منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - قانون الأعمال : العلاقات التجارية الدولية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-02-28, 08:21   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
'' أمة الرحمن ''
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية '' أمة الرحمن ''
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز 2014 أحسن مشرف لسنة 2013 المرتبة الثالثة 
إحصائية العضو










افتراضي

ـ القسم الأول ـ
التعريف بالعلاقات التجارية الدولية .
نتناول في هذا القسم مجموعة من المسائل الأساسية ذات الصلة المباشرة بالعلاقات التجارية الدولية من حيث تحديد المدلول القانوني لمصطلح العلاقات التجارية الدولية , مبينين العوامل المنشئة والمساعدة لظهور العلاقات التجارية الدولية , ثم التطورات التي شهدتها هذه العلاقات غيرمغـفـلين تلك المجالات التقليدية أوالمستحدثة لظاهرة العلاقات التجارية الدولية ، ونختم هذا القسم ببيان المصادر التشريعية للعلاقات التجارية الدولية وذلك حسب الترتيب الآتي :

أولا : ـ ماهية العلاقات التجارية الدولية .
تصنف العلاقات التجارية يوجه عام إلى قسمين رئيسيين :
1 ـ العلاقات التجارية الوطنية : ويطلق هذا النوع من العلاقة القانونية على تلك المعاملات التجارية التي تتم داخل الدولة الواحدة وذلك إما بين أشخاص طبيعية وطنية أو أشخاص اعتبارية توصف بالوطنية كالشركات والمؤسسات الوطنية ، ويطبق على هذا النوع من العلاقات التجارية القانون التجارى الوطني Code de Commerce، ومن البديهي التأكيد بأن هذا القانون انما يطبق على أشخاص محددين وعلى علاقات قانونية معينة يعمل ذات القانون على تبيين هؤلاء الأشخاص الذين يوصفون بكونهم تجارا , وعلى العلاقات التي تنشأ لدى هذه الفئة وذلك بحسب شكلها أو مضمونها كما بين ذات القانون الأعمال التجارية والشركات ذات الغرض التجاري مبينا الآثار القانونية المترتبة على النشاط التجاري بوجه عام[1] ، ومن البداية نقول بأن هذا النوع من العلاقات القانونية لا يندرج في موضوع دراستنا بسبب أن هذا النوع من العلاقات لا يرقى إلى مستوى الدولية , بل هو نشاط تجاري وطني محظ .
2 ـ العلاقات التجارية الدولية : وهو نمط ثان من العلاقات التجارية يعتبر أكثر تطورا وأكثر تشعبا من العلاقات التجارية الوطنية , فيوصف بالتطور لأنه يحمل معنى الإنفتاح العالمي على التجارة الدولية من خلال البحث التنافسى المستمر عن أسواق تجارية خارج حدود الدولة التي انطلق منها المشروع التجاري , وهذا النمط من العلاقات الانفتاحية يقاوم سياسة الإنغلاق الإقتصادي على الذات ويشجع التكامل الاقتصادى والانتاجى بين الدول بالإضافة إلى أنه ينعش الحركة التجارية الدولية ويتجاوز حدود العلاقات الوطنية الضيقة بأن يفتح أمامها آفاقا واسعة للرواج والكثافة بل وللمنافسة والارتقاء بالمنتوج الوطنى الى مصف السلع والخدمات ذات النوعية والجودة التنافسية العالية , مما قد يؤثر بشكل ايجابىعلى عجلة الإقتصاد , ويشجع التنمية الوطنية , بل ويرقي بالصناعة الوطنية ومنتجاتها إلى مستوى رفيع لضمان المنافسة التجارية العالمية .
وإذا كانت العلاقات التجارية الوطنية محكومة كلها وبدون أي إستثناء بقواعد القانون التجاري الوطنى فإن الأمر ليس كذلك على مستوى العلاقات التجارية الدولية التي توصف بكونها علاقات متحررة ومتشبعة ولا يحكمها بالضرورة نمط قانونى أو تقليدي واحد ولا تخضع بالتالى إلى ذات النظام القانوني حتى ولو إتحدت مضامين تلك العلاقات أو تشابهت أوتطابقت , وذلك عائد كما أسلفنا إلى غياب سلطة تشريعية دولية تسن قواعد العلاقات التجارية الدولية , بالرغم من أن العرف التجاري الدولي قد ساعد إلى حد كبير في صياغة قواعد قانونية وأنماط للعلاقات التجارية الدولية إلا أن هذه القواعد لا تتمتع بصفة الإلزامية على عكس القواعد القانونية المنظمة للعلاقات التجارية الوطنية مثلا .

