منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - من مواقف علماء الجزائر
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-11-20, 10:08   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
ابو مريم الجزائري
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي حق الصحبة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدت بعد غياب بسبب بعض االمشاغل البحثية

يعتبر الشيخ الفقيه المؤرخ البحاثة المهدي البوعبدلي رحمه الله ظاهرة خاصة في الجزائر، حيث أنه عاش حياته بين الكتب والمخطوطات، متنقلا بين المدن والبلدان مقتنيا أو ناسخا لها، ومشاركا في الملتقيات والمؤتمرات، وكما يقال:" له في كل عرس قرص ".
يرجع له الفضل في أنه عمل طوال حياته على جمع ونسخ مخطوطات نفيسة، ورصد أماكن وجودها قديما و حديثا، فكوَّن مكتبة عامرة بالمخطوطات والنوادر.
من المواقف المشرفة لهذا العالم المحقق أنه عين في أربعينيات القرن الماضي باقتراح من صديقه الشيخ ابن زكري مدير المدرسة الثعالبية بالجزائر العاصمة إماما بالمسجد الكبير بوهران، وكان في ذلك التاريخ الكاتب والأديب الكبير السعيد الزاهري قد عينته جمعية العلماء المسلمين في وهران لنشر الدعوة والإصلاح والتدريس في مدارس الجمعية، وكان شديدا على الإستدمار الفرنسي والحركات الطرقية الضالة التي انحازت إلى فرنسا وعملائها ضد أبناء الشعب الجزائري، وكان الشيخ المهدي البوعبدلي يزوره في بيته أو يلتقيه في المكتبات أو الأماكن العامة، وفي يوم من الأيام جاءه إستدعاء من مدير الشؤون الاسلامية الذي كانت له اليد الطولى على الوظيف الديني – على القارئ الكريم أن يعود بفكره إلى ذلك العهد حيث كانت فرنسا هي الحاكمة بأمرها في أمور الدين الإسلامي- وفي مكتب هذا المدير أخبره بأنه وصلته معلومات مؤكدة تُفيد أنه كثير اللِقاءات مع الشيخ الزاهري الذي لم يكن من الذين تليق صحبته في نظر الإدارة الفرنسية، فما كان من الشيخ المهدي إلا أن أجابه قائلا: " إن الزاهري عالمُ وأديبٌ، وهذه الصفة المشتركة بيننا هي التي تجمعنا، فإذا كان الوظيف الذي أشغله يفرِضُ علي الإمتناع من صحبة العلماء، ويلزمني مصاحبة الجهلة والسُّفهاء، فإنِّي أضعه رهن تصرُّف إدارتكم" (1).
فلما رأى المدير هذا الموقف الصارم من الشيخ المهدي البوعبدلي، وأنه مستعد للتضحية بالمنصب والوظيفة في سبيل صحبة رجل الإصلاح وعضو جمعية العلماء المسلمين، تراجع وطوى الحديث قائلا: " إني رجل شريف، وحاشاني أن أكون من أهل هذا الرأي، بل غاية ما أردت هو إطلاعك على ما بلغني، لا غير"(2) ولم يتوقف الأمر بالشيخ المهدي البوعبدلي عند هذ الحد، بل أنه بمجرد خروجه من مكتب المدير، كتب رسالة يطلب فيها تحويله من وهران إلى مدينة أخرى أو قبول إستقالته فورا.
وهذا الموقف كان سببا في تحويله إلى مدينة بجاية لإمامة المصلين بجامعها الكبير، وفي هذه المدينة فتح الله عليه فتعرف على عائلاتها الكبيرة وأطلع على ما تحتويه مكتباتهم من مخطوطات وكتب وتقاييد، وقيض الله له من دله على مكتبة الباي القلي [ باي قسنطينة من سنة 1756 – 1771م، وهو جد الحاج أحمد باي آخر بايات قسنطينة ] التي كانت بحوزة إحدى العائلات البجاوية، فألح عليهم ببيعها له، وبالفعل فقد ابتاعها منه فظفر بكنز ثمين لا يقدر بثمن من الكتب التراثية والمخطوطات والوثائق ، وهي توجد حاليا في مكتبة الزاوية ببطيوة.

الهامش:
(1)و(2) – من مداخلة بعنوان " نشأة وحياة الشيخ المهدي البوعبدلي " للشيخ عياض البوعبدلي – شقيق المهدي - في ملتقى:
(( الشيخ المهدي البوعبدلي شهاداتٌ ووثائق))
إعداد: عبد الرحمن دويّب ( الأخ والصديق الكريم)
منشورات المكتبة الوطنية الجزائرية – الجزائر 2008م، ص 73

ترجمة مختصرة للشيخ المهدي البوعبدلي:

ولد عام 1907م في مدينة بطيوة التابعة لولاية وهران بالغرب الجزائري،بعد حفظ القرآن الكريم ومبادئ العربية، التحق بالمدرسة الفرنسية،ثم درس في معهد "مازونة" الفقه لينتقل إلى تونس لمتابعة دراسته في جامع" الزيتونة" التي تحصل فيها على شهادة التطوع،وعاد بعدها إلى الجزائرواشتغل بالإمامة والفتوى في وهران وبجاية والشلف، شارك في الحركة الإصلاحية ضمن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كتب ونشر عن التراث والتاريخ الجزائري،كما حضرعدة ملتقيات في الجزائر وخارجها،توفي الشيخ عام 1992م.
من آثاره:- تحقيقه لكتابين هما "الثغرالجماني في ابتسام الثغرالوهراني" للكاتب أحمدبن سحنون الغريسي،وكتاب "دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران " لمحمد بن يوسف الزياني.
- ساهم في نشر كثير من تراجم علماء وأدباء الجزائر في المجلات والصحف والجرائد الجزائرية.
- نشر العديد من الدراسات والمقالات عن التراث الثقافي والعلمي لمعظم حواضر القطر الجزائري.
- ألقى مئات المحاضرات والمداخلات في مختلف المؤتمرات والملتقيات والندوات بالجزائر والخارج للتعريف بالتاريخ والتراث الجزائري في مختلف الميادين.










رد مع اقتباس