة الأمم المتحدة.
26 سبتمبر):- تصريح واحد وستين من المنتخبين المسلمين المتضمن رفض الإدماج.
30 سبتمبر):- الدورة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة تسجل القضية الجزائرية في جداول أعمالها.
1956 16 فبراير):- إنشاء اتحاد نقابات العمال الجزائريين U S T A) المرتبط بالحركة الوطنية الجزائرية M N A).
24 فبراير):- تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين المرتبط بجبهة التحرير.
نهاية أفريل):- محادثات بين جبهة التحرير الوطني والحزب الشيوعي الجزائري لتوحيد الكفاح، بعدما كان المرشح الشيوعي قد هرب من صفوف الجيش الفرنسي بشاحنة محملة بالأسلحة. المرشح هو "هنري مايو") Hanri Maout) التقى كل من "عبان رمضان ويوسف بن خدة" ممثلين عن جبهة التحرير، و"بشير حاج علي والصادق حجرس"، ممثلين عن الحزب الشيوعي.
19 ماي):- الطلبة والثانويون يعلنون الإضراب لتلتحق أعداد كبيرة منهم بالجبل.
19 جوان): تنفيذ حكم الإعدام الأول في كل من "زبانة وفراج".
26 جوان): - البترول يظهر في "حاسي مسعود".
01 جويلية):- الاتفاق بين الحزب الشيوعي وجبهة التحرير ينتهي إلى إدماج المكافحين من أجل الحرية.
Les combattans de la liberation) في جيش التحرير الوطني دون التخلي عن مثلهم وقناعتهم السياسية.
1956:- رسائل الحزب الشيوعي إلى جبهة التحرير بشأن احترام الاتفاق المبرم بينهما.
5 جويلية):- اضراب عام في الجزائر بمناسبة ذكرى الاستيلاء عليها.
20 أوت):- مؤتمر الصومال وصدور وثيقته.
22 أكتوبر):- تحويل الطائرة التي كانت تنقل الوفد الجزائري بوضياف ورفقائه).
1957 23 جانفي، 4 فبراير):- إضراب عام دعت إليه جبهة التحرير، ومعركة الجزائر حتى أوت وسبتمبر.
12 فبراير):- إعدام ثلاثة مواطنين، هم: قدوري ولخاش وفرنان أفتون.
30 مارس):- اليوم العالمي للتضامن مع الجزائر.
20 - 28 أوت):- أول مؤتمر للمجلس الوطني للثورة الجزائرية C N R A).
10 ديسمبر):- الأمم المتحدة تعترف ضمنياً بجبهة التحرير ممثلاً.
1958
28 جانفي):- حل الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين U G E MA).
22 أوت):- حل الودادية العامة للعمال الجزائريين A G T A).
24-25 أوت):- عمليات مسلحة يقوم بها الجزائريون في فرنسا.
19 سبتمبر):- تكوين الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية GPRA)
1959 27-30 أوت):- جولة "ذي جول" Degaulle).
31 أكتوبر):- الاتحاد السوفيتي يؤكد تقرير مصير الجزائر.
16 ديسمبر):- اجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية في طرابلس، هواري بومدين يعين قائداً لأركان جيش التحرير الوطني.
1960 13 فبراير):- انفجار أول قنبلة ذرية فرنسية في "رقان".
3-5 مارس):- جولة جديدة يقوم بها "دي جول" في الجزائر.
23-24):- عدة عمليات يقوم بها المغتربون الجزائريون في فرنسا.
9-13 ديسمبر):- حضور "دي جول" إلى الجزائر، مئات الآلاف من الجزائريين يتظاهرون من أجل الاستقلال ويعلنون تأييدهم للحكومة المؤقتة.
1960:- دورة الأمم المتحدة تصادق على لائحة افريقية/ أسيوية تعترف للشعب الجزائري بحقه في الاستقلال. موافقة الاتحاد السوفياتي وامتناع أمريكا.
196117 فبراير): لقاء النقابات الجزائرية والنقابات الفرنسية في جينيف.
30 مارس):- موافقة الحكومة المؤقتة على فتح مفاوضات إيفيان.
مارس- أفريل)- تصاعد عمليات المنظمة السرية OAS).
أفريل):- المحاولة الانقلابية التي قادها الجنرالات شال، سالان...).
20 ماي- 13 جوان):- ندوة إيفيان الأولى بين جبهة التحرير وفرنسا.
1 جويلية):- إضرابات ومظاهرات الجزائريين.
17 أكتوبر):- مظاهرات الجزائريين في باريس. تواجه بقمع دموي كبير.
20 ديسمبر):- الأمم المتحدة تطالب بفتح المفاوضات بين فرنسا وجبهة التحرير.
1962:- ندوة إيفيان الثانية.
19 مارس):- وقف إطلاق النار في الجزائر.
مارس- أفريل- ماي):- تصاعد العمل الإرهابي للمنظمة السريةOAS).
1 جويلية):- استفتاء تقرير المصير في الجزائر، اختيار الاستقلال تم بنسبة 72، 99/3جويلية)- استقلال الجزائر.
5 جويلية):- الاحتفال بعيد الاستقلال.
8 أكتوبر):- الجزائر تصبح عضواً في الأمم المتحدة.
2- دور الصحافة:
عندما أشرنا سابقاً إلى أن الصحافة لم تعر اهتماماً كبيراً للأدب، وأعطت الأولوية للإصلاح والسياسة، فذلك لا ينفي أنها احتضنت المحاولات الأدبية الأولى، لأن الأدب كغيره من النشاطات كان ينظر إليه بوصفه.
وسيلة تخدم القضية الوطنية ويجب أن يوظف لهذه الغرض.

وبدا لنا -مع ذلك- أن العناية بالأدب فضلاً عن فنيته لم تكن كافية نظراً لظهور الصحافة العربية في الجزائر مبكراً.
فجريدة "المبشر" كانت ثالث جريدة معربة على مستوى العالم بعد "التنبيه" و"الوقائع" المصريتين، إذ صدرت عام 1847.(14)
وازدهر النشاط الصحفي منذ العشرينيات على وجه الخصوص، بفضل نضج الحركة الوطنية، وتعدد الأحزاب.
ويمكن أن تقرر -مع الدكتور "عبدالملك مرتاض"، الذي أفرد فصلاً مفيداً للصحافة العربية في الجزائر في كتابه نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر).
إن من يدرس النهضة الأدبية والثقافية، بوجه عام، المعاصرة في الجزائر، لن يجد محيصاً من أن يقرر بأن الصحافة العربية كانت ذات أثر بعيد على إذكاء النهضة الأدبية في الجزائر وإغنائها).(15)
وبعدما رأينا اهتمام الصحافة الشامية بالأدب، وترجمة القصة القصيرة بالذات، لم نر مايماثل ذلك المسعى بالنسبة للصحافة العربية في الجزائر، بعكس "القريبة منا والتي عنيت صحيفتها "الرائد" بنقل قصة عن الإسبانية وأخرى عن الإيطالية في سنة 1862، وازداد الاهتمام بالمسائل الثقافية مع تأسيس جريدة "الحاضرة" سنة 1888.
وتلتها مجلة "السعادة العظمى" سنة 1904، ثم مجلة "خير الدين" سنة 1906.
كما اهتمت المجلتان اللتان ركزتا على الأدب بالتعمق والاتجاه إلى طرح القضايا الأدبية ومناقشتها وقد قادت "السعادة العظمى "أول ثورة على الشعر، وجاءتنا بمفهوم "الشعر العصري" بينما أقدمت "خير الدين" على تبني نشر أول قصة تونسية".(16)

إن غلبة النزعة الإصلاحية باتجاهها التقليدي في الأدب، قد أعاقت نمو حركة أدبية عصرية، في الوقت الذي اعتنت بالأدب في حدود توظيفه من أجل تحقيق الأهداف السياسية.
فهي بذلك قد لعبت دوراً مزدوجاً لا يخلو من تناقض، ويشير الأعوج واسيني إلى هذه الفكرة نفسها فيقول: وإذن فمن المؤكد أن الصحف التي ظهرت في هذه الفترات كان لها الأثر الكبير، بشكل ما على قيام النهضة الفكرية وترعرعها، هذا بالإضافة إلى الصحف التي ظهرت فيما بعد وكان بعضها مقتصراً على جوانب دينية إصلاحية بحتة، أعاقت تطور المجال الإبداعي، أو على الأقل حصرته، وحدده في الشعر، مثل الشهاب والبصائر الأولى والثانية)(17) .
