في احدى الليالي و في مدخل الشتاء البارد ، كنت نائما في أحضان بطانيتي الدافئة و اذا بي أسمع طقطقة صوت المطر المنهمر ففتحت نافذة غرفتي لوهلة و إذا بي أرى منظرا اقشعر له بدني و انهالت له مدامعي .
رجل شيخ هرم ، يتصارع مع خيمة بالية تكاد تأخدها الرياح ، فخرجت مسرعا و أعنته على الوقوف بعد أن ابتلت كل ثيابه و أخدته مسرعا الى البيت و قلبي يتمزق حسرة و ألما لحاله ، فأكرمته وقدمت له بعض الثياب و الطعام ـ يا للصورة الرهيبة ترسم مبلغ الجوع و الأسى ، و بعد مدة أخد الشيخ يشكرني و عيناه مغرورقتان بالدمع ، فأخدت بيده و سألته عن سبب حالته المأساوية ، ففتح لي قلبه على مصرعيه و قال لي يا بني دعني أفرغ ما في قلبي لعل البكاء يداويني ، كان لي عائلة و أبناء فأعطيتهم وقتي و مالي و كل حناني حتى اشتد عودهم و أصبحوا رجالا فتزوجوا و هاهم يرمونني دون شفقة ولا رحمة الى أين ؟ الى الضياع الى التشرد و الحرمان ، ثقل كاهلي هما وغما أهذا جزاء الاحسان ؟ اهذا جزاء الوالد ؟ فلم يكن لي بعد سماع تلك الآهات تعبير ولا كلام فقلت له صبرا يا جدي صبرا أسأل الله أن يرفع عنك البلاء و يفرغ على قلبك صبرا .
تلك الليلة التي لن أستطع وصفها و لا حتى نسيانها ، واخجلتاه ..وا أسفاه .. أين عذاب الضمير بل أين طاعة الله و الوالدين ، و أين نحن أين ؟ نائمون في دفء و البعض يموتون جوعا و بردا .