منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - كل ما يتعلق بالأزمة المالية العالمية يوضع هنا ... !!!
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-05-04, 22:45   رقم المشاركة : 68
معلومات العضو
بوخالفي مسعود
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

الهدف الوحيد لتراكم الإنتاج، لذلك يجب على الإنتاج أن يلاءم الاستهلاك. وأكد أن تطور الرأسمالية يؤدي إلى إفلاس المنتج الصغير، وإلى تفاقم أوضاع العمال المأجورين، وقد أكد أيضاً أن توسيع الإنتاج، يصطدم بحدود لا يستطيع التغلب عليها، لأن تضاؤل استهلاك الجماهير، سيقلل من إمكان تصريف الإنتاج ويقلل من إمكان تحقيق أرباح أصحاب رأس المال. وقد حاولت هذه النظرية فيما يبدو أن تعطي تفسيراً ظاهرياً صحيحاً للأزمة، ولكنها لم تبحث في أسباب تدني الأجور ولا في أسباب سوء توزيع الدخل الذي يقود إلى نقص الاستهلاك الذي يؤدي بدوره إلى حدوث الأزمة.
وقد كان مصطلح الانكماش حديث في الفكر الاقتصادي مثل مصطلح التضخم inflation. ففي المرحلة التي غلبت فيها المدرسة الكلاسيكية كان الانكماش ملحوظاً بوصفه نوعاً من الكساد الاقتصادي يحدث مؤقتاً بانتظار عودة التوازن العفوي بين العرض والطلب، أي بين الإنتاج والاستهلاك إلى حالته الطبيعية. لكن دخول الاقتصاد الرأسمالي في أزمات دورية منذ عام 1825 لفت النظر إلى ظاهرة الانكماش بوصفها وجهاً من أوجه الأزمة يظهر قبل الركود. وكان التضخم الذي لاحظه الاقتصادي جان بودان في القرن السادس عشر قد غدا في القرن التاسع عشر مألوفاً.
ب- الأزمة عند ماركس:يفسر ماركس الأزمات الاقتصادية بالتناقضات الرئيسة في الاقتصاد الرأسمالي التي تتسبب في حدوث الأزمات الدورية العامة. وأكدت هذه النظرية أن السبب الرئيس في حدوث الأزمة وجود تناقض في الإنتاج الرأسمالي، أي التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج. ولم تنفِ النظرية الماركسية وجود تناقض بين الإنتاج والاستهلاك في الاقتصاد الرأسمالي، بل حاولت أن تضع هذا التناقض في موقعه المناسب في تفسير الأزمة الدورية، وترى النظرية الماركسية أن تحليل التناقضات العميقة الملازمة لجوهر أسلوب الإنتاج الرأسمالي يظهر كيف يتم الانتقال من إمكان حدوث الأزمات إلى واقعها، إلى حتمية الأزمات في ظل الرأسمالية.
وفي الاشتراكية، يظهر الانكماش نتيجة تحديد أهداف للخطط الاقتصادية قاصرة عن استخدام جميع الموارد المتاحة أو لأن الإنفاق الإجمالي أقل من قيمة الناتج الإجمالي. أما في البلدان النامية، فيمكن أن يظهر الانكماش ردة فعل للسياسة الهادفة إلى رفع معدلات التنمية بأساليب تضخمية، مما لا تستجيب له البنية الاقتصادية الاجتماعية، فيقع الانكماش.
ج- الأزمة عن كينز: يفسر كينز الأزمات الاقتصادية بعدم كفاية الطلب، ويؤكد أن سبب الأزمة يكمن في القوانين النفسية التي لا تتبدل ومنها «قانون ميل الناس إلى التوفير». وهكذا يربط كينز السبب الرئيس للأزمة بخصائص طبيعة الإنسان التي لا تتبدل، وفوضى الروح الإنسانية، بدلاً من ربطها بخصائص الاقتصاد الرأسمالي النوعية. ويوضح كينز أن مجموع استهلاك المجتمع يتأخر دائماً عن نمو مجموع الدخل الحقيقي، نتيجة خصائص الأفراد النفسية، ويطالب الدولة بالتدخل لحل قضية استخدام أكبر عدد ممكن من اليد العاملة (نظرية الاستخدام الكامل). وهو يعتقد أن معالجة الأزمات الاقتصادية لا يتم إلا بتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية تدخلاً فعالاً، عن طريق تنظيم مقدار الاستهلاك العام والتوظيفات، باستعمال عدد من الأدوات من بينها السياسة الضريبية ورفع سعر الخصم، وغير ذلك. وقد عالج كينز هذه التقلبات والاختلالات خلال الدورة الاقتصادية القصيرة، التي افترض فيها ثبات عوامل أساسية وهي ثبات السكان، وثبات حجم رأس المال، وثبات الفن الإنتاجي. ودون أن يتناول الاستثمار كأحد المتغيرات الأساسية، ونظر إليه بوصفه جزءاً من الإنفاق والطلب الكلي. من غير أن يضيفه إلى الطاقة الإنتاجية. أو يعتبره عنصراً مغيراً لحجم رأس المال والفن الإنتاجي. وبتطبيق المنطق التقليدي على سوق العمالة، فإن التعادل بين طلب وعرض العمل يتحقق في ظل أسلوب تغيرات الأسعار. عن طريق تغيرات الأجور. أما عند كينز فالتوازن يتحقق في ظل أسلوب جمود الأسعار (الأجور) عن طريق زيادة أو نقص العمالة (البطالة). إذ إن البطالة عنده حالة طبيعية للاقتصاد وليست استثناءً. وإذا كانت فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، قد واجهت مشكلة البطالة ونقص الطلب الفعلي، فقد عرف العالم بعد الحرب المشكلة ذاتها، بشكل معكوس. وهي زيادة الطلب الفعلي وزيادة الموجة التضخمية، ولم يصلح التضخم لعلاج البطالة وفقاً لقوانين كينز، وما لبثت أن ظهرت أعراض جديدة في الحالة الاقتصادية، فالبطالة لم تعد المقابل والظاهرة المضادة للتضخم، بل عرف الاقتصاد الدولي ظاهرة اجتماع البطالة مع التضخم في الوقت ذاته. وهو ما عرف بالركود التضخمي.
د- الأزمة عند فريدريك أنجلز: وصف فريدريك أنغلز الأزمة الاقتصادية وصفاً تقليدياً. إذ قال: «تتوقف التجارة، وتزدحم الأسواق، وتتراكم البضائع بكميات هائلة لا طريق لبيعها، ويختفي النقد السائل (السيولة النقدية)، كما يختفي التسليف، ثم تتوقف المصانع، وتفقد جماهير العمال وسائل عيشها، لمجرد أنها كانت قد أنتجت الكثير من هذه الوسائل، بعد هذا تتتالى الإفلاس، كما تتتالى عمليات البيع القسري. ويستمر هذا الانسداد القاسي سنوات طويلة، فتتدمر القوى المنتجة والمنتجات إجمالاً، حتى الوقت الذي تمتص فيه السوق فائض البضائع المتراكمة أي حتى الوقت الذي يستعيد فيه الإنتاج والتبادل مسيرتهما بالتدريج». تأتي الأزمة بعد عدة أعوام من الازدهار والصفقات الجيدة، وتعلن الأزمة عن نفسها عندما تبدأ الهمسات هنا وهناك في الصحف والبورصة، وتسري الإشاعات حول إفلاس بعض المؤسسات، وترتفع نسبة الحسم، مما يزيد في صعوبة التسليف. وتوضح الأزمة عندما تزداد أخبار الإفلاس، ويبدأ البحث لمعرفة مَن المسئول عن حدوث الأزمة، أهي المصارف أم رجال الأعمال، أم رجال البورصة، أم أصحاب المصانع. ويحاول العاملون في البورصة أن يحمّلوا الصناعيين المسؤولية، ويُرجع هؤلاء السبب إلى شح النقد المتداول في البلد وهكذا.
وتوجد حقيقة أكدتها مختلف المدارس الاقتصادية، كالمدرسة الكلاسيكية والمدرسة الماركسية والمدرسة الكينيزية على الرغم من اختلاف منطلقاتها وتوجهاتها، وتتمثل هذه الحقيقة في أن معدل الربح يتجه في النظام الرأسمالي في الأجل الطويل نحو التدهور. وتؤكد هذه الظاهرة ما يعرف بنظرية الدورة الاقتصادية، سواء القصيرة الأمد المكونة من ثلاث سنوات (دورة كيتشن) أو المتوسطة المتراوحة ما بين سبعة إلى عشر سنوات (دورة جاجلر) أو الطويلة المكونة من خمسين أو ستين سنة (دورة كوندراتيف)، فنظرية الدورة الاقتصادية تفسر باتجاه معدل الربح نحو التناقص، حيث تبدأ الدورة الاقتصادية عموما بمرحلة قصيرة نسبيا من الازدهار تم يليها بعد ذلك مرحلة طويلة نسبيا من الأزمة. من هنا صيغت المقولة الشهيرة التي تؤكد على أن تاريخ الرأسمالية عبارة عن سلسلة من الأزمات الدورية الظرفية.وعلى العموم فإن اتجاه معدل الربح نحو التناقص على المدى الطويل يحدث نتيجة التفاوت بين قدرة النظام الرأسمالي الكبيرة على الإنتاج والتراكم المالي من جهة، وبين التدهور الكبير في القدرة على التصريف والاستهلاك نتيجة سوء توزيع الدخل الوطني وتدهور القدرة الشرائية لدى العمال الذين يشكلون القوة الاستهلاكية الرئيسية للنظام من جهة أخرى. وتتجسد الأزمة في انتشار الكساد وتجميد الأجور وتسريح العمال وتفاقم حدة البطالة وتراجع مستوى الاستثمار وتفاقم معدلات التضخم. من هنا يشرع النظام في البحث عن سبل تدبير أزمته بدلا من علاجها، حيث يكون الهدف هو إنتاج نفس الشروط السابقة للإنتاج والتراكم على الصعيدين الداخلي والخارجي ثم السقوط بعد ذلك في أزمة جديدة. ويشكل التفاوت الدائم بين القدرة الهائلة على زيادة حجم الإنتاج وبين القدرة المحدودة على تصريف المنتجات، تناقضا أساسيا يهدد النظام الرأسمالي بعدم التوازن وبصعوبات تكرار الإنتاج الموسع واندلاع الأزمات[1].
2- طبيعة الأزمات الاقتصادية
تعرف الأزماتالاقتصاديةبأنها اضطراب فجائي يطرأ على التوازن الاقتصادي في بلدما أو عدة بلدان. وهي تطلق بصفة خاصة على الاضطراب الناشئ عن اختلال التوازن بينالإنتاج والاستهلاك. ويستعمل الاقتصاديون الغربيون اصطلاح الدورةCycle بدلا منكلمةCrisesالتي تدل على الأزمة، بينما يلاحظ أن هناك فرق بين التعبيرين، فالأزمةتدل على الاختلال أو الاضطراب في حين أن الدورةCycleتدل على الانتظام في التعاقبالذي تخضع له الظواهر الطبيعية[2]. ويمكن تعريف الدورة الاقتصادية أنها تقلبات منتظمة بصورة دورية في مستوى النشاط الاقتصادي، أو أنها بأنها تقلبات في النشاط الاقتصادي الكلى مثل مستويات الإنتاج والعمالة والأسعار..
ويمكن تمييز ثلاثة أنواع من الأزمات الاقتصادية التي يتعرض لها الاقتصاد الرأسمالي وهي: الأزمة الدورية، والأزمة الوسيطة، والأزمة الهيكلية.
§ أما الأزمة الدورية (أزمة فيض الإنتاج) التي تدعى أحياناً «الأزمة العامة» فتصيب تكرار الإنتاج، وتشمل كل عملية تكرار للإنتاج، أو الجوانب الرئيسة فيها: الإنتاج والتداول، الاستهلاك والتراكم. وهذا يعني أن الهزات التي تتولد عن الأزمة الدورية تكون أكثر عمقاً إذا ما ووزنت بغيرها من الأزمات.
§ أما الأزمة الوسيطة، فأقل اتساعاً وشمولاً، ولكنها مع ذلك تمس جوانب ومجالات كثيرة في الاقتصاد الوطني. وتحدث هذه الأزمات نتيجة لاختلالات وتناقضات جزئية في عملية تكرار الإنتاج الرأسمالي: فالأزمات الوسيطة لا يمكن أن تحمل طابعاً عالمياً على النحو الذي يميز الأزمات الدورية العالمية لفيض الإنتاج.
§ أما الأزمة الهيكلية، فتشمل في العادة مجالات معينة أو قطاعات كبيرة من الاقتصاد العالمي، منها، على سبيل المثال، أزمة الطاقة، وأزمة المواد الخام، وأزمة الغذاء، وغيرها. وإذا كانت الأزمة الهيكلية تقتصر على قطاع واحد من قطاعات الاقتصاد فإنه لابد أن يكون قطاعاً مهماً، وأساسياً، كمصادر الطاقة، أو صناعة الحديد والصلب، أو أزمة الغذاء وما إلى ذلك. فالأزمات في الفروع الصغيرة، ولو استمرت مدة طويلة، لا يمكن أن تصبح أزمات دورية، لأنها لا تمس جميع جوانب الاقتصاد الأخرى وقطاعاتها.
ويعتقد أغلب الاقتصاديين بضرورة التفريق بين الأزمات الدورية والوسيطة والهيكلية، مستندين في ذلك إلى عدد من المعايير، أهمها حتمية ظهورها في سياق الدورة الاقتصادية أو عدم حتمية ذلك، وكذلك عمق الأزمة وأثرها في الأطر الوطنية، ثم شمولها أو عدم شمولها كل قطاعات الاقتصاد الوطني. إن كل أنواع الأزمات تعكس تناقضات واختلال توازن في عملية تكرار الإنتاج الرأسمالي، ولكن بأشكال مختلفة، ولها آثارها المختلفة في الاقتصاد العالمي. ففي الأزمات العامة الشاملة للسوق العالمية تبرز كل تناقضات الدولة والاقتصاد الرأسمالي وتفعل فعل العاصفة داخل الدولة وخارجها، أما الأزمات الجزئية (الوسيطة) فتنقل إلى خارج الدولة مشتتةً، منعزلةً، وحيدة الجانب.
لا سبيل إلى فهم الأزمة الممتدة الاقتصادية إلا في ضوء التغيرات الهيكلية الجارية في الاقتصاد الرأسمالي العالمي. فالظاهرة الهيكلية البارزة هي تشابك الأزمة الدورية مع الأزمات الهيكلية التي يبحث رأس المال الدولي عن مخرج منها عن طريق ترشيد الإنتاج على أساس منجزات الثورة العلمية والتقنية. ومن ثم تشابكت الظواهر ذات الطابع الدوري مع الأزمة الهيكلية الطويلة الأمد، ومع الركود في الفروع القاعدية للاقتصاد الرأسمالي. وسيتم الاهتمام هنا بالأزمة الدورية باعتبارها أهم ما يميز الأزمات الاقتصادية، والدورة في الاقتصاد الرأسمالي هي مرحلة من الزمن تبدأ مع بداية أزمة وتنتهي مع بداية أزمة أخرى، مروراً بأربع مراحل أساسية هي: أزمة فانتعاش ونهوض فركود تعقبه أزمة أخرى، وهكذا تتوالى الحركة الدورية لترسم طريق التطور الرأسمالي. والمرحلة الرئيسة فيها هي أزمة فيض الإنتاج، فكل أزمة تكمل الدورة السابقة لها، وتؤدي التناقضات المتراكمة في مسيرة تلك الدورة السابقة إلى الانفجار، معبدة الطريق لتوسع الإنتاج في دورة جديدة تنتهي إلى أزمة تالية. وعلى هذا فالدورة تبلغ ذروتها عندما تبدأ الأزمة التالية في دورة جديدة وهي ما يسمى أزمة فيض الإنتاج.
مراحل الدورة الاقتصادية وخصائصها
يخضع الاقتصاد الرأسمالي لقانون التطور الدوري، وتعد الدورة الاقتصادية السمة الملازمة لهذا الاقتصاد، فهو ينتقل من الانتعاش إلى الركود ثم يعود فينهض من ركوده وهكذا.
1- مرحلة الركود Rescission: وفي تلك المرحلة تهبط الأسعار، وينتشر الذعر التجاري، وتطلب البنوك قروضها من العملاء، وترتفع أسعار الفائدة، وينخفض حجم الإنتاج والدخل، وتتزايد البطالة، كما يتزايد المخزون السلعي. انخفاض التسهيلات المصرفية وارتفاع نسبة الاحتياطي النقدي لدى البنوك وضعف التسويات والإيداعات المصرفية. وتبدأ الأزمة الدورية في الاقتصاد الرأسمالي عندما تظهر فجوة بين إنتاج السلع وتصريفها. وإن عملية التداول السلعي البسيط وانفصال البيع عن الشراء نتيجة لظهور النقود أكدت إمكان حدوث هذه الفجوة. وأدت سيطرة رأس المال، والطابع الاجتماعي للإنتاج، في ظل الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، إلى إمكان حدوث تباعد حقيقي بين فعل شراء السلعة وفعل بيعها كان من نتائجه فيض الإنتاج الذي ترافقه عادة إفلاس كبيرة في المؤسسات الصناعية والتجارية. فالمؤسسة عندما تفقد القدرة على تحويل مخزونها من السلع إلى نقد، تتوقف عن دفع ديونها، ويصاب أصحابها وأصحاب المصارف والمضاربون بالهلع، ويبدأ سباق محموم وراء النقد، فيطالب الدائنون بوفاء ديونهم أو خدمتها. ويتسابق المودعون إلى سحب أموالهم من المصارف وصناديق الضمان والتسليف فتضطر بعض المصارف إلى التوقف عن الدفع وقد تعلن إفلاسها ويتقلص عرض رأس المال الإقراضي ويرتفع معدل الفائدة.
2- مرحلة الكساد Depression:وتتسم بانخفاض الأسعار،وانتشار البطالة، وكساد التجارة والنشاط الاقتصادي في عمومه. وقد أطلق عليها خليل بمصطلح القاع وهي الجزء الأسفل من النشاط الاقتصادي سيئاً بدرجة كافية. وكلما ازداد فائض الإنتاج الخفي وضوحاً، حدث تقلص في الإنتاج فيعمد من أفلس من الرأسماليين إلى إغلاق مؤسساتهم، وتلجأ بعض المؤسسات إلى تقليص أعمالها وخفض إنتاجها، وإلغاء الورديات الإضافية، أو تقليص أيام العمل الأسبوعية أو ساعات العمل، وقد تغلق بعض خطوط الإنتاج، وتقلل من أنواع المنتجات التي تنتجها. ولاشك في أن درجة تقلص الإنتاج تتباين في مختلف فروعه، فيكون هبوطه كبيراً عادةً في الفروع التي تصنع وسائل الإنتاج. ومع تراجع الإنتاج وانخفاض كمياته، يقل حجم النقل وتتراجع الأعمال التجارية، وتنكمش التجارة الخارجية ويحدث انخفاض في أسعار السلع وتكون عواقب ذلك وخيمة جداً في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فتقف عاجزة أمام المؤسسات الكبيرة التي تملك إمكانات أفضل لمواجهة الأزمة. وقد تنتشر البطالة التامة والبطالة الجزئية انتشاراً واسعاً وسريعاً، مع هبوط في مستوى الأجور إلى مادون قيمة العمل، فيزداد بؤسُ الطبقة العاملة ومعاناتها، في حين تتعرض كميات كبيرة من السلع والخبرات إلى التلف والإبادة.
3- مرحلة الانتعاش Recovery : التوسع أو الاستعادة Expansion or Recovery: وفيها يميل المستوى العام للأسعار إلى الثبات،أما النشاط الاقتصادي في مجموعه فيتزايد ببطء، وينخفض سعر الفائدة، ويتضاءل المخزون السلعي،وتتزايد الطلبات على المنتجين لتعويض ما أستنفذ من هذا المخزون". أو توسع ملحوظ في الائتمان المصرفي مع توسع في التسويات والإيداعات". وعند بدء الانتقال من مرحلة الأزمة إلى المرحلة التي تليها، يتوقف الإنتاج عن التراجع، ولكنه يترجح حول مستوى الأزمة المنخفض، ويتسارع امتصاص الاحتياطات السلعية، ويتوقف هبوط الأسعار فتستقر عند المستوى الذي بلغته في نهاية مرحلة الأزمة ولا تحدث انهيارات جديدة ذات شأن في الأسواق، ولكن التجارة تبقى ضعيفة، بطيئة الحركة. ويؤدي تقليص الإنتاج وتراجعه في هذه الأثناء إلى انخفاض مخزون السلع فتبدأ الأسواق بالتحسن شيئاً فشيئاً وينشط تصريف السلع فيها، وتتحسن أوضاع المؤسسات المالية فيقل طلبها على القروض، وتتحسن درجة الثقة بالوضع الاقتصادي فيستأنف المدخرون إيداع أموالهم في المصارف، ويقود ذلك إلى انخفاض معدلات الفائدة في السوق. وهذا يعني أن مرحلة الانكماش هي مرحلة تكيف الاقتصاد الوطني مع شروط الأزمة واستعداده للانتعاش الاقتصادي.
4- مرحلة الرواج Boom : ويطلق عليها القمة Peak، وتتميز بارتفاع مطرد في الأسعار، وتزايد حجم الإنتاج الكلى بمعدل سريع، وتزايد حجم الدخل ومستوى التوظيف".وأضاف خليل أن الطاقة تصبح مستغلة بالكامل، ويبدأ ظهور النقص في العمال وبعض المواد الخام الأساسية. بعد ذلك يبدأ الانتقال تدريجياً، من مرحلة الركود والجمود إلى المرحلة التالية من الدورة وهي مرحلة الانتعاش، ففي هذه المرحلة يبدأ خط الإنتاج والتجارة بالصعود ويقترب الإنتاج حجماً وكميّةً من المستوى الذي كان عليه عشية الأزمة، ثم يتجاوزه، وهذا يعني بدء الانتقال إلى المرحلة التالية من الدورة وهي النهوض والازدهار، ولهذه المرحلة سمات معاكسة تماماً لسمات مرحلة الأزمة ومنها: تزايد الإنتاج لمواجهة تزايد الطلب الفعال، وارتفاع أسعار السلع لزيادة الطلب عليها وتزايد الطلب على قوة العمل وانخفاض عدد العاطلين عن العمل مع ارتفاع في معدلات الأجور.
هذا، وترتبط كل مرحلة من مراحل الدورة الاقتصادية ارتباطاً عضوياً بالمراحل الأخرى، ويعدّ الانتقال من الأزمة والركود إلى الانتعاش فالنهوض حركة صاعدة ترتبط بتغير هيكل الإنتاج الاقتصادي لموا جهة الأزمة من جهة، وبردود الفعل التي تبديها القوى الاقتصادية المختلفة من جهة ثانية. ففي مرحلتي الأزمة والركود تنخفض أسعار السلع فيزداد الطلب عليها، وينخفض الإنتاج فيقل العرض ويتكيف مع حجم الطلب، وهكذا يتم امتصاص فائض السلع في السوق، ومن جهة ثانية، تنخفض أسعار عناصر رأس المال الأساسي وأجور العمل فيزداد الحافز عند الرأسماليين لزيادة الاستثمارات. فيتجه التطور نحو الأعلى، ويزداد الطلب على السلع وتميل الأسعار نحو الارتفاع، فيزداد المردود وتنخفض أسعار عوامل الإنتاج، مما يؤدي إلى انخفاض التكاليف، ويميل الرأسماليون إلى زيادة نشاطهم فيتبدل اتجاه الحركة الهابط نحو الصعود ويبدأ التحول من الأزمة والركود إلى الانتعاش والنهوض. أما الانتقال من الانتعاش والنهوض إلى الأزمة والركود فيتم باتجاه معاكس تماماً. ففي مرحلة النهوض الاقتصادي يزداد الإنتاج، ويفيض عن حاجة السوق فيصبح العرض أكبر من الطلب، وعندما يبلغ الفارق بينهما حداً معيناً تتجه الأسعار نحو الانخفاض، فيقل مردود المؤسسات، في حين يزداد الطلب على عوامل الإنتاج فترتفع أسعارها في السوق، ويؤدي ذلك إلى ارتفاع التكاليف وتدني الطلب الفعال مما يقود إلى كساد السلع ويندفع أصحاب رأس المال إلى تقليص إنتاجهم من جديد فيدخل الاقتصاد الوطني في مرحلة جديدة من الركود والأزمة. وهكذا تتناوب مراحل الدورات الاقتصادية. وتختلف مدة كل مرحلة من المراحل تبعاً لاختلاف شروطها بين بلد وآخر أو من وقت إلى آخر. ولكن هناك سمة عامة ملازمة لتطور الدورة هي أن مرحلة الأزمة والركود أطول من مرحلة الانتعاش والنهوض عادة.