3- دور المقالة:
من المعروف أن المقالة -بحكم حجمها وقدرتها على احتضان موضوعات اجتماعية وسياسية- كانت سلاحاً قوياً في أيدي المثقفين عامة والمصلحين بصفة خاصة.
وهي من المرونة بحيث تسمح لكاتبها أن يحاصر موضوعه اليوم ليعالج موضوعاً آخر غداً، وفي ذلك فرصة فريدة لمواكبة الأحداث المتسارعة للنظر فيها وتحليلها وبالتالي مساعدة المتلقي من خلالها.
وهي بالنسبة للقارئ شكل غير متعب، تقرأ في جلسة واحدة أو هو متنقل راكباً، ففيها بالنسبة له -فرصة لمتابعة المستجدات فضلاً عن كونها محل ثقة لا تعوض، بحكم كونها معربة.
ولاشك أنها -بالإضافة إلى كل ذلك- ساحة يتمرن فيها الناشئون على الكتابة.
فلا غرو أن نجد هذا اللون الأدبي قد طغى على سائر الألوان الأخرى، في الصحافة الجزائرية العربية. وهي الصحافة التي لم ينشئها أصحابها من أجل المتعة والترف الذهني، ولكن لخدمة أهداف محددة واضحة.
ولقد وجدوا في الطابع القصصي، مايطعم كتاباتهم ويغذيها حتى لا تأتي ثقيلة مملة، فعمدوا إلى المزج بين المقال والقصة، وكأنهم في ذلك يؤكدون تواصلهم مع الأسلاف الذين ابتكروا هذه الأساليب ووظفوها قصداً، كما في استطرادات الجاحظ وفي فلسفة "حي بن يقظان" المتأدبة، وفي "تداعياتالحيوانات على الإنسان" لإخوان الصفا وغيرها من الأعمال الخالدة في الأدب العربي.
4- التأثير المشرقي:
يمكن القول أنه بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح الأدب العربي يتوفر على رصيد مهم من الكتابات القصصية القصيرة والطويلة، بفعل تعمق الاحتكاك بالغرب وامتزاج الثقافات ونشاط الترجمة وتعلم العرب لغات أجنبية كثيرة ومختلفة.
وفي الوقت الذي كان فيه الاستعمار الفرنسي يمارس على الجزائر سياسة الحصار والعزلة، لم يقف الجزائريون مكتوفي الأيدي، بل ابتكروا أساليب مختلفة للمقاومة واسترجاع الذات الضائعة. ولم يكن لديهم أفضل من التوجه نحو المشرق العربي، فتم التواصل بطرق شتى:
منها رحلات المشارقة إلى الجزائر مثل "محمد عبده" و"أحمد شوقي" ورحلات الشخصيات الجزائرية إلى المشرق ومنهم "حمدان الونيسي" و"ابن باديس والبشير الإبراهيمي والورتلاني وأحمد رضا حوحو وغيرهم..."...
ومنها تبادل الوفود كرحلة "جورج أبيض" إلى الجزائر عام 1921، وفرقة "عز الدين" المصرية عام 1922، والفرقة المصرية للتمثيل الموسيقي والوفد الصحفي المصري.
ومنها تبادل الكتابات بين المشارقة والمغاربة، بحكم الأيام التي جمعت بينهم سواء على مقاعد الدراسة، أو من أجل التخطيط للنهضة الإصلاحية.
ومنها أن الجزائريين نشروا كتاباتهم في الصحف العربية المشرقية، وأن من المشارقة من أعيد نشر كتاباتهم في صحف جزائرية، وغيرها من الوسائل التي يهتدي إليها أهل المقاومة، كلما حاول المستعمر أن يضيق عليهم الخناق.
ويؤكد الدكتور "عبد الملك مرتاض" ظاهرة التفاعل بين الجزائر وبلدان المشرق العربي في المجال الثقافي والأدبي فيقول:
وإذا كان المشارقة بحكم ظروف تاريخية .....) استطاعوا أن يكونوا سباقين إلى الاغتراف من ينبوع الثقافة العربية التراثية، وحتى الثقافة الغربية العصرية، فإن المغاربة ومنهم الجزائريون، كانوا أول الأمر في موقف الآخذ من الثقافة العربية المشرقية، فعلى الرغم من وجود كثير من الذين كانوا يتقنون العربية إلى جانب الفرنسية من الجزائريين، فإنهم كانوا شديدي الحذر من الاغتراف من الثقافة الغربية، فكانوا يلتمسون متاعهم الروحي في الأدب العربي المشرقي على الرغم من أنه لا يعدو أن يكون قد استمد إما من التراث العربي القديم، أو التراث الغربي الحديث".(18)
على أن هناك من لا يكتفي بالعوامل التي أوردناها، فيضيف الحافز الفني، ويرجع الفضل إلى جيل الشباب الذين ظهروا بعد الحرب العالمية الثانية، وكانوا يتميزون بروح جديدة سئمت قيود الماضي والمحافظة المتشددة.
ومن هؤلاء من سموا أنفسهم أخوان الصفا) ومن بينهم أحمد رضا حوحو وعبد الرحمن شيبان..
وفي اختيار التسمية وحده، دلالة على التشبه بتلك الحركة التمردية التي عرفها القرن الرابع الهجري/ العباسي، وانطبع تمردهم بسلوك طريق العلم والمعرفة والأدب، في تنظيم حافظ على سرية تامة من أجل التغيير الطويل المدى.
وقد أوضح الدكتور "عبد الله ركيبي" أنه كان للقصص الشعبي دور مؤثرٌ أيضاً.
فالواقع الجزائري الذي كان يموج بتداول السير الشعبية وقصص البطولات والقصص الدينية والخرافات والسحر والأمثال -وهي من ألصق بالواقع اليومي للمواطن- جعل من هذه الأشكال التعبيرية- على مر الزمن واشتداد التحدي الاستعماري وتصاعد موجات الغزو الثقافي- فسحة للتنفيس وأداة للتعويض وسنداً لإثبات الذات وتأكيد حضور الهوية.
وبما أن الطابع القصصي ظاهرة تغلب عليها أشكال التعبير في الأدب الشعبي - بما فيه الشعر الملحون الذي كثيراً ماتأتي قصائده مطعمة بنسيج قصصي له بداية ووسط ونهاية- فإن الأدب الشعبي- دون شك- خلفية ثقافية تمارس تأثيرها في الكتابة الثقافية.

ومما يلفت الانتباه إلى أن الذهنية الشعبية كانت مولعة بالقص، حتى أنها تضفي القصصية أحياناً، على أدوات جامدة لتجسيد علاقة اجتماعية معينة.
ومن ذلك، وضعهم علاقة تشابه بين "القايد" والدف، حيث وجه الشبه بينهما الحجم وفخامة الصوت، وترجموا صوته على أنه يردد "الدراهم، الدراهم، الدراهم...".
وعلاقة تشابه ثانية بين شكل الناي وصوته الضعيف وبين الفلاح الفقير والذي يردد قائلاً: "منين، منين، منين...".
وعلاقة تشابه ثالثة بين الطبل وبين الجابي الذي يرافق "القايد"، عادة، والذي يقول: "دبر، دبر، دبر..".
قد لا يظهر التأثير والتأثر بين الأدب الشعبي والكتابة الأدبية بصفة مباشرة، لكن خفاء الشيء لا يعني انعدامه.
قد لا يظهر بسبب مايوجد من تمايز بين العامية والفصحى. نقول التمايز حتى لا نقول الهوة، لأن العامية في الجزائر تضيق الحدود بينها وبين الفصحى، ولعل ذلك ماشجع "البشير الإبراهيمي" -وهو المختص المتضلع في أسرار اللغة العربية- أن يفرد لهذا الموضوع بحثاً مخطوطاً بعنوان:"بقايا فصيح العربية في اللهجة العامية بالجزائر".
