منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التحقيق الدقيق في شرف بني نائل الوثيق
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-04-19, 12:46   رقم المشاركة : 404
معلومات العضو
ناصر الحسني
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ناصر الحسني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الظل الوريف للتعريف بذخائر تراث حوز الريف (1)
الكاتب : زكرياء الريسوني بتاريخ : 2011-06-20 منقول

فقد بدأت بواكير اهتمامي بتراث العدوتين الأندلسية والمغربية بعامة وتراث المغرب بخاصة، منذ أن فتحت عيني في منزل جدي من الأم العلامة العدل الفقيه النوازلي المفضل بن حساين الجباري الحسني القصري - رحمة الله عليه – لأجد نفسي أمام نموذج حي لفقيه مالكي مغربي بمسحة أندلسية مورسكية تمازج فيه الحس الأدبي المرهف بمنظومه ومنثوره، و المجال الشرعي بأصوله وفروعه، وما زال هذا الاهتمام يتقوى لدي لما تتميز به الحياة العلمية والثقافية في تطاون البيضاء - حرسها الله-، وبفضل مجالستي لكبار علمائها الأجلاء ومفكريها النبهاء لما قاموا به من جهود في إحياء تراثنا المغربي الأندلسي الإسلامي تدريسا وبحثا وتصنيفا لا يقل أهمية عن جهود المشارقة الذين نشروا ودونوا عن تراث الأندلس والمغرب، وأخص بالذكر منهم شيخنا العلامة المحقق المحدث محمد بن الأمين أبوخبزة الحسني، وأستاذنا العلامة الأديب البارع محمد المنتصر الريسوني الحسني – رحمه الله – وشيخنا (مناولة) العلامة المحقق الدكتور حسن الوراكلي، وشيخنا الأستاذ البحَّاثة الدكتور عبد الله المرابط الترغي، وأستاذنا الألمعي الدكتور إدريس خليفة، وأستاذنا الدكتور الشاعر أحمد الخياطي والأستاذ الباحث المتخصص في الدراسات المورسكية محمد قشتيليو وأستاذنا البحاثة الدكتور عبد العزيز شهبر وأخونا النبيه الدكتور أحمد ستيتو وأخونا الأستاذ المؤرخ الدكتور محمد المغراوي، وابن عمنا وصفينا الطلعة الدكتور قطب الريسوني وأيضا لمطالعتي كتب رائد التحقيق والبحث العلمي بالمغرب الشيخ الأستاذ محمد المنوني –رحمه الله-، والدكتور ابن شريفة - بارك الله في عمره- كل هؤلاء كان لهم أثر في إثراء المكتبة المغربية والأندلسية ببحوث جادة جامعة بين الأصالة والطرافة تزيح الستار عن جوانب مهمة من تاريخ المغرب والأندلس الأصيل.

وهذا الاهتمام بالتراث الأندلسي لم يشغلنا عن الاهتمام بتراث مغربنا الحبيب قديمه وحديثه خصوصا في مجاله الشرعي والتاريخي الذي أضحى من أهم متطلبات التوحد بناء على قاعدة اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد. وليس عندي من شك أن معرفة هذا التراث بجميع روافده المتنوعة شرعيِّه وأدبيِّه ولغويِّه وتاريخيِّه يشكل جزءا من تراث الحضارة الإسلامية الممتدة .

فأهمية التراث المغربي والعناية به يعد - في رأينا- مصدرا من مصادر الإبداع ويشكل مادة هامة لإغناء وإثراء المكتبة الوطنية بوثائق ومخطوطات ودراسات قيمة، مساهمة في تكوين وعي إنساني متجذر ومتنامي عند الباحثين المغاربة بالقضية الثقافية في بعديها العلمي والوطني، وإيمانا منا بأن تراث الأمة المغربية خير ما يربط تنوعها الإثني ويوحد أجيالها الناشئة بعقيدتها الدينية الموحدة وأصالتها الثقافية وخصوصيتها الحضارية.

وفي ما يلي نستجلي مناحي بعض أعمال علمائنا المغاربة الأفذاذ من حوز الريف الإسلامي من أرض المغرب الأقصى، الذي لم يستوف حقه من الدراسة والبحث بل مازال – كما قلت سالفا – يحتاج إلى كشف الستار عنه، لتفرق وتناثر مادته العلمية النفيسة بين المصادر الأصلية المخطوطة والمطبوعة، فيكون العثور عليها بمثابة التنقيب عن اللآلئ والجواهر في قعر بحر مظلم.