ـ وسائل تمييز العلاقتين.
من البديهي وجود ضوابط قانونية لتمييز العلاقة التجارية الوطنية عن العلاقة التجارية الدولية وذلك من عدة زوايا :

أ ـ مميزات العلاقة التجارية الوطنية :
إن أهم ما يميز العلاقة التجارية الوطنية عن العلاقة التجارية الدولية أن هذا النوع من العلاقة لا يخضع إلا للقانون التجاري في الدولة التي حصل فيها التعامل التجاري , بحيث لا يكون لذلك القانون أي منافس له على مستوى التطبيق العملي داخل الدولة , وبالتالي فهو ينفرد بتنظيم العلاقات التجارية دون أي منازعة بحيث يكون الإختصاص القانوني معقودا له وحده ، ويستتبع ذلك أن القضاء الوطني يكون هو جهة الإختصاص الوحيد لنظر المنازعات التي تنشأ عن هذا النمط من العلاقات التجارية ، فلو تعاقد تاجر جزائري مثلا مع تاجر جزائري آخر في الجزائر على بضاعة موجودة بالجزائر فإن القانون التجاري الجزائري هو وحده الذي يحكم هذا النوع من العلاقة القانونية ، ولو وقع تنازع بين الطرفين في تلك العلاقة فإن القضاء الجزائري يكون هو الجهة الوحيدة التى تتمتع بالإختصاص لنظر تلك المنازعة والفصل فيها بموجب أحكام القانون التجاري الوطني .
وحتى ينعقد الإختصاص التشريعي للقانون الوطني وينفرد القضاء الوطني بنظر موضوع العلاقة القانونية لابد من التعرض قبل ذلك إلى عناصر هذه العلاقة القانونية التي تعتبر المتحكم الرئيسي في مدى خضوعها للقانون الوطني وولاية القضاء الوطني , فيشترط بالدرجة الأولى أن يكون أطراف العلاقة التجارية من حاملي الجنسية الوطنية بكونهم مواطنين حسبما هو محدود بقانون الجنسية , بالإضافة إلى نشوء العلاقة القانونية داخل إقليم الدولة ومنتجة لآثارها في نفس الدولة ، فإذا توافقت كل هذه العناصر أمكن القول ساعتها أن العلاقة التجارية هي علاقة تجارية وطنية , وبالتالي طبق عليها القانون التجاري الوطني , ونظر القضاء الوطني المنازعات التي تنشأ بين أطراف تلك العلاقة القانونية .



ب ـ مميزات العلاقة التجارية الدولية :
في مقابل النوع الداخلي والوطني للعلاقة التجارية فإن العلاقة التجارية الدولية لا تحكمها نفس الآليات القانونية التي تحكم العلاقة التجارية الوطنية فليس بالضرورة أن تحكم بالقانون التجاري الوطني , ومن باب أولي فإن نظر المنازعات الناشئة عنها لاتقع بشكل آلي ضمن إختصاص القضاء الوطني , ومرد ذلك أن هذا النوع من العلاقات القانونية انما يحوي عنصرا أجنبيا يبرز من خلال إحدى المستويات الثلاثة الآتية :

