منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الإقرار بالمسؤولية الجنائية لرئيس الدولة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-11-07, 00:25   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
kamal_cat
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية kamal_cat
 

 

 
إحصائية العضو










M001 تابع

المبحث الثالث :
تطبيقات المسؤولية الجنائية لرئيس الدولة في الدستور الجزائري

الفرع الأول : شروط تطبيق نص المادة 158 من الدستور

أول نص دستوري تضمن صراحة مسؤولية رئيس الجمهورية جنائيا نص المادة 158من دستور 1996 التي جاء فيها:
"تؤسس محكمة عليا للدولة تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية عن الأفعال التي يمكن وصفها بالخيانة العظمى، ورئيس الجمهورية عن الجنايات والجنح التي يرتكبها بمناسبة تأديته لمهامه" .
وهذا النص الدستوري .المستحدث يعبر بحق عن الديمقراطية الحقيقية وعن دولة القانون من خلال وضع جهاز دستوري قضائي جديد على مستوى عالي (محكمة عليا للدولة) مهمتها الرقابة القضائية الجزائية على رئيس الجمهورية ممثلا أعلى وأقوى سلطة في الدولة وهي السلطة التنفيذية خصوصا رئيس الجمهورية رئيس السلطة السامية في الدولة ، وحامي الدستور وقاضي القضاة ، والقائد الأعلى للقوات المسلحة ...ومحاكمته من طرف محكمة داخلية هي بلا شك فكرة جزئية نحو تكريس دولة القانون وتمثل ذروة النمو الديمقراطي لدولة فتية مثل الجزائر ، و تجسد بوضوح مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية .

أولا- الشروط المتعلقة بالمحكمة المختصة :
لقد أسس الدستور هيئة قضائية جديدة من نوعها تسمى المحكمة العليا للدولة ، وهي محكمة استثنائية ذات طابع جزائي وسياسي تختص بمحاكمة شخصين فقط هما :
رئيس الجمهورية عن عن جريمة الخيانة العظمى
ورئيس الحكومة في حالة جناية او جنحة
بشرط ارتكابهما أثناء ممارسة مهامهما ، أي أثناء العهدة الرئاسية لرئيس الجمهورية وطيلة بقاء رئيس الحكومة على رأس حكومته .
ويظهر أن حصانة رئيس الجمهورية أوسع من حصانة رئيس الحكومة ، ففي حين يحاكم رئيس الجمهورية عن جريمة واحدة ، لإن رئيس الحكومة يحاكم عن كل جنحة أو جناية يرتكبها أثناء مهامه .
والملاحظ أن المؤسس الدستوري لم يحدد نوع هذه الجنح أو الجنايات ، والقاعدة تقضي أن المطلق يبقى على إطلاقه ما لم يقيد ، ونحن نتظر صدور القانون العضوي الذي سوف يحدد لنا طائفة هذه الجرائم ، إذ ان روح النص يذهب إللى أنه ليس المقصود كل الجنح والجنايات التي يعاقب عليها القانون العام ، وإنما فقط الجنح والجنايات التي تمس النظام العام كالتمرد ومحاولة الإنقلاب ، والتخابر وتسريب أسرار الدولة ، ولا يعقل ظان يتابع رئيس الجمهورية أمام هذه المحكمة بجنحة سب أو جنحة شيك بدون رصيد ...
ومن شروط تطبيق هذا النص الدستوري ، هو أن ترتكب الجريمة أثناء ممارسة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لمهامهما .
والتساؤل المطروح : هل هذا يعني أن النص لا يعاقب في حالة ارتكاب هذه الجرائم خارج المهام الرسمية ، أي قبل أو بعد انتهاء العهدة الرئاسية لرئيس الجمهورية أو بعد انتهاء مهامه بغض النظر عن سبب الإنهاء .
والجواب هو صحيح أن المحكمة العليا للدولة غير مختصة بنظر هذه الجريمة ، ولكن مرتكب الفعل يساءل ولا يعاقب ليس أمام هذه المحكمة وإنما أمام محكمة الجنايات ، وبالذات أمام محكمة الجنايات بالجزائر العاصمة طبقا لنص المادة 573 من قانون الاجراءات المدنية .
مع الإشارة إلى أن هذه المادة في الواقع نصت على إختصاص محكمة جنايات العاصمة بمحاكمة أعضاء الحكومة ، ورئيس الجمهورية واحد من أعضاء الحكومة بالمفهوم الواسع لكلمة حكومة .
كما أنه من المكن كذلك أن يحاكم رئيس الجمهورية أمام المحكمة العسكرية باعتباره وزيرا للدفاع وقائدا للقوات المسلحة .

