منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الفلسفة اليونانية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-12-03, 12:15   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
لالة مريومة
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية لالة مريومة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السوفسطائيون

بعد أن ظهرت أولى إرهاصات العقل المجرد فى نظرية تفسير أصل الكون وذلك فى فلسفة أناكسغوراس ، كان لابد أن يؤدى هذا إلى التفكير فى العقل نفسه ومن ثم فى الإنسان ، وكانت هذه مهمة السوفسطائيين وعبارتهم الشهيرة التى أطلقها بروتاغوراس تدل على ذلك بقوة " الإنسان مقياس كل شئ "
ويرى بعض مؤرخى الفلسفة أن أفكار السوفسطائيين كانت نتيجة حتمية للحراك الإجتماعى السياسى الذى شهدته بلاد اليونان فى القرنين السادس والخامس قبل الميلاد ، فبعد إنتصار الديمقراطية ، وتراجع نفوذ الأرستقراطيين ، لم تعد المعرفة متعالية فى أبراج عاجية من الأفكار المثالية التى تحلق فوق التفاصيل الإنسانية التى تهم حياة الناس داخل السياق الإجتماعى فى لحظة تاريخية معينة .
لم ينشئ السوفسطائيون جماعة كالفيثاغوريين ولم يستقروا فى مكان واحد كالإيليين ، وإنما كانوا يرحلون من مدينة إلى أخرى متخذين من التدريس مهنة ، وهذه السابقة الأولى فى تاريخ الفلسفة التى تجعل منها مهنة ومصدر دخل ، وهو ما سيؤخذ عليهم أخلاقيا ويجعل بعض الفلاسفة اللاحقين ينظرون إليهم بإزدراء .
أشهر السوفسطائيين هم أثنان بروتاغوراس ، وجورجياس ، وقد كانوا يُعلّمون البلاغة ، والخطابة وعلم السياسة لأبناء الأسر الثرية الراغبين فى شغل مناصب سياسية كبيرة ، فنظرا لأن الإنسان هو مقياس كل شئ ، أى لا وجود لحقائق بمعزل عن نظرة الإنسان ، فيمكن لأى إنسان أن يدافع عن الفكرة ونقيضها فى آن فقط عبر إتقانه للجدل والبلاغة ( من هنا جائت الكلمة سفسطة ) أى كيفية الدفاع عن الفكرة سواء كانت صحيحة أم باطلة ( فى غياب الحقائق المطلقة تزول هذه الثنائية )
حتى أنه يروى عن جورجياس أنه قال ذات مرة " ليس ضروريا أن تعرف شيئا عن الموضوع لتدلى بإجابة "
وُلد بروتاغوراس فى أبديرا من أعمال تراقيا سنة 480 ق.م وبعد ترحاله فى مختلف بلاد اليونان وآسيا الصغرى أقام فى أثينا وقام بكتابة رسالة عن الألهة أستهلها بهذه الفقرة : " أما عن الألهة فلا أستطيع أن أؤكد وجودهم من عدمه ولا أتخيل هيئتهم ، فهناك كثير من العقبات فى سبيل معرفة ذلك ، منها غموض الموضوع وقصر عمر الإنسان "
وما إن ظهرت رسالته للناس حتى أُتهم بالإلحاد وحُرقت الرسالة علنا وفر بروتاغوراس هاربا ولكن غرقت سفينته فى طريقه لصقلية ومات عام 410 ق.م
أما جورجياس فتابع إنكار الإيليين للوجود عن طريق الإستفادة من أفكار زينون بهذا الشأن ، كما أنه أضاف أنه حتى ولو كان هناك شئ موجود فيستحيل معرفة حقيقته وذلك لأن المعرفة عنده تتوقف على استقبال الحواس فقط ، وطبعا الحواس تختلف من شخص لآخر ولا سبيل للوصول إلى توحيد هذا الإختلاف بين الجميع والوصول إلى حقيقة الوجود ، كما أنه أضاف أيضا أنه حتى ولو كان هناك وجود وحتى لو توصل الشخص إلى معرفة حقيقة هذا الوجود فلا يمكن أن يقوم بنقل هذه المعرفة إلى آخر أبدا نظرا إلى إعتماده على حواسه الخاصة .
فى رأيى أن السوفسطائيين كانوا ثوريين جدا مقارنة بزمنهم وأفكار وسطهم الإجتماعى ولذلك لم يعرف أحد الأبعاد الحقيقية لفلسفتهم فى ذلك الوقت وإنما نفر الجميع من هذه الشحنة الثورية القوية وأعتبروها أفكارا هدامة للحقائق (!) وللنظام الإجتماعى وللفضائل على السواء .










رد مع اقتباس