ـ على مستوى أطراف العلاقة القانونية :
فكلما تباينت جنسية هذه الأطراف كلما خرجنا من دائرة المنظومة التشريعية الوطنية ، ويتحقق هذا الأمر سواء في علاقة الأشخاص الطبيعيين أو الإعتباريين كما لو تعاقد جزائري مع أجنبى ، أو تعاقدت شركة جزائرية مع شركة أجنبية أو تعاقدت الدولة الجزائرية مع دولة أجنبية ، فبظهور هذا العنصر الأجنبي على مستوى طرفي العلاقة القانونية أصبح من الضروري تصنيف العلاقة التجارية في إطار العلاقة الدولية .
وليس بالضرورة أن تتكافأ الأطراف الأجنبية مع الاطراف الوطنية من حيث عددها , بل يكفي أن يكون أحدها في حالة التعدد لاينتمي إلى نفس المنظومة القانونية , كما لو تعاقد عشر جزائريين مع شخص أجنبي, فهذا يخرج العلاقة من إطار الوطنية إلى إطار الدولية .
ويكون الإحتكام في تحديد جنسيات الأشخاص إلى قانون الجنسية Code de la Nationalite ، وقد حدد قانون الجنسية الجزائرية الأشخاص الذين يعتبرون جزائريين أصلاء في المواد 06-07, كما بين الأشخاص المكتسبين للجنسية الجزائرية في المواد 09-10 من ذات القانون.
وفي هذا الصدد فقد يحمل شخص ما عدة جنسيات بما يعرف قانونا بحالة تعدد الجنسية فيثار التساؤل عن كيفية تحديد جنسيته , وهذه الصورة قد عالجها المشرع فى صلب القانون المدني الجزائري في المادة 22 منه بإعتبارالشخص جزائريا إذا كان يحمل الجنسية الجزائرية من بين تلك الجنسيات المتعددة مهما كانت درجة ورتبة الجنسية الجزائرية أي كونها جنسية أصلية أو مكتسبة أوكونها الجنسية الأولى أو الوسطى أو الأخيرة , فالمعيار الوحيد فى ذلك يكون بحمله الجنسية الجزائرية من بين الجنسيات العديدة التي يحملها ، أما إذا لم تكن الجنسية الجزائرية من بين تلك الجنسيات فإننا نتقصى الجنسية الحقيقية لذلك الشخص من بين الجنسيات العديدة التي يحملها وهي عادة ما تتحدد بحسب الإرتباط الفعلي له بإحدى الدول التي يحمل جنسيتها .
وفي مقابل حالة تعدد الجنسية فقد يتصادف ـ ولو أن ذلك نادرا ـ التعامل مع شخص لا يحمل أية جنسية أي منعدم الجنسية وهو يعتبر شخصا أجنبيا حسب مفهوم قانون الاجانب , ومع دلك فهو لا يخرج العلاقة القانونية إلى دائرة العلاقة الدولية نظرا لعدم إنتمائه إلى أي دولة وبالتالى فهو لايخضع لنظام قانونى شخصى .
وخلاصة ما تقدم أن العلاقة التجارية الدولية تتحقق من خلال وجود عنصر أجنبي على مستوى أطراف العلاقة التجارية ، بحيث يظفى ذلك طبيعة متميزة على العلاقة القانونية فينقلها من حيز العلاقة التجارية الوطنية إلى حيز العلاقة التجارية الدولية .

ـ على مستوى سبب العلاقة القانونية :
قد لا يبرز العنصر الأجنبي على مستوى أطراف العلاقة القانونية ولكنه يبرز على مستوى سببها, ويتحقق ذلك كلما نشأ سبب العلاقة القانونية في ظل نظام تشريعي متباين , أي أن العلاقة القانونية نشأت في ظل نظام تشريعي معين ليقع تنفيذها في ضوء نظام تشريع مغاير, كما لو تعاقد تاجران جزائريان في تونس لتنفيذ عقدهما في الجزائر, فإن سبب العلاقة القانونية قد شـابـه عنصر الأجنبية من هذا الجانب مما يخرجه من إطار العلاقة التجارية الوطنية إلى مصاف العلاقة التجارية الدولية ، فكلما نشأ السبب في الخارج إلا ونـقـل العلاقة القانونية من دائرة العلاقة الوطنية الصرفة إلى نطـاق العلاقة الدولية .

ـ على مستوى محل العلاقة القانونية :
ومحل العلاقة يتحدد بموضوعها أو الغاية منها ومكان تواجد المتعاقد عليه ، فبتواجده خارج حدود الدولة التى نشا فيها التعاقد فإن ذلك يخرج العلاقة القانونية إلى دائرة الدولية كما لو تعاقد جزائريان على سلعة تجارية موجودة خارج حدود الدولة الجزائرية فإن هذا يظفي صفة الدولية على تلك العلاقة القانونية .
ولا يشترط توافر هذه العناصر مجتمعة لاعتبار العلاقة التجارية دولية , ولكن يكفي توافر أحداها فقط حتى تصبح العلاقة التجارية دولية في معزل عن ولاية كل من التشريع والقضاء الوطنيين , وبالتالي فهي تخضع لنظام تشريعي وقضائي متميز عن العلاقة التجارية الوطنية .
من كل ما سبق نخلص إلى أن العلاقة التجارية الدولية هي صورة متميزة عن العلاقة التجارية الوطنية وسبب ذلك أن هذا النوع من العلاقات القانونية يتميز بخصائص وميزات لاتتوافر في العلاقة التجارية الوطنية , ومن ثـم فإن النظام القانوني الذي ينظم كلتا العلاقتين ليس واحدا كما أن المنازعات المثارة بشأنهما لاتخضع بالضرورة إلى نفس الميكانيزمات القـانونية , مما يجعل العلاقة التجارية الدولية أكثر تحررا من قيود المنظومة التشريعية الوطنية وترتقى إلى مصاف العلاقات الدولية من حيث إنشائها, والآثار المترتبة عليها , ووسائل حل التنازع فيما ينشأ عنها من منازعات وخلافات بين أطرافها .

