منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - كلمة في شعر التفعيلة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-12-18, 23:35   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
bouira
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي كلمة في شعر التفعيلة

هذا النمط من الشعر شاع في أواسط القرن العشرين ، وهو نمط جديد من الشعر يتخفف من أثقال العروض، فيلغي القافية المطردة إلغاء تامًّا، ويلغي معها فكرة الشطر والبيت ، فالقصيدة من هذا النمط الجديد لا تتكون من أبيات بل تتكون من سطور متلاحقة، ولا تستبقي من العروض الموروث للشعر العربي سوى التفعيلة إذ يعتمد عليها في سطوره ، ولذلك سموا هذا النمط شعر التفعيلة ، ومن شعرائه الممتازين نازك الملائكة بالعراق، وصلاح عبد الصبور بمصر .وكان يسمى بالشعر الحر فرأى بعض النقاد أن هذا الاصطلاح غير صحيح باعتبار أنه ليس شعرا متحررا من القافية والوزن ،فأطلقوا عليه مصطلح ( شعر التفعيلة ) ،و درج على النظم فيه بعد نازك جمهرة من الشعراء، وكانت نازك في اختيارها هذا القالب الشعري الجديد متأثرة بقراءتها للشعر الإنجليزي، وقد أعانت الشاعرة إجادتها اللغة الإنجليزية على قراءة الشعر الإنجليزي وتذوقه.
وقد نظمت شعر التفعيلة جماعة كبيرة من الشعراء العرب في غير العراق ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: نزار القباني، وأحمد عبد المعطي حجازي، وفاروق شوشة وصلاح عبد الصبور، وكثير غيرهم.
أما الشعر الحر بمعناه الحقيقي، أي الشعر المتحرر من قيدي الوزن والقافية الذي أدار ظهره للشكل المتوارث فقد ظهر متأخرًا، بتأثير تيار الشعر الحر الذي ظهر في الغرب وكان من أبرز الدعاة إليه الناقد والشاعر ت.س. إليوت ومن تابعه. وقد أطلق بعضهم على هذا النمط الشعري الجديد مصطلح "قصيدة النثر"، وفي هذا المصطلح تناقض بين جزأيه، فلفظ قصيدة يتناقض مع تعريف النثر، والأمثل أن يدعى الشعر الحر، وقد نظم فيه كثيرون، بعضهم من الشعراء الذين نظموا شعر التفعيلة، وبعضهم اقتحم بوابة الشعر الحر مباشرة. ومن المؤسف أن هذا الشكل الجديد قد أفسح المجال أمام طائفة ممن يزعمون أنهم شعراء وهم لا يملكون أية موهبة شعرية، فأسمعونا لغوًا وهذيانًا أطلقوا عليه اسم الشعر، وهو لا يمت إلى الشعر بصلة، وإنما جاؤوا بألفاظ مرصوف بعضها إلى جانب بعض لا تنطوي على أية دلالة ولا تستنبط منها أية صورة، متذرعين بدعوى أن شعرهم بما فيه من غموض لا يتأتى فك طلاسمه إلا عند أولي المقدرة على النفاذ إلى ما وراء الألفاظ والشكل الجديد للشعر.
وهذا التخبط في قول الشعر يذكرنا بما حل بفن التصوير حين نحا فيه المصور العبقري بيكاسو إلى التجريد فتابعه مصورون مبدعون وآخرون لا يملكون أية موهبة فنية، فصنعوا لوحات تجريدية لا تعدو أن تكون خليطًا اعتباطيًّا غير متجانس من الألوان والخطوط بعيدًا كل البعد عن الفن الأصيل، والفن براء منه.
وهؤلاء الذين نحو ذلك المنحى في الشعر الحر أو التفعيلة هم الذين وصفهم الأديب الإسلامي الكبير محمود شاكر رحمه الله : بالجبن اللغوي
ومن أغرب ما قرأته أن بعض رواد هذا النوع من الشعر يرجع سبب تغير نمط وأشكال العمران والشوارع في مدننا العربية إلى ظهور هذا النمط من الشعر فيقول في كتابه (قضايا الشعرالمعاصر):
أنني إنما دعوت تلك الدعوة الحارة، إلى إقامة الشعر على أشطر غير متساوية، تفعيلاتها غير متناسقة في العدد؛ لأنني أدعو أيضًا إلى تغيير نظام المباني، ولأنني أنفر من التناظر وأتعطش إلى هدمه والثورة عليه.
وعندما استجاب كثير من شعراء العصر إلى دعوة الشعر الحر بدأ طراز المباني يتغير. وماذا نجد اليوم؟ لقد أصبح المهندس، حين يبني بيتًا أو عمارة، يتعمد ألا يجعلها متناظرة، فما يكاد يلاحظ أقل ميل إلى هذا التناظر، حتى يُنزل بالنسق فوضى من نوع ما، تخلخله ولو على شكل رسوم وخطوط وألوان لا نموذج فيها، ولا مقياس لها، وإنما هي نثر بلا تخطيط.
وعلى هذا، تكون سطوة الشعر الحر على الحياة العربية اليوم، ناشئة عن أننا نتأثر بطراز المباني التي نحيا فيها، وهي مبانٍ ثائرة على التناظر ثورة واضحة لكل ذي بصر. وإني لأومن إيمانًا قويًّا بأن الشعر والفن ليسا معزولين عن الحياة، وإنما يرتبطان بها ارتباطًا كاملًا. ومن ثم فإن تخطيط شوارعنا الحديثة وطراز مبانينا لابد أن يؤثر تأثيرًا مباشرًا في شعرنا وفنونا. وهذا هو الحذر الكامن وراء سطوة الشعر الحر على حياتنا الحديثة، في ظني. وعلى ذلك فإن الذين ينادون بضرورة القضاء على شعر التفعيلة الذي لا نسق ثابتًا له، إنما يتغافلون عن طراز بيوتنا وأشكال شوارعنا وينسون أنها لا بد أن تترك طابعها على أذهاننا وميولنا النفسية وتدفعنا إلى جهة معاكسة للتناظر الذي ننفر منه اليوم، ونحاول دائبين أن نحدث فوضى تخل به ولو إخلالًا جزئيًّا.
وخلاصة القول أن شعر التفعيلة قد أثبت وجوده وفرض نفسه في الساحة الأدبية ،وإذا كنا لا نشك في أن الشعر العمودي متى ما أبدع فيه كان السقف الأعلى للإنتاج الشعري. بيد أن ذلك لا يمنعنا من طرق الأبواب الجديدة، وتجريب الأشكال الشعرية المعاصرة متى توفر فيها إيقاع الشعروموسيقيته الشعرية.









 


رد مع اقتباس