أسباب دورة الأعمال التجارية
يوجد ثلاثة عوامل رئيسية تلعب دورا كبيرا في حدوث دورة الأعمال التجارية
[3]، وهي:
§ العامل الأول: والتوقعات: حيث تلعب التوقعات الدور الأساسي في حدوث دورة الأعمال، ولا تتصف دائما توقعات الناس بالعقلانية وقد وصف العالم الاقتصادي كينز السبب في دورة الأعمال بالأرواح الحيوانية " Animal Spirits "، حيث تأرجح الناس بين التفاؤل المفرط والتشاؤم المفرط والتأثير على السلوك الاقتصادي. فرجال الأعمال يتخذون قرارات الاستثمار على أساس المبيعات المستقبلية والعائد على الاستثمار وهى توقعات غير مؤكدة تتغير بتغير الظروف الراهنة. وإذا كانت الظروف الراهنة غير مناسبة للاستثمار فالمستثمرون قد يتخذون قرارا بعدم الاستثمار مما يحد من معدل نمو الناتج المحلى الإجمالي كما هو واضح في الوقت الراهن. وكذلك المستهلك قد يتخذ قرار بتأجيل شراء السلع المعمرة والكمالية، لذا كانت الأوضاع الاقتصادية سيئة في الوقت الراهن.
§ العامل الثاني: وهو الصدمات الاقتصادية: أي الأحداث الاقتصادية المفاجئة التي تؤثر على العرض والطلب في الاقتصاد مثل الارتفاع المفاجئ في أسعار الطاقة وارتفاع أسعار عناصر الإنتاج. وتشمل الصدمات الاقتصادية أيضا الأحداث العالمية التي تؤثر على التجارة الخارجية واضطراب أسواق المال والكوارث.
§ العامل الثالث: وهو السياسة المالية والنقدية: التي تتبعها السياسة العامة لمعالجه اضطرابات الاقتصاد والتي تلعب دورا كبيرا في توقيت وشكل دورة الأعمال والسرعة التي ينتهي بها الركود من حيث الاعتماد على كمية النقد والحوافز المالية. فقد يعانى الاقتصاد من مؤشرات بداية للركود دون أن يُلاحظ واضعو السياسات ذلك مما يسرع بحدوث الركود
ثالثاً: الإطار الفكري للأزمات المالية
تعرف الأزمة المالية بأنها الانخفاض المفاجئ في أسعار نوع أو أكثر من الأصول. والأصول إما رأس مال مادي يستخدم في العملية الإنتاجية مثل الآلات والمعدات والأبنية، وإما أصول مالية، هي حقوق ملكية لرأس المال المادي أو للمخزون السلعي، مثل الأسهم وحسابات الادخار مثلاً، أو أنها حقوق ملكية للأصول المالية، وهذه تسمى مشتقات مالية، ومنها العقود المستقبلية (للنفط أو للعملات الأجنبية مثلاً) فإذا انهارت قيمة أصول ما فجأة، فإن ذلك قد يعني إفلاس أو انهيار قيمة المؤسسات التي تملكها وقد تأخذ الأزمة المالية شكل انهيار مفاجئ في سوق الأسهم، أو في عملة دولة ما، أو في سوق العقارات، أو مجموعة من المؤسسات المالية، لتمتد بعد ذلك إلى باقي الاقتصاد قد يحدث مثل هذا الانهيار المفاجئ في أسعار الأصول نتيجة انفجار"فقاعة سعريه" مثلاً. والفقاعة المالية أو السعرية، أو فقاعة المضاربة كما تسمى أحياناً، هي بيع وشراء كميات ضخمة من نوع أو أكثر من الأصول المالية أو المادية، الأسهم أو المنازل مثلاً، بأسعار تفوق أسعارها الطبيعية أو الحقيقية.
وتتعدد النظريات المفسرة لظهور الأزمات المالية وتختلف من حيث نوع هذه الأزمات كما تختلف أيضا في حدتها وتأثيرها ومداها الزمني. فمنها ما قد ينتج عن ذعر مصرفي "Banking Panic"، والذي بدوره يترتب عليه كساد أو انكماش في النشاط الاقتصادي؛ بينما في أحيان أخرى قد يكون السبب انهيار حاد في أسواق الأسهم خاصةً بعد وجود فقاعة Bubble، في أسعار بعض الأصول، أو بسبب أزمة عملة وانهيار سعر الصرف مما ينتج عنه عدداً من الآثار السلبية على المسار التنموي للاقتصاد القومي.
وتشير الأدبيات الاقتصادية إلى الجدل الدائر حول إلقاء ظلال المسئولية على النظام الرأسمالي. فهناك من يرفض النظام الرأسمالي برمته، فوفقا لنظرية "مينسكي" فإن القطاع المالي في الاقتصاد الرأسمالي عامة يتسم بالهشاشة أو ما أسماه "FinancialFragility" وتختلف درجة هشاشة القطاع المالي باختلاف المرحلة التي يمر بها الاقتصاد من مراحل الدورات الاقتصادية، ومن ثم تزيد خطورة حدوث أزمة في ذلك القطاع على الاقتصاد ككل. و تدور نظرية "مينسكى" في تفسير الأزمات المالية في النظام الرأسمالي على أن أي اقتصاد يمر بالمراحل المعروفة للدورة الاقتصادية، فبعد مرور الاقتصاد بمرحلة كساد، تفضل الشركات تمويل أنشطتها بحرص وعدم تحمل مخاطر كبيرة في تعاملها مع القطاع المالي، وهو ما يسمى "التمويل المتحوط". وفي إبان مرحلة النمو، تبدأ التوقعات المتفائلة في الطفو على السطح وتتوقع الشركات ارتفاع الأرباح، ومن ثم تبدأ في الحصول على التمويل والتوسع في الاقتراض بافتراض القدرة المستقبلية على سداد القروض بلا مشكلات ُذكر. وتنتقل "عدوى" التفاؤل بدورها بعد ذلك إلى القطاع المالي، ويبدأ المقرضون في التوسع في إقراض الشركات دون تحوط كاف أو التحقق من قابلية استرداد القروض مجدداً، ولكن بناءً على قدرة تلك الشركات على الحصول على تمويل مستقبلي نظراً لأرباحهم المتوقعة. وفى ذلك الوقت يكون الاقتصاد قد تحمل مخاطرةً بشكل معنوي في نظام الائتمان. وفى حال حدوث مشكلة مادية أو أزمة مالية لكيان اقتصادي كبير يبدأ القطاع المالي في الإحساس بالخطر مما يؤثر على قابليته للإقراض، الأمر الذي يؤثر بدوره على قدرة معظم الكيانات الاقتصادية على سداد التزاماتها، وتبدأ الأزمة المالية التي قد لا يتمكن ضخ أموال في الاقتصاد من حلها، وتتحول إلى أزمة اقتصادية تؤدى لحدوث كساد ويعود الاقتصاد لنقطة البداية مجدداً.
وسيتم التركيز هنا علي الأزمات المصرفية وأزمات أسعار العملات، ولا يوجد تعريف أو مفهوم محدد للأزمة المالية، لكن من المفاهيم المبسطة لمصطلح الأزمة المالية، هو أن الأزمة المالية هي اضطراب حاد ومفاجئ فى بعض التوازنات الاقتصادية يتبعه انهيار في عدد من المؤسسات المالية تمتد آثاره إلى القطاعات الأخرى.