وفي الوقت الذي نستغرب فيه أن يكون ازدراء اللون الأدبي القصصي، من أسرار تأخر ظهور القصة القصيرة في المغرب، كما ذهب إلى ذلك الباحث "أحمد المديني"(19) ، فإننا نؤكد مع "عبد الله ركيبي" العكس تماماً.
وجملة القول فإن القصة الشعبية الجزائرية على اختلاف مضامينها وأساليبها وأشكالها لعبت دوراً واضحاً في ملء الفراغ الأدبي في فترة ضعف فيها الأدب العربي كما أنها عبرت عن روح الشعب الجزائري وتعلقه بماضيه ودفاعه عن وجوده وكيانه"(20) .
وتتأكد ظاهرة تأثير الأدب الشعبي في الكتابة القصصية على وجه الخصوص وبشكل واضح ومباشر في نشأة القصة التونسية.
إذن فقد انكبت جماعة "العالم الأدبي" على الحكاية الشعبية تستلهمها وتتكئ عليها في كتاباتها، واتسعت بذلك رقعة هذا الاتكاء وأصبحت حقاً مشاعاً تغرف منه دون حساب. ونشرت روح الحكاية الشعبية ظلالها واضحة جلية في محاولاتهم إلى درجة أن فقرات كثيرة منها لا تعدو أن تكون ترجمة صريحة لأجزاء كثيرة من الحكاية الشعبية..".(21)
فأما مصدر الاختلاف في تحديد تاريخ وتعيين كاتب لنشأة القصة القصيرة، فيعود -في نظرنا- إلى الارتكاز على القصصية في غالب الأحيان دون سائر الأدوات الفنية التي بها أو بمعظمها -على الأقل- يكتمل البناء الفني.
لذلك نجد "عبد الله ركيبي" يحسن التخلص من تحديد تاريخ للنشأة ليقول عن المقال القصصي:
بعد "المقال القصصي" الشكل البدائي الأول الذي بدأت به القصة الجزائرية القصيرة. وقد تطور المقال القصصي عن المقال الأدبي بل تطور عن المقال الإصلاحي بالدرجة الأولى)(22) .
ولكن ليقرر لاحقاً:
إذا كان "المقال القصصي" هي البذرة الأولى لبداية القصة فإن "الصورة القصصية" هي البداية الحقيقية للقصة الجزائرية القصيرة"(23) .
وأول صورة قصصية ظهرت عائشة)(24) .
وقد طبع هذا النص ضمن مجموعة قصصية لـ "محمد سعيد الزاهري" بعنوان "الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير" وذلك عام 1928.
ويرى الدكتور عبد الملك مرتاض: أن أول محاولة قصصية عرفها النثر الحديث في الجزائر تلك القصة المثيرة التي نشرت في جريدة الجزائر)(25) .
وهو يقصد قصة فرانسوا والرشيد) لسعيد الزاهري المنشورة عام 1925.
وذهبت الدكتورة عايدة أديب بامية إلى أن أول قصة منشورة هي قصة "دمعة على البؤساء" التي نشرتها جريدة "الشهاب" في عدديها الصادرين يومي 18 و 28 أكتوبر عام 1926)(26) .
ويشير الأستاذ "عبد الله بن حلي" إلى أن النص الذي مس إلى حد ما الهيكل القصصي هو "عائشة"، يقول:
ومحاولة "عائشة" تمدنا بفكرنا عامة عن استخدامه للإطار القصصي، فهي المحاولة الوحيدة التي تمس إلى حد ما الهيكل القصصي)(27) .
ويقصد أنها الوحيدة من بين ما جمعه كتاب محمد السعيد الزاهري المشار إليه آنفاً.
والذي يهمنا هو هذا الاحتياط بقوله إلى حد ما)، دلالة على أن نص "عائشة" لم يتوفر على مايسمح بادراجه في فن القصة القصيرة. وهو يبين في موضع آخر قائلاً:
الحقيقة الأولى التي لا جدال فيها هي أن الكاتب أحمد رضا حوحو هو الرائد الذي وضع اللبنة الأولى للقصة العربية الحديثة في الجزائر. والحقيقة الثانية هي أنه الكاتب الوحيد الذي تحمل عِبأها مدة لا تقل عن عشر سنوات كاتباً وناقداً ومترجماً في زمن خلت فيه القصة من كتابها)(28) .
بينما "صالح خرفي" قد نسب الريادة في كتابة القصة إلى "محمد بن عايد جلالي" مرة في كتاب(29) ، وفي كتاب آخر يقول عن "رمضان حمود": وريادة أخرى لـ رمضان) في هذه القصة التي نشرت في العشرينات بعنوان "الفتى".....) فهو بذلك أول من جرب كتابة القصة في الأدب الجزائري الحديث)(30) .
فإذا كانت القصصية وحدها، هي الدافع إلى التحديد التاريخي لنشأة القصة عامة والقصة القصيرة بصفة خاصة، فلم السكوت عن نص مثل: "حكاية العشاق في الحب والاشتياق"، لمحمد بن إبراهيم مصطفى، ولو أن لغته ليست فصحى خالصة.؟

يبدو -في تقديرنا- أنه مادمنا نعترف باغتراف الأدباء الجزائريين من الأدب المشرقي إلى حد التقليد أحياناً، مادمنا ندرج القصص الجزائرية التي كتبت في المهجر في مسار تطور القصة القصيرة في الجزائر، وهي القصص التي كتبها الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة، وعبد الله ركيبي ومحمد الصالح الصديق وفاضل المسعودي وعثمان سعدي وأبو العيد دودو والجنيدي خليفة...).
فما المانع من الإقرار بأن القصة الجزائرية القصيرة نشأت جنباً إلى جنب مع القصة التونسية على يد "محمد العريبي" منذ 1935، كما نشأت الحركة الوطنية ذاتها في المهجر منذ تأسيس نجم شمال افريقيا.
إن طبيعة الظروف الجزائرية حتمت أن يكون المولد في المهجر سواء أكان المولود سياسياً أم أدبياً، فلذلك مايبرره في الواقع.
وإننا لا نميل إلى هذا الرأي الأخير، بدافع التعصب الوطني الضيق، وإنما بالنظر إلى الظروف الموضوعية، باعتبار أن "محمد العريبي" لم تكن كتاباته مقالات قصصية ولا صوراً قصصية، بل تجاوزتهما إلى مستوى أكثر نضجاً حمل الباحثين على أن يجعلوه إلى جنب "علي الدوماجي" من أبرز المؤسسين لنشأة الفن القصصي في تونس.
وبالاعتماد على أعمال عبد الملك مرتاض وعبد الله ركيبي وعبد الله بن حلي) يمكن تمييز المراحل التالية في تطور القصة القصيرة في الجزائر:
1- مرحلة المقال القصصي:
- كان الكاتب يميل فيه كثيراً إلى الوصف إلىحد إثقال النص.
- انصب الاهتمام على الحداث، والميل إلى النقل الحرفي للواقع.
- كان المقال القصصي عبارة عن مزيج من القصة وغير القصة.
- إنه خليط من المقالة والرواية والمقامة والحكاية.
- شخصيات ثابتة لا تنمو مع الحدث.
- النبرة الخطابية المحملة بالوعظ والإرشاد لأهداف إصلاحية.

2- مرحلة الصورة القصصية:
- الاهتمام برسم الحدث كماهو.
- رسم الشخصية في ذاتها وفي ثباتها بطريقة لا تتفاعل فيها مع الحدث.
- الحوار يعبر عن أفكار الكاتب في إسقاط واضح.
- عدم التركيز بالاستطراد في ذكر التفاصيل والجزئيات.
- السرد يختفي فيه الإيحاء ويسيطر الوعظ.
- وصف الواقع دون تحليله.
- اعتماد الأسلوب المسترسل والجُمل الطويلة والتراكيب القوية القديمة بروح تعليمية واضحة.
3- مرحلة القصة الاجتماعية:
وأبرز من يمثلها "أحمد رضا حوحو" من 1947 إلى 1956. ومادام الأستاذ "عبد الله بن حلي" قد بحث القصة الاجتماعية والقصة المناضلة أو المكتوبة خارج الوطن بما فيه الكفاية في رسالته المذكورة، فلا ضرورة لاجترار ماقيل بشأنهما.