ثانيا- الشروط المتعلقة بشخص المتهم :
إن نص المادة 158 من الدستور جاء واضحا في إعطاء الاختصاص للمحكمة العليا للدولة بمحاكمة رئيس الجمهورية ، والمقصود برئيس الجمهورية ذلك الشخص المنتخب علنية وفي انتخاب عام سري ومباشر من طرف أغلبية الناخبين.
ولكن هناك حالات قد يتعذر فيها على رئيس الجمهورية ممارسة مهامه بصفة عادية ، الامر الذي يتعين معه تعيين شخص آخر يقوم بهذه المهمة ولو مؤقتا ، وهذا الشخص ليس منتخبا لذا فلا يجوز وصفه رئيس الجمهورية.
والسؤال المطروح هنا هل يمكن تطبيق نص المادة 158 من الدستور على رئيس الدولة ورئيس الدولة بالنيابة ومساءلته جنائيا أمام هذه المحكمة في حال ارتكابه لجريمة الخيانة العظمى .
طبقا للدستور الجزائري ، يجب أن نفرق بين حالتين تضمنتهما المادة 88 من الدستور ، وهي أطول مادة في الدستور الجزائري الحالي:

الحالة الأولى: وهي حالة شغور مؤقت لرئيس الجمهورية بسبب مرض خطير ومزمن :
فهنا يتولى رئيس مجلس الدولة مهمة رئيس دولة بالنيابة لمدة أقصاها 45 يوما ، ولكن بشروط شكلية مسبقة منها:


وجوب اجتماع المجلس الدستوري ، الذي يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل اللازمة ، ولا يتم ذلك إلا باللجوء إلى استطلاع رأي الأطباء المختصين .
ثم بعدها يتم اقتراح عرض الأمر على البرلمان ، وهذا لا يتم إلا بموافقة كل أعضاء المجلس الدستوري التسعة ، أي بالإجماع.
والبرلمان في هذه الحالة يجتمع بغرفتيه المجتمعتين معا ، ( تحت رئاسة رئيس مجلس الأمة ) .
ويعلن بأغلبية ثلثي أعضائه ثبوت المانع لرئيس الجمهورية.
يتولى بعدها رئيس مجلس الأمة ممارسة مهام رئاسة الدولة بالنيابة لمدة أقصاها 45 يوما.
وإذا اقترنت حالة شغور رئاسة الجمهورية بشغور رئاسة مجلس الأمة لمانع ما ، فإن رئيس المجلس الدستوري هو الذي يتولى مهمة رئاسة الدولة لنفس المدة (45 يوما ).
غير أن هناك بعض الصلاحيات لا يمارسها رئيس الدولة بالنيابة كتلك المتعلقة بإعلان حالة الطوارئ والحصار أو تعديل الحكومة أو إقالتها لحين عودة رئيس الجمهورية واستئنافه لمهامه .
وفي هذه الحالة لا تجرى أية انتخابات رئاسية مسبقة.
وإذا استمر المانع أكثر من 45 يوما يعلن شغور منصب رئيس الجمهورية وجوبا ، وفي هذه الحالة تجرى انتخابات رئاسية مسبقة .