ثانيا : عوامل نشـوء وتطـور العلاقـات التجـارية الدولـية .
نتناول في هذا المضمار العوامل التي أدت وبشكل مباشر إلى بروز العلاقات التجارية الدولية كعوامل إنشـائية وتشـجيـعية , ثم نتناول كيفية تطور العلاقات التجـارية الدولية بعدما شقت أفـقا واسعا في مجال التبـادل التجـاري فيما بين شعوب ودول العالم المختلفة .

1 ـ عوامل نشوء العلاقـات التجـارية الـدولـية .
إن الأسباب التي أدت إلى بروز العلاقات التجارية الدولية جد عديدة ، ومع ذلك فإنه يمكننا التركيز على أهم تلك الأسباب والتي تعتبر ركيزة أساسية في نشوء العلاقة التجارية الدولية وبروزها على أرض الواقع وتتمثل تلك الأسباب فيما يلي :

أ ـ نشوء دول ذات سيادة :
حينما نعود إلى تاريخ العلاقات التجارية البشرية بوجه عام فإننا نجدها كانت محكومة بمبدأ حرية التبادل التجاري فيما بين أفراد المجتمع الواحد وذلك في شكل تقديم سلع أو خدمات بشكل متعارف عليه , وهو ما يعرف بنظام المقايضة التجارية ، فبموجبه يتم التبادل بين طرفي العلاقة التجارية بالسلع في مقابل بعضها فيدفع المزارع مثلا مقدارا محددا من الحبوب نظير الحصول على عدد من رؤوس الغنم وهكذا الأمر في باقي السلع ، بل ولقد امتد هذا النظام أيضا الىقطاع الخـدمـات فتقـدم الخدمة نظـير السلعة المتكافـئة معها أو العكس .
وقد اتسع نظام المقايضة بين أفراد المجتمع إلى العشـائر والقبـائل والأوطان المجـاورة ، وكل ذلك كان محكوما بقواعد عرفية تخضع لسياسة العرض والطلب بشكل أساسي .
ولكنه ومع نشوء الدول القديمة فقد سادت بينها إتفاقيات للتبادل التجاري وفق نظام أشبه مايكون بعملية التصدير والإستراد المعروفة حاليا ، فقد نظمت تلك العلاقات باتفاقيات ثنائية تستقي أحكامها من الأعراف التجارية السائدة وقتئذ ، وهو ما كان معروفا على وجه الخصوص لدى المجتمعات الإغريقية والرومانية القديمة , بل وفي كل المدن الساحلية القديمة حيث ظهرت عدة محاولات لخلق نظـام مستقرللعلاقات التجارية قصد ضمـان سد الحاجيات الإقتصادية الاساسية عن طريق التبادل التجاري مع العالم الخـارجي عن طريق البرمن خلال القوافـل التجارية , أو عبر الأساطيل التجـارية البحـرية , وهو الأمر المعروف أيضا في التجارة العربية القديمة التي كانت تعتمد على القوافل التجارية البرية سواء بين الأقاليم العربية المختلفة وبينها والحضـارات المجاورة لها .
وبالتأكيد فإن العلاقات التجارية القديمة ورغم بساطتها ومحدوديتها إلا أنها لم تتسم بالاستقرار المطلوب نظرا لانعدام وجود نمط تعاقدي مسبق يكون ملزما لطرفي العلاقة القانونية , مما جعل الأمر يقوم ويعتمد على الصدفة في التعامل والذي لايقيده أي التزام قبل وقوعه , وبالتالي فهو يقوم على التعامل الحـر, ولكنه وبمجرد وقوعه فإنهيرتب التزاما تعاقديافى حق المتعاقديـن .
ولكنه ومع نشوء الدولة بمفهومها المعاصر وما يقع عليها من إلتزامات اتجـاه مواطنيها فقد لاحظنا تسـابق الدول إلى ضمان حاجـياتها بشكل منتظم ومستقـر سواء في مجال المواد الغـذائية أو الادوية , أو في مجال المواد الأولـية , بل وحتى في قطاع الخدمـات الأساسية , وهو كان سـببا في لجوء بعض الدول للاغـارة على غيرها من الدول بل وحتى إستعـمارها طمعا في خيراتها الإقتصادية كما وقع تاريخيا لكل المستعمرات البريطانية والمستعمرات الفرنسية في شتى أنحاء العالم ولعل النموذج المـاثل بين أعيننا إستعمار فرنسا للجزائر قصد نهب خيـراتها واستغـلال ثـرواتها الطـبيـعـية .
ومع استقلال الدول عن الهيمنة الإستعمارية لم يعد هناك بد من إيجاد قنوات مشروعة للتكامل والتبادل الإقتصـادي بين الدول خاصة في ظل مبادئ إستقلالية الدول وسواسيتها وتمتعها بمراكز قانونية متكافئة بغض النظر عن أهمية كل منها على صعيد التمثيل الداخلي أو الدولي .
فبظهور الدول الحديثة برزت عدة مبادئ ساهمت بشكل مباشر في تنمية العلاقات التجارية الدولية أهمها