4- مرحلة القصة المكتوبة خارج الوطن:
وهي التي كتبها الأدباء الجزائريون المقيمون خارج الوطن.
وقد ساعدهم وجودهم في بلدان عربية على مواكبة تطور الأدب العربي عامة والفن القصصي منه خاصة، واستفادوا مما ترجم من الآداب الأجنبية إلى اللغة العربية، ووجدوا فرصاً سهلة لنشر أعمالهم، فقد كان ينظر إليهم على أنهم ممثلو الثورة الجزائرية، أهل للعون والتشجيع بغض النظر عن المستوى الفني لأعمالهم.
5- مرحلة القصة الاجتماعية / السياسية منذ الاستقلال:
نرجئ الحديث عن هذه المرحلة إلى حين. فهناك عوامل قديمة موروثة استمرت تمارس تأثيرها على الجيل الجديد، وهناك عوامل أخرى جديدة سنتعرض لها فيما سيتلو.
(1) -عصمت رياض): الصوت والصدى، دراسة في القصة السورية الحديثة- دار الطليعة بيروت- ط1- مارس 1979 ص11.
(2) -نفسه: ص12.
(3) -شريبط أحمد شريبط): الفن القصصي في الأدب الجزائري المعاصر- رسالة لنيل شهادة الماجستير- إشراف الدكتور: نسيب نشاوى 86-87 عن جبور عبد النو) وادريس سهيل) المنهل، دار الآداب ودار العلم للملايين- ط5-1979، ص704.
(4) -المديني أحمد): فن القصة القصيرة بالمغرب -في النشأة والتطور والاتجاهات- دار العودة- بيروت- ص32.
(5) -رشدي رشاد): فن القصة القصيرة - دار العودة -بيروت ط2-1975-ص7.
(6) -ركيبي عبد الله خليفة): القصة الجزائرية القصيرة- الدار العربية للكتاب- ليبيا- تونس- ط3-ص142- عن رشاد رشدي) فن القصة القصيرة، من ص2 إلى ص4.
(7) -نفسه: ص143.
(8) -المديني أحمد)- فن القصة القصيرة بالمغرب ص34.
(9) -نفسه ص34.
(10) -المديني أحمد): فن القصة القصيرة بالمغرب، ص34.
(11) " اليافي نعيم): التطور الفني لشكل القصة القصيرة في الأدب الشامي الحديث، سورية، لبنان-الأردن- فلسطين.. 1870-1965، منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق.
(12) سارتر جون بول): عارنا في الجزائر، ترجمة: عايدة سهيل إدريس، دار الآداب، بيروت ، ط2، نيسان 1958، ص 23.
(13) ابن قرين عبيد الله): النقد الأدبي الحديث في الجزائر- رسالة قدمت لنيل شهادة الماجستير- كلية الآداب والعلوم الإنسانية- قسم اللغة العربية - جامعة حلب- سوريا: إشراف: الدكتور فؤاد مرعي سنة 1987.
(14) واسيني الأعرج: اتجاهات الرؤية العربية في الجزائر - ص55.
(15) مرتاض عبد الملك): نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر- 1952-1954، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع - الجزائر - ط2, 1983، ص 120.
(16) فاسي مصطفى): البطل في القصة التونسية حتى الاستقلال- المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر- 1985، ص 59. عن: الجابري محمد صالح): الشعر التونسي المعاصر. ص 69.
(17) واسيني الأعرج): اتجاهات الرؤية العربية في الجزائر - ص56.
(18) مرتاض عبد المالك): الثقافة العربية في الجزائر بين التأثير والتأثر- منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق - 1981- ص 147-148.
(19) " راجع: المديني أحمد): فن القصة القصيرة بالمغرب.
(20) " ركيبي عبد الله) تطور النثر الجزائري الحديث- 1830-1974- الدار العربية للكتاب- ليبيا- تونس 1978، ص 130.
(21) ابن حلي عبد الله): القصة العربية الحديثة في الشمال الإفريقي - تونس- الجزائر- مراكش- دراسة مقارنة- رسالة ماجستير- جامعة عين شمس، كلية الآداب- إشراف الدكتور: عبد المنعم اسماعيل- ص19.
(22) ركيبي عبد الله): القصة الجزائرية القصيرة، ص 53.
(23) نفسه ، ص 87.
(24) نفسه ص91. المرجع السابق.
(25) شريبط أحمد شريبط): الفن القصصي في الأدب الجزائري المعاصر، ص 64، عن: مرتاض عبد الملك): فنون النثر الأدبي في الجزائر. 1931-1954، ص 162-163.
(26) المرجع السابق- ص 64.
(27) ابن حلي عبد الله): القصة العربية الحديثة في الشمال الإفريقي - ص 39.
(28) المرجع السابق: ص167.
(29) خرفي صالح): صفحات من الجزائر- الشركة الوطنية للنشر والتوزيع- الجزائر- 1972- ص 211-212.
(30) خرفي صالح): حمود رمضان- المؤسسة الوطنية للكتاب- الجزائر 1985- ص 14.
داليا الهواري
21-03-2007, 01:40 AM
الفصل الثالث نماذج تطبيقية
النموذج الأول:‏
استمرت حرب التحرير تمد ظلالها على كل الكتابات الأدبية بصفة عامة وعلى الكتابة القصصية بصفة خاصة، حتى أنك لا تقرأ مجموعة قصصية وإلا وقد أفردت بعض قصصها لحرب التحرير مباشرة أو ربط فيها بين الواقع الجديد للقصة وواقع حرب التحرير بخيط رهيف. وهاهي مجموعة الأشعة السبعة) تحتوي على ثلاث عشرة قصة، عشر منها تدور حول الحرب وتدين ممارسات الاستعمار الفرنسي إما في الجزائر أو في تونس.‏
فالفتى الذي يتجول مع فتاته الجميلة المحبوبة، ويرغب في أن يتزوجها، لمايخرج معها يتفسحان، تفسد عليهما الطائرات جولتهما، بل تفجع الفتى في محبوبته، فالحرب تفسد العرس، إنها تقف ضد الحرية والفرح. ومواطن يبعث بطرد ملغم إلى قائد فرنسي ليقتله، ثم لا يلبث أن يذهب هو -بدوره- ضحية انفجار قنبلة وضعت في طريق قطار كان يركبه.‏
وآخر يكره الواقع الاستعماري المر الذي حرمه حتى من الحصول على مهر الزواج، فقرر أن يهاجر للحصول عليه في ديار الغربة، ولكن هيهات أن يعود، فقد مات دون أن يتوصل إلى تحقيق غايته، ذلك هو ثمن المهر ولكنه أيضاً ثمن التفكير في الحلول خارج الوطن.‏
وتحضر المرأة الفرنسية بوصفها رمزاً لفرنسا. فهي ترتبط بالمواطن الجزائري أو الفرنسي برباط الزواج، لكن سرعان مايفترقان أو تحاول الاستيلاء على بيت صديقتها "دنيا" فتضع لغماً ينفجر عليها.‏
تحضر الحرب في أغلب القصص باستغلالها ودمارها ويحضر نقيض الحرب ممثلاً بالثوار أو بالعمل الفدائي. وصورة الحرب في قصص المجموعة، هي صورة الصراع الكتلوي، الكتلة الوطنية ضد الكتلة الاستعمارية. ومايمكن أن يعد جديداً في الموضوع لا يتعدى قصتين:‏
الأولى حلم الصيف):‏
وفيها هذه الزوجة الحريصة على السفر إلى الخارج، لكن زوجها يقنعها -بعد جهد كبير- بالعدول عن فكرتها وتعويضها بالسفر إلى "تونس" وبالرغم من القلق الناشئ من التفكير في اجتياز الحدود وممارسات رجال الجمارك، إلا أنهما يفاجأان بأن لا أحد يوقفهما عند العودة، إذ أعلنت الوحدة بين تونس والجزائر.‏