الحالة الأولى: وهي حالة شغور مؤقت لرئيس الجمهورية بسبب استقالته أو وفاته:
وفي هذه الحالة يتم شغور منصب رئيس الجمهورية إما بالاستقالة الإرادية أو بالوفاة ، مهما كان سببها ، سواء طبيعية أو انتحار أو عن طريق جريمة اغتيال ) .
وهنا يتولى رئيس مجلس الأمة مهمة رئاسة الدولة لمدة أقصاها 60 يوما.
ولكن بعد اجراءات دستورية منها:
اجتماع المجلس الدستوري وجوبا ، الذي يعلن ثبوت الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية.
وتبلغ شهادة الشغور إلى البرلمان بغرفتيه معا الذي يجتمع فورا برئاسة رئيس مجلس الأمة ، ليؤكد للشعب حالة الشغور .
وإذا اقترنت حالة شغور رئاسة الجمهورية بشغور رئاسة مجلس الأمة لمانع ما ، فإن رئيس المجلس الدستوري هو الذي يتولى مهمة رئاسة الدولة لنفس المدة (60 يوما ) .
وتنظم انتخابات رئاسية في هذه الفترة ،ولا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية .
وعودة إلى السؤال المطروح : هل تنطبق أحكام المادة 158 من الدستور على رئيس الدولة ورئيس الدولة بالنيابة رغم أن مركزهما الدستوري أقل شأنا من مركز رئيس الجمهورية ؟
في الحقيقة نص الدستور أغفل الحديث عن هذه المسألة ، مع أن حالة اتهام رئيس الجمهورية ذاتها هي حالة من حالات الشغو حالمؤقت لرئيس الجمهورية ، وإدانته هي حالة من حالات الشغور النهائي.
وبرأينا فإنه يجب التقيد بالمعنى الحرفي لنص المادة ، بمعنى أن رئيس الدولة بالنيابة أو رئيس الدولة يبقى مستبعدا من تطبيق نص المادة 158 من الدستور عليه إذا ارتكب جناية الخيانة العظمى أثناء هذه الفترة القصيرة التي حكم فيها الدولة ، لأن الأمر يتعلق بنصوص جزائية قبل كل شيء ، وهذه النصوص يجب أن تفسر تفسيرا ضيقا ، لاسيما وان صلاحيات رئيس الدولة ورئيس الدولة بالنيابة أقل من صلاحيات رئيس الدولة.
والحل في مثل هذه الحالات هو محاكمته أمام محكمة جنايات العاصمة .
ولن أن نص القانون الإجراءات الجزائية في الحقيقة تكلم في المادة 573 عن أعضاء الحكومة ، في حين أن رئيس الدولة ورئيس الدولة بالنيابة هو رئيس مجلس الأمة ، وأحيانا هو رئيس المجلس الدستوري ، وكلاهما ليسا من أعضاء الحكومة بمعناها الضيق التي تشمل الوزراء ورئيس الحكومة فقط.
وهو فراغ ندعو مشرعنا الجزائري إلى تجاوزه ، إما باصدار قانون خاص يتعلق بمتابعة ومحاكمة الوزراء وكبار مسئولي الدولة ، وإما بإعادة تعديل أحكام المادة 573 من قانون الإجراءات الجزائية .

ثالثا- الشروط المتعلقة بالجريمة:
طرح تساؤل مهم لدى الفقه : هل جريمة الخيانة العظمى لها وصف جنائي أم وصف سياسي:
هذا السؤال سبق وأن طرح في الفقه المصري وقبله في الفقه المصري، وهنا افترقت الآراء ، بين من يرى أن هذه الجريمة ذات وصف سياسي ، في حين يرى رأي آخر بأن الجريمة ذات طابع جنائي محض ، في حين يرى البعض الآخر انها ذات وصف مزدوج
وهذا الاختلاف سبق وأن أثير في مصر وقبله في فرنسا .
فالرأي الأول :
ذهب العميد ليون ديجي L.Duguit إلى أن الدستور لم يعرف الخيانة العظمى
( يقصد دستور سنة 1875 الذي كان مطبقا في الوقت ) ولم يحدد عقوبة للخيانة العظمى . ويترتب على ذلك عدم إدخال مخالفة معينة تحت هذا الوصف ، من ناحية ، وعدم استطاعة مجلس الشيوخ توقيع أية عقوبة من ناحية أخرى .
هذا في حين يرى العميد جوج فيدال G.Vedel إلى أن الخيانة العظمى في حد ذاتها ليست جريمة جنائية ، لأن قانون العقوبات عرف الخيانة و لم يعرف الخيانة العظمى.
فالخيانة العظمى هي إهمال شديد للالتزامات الوظيفية ، و إنتهاك جسيم للواجبات الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية.
ويخلص العميد قيدل إلى أن الخيانة العظمى فكرة ذات طابع سياسي ، لم تعرف قانونا.
و يذكر الأستاذ مارسيل بريلو M.Prélot بحقيقة عدم تعريف قانون العقوبات للخيانة العظمى من ناحية ، وأن إجراء المحاكمة يخص مجلسي البرلمان و القضاة حسبما يرون ، من ناحية أخرى.
و لذلك، فإن الخيانة العظمى يمكن إثارتها في حالة وقوع خلاف خطير بين البرلمان و رئيس الجمهورية.
و يقول الأستاذ جون جيكل J.Giquel أن الخيانة العظمى تقوم كجريمة ذات طابع سياسي و محتوى متغير لم تعرف من الدستور، و يرى أنه يمكن تحليلها في مظهرين أساسيين :
إهمال جسيم من الرئيس في أداء واجباته الملقاة على عاتقه الموضحة في المادة الخامسة من الدستور ، من ناحية ، و حالة حدوث إنتهاك صارخ للدستور ، من ناحية أخرى.
ويعتبر الأستاذ ديمتري جورج لافروف D.GLavroff عن اعتقاده بأن الإدانة بالخيانة العظمى ذات طابع سياسي مؤكد ، نظرا لأن تنظيم المحاكمة و توجيه الإتهام بواسطة البرلمان لم يتم تنظيمها وفقا لقانون العقوبات .
وهذا يسمح بإمكانية الإستعمال السياسي لهذه الإجراءات في حالة الخلاف الخطير و معارضة الرئيس من جانب البرلمان .
و يرى أن الخيانة العظمى المنصوص عليها في الدستور تشبه في عدد من النقاط نظام الإتهام الموجود في دستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي يطبق كما هو معروف على رئيس غير مسؤول كذلك لأسباب سياسية .

أما الرأي الثاني:
يرى الدكتور عبد الغني بسيوني ، أن جريمة الخيانة العظمى التي يرتكبها رئيس الجمهورية هي جريمة جنائية تتضمن كل جريمة تمس سلامة الدولة أو منها الخارجي أو الداخلي، أو نظام الحكم الجمهوري، وكذلك كل عمل يصدر من رئيس الجمهورية ويعتبر إهمالا جسيما في الحفاظ على سيادة الدولة واستقلالها، أو اعتداءا على أحكام الدستور.
وهكذا ، يتضح لنا من العرض السابق لآراء فقهاء القانون الدستوري في فرنسا غلبة الطبيعة السياسية على جريمة الخيانة العظمى ، بالنظر إلى عدم وضع تعريف لها من المشرع الدستوري أو المشرع العادي من ناحية ، و طبيعة إجراءات الإتهام والمحاكمة من ناحية أخرى .

وهناك رأي ثالث :
يقوده الأستاذ ميشيل هنريM.H.Faber الذي يرى أن الخيانة العظمى تتضمن كل إنتهاك خطير من جانب رئيس الجمهورية لإلتزاماته الدستورية . وأن المسؤولية الناتجة عنها ليست قانونية صرفة ، و إنما هي مسؤولية مختلطة سياسية جنائية.
ولهذا فإنها تبقى –بالتأكيد- مجرد تهديد يلوح به ضد رئيس الجمهورية ، و لكنه لم يستخدم أبدا ، و لهذا فإن المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية ليست فعلية .
و يرجع الأستاذ باتريك أوفريه P.Auvret عدم تعريف المادة 68 من الدستور للخيانة العظمى إلى إستحالة التنبؤ مقدما بالعمل الذي يرتكبه رئيس الجمهورية و يكون ذو خطورة كافية للإحاطة بمبدأ عدم مسؤوليته.
و يقول في موضع آخر أن المسؤولية السياسية للرئيس تتعلق بمواقفه في إستعمال حقوقه وليس في خيانته واجباته . فقد يكون السبب جنائي، أو معنوي، أو سياسي صرف، ولكنه يهدف إلى غاية معنية، فالغالية المستهدفة هي التي يعتد بها في تكييف المسؤولية
و أخيرا يؤكد الأستاذ أنيتد مورو A.Moreau على وضوح الطابع المختلط ، السياسي –الجنائي لمسؤولية رئيس الجمهورية الفرنسية الإستثنائية ، من خلال إجراءات الإتهام والمحاكمة.

وبالنسبة لوصف هذه الجريمة في الدستور الجزائري فإننا نجده هو الآخر لم يعرف لنا مفهوم الخيانة العظمى ، فهل نتقيد بقانون العقوبات ونصبغ عليها وصفا جنائيا ، أم أنه نستبعد الوصف الجنائي ، ونصبغ عليها الوصف السياسي .
وبرأينا الخاص ، فإن جريمة الخيانة العظمى هي ذات طابع سياسي أكثر منها ذات طابع قانوني.
ومن ثم فإن مسألة تقدير ما إذا كان الفعل المنسوب لرئيس الجمهورية يكون جريمة عظمى أم لا متروك لقرار الاتهام الصادر من الجهة التي لها سلطة الإتهام .

الفرع الثاني : الاشكاليات القانونية المترتبة عن تطبيق المادة 158 من الدستور

نظرا للمركز الدستوري الخاص الذي يتمتع به رئيس الجمهورية، فإن اتهامه ومتابعته قد تكون من الصعوبة بمكان ، وهنا نتساءل من له صلاحية الاتهام ، ومن له صلاحية المحاكمة ، وما هي تشكلتها.
في غياب القانون العضوي المحدد لصلاحيات المحكمة العليا لدولة ، لا يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة ، ولكن يمكن التنبؤ بالهيئات التي قد تناط لها مستقبلا مهمة المتابعة والمحاكمة وغيرها من القواعد الإجرائية ، ولا يتم ذلك إلا بالرجوع إلى أحكام القانون المقارن ، لاسيما في الولايات المتحدة وفرنسا ومصر.

أولا- إجراءت المتابعة الجنائية والاتهام :
فالدستورالمصري أسند إلى مجلس الشعب سلطة توجيه الاتهام بالخيانة العظمى أو بارتكاب الجريمة جنائية إلى رئيس الجمهورية ، ويكون ذلك بناء على اقتراح مقدم من ثلثا أعضاء مجلس الشعب على الأقل ، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس وفقا للمادة 85 من القانون رقم 247 لسنة 1956 المتعلق بمحاكمة رئيس الجمهورية.
أما الدستور الفرنسي الحالي الصادر سنة 1958 ، فإنه جعل إتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى عن طريق مجلسي البرلمان –الجمعية الوطنية و مجلس الشيوخ – بواسطة قرار يصدر بالتصويت العلني و بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتكون منهم هذين المجلسين .


ثانيا- إجراءات المحاكمة :
في مصر تختص المحكمة العليا بمحاكمة رئيس الجمهورية الذي صدر ضده الاتهام من مجلس الشعب، وتمت إحالته إليها.
وتشكل هذه المحكمة وفقا للمادة الأولى من قانون محاكمة رئيس الجمهورية من اثني عشرعضوا يكون ستة منهم من أعضاء الأمة (مجلس الشعب حاليا)، يختارون بطريقة القرعة ، وستة من مستشاري محكمة النقص ومحاكم الاستئناف يتم اختيارهم بطريق القرعة أيضا من مستشارىي محكمة النقص، وأقدم ثلاثين مستشارا من محاكم الاستثناء.
يختار بطريقة القرعة كذلك عدد مساو من أعضاء المجلس المستشرين بصفة احتياطية.
وفي حالة غياب احد أعضاء الأصليين أو قيام مانع به، يحل محله أقدام الأعضاء المجلس، ويتولى رئاسة المحكمة أقدام المستشارين .
وفي فرنسا تتم المحاكمة أمام المحكمة القضائية العليا La Haute cour de justice كما نصت المادة 68 من الدستور الحالي .
وقد بينت المادة 67 من الدستور أن المحكمة القضائية العليا تتكون من أعضاء تنتخبهم الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ من بين أعضائهما ، بعدد متساو لكل منهما بعد كل تجديد عام أو جزئي للمجلسين ، وتتولى المحكمة إنتخاب رئيسها من بين أعضائها .

أما في الولايات المتحدة الأمريكية نصت الفقرة الأخيرة من المادة الثانية ممن الدستور أنه : لمجلس الشيوخ وحده سلطة إجراء المحاكمة في جميع قضايا الاتهام النيابي.
وعندما ينعقد مجلس الشيوخ لهذا الغرض يقسم جميع أعضائه اليمين أو يدلون بالإقرار. وعندما تتناول المحاكمة رئيس الولايات المتحدة، يترأس رئيس المحكمة العليا الجلسات. ولا يدان أي شخص بدون موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين.
وتقضي الدساتير أنه بمجرد اتهام رئيس الجمهورية من طرف السلطة التي تملك حق الإتهام يتعين عزله من منصبه ولو بصفة مؤقتة لحين محاكتمه.

ثالثا- العقوبة والحكم المقرر للرئيس في حال إدانته :
في مصر جاء في نهاية الفقرة الثالثة والأخيرة من المادة 85 من الدستور أنه:
"إذا حكم بإدانته (أي رئيس الجمهورية المتهم) أغفى من منصبه مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى ".
وبذلك يمثل العزل من منصب الرئاسة العقوبة الرئيسية التي توقعت على رئيس الجمهورية المتهم بارتكاب الجريمة العظمى أو الجريمة الجنائية عند إدانته ، مع ما قد تحكم به المحكمة العليا من عقوبات أخرى ، وفقا للجريمة المرتكبة.
وحددت المادة السادسة من قانون 247 لسنة 1956 العقوبات التي توقع على رئيس الجمهورية الذي ارتكب عملا من الأعمال العظمى أو عدم الولاء للنظام الجمهوري وتمت إدانته
وهذه العقوبات هي الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.
وبينت المادة 18 من نفس القانون أن الحكم بالإدانة يصدر بأغلبية الثلثين ، وبمفهوم المخالفة ، فان الحكم الصادر من المحكمة بالبراءة لا يشترط صدوره بهذه الأغلبية الخاصة.
وأوضحت هذه المادة أن الحكم الصادر من المحكمة العليا يكون نهائيا غير قابل للطعن فيه بأي طريقة من طرق الطعن،، ولكنها أجازت إعادة النظر في الأحكام الصادرة بالإدانة بعد سنة على الأقل من صدور الحكم بناء على طلب النائب العام أو المحكوم عليه أو من يمثله قانونا أو أقاربه أو زوجته بعد وفاته.
وبالنسبة لتنفيذ أحكام المحكمة العليا ، فإن المادة 23 من هذا القانون نصت على النائب العام يقوم بتنفيذ الأحكام التي تصدرها هيئة المحكمة وفقا لما هو مقرر في القانون.
وأخيرا، عالجت المادة 24 من القانون مسألة العفو عن الرئيس المحكوم عليه فقررت أنه: " لا يجوز العفو عن رئيس الجمهورية الذي صدر عليه حكم الإدانة من المحكمة العليا آلا بموافقة مجلس الأمة ( مجلس الشعب)".
وفي فرنسا لم يحدد دستور الجمهورية الخامسة ، أي دستور 1958 الحالي ، عقوبة معينة للخيانة العظمى ، بخلاف قانون العقوبات .
ولذلك فإن الفقه الدستوري الفرنسي يجمع على أن المحكمة القضائية العليا تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في تكييف الوقائع المنسوبة إلى رئيس الجمهورية في الإتهام من ناحية ، و في تقدير العقوبة المناسبة للتوقيع على الرئيس المتهم من ناحية أخرى .
ولهذا ، يرى الأستاذ بيلانجيه أن العقوبات التي يمكن توقيعها على رئيس الدولة تثير مشاكل سياسية أكثر منها جنائية .
كما يرى أنه في الإمكان تحديد ثلاثة أنواع من العقوبات المحتملة :
يتمثل الأول منها في العزل ، أي الإسقاط دون محاكمة جنائية .
و يتبدى النوع الثاني من العقوبات في العزل بعد المحاكمة الجنائية .
وهذا هو جوهر نظام الاتهام الذي هو إجراء جنائي صرف، ولكنه يتحرك بواسطة إتهام سياسي.
و أخيرا ، يأتي الجزاء السياسي الخالص ، و هو ذو درجات متنوعة .
إذ يوجد الحل السلمي غير العنيف المؤسس على حق الشكوى ، والتذمر الذي قد يؤدي إلى الإسقاط . ولكن الحل الجذري المبني على العنف ، يتجسد في الثورة .
ونفس الشيء نجده في دستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي لم يحدد بدوره عقوبة الرئيس في حال إدانته بجرم الخيانة العظمى.










خاتمة :

من خلال هذه المداخلة حاولنا استعراض أهم الأحكام الدستورية المتعلقة بمحاكمة ومتابعة رئيس الجمهورية وفق الدساتير الجمهورية والدساتير الملكية .
فإننا نرى بأن تقرير مسؤولية رئيس الجمهورية هو في حد ذاته فكرة جريئة نحو تكريس دولة القانون ، ولكن للأسف فهو في الكثير منى الدول ، لاسيما الدول العربية مجرد شعار لا غير ، و لا نعتقد أنه سيتم تفعيل هذه المواد في يوم من الأيام .
والواقع أن حدوث مثل هذه الجرائم نادر جدا ، ومع ذلك لا ننفي امكانية حدوثه ، ومن حق المؤسس الدستوري أن يحتاط لكل فعل قد يحدث تفاديا لفراغات دستورية بتجريمه ، وفي ذلك تحقيق لدولة القانون وتجسيد لمبدأ الفصل بين السلطات وتأكيد لاستقلالية السلطة القضائية .

وبالمناسبة ندعو مشرعنا إلى إصدار القانون العضوي الخاص بالمحكمة العليا لدولة ، كما أشارت لذلك الفقرة الثانية من الدستور الجزائري النافذ ، خاصة ونحن على بعد 12 سنة منذ إصدار دستور 1996 ،شأنه في ذلك شأن القانون العضوي المتعلق بحالة الطوارئ والحصار .
ونرى أن عدم إصدار القانون العضوي لهذه المحكمة لا يرجع لنقص الإمكانيات المادية والبشرية بقدر ما يرجع لعدم جرأة الهيئة الحاكمة ، وقد يتفهم من كون الحكومة لا تبادر بمشروع هذا القانون الخطير الذي قد يدنها لاحقا ، ولكن الدستور لا يمنع النواب (20 نائبا على الأقل ) من المبادرة بمشروع قانون من هذا النوع رغم الحساسية التي تطبعه ، ولكن الأمر في كل الأحوال يتعلق بمسائل قانونية ، والدستور نفسه قد فصل فيها ، كما أن دولا كثيرة سبقت في سنه ولم يثر أية ضجة بشأنه.

ونقترح بالمناسبة إصدار قانون خاص ينظم إجراءات اتهام ومتابعة الوزراء وسائر الشخصيات السامية في الدولة ، كما هو الشأن بالنسبة لرئيس المحكمة العليا ، والنائب العام بهتا ، ورئيس مجلس الدولة ، ومحافظ مجلس الدولة ، ورئيس المجلس الدتسوري ، ورئيسا غرفتي البرلمان .
بحيث يحدد تشكلة هذه المحكمة وطرق الإتهام ، وطرق الطعن وغيرها.

وفي الأخير نتمنى أن نكون قد وفقنا في عرض هذا الموضوع السياسي الجنائي ، ولا ندعي به الكمال ، لأن الكمال لله سبحانه وتعالى ، وفوق كل ذي علم عليم .


إعــــداد الأستاذ مقني بن عمار
بمساعدة الأستاذ بوراس عبد القادر
جــــامعة ابن خلدون- تيارت.


قائمة المراجع:

