../
[] مقدمة بين يدي متصفحنا []
انتقيتُ لكم هنا أهم ما جاء في مقدمة الكتاب / بتصرف واختصار /
...
إن حقيقة البلاغة مركوزة في النفس مُستقرّةٌ فيها بالقوة والفعل مصداقا للقرآن الكريم: [ خلق الإنسان (3) علّمه البيان (4)]، وما علم البلاغة بما احتواه من تقسيمات وقواعد سوى تنبيه لِمَلَكَتِكَ وإيقاظٌ لموهبتك، فإن أوغلت في دراسته وتقصّي دقائقه وتقاسيمه وما اختُلِفَ فيه، كان ذلك عبئاً على ذوقك وتقييدا لِمَلَكَتِكَ، فالبلاغةُ ذوقٌ وطبعٌ، فإن مَهَرَ فيها أحدٌ بغير الطّبع المُجرّد فما مهر فيها إلا بِتطبُّعِهِ، والاكتسابُ ممكن في كل فنٍّ من فُنونِ العلمِ، وما مِن تطبُّعٍ إلا ولهُ أصلٌ في الطّبعِ قلَّ أو كثُرَ.
...
العقل الصّريح و علوم اللغة جناحان لطالب العلم، بهما يُحلق لفهم كتاب الله، وحديث رسول الله، والبلاغة بِضْعَةٌ من علوم اللغة. فكم من مسألة وقع فيها النِّزاعُ، وخَطَلُ الرّأي بسببِ الجهل بمعنى اللفظ ودلالته، وضَعْفِ التّأمُّلِ في الوجهِ الإعرابِيّ واللغوي للكلمة ..
ولهذا قال أحد البلغاء:
لا يكون البليغ بليغاً حتى يكون معنى كلامه أسبقَ إلى فهمِكَ من لفظِهِ إلى سمعِكَ ..
وقالوا:
البلاغةُ مُراعاةُ مُقتضى الحال ..
وعبّروا عنها في الحِكَمِ بقولهم:
لكلل مقام مقال، ولكلِّ حادثٍ حديثٌ ..
والمقاماتُ متفاوتة، فلا يَحْسُنُ الإطنابُ في مقام زيارة المريض، والحديث عن الموتِ، وأخبار الذين هلكوا بسبب هذا المرض، أما المقامُ الذي لا مُتَّسَعَ فيه للوقت لانشغال المُخاطبِ، مثلا، لا يجوز فيه الإطنابُ، كما لا يحسُنُ الإيجاز في مقام المدح والاعتذار والنّسيبِ. وكُلُّ من أخطأ هدفَهُ من كلامِهِ ولو كان جيّدَ اللفظِ، قويَّ السّبكِ، فإنّهُ مُجانِبٌ للبلاغة في ميزان أهلِ البيانِ.
...
البلاغةُ فصاحةُ في اللسان، وذوقٌ في الوُجدان، ومُتعةٌ في الأذهان، يُصقَلُ بالتأمُّلِ في أساليب القرآنِ وكلامِ البُلغاء. والطّبعُ وحدهُ لا يكفي.
.. 
/
/ يتبع 
/