والثانية الوصية):‏
تصور أباً في المستشفى يتغذى بالسيروم وأبناؤه من حوله يتحاورون حول التركة، إلى أن يقول لهم في الأخير: بأنه لم يترك لهم سوى أم، فهل تقسم الأمهات؟‍‏
فالكاتب إذن يدلي برأيه صريحاً يما يتعلق بالتفكير في تقسيم البلاد، فهو يستنكر الفكرة أصلاً، لأن الجزائر أمنا جميعاً، والأم إذا تقسمت ضاعت.‏
إلا أن الذي يلفت النظر ليس قدم الموضوع أو جدته. وإنما هي الطريقة التي أخذ الكاتب "عبد الحميد بن هدوقة" يهتدي إليها ويجربها، وتتعلق بالتقنيات المستحدثة في قصته "الأشعة السبعة" على وجه الخصوص، والتي نعتبرها مظهراً من مظاهر التجديد في الكتابة القصصية، ولذلك نرى من الضروري أن نتعرض إليها بالتحليل -فيما يلي- بشكل مستقل.‏
الأشعة السبعة:‏
1- تبتدئ القصة بمقدمة وصفية نتعرف من خلالها على الطفل الأبكم الأصم له أم لا يراها وبجوارهم بركة يخشاها سكان القرية جميعاً لأن فيها عملاقاً يختطف العذارى.‏
2- يأتي إلى البركة فيرمي سبع حجرات الواحدة تلو الأخرى، فتشكل سبع دوائر.‏
ب- فتخرج شمس ذات سبعة أشعة وهو يسمع صوتاً يقول "إني عائدة".‏

3- استمر يتردد على البركة، ثم اهتدى إلى أن يحضر سطلاً، يملأه ماء فيسقي‏
ج- جفاف البركة الجرداء.‏
4- كانت الأم -فيما سبق- قد حضرت مع ابنها هذا إلى البركة لتستحم وتأخذ‏
أ- الماء فغاصت في البركة وابتلعت.‏
5- في يوم كان الطفل جالساً عند البركة يرمي الحجرات كعادته، وإذا بسرب‏
د- من الطائرات يمر فوقه متبوعاً بسرب من الغربان.‏
هـ 6- سقطت قنبلة في البركة ودوى انفجارها، وإذا بالحسناء الجميلة تخرج منها‏
7- فينطق الطفل قائلاً "أمي".‏
موضوع القصة الذي هو الحرب ليس جديداً، لكن الجديد هو طريقة التناول. فالكاتب لم يتعرض للحرب بشكل مباشر أو تقريري كما عهد ذلك من قبل.‏
فالعنصر الجديد يظهر في التعامل مع الزمن.‏
زمن الخطاب القصصي أي ترتيب السارد للأحداث في النص القصصي، قد أشير إليه بالأرقام، بينما زمن الحكاية نفسها أشير إليه بالحرف.‏
وبموازنة بسيطة نلحظ التداخل بين الزمنين أومايدعى بالتواتر. المقطوعة القصصية الثالثة في زمن الخطاب هي الأولى في واقع الحكاية.‏
فلو أن القصة من النوع التقليدي المعهود لكانت هذه المقطوعة هي بداية النص القصصي لأنها هي البداية في الواقع.‏
والمقدمة وظيفته توفير المعطيات التي هي العناصر النووية القاعدية في نمو الأحداث وبالتالي بناء القصة. إنها بمثابة احتياطي يمنع من أن تبقى الأحداث فريسة للصدفة.‏
العملاق إمكانية الاختطاف.‏
البكم إمكانية النطق.‏
ماء البركة إمكانية السقي/ الحياة.‏
اللحظة الحاضرة في الواقع وواقع القصة أيضاً هي تمكن الطفل من النطق. واسترجاع النطق الذي فقده هو استرجاع الأم المفقودة أيضاً. والاسترجاع يقع على ما مضى.‏
الحرب مضت ولكنها قائمة في الذاكرة تمارس حضورها دائماً. لم يعمد الكاتب إلى النقل الحرفي للواقع، وإنما خلق معادلاً آخر يختلف تماماً حيث لعبت الخرافة دوراً خيالياً يجعل هذا المعادل المكتوب في الخطاب القصصي يتجرد من المكان والزمان، ليسبح في مساحة فنية لا تحيل إلى واقع الحرب بشكل مباشر فج.‏
وكان للعدد "سبعة" دوره المتميز، خاصة وأنه تكرر فأضفى هالة أسطورية على النسيج القصصي، لما فيه من السحرية ولما يوحي به رمي الحجرات من بعد ديني: رجم الشيطان.. سبع حجرات، سبع دوائر، سبعة أشعة، السقي سبع مرات أيام سبعة.‏
يكفي لهذا العدد أن يقرع الذهن بشكل متكرر ليستحضر القارئ السنوات السبع وهو عمر الحرب التي انتهت الأرض الجرداء فأصبحت معشوشبة. السارد يلعب دور الملاحظ والشاهد، ولذلك يعتمد على الوصف، وهو يؤدي وظيفة التبليغ والتعبير.‏
ثم إن أجزاء القصة ذاتها تتكون من سبع مقطوعات قصصية مما يكون قد تم بقصد أو بغير قصد.‏
ونحن نضيف إلى أسلوب التقابل الذي اهتدى إليه الأستاذ عبد الله بن حلي)(1) . في كتابات ابن هدوقة) ظاهرة التناقض أيضاً.‏
فالفرنسية التي تبيت الخديعة لصديقتها "دنيا" في قصة "الصداقة"(2) ينفجر عليها اللغم الذي وضعته بيدها، والبركة التي تبتلع الأم هي المصدر الذي تسقى فيه الأرض الجرداء، والغربان نذير شؤم، لكن عودة الأم فأل وانفجار القنبلة يخلف الدمار أصلاً، ولكن بعدما هوت القنبلة خرجت الأم.. ومرد هذه الفكرة إلى أن الكاتب يؤمن بأن الظالم يحمل موته في ظلمه. إن الاستعمار في الوقت الذي يقدم فيه على السيطرة، يكون قد خطا خطوة نحو القبر.‏

يبدو من خلال هذه المجموعة أن رؤيا الكاتب لم تأخذ -بعد- حظها من العمق الفكري والفلسفي.‏
فبالإضافة إلى تصوره الصراع في الحرب التحريرية بين كتلتين متجانستين، فإن تصوره للوحدة الوطنية ينحو نحو المثالية إلى حد ما، وتصوره للوحدة مع تونس- وربما مع بقية البلدان العربية- انحصرت في الجمارك والحدود في تفاؤل زائد.‏
إن الجديد في "الأشعة السبعة" يتمثل خصوصاً في هذا النهج الذي أخذ يرتسم في قصص "ابن هدوقة" والذي سعى من خلاله إلى انتشال النص الأدبي من التسجيلية والتقريرية.‏
وإن جاز القول، فإن استرجاع الأم في هذه القصة كان في الوقت نفسه استرجاعاً للقدرة على النطق واسترجاعاً لأدبية النص.‏
على أن هذه المجموعة التي تمثل الأشعة السبعة) قمتها، تتنوع فيها الأدوات الفنية المستخدمة بين السرد بضمير الغائب الذي يضع السارد في موقف الملاحظ والمشاهد ويجعل القصصية تنجذب أكثر نحو طابعها التقليدي وبين الاسترجاع واستخدام المونولوج من حين لآخر، في حين بقيت بعض القصص ومنها قصة البطل) أسيرة النبرة الخطابية الوعظية.‏
ونشير في الأخير إلى ظاهرة أخرى في المسار الأدبي لـ عبد الرحمن بن هدوقة)، وهي أنه جنح إلى الواقعية الحرفية أثناء حرب التحرير، وكأن الواقع كان أقوى من أن يلفه في ثوب من الخيال، فلما وقف على عتبة الاستقلال جعل من "الأشعة السبعة" استراحة يعيد فيها للنص الأدبي ميزته.‏
ثم عاد يجنح نحو الواقعية التقريرية مرة أخرى في رواياته التي كتبت لاحقاً، ريح الجنوب)، نهاية الأمس، بان الصبح)، وكأن واقع الخطاب السياسي الجديد كان أقوى من أن يقاوم كواقع حرب التحرير.‏