أولا: الأزمات المصرفية
في البداية يجب التفرقة بين نوعيين أساسين من الأزمات المصرفية:
1- الأولي: أزمة السيولة لدي البنك، وتظهر تحدث عندما يواجه بنك ما زيادة كبيرة ومفاجئة فى طلب سحب الودائع. وبما أن البنك يقوم بإقراض أو تشغيل معظم الودائع لديه ويحتفظ بنسبة بسيطة لمواجهة طلبات السحب اليومي، فلن يستطيع بطبيعة الحال الاستجابة لطلبات المودعين إذا ما تخطت تلك النسبة، وبالتالي يحدث ما يسمى بـأزمة سيولة لدى البنك. وإذا حدثت مشكلة من هذا النوع وامتدت الى بنوك أخرى، فتسمى فى تلك الحالة أزمة مصرفية "Systematic Banking Crisis".
2- الثانية: أزمة الائتمان: وتحدث عندما تتوافر الودائع لدى البنوك وترفض تلك البنوك منح القروض خوفاً من عدم قدرتها على الوفاء بطلبات السحب تحدث أزمة فى الإقراض، وهو ما يسمى بـأزمة الائتمان او Credit Crunch.
وبصفة عامة، تعرف أزمات البنوك أو الأزمات المصرفية فيتم تعريفها بأنها الحالة التي تصبح فيها البنوك في حالة إعسار مالي بحيث يتطلب الأمر تدخلا من البنك المركزي لضخ أموال لهذه البنوك أو إعادة هيكلة النظام المصرفي، ويعرف البعض الآخر الأزمة المصرفية[4] بأن الدولة تكون فيها أزمة مصرفية حينما تكون الالتزامات الموجودة في المؤسسات المالية والتي تكون الجزء الأكبر من النظام المصرفي تفوق قيمة الأصول المقابلة لها لدرجة أن يكون دخل النظام المصرفي غير كاف لتغطية نفقاته، وتنقسم الأزمة المصرفية إلى إعسار وأزمة سيولةInsolvency and illiquidity ، أما النظام المالي المتين فهو ذلك النظام الذي تكون فيه معظم البنوك في حالة يسار مالي ويتوقع استمرار هذا الحال لفترة طويلة[5] . وهناك من ينظر الي الأزمة المالية المصرفية بأنها فترة تكون فيها معظم البنوك في حالة عدم سيولة أو إعسار[6].
ومن التعريفات السابقة يتضح لنا أن مشاكل السيولة والإعسار تعتبر من الملامح أو المظاهر العامة للأزمات المالية، ويتم التفرقة بين أزمة السيولة والإعسار باعتبار أنه في الحالة الأولى ( أزمة السيولة ) يكون البنك غير قادر على الوفاء بالتزاماته العاجلة تجاه دائنيه حتى لو كانت القيمة الحالية لأصوله موجبة بمعنى أنه لا يملك الأموال الكافية لمواجهة طلبات سحب المودعين في لحظة ما، على الرغم من أنه يمكنه القيام بذلك في أوقات أخرى ، أما الإعسار فهو اشد خطورة فالتزامات البنك تفوق القيمة الحالية للأصول ويكاد يكون البنك في حالة إفلاس فعلى[7]، ولا يقتصر الأمر على هاتين الظاهرتين المصاحبتين للأزمات المالية بل هناك مظاهر أو أعراض أخرى بعضها يرجع لعوامل خارجية والبعض الآخر لعوامل داخلية ، وتشير معظم الدراسات إلى وجود مزيج من هذه العوامل مثل تدهور معدلات التبادل الدولي، الارتفاع الحاد في أسعار فائدة الدولار الأمريكي ، تباطؤ أداء الاقتصاد العالمي، تزايد العجز المالي الداخلي، انخفاض قيمة العملة ، وقد وضعت أزمة شرق آسيا في 97 –1999 أسواق المال في بؤرة الاهتمام ، وبشكل عام يمكن استعراض الأعراض المختلفة التي أجمعت عليها الدراسات العديدة للأزمات المالية في الآتي[8]
1. ركود أو تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي
2. خصائص هيكلية (اتجاه رؤوس الأموال الأجنبية للهروب للخارج) وتزداد خطورة ذلك حينما يكون جزءا كبيرا من الائتمان موجها للقطاع الخاص
3. المخاطر المعنوية (قيام رجال البنوك بالإفراط في الإقراض بدون ضمانات كافية ) مما يعنى تزايد المخاطر.
4. تؤدى المعلومات غير الكاملة أو غير الصحيحة أثناء الأزمة إلى قيام كل من المستثمرين والمقرضين باتخاذ قرارات خاطئة أسوة بالآخرين ( سلوك القطيع ) ويؤدى ذلك إلى تعميق الأزمة وزيادة الخسائر خصوصا حينما يقوم المستثمرون بتسبيل الأصول التي يمتلكونها.
5. هيكل تدفقات رأس المال الأجنبي عنصر هام فكلما كانت تلك التدفقات قصيرة الأجل تزايد ميل الاقتصاد لتعرضه لأزمة مصرفيه.
6. تلعب الصدمات الخارجية دورا هاما فارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية يؤدى إلى تدهور معدلات التبادل وانخفاض قيمة الصادران
7. قد تكون أسعار الصرف الحقيقية غير موجهة بشكل سليم
8. هروب رؤوس الأموال للخارج ، ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقي يؤدى إلى ارتفاع نسبة الديون الغير قابلة للتحصيل ، وانهيار أسعار الأصول وتبدأ عملية الدولرة لتعقد من مشاكل البنوك بدرجة اكبر.
9. انهيار العملة يؤدى إلى تدهور أوضاع البنوك وتزايد خسائرها وتعرضها للإعسار وتنشأ معها أزمات مصرفية جديدة.
ثانياً: أزمات العملة وأسعار الصرف
تحدث أزمات العملة وأسعار الصرف عندما تتغير أسعار الصرف بسرعة بالغة بشكل يؤثر على قدرة العملة على آداء مهمتها كوسيط للتبادل أو مخزن للقيمة، لذلك تسمى هذه الأزمة أيضاً بأزمة ميزان المدفوعات. وتحدث تلك الأزمات لدى اتخاذ السلطات النقدية قرار بخفض سعر العملة نتيجة عمليات المضاربة، وبالتالى تحدث أزمة قد تؤدى لانهيار سعر تلك العملة، وهو شبيه بما حدث فى تايلاند وكان السبب المباشر فى اندلاع الأزمة المالية فى شرق آسيا عام 1997. وعلى الرغم من أن قرار تعويم أو خفض سعر صرف العملة الوطنية قد يبدو قراراً تطوعياً من السلطة النقدية، الا أنه فى أغلب الحالات يكون قراراً ضرورياَ تتخذه فى حال وجود قصور فى تدفقات رأس المال الأجنبى أو تزايد فى التدفقات الخارجة. بعض تلك الأزمات لها أثر محدود على القطاع غير المالى، أما البعض الآخر فيلعب دوراً أساسياً فى تباطؤ النمو الاقتصادى وحدوث الانكماش بل قد تصل الى درجة الكساد.
ويري البعض أن انخفاض العملة بنسبة تزيد عن 25% علي مدار سنة كاملة كي يمكن القول أن هناك أزمة عملة، وان يكون قد مضي ثلاث سنوات علي أخر أزمة عملة. أما "كوبر" Cooper في دراسة له سنة 1971 فقد حدد التدهور في قيمة العملة الذي يعد كأزمة بحوالي 10% فقط[9].
وتشير الدراسات إلي تطور نظرية أزمات العملة currency crises خلال ثلاث مراحل تاريخية[10]:
1- نظريات الجيل الأول: قدمت نظريات الجيل الأول تفسير اضطرابات أسواق العملات بدول أمريكا اللاتينية في السبعينات والثمانينات، والتي تتلخص في عدم توافق التوسع النقدي مع نظام أسعار الصرف الثابتة[11]. بل إن من الدراسات الحديثة ما أصلت لأثر التوسع المالي (عجز الموازنة) علي أزمات الصرف، فإذا ما تواكب هذا العجز مع تدهور في الاحتياطيات الخارجية فان المضاربات كفيلة بتدهور قيمة العملة الخارجية بشكل كبير. أن عدم التوافق بين سياسات التوسع المالي والنقدي تؤديان إلي زيادة العجز الخارجي، ومع تطبيق نظام سعر الصرف الثابت فإن تدهور الاحتياطيات الخارجية وحده كفيل بالتنبيه لقرب الأزمة، وهو ما يدفع إلي إشعال المضاربات علي قيمة العملة فتحدث الأزمة[12]. وقد قدم مفكرو الجيل الأول قائمة من المتغيرات الاقتصادية التي يمكن من خلالها التنبؤ بقرب الأزمة مثل نسبة العجز إلي الناتج المحلي الإجمالي, وحجم المعروض النقدي (M2), ومعدل التضخم, ونسبة الاحتياطيات الخارجية إلي الناتج المحلي الإجمالي، وتغير معدل الصرف الحقيقي والعجز بالميزان التجاري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، ومؤشر الكفاءة الاقتصادية[13].
2- نظريات الجيل الثاني: قدمت نظريات الجيل الثاني لشرح الأزمات المالية أوائل التسعينات حيث لعب المضاربين الدور الأهم في أزمات الصرف تلك، فقد لجأت دول عديدة إلي زيادة المعروض النقدي بهدف تحقيق النمو الاقتصادي, فإذا تواكب هذا التوسع مع نظام ربط العملات pegged exchange rate فان الانهيار حتمي بمجرد فقدان الثقة في الاقتصاد حيث تنشط المضاربات علي أسعار العملات لتؤدي إلي أزمة العملة، كما أن عدوي الأزمات تعلب دورها في هذا الصدد [14]. إن تطبيق نظام ربط العملاتيتطلب توافر احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية، أوعلي الأقل تدفقات مستمرة إلي الداخل، سواء من فائض الميزان التجاري أو فائض ميزان رأس المال، ولو بالاعتماد علي الائتمان من الخارج, وهذا التمويل يسمح لصانع القرار بالتدخل للدفاع عن سعر الصرف المعلن. فإذا هبطت الاحتياطيات المركزية إلي المستوي الذي يصعب التنازل عنه, فمن المتوقع أن يضطر صانع القرار إلي التنازل عن السعر المعلن, حتى وان ساند الاحتياطي مديونية جديدة، فان المضاربات علي قيمة العملة كفيلة بدفع صانع القرار إلي التخلي عن السعر المعلن. والواقع ان نظام الربط يوفر مستقراٍٍِِ اسميا nominal anchor هام لتحقيق مصداقية النظم الاقتصادية وضبط معدلات التضخم, إلا انه يشجع في الوقت ذاته تدفقات رؤؤس الأموال قصيرة الأجل والاستدانة خارجيا، ولذا فهو لا يصمد كثيرا في حالة الأزمة. ولكن يعارض ذلك بعض الاقتصاديين، فقد استنتجت دراسات عدة أن المشكلة في أزمات العملة والأزمات المالية تكمن في طبيعة النظام المالي أكثر من مشكلة نظام ربط العملات[15].
3- نظريات الجيل الثالث: يعتمدالجيل الثالثلنظرية أزمات العملةعلي عدم التوازن بين عدد من المتغيرات الاقتصادية (مثل الديون قصيرة الأجل والاحتياطيات من العملات الأجنبية) كأساس لتفسير المضاربة علي أسعار العملات التي غالبا ما تنتهي بأزمات العملة[16]. ويري آخرون ان هناك سببين رئيسيين للازمات المالية في أواخر التسعينات, الأول: التشوهات الناتجة عن التوسع الكبير، فالزيادة الكبيرة في تدفقات الحافظة - الناتجة عن الفروق الكبيرة في معدلات الفائدة ونظام ربط العملات- قد حسنت من التوقعات التفاؤلية، ووفرت عائد كبير للاستثمار المالي. الثاني: ان التدفقات الكبيرة قد أدت إلي تراخي في قواعد الحيطة والحذر للاستثمار المالي، وتدهور في محافظ القروض بالمؤسسات المالية, فزادت القروض التي أدت لأزمات البنوك وأخيرا انتهت بانهيار أسعار العملات، وهذا الأخير في ظل مديونيات بالعملات الأجنبية قد ضاعف من قيمة هذه الديون بالعملات المحلية المنهارة[17].
وكما تلعب التوقعات دورها في التدفقات للداخل فإنها تلعب دورها أيضا في التدفقات للخارج انتهاء بالأزمة.هناك دراسات عدة عمدت إلي تأصيل الأزمة في برامج التحرير المالي ذاتها, ان فتح الباب أمام التدفقات الخارجية دون مراعاة لمدي قدرة المؤسسات المالية علي التعامل مع هذه التدفقات بكفاءة، ودون توافر الأطر القانونية اللازمة، وضعف تنفيذ الأحكام بوجه عام، بل وانتشار البيروقراطية والرشوة, جميعها مقدمات لأزمة مالية أكيدة.[18] وتشير فرضية التوقف المفاجئ لشرح أمرين، الأول اثر تدفقات رؤؤس الأموال الضخمة للخارج علي الأزمات المالية، والثاني اثر الانخفاض الشديد في هذه التدفقات علي عرض السيولة المحلية، والتي تؤدي إلي ركود اقتصادي انتهاء بالأزمة المالية. ويعتقد أن القناة المباشرة التي تظهر من خلالها حركات رؤؤس الأموال أثارها السلبية هي معدل الصرف الحقيقي. وما يؤدي إليه الأخير من زيادة كبيرة في جانب الخصوم سواء للأفراد أو للحكومات، و بخاصة هؤلاء الذين لديهم ديون بالعملات الأجنبية[19]. وفي هذا الإطار عللت أزمة العملة في تركيا أوائل القرن الحالي من خلال ضعف الادخار وتراكم رأس المال محليا، وبمجرد ان توقفت التدفقات الخارجية لعبت المضاربات علي سعر الصرف المربوط دورها في الإطاحة بقيمة العملة[20].
ثالثاً: أزمات أسواق المال
تعرف أزمات أسواق المال بأنها عن اضطراب في أسواق المال والذي يكون فيه سوء الاختيار والمخاطر المعنويةMoral Hazards سيئة لدرجة أن سوق المال يكون غير قادر على توجيه الأموال بكفاءة إلى هؤلاء الذين يكون لديهم أفضل الفرص الاستثمارية[21]. وتحدث العديد من الأزمات في أسواق المال نتيجة ما يعرف اقتصادياً بظاهرة "الفقاعة" "bubble". حيث تتكون "الفقاعة" عندما يرتفع سعر الأصول بشكل يتجاوز قيمتها العادلة، على نحو ارتفاع غير مبرر. وهو ما يحدث عندما يكون الهدف من شراء الأصل – كالأسهم على سبيل المثال – هو الربح الناتج عن ارتفاع سعره وليس بسبب قدرة هذا الأصل على توليد الدخل. فى هذه الحالة يصبح انهيار أسعار الأصل مسألة وقت عندما يكون هناك اتجاهاً قوياً لبيع ذلك الأصل فيبدأ سعره فى الهبوط، ومن ثم تبدأ حالات الذعر فى الظهور فتنهار الأسعار ويمتد هذا الأثر نحو أسعار الأسهم الأخرى سواء في نفس القطاع أو القطاعات الأخرى.
ومن التفسيرات الحديثة للأزمة المالية ما طرحته نظرية المباريات "game theory" تحت ما يعرف "بمباريات التنسيق بين اللاعبين في الأسواق المالية" Coordination Games". إذ تؤكد أدوات التحليل الإقتصادى وجود علاقات موجبة بين القرارات التي يتخذها لاعبو الحلبة الاقتصادية (المضاربون، المستثمرون،....). فقد يكون قرار المستثمر في كثير من الأحيان باتخاذ الاتجاه الذي يتوقع هذا المستثمر الآخرين أن يتخذوه. بمعنى آخر، قد يكون قرار شراء أصل ما، بناءً على التوقع بأن قيمة ذلك الأصل ستزداد، وأن له القدرة على توليد دخل مرتفع. بينما في أحيان أخرى قد يتخذ المستثمر القرار ذاته نظراً لتوقعه قيام المستثمرين الآخرين بأخذ ذات القرار، حينئذ، تبدو الصورة مختلفة. وقد أكدت بعض النماذج الرياضية التي استخدمت لتحليل أزمات العملة مثل نموذج "بول كروجمان PaulKrugman" – ذلك السلوك. على سبيل المثال أن نظام سعر الصرف الثابت قد يحتفظ باستقراره لفترة طويلة، ولكن قد يحدث له انهيار سريع لمجرد وجود عوامل قد تسبب أن يتوقع الآخرون انخفاض سعر الصرف، ومن ثم يبدأ السعر في الانخفاض وربما الانهيار فعلياً.
ويحدث انهيار الأسواق المالية ظاهرة تحدث عادة بعد فترة طويلة من الانتعاش تصل فيها مكررات الأرباح ومعدلات العوائد إلى معدلات مرتفعة نسبياً بما لا يتناسب مع القيمة الحقيقية للشركات وتنتهي إلى حدث أو أحداث اقتصادية تؤدي إلى عمليات بيع مكثفة للخروج بأقل خسائر ممكنة (هلع) ما يؤدي إلى انحدار حاد في القيم السوقية للشركات ولمؤشرات الأسواق المالية. وهنا قد يتعجب الكثيرون من حدوث ذلك الانهيار أحياناً على الرغم من متانة العوامل الأساسية للاقتصاد أو حتى العوامل الأساسية للشركات نفسها. كما أن النظريات المالية والاقتصادية المستندة بشكل أساسي إلى افتراض السلوك العقلاني للأفراد تعجز عن تفسير مثل هذه الظاهرة. لكن التعامل مع مثل هذه الأزمات ومحاولة تفسيرها يجب أن يتم في إطار التفسير الاجتماعي والسلوكي لمثل هذه الظواهر. إذ إن التفسير الاجتماعي والسلوكي يقدمان تفسيراً لا يستند إلى الافتراض الاقتصادي غير الواقعي المتعلق بأن كل فرد يتصرف بشكل عقلاني مما يسهم في تفسير أكثر منطقية لسلوك الأفراد الاستثماري, خصوصاً في مثل الأزمات المالية الحالية. وفهم المشكلة من هذا الجانب سيؤدي إلى التعاطي معها بشكل أكثر إيجابية سواء من الفرد المستثمر أو من صانع القرار الاقتصادي الذي يهدف بشكل أساسي إلى استقرار الوضع الاقتصادي العام في الدولة.
وأحد التفسيرات الاجتماعية الأساسية يأتي من خلال نظريات السلوك الزحامي (أو التزاحمي) Crowd Behavior والمتضمن أن الأشخاص العاديين يكتسبون قوة أكثر بالتصرف بشكل جماعي وذلك استناداً إلى الدليل التاريخي الذي يؤكد أن الجماعة أكثر قدرة على إحداث التغيير من الفرد بما يتوافق أيضاً مع المثل الشعبي السائد القائل: (الموت مع الجماعة رحمة). أما التفسير السلوكي فيأتي من خلال نظرية التغذية الرجعية الإيجابية والمتضمنة أن عملية التصرف الاستثماري بواسطة أحد الأفراد (بيع أو شراء) يؤدي إلى تصرف بالاتجاه نفسه من قبل مستثمر آخر ما يؤدي إلى مضاعفة المحصلة النهائية للسلوك الفردي. وهناك بالطبع نظريات أخرى تحاول تفسير السلوك الاستثماري للأفراد خلال الأزمات الاقتصادية ومن ضمنها تفسيرات تعتمد على النماذج الرياضية البحتة لكني أجد أن أكثر التفسيرات منطقية وقبولاً في مثل هذه الأزمات تلك التي تعتمد بشكل أساسي على مزيج من التفسير الاجتماعي والسلوكي (النفسي) لسلوك الأفراد. وإذا سلمنا بمنطقية النظريتين المشار إليهما فإن تجنب انهيار في سوق المال يمكن أن يتم من خلال تغيير قناعات الأفراد التي ترسخت بسبب الحدث الاقتصادي الأساسي الذي قاد إلى عملية التزاحم السلوكي Crowd Behavior والذي تمت مضاعفته عن طريق التغذية الرجعية الإيجابية Positive Feedback.
رابعاً: الأزمة الاقتصادية الحالية
يمر العالم في الوقت الراهن بأزمة مالية مغايرة للأزمات الاقتصادية التقليدية التي لا تتعدى المؤسسات المصرفية أو الأسواق المالية، ويميزها قصر المدة وعدم تداخلها مع معطيات المنظومة الاجتماعية بصورة مباشرة وفق ما يعرف بعمق الأزمة. وقد كانت غالبية الأزمات أزمات مالية وتتميز بالقصر ونتاج توجهات استثماريه معينة، مع عدم تداخلها في كافة مجالات الحياة الاجتماعية. أما ما نراه اليوم فهو تداخل اقتصادي اجتماعي تعدى في حدته الاستثمار إلى ضروريات الحياة اليومية من سلع وخدمات. إن معطيات الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الولايات المتحدة، والتي ألقت بظلالها على مراكز مالية مهمة كالمملكة المتحدة، من خلال تعثر الأداء المصرفي وانعكاساته على السوق العقاري والاقتراض المصرفي وصولا إلى السيولة المصرفية مع الإقراض غير المدروس، نتجت عنها أزمة اجتماعية فرضت على صناع القرار مراجعة الأداء المالي وكفاءته في متابعة وتقييم الحياة الاقتصادية. ويمكن تخليص الأسباب التي أدت إلي جعل الأزمة الحالية مغايرة للأزمات المالية السابقة يما يلي:
  • أنها حدثت في قطاعات عدة مع أداء اقتصادي جيد بل وبيئة استثمار إيجابية.
  • ركود اقتصادي سببه قرارات وسياسات اقتصادية، بينما في السابق كانت أسبابه خارجية كالحروب أو الكوارث الطبيعية، أي خارجة عن القرار الاقتصادي.
  • ركود مالي سببه الاستثمار المفرط وليس عزوف المستثمرين.
  • الركود الاقتصادي تعدى الإضرار بالاستثمار إلى الإضرار بالاستهلاك من سلع وخدمات.
  • أزمة مالية لم يعالجها تخفيض سعر الفائدة، وليس سببها الرئيسي ارتفاع سعر الفائدة.
  • حالة من زيادة الناتج القومي مع ارتفاع نسبة البطالة.
  • أن زيادة سعر الوقود ليس سببها الدول المصدرة ولا قلة الإنتاج، وإنما الدول المستهلكة وخاصة أوروبا من خلال الضريبة التي تفرضها تلك الدول.
وقد بدأت الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية ولكن سرعان ما انتقلت إلي بقية دول العالم، وذلك من خلال عدة قنوات هي:-
§ أسواق رأس المال حيث إن هذه الأسواق هي أسرع الأسواق نقلاً للأزمات؛ حيث إن حرية تدفق رؤوس الأموال أكثر من تدفق السلع والعمالة، ومن المعروف أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد في نموه المستمر وزيادة قدراته الإنتاجية على المدخرات الأجنبية التي ترد إليه من مختلف دول العالم، وهو ما يعني أن خفض أسعار الفائدة على الدولار سيؤثر على تدفقات رؤوس الأموال إلى، ومن الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة إلى الدول النامية.
§ أسواق السلع وهي تأتي في المرتبة الثانية من حيث سرعة نقل الأزمات الاقتصادية، حيث يقلل تراجع النشاط الاقتصادي الأمريكي من واردات من مستلزمات الإنتاج، مثل النفط الذي تستورد منه حوالي 50% من احتياجاتها الكلية، وهو ما يعني نقل آثار الركود الأمريكي إلى مصدري النفط في العالم بما فيها الدول العربية، وهكذا بالنسبة لبقية السلع.
§ أسواق العمل وهي أقل الأسواق من حيث سرعة نقل آثار الأزمات الاقتصادية بين دول العالم، ولن يظهر هذا الأثر إلا بعد فترة لتؤثر على فرص العمل في الأسواق الأمريكية، وترفع معدلات البطالة في معظم دول العالم خاصة في العمالة غير الماهرة.
أ. أسباب الأزمة الاقتصادية الحالية
تنوعت وتعددت تفسيرات الأزمة الاقتصادية الحالية، ويمكن إجمال تلك الأسباب فيما يلي:
1- انتفاخ الاقتصاد الحقيقي: وإذا كانت الأزمة المالية الحالية التي يمر بها العالم هي نتاج الإفراط والتفريط، الإفراط "في التمويل لصالح الربح الوفير" والتفريط "بالأمان لصالح ركوب المخاطر العالية"، فإننا نعتقد أيضا أن فقاعة الاقتصاد المالي التي نجمت عن "الإفراط والتفريط" قد أدت إلى انتفاخ الاقتصاد الحقيقي الذي ظهر بشكل ارتفاعات مغال بها في قيم الأصول بكل أنواعها الحقيقية والمالية، والمادية الملموسة والكامنة، والظاهرة والخفية ولقد نجم عن هذا الانتفاخ شعور بالإثراء لدى الدول والأفراد أفرز بدوره ميلا نحو نمو الإنفاق والاستهلاك في الاقتصادات المتقدمة وانتقل منها إلى الاقتصادات الناشئة عبر الطلب المتزايد على صادرات هذه الدول التي انتعشت اقتصاداتها الحقيقية. ولكن تأسيسا على فقاعة الاقتصاد المالي للدول المتقدمة وهكذا كانت العولمة المالية وسيلة لنقل الفقاعة إلى كل الاقتصاد العالمي. فالدول ذات الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند اللتين تضمان أكثر من ثلث سكان الكرة الأرضية (بنسبة 37.1%) حسب بيانات 2009 بدأت تحقق بفضل انتشار فقاعة الاقتصاد المالي العالمية نموا متسارعا نجم عن تزايد الطلب على صادراتها ومكنها من الحصول على فوائض تجارية عالية وعززت النمو ونتيجة لهذا النمو الكبير في الناتج المحلي العالمي الذي ارتفع إلى ما يقرب من ثمانية أمثال ما كان عليه منذ 1950 مرتفعا من حوالي سبعة تريليونات دولار إلى ما يقارب الخمسين تريليونا في 2008 في وقت تزايد السكان بأكثر من الضعف فقط من ثلاثة تريليونات إلى 6.6 تريليونات في 2008، نتيجة لذلك فقد أصبحت المنافسة على الموارد خصوصا الناضبة والمنافسة على السلع تشكل سمة جديدة للاقتصاد العالمي، حيث بدأت نسبة الاستهلاك الأسري في العالم ترتفع لصالح الدول النامية على حساب الدول الغنية التي كانت تستحوذ على 80% في عام 1998 لتصبح هذه الحصة في أوائل العام الماضي 65%، في حين ارتفعت حصة الاستهلاك الأسري للدول النامية والاقتصادات الناشئة إلى 35%. ولقد كان من أبرز تجليات هذه المنافسة الحادة على الموارد والسلع هو الارتفاعات الجنونية في أسعار الموارد الرئيسية في أوائل العام 2008 حيث ارتفعت أسعار النفط والسلع الأولية والخام إلى مستويات قياسية غير مسبوقة نتيجة المضاربات العفوية التي جرت في البورصات العالمية والتي بدورها نجمت بشكل عفوي عن الشعور بأن الموارد شحيحة بعد أن بدأت قيمة الدولار تجاه العملات الرئيسية في التراجع بشكل متواصل، حيث كان الهروب من الدولار إلى السلع الحقيقية الحيثيات أعلاه تشير إلى أن فقاعة الاقتصاد المالي التي بدأت من فقاعة الرهن العقاري وامتدت للائتمان المصرفي[22].
2- هروب رؤوس الأموال من القطاع الحقيقي للاستثمار فيالقطاع المالي وهذا الأمر يؤدي إلى تحول الكثير من المستثمرين في الأسهم الذينينتظرون الأرباح التي تدرها الأسهم إلى (مضاربين) يقتنصون فرص البيع والشراء فيالأمد القصير، وعندما يتحول المستثمرون إلى مضاربين تصبح أسعار الأسهم والسندات فيسوق الأوراق المالية (البورصات) غير حقيقية أي إنها غير معبرة عن الأصول الرأسماليةوالمركز المالي والإنتاج والأرباح للشركات التي تتداول أسهمها في السوق وإنماتتعاظم أسعار هذه الأسهم في ظروف من المضاربة والتوقعات المتفائلة المغالى فيهالتكون تلك الارتفاعات تراكمية وجامحة سرعان ما تصل إلى الذروة التي يشعر عندها مالكوالأسهم أن قيم الأسهم في تلك اللحظة غير مستندة إلى أصول حقيقية مقابلة وإنمامرفوعة بوهم المضاربين فيتسارعون للتخلي عنها وبيع اكبر ما يمكن منها وهي (مرتفعةالثمن) بقصد جني الأرباح ، إلا أن حركة البيع والتخلي عن الأسهم هذه سرعان ما تنتقلكالعدوى بين المضاربين ليساهموا هم بأنفسهم من جراء عمليات البيع إلى زيادة عرضهابخطوات متسارعة وتراجع الطلب عليها وحصول ظاهرة التصحيحات السعرية المصحوبةبانهيارات في أسواق الأسهم إلى أن تصل إلى القاع الذي من المتوقع انه يتلاءم ومستوىالأصول الحقيقية للشركات ومستوى أدائها الحقيقي ومركزها المالي عندما يبقىالمستثمرون فقط الذين يراهنون على أرباح الشركات وعلى الآجال البعيدة ولا يندفعونوراء الأمد القصير يمثلون الأرضية التي يتوقف عندها انهيار الأسعار والخسائرالمتحققة للمضاربين، كما يشعر أهم المضاربين بالوصول إلى القاع فيعاودوا الشراءبالسعر المنخفض خالقين موجات طلب جديدة توقف الانهيارات السعرية ، وينطبق الأمرذاته على السندات التي تتأثر بعوامل أخرى نقدية أكثر مما هي حقيقية ، حيث تمارسالحكومات التي تعاني من ضغوط انكماشية (ركود) سياسة نقدية توسعية فتعمد البنوكالمركزية إلى تخفيض أسعار الفائدة إلى ادني مستوياتها حيث خفضت إلى 2% في الولايات المتحدة والى اقل من 1% في اليابان وربما قد تكون الفائدة صفرية في بعض الأحيان بغية تخفيض كلف الاستثمار والتشغيل والتخلص من الركود، وحيث أن هنالك علاقة عكسيةبين أسعار الفائدة وأسعار السندات فترتفع أسعار السندات ارتفاعات كبيرة قد تكونمدفوعة أيضا بتوقعات المضاربين المتفائلة بعد أن يتحول الكثير من المقرضين الذين كانوا يراهنون على الفائدة الاسمية للسند إلى مضاربين يراهنون على الطفرات اليومية لأسعار السندات، فيكون الجانب المالي مرة أخرى قد هيمن على الجانب الحقيقيوبالنتيجة سوف تحتاج أسعار السندات إلى تصحيحات سعرية لاحقة قد تصل إلى حدالانهيارات.
3- عدم التوازن بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية: تقول معادلة كمية النقود إن أية كتلة نقدية في التداول يجب أن تساوي كتلة البضائع المنتجة خلال فترة محددة تقسيماً على سرعة دوران النقد خلال الفترة نفسها، وعادة ما تكون الفترة الزمنية سنة واحدة، ولنأخذ الإنتاج العالمي الذي يقدر حسب الأرقام المنشورة اليوم بـ 60 تريليون دولار، لكن طريقة الحساب تدفعنا إلى القول إن هناك حساباً مكرراً وهناك تضخيم للإنتاج العالمي وبناءً عليه فإن هذا الإنتاج قد يكون بحدود 40 تريليون، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ليس كل الإنتاج العالمي يتم تبادله بالدولار، وهنا لابد من القول إن نصف هذا الإنتاج يجري تبادله بالدولار، وإذا اعتبرنا أن الإنتاج العالمي الذي يخدمه الدولار هو 20 تريليون فمن المؤكد أن سرعة دوران النقد هي أعلى من واحد. وإذا كانت كذلك فإن المعادلة تحتم أن تكون كتلة النقد في التداول أقل من كتلة البضائع المنتجة خلال الفترة الزمنية المحددة، وإذا كان لدينا 20 ترليون دولار من الإنتاج الحقيقي فيجب أن يكون لدينا أقل من 20 ترليون دولار للتخديم، لكن الأرقام تقول بأنه منذ 1995 فاقت الكتلة الدولارية المطروحة للتداول 300 ترليون، والأرقام الجديدة اليوم فجرت مفاجأة هائلة حين أكدت أن الكتلة الدولارية بلغت حدود 700 ترليون، في حين يجب أن تكون الكتلة النقدية أقل من واحد أي أقل من 20 ترليون، أي لدينا 35 ضعفاً مما هو مطلوب من حجم الكتلة النقدية الدولارية الدائرة في العالم اليوم. يقول البعض أن الأمريكيين استطاعوا بأدواتهم ولاسيما البورصة خرق القانون الموضوعي القائل بالتناسب بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية بحيث استطاعوا الوصول إلى نسبة 1/25 كتلة سلعية مقابل كتلة نقدية، ونظام البورصة العالمي الذي نراه اليوم لم يكن تاريخياً بهذا الشكل، حيث تكون الشكل الحالي للبورصة عام 1995 حين حوت البورصة مبادلات تعكس حجم مضاربة واسع جداً، وكان 90 % من مبادلاتها عبارة عن مضاربات مالية، وكانت البورصة قبل ذلك 90 % مبادلات حقيقية و10 % مضاربات مالية، وهذا التحول الذي شهدته البورصة مكنها من امتصاص جزء كبير من الكتلة النقدية الدائرة حول العالم، وإذا كان الناتج العالمي 40 ترليوناً، فإن الذي يدور في البورصات هو كتلة نقدية تعادل 1.5 ترليون دولار يومياً أي حوالي 500 ترليون سنوياً، وبما أن ضخ النقد لا يوقف هذا العملية وهذا الضخ هو عملياً طريقة لإعادة توزيع الثروة لمصلحة الأغنياء والشركات الكبرى، فهذه الكتلة/الفقاعة ستنفجر عند لحظة معينة، وإذا كان الحديث منذ ستة شهور يدور حول زوال إمكانية إيقاف انفجار الفقاعة المالية بمجرد تجاوزها نسبة 1/25، فالحقيقة أنه قد تم تجاوز هذه النسبة منذ فترة، وكل ما يظهر على السطح الآن ما هو إلاّ تداعيات الانفجار، وقد كانت المؤسسات الأمريكية الرأسمالية الكبرى واعية لحجم هذا الخطر واستطاعت أن تحتوي الأزمة عبر البورصة بين 1995 و2000، وكان الخروج إلى الحرب ضد الإرهاب عام 2001 مجرد ضربة استباقية للأزمة الاقتصادية التي نرى تداعياتها اليوم.
4- تحول الاقتصاد العالمي في ظل الرأسمالية المعولمة من اقتصاد حقيقي إلى اقتصاد رمزي أي من اقتصاد قائم على الإنتاج والاستثمار والعمل إلى اقتصاد وهمي قائم على المضاربة والمقامرة والمخاطرة في المشتقات والتحوطات والخيارات والمستقبليات وغيرها. وهذه كلها أدوات من ابتكار الرأسمالية المالية الجديدة وهي مشكلة حقيقة. حيث يشير البعض إلى أن تغول الاقتصاد الرمزي على الاقتصاد الحقيقي هذا سيقود إلى الانهيار. والملاحظ اليوم أن الاقتصاد الرمزي يمثل ما يزيد على أربعين مرة ضعف الاقتصاد الحقيقي (يلاحظ أن حجم التداول في سوق (الوول ستريت) يبلغ بنحو ( 34) تريليون دولار فيمايبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنحو ( 13) تريليون دولار وفقا لعام 2006 مما يعطي مؤشرا عن الفجوة الكبيرة والواضحة بين الاقتصاد المالي والاقتصادالحقيقي[23])، وهذا يعني أن التدفقات المالية التي ترتبط بالاقتصاد الرمزي من بورصات ومضاربات ومقامرات تمثل أربعين مرة حجم الاقتصاد الحقيقي الذي يتصل بحياة الناس المرتبط بالإنتاج والاستثمار والعمل. وهذه كارثة حقيقية وهي ما أطلق عليه الخبراء الاقتصاديون بالفقاعات المالية التي تهدد بالانفجار في أي لحظة وها هي تنفجر هذه الأيام، ونحن نشهد انفجارها على أصحابها وللأسف الشديد فإن تدخل الحكومات لإنقاذ البنوك المنهارة قد فتح أبواب الكارثة الحقيقية؛ لأنه في الوقت الحالي الثلاثة أو الأربعة تريليونات من المال التي وضعتهم أمريكا وأوروبا والدول الغربية الرأسمالية الكبرى، والتي هي في الوقت الحالي مجرد وعود من هذه الدول لإعادة الثقة في النظام المهدد بالسقوط لا يعلم أحد من أين ستأتي بكل هذه الأموال الطائلة في الوقت الذي تعاني فيه من عجوزات كبيرة في ميزانياتها. ستأتي بها طبعًا من خانة الاقتصاد الحقيقي لإنقاذ الاقتصاد الرمزي، أي من جيوب المواطنين ومن ميزانيات كانت مخصصة للإنتاج والعمالة والاستثمار وغيرها لإنقاذ المفلسين من الاقتصاد الرمزي، ومديري البنوك الذين تسببوا في هذه الكوارث، وهذا هو الأخطر في الأزمة. فنحن الآن بصدد الانتقال من الأزمة المالية إلى الأزمة الاقتصادية وهذا أخطر ما في الأمر[24].
5- تعقد العلاقة بين رأس المال الإنتاجي ورأس المال المالي: يمكننا تقسيم النظام الرأس مالي إلى قسمين: القسم الأول هو رأس المال الإنتاجي-ويسمى أحيانا رأس المال الحقيقي-وهو رأس مال يتم استثماره في إنتاج السلع والخدمات، سواء الاستهلاكية، أو الإنتاجية، بهدف الربح، ومن خلال تشغيل واستغلال العمل المأجور، إذ يأتي الربح من خلال استخراج فائض القيمة، وهو الفارق بين ما يتم دفعه للعمال من أجور، وبين القيمة الحقيقية التي يخلقها هؤلاء العمال في العملية الإنتاجية، أما القسم الثاني من الرأسمالية فهو "رأس المال المالي"، وهو يتضمن البنوك التجارية والاستثمارية، والشركات التمويلية وسوق الأوراق المالية. المكون الرئيسي لهذا القسم هو البنوك التي تعتمد على إقراض الرأسماليين والأفراد والبنوك الأخرى، بمختلف تخصصاتها، مقابل الفائدة. وهناك علاقة عضوية بين رأس المال المالي ورأس المال الإنتاجي، فمالك المصنع مثلاً يحتاج إلى الاقتراض من البنك حتى يتمكن من شراء أدوات الإنتاج وقوة العمل، حتى تتم العملية الإنتاجية، ثم يتم بيع السلع المنتجة في السوق، وتحقيق الربح، والبنك لن يتمكن من تحقيق الفائدة، وهي السبب الوحيد لتقديم الائتمان، إلا إذا استثمر ذلك الائتمان بشكل منتج، وحقق الأرباح التي سيدفع منها المستثمر، قيمة ما اقترضه،بالإضافة إلى الفائدة. ولكن مع توسع وتطور النظام الرأسمالي، تصبح العلاقة بين رأس المال المالي ورأس المال الإنتاجي أكثر تعقيدًا، فالبنوك على سبيل المثال، لا تستثمر أموالها فقط في إقراض الرأسمالي المنتج، بل تضخ الأموال في إقراض الأفراد(الرهن العقاري، وكروت الائتمان، مثلا)، وفي شراء الأسهم والسندات، في أسواق الأوراق المالية(البورصات). وتصبح الشركات الرأسمالية الصناعية الكبرى، مع ازدياد حجمها، وتوسع إنتاجها وأسواقها على مستوى العالم، لاعبا أساسيًا في قطاع رأس المال المالي، فتخلق لنفسها أذرعا تمويلية، ويتم تداول أسهم شركاتها كأوراق مالية في البورصات، وتستثمر جزءًا متزايدا من فوائضها في أسواق المال. ولكن يظل أساس النظام هو الإنتاج الرأسمالي للسلع، فمن هنا تأتي الأرباح، التي يتم تداولها في أسواق المال، ومن هنا تأتي الأجور، الدخول الحقيقية التي يتم بها شراء السلع والخدمات التي تنتجها الرأسمالية، فالمال لا يخلق نفسه، ورأس المال المالي، في حد ذاته، لا ينتج أي شيء على الإطلاق، فالبورصة على سبيل المثال هي سوق لأوراق مالية، تمثل في بدايتها قيمة الشركات التي تعبر عنها، ولكن مع بيع وشراء هذه الأسهم والمضاربة عليها، تبتعد قيمة الاسهم(الأوراق) عن القيمة الحقيقية للشركات أو السلع الحقيقية التي تمثلها، هبوطًا وصعودًا، طبقا للعرض والطلب عليها، وليس بالضرورة طبقًا لأصولها في العالم الحقيقي، وهذا "العالم الافتراضي"، والذي يسميه ماركس "رأس المال الافتراضي"، بأوراقه وأرقامه وإشاراته الإليكترونية على شاشات الكومبيوتر، يخلق ويدمر ثروات طائلة، في ثوان معدودة. وكلما كانت معدلات الربح في القطاع الإنتاجي ضعيفة، تهرب الاستثمارات من مجال التوسع الإنتاجي، من مصانع وبنية تحتية..إلخ، وتتراكم في هذا القطاع المالي الافتراضي، وكلما تضخم هذا القطاع وكلما ابتعدت القيمة الافتراضية الورقية عن القيمة الحقيقية، أي عن قيمة الشركات بأدوات إنتاجها ومنشآتها، وأرباحها الإنتاجية، كلما أصبح النظام عرضة لأزمة مالية أكثر عنفا. تعد الأزمة المالية الحالية، التي يعاني منها الاقتصاد الرأسمالي، تتويجاً لسلسلة من الأزمات التي عصفت بالرأسمالية العالمية، منذ مطلع السبعينيات من القرن العشرين، وهي بلا شك أخطر هذه الأزمات منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن نفسه. ولكن جذور هذه الأزمات المالية لا تقع في القطاع المالي بل في قلب نمط الإنتاج الرأسمالي نفسه. فالإنتاج في الرأسمالية لا يتم من أجل تلبية حاجات البشر ولكن من أجل الربح. وهذه العملية تتم بشكل تنافسي بين الشركات الرأسمالية. كل شركة تحاول تعظيم أرباحها ونسبة مبيعاتها في الأسواق من خلال تكثيف استغلال عمالها ومن خلال توسيع وتطوير إنتاجها بالاستثمار في أدوات الإنتاج (بتطوير أو تغير الميكنة علي سبيل المثال)..وهذه الطبيعة التنافسية والاستغلالية للإنتاج الرأسمالي تؤدى إلي عدد من التناقضات الجوهرية. فأولاً كلما ازداد حجم الاستثمار في أدوات الإنتاج كلما تناقص الحجم النسبي لمصدر الربح الحقيقي وهو قوة العمل التي يتم استغلالها وهو ما يؤدي على المدى الطويل إلى ميل معدلات الربح للانخفاض. وثانياً تحتاج الشركات حتى تحصل علي أرباحها إلى أن تباع منتجاتها في السوق وإذا انخفضت القدرة الشرائية للعمال بفعل تكثيف استغلالهم فلن يتمكنوا من شراء تلك السلع وتكون النتيجة تراكم فائضاً للإنتاج وهو ما يؤدي بدوره إلي تقليص الأرباح وتقليص شراء الرأسماليين للسلع الإنتاجية (المواد الخام والميكنة وغيرها من أدوات ومستلزمات الإنتاج). هذه التناقضات والتي لن ندخل في تفاصيلها في هذه الورقة القصيرة تؤدي ليس فقط إلي أزمات متتالية بل إلي البحث الدائم من قبل الرأسمالية عن مجالات للاستثمار تعوضها عن ضعف الأرباح في المجال الإنتاجي وهو ما شكل أحد الدوافع الرئيسية لتضخم القطاع المالي خلال العقود الثلاث الماضية
6- السياسات المالية التوسعية : ان السياسات المالية التوسعية للبلدان التي تعاني الركود سوفتفاقم كثيرا من حجم العجوزات في الموازنات العامة لهذه البلدان، تلك العجوزات التييمول جزء منها من خلال الاقتراض من الجهاز المصرفي او من الجمهور بواسطة السنداتالحكومية وأذونات الخزينة العامة ، وبذلك يكون الاحتفاظ بهذه السندات في المصارفولدى المضاربين مدعاة لجعل الانهيارات تنتقل من البورصات الى المصارف التي تتعرضلأشهار افلاسها مالم تكون للحكومات اجراءات انقاذية سريعة.
7- ثورة الاتصالات والمعلوماتية جعلت التحسس بالتداعيات السعرية مرهفاً على مدار الساعة مما يجعلالاثر التراكمي للتفاؤل في حالة تصاعد اسعار البورصات والتشاؤم في حالة الانهياراتالسعرية واسع المدى ، كما إن العولمة الاقتصادية وحرية انتقال رؤوس الاموال بينالدول وسرعة التبادل في الاسهم والسندات في البورصات عبر شبكات الانترنيت جعلت هذهالأزمات تنتشر أفقيا بسرعة فائقة، اذ لم تعد بعد اليوم أزمة اقتصادية تبقى حبيسةحدود بلد ما وخاصة بالنسبة للاقتصاديات الكبيرة وانما سرعان ماتتحول الى ازمةعالمية تترك أثرها بشكل مباشر او غير مباشر على جميع الدول ، الامر الذي يجعل بلدانمتصارعة سياسياً مضطرة الى التعاون الاقتصادي فيما بينها لاخماد فتيل أزمة اقتصاديةعابرة للقارات
ومن الناحية الاخري، يري البعض أن الأسباب الرئيسية المؤدية للازمة الاقتصادية الحالية فتأتي من خلال عدة عناصر تعود في أغلبها للعنصر البشري (الثقة ـ التردد ـ التشاؤم) وليس لعناصر مادية اقتصادية، بل جوهرها غياب التحليل الاقتصادي للمنظومة المالية، وهي كالآتي:
1. سياسات مالية خاطئة في التعامل مع الأسعار بشكل يدعم الطلب عليها ويضمن استمرار النمو الاقتصادي، فخفض أسعار السلع والخدمات عند مستوى يحقق الطلب يعد داعما للنمو الاقتصادي، كما أن تغير السلوك الاستثماري في القطاع الخاص يؤثر إيجابا أو سلبا على الطلب.
2. قلة المعلومات حول الآثار المترتبة على القرارات المالية لدى صناع القرار المالي أثر سلبا على الوضع المالي، كون القرار المالي الجيد يرتبط بالمعلومات المتوفرة حوله.
3. الثقة في أن الاقتصاد قادر على تخطي مرحلة الأزمة وان الأزمة قصيرة والأوضاع سوف تعود للاستقرار في أسواق سريعة التغير مع عولمة الظاهرة، أدى إلى إهمال الأزمة واتساعها لتشمل مناحي اقتصادية أخرى.
4. تأخر الدعم الحكومي للقطاعات المالية ودعم الإنفاق الاستهلاكي وزيادة الاستهلاك العقاري.
5. ارتفاع أسعار الوقود قلل من القيمة الشرائية للنقود ولم يقلل استهلاك الوقود، بل دفع المستهلك إلى التخلي عن سلع وخدمات لم يرتفع سعرها.
6. ضعف أداء المصرف المركزي في الإقراض مع ضعف التشريعات في مجال الإقراض البيني بين المصارف المحلية أو الخارجية، بالإضافة إلى قلة المعلومات المتوفرة للمستثمرين أو المودعين عن الوضع المالي للمصارف.
7. زيادة الصادرات في ظل انخفاض الدولار كعامل يخدم المنتج الأميركي، مع بقاء كافة القطاعات المالية في انخفاض ساهم في غياب الموازنة الفعلية للاقتصاد.
8. ضعف أداء البنك الدولي بوصفه المنظمة الدولية المسئولة عن استقرار وثبات الاقتصاد الدولي وتأخره في مساعدة الدول النامية.
9. تبني فكرة الإدارة الذاتية على عمومها في ما يتعلق بالمؤسسات المالية أدى إلى غياب الإشراف الحكومي أو ضعفه، خصوصا حيال التبادل المالي الدولي.
10. وصول حجم الطلب الى مستويات دنيا نتيجة تراجع معدلات النمو في الاقتصاد الاميركي وتراجع التشغيل والاستثمار والدخول الموزعة لعناصر الإنتاج، وهي ظاهرة ليست آنية وانما تدرجت منذ فترة وكانت للاجراءاتالتدخلية الحكومية أثر ايجابي في التخفيف من حدتها وتأخير تحولها الى أزمة، من خلالالتوسع في الانفاق الحكومي لسد العجز في الانفاق الخاص، ليس من خلال الانفاقالعسكري والحربي خارج الولايات المتحدة لنقل المعركة مع الإرهاب على رؤوس غيرالأميركيين وتوزيع اثار الركود الاقتصادي على رقعة اوسع من العالم وخلق انفاق خالقللطلب وغير خالق للعرض - كما حصل في حرب العراق، حيث زاد الإنفاق الأمريكي علىالحروب والدفاع من (320) مليار دولار عام 2001 الى (711) مليار دولار عام 2008.
11. توسع الجهاز المصرفي بالإقراض والاستثمار ذي المخاطر الكبيرة والتوجهنحو جني الأرباح بعيداً عن قيود الضمان ادى الى تراكم الديون المشكوك في تحصيلهالدى المصارف وقد تفاقمت هذه الظاهرة بعد التوسع في الإنفاق الحكومي.
12. حالةالتباطؤ في النمو المتفاقمة مع ارتفاع كلف المدخلات في الانتاج جراء ارتفاع اسعارالوقود وارتفاع تكاليف النقل وغيرها تؤدي الى تدني الارباح من الاستثمار في القطاعالحقيقي (الانتاجي)ما أدى إلى انكماش الاقتصاد وتراجع النمو وتدني التشغيل والدخولالموزعة وكساد العرض.
ب- الآفاق المستقبلية للازمة الاقتصادية الحالية
لعل أهم ما سيترتب على الأزمة كما يبدو لنا هو العودة نحو الحمائية التجارية بدرجات متفاوتة، والبحث المتواصل عن الخامات البديلة وخصوصا النفط مقابل انحسار العولمة المالية. البلدان المصدرة للفوائض المالية كالصين والدول المصدرة للنفط بما فيها روسيا قد بدأت تعيد النظر في سياسات الاستثمار لصناديقها السيادية وتتجه بدرجة أكبر نحو الاستثمار في داخل اقتصاداتها، كما أن المصارف والمؤسسات المالية في أرجاء العالم والتي حظيت بدعم الحكومات والمصارف المركزية إثر تراجع مستويات السيولة فيها بسب استثماراتها في أصول لم تكن مأمونة، سوف تلتزم الحذر من الآن فصاعدا في سياساتها الاستثمارية وستبحث عن التوظيف الآمن وعلى الأغلب في أصول محلية وفي المقابل فإن أكبر اقتصاد في العالم الولايات المتحدة التي كانت المستورد الأكبر الذي يحفز الطلب على السلع الصينية والهندية والآسيوية وعلى المواد الخام بما في ذلك النفط معتمد على عجز الميزان التجاري الذي كان يقابله ويموله تدفق فوائض الدول المصدرة المستثمرة في الصناديق السيادية في الأسهم وخصوصا في سندات الخزانة الأميركية، هذا الطلب الأميركي سوف يتراجع إلى حدود كبيرة كنوع من الرد (العفوي أو المقصود) على سياسة دول الفوائض المالية في التوجه نحو الاستثمار الداخلي[25].
إن تراجع الطلب على سلع البلدان النامية المصنعة والخام سيؤدي حتما إلى تراجع معدلات نموها التي فاقت لدى البعض منها الرقم الأحادي لتصل إلى 11% في الصين، بحيث أصبح معدل النمو السنوي لصادراتها الصناعية إلى الولايات المتحدة يهدد التوازن الاقتصادي الدولي، كما أن هذا النمو القوي في الصادرات رشحها بفضل الفوائض العالية لأن تحقق نموا عاليا في الناتج المحلي ومعدل دخل الفرد الذي أصبح مرشحا للاقتراب من مستويات الاستهلاك الفردي الأميركي خلال بضعة عقود وهذا هو ما يصنع الرعب في الدول الغنية، إذ إن شح الموارد بالقياس إلى نمو السكان ونمو المستوى المعيشي لهم في الاقتصادات الناشئة يهدد بعملية إفقار شاملة في العالم تطال مستوى معيشة ورفاه الفرد الأميركي التي يتفاخر بها الشعب الأميركي.
