الربيع الأمازيغي بالجزائر.. حراك من أجل الهوية
حركة احتجاجية واسعة ذات طبيعة ثقافية شهدتها مدينتي تيزي وزو (وسط شرق) والجزائر العاصمة بين مارس/آذار وأبريل/نيسان 1980.
واندلعت الاحتجاجات بعد منع السلطات الجزائرية تنظيم محاضرة حول الشعر الأمازيغي قديما كان مقررا أن يُلقيها بجامعة تيزي وزو الكاتب الأمازيغي مولود معمري، في العاشر من مارس/آذار 1980.
السياق
يشكل الأمازيغ جزءا مهما من النسيج الاجتماعي الجزائري، كما أنَّ الدراسات الأنتروبولوجية والتاريخية تتواتر على تأكيد أن الأمازيغ هم السكان الأصليون للجزائر ومنطقة شمال أفريقيا عموما منذ فجر التاريخ.
ومع استقلال البلاد عن فرنسا، حلت اللغة العربية محل الفرنسية ونهجت الحكومات المتعاقبة سياسة تعريب كثيفة كنتيجة للتوجهات القومية العروبية.
وأبدى الأمازيغ في الجزائر امتعاضا مطردا من تهميش لغتهم ومن عدم اهتمام الدولة بموروثهم الثقافي، وبقي هذا الإشكال اللغوي نخبويا لا يكاد يجاوز بعض الأكاديميين والمثقفين انتظموا في إطارٍ أكاديمي سموه الأكاديمية الأمازيغية التي تأسست في عام 1966 واتخذت من باريس مقرا لها.
ورغم إسهام الأكاديمية الهام في إثراء النقاش حول اللغة والثقافة الأمازيغية، خاصة مع تبنيها حرف تيفنياغ لكتابة الأمازيغية، إلا أن تأثيرها بقي محدودا على السلطة الجزائرية وعلى الحركة الأمازيغية.
ونجحت كتابات المفكرين الأمازيغيين -أغلبهم كان في المنفى- في إثارة نقاش حي في الأوساط الأمازيغية داخل الجزائر، وخاصة في تيزي وزو حيث أكبر تجمعات الأمازيغ في الجزائر.
الأحداث
في 10 مارس/آذار 1980، كان مقررا أن يلقي الكاتب مولود معمري، محاضرة عن الشعر الأمازيغي قديما بجامعة تيزي وزو التي تأسست قبل ذلك بأربع سنوات فقط.
رفضت السلطات المحلية ترخيص المحاضرة من دون تقديم تبريرات، واكتفت بالقول إنَّها تنفذ تعليمات واردة من الجزائر العاصمة.
في اليوم الموالي، خرجت مظاهرات منددة بالمنع في تيزي وزو والجزائر العاصمة، كما شل إضراب عام منطقة القبائل. وجابت مسيرة تيزي وزو شوارع المدينة وتوقفت أمام مقر حزب جبهة التحرير الوطني ومبنى الولاية (المحافظة). ورفع المحتجون شعارات من بينها "الثقافة الأمازيغية.. ثقافة شعبية" و"كفى من القمع الثقافي" و"محاضرة معمري لماذا مُنعت".
وكانت مظاهرات تيزي وزو والجزائر العاصمة أول حركة احتجاجية شعبية تعرفها الجزائر منذ الاستقلال، وشكَّلت صدمة بالنسبة للسلطات التي بدت مرتبكة ومترددة في الردَّ المناسب.
وترجم هذا التردد تأخر ردَّ رئيس الجمهورية آنذاك الشاذلي بن جديد على الأحداث، ولم يأت خطابه إلا في 17 أبريل/نيسان أكد فيه أنَّ الجزائر عربية وإسلامية وأنَّ الديمقراطية لا تعني الفوضى.
ولم يُبد الرئيس أي تجاوب مع مطالب المحتجين، بل إنَّ قوات الأمن اقتحمت بعد ذلك بيومين مراكز تجمع المحتجين (جامعة تيزي وزو، مستشفيات، مصانع….) وأسفرت العملية الأمنية عن اعتقال 24 شخصا، وهو ما غذى الحركة الاحتجاجية التي تبنت مطلب الإفراج عن هؤلاء.
وفي تيزي وزو أغلقت جميع المدارس التي تُدرس بالعربية، وأتلفت لوحات الإشارات والإعلانات المكتوبة بالعربية في ظل إنزالٍ أمني كثيف عزل المدينة عن العالم. وبلغت حصيلة الاحتجاجات أكثر من 120 قتيلا وخمسة آلاف جريح.
وسعت الحركة الأمازيغية إلى استثمار الاحتجاجات لصالحها، فنشطت شخصياتها في الكتابة عن الأحداث وعن الإشكال الثقافي الأمازيغي في الصحافة الدولية والإقليمية.
ومع الدخول المدرسي الموالي (1980-1981)، كانت الحركة الأمازيغية قد نصبت هيئات ثقافية أمازيغية في كل الجامعات بوسط البلاد، ونشَّط مثقفون أمازيغيون النقاشات حول المسألة الأمازيغية في جامعة الجزائر. وفي العام الدراسي نفسه، شهدت مدينة بجاية المجاورة لتيزي وزو احتجاجات ذات خلفية أمازيغية وإنْ كان محركها المباشر التراجع عن إقامة جامعة في المدينة وتحويله إلى مدينة أخرى.
النتائج
ألقت الاحتجاجات الضوء على المسألة الأمازيغية وأكسبتها بعدا شعبيا بعد أن ظلت قضية نخبوية منذ الاستقلال، كما ألهمت حركات احتجاجية ذات طبيعة اجتماعية عرفتها البلاد في سنوات لاحقة بدءا بأحداث قسنطينة في 1986 وصولا إلى أحداث الخامس أكتوبر/تشرين الأول 1988 التي دفعت السلطات إلى اعتماد التعددية السياسية.
وفضلا عن ذلك، نزع الربيع الأمازيغي الحظر عن المسألة الأمازيغية التي كانت إلى ذلك الحين من الممنوعات في المشهد الإعلامي الجزائري، كما أسهم في قيام حركة ثقافية أمازيغية ذات بعد شعبي.
ولاحقا تأسست المحافظة السامية للأمازيغية في 27 مايو/أيار 1995 في عهد الرئيس الجزائري ليامين زروال، على إثر الإضراب المفتوح الذي نفذته الحركة الأمازيغية في منطقة القبائل.
وجاء حدث التأسيس عقب اتفاق مبدئي بين ممثلي الجمعيات والهيئات الأمازيغية وبين الرئيس زروال يوم 22 أبريل/نيسان 1995، وترتبط المحافظة برئاسة الجمهورية مباشرة.
ومن النتائج المتأخرة للربيع الأمازيغي، شروع وسائل الإعلام الرسمية في بث نشرات بالأمازيغية بدءا من أواسط تسعينيات القرن العشرين، وفي مطلع العشرية الثانية من القرن العشرين بدأ تدريس الأمازيغية في المدرسة العمومية كما أُنشئت هيئة حكومية لترقيتها.
ولاحقا تم اعتماد اللغة الأمازيغية لغة وطنية ودسترتها، على أنَّ الإنجاز الأهم هو دسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية في التعديلات الدستورية التي أُعلن عنها مطلع 2016.
المصدر : الجزيرة