ثم لما وقف على عتبة الثمانينات، عاد مرة أخرى يستغل الخرافة والأسطورة والتقاليد في الجازية والدراويش)، وكأنه في ذلك يستحضر الأشعة السبعة) ويعيد كتابتها بنفس جديد.‏
هل معنى ذلك أن الكاتب وقف عاجزاً -أدبياً- أمام خطاب الحرب وأمام خطاب السبعينات فيما بعد، فانقاد إلى الخطاب السياسي لعجزه عن خلق بنية أدبية تخرق الخطاب السائد؟!‏
أم أنه وقف غداة الاستقلال أمام خطاب لم يتبين هويته ومصيره وتكرر معه الموقف نفسه في بداية الثمانينات فاضطر إلى أن يأخذ موقعاً يمكنه من استقراء الخطاب الجديد عن مسافة؟! إن هذه الإشكالية تقتضي بحثاً متأنياً، ليس هذا مجاله.‏
ولكن فضل الكاتب، لا يقتصر على نجاحه في توظيف الخرافة واستثمار التراث، بل يعود أيضاً في الجازية والدروايش)، إلى أنه تفطن إلى أن القرية / الجزائر، يتنازعها مشروعان.‏
ولعل الصراع بين مشروعين هو العمود الفقري في قصص "الطاهر وطار" كما سنرى .‏
النموذج الثاني‏
تتميز كتابات"الطاهر وطار" بوضوح الخط السياسي/ الأيديولوجي الذي يتحرك فيه. فالمجتمع بالنسبة له: يتقاسمه مشروعان: مشروع تمثله الطبقة الكادحة الفقيرة، ومشروع تمثله الطبقة البرجوازية المترفة. ويندر جداً أن تخلو قصصه من استرجاع الماضي.‏
ففيرقصات الأسى)، يصور هذا الشاب القروي الذي يحضر الحفل ويلاحق الراقصة، والقصاب يسرح مع الأنغام نحو ماضيه فنعرف أنه كان معلم قرآن وتزوج فتاة كانت تطلب منه أن يغني لها، إلى أن ماتت على يديه. وفي قصةالزنجية والضابط)، يعالج قضية السلطة في العالم الثالث من خلال الدور الذي يلعبه الضابط رمز الجيش، والصحفي رمز النخبة المثقفة والحزبي رمز جهاز الحزب.‏
يستغل جولة هذا الوفد إلى الصحراء مع المرأة الزنجية لتعرية السلطة، والأدوار التي تتبادلها هذه الفئات من يمين إلى يسار إلى وسط.‏
وفيالحوت لا يأكل)، يستعرض الواقع السياسي العربي المتأرجح بين انكاره الصراع الطبقي وتأكيده على اختيار الطريق الثالث تحت شعار: "لا شرقية ولا غربية" ظل الصياد يراقب صنارته حتى الساعة السادسة ولم تهتز، إلى أن جاءه طفل يخبره أن الحوت مصروع فقد جاءوا صباحاً وصبوا عليه سائلاً.‏
ويريد بالحوت المصروع وضعية الشعب المخدر المغلوب على أمره.‏
وفياشتراكي حتى الموت)، ينتهج أسلوباً استهزائياً بنمذجته شخصية الانتهازي الذي يحمل خطاباً اشتراكياً ولكن ممارساته تتناقض مع ادعاءاته تماماً.‏
فهو يسكن فيلا، ويملك سيارة فخمة، وله طفل سماه"غيفارا" ويتمتع وهو في سيارته بجولة في"الشريعة"، يصب غضبه على البرجوازية، غير أن كل ممارساته غارقة في البرجوازية.‏
وفيزوجة الشاعر)، تتباهى المرأة كثيراً بوضعها، تفضل الفنادق الفخمة، ولا تتردد في التفاخر أمام كل من تراها، لكن زوجها مصر على البقاء في المركز لأن نفقاته أقل ولو هو من الدرجة الأخيرة.‏
وفيالشاعرة الناشئة والرسام الكبير)، يتعرض الكاتب إلى موقف الفنان ودور المخرجين والرسامين والقصاصين والنقاد.‏
وحجر الأساس في قصص المجموعة، وفي كل كتابات"الطاهر وطار" هو انطلاقه من فهم المجتمع من منظور الصراع الطبقي، وعليه يترتب اتخاذ موقف من هذا الصراع، إذ لا يمكن للفنان والأديب أن يكتفي بالمشاهدة والوصف، بل لابد له من أن يتخذ موقفاً من الواقع ومن الحياة، أي من الصراع الدائر في المجتمع. والكاتب لا يخفي انحيازه للفقراء والمضطهدين، أي للطبقة الكادحة إذا ما أردنا الدقة بمصطلحها الماركسي المعروف.‏
إن الجديد الذي يمكن أن ينسب إلى"الطاهر وطار" في الكتابة القصصية ذات اللسان العربي، هو تبنيه الفكر الماركسي ومحاولة ترجمته إلى أعمال أدبية. فالجدة نابعة عنده -أصلاً- من الخطاب السياسي/ الأيديولوجي الجديد، ولكن كان لهذا الخطاب أثره الواضح أيضاً في طريقة الكتابة حيث سعى الكاتب مبكراً إلى القطع مع الطريقة التقليدية وإلى معانقة تقنيات جديدة في الكتابة، نحاول أن نتبين بعضها من خلال قصةالشهداء يعودون هذا الأسبوع).‏
الشهداء يعودون هذا الأسبوع: (3)‏
ب 1 ج2 أ3‏
1 -صاحب الخمَّارة موقفه من العودة قصة ماضيه‏
2 -شيخ البلدية موقفه من العودة قصة ماضيه‏
3 -منسق القسمة موقفه من العودة قصة ماضيه‏
4 -منسق المجاهدين موقفه من العودة قصة ماضيه‏
5 -رئيس الدرك موقفه من العودة قصة ماضيه‏
6 -رئيس القباضة موقفه من العودة‏
7 -الكومنيست موقفه من العودة قصة ماضيه‏
8 -الإمام موقفه من العودة ‏
9 -ابنه موقفه من العودة ‏

داليا الهواري
21-03-2007, 01:41 AM
يشكل خبر وصول الرسالة إلى الشيخ العابد، والد الشيهد"مصطفى"، المثير الأول والمركزي الذي تترتب عنه بقية الأحداث. مضمون الخبر أن ابنه"مصطفى" سيعود قريباً.‏
وبعد حيرة مصحوبة بجملة من التساؤلات، يفكر في التوجه إلى مجموعة من الناس المعروفين في القرية، لعلهم يساعدونه في فك هذا اللغز المحير.‏
هذا المثير الذي هو خبر العودة، ليس عودة ابنه"مصطفى" فقط، ولكن ربما عودة كل الشهداء، يجعل الشيخ العابد يتحرك في اتجاهين:‏
الأول نحو ذاته، يفكر، يتساءل، يتمتم، يقلق، يتذكر.... ولم يكن هناك ما هو أنسب من"المنولوج" لتجسيد هذه الحالة.‏
والثاني يتمثل في تحركه نحو مجموعة من الأشخاص، وعددهم تسعة، إذا ما أضفنا ابنه على سبيل الحصر. وبالإضافة إلى أن مسار الشيخ العابد، والحوار الداخلي أو الثنائيمع غيره) اللَّذين يرافقانه طيلة القصة، هذا المسار نفسه يتشكل من لحظات قصصية أو مجموعة من المقطوعات القصصية، بالإضافة إلى ذلك فإن تحركه في اتجاه كل شخص يتولد عنه ثلاث مقطوعات قصصية على الأقل.‏
ففي حواره مع صاحب الخمارة مقطوعة قصصية أولى، وفي تعبير هذا الأخير من موقفه من عودة الشهداء مقطوعة قصصية ثانية، وفي استحضاره قصة ماضية مقطوعة قصصية ثالثة. وكذلك الأمر بالنسبة لشيخ البلدية الذي نعرف أن أباه كان خائناً وقتله"مصطفى"، ومنسق القسمة الذي وشى بمصطفى مرة ولم تنجح وشايته، ورئيس فرقة الدرك الذي تخلى عن رفاقه في المعركة مع أنه كان مكلفاً بحمايتهم.‏