ومن النتائج المترتبة على الأزمة، تنامي النزعة الحمائية التي ستمتد آثارها فترة طويلة لما بعد انتهاء الأزمة. هذه النزعة ستتسبب بأضرار بالغة وخراب ستتحمله الصناعة التصديرية للأسواق الناشئة، التي صُممت أصلا للتصدير إلى الأسواق الغنية، مما قد يؤدي إلى الإغلاق والإفلاس للعديد منها ويحول بالتالي دون إمكانية استعادة موقعها السابق في السوق العالمية وذلك لأن الأسواق الغربية والسوق الأميركية خصوصا سوف تتكيف في ظل النزعة الحمائية الجديدة على الاعتماد على المنتجات المحلية التي يجب أن تستعيد نشاطها لتوفير فرص العمل التي فقدتها السوق الأميركية خلال الأزمة فمعلوم أن الاقتصاد الأميركي قد فقد ملاين الوظائف خلال الأزمة بسب تراجع الإنفاق الاستهلاكي الذي تعتمد عليه في توليدها نسبة تزيد عن 65% من الناتج المحلي الإجمالي وخصوصا في قطاعي الصناعة والخدمات مما يدفع إلى تراكم المخزونات الذي بدوره يؤدي إلى تراجع التجارة العالمية إلى أدنى مستوياتها في 80 عاما ولهذا فحتى لو تعافى الاقتصاد الغربي من أزمة الائتمان فإن الصناعة الأميركية والأوروبية عموما التي تلقت الإعانات والدعم الحكومي في مواجهة الأزمة سوف تعمل المستحيل يساندها في ذلك جهد حكومي واضح وصريح على استعداد لنسف كل أسس منظمة التجارة العالمية ولكن إذا ما تخندق الاقتصاد العالمي في بوتقة الحماية التجارية وتراجع حجم التجارة العالمية وتبعا لذلك صادرات الأسواق الناشئة وفوائضها المالية ومن ثمة نموها، فإن من المؤكد أن يتراجع طلبها على مختلف السلع والمواد الخام المستوردة بما في ذلك النفط الخام الذي بفضل طلبها إياه ارتفعت أسعاره في السنوات الأربع الماضية بسب التنافسية العالية التي أفرزها النمو في الأسواق الناشئة من هنا نصل إلى غاية أخرى لعملية الإفقار المتعمد، وهي سحب بساط الثروة من تحت أقدام الدول المنتجة للنفط وتقليل تنافسيتها ليس على الموارد المتناقصة فحسب، بل أيضا على مقدرتها في استقطاب الاستثمارات والسيولة إلى دولها.
ومن الناحية الاخري بدأ يتردد الآن البحث عن عملة دولية، بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح النظام النقدي الدولي أسيرا لاتفاقية بريتون وودز، التي وضعت الدولار في منتصف هذا النظام، بينما ضمنت الحكومة الأميركية للبنوك المركزية الأخرى إعادة بيع احتياطياتها من الدولارات بثمن محدد مقابل الذهب في أي وقت. ومن ثم لعب الدولار الأمريكي دورا كبيرا في التجارة العالمية إذ يمثل عملة أكبر اقتصادات العالم (الولايات المتحدة الأميركية). وتربط العديد من الدول عملاتها بالدولار أو بسلة عملات دول صناعية يمثل الدولار فيها وزناً نسبياً كبيراً، كما يقوم الدولار الأمريكي بدور عملة الاحتياطي العالمي حيث تحتفظ البنوك المركزية في معظم دول العالم باحتياطيات كبيرة من الدولارات الأميركية لتلبية احتياجاتها من السلع والخدمات المستوردة وقامت الدول الأخرى بعد الحرب مثل اليابان بخفض عملاتها بصورة متعمدة مقابل الدولار لدعم صادراتها وتعزيز التنمية المحلية. وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي انهار هذا النظام تحت ضغوط بزوغ قوة الدول الأخرى وتعاظم عجوزات الموازنة الأميركية.لكن الدولار بقي القوة الرئيسية في العالم بسبب عدم وجود المنافس. وفي السنوات الأخيرة اتجه العديد من الدول خاصة الآسيوية منها مثل الصين إلى تكديس احتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية، خاصة الدولار، وإلى خفض قيمة عملاتها من أجل زيادة قدرة صادراتها على المنافسة ولاحتواء تدفق العملات الأجنبية وتجنب أزمات كالأزمة المالية التي عصفت باقتصادات آسيا في تسعينيات القرن الماضي.
وقد كان الدولار الأميركي من اهم العملات الاحتياطيات العالمية من بين العملات الأجنبية بحيث اتجهت جميع الحكومات والمؤسسات العالمية إلى الاحتفاظ بكميات من الاحتياطي الدولاري كجزء من احتياطياتها من العملات الأجنبية للحماية من تقلبات في عملاتها الأقل استقرارا. ويعني اكتساب الدولار موقع عملة الاحتياطي الأولى في العالم أن جميع السلع بما في ذلك النفط والذهب وغيرهما يتم الاتجار بها بالدولار فقط، ما دفع بالتالي إلى تزايد الطلب على الدولار باعتباره العملة التي بواسطتها يستطيع التجار الوصول إلى السلع. وقد أدت زيادة الطلب على العملة الأميركية في العقود الماضية إلى زيادة قيمتها. لكن ثمة مؤشرات على أن دور الدولار كعملة رئيسية للاحتياطيات في العالم بدأ يتراجع، وقد يؤدي ذلك بالتالي إلى تراجع قيمة العملة الأميركية على المدى البعيد.
كانت دعوة الصين الأسبوع في الاسبوع الأخير من مارس 2009، لاستبدال عملة عالمية بالدولار دعوة مشابهة من روسيا سابقا. كما اوصت – قبل دعوة الصين بنحو اسوع فقط- لجنة شكلتها الأمم المتحدة من كبار الخبراء الاقتصاديين بوضع نظام جديد للاحتياطيات النقدية الدولية بدلا من الدولار الأميركي. وانتقدت اللجنة بشدة استخدام الدولار عملة احتياطيات دولية، ووصفته بأنه نظام غير مستقر ويصب في مصلحة الولايات المتحدة.
ومن الناحية التاريخية كان الاقتصاد الأميركي الأقوى في العالم والأكثر استقرارا، لذلك سعت الدول للحفاظ على معظم احتياطياتها بالدولار من أجل تجنب مخاطر انخفاض عملاتها.لكن بعد تدهور الاقتصاد الأميركي نتيجة الازمة الاقتصادية الاخيرة، والتي زعزت استقرار النظام المالي العالمي وانخفاض سعر صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى في العالم خاصة اليورو، ظهرت مطالبات بالبحث عن بديل. وفي وقت يخضع الاقتصاد الأكبر في العالم لأصعب اختبار في نصف قرن وتدور الشكوك بشأن وضع العملة الأميركية كملاذ آمن، تطرح تساؤلات عن استمرار لعب الدولار دور العملة الرئيسية للاحتياطيات العالمية.
والمطالبة بتغيير الدولار كعملة للاحتياطيات ليست جديدة لكن البيئة الاقتصادية المحيطة حاليا هي الأصعب على الإطلاق. وقد أصبحت فكرة إحلال سلة من العملات مقنعة جدا حتى إنه ستتم دراستها في قمة العشرين التي تعقد في لندن في الثاني من أبريل نيسان القادم في وقت ينظر أيضا إلى اليورو بأنه المنافس القوي للدولار.
وبالمقارنة فقد انخفضت احتياطيات العالم من الدولار من 70.9% عام 1999 إلى 63.9% في عام 2007، بينما ارتفعت حصة العملة الأوروبية الموحدة من 17.9% في 1999 -وهو العام الذي صدرت فيه- إلى 26.5% في 2007 كما زادت حصة الجنيه الإسترليني من 2.9% إلى 4.7% في نفس الفترة. وقد انخفض سعر صرف الدولار بنسبة 30% مقابل اليورو منذ 2001، كما انخفض مقابل العملات الأخرى بنسب متفاوتة. ورغم أن العملة الأميركية تحتل الموقع الأول في احتياطايات العالم من العملات الأجنبية، فإن ذلك لم يمنع تدني قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى في العالم خاصة الصيف الماضي في ذروة الأزمة المالية قبل أن يصحح وضعه في الأشهر اللاحقة. وقد تأثر سعر صرف الدولار بعدة عوامل منها العجز الضخم في الميزان الجاري، ويعني ذلك أن الولايات المتحدة تستورد أكثر مما تستهلك ما يضع ضغوطا على الدولار. يضاف إلى ذلك انخفاض الطلب على سندات الخزينة الأميركية حيث كانت الولايات المتحدة تمول عجز الحساب الجاري بتدفقات رؤوس الأموال من الخارج عندما كانت دول مثل الصين تشتري ديون الخزانة الأميركية باستمرار. وقد حافظ ذلك على قيمة الدولار الأميركي لكن بعض الدول الآسيوية بدأت تنوع احتياطياتها بعيدا عن الدولار بسبب ضعف الاقتصاد الأميركي ما وضع ضغوطا على العملة الأميركية.
ومن العوامل الأخرى التي أثرت على سعر صرف الدولار أزمة الرهن العقاري التي أثارت مخاوف المستثمرين من السوق الأميركية، إضافة إلى انخفاض الثقة بسبب صعود اقتصادات أخرى في العالم وضعف الثقة في الاقتصاد الأميركي بشكل عام وبقوة الولايات كأعظم قوة في العالم. وتدهور وضع الولايات المتحدة من أكبر دولة دائنة في العالم في عام 1965 إلى أكبر دولة مدينة حاليا. وطبقا لأرقام رسمية فإن الدين القومي العام للولايات المتحدة يصل حاليا إلى 10.64 تريليونات دولار.ويشمل هذا الدين كل الديون الحكومية الداخلية والخارجية لكنه لا يشمل التزامات حكومية أخرى مثل معاشات الموظفين العسكريين والمدنيين والامتيازات الصحية لأصحاب المعاشات والضمانات الحكومية للقروض التي قد تزيد الدين بمقدار 1.5 تريلوين دولار أخرى[26].
كما توجد أزمة معادل (مقياس للقيمة) حقيقية، وإذا عدنا إلى التاريخ فإن المعادل عادةً ما كان حيادياً ولم يكن سلعةً، وقد بدأ تاريخ المعادل باستخدام الملح قبل أن يتم الانتقال إلى الذهب الذي كان يلعب دور معادل أكثر من دور السلعة، إلا أن مشكلة الدولار كمعادل تكمن في أنه تحول إلى سلعة في نفسه، وأنه ليس معادلاً حيادياً لأنه مملوك من إحدى الجهات، ولذلك فقد ساهم الدولار بإعادة توزيع الثروة عالمياًً، ولم يعد الدولار يملك الحق بأن يلعب دور المعادل ونحن نشهد الآن إرهاصات انتهاء دوره كمعادل، كما لا يمكن الرجوع إلى الذهب كمعادل لأن احتياطاته المنجمية شهدت تراجعاً كبيراً، ومن شروط المعادل أن يحافظ على استقرار في قيمته وقيمة الذهب تتغير باستمرار بغض النظر عن سعره. وفي غضون ذلك كان الأمريكيون يستخدمون النفط كمعادل للدولار إلا أن النفط يعتبر مادةً استراتيجية تقتضي الاستيلاء عليها بشكل كامل لإتمام العملية، والأمريكيون لم يستطيعوا فرض نفوذهم على مصادر النفط العالمية كلها وهذا سبب لهم مشكلة. ويجري اليوم حديث جدي بضرورة البحث عن معادل موضوعي وحقيقي للتبادل السلعي العالمي، وهناك اقتراحات عديدة ومنها اقتراح ليندون لاروش أن على الناس اختيار عملة عالمية ثابتة وإعطاءها محتوى محدداً بحيث يملكها الجميع بحسب وزنه في الاقتصاد العالمي ويجري التداول على أساسها ولا يملك أي بلد حق إصدارها بل يتولى ذلك مؤسسة دولية وفق اتفاق دولي يحافظ على شروط التبادل المتكافئ، إلا أن هذا الاقتراح في ظل التوازنات الحالية صعب التحقيق. وفي سبتمبر 2007 تنبأ رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي آنذاك ألان غرينسبان بأن يحل اليورو محل الدولار في المستقبل كأول عملة احتياطي في العالم أو على الأقل أن يتم التعامل معه كعملة احتياطي أولى مثل الدولار. ويؤيد اقتصاديون هذا الاتجاه إذا انضمت بريطانيا إلى منطقة اليورو وإذا استمر ضعف العملة الأميركية. وهناك اقتراح قدمه علماء روس بأن أحسن معادل ممكن استخدامه ويعكس قوة أي بلد هو الكيلو وات، وبذلك فإنه من الممكن حسب الروس استخدام الكيلو وات كمقياس للإنتاج وبالتالي كمعادل عالمي.
ان عملية البحث عن معادل (مقياس جديد ) للقيمة ادي بالبعض الي ستحضار ما نادي به ماركس في الماضي حيث أكد ماركس على ضرورة إلغاء النقد كمعادل وضرورة الانتقال إلى التبادل من نقدي/بضاعي إلى بضاعي/بضاعي وبالتالي إيجاد بضاعة تكون هي معيار التبادل وليس النقد، لأن النقد قد يراوغ في عمليات التبادل ليساهم في إعادة توزيع الثروة وتمركزها، وبكلمة أخرى؛ إن أحد مؤشرات النظام الاشتراكي المتطور عند ماركس هي إلغاء دور النقد ونحن موضوعياً نسير في هذا الاتجاه، حيث نشهد أزمة معادل حقيقية لا حل لها، وصحيح أن المعادل شهد أحياناً في التاريخ بعض المراوغات لكن ليس بالصورة التي نشهدها في أيامنا هذه، فورقة المئة دولار التي تحمل قيمة 10000 عشرة آلاف سنت يكلف إنتاجها (طباعتها) 4 سنت، أي أن سنتاً واحداً يربح 2500 سنتاً، وحين قال ماركس إن الرأسمالية ترتكب جميع الجرائم حين تصل نسبة ربحها إلى 300 % لم يكن يتخيل وصول هذه النسبة إلى 250000 % مئتان وخمسين ألفاً بالمئة وهي نسبة ربح الدولار كبضاعة!! وبالتالي لم يعد الدولار يملك الحق بالبقاء معادلاً عالمياً للإنتاج البضاعي.