-د/ أحمد أبو الروس، الإرهاب والتطرف والعنف الدولي، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية ، 2001.
-د/ باية سكاكني، العدالة الجنائية الدولية ودورها في حماية حقوق الإنسان، دار هومة ، سنة 2004
-د/ بن عامر تونسي، أساس المسؤولية الدولية في ضوء القانون الدولي المعاصر، منشورات دحلب ، 1995.
-د/ حسين الشامي، الدبلوماسية نشأتها وتطورها وقواعدها ونظام الحصانات والإمتيازات الدبلوماسية، بيروت، لبنان، ط2 ، سنة 1995 .
-د/ سامي عبد الحميد، القانون الدبلوماسي والقنصلي، منشأة المعارف الإسكندرية ،2003 .
- د/شريف بسيوني، الجرائم ضد الإنسانية، مطبعة نيهوف ناشرون، ط2، 1990 ..
-د/صبحي المحمصاني، القانون والعلاقات الدولية في الإسلام، دار العلم للملايين، دت .
-د/عبد العزيز سرحان، قانون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، ط2، دار النهضة العربية ، 1983،
- د/عبد القادر البقيرات ، مفهوم الجرائم ضد الإنسانية، الديوان الوطني للأشغال التربوية ، سنة2004.
- علي صادق أبو هيف، القانون الدبلوماسي، منشأة المعارف الإسكندرية، 1977.
عمر صدوق، محاضرات في القانون الدولي العام، ديوان المطبوعات الجامعية ، 2003.
- فاوي الملاح، سلطات الأمن والحصانات والإمتيازات الدبلوماسية، دار المطبوعات الجامعية ، ط 2، سنة 1993 .
- د/ محمد أبو سلطان، مبادئ القانون الدولي، دار الغرب للنشر والتوزيع، ج1 ،بدون سنة نشر.
-د/ عبد العزيز العشاوي ، محاض رات في المسؤولية الدولية ، دار هومة ، 2007.
- د/ محمد عزيز شكري، المدخل إلى القانون الدولي العام وقت السلم، دار الفكر، ط4، بدون سنة نشر.
أ/بلحري حسينة ، المسؤولية الجنائية لرئيس الدولة ، دار الهدى ، الجزائر ، سنة2006.
- د/ محمد أبو زهرة ، الجريمة و العقوبة في الفقه الإسلامي ، دار الفكر العربي القاهرة .
- محمد مؤنس محي الدين ،الإرهاب في القانون الجنائي على مستويين الوطني و الدولي مكتبة الأنجلو المصرية ، دون سنة نشر.
- احمد صبحي العطار، جرائم الاعتداء على المصلحة العامة، مطبعة الهيئة المصرية، سنة 1993.
- د/ محمد الفاضل، الجرائم الواقعة على أمن الدولة. ط 4 ، المطبعة الجديدة دمشق ، 1978.
- د/ إسحاق إبراهيم منصور، شرح قانون العقوبات الجزائري، القسم الخاص ،ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر. 1983 .
- د/عبد الله سليمان ، دروس في شرح قانون العقوبات الجزائر القسم الخاص ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ط 12 ، 1992م.
- د/عبد الله سليمان سليمان، المقدمات الأساسية في القانون الدولي الجنائي، ديوان المطبوعات الجامعية ، سنة 1992.
- د/ محمد صبحي نجم ، شرح قانون العقوبات (القسم الخاص ) . ديوان المطبوعات الجامعية ، سنة 2000.
- دعبد الرؤوف هاشم محمد بسيوني: اتهام رئيس الجمهورية في النظام الامريكي، دار النهضة العربية، سنة 2002.
-د/ عزت مصطفى الرسوفي ، شرح قانون الأحكام العسكرية ، مكتبة النهضة المصرية ، ط1، 1991.
-د/ إيهاب زكي سلام ، الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني، معالم الكتب، مصر ، سنة 1983
- سامي جمال الدين ، لوائح الضرورة و ضمانة الرقابة القضائية ، منشأة المعا رف ، الإسكندرية ، سنة 2003.
-د/ سعيد بوالشعير، القانون الدستوري و النظم السياسية المقارنة ، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، الطبعة الخامسة، سنة 2002.
-د/ سليمان محمد الطماوي، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة و في الفكر السياسي الإسلامي ، مطبعة جامعة عين الشمس، مصر، الطبعة الخامسة ، سنة 1986.
-د/عبد الله بوقفة،آليات تنظيم السلطة في النظم السياسي الجزائري، دار هومة، سنة2005.
-د/ عبد الله بوقفة: الدستور الجزائري (نشأة، تشريعا، فقها) ، دار الهدى ، سنة 2005.
-عبد الغني بسيوني، النظم السياسية و القانون الدستوري، منشأة المعارف ، سنة 1997.
-د/ عمر حلمي فهمي، الوظيفة التشريعية لرئيس الدولة في النظامين الرئاسي و البرلماني، دار الفكر العربي، الطبعة الأولى، سنة 1980.
-د/ ماجد راغب الحلو، القانون الدستوري، دار المطبوعات الجامعية للنشر، سنة 1997
- د/ محمد باهي أبو يونس ، الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظامين المصري و الكويتي، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، سنة 2002.
- د/ محمد رفعت عبد الوهاب ، القانون الدستوري، منشأة المعارف بالإسكندرية، مصر، بدون سنة نشر.
-د/مصطفى أبو زيد فهمي ، القانون الدستوري و النظم السياسية، دار المطبوعات الجامعية، مصر، سنة 1999.
- د/ مصطفى أبو زيد فهمي ، الدستور المصري فقها و قضاء، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، الطبعة التاسعة، سنة 1996.