كما يعد إخراجه من غياهب النسيان والإهمال ونفض الغبار عنه من الجهاد العلمي النافع، وإضاعته ضياع للذاكرة والروح وهوية الأمة المغربية الإسلامية الموحدة، وللثقافة الإنسانية في ثرائها وتنوعها.

والذي يحز في نفسي ويُجسِّم الخطر عندي أن ورثة هذا التراث الريفي الإسلامي المغربي هم الآن أقلّ خَلَفٍ شوقا واهتماما إلى نشره وأبعدهم عن معاناة المشقة في استقصاء أخبار من غبر من علمائهم وهداتهم من أسلافهم، ولا عجب فقد كان الدين والإيمان والعلم والجهاد لعهدهم هو ميزان الرجال، ومقياس العقل وقسطاس الحكمة، وما عق هذا الخلف من أبناء الريف أبوة من غبر من أسلافهم إلا لأسباب أخذت عليهم طريقهم ولو أن جلها ليس مما يبرر هذا العقوق أو يعذر منه.

وقد انتدبت نفسي وهو جهد المقل لمداواة هذا العقوق سيرا على طريق من سبقني من رجال العلم والفكر الذين بذلوا ولم يضنوا، وأظهروا وأخرجوا في رجال العلم و التاريخ بحوز الريف الأوسط الإسلامي التليد الذي هو جزء لا يتجزأ من أرض وطننا المغرب الحبيب كتبا نفيسة ودراسات جادة تُعرِّف الناس بهم وبأقوالهم وأخلاقهم وفضائلهم وما سوغوا من الحكمة وما رزقوا من الفضل والصلاح والتقى. وحتى لا تخرج هذه الكلمة الواجبة عن القصد فسوف أكتفي ببيان هذا القدر.

وأدعو الله عز وجل أن ييسر لهذا التراث العلمي النافع علماء ودارسين شتى، كل في مجال تخصصه وأُهيب بالمتخصصين الغيورين الصادقين، ليحطوا الرِّحال لوقفة طويلة أمام تراث فريد و طريف.

بداية أقول: لقد عرف المغرب الأقصى وتحديدا شمال المغرب حياة روحية كانت البذور الأولى لظهور التصوف السني المغربي بهذه المنطقة .

وحوز الريف عرف كغيره من مناطق المغرب ظهور رباطات وزوايا صوفية يغلب عليها جانب السلوك والأخلاق لا جانب الحقائق والإشراق، لكن لا يفهم من كلامي هذا أن التصوف الموسوم بالنزعة السلوكية الأخلاقية عار عن الذوق الروحي الذي يصطلح عليه القوم بعلم "الإشارة" أو "الحقائق"، بل غلب عليه السلوك والإتباع، بسبب فرط العُجمة على المغاربة في أوائل تاريخهم. ومع مرور الزمن وتطور الدور العلمي والثقافي في المنطقة، الذي تجلى في مقدمتها آنذاك نشر الكتاتيب القرآنية (المسيدات) وبناء المساجد والمدارس والمعاهد العلمية والرباطات وتدبيرها من طرف شيوخ العلم والتصوف، ونشر الثقافة العامة بين الناس–أي غير القارئين- عن طريق مجالس الذكر وإحياء ليالي التعبد وتنظيم المواسم الدينية، وكما هو معلوم فإن الريف يقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط مما جعله يمتاز عبر تاريخه الديني الإسلامي امتدادا لروح الجهاد والرباط في الثغور صدا للغزاة القادمين من جهة الساحل البحري للمغرب.

وكان من ثمرات هذا وذاك ظهور علماء أجلاء ذاع صيتهم في الآفاق وعم نفعهم في المغرب والمشرق ومن بين أبرز هؤلاء الأعلام الشيخ النسابة والمؤرخ الهمام العلامة المحدث المسنِد عبد الحق بن إسماعيل بن أحمد بن محمد بن الخضر البادسي الغرناطي كان حيا سنة 722هـ والذي ينتهي نسبه إلى قيس بن عبادة الخزرجي وهذه الإشارة وأمثالِها -مما سيأتي- قاصمة ظهر لدعاة التعصب والرجعية من أتباع أمازيغ يفهم منها أنه لا يمكن التحقق من صحة وصفاء أعراقهم الأمازيغية كما يدعون لأنه يستحيل ذلك لاختلاط الأنساب وتمازج الدماء في العروق بين العرب وأبناء أمازيغ منذ دخول الإسلام إلى أرض المغرب الأقصى.