* ـ مبدأ حرية الدولة في ممارسة نشاطها .
إن مقتضى هذا المبدأ يعني تمتع الدولة وكل أجهزتها بمطلق الحرية في اتخاذ القرارت المناسبة لها في شتى مناحي حياتها السياسية والإقتصادية , فلها مطلق الحرية في اختيار نظامها السياسي في أي شكل من الأشكال المعروفة , كما أن لها حق استحداث نظامها السياسي من العدم كما وقع مثلا في دولة ليبيا التي ابتكرت نظام الجماهيريات بواسطة ميكانيزمات سياسية وهذا من خلال مايعرف باللجان الشعبية , والمؤتمرات الأساسية , والمؤتمر الشعبي العام , وبموجب هذه الوسائل إبتكرت طريقة جديدة لتسيير الدولة, فلا يحق لأى دولة أن تعقب على حرية غيرها من الدول أو تنصب نفسها وصيا على باقى الدول , وهذه الحرية تتمتع بها جميع الدول على قدم المساواه مهما كان حجمها وكثافة سكانها وتطور صناعتها أوأسلحتها .
كما أن للدولة الحق الكامل والحرية التامة والمطلقة في تسطـير نظامها الإقتصادي بما يخدم تطلعاتها الإقتصادية حتى ولو كان ذلك النظام مبتكرا أو غير مألوف , ويستتبع ذلك أن للدولة حق تحديد تعاملاتها التجارية مع الأطراف الخارجية وفق ما يناسبها وذلك حماية لإقتصادها الوطني ، بل وأن للدولة الحق الكامل في احتكار تجارتها الخارجية في مقابل الأطـراف التجارية الأجنبية كما حدث تاريخيا في جمهورية الإتحاد السوفياتي وكل الدول ذات التوجه الاشتراكى بما فيها الجزائر التىكانت تجارتها الخارجية كلها حكرا على الدولة فقط من خلال مؤسساتها المختلفة . فللدولة أن تنتهج النهج الاقتصادى الذى يتلاءم وسياستها الايديولوجية دون معقب من غيرها من الدول ، حول نمطها الإقتصادي وأيديولوجياتها التي ترى أنها تخدم مصالح شعبها وتنمية إقتصادها .
ومما سبق نستنتج بأن للدولة الحرية التامة في معاملاتها التجارية في التصدير والإستيراد ولتوسيع نطاق الإستثمار أو التضييق منه كما أن لها أن تحدد تدفق الأموال الأجنبية إلى إقليمها بما يخدم أهدافها الإقتصادية ، ولها الحق التام في إبرام المعاهدات التجارية أو الإنضمام لمعاهدات إقتصادية قائمة مما يجعلنا في النهاية نقول بأن الدولة تتمتع بمبدأ سلطان إرادتها فيما يتعلق بتعاملاتها التجارية الدولية إستنادا إلى مبدأ حريتها الكاملة في إدارة شؤونها ودواليب إقتصادها تحقيقا لأهدافها في التنمية والإنتعاش الإقتصادي .