قائمة المراجع
المراجع العربية
محمد سيد رصاص (2000) تدخليه الدولة في الاقتصاد: كينز وخصومه، الحوار المتمدن - العدد: 2458 - 2008 / 11 / 7
إيمانويل فالرشتاين (2008) صحيفة لوموند، 12 أكتوبر 2008
أسامة عبد الله (2008) ، تقييم احتمال حدوث ركود اقتصادي عام 2008 ، تقرير واشنطن، العدد # 169، 26 يوليه 2008
عبد السلام أديب (2003) عولمة الأزمة وآفاق الثورة
احمد باهض تقيالحميداوي (2008) الأزمة الاقتصادية العالمية: تراجع نيوليبرالي أم أزمة عابرة، د. /مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية
أسامة عبد الله (200

[1]عولمة الأزمة وآفاق الثورة، بقلم عبد السلام أديب، الأحد 19 أكتوبر 2003

[2] الأزمة الاقتصادية العالمية: تراجع نيوليبرالي أم أزمة عابرة، د. احمد باهض تقيالحميداوي/مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

[3] أسامة عبد الله (2008) ، تقييم احتمال حدوث ركود اقتصادي عام 2008 ، تقرير واشنطن، العدد # 169، 26 يوليه 2008

[4]Patric T . Downes, David Martson and Inci Otker ," Mapping Financial Sector Vulnerability in non-Crisis Country" IMF Discussion Paper 1999

[5]Mannuel Hinds, “ Economic Effects of Financial Crisis " A World Bank Policy
Research Working Paper 104, Dec. 1998

[6]Demerguc Kunt et als.," Inside the Crisis: An Empirical Analysis of Banking Systems in Distress" IMF Working paper wp/00/56 oct. 2000

[7] Manmohan S Kumar et als., “Global Financial Crisis: Institutions Vulnerability
“MF Working Paper wp/oo /105

[8]Barry Jhonston,Jingqing Chai and Liliana Scumacher, "Assessing Financial System Vulnerability” IMF Working Paper wp/00/76 April 2000

[9]Frankel, J., (2005)

Abbigail, J., and Owyang, M., (2002) [10]وCerra, V., and Sexenam S., (2002) و Fourcans, A., and Franck, R.,(2003)
Franck, R.,(2003, Ch: 1,2,3)

[11]Krugman, P., (1979), Flood, R., and Garber, P., (1984)

[12]Burnside, C., et al., (2001)

[13]يمكن حسابه من خلال قسمة معدل نمو الناتج علي مقلوب معدل الاستثمار في السنة السابقة مباشرة،انظر:Radelet, S., and Sachs, J., (1998).

Kodres, L., and Pritsker, M., (2002), Calvo and Mendoza, (2000); Obstfeld, M., (1996) [14]
ومع ذلك فقد دعي McKinnon إلي العودة لنظام الربط مرة أخري عقب الأزمة لما يوفر من مزايا عديدة. انظر: McKinnon, R., (1999)

Calvo, G. and Mishkin, F. (2003) [15]

[16](2006), Animesh, G., Chang, R., and Velasco, A.,(1999),

وللتطبيق علي الأزمة المالية في كوريا انظر: Pesenti, P., and Tille, C., (2000) [17]
Zalewski, D., (2002)

[18] La porta, Lopez-de-Silanes, Shleifer, & Vishny, (1998)

[19] Calvo, G., (1998)

[20]Arican, E., (2005)

[21]Fredric Mishkan ,"Financial Policies and the Prevention of Financial Crises in Emeging Market Countries”A Paper of the NBER Conference ,Economics of Financial Crises in Emerging Market Countries,Woosstock,Vermont,Oct19 –21 2000

[22] همام الشماع ، تفسير آخر للأزمة المالية العالمية.. الإفقار المتعمد ، الجزيرة نت

[23]الأزمة الاقتصادية العالمية: تراجع نيوليبرالي أم أزمة عابرة، د. احمد باهض تقيالحميداوي/مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية


[24] Islam on line

[25] همام الشماع ، تفسير آخر للأزمة المالية العالمية.. الإفقار المتعمد ، الجزيرة نت

[26] محمد طارق، الجزيرة نت ، https://www.aljazeera.net/NR/exeres/0...9093DF0E58.htm