أقول: هذا العالم القدوة الذي استوطن أحد أجداده غرناطة وانتقل جده الأعلى إلى بادس وبها ولد عبد الحق في حدود منتصف المائة السابعة للهجرة (650هـ)، وقد تلقى علومه عن والده، وجماعة من شيوخ بلده، وتردد على عاصمة العلم آنذاك فاس وسمع من شيوخ العلم بها، وممن أخذ عنهم الإمام القدوة الشيخ أبو إبراهيم الأعرج الورياغلي، وممن تلقى عليه العلم وسمعوا منه كتابه (المقصد الشريف)، جماعة من شيوخ مدينة فاس منهم عبد المهيمن الحضرمي الملقب (بالصغير)، ويحيى بن أبي طالب اللَّخمي العزفي وغيرهم كثير 1.

وقد صنف كتابين اثنين لا يعرف من آثار مترجمنا سواهما:

* أحدهما: ((طبقات الأولياء ))2.

* والآخر: ربط به ماضي تاريخ الريف الإسلامي بحاضره، سماه:{ المقصد الشَّريف والمَنزع اللَّطيف في التعريف بصلحاء الريف}؛

الذي قام بتحقيقه الأستاذ البحَّاثة سعيد أحمد أعراب- رحمه الله-3. وهو موضوع المقال ولب البحث، وقد جعله – أي المصنف- في مقدمة وثلاثة أقسام ، أشار في المقدمة إلى الغرض والباعث الذي دعاه إلى تصنيف هذا الكتاب فقال- رحمه الله-: "وبعد، فإن علماءنا المتقدمين -رضي الله عنهم- قد اعتمدوا بما ظهر لسالف هذه الأمة من الكرامات، ومهدوا القواعد التي قامت عليها أصول المقامات، وفسروا ما غمض من إشاراتهم، وكشفوا عن خفي عباراتهم، ونقلوا ما صح من كراماتهم، كالإمام الأوحد أبي القاسم القشيري، والعلامة الأعرف أبي طالب المكي، والحافظ المحافظ أبي نعيم الأصبهاني...؛

وكلهم إنما ذكروا أهل المشرق، غير معرجين على أهل المغرب، ثم إن الأديب المحسن المتفنن يوسف بن الزيات، أتى في كتابه الموسوم بـ" التشوف إلى رجال التصوف" بآيات3؛ وذكر أن الحامل له على تأليف ذلك الكتاب، ما أهمله من تقدم من المصنفين والكُتَّاب، فذكر فيه جملة من صلحاء المغرب، بأدب بارع وشأن مغرب، وبالغ في ذكر المصامدة، مظهرا لكل شيخ محاسنه ومحامده، ولم يعرج في تلك الأحياء، على ذكر أحد من الأحياء، وجعل المنتهى فيما إليه انتهى سنة ست عشرة وستمائة4؛ وغفل فيما آثره من الحسن والإحسان، عن الريف الكائن ما بين مدينتي سبتة وتلمسان؛ ولعل ذلك لبعده من مكانه، وعدم اتصاله بأحد من سكانه، فانطمس عليه معرفة أبنائه، وعز لديه تسوغ أخبائه؛ وقد كان استقر بالريف المذكور، في سائر الأزمنة كل مشهور، لم يقصر في جده عن الأكابر، المشتهرة ولايتهم في الزمن الغابر، فرأيت تتميم صلته، وتنظيم فيصلته، بذكر من كان ببلاد الريف، من ولي يجب به التعريف، حتى يعلم انه كان بريفنا المهمل، من أحسن في الطاعة وأجمل…"5.

والناظر في كلام المؤلف يستشف منه جملة من الفوائد أهمها:

§ إن مشروع مترجمنا كما قرر في مقدمة كتابه كان تتمة لما بدأه ابن الزيات في كتابه "التشوف إلى رجال التصوف"6 الذي ألفه سنة 617هـ ، والذي احتوى على رجالات العلم والولاية والصلاح والكرامات بالمغرب وأكثرهم من صلحاء الجنوب وذلك إلى حدود سنة 517هـ.

§ إن المقصد الأسمى من كتابة تأليفه ، هو استدراك ما فات ابن الزيات ذكره من رجال العلم والصلاح بمنطقة الريف الأحياء منهم والأموات .

v منهج المؤلف –رحمه الله -:

أما أهم ما نقوله عن الكتاب من جهة منهجه ومواضيعه وأسلوبه وأشياء عرضت لنا حين القراءة على ضيق الوقت والتباسنا بالعجلة أنه جاء في ثلاثة أقسام ، تحدث في القسم الأول عن المقامات والكرامات وضمنه أربعة فصول :

o أولها: في الولاية والولي، تناول في هذا الفصل مفهوم الولاية؛ وذكر أن الولاية على ضربين: ضرب خاص، وضرب عام، الخاص قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}7، والعام: ولاية المؤمنين، قال الله تعالى:{اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ }8،وقوله سبحانه:{ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ }9.

