قال رحمه الله :
قلت : الأقسام خمسة :
أحدها : طبيب حاذق ، أعطى الصنعة حقها ، ولم تجنِ يدُه ، فتولَّد من فعله المأذون فيه من جهة الشارع ، ومن جهة من يطبه : تلف العضو ، أو النفس ، أو ذهاب صفة : فهذا لا ضمان عليه ، اتفاقاً
فإنها سراية مأذون فيه [السراية : ما ترتب على الفعل ونتج منه] ، وهذا كما إذا ختن الصبي في وقت وسنُّه قابل للختان ، وأعطى الصنعة حقها ، فتلف العضو ، أو الصبي : لم يضمن .
القسم الثاني : مطبِّب جاهل ، باشرت يدُه من يطبه ، فتلف به : فهذا إن علم المجني عليه أنه جاهل لا علم له
وأذن له في طبه : لم يضمن ، ولا تخالف هذه الصورة ظاهر الحديث ؛ فإن السياق وقوة الكلام
يدل على أنه غرَّ العليل ، وأوهمه أنه طبيب ، وليس كذلك ، وإن ظن المريض أنه طبيب ، وأذن له في طبِّه لأجل معرفته : ضمِن الطبيب ما جنت يدُه
وكذلك إن وصف له دواء يستعمله ، والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته ، وحذقه ، فتلف به : ضمنه ، والحديث ظاهر فيه ، أو صريح .
القسم الثالث : طبيب حاذق ، أُذن له ، وأَعطى الصنعة حقها ، لكنه أخطأت يدُه ، وتعدَّت إلى عضو صحيح ، فأتلفه ، مثل : أن سبقت يدُ الخاتن إلى الكَمَرة - وهي : رأس الذَّكَر- :
فهذا يضمن ؛ لأنها جناية خطأ ، ثم إن كانت الثلث فما زاد : فهو على عاقلته ، فإن لم تكن عاقلة : فهل تكون الدية في ماله ، أو في بيت المال ؟ على قولين هما روايتان عن أحمد .
القسم الرابع : الطبيب الحاذق الماهر بصناعته ، اجتهد ، فوصف للمريض دواءً ، فأخطأ في اجتهاده ، فقتله : فهذا يخرَّج على روايتين
إحداهما : أن دية المريض في بيت المال ، والثانية : أنها على عاقلة الطبيب ، وقد نص عليهما الإمام أحمد في خطأ الإمام ، والحاكم .
القسم الخامس : طبيب حاذق أعطى الصنعة حقَّها ، فقطع سِلْعة – لحمة زائدة - مِن رجُل ، أو صبي ، أو مجنون ، بغير إذنه ، أو إذن وليه ، أو ختن صبيّاً بغير إذن وليه ، فتلف
فقال أصحابنا : يضمن ؛ لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه ، وإن أذِن له البالغ ، أو ولي الصبي ، والمجنون : لم يضمن ، ويحتمل أن لا يضمن مطلقاً ؛ لأنه محسن ، وما على المحسنين من سبيل
وأيضاً : فإنه إن كان متعديّاً : فلا أثر لإذن الولي في إسقاط الضمان ، وإن لم يكن متعديّاً : فلا وجه لضمانه ، فإن قلت : هو متعد عند عدم الإذن ، غير متعد عند الإذن قلت : العدوان ، وعدمه ،
إنما يرجع إلى فعله هو ، فلا أثر للإذن وعدمه فيه ، وهذا موضع نظر .
"زاد المعاد" (4/128 – 130) .
وذكر ابن القيم رحمه الله بعد ذلك فصلاً نافعاً في " الطبيب الحاذق " وأنه هو الذي يراعي عشرين أمراً ! وذكرها هناك ، فلتنظر .
ومن أعطى المهنة حقَّها ، وعالج وفق الأصول المهنية المعروفة ، وترتب على عمله خطأ ، كتلف عضو أو وفاة
: لم يضمن الطبيب شيئاً ؛ لأنه مأذون له في العلاج من ولي الأمر ، ومن المريض أو وليه ؛ ولأنه حاذق في مهنته ، ولو ضمِّن مثل هذا لكان فيه ظلم له .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :
إذا كان الطبيب حاذقاً ، وأعطى الصنعة حقَّها ، ولم تجن يده ، أو يقصر في اختيار الدواء الملائم بالكمية
والكيفية ، فإذا استكمل كل ما يمكنه ، ونتج من فعله المأذون من المكلف ، أو ولي غير المكلف تلف النفس ، أو العضو : فلا ضمان عليه ، اتفاقاً ؛ لأنها سراية مأذونة فيها ، كسراية الحد ، والقصاص .
"فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (8/104) .
قال علماء اللجنة الدائمة :
إذا فعل الطبيب ما أُمر بفعله ، وكان حاذقاً في صناعته ، ماهراً في معرفة المرض الذي يجري من أجله العملية وفي إجرائها ، ولم يتجاوز ما ينبغي أن يفعله : لم يضمن ما أخطأ فيه
ولا ما يترتب على سرايته من الموت ، أو العاهة ؛ لأنه فعل ما أذن له فيه شرعاً ، ونظيره ما إذا قطع الإمام يد السارق ، أو فعل فعلاً مباحاً له ، مأذوناً له فيه .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 24 / 400 ) .
فهذه أقسام الأطباء ، وهذه أحوالهم وأحكامهم ، وتنطبق هذه الأحكام على كل من يشتغل بالطب ، وتصدق هذه الأحكام على : الحجّام ، والفاصد ، والمجبِّر
والكوَّاء ، والمعالج للحيوانات ، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله بعد ذِكره تلك الأقسام للأطباء .
والواجب على الأطباء أن يتقوا الله تعالى في مرضاهم ، وأن لا يتعجلوا التشخيص ، وأن يتعاون مع غيره ممن هم أعلم منه ، وأن يعترف من أخطأ منهم .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
يجب على الطبيب أن يتحرى في تشخيص المرض ، ويتعاون مع زملائه في ذلك قبل إجراء العملية ، ويستعين في التشخيص بقدر الإمكان بالآلات الحديثة
ولا يتعجل بالعملية قبل التأكد من التشخيص ، وإذا أجراها بعد ذلك وأخطأ : فعليه أن يعلن خطأه لمن هو مسئول أمامهم ، ولا يموه ، ولا يعمِّي ، ويسجل ذلك في ملف المريض ؛
خوفاً من الله تعالى ؛ وأداء لواجب الأمانة ؛ وإيثاراً لمصلحة المريض ؛ وتقديما لها على مصلحة المعالج ؛ ودفعا لما قد يترتب على التعمية والتمويه من العواقب السيئة للمريض .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/401) .
ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد .
والله أعلم
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين