منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التداولية ومنزلتها في النقد الحديث والمعاصر
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-12-29, 13:25   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عاشق العفة
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عاشق العفة
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز 
إحصائية العضو










افتراضي

التداولية : الظهور والمنشأ والتطور :
1 ـ الدراسات اللغوية : من البنيوية إلى التداولية :
مما هو معلوم أن البحوث اللسانية قد انصب اهتمامها على الدراسات اللغوية من جميع جوانبها ، وما تثيره هذا الدراسات من قضايا جوهرية على شاكلة : أصل اللغة ونشأتها وتطورها ... ولكن الذي غلب على هذه النظريات ، وهي تتناول اللغة بالدراسة والبحث، هو أنها تناولتها في جانبها الصوري الوصفي. كما أن كل دارس قد درس اللغة من وجهة نظر الأدوات المنهجية التي يوظفها في تحليله ذاك . وهذا يفسر طول عمر "المرحلة الوصفية" في القرن المنصرم ، هذا عامل . والعامل الثاني يتمثل في بطء تحول نظرة اللسانيات الشديد من التأمل الوصفي للظواهر اللسانية ، إلى الرؤية التفسيرية لهذه الظواهر .
ولذلك فلا نعجب إذا ما عثرنا على "الأدوات الوصفية" التي ما يزال بعضهم يستعين بها في الدراسات اللسانية . ولاسيما في وطننا العربي ، الذي عجز عن مسايرة تقدم العلوم اللسانية عند غيرنا من أمم أوربا ، وسيان في ذلك الشق النظري والشق المنهجي .
حينما ظهرت المدرسة البنيوية كان من مبادئها أنها دعت إلى تحليل العمل الإبداعي على أساس أنه آلة لتصنيع الأشكال اللغوية القابلة للتفكيك ، ثم إعادة التركيب والبناء ، ÷فالنص الإبداعي في نظرهم عبارة عن رقعة شطرنج قوامها المداخل المعجمية المرموقة وفق قوانين البنيوية ، أي علائقية ، باعتبار أن مفهوم البنية يقوم أساساً على العلاقات قبل أن يقوم على الكيانات المعزولة ×([13]). وفي زمن لاحق لهذه الدراسة، برز إلى الوجود مصطلح جديد يدعى "التفكيكية"، وهي بمثابة التحليل العلمي للإبداع في جميع مظاهره.
ولقد واكب حركة التفكيك هذه نشوء ما يسمى "البنيوية التكوينية" ، والتي ألحت على إقحام المكون الاجتماعي في التحليل البنيوي . وكان من نتائج هذه الدعوة أن ظهر ما يعرف بـ : "سوسيولوجيا الأدب" بزعامة "لوسيان قولدمان" ، و"أمبرتو إيكو" وذلك من خلال كتابه "البنية الخفية" والتي يقصد بها "البنية المجتمعية" . وهو أمر لم تكن تعترف به تعاليم البنيوية فيما سبق ، لاعتقاد أصحابها أن هذه البنية تنأى بالناقد عن الآلية الإبداعية . ناهيك من أنه مكون يشوش على الناقد ، ويحُول بينه وبين الوصول إلى المكونات الأساسية للنص ، أي لبنية النص المدروس .
ومع ذلك واصلت البنيوية مدها الذي بلغ منتهاه في تحليل النص الأدبي ، خاصة مع ظهور التوجه البنيوي الذي على في الدعوة إلى التحليل الوصفي ، وتشدد في تطبيق إجراءات المنهج الشكلي . ومن رواده : غريماس ، جيرار جينيت ، كورتيس، دريدا ... وآخرون .
وبعد هذا كله حل عصر الاتجاه التداولي ، والذي نتوسم فيه أنه من الممكن أن يقدم للنقاد والعاملين في حقل الأدب ، والمتعاملين مع النصوص الأدبية ، أدوات إجرائية ومنهجية تعينهم على أن ينْفذوا إلى أعماق البنية الإبداعية عند المبدع ، كما تُعين المؤلف على أن يبلور نظرة نقدية للنص الذي أبدعه .ومن هنا تكمن فائدة هذا المنهج في أنه يقدم أدوات جديدة للعمل النقدي الذي يتعامل فيه مع جميع النصوص الإبداعية ، والتركيز على النص "المتحرك" ، أي معاينته أثناء أدائه وظيفته التواصلية .