ثم نقل الحديث عن طبقات الأولياء مقلدا في ذلك ما جاء به الشيخ أبو الحسن علي بن محمد المراكشي في كتابه مناقب الأولياء وصفة سلوك الأصفياء) فجعلهم ثلاث طبقات الأولى: صفتهم علم اليقين، والطبقة الثانية: صفتهم عين اليقين، والطبقة الثالثة صفتهم : حق اليقين .

o الثاني: تناول فيه مفهوم الفقر والفقير. وذكر أن الفقر هو الافتقار إلى الله تعالى في كل حال وفي كل نفس، وجعله محمودا: وهو فقر الاختيار، وفقر الاضطرار: هو أن يكون العبد مقترا عليه في معيشته جاهدا في اكتساب ما يتعيش به، وتكلم بعد ذالك عن الأفضلية بين الفقر والغنى واختلاف الناس في ذلك بين مادح للفقر قادح في صفة الغنى، مائلا إلى تفضيل الفقر عن الغنى، لعلة وهي '' أن الواجب على العبد أن لا ينازع مولاه سبحانه وتعالى ما اختص به، بل يلتزم الذل والفقر ، فهو اللائق به'' 10.

o الفصل الثالث: مفهوم التصوف وبداية ظهوره، واختلاف العلماء في سبب التسمية، وتعقب كل التعاريف التي وردت في الباب، ثم ختم بقوله : ((والكلام في الصوفي والتصوف كثير، وإيراده يقطع دون المراد))11.

قلت: والخلاف في تعريف أصله واشتقاقه مشهور، بل اختلفوا اختلافا متباينا حتى تناقضت وتعارضت تعريفاتهم وهذا ما قصده المصنف من كلامه السالف12.

o الفصل الرابع: خصه في إثبات كرامات الأولياء ، تطرق فيه بالجملة على جواز خرق العادة للأولياء، فأورد موقف أهل السنة في الكرامة، وتعرض لاختلاف العلماء في مواقفهم من كرامات الأولياء .

وهذا الأمر هام لأن الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب فيحتاج من يستدل بذلك على ولاية أو لياء الله تعالى إلى فارق، وأولى ما ذكروه أن يختبر حال من وقع له ذلك فإن كان متمسكا بالأوامر الشرعية والنواهي كان ذلك علامة ولايته ومن لا فلا. وإن كرامات الأولياء قد تقع باختيارهم وطلبهم وهذا هو الصحيح ومنهم من قال أنها لا تقع باختيارهم وطلبهم، ومنهم من قال إن الكرامة قد تكون بخوارق العادات على جميع أنواعها ومنعه بعضهم وادعى أنها تختص بمثل إجابة دعاء ونحوه وهذا غلط من قائله وإنكار للحس.

ثم يفرق بينها وبين المعجزة بأن المعجزة تقع على حسب دعوى النبوءة أي أنها تقترن بدعوى الرسالة أما الكرامة تكون دون دعوى النبوءة، فقال: -رحمه الله -: (( فإن قيل ما الفرق بين الكرامة والمعجزة ؟ قلنا: لا يفترقان في جواز الفعل إلا بوقوع المعجزة على حسب دعوى النبوءة ووقوع الكرامة دون دعوى النبوءة ، ودليلنا في إثبات الكرامة ما لا سبيل إلى رده في مواقع السماع ))13 .

والملاحظ من خلال كلام صاحب المقصد حول المسألة يتبين مدى التزامه بمفهوم (الكرامة) وعدم ميله في ما يدعيه أصحاب الغلو في مفهوم (الكرامة) الذين يسمون أنفسهم بالمتصوِّفة والتصوف منهم براء، فيصرح أن الكرامة إنما تكون لأهل الحق والإيمان فيقول: (( إن الساحر يدعو إلى نفسه غير مقتد بشريعة والولي مقتد بشريعة ومتبع لرسول قد وضحت دلائل صدقه ...)). 14



فضيلة الأستاذ زكرياء الريسوني الحسني العلمي

خريج كلية أصول الدين (جامعة القرويين).

وباحث دكتوراه بوحدة (تاريخ الأديان والحضارات الشرقية) .










رد مع اقتباس