* ـ مبدأ عدم تدخل الدول في شؤون بعضها .
إن مبدأ عدم تدخل الدول في شؤون الدول هو النتيجة الطبيعية لمبدأ سيادة الدولة وحريتها في تنظيم شؤونها دون رقابة من أي جهة كانت . وهذا الحق الذي تتمتع به كافة دول العالم يسري في مواجهة جميع أشخاص المجتمع الدولي سواء أكان ذلك منصبا على دول أجنبية أو منظمات دولية أو إقليمية حتى ولو كانت الدولة عضوا في تلك المنظمات ، فلا يجوز مثلا لمنظمة الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية أو منظمة الوحدة الأفريقية التدخل في الشئون الخاصة بدولة عضو وينطبق هذا الأمر على المجالات السياسية ونظام التسيير والمعاملات التجارية الدولية فليس لدولة أو منظمة أن تشير على دولة أخرى بفتح أسواقها الداخلية أو غلقها أو التكثيف من حجم علاقاتها ، مما يعد تدخلا في شئون دولة أجنبية وهو أمر محضور ومرفوض على مستوى قواعد القانون الدولي العام .

* ـ مبدأ مساواة الدول .
إن مبدأ مساواة الدول إزاء بعضها يعد من أهم مبادئ القانون الدولي العام ، وتظهر أهمية هذا المبدأ جليا في المركز القانوني للدولة بشكل متساو سواء في ظل العلاقات السياسية الدولية أو العلاقات التجارية الدولية وهذا ما ستلزم عدم التصغير والتقليل من شأن أي طرف في العلاقة التجارية الدولية مما يسد الطريق أمام ظهور نظام الإمتيازات لصالح طرف دون آخر وهو ما يجعل العلاقة القانونية التعاقدية غير متكافئة ، فليس للولايات المتحدة الأمريكية مثلا إذا ما تعاملت مع دولة صغرى أن تفرض عليها وضعا امتيازيا لا يقابله حق مماثل في العلاقة التعاقدية ولذلك فإن الدول تنطلق في معاملاتها وعقودها من مبدأ المساواة في المراكز القانونية وهو أمر لا يستدعي مناقشته عند بدء التعاقد بل إن ذلك من المسلمات التي لا تحتاج إلى تأكيد أو توضيح .
مع الإشارة إلى أن هذه المساواة هي مساواة قانونية وليست مساواة فعلية أو واقعية إذ المعروف أن الدول المختلفة تتباين في مراكزها الفعلية إستنادا إلى حجمها وكثافتها ومدى تطورها وتركيبتها السياسية ولكنها جميعا تعد متساوية في مراكزها القانونية .

* ـ مبدأ حصانة الدول .
إن مبدأ حصانة الدول يقتضي عدم قبول الإدعاءات المقامة أمام الجهات القضائية الداخلية على دول أجنبية، ومن المعلوم أن للدولة حق اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لمقاضاة غيرها من الدول ولكنه لا يجوز مقاضاة دول أجنبية أمام محاكم دولة أخرى مما يصدق معه القول بأنه لا يمكن مقاضاة الدولة الأجنبية بصفتها مدعى عليها .
وفي مجال العلاقات التجارية الدولية فإن لهذا المبدأ إنعكاسا مباشرا في المجال القضائي بحيث لا تقام الدعاوي القضائية على دولة أجنبية أمام محاكم أجنبية غير دولية , خاصة بالنسبة لتلك الدول التي تحتكر التجارة الخارجية مما دعى ومنذ سنة1926 وبمناسبة إثارة العديد من المنازعات على دولة الإتحاد السوفياتي عقب إحتكارها التجارة الخارجية.
مما أدى إلى بروز عدة معايير يتم بموجبها نظرالمنازعات بشكل إستثنائي عن القواعد العامة وذلك في المجالات التي تمارس فيها الدولة نشاطا مماثلا لنشاط الأفراد العاديين فتعامل حينئذ معاملتهم في التقاضي , فأجيز بناء عليه رفع الدعاوى القضائية على الدول الاجنبية في مجال العلاقة التجارية الدولية نظرا لتشبه الدولة بالافراد , فلو أن دولة اجنبية تعاقدت مع دولة أخرى في مجال العلاقات التجارية الدولية لأمكن رفع الدعوى القضائية عليها أمام محاكم دولة أجنبية عنها , بل وحتى أمام محاكمها الوطنية وهذا دائما بمراعاة أعمال السيادة التى تقوم بها الدولة بهذه الصفة .
ومن مجموع هذه المبادئ المتقدمة يلاحظ بأن نشوء الدول قد ساهم بشكل فعال في ترسخ قواعد التعامل التجاري الدولي بمراعاة تلك المبادئ السالفة الذكر والتي وإن كانت تبدو وكأنها قيودا على مبدأ حرية التجارة الدولية إلا أنها ساهمت بشكل فعال في ترسخ العلاقات التجارية الدولية باحترام المراكز القانونية في العلاقات الإقتصادية الثنائية أو الجماعية التي قد تقوم بين هذه الأشخاص الإعتبارية .