أن التداولية كمبحث لساني حديث الظهور ـ ذلك أن الاهتمام بالبعد لتداولي للغة ليس منا ببعيد ـ حيث يؤول زمن بروز البحوث المنجزة في إطار السياق الثقافي الغربي ـ باعتباره المرجع الأساس لهذا النوع من الدراسات ـ إلى فترة الثمانينيات . غير أن هذا لا يمنعنا من القول بأن قبسات هذا المبحث قديمة جدا ، فقد عثر على كلمة "Pragmaticus" (التداولية) عند الإغريق واللاتين، والتي تدل على كلمة "عملي" . بينما الاستعمال الحديث للتداولية Pragmatiqueيعود إلى تأثير الفلسفة الأمريكية "البراغماتية"([14]) . وذلك بعد أن توسع مفهوم البراغماتية ليشمل معاني المحادثات . فمنذ أن نبّه الفيلسوف "شارل موريس" في كتابه "أسس نظرية العلامات" 1983 إلى أن التداولية يجب أن تهتم بدراسة علاقات العلامة بالمؤولين ، مذ ذاك انصب اهتمام التداولية على البعد العملي للمعنى ، أي معنى المحادثة . هذا التنبيه نجم عنه لفت نظار النقاد والباحثين إلى أهمية تفسير المحادثات الواقعة فعلا . واستنادا إلى ذلك ، فقد تم توصيف التداولية بأنها فهم اللغة الطبيعية . وبهذا تم استقلال التداولية عن الفلسفة البراغماتية التي كانت الموجه لمبحث التداولية ، وغدت رافدا فرعيا لنهر اللسانيات الكبير .
لقد شهدت الدراسات التداولية تطورا سريعا في الغرب الأنجلوساكسوني ، ويعزى هذا التقدم إلى جهود الباحثين الذين كان لهم الباع الطويل في هذا التطور . وذلك ما حصل في بلدان الأراضي المنخفضة والدانمرك والنرويج وبلجيكا . وكان من ثمرات هذا التطور أن تمخض عن ميلاد "الجمعية التداولية العالمية" IPRAالعام 1987 . وفي معترك هذا التطور ، ظلت التداولية ذات وجهة فلسفية توجهها الممارسات الفلسفية . ولكنها ما انفكت تشهد تحولها التدريجي منذ سنوات نحو تشكلها كحقل لساني بالإبقاء على كينونتها العلمية في معالجة المعنى اليومي . وما تجدر إليه ها هنا هو أنه بالرغم مما بذهب إليه الكثير من الباحثين من أن التداولية Pragmatique، والمذهب الذرائعي الفلسفي Pragmatismeمختلفان· إلا أن بعض الباحثين يرى أن المذهب الذرائعي هو أحد مصادر التداولية ، وأصل التسمية يعود إلى منظري السيمياء مثل :"ش.س.بورس"··،"شارل موريس"، "جون ديوي"...([15]).
ونتيجة لذلك يسجل المتتبعون لمسار الدراسات التداولية بأنها سارت في اتجاهين اثنين هما : الدراسات اللسانية والدراسات الفلسفية . فالدراسات اللسانية استعملت التداولية بوصفها جزء من السيميائية اللسانية ، وليس بعلاقتها بأنظمة العلامات عموماً . ويلاحظ بأن هذا الاتجاه اللساني ما زال ساريا لحد الآن في اللسانيات الأوربية .بينما الدراسات الفلسفية ، وبالأخص في إطار الفلسفة التحليلية ، فقد خضع مصطلح التداولية إلى عملية تضييق في مجاله . فها هو الفيلسوف "كارناب" يساوي بين التداولية والسيمياء الوصفية ، بيد أن هذه البحوث التي استندت إلى هذا الفيلسوف قد اعتراها التوسع لتشمل دراسات من خارج اللسانيات ، نذكر منها : دراسات فرويد ، ويونغ عن "زلات اللسان" و"تداعي الكلمات" . ذلك أن التطور الحاصل في نظرة "كارناب" بيّن مدى أهمية وضع قيمة زمان ومكان الحدث الكلامي في الحسبان ، علاوة على دراسة اللغة المستعملة . ولهذا كان من المناسب جداً أن يتغلغل إلى تعريف "كارناب" لتداولية مفهوم "السياق" . هذا السياق الذي ينطوي على هويات المشاركين في الحدث الكلامي ، ومقاصدهم منه ، والمحددات الزمانية والمكانية ، والمعتقدات . وكذلك من جهته فقد ساهم تعريف "موريس" للتداولية في النهوض بمجموعة من الدراسات شملت دراسة الظواهر النفسية والاجتماعية الموجودة داخل أنظمة العلامات بشكل عام ، أو داخل اللغة بشكل خاص . ودراسة التصورات التجريدية التي تشير إلى الفاعلين ، وكذا دراسة المفردات التأشيرية·.
واستنادا إلى ما قيل عن هذا المنهج الجديد ، تشير الدراسات إلى أن ظهور التداولية كمنهج ونظرية ، يعود الفضل فيه إلى الفيلسوف الإنجليزي "ج.أوستن" ، بصدور مؤلفه "كيف نصنع الأشياء بالكلمات"، واصفا التداولية بأنها: ÷ جزء من دراسة أعم : هي دراسة التعامل اللغوي من حيث هي جزء من التعامل الاجتماعي ×([16]). فإذا ما نحن تقفينا الأثر ، ودققنا النظر في التعريف الأوستيني ، نستشف أن هذا الفيلسوف يروم نقل دراسة اللغة من النظر إليها من جانبها اللغوي والنحوي والنفسي لها ، إلى المستوى الاجتماعي ، ودائرة التأثير والتأثر من خلال استعمال اللغة لتحقيق التواصل . الأمر الذي أدى إلى نشوء جملة من التيارات في إطار دراسة التعامل اللغوي أهمها ÷ التيار الأوستيني أو البراغماتية عند استعمال اللغة ×([17])، ويُعدّ "غرايس"Griceأحد أبرع أعلام هذا التيار .










رد مع اقتباس