أما منسق قسمة المجاهدين فقد أدى واجبه خلال حرب التحرير ولم يكن بعد الاستقلال ممن تهافتوا على مصالحهم الدنيوية، والكومينيست- وإن كان موقفه غامضاً أو مهتزاً- إلا أن الشيخ العابد يشهد له بمساهمته في الثورة ويذكر ما أصابه من عذاب.‏
صاحب الخمارة يدعى أنه كان مع"مصطفى" حين انفجر عليه لغم، ولم ينصرف إلا بعدما دفنه، ولكنه في الحقيقة لاذ بالهرب بمجرد ما عرف أن رفيقه قد وضع رجله فوق لغم. وهذا ما يثير في نفسه الشك لأنه لا يستطيع أن يتبين ما إذا كان "مصطفى" قد مات فعلاً أم أنه نجا بعد علاج طويل.‏
المقطوعة القصصية الثالثة بالنسبة لكل من صاحب الخمارة وشيخ البلدية ومنسق قسمه الحزب ورئيس فرقة الدرك، تأتي في شكل"مونولوج"، لأن قصة الماضي المشبوه، من الأسرار التي لا يعرفها إلا صاحبها أو من كان معه ومات، فلا يصلح شاهداً إلا على لسان هؤلاء.‏
ونلاحظ أن البناء القصصي ينطلق من الحاضر ليعود إلى الماضي، ولكن في علاقة جدلية يمكن معها أيضاً للانطلاق من الماضي للوصول إلى الحاضر.‏
صاحب الخمارة تحصل على هذه الملكية باسم الجهاد والشرعية التاريخية، فهو في حقيقة أمره من أولئك الذين استغلوا الفرص بطريقة مفضوحة غداة الاستقلال، فمن الطبيعي ومن مصلحته أن ينكر عودة الشهداء ويرفضها وهو الذي له ماض مشبوه.‏
ويمكن القول بطريقة عكسية، لأن ماضيه مشبوه، فقد سطا على خمارة، واتخذ موقف المستنكر لعودة الشهداء.‏
فحاضر كل شخصية يحيل إلى ماضيها، كما أن ماضي كل شخصية يفسر حاضرها. إذن هناك مجموعة من الشخصيات تقع على نفس الخط من الماضي إلى الحاضر.‏
وشخصيات أخرى تقع على خط نقيض من الماضي إلى الحاضر أيضاً.‏
خط يتميز بالخيانة والتردد في الماضي، والطمع والسبق إلى مراكز القرار في الحاضر وخط يتميز بالشجاعة والنقاوة والنبل في الماضي، وبقي شريفاً محروماً وفياً في الحاضر.‏
الأول بامتداد للتضحية والوفاء والمقاومة وهو الخط الوطني، والنتيجة الحتمية هي أن الوطن في أيد غير أمينة وغير وطنية، في أيد أجهضت المشروع الوطني هذا ما دعا الأستاذ"عبد الله بن حلي" إلى تسميته أسلوب التوازي)(4) وهي تسمية تصدق إلى حد كبير على كتابات"الطاهر وطار" لولا أنها تخلو نوعاً ما من تعيين مضمون محدد.‏
فالتوازي يعني استحالة الالتقاء، ولكن الدلالة الرياضية قد لا تكفي عندما يتعلق الأمر بالحياة الاجتماعية للإنسان.‏
إنهما حقاً مشروعان لا يلتقيان، لكنهما يتماسان يومياً على أرض الواقع، ومن شرارة احتكاكهما تستمر الحياة في المجتمع إما بخطوة إلى الأمام أو بخطوتين إلى الوراء.‏
لذلك نفضل إضافة التناقض إلى التوازي، إذا لم يكن مصطلح التناقض وحده كافياً.‏
وإن ما يفسر ظاهرة استرجاع الماضي، هو أن الخطاب السياسي السائد منذ الاستقلال هو نفسه يسترجع الماضي من زاويته الخاصة ليكون وجوده بتأكيد الشرعية التاريخية.‏
ولكن الخطاب النقيض يجد في الماضي نفسه ما ينقض ادعاء الخطاب السائد، خطاب السلطة الذي يعمد إلى تشويه الماضي.‏
زد على ذلك أن حياة الكاتب نفسها منشطرة بين ماض عاشه في الحرب، وحاضر تنكر لكل المبادئ التي قامت من أجلها هذه الحرب. وليس هناك أصلح وأنفع من الماضي لإدانة الحاضر الموبوء. إنه شاهد على حاضر منحرف، على عربة انفصلت نهائياً.‏
الموازنة بين زمن الواقع وزمن النص القصصي، تبين الطريقة الجديدة في التعامل مع زمن الكتابة.‏
الزمن الواقعي يبدأ بممارسة موقف خلال حرب التحرير، ثم ممارسة أخرى بعد الاستقلال، ثم موقف يمليه الموقع الاجتماعي الحاضر، بينما زمن النص يبدأ من حاضر الموقع الاجتماعي ليعود إلى الماضي.‏
وهكذا نتبين من خلال التصنيف السابق، أن هناك ترقيماً عمودياً، يشير إلى تتابع المقطوعات القصصية تبعاً للأشخاص الذين وجه إليهم الشيخ العابد، وهناك ترقيم أفقي بالأرقام لتعيين زمن الخطاب القصصي، ومعه ترقيم بالحروف يراد به الزمن الواقعي للحكاية.‏
فيتضح أن الزمن الأول في واقع الحكاية هو الثالث في الترتيب الزمني للنص، والثاني منها هو الثالث، والثالث هو الثاني.‏
توظيف الزمن بهذا التركيب المدرج، قصة تتضمن قصة أخرى وتستبطنها، لم يكن معهوداً في الكتابة القصصية التي كانت تخضع لترتيب واقعي عادة، يأتي فيه زمن الحكاية مساوياً في ترتيبه لزمن النص.‏
في هذا النوع من الكتابة، لم تعد وظيفة السارد تعبيرية فقط، على نحو ما مر بنا في"الأشعة السبعة". لكنها تتعدى التعبير إلى السعي من أجل التأثير، لأن الكاتب يريد أن يقنع القارئ في نهاية الأمر، بأن البلاد صارت لقمة يتقاسمها الخونة، وأن الماضي المجيد الذي عرف بتضحيات خيرة أبناء الوطن، أصبح سلعة يتاجر بها الوصوليون والانتهازيون . فلابد من إدانة هذا الواقع ولابد من الثورة عليه.‏
الكاتب، إذن يتبنى خطاباً واضحاً، ويفهم عملية الكتابة على أنها رسالة تؤدى وإلا فقدت مبرر وجودها وضاعت مصداقيتها.‏
الماضي يحضر في النص بوصفه مفسراً أيضاً، يضيء مواقف الشخصيات ويعلل لها، ويبدو أن هذا الربط الآلي بين المواقف المشبوهة في الماضي والمواقف المترتبة عنها في الحاضر، يفتقر إلى شيء من الدقة والموضوعية.‏
فما أكثر المجاهدين الأنقياء الذين انغمسوا في حمأة الرداءة منذ الاستقلال، وما أكثر الخونة الذين بقوا في صفوف الفقراء والمحرومين وضحكوا ممن أصابهم الزيف.‏
الكاتب يلعب دور السارد، ولكن"المنولوج" يساعده على تقمص كل شخصية في القصة. فكأنه يقسم جسمه في جسوم كثيرة، ليتشكل من مجموع البناء موقفه الصريح الذي يجسد خطاباً سياسياً / أيديولوجياً صريحاً أيضاً.‏
على أن ظاهرة أخرى بدأت تلوح في قصص"الطاهر وطار" وفي رواياته -فيما بعد- وهي عنايته بانتقاء الأسماء وإعطائها دلالات تتناسب مع مسمارها في النص.‏
من ذلك -مثلاً- "المانع" في قصةالشهداء يعودون هذا الأسبوع)، إشارة إلى أنه خان وتعامل مع الاستعمار يوم وشى بمصطفى، وكانت نهاية العميل أن يعاقب بالقتل، أما هو"منسق القسمة" فقد منع وعاش.‏
ومثله أيضاً اختيار"عبد المجيد بو الأرواح" في الزلزال)، والتقديم والتأخير في تسمية"الشيخ حسن البنا" الذي يرد فيعرس بغل) باسم: "حسن الشيخ"....‏
النموذج الثالث:‏
في مجموعتهالمومس والبحر)(5) ، أول قصة فيها يعود تاريخ كتابتها إلى سنة 1966 يصور أسرة تترقب موت الجدة، وطالت حيرتهم إلى أن انتقلت الجدة إلى غرفة أخرى ثم إلى فناء الدار، ولما أعادوها إلى الفراش كانت قد أسلمت الروح، وعنوان هذه القصة"موت الجدة".‏
وفي قصتهنقوش على الموجة الثانية)، يصور شخصاً يبيع الغرابيل، وتكتب القصة اعتماداً على هواجس يحركها بوار مصنوعاته، ويحركها تفكيره في البحث عن صناعة أخرى، وكان معجباً بعجوز تفتل الحبال.‏
الشرطة تطارده ورجال الدرك لا يقولون شيئاً. وقد قضى حياته يعيش من الأموات، لأنه يجلس بجوار مقبرة تزورها النساء ويشترين منه الغرابيل.‏
وفي قصةالمطلق)، البطل يكفر بالفقر، وينتهي إلى أن الفقر كفر وهذا هو المطلق وهذه هي الثورة ويخاطب أمه قائلاً:‏
وإذا كان الحكم النهائي دون رحمة فقولي لمن يأتي بعدي: "لقد آثر العيش في المطلق فلا تنتظروه"))(6) .‏
وفي قصةالحب والخفاش والبيضة)، شاب يحب فتاة ولكنها لا تبادله نفس الشعور، فاقترح عليه صديقه أن يرشها بدم خفاش، ولما فشلت المحاولة أشار عليه أن يكتب اسمها على بيضة ويضعها على الجمر، فإن هي تشققت من الجهة التي كتب عليها الاسم كان ذلك دليلاً على حبها له.‏
فلما حدث ذلك كما كان ينتظر ويفضل، فرح وراح يعاكس الفتاة بكل ثقة، لأن البيضة تشققت من الجهة التي كتب عليها الاسم، غير أن الفتاة بصقت على الأرض وانصرفت غاضبة.‏
وفي قصةالفراشة) صورة هذا الطفل الذي يطارد فراشه، ويترقب الجرذون غير مبال بنداءات أمه الملحة على ضرورة عودته إلى البيت، وبينما هو يلاحق الفراشة يصل إلى وسط الطريق فيصطدم بسيارة، أخذ السائق يبكي ويسأل عن والديه، ولكن هيهات أن يجيبه أحد، كانت أمه في الجبل تجمع الخروب وأبوه في الهجرة، ولم يعد بعد.‏
وقصةحانة في الطرف الغربي)، تصوير للجو في الحانة والحديث عن المخدرات. تعمدنا الإشارة إلى الموضوعات التي تتعرض لها قصص"مرزاق بقطاش" لنتبين كيف أن موضوع حرب التحرير أخذت تخف وطأته تدريجياً، وأخذ الاهتمام ينصب أكثر فأكثر وبصفة مباشرة على الناحية الاجتماعية مباشرة.‏
على أنه حتى في الكتابات التي كان موضوعها الحرب لم تخل من البعد الاجتماعي إذ قد تحضر الحرب/ الماضي، كشاهد على سوء الحال التي آل إليها وضع البلاد، وتنكر الحاضر للماضي المجيد.‏
وهذا أمر طبيعي بالنسبة لهذه المجموعة القصصية، فباستثناء قصةموت الجدة) التي كتبت سنة 1960، فإن بقية القصص كلها بين سنتي: 1978 و 1980، وقصةالنباح الأخير) كتبت سنة 1974، وهي تعود إلى فترة الكفاح المسلح.‏
إن لهذا التوجه ما يبرره في الواقع، فلم يعد الخطاب المتكئ على الشرعية التاريخية وتمجيد"الثورة" يقنع الأعداد الكبيرة من الشباب البطالين، ولا الفقراء المحرومين ولا حتى أولئك الذين عاشوا ظروفاً قاسية أثناء حرب التحرير، وتجندوا تحت أصوات خطاب يعد بالعدالة والمساواة والغد الجميل، وإذا هم يفتحون أعينهم على أوضاع وممارسات لا تمت بصلة إلى ذلك الخطاب، والأدهى أن الممارسات المشبوهة قد تصدر من أولئك الذين تبنوا الخطاب القديم أكثر من غيرهم. وبإيجاز لم يعد الخطاب الذي يستند إلى الشرعية التاريخية مقنعاً.‏
قصةالمومس والبحر):‏
الأسلوب الذي اعتمده الكاتب يميز هذه القصة عن سائر قصص المجموعة.‏
ويمكن القول أنها تقاطع قصتين أو أنها قصة تكتب قصة أخرى. أو هي قصة الصحفي والمومس بدل المومس والبحر.‏
تمتد قصة الصحفي بشكل أفقي، انطلاقاً من عزمه على إجراء حديث صحفي، وبما أن حديثاً صحفياً مع مومس يخالف الأعراف، ينشأ في نفسه قلق على نشره.‏
ولكنه مصر على تحقيق رغبته، إلا أنه عندما يطل على البيت يرى مجموعة من الناس، كانوا أربعة يتكئون على السور ويطلون على بيت المومس، مما يخلق في نفسه قلقاً آخر.‏
يواصل سيره واصفاً الممر، وضعية الممر السيئة -هي بدورها- تثير في نفسه قلقاً وشكوكاً. هيئة المرأة التي فتحت له الباب تزيده استغراباً. يبدأ في اكتشاف البيت لكن بمجرد ما ينتبه إلى السكير النائم يتضاعف قلقه وندمه على المجيئ أصلاً. ثم إن ما نغص عليه وجوده منذ دخوله بيت المومس هو ركونها إلى الصمت وكلما طال سكوتها ازدادت وساوسه وقلقه وانشغالاته. ولا يجرؤ على أن يسألها إلا في وقت متأخر جداً.‏
والذي يحيره أنها لا تجيب وإن أجابت فبجمل مختصرة على الأكثر.‏
ولذلك فإن الجمل التي نبست بها طيلة اللقاء هي جمل معدودة، فهي تقول:‏
لقد شرب الكحول))(7) ، كره الحياة))(8) ، تقصد السكير الموجود في البيت وتقول للصحفي: أنك لا تفهم في الدنيا شيئاً))(9) ، وهل هي حياة هذه التي نعيشها))(10) .‏
الصيادون لم يخرجوا هذا اليوم))(11) ، البحر متوحش هذا اليوم.... والصيادون لن يأتوا))(12)‏
لم أعيش هكذا))(13) ، يجب أن تعلم أن هذا السكير كان يعيش عالة علي كان صديقاً لزوجي))(14) .‏
لا تعتقد أني كنت مكرهة على إعالته. كنت أفعل ذلك بمحض إرادتي. كنت أريد الوفاء بالعهد لزوجي))(15) .‏
كان هذا السكير صديقاً لزوجي منذ الصغر))(16) .‏
ما الذي يجبرني على أن أقص عليك تاريخ حياتي؟))(17) .‏
اسمع لقد مات زوجي سنة 1962، ونحن على أبواب عالم جديد))(18) .‏
لقد قتل))(19) . في البداية تبنيت ابن شهيد غير أني لم أستطيع الاعتناء به))(20) .‏
كنت أنتظر المنحة كل ثلاثة أشهر))(21) .‏
لقد انتهى المسكين))(22) مشيرة إلى السكير الذي لفظ أنفاسه.‏
أرجوك أخبر رجال الشرطة))(23) .‏
تعمدنا إيراد كل الجمل التي وردت على لسان المرأة / المومس، ليظهر العدد المحدود جداً للكلام الذي تفوهت به طيلة القصة التي تعتبر قصة طويلة بالنظر إلى حجمها فهي تمتد من الصفحة 14 إلى 47، من جهة، ومن جهة أخرى إنها لم تتكلم إلا ابتداء من الصفحة 33.‏
بإمكاننا أن نتصور تقاطع القصتين أفقياً وعمودياً بالشكل التالي:‏
التفكير في المقابلة- المرور بالسور- بالممر- الدخول - رجل نائم- السؤال‏
مسار الصحفي موت السكير ‏

1- كان عالة علي‏
2- زوجي قتل الجواب‏
3- تبنيت ابن شهيد‏



موقع https://www.alsakher.com/vb2/archive/.../t-109970.html









رد مع اقتباس