ب ـ نشوء المنظمات الدولية والإقليمية .
من الأسباب الرئيسية لنشوء وازدهار العلاقات التجارية الدولية بروز المنظمات الدولية والإقليمية مثل منظمة هيئة الأمم المتحدة على الصعيد الدولي ومنظمة جامعة الدول العربية على المستوى الإقليمي العربي . وقد تبدو هذه المنظمات للوهلة الأولى بأنها منظمات سياسية إلا أنه من بين أهدافها تنمية العلاقات التجارية والإقتصادية بوجه عام بين الدول المنظمة لها .
فمن الملاحظ مثلا بأن هيئة الأمم المتحدة تحوي في تركيبة أجهزتها الهيئة الدولية للتجارة وهيئة العمل الدولية وهيئة الأغذية والزراعة والبنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي والمؤسسة المالية الدولية وهيئة الطيران المدني وهيئة الإستثمار الدولية. كما أن جامعة الدول العربية قد توصلت إلى إبرام اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الإقتصادي التي تم بموجبها إقرار إنشاء السوق العربية المشتركة .
ولعل الفضل في إيجاد التقارب الإقتصادي والإنتعاش التجاري بين شتى الدول يعود إلى تقارب وجهات نظرها في ظل هذه التنظيمات الدولية والإقليمية ، ولذلك فإننا سنتناول بإيجاز نمودجين من ثمرة هذا التقارب الدولي هما : الهيئة الدولية للتجارة من هيئة الأمم المتحدة والسوق العربية المشتركة من جامعة الدول العربية .

الهيئة الدولية للتجارة Organisation International du Commerce (O.I.C ) .
تم انشاء هذه الهيئة في إطار مؤتمر الأمم المتحدة بهـافـانا عاصمة كوبـا في 1948/03/24 وكان الغرض من إنشاء هذه الهيئة , تنمية العلاقات التجارية الدولية بين الدول الأعضاء , وترقية التبادل التجاري, وإزالة القيود المصطنعة أمام التجارة الدولية , فـتناول كل مامن شأنه أن يؤدي إلى تشجيع التعامل التجاري الدولي بما في ذلك تنظيم الحصـص التجـارية , وترقيـة التصـدير , وإزالة الحواجز الجمـركية , وتيسـير وسائل النقل التجارة الدولية بكافة الوسائل المتاحة , وتشجيع الإستثمار, وضمان تدفق الأموال , كما وضع ميكانزمات قانونية لحـل المنازعات المثارة في شأن التـبادل التجـاري الـدولي .

ويمثل هذه الهيئة مجلس تنفيذي يتكون من 18 عضوا يتم إنتخابهم من طرف المؤتمر الذي يحوي جميع الأعضاء على قدم المساواة , ويعقد إجتماعه مرة كل سنة ، ومما ساعد هذه الهيئة على القيام بمهامها أنها كانت مسبوقـة بمعاهدة التعريفة الجمركية المبرمة سنة 1947 والتي كان لها الفضل الأكبر في تدفق حـركة التجـارة الدوليـة بنسبة % 80 بين الدول المنسبة لها .

ـ السوق العربية المشتركة .
تعتبر السوق العربية المشتركة ثمرة مباشرة لاتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الإقتصادي المتفق عليه من الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية بتاريخ 1950/04/13حيث سعت من خلالها دول الجامعة العربية إلى تعزيز قدراتها الدفاعية , وتنسيق جهودها في المجال العسكري , ومن جهة أخرى تحقيق التعاون الإقتصادي من خلال النهوض باقتصادها المتخلف من خلال استثمار طاقاتها وامكانياتها الإقتصادية المتنوعة , وتسهيل التبادل التجاري فيما بينها تشجيعا للنهوض الإقتصادي الشامل في كل دولة على حده .
وحتى تحقق جامعة الدول العربية هذا الهدف فقد أوكلت هذه المهمة إلى المجلس الإقتصادي الذي يتشكل من وزراء الاقتصاد في الدول الأعضاء , وبتطويره أضحى هذا المجلس هيـئة مستـقـلة , يجوز للدول العربية الإنضمام له دون اشتراط إنضمامها إلى اتفاقية الدفـاع المشترك والتعاون الإقتصادي ، بل إنه يجوز للدول العربية الإستفادة من خدمات هذا المجلس دون اشتراط عضويتها في جامعة الدول العربية ذاتها .
وقد عززت جامعة الدول العربية التبادل التجاري بينها بعدة اتفاقيات منها اتفاقية 1953/09/07 الخاصة بتنظيم تجارة العبور ـ الترانزيت ـ واتفاقية 1953 بشأن تسديد مدفوعات المعاملات التجارية وانتقال رؤوس الأموال التي عدلت في 1957/06/03 بحيث أصبحت ترمي بشكل أساسي إلى إقـامة وحـدة إقتصادية تدريجية بين الدول العربية قصد من خلالها تحقيق عدة أهداف أهمها :
ـ تحقيق حرية أنـتـقال الأشخـاص بين الدول العربية وحرية تنقـل رؤوس الأموال .
ـ تحقيق الحرية النسبية في تبادل البضـائع والمنتجات الوطنية التي تم إنتاجها في الدول العربية .
ـ التمكين من حق الإقامة ومزاولة النشاط الإقتصادي داخل الدول العربية من طرف أبناء الدول العربية .
ـ حرية نقل البضائع والعبور بها من دولة عربية لأخرى واستعمال وسائل النقل المتاحة برا ، بحرا , وجوا.
ـ تمكين المواطنين العرب من حق التملك والإيصاء والإرث داخل الدول العربية .
وحتى تتحقق هذه الأهداف بشكل حقيقي فقد تم الاتفـاق على انشـاء سوق عربية مشتركة بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بموجب اتفاقية 1964/08/13 وذلك لتحقيق أربعة أهداف هي :
ـ تحقيق الوحـدة التدريجية بين الدول العربية من خلال التكـامل الإقتصـادي .
ـ توحيد التعرفـة الجمركية والتشريعات الجمركية المطبقة في كل دولة عربية .
ـ توحيد سياسة الإستيراد والتصدير لخلق قـوة إقتصادية وتجارية عربية موحدة .
ـ توحيد أنظمة النقـل والعبـور بين جميع دول جامعة الدول العربية .
ومما لا شك فيه أن هذه الأهداف كانت ترمي إلى إيجاد تقارب إقتصادي وفعـلى بين الدول العربية يكون سببا في إزالة الفـوارق الإقتصـادية تمهيدا للوحدة بينها وهو مالم يتحقق إلى غاية هذه الساعة , بل أن السوق العربية المشتركة نفسها قد أصابها الشـلـل والإنتكـاس , ولم تستطع تحقيق الأهـداف المرسـومة بسـبب التبـاين والإختلاف والخـلاف المسـتمرالقـائم بين الدول العربية .
ومما سبق نستنتج دور المنظمات الدولية والإقليمية في تقريب وجهات نظر الدول المختلفة التي سعت في شكل تكتلات صغرى وكبرى إلى تشجيع التبادل التجـاري الدولى من خلال العلاقات التجارية فيما بينها خدمة لأهدافها الإقتصادية , ومهما كانت المآخذ التي قد تسجل على هذه المبادرات إلا أنها وبحق قد حققت نوعا من الوعي لدى دول العالم في ضرورة إيجاد ميكـانيـزمات قانـونية لتـنـظيم العلاقـات التجـارية الدولـية .
[1]ـ انظر المواد من القانونالتجارى الجزائرى .









